إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115 ـ 1206هـ)









الدّرعية بعد هجرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إليها

الدّرعية بعد هجرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إليها

تغيرت الدّرعية بعد هجرة الشيخ إليها تغيراً كاملاً، ظهر أثره في الآتي:

أولاً: أبطلّ الأسلوب "العشائري"، الذي كان يُحكم به الناس، وحل محله حكمٌ نظامي، مدني، دستوره الإسلام.

ثانياً: أُبطلت الإخاوة، أو "القانون"، وأصبحت موارد الدولة هي الموارد الشرعية من الزكاة والغنائم، ونحوها من الموارد التي أحلها الله.

وكان الناس يسمون رجال الأمير، الذين يأخذون منهم الأموال، مُكّاساً[1] وعشّاراً[2]، ولما اتبعت الدّرعية الدعوة، صار الأمير يرسل "العمال" لقبض الزكاة وخرص الثمار.

ثالثاً: عُين قضاة لفصل الخصومات بين الناس، بالحق، ولم تعد القوة حكماً في الخلافات التي تقع بين الناس، وبذلك نعموا بالأمن والاستقرار والعدل، وكانوا محرومين منها، لأن القوي كان يعتدي على الضعيف، ويأخذ منه ما أراد، فلا يجد من يشكو إليه، ليرد عليه حقه.

رابعاً: نشطت حركة التعليم نشاطاً عظيماً. وتولى الشيخ بنفسه مهمة التدريس والإشراف على المُدرسين، في الدّرعية، وفي سائر البلدان التي تتبع الدعوة. فأصبحت الدّرعية "مدينة جامعية"، يتوافد إليها الطلاب من كل مكان، ويجتمع إليها العلماء من مختلف البلدان.

وكان يُعلّم الناس كتابة القرآن وحفظه، كما يُصنع مع صبية المكاتب، ثم وضع الرسائل السهلة العبارة، القريبة إلى عقول البسطاء، في بيان التوحيد.

وكان يُلزم الناس أن يحفظوا القرآن، ثم يطالعوا هذه الرسائل ويحفظوها. فكان ذلك من أقوى الأسباب لانتشار دعوته الإصلاحية وسرعة انتقالها.

خامساً: حمل الناس على تنفيذ أوامر الدين والانتهاء عن نواهيه، وكان الناس يُلزمون بحضور الصلوات في المساجد.

وانتفع بعلم الشيخ عدد كبير من الناس، فكانوا يسألون عما يأمر به الشيخ وينهى عنه، فيُقال لهم: يأمر بالتوحيد وينهى عن المنكر. فانتهى عدد كبير من الناس عن البدع والضلال، بسبب ما سمعوا من أوامره ونواهيه. وهدم المسلون، جميع القباب والمشاهد، التي بنيت على القبور وغيرها من جميع المواضع الشركية، في أقاصي الأقطار من الحرمين واليمن وتهامة والأحساء ونجد، وغير ذلك من البلاد.

وكان الشيخ يأمر بسؤال الناس في المساجد كل يوم، بعد صلاة الفجر وبين المغرب والعشاء، عن معرفة ثلاثة أصول، وهي: معرفة الله، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة أركانه، وما ورد عليها من الأدلