إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115 ـ 1206هـ)









إعلان الدّعوة

إعلان الدّعوة

1. في حريملاء

بعد أن توفي والد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، جهر الابن بدعوته الإصلاحية في حريملاء، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر. وتبعه أُناس من أهل البلد، وساندوه، واشتُهر بذلك. وكان يتقاسم الحكم في حريملاء يومئذ أميران، يقيم كل منهما مع قبيلته في شطر من البلد. وكل منهم يدعي السيادة، ولم يكن للبلد شيخ يقودها.

وكان في البلد عبيد لإحدى القبيلتين، يقال لهم "الحميان"، كثُر تعديهم وفسقهم، فأراد الشيخ أن يُمْنَعوا عن الفساد، وينفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهمّ العبيد أن يفتكوا بالشيخ ويقتلوه بالليل سراً، فلمّا تسوروا عليه الجدار، أبصرهم أناس فصاحوا بهم فهربوا. ومضى الشيخ يدعو إلى عقيدة التوحيد في حريملاء، وازداد اتباعه، الذين كانوا ملازمين له، يقرأون عليه كتب الحديث والفقه والتفسير. وكانت المدة، التي قضاها في حريملاء، لا تتجاوز أربعة أعوام، وضع خلالها كتابه "التوحيد"، وهو أشهر كتبه، الذي أوضح فيه أنواع البدع والشركيات، وحذر منها. وأخذ يرسل كتبه ورسله إلى بلدان مختلفة، لنشر عقيدة التوحيد. وكان أهم رجل كسبه إلى دعوته، خلال هذه المرحلة، هو عثمان بن معمر أمير العيينة.

2. في العيينة

انتقل الشيخ من حريملاء إلى العيينة، فتلقاه أميرها عثمان بالترحاب وأكرمه. وكان للشيخ في العيينة أموال، فلم يَعِشْ على مائدة الأمير، وإنما عاش من ريع أملاكه وتزوج الجوهرة بنت عبدالله بن معمر. وعرض على عثمان بن معمر ما يدعو إليه من التوحيد، ودعاه إلى نصرته. وقال: إني أرجو إن أنت قمت بنصر راية (لا إله إلاّ الله)، أن يظُهرك الله تعالى، وتملك نجداً وأعرابها. فساعده عثمان على ذلك. فأعلن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبعه أناس من أهل "العيينة". وكان في العيينة أشجار تُعظّم، ويعلق عليها، فبعث إليها سراً من يقطعها بأُجرة من ماله، فقطعت. وفي البلد شجرة هي أعظمها عندهم، فخرج إليها الشيخ بنفسه سراً يريد قطعها، فوجد عندها راعي غنم لأهل البلد، فأراد أن يمنعها منه، أو أنه خاف أن ينم عليه، فأعطاه الشيخ أحد أسلابه (أثوابه) الذي عليه وخلى بينه وبينها، فقطعها. ثم صار أمره في ازدياد، واجتمع معه نحو سبعين رجلاً، معهم من هو من رؤساء المعامرة.

ذات مساء، سمع من شباك داره رجلاً يستغيث بزيد، ويدعوه، ليعيد إليه بعيراً أضاعه، فصاح به الشيخ: "أدع الله، إله زيد، يا رجل".

وأراد الشيخ محمد بن عبدالوهاب أن يهدم قبة قبر "زيد بن الخطاب" رضي الله عنه، فأتى عند "الجبيلة"، وقال لعثمان بن معمر، رئيس العيينة: دعنا نهدم هذه القبة، التي وضعت على الباطل وضل بها الناس عن الهدى. فقال: دونكها فاهدمها. فقال الشيخ: أخاف من أهل الجبيلة أن يوقعوا بنا، ولا أستطيع هدمها إلاّ وأنت معي. فسار معه عثمان بنحو 600 رجل، فلما قربوا منها ظهر عليهم أهل الجبيلة، يريدون أن يمنعوها، فلما رآهم عثمان علم ما هموا به، تأهب لحربهم، وأمر جموعه أن تتهيأ للحرب. فلما رأوا ذلك كفوا عن الحرب، وخلوا بينهم وبينها، وقيل إن عثمان لما أتاها (أي القبة) قال للشيخ: "نحن لا نتعرضها". فقال (الشيخ) أعطوني الفأس، فهدمها الشيخ بيده حتى ساواها. ثم رجعوا، فانتظر تلك الليلة جهال البدو وسفهاؤهم ما يحدث على الشيخ بسبب هدمها، فأصبح في أحسن حال". وبهذا لم يبق وثن في البلاد، التي كانت تحت إمرة عثمان بن معمر، وعلا صوت الحق وأحييت السّنة النّبوية المطهرة.

