إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115 ـ 1206هـ)









مرحلة الدّرعية

مرحلة الدّرعية

لمّا ورد خطابُ حاكم الأحساء، إلى عثمان بن معمر، استعظم الأمر، وأمر الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالخروج من العيينة. فانتقل الشيخ سنة (1157هـ) أو (1158هـ)، من العيينة إلى بلدة الدّرعية. وقد اختار الشيخ محمد التوجه إلى الدّرعية، لوجود أنصار وتلاميذ له فيها، ولقربها من العيينة، وما تميزت به إمارتها من قوة ونماء. فنزل في دار الشيخ محمد بن سويلم العريني.

وكان يتولى إمارة الدّرعية، الأمير[1] محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان، منذ 1139هـ إلى 1157هـ، تاريخ انتقال الشيخ محمد إليها. ويدل استمرار ولايته كل هذه المدة، على الاستقرار والأمن، بل وعلى حكمة الرجل ودهائه، لأنه استطاع القضاء على دسائس المنافسين في الداخل، والدفاع عن بلاده ضد الأعداء والطامعين من الخارج.

سمع أمير الدّرعية، محمد بن سعود، بحلول الشيخ في بلده، فسارع إلى لقائه، ومعه أخواه ثنيان ومشاري، فأتاه في بيت محمد بن سويلم، فسلّم عليه، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده.

وبعد مظاهر الحفاوة، التي أبداها الأمير محمد بن سعود، للشيخ محمد بن عبدالوهاب، تحدث الشيخ مع الأمير عمّا كان عليه رسول الله، r، وما دعا إليه، وما كان عليه صحابته رضي الله عنهم من بعده وما أمروا به، وما نهوا عنه، وأن كل بدعة، في الدين، ضلالة. وما أعزّهم الله به من الجهاد في سبيل الله وأغناهم به، وجعلهم إخواناً. ثم أخبره بما عليه أهل نجد في زمنه، من مخالفتهم لشرع الله، وسُّنة رسوله، بالشرك بالله تعالى والبدع والاختلاف والظلم.

1. العهد بين الشيخ والأمير محمد بن سعود

بعد أن سمع الأمير محمد بن سعود من الشيخ مقالته، وتذكيره، وتبينت له معرفة الشيخ بالتوحيد، وعَلِم ما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية، قال له: يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شكّ فيه، فأبشر بالنصرة لك ولِما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد؛ ولكن أريد أن اشترط عليك اثنتين: نحن إذا قمنا في نصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان ـ أخاف أن ترتحل عنّا وتستبدل بنا غيرنا؛ والثانية: أنّ لي على الدّرعية قانوناً[2] آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئاً. فقال الشيخ: أمّا الأولى فابسط يدك: الدم بالدم والهدم بالهدم، وأمّا الثانية فلعلّ الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوّضك الله من الغنائم ما هو خير من هذا. فلمّا ردّ الشيخ محمد بن عبدالوهاب على شرطي الأمير، بسط عند ذلك الأمير محمد بن سعود يده، وبايع الشيخ على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. فقام الشيخ ودخل معه البلد واستقرّ عنده.

وكان من أشهر الذين عاونوا الشيخ وناصروه، إخوان الأمير محمد وأعوانه، من أهل الدّرعية مثل: ثنيان بن سعود، ومشاري بن سعود، وفرحان بن سعود، والشيخ أحمد بن سويلم، والشيخ عيسى بن قاسم، ومحمد الحزيمي، وعبدالله بن دغيثر، وسليمان الوشيقري، وحمد بن حسين، وأخوه محمد، وغيرهم. فكان هذا العهد والاتفاق، بين الأمير محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، إيذاناً بقيام دولة، قوامها التوحيد والإيمان وتطبيق شرع الله، من الكتاب والسُّنة، وما ذهب إليه سلف هذه الأمة من الأئمة، ومن عمل بهديهم. وجهر الشيخ بالدعوة (الإصلاحية)، وأخذ كثير من أنصاره وتلاميذه، في مختلف بلدان نجد، يقدمون عليه، وفي مقدمتهم جماعة من رجال العيينة.

وبدأ كثيرٌ من الناس يحاولون التودّد إلى الشيخ والتقرّب منه، سواء من العلماء والحكام، أو من عامة الناس. ولمّا سمع أمير العيينة، عثمان بن معمر، ما حدث للشيخ في الدّرعية، ندم على ما فعل من إخراجه، وعدم نصرته، وخاف منه أموراً. فركب في عدة رجال من أهل العيينة، ورؤسائها، وقدِم على الشيخ في الدّرعية، وأراده أن يرجع معه، ووعده بالنصر والمنعة. فأجابه الشيخ: ليس هذا إليّ، إنما هو إلى محمد بن سعود، فإن أراد أن أذهب معك ذهبت، وإن أراد أن أقيم عنده أقمت، ولا استبدل برجل تلقاني بالقبول غيره، إلاّ أن يأذن لي. فأتى عثمان إلى محمد بن سعود فأبى عليه، ولم يجد إلى ما أتى إليه سبيلاً، فرجع إلى بلده مضمراً العداوة والشر والغدر، وإن كان يُبدي مشايعة الحق ونصرة الشيخ والأمير محمد. إلى أن تكرر منه المكر، وظهر نفاقه، وانكشف أمره، فقتله جماعة من أهل التوحيد، بعد أن انقضت صلاة الجمعة، في مصلاه بمسجده في العيينة سنة 1163هـ.

2. الدعوة بعد اتفاق الدّرعية

بدأت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، تجد أنصاراً ومؤيدين، كما بدأت تجد القبول والمساندة. وكان من أهم مظاهر ازدهار الدعوة:

أ. بناء مسجد كبير في الدّرعية وفرشه بالحصا

طلب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، من عبدالعزيز ابن الأمير محمد بن سعود، بناء مسجدٍ كبيرٍ، يسع جميع رجال البلدة. كما طلب ألاّ يُفرش هذا المسجد إلاّ بالحصى، لأن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان كذلك.

وأصبحت الصلاة في المسجد إلزامية للرجال، وأعلن الشيخ "كل من لا يحضر الصلاة، مع قدرته عليها عزَّرناه" (أي عاقبناه).

ب. دروس للرجال والنساء

واتخذ الشيخ دروساً للتوحيد في المسجد، كل يوم صباحاً ومساء. فكان يأمر النساء والصبيان بحضور الدرس للاستماع إلى قواعد التوحيد. فلمّا استقر في قلوب الجميع معرفة التوحيد، أشربت قلوبهم محبة الشيخ. واستطاع الشيخ خلال سنة واحدة أن يجمع أهل الدّرعية على جوهر التوحيد.

بعد أن تم الاتفاق بين الشيخ والأمير محمد بن سعود، وتضافرت الجهود الدعوية والدّفاعية، ووضع الأساس لدولة الإيمان بذلك الاتفاق، شرع الشيخ في أداء دوره الدعوي. فكاتب بدعوته أهل البلدان ورؤساءهم ومدّعي العلم فيهم، فمنهم من قبل الحق واتبعه، ومنهم من اتخذه سخرياً، واستهزأوا به، ونسبوه إلى الجهل تارة، وإلى السّحر تارة أخرى، ورموه بأشياء هو بريء منها جميعهاً.

وظل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يدعو إلى سبيل ربّه بالحجة الواضحة، وبالموعظة الحسنة. "فلم يبادر أحداً بالتكفير، ولم يبدأ أحداً بالعدوان، بل توقف عن كل ذلك ورعاً منه، وأملاً في أن يهدي الله الضالين. إلى أن نهضوا عليه، جميعهم، بالعدوان، ونادوا في جميع البلاد بتكفيره وجماعته، وأباحوا دماءهم. ولم يستطيعوا أن يثبتوا دعواهم الباطلة، بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله، ولم يتحرجوا مما ارتكبوا في حقّه من الزور والبهتان، وما اتبعوه من وسائل لإجلائه وجماعته عن البلاد، ومطاردتهم بالتعذيب والاضطهاد. وعلى الرغم من ذلك لم يأمر الشيخ بسفك دم ولا قتال، على أكثر أهل الضلال والأهواء، حتى بدأوه بالحُكم عليه وأصحابه بالقتل والتكفير، فأمر الشيخ حينئذ جماعته بالجهاد، وحثّ أتباعه عليه، فامتثلوا لأمره".

وقد بقي الحل والعقد بيد الشيخ في الدّرعية، والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير، فلا يَخْرُج جيش، ولا يصدر أمر من الأمير محمد بن سعود ولا من ابنه عبدالعزيز، إلاّ عن قول الشيخ محمد ورأيه. فلما فتح الله الرياض، واتسعت ناحية الإسلام وأمنت السبل، وانقاد كل صعب من باد وحاضر، جعل الشيخ محمد بن عبدالوهاب الأمر بيد الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وفوّض أمور المسلمين، وبيت المال إليه، وانسلخ منها، ولزم العبادة وتعليم العلم، ولكنّ الأمير عبدالعزيز بن محمد لم يكن يقطع أمراً دونه، ولا ينفّذه إلاّ بإذنه.

 



[1] بعد قيام الدّولة السعودية، وتوليها مهمة الدّعوة الإصلاحية، التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أطلق أمراء الدّرعية على أنفسهم لقب "إمام"، وهو لقب الحاكم السياسي والديني للدولة.

[2] ضريبة يدفعها الضعفاء للأقوياء من أجل حمايتهم.