ولمّا شاع خبر الدعوة الإصلاحية الجديدة، التي يقودها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتحدث بأمرها الركبان، أنكرها بعض المُرجفين، واجتمعوا على مخاصمة الشيخ، وإنكار دعوته الإصلاحية، بل ومحاربته إن لم يرتدع عمّا هو فيه. "فكتبوا إلى علماء الأحساء والبصرة والحرمين، يؤلّبونهم عليه، وناصرهم في ذلك بعض علماء تلك البلاد، وصنفوا المصنفات في تبديع الشيخ، وتضليله، وتغييره للشّرع والسّنة، وجهله وغوايته. وأغروا به الخاصة والعامة، خصوصا السلاطين والحكام، وادعوا أن ليس للشيخ وأصحابه عهد ولا ذمام، لرفضه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتغييره أحكام الدين. وخوّفوا الحكام والولاة منه، وزعموا أنه يملأ قلوب الجهال والطغّام (حثالة المجتمع) بكلامه ويغويهم بطريقته، فيخرجون على حكامهم وولاتهم ويعلنون العصيان"، ومع كل هذا الذي صنعوه، لم يدركوا بغيتهم، وبقى أمر الشيخ في ازدياد.

وظل الشيخ مقيماً في العيينة، ينفذ ما يراه حقاً؛ يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر, ويعلّم الناس أمور دينهم، ويزيل بيده ما قدر عليه من البدع، ويمحو ما ران على القلوب من الشرك، ويقيم حدود الله ما وسعه ذلك، وينصح الحكام بإقامتها.

3. حادثة الرّجم

أقرت امرأة من أهل العيينة، على نفسها بالزنا، وجاءت إلى الشيخ محمد، واعترفت له بذلك، "فأعرض عنها، ثم أقرّت وعادت إلى الإقرار مراراً. فسأل عن عقلها، فأخبر بتمامه وصحته، فأمهلها أياماً، رجاء أن ترجع عن الإقرار إلى الإنكار، فلم تزل مستمرة على إقرارها بذلك، فأقرت أربع مرات في أيام متواليات. فأمر الشيخ ـ رحمه الله ـ الوالي برجمها، لأنها محصنة، بأن تشدّ عليها ثيابها، وترجم بالحجارة على الوجه المشروع، فخرج الوالي عثمان بن معمر وجماعة من المسلمين فرجموها حتى ماتت. وكان أول من رجمها عثمان نفسه. فلما ماتت أمر الشيخ أن يغسّلوها وأن تكفن ويصلى عليها".

بعد حادثة الرجم هذه، كثرت الأقاويل خوفاً وفزعاً من أمر هذا الرجل. فتطاول عليه بعض العلماء منتقدين ما ذهب إليه، وأنه ليس متبعاً للسُّنة وسلف الأمة. ورد عليهم الشيخ محمد وأبان لهم وجه الحق في ذلك، وأورد الأدلة والبراهين، التي استند إليها من الكتاب والسنة وفِعْل الأئمة. "فلما أعياهم ردّ ما أفحمهم به الشيخ من حجج، عدلوا إلى ردّه بالمكر والحيلة، فشكوه إلى شيخهم: سليمان بن محمد آل حميد، رئيس بني خالد وحاكم الأحساء، فأغروه به، وصاحوا عنده وقالوا: إنّ هذا يريد أن يخرجكم من مُلْكِكم، ويسعى في قطع ما أنتم عليه من الأمور، وأقل ما يقوله للعامة أن المكوس والعشور التي يأخذها الأمراء باطلة لا يقرها الدّين، وها هو قد رجم امرأة من دون صفة له تخوله الحكم والرجم، وإنما كان يجب أن تُرفع القضية إلى السلطان، ليأذن برجمها".

فكتب سليمان بن محمد إلى عثمان بن معمر، حاكم العُيينة، يأمره بقتل الشيخ، أو إجلائه عن بلده، وشدّد عليه. وهدّده بأنّه إن لم يفعل ذلك، قطع عنه خراجه، الذي عنده في الأحساء ـ وكان خراجاً كثيراً ـ وأوعده باستباحة جميع أمواله لديه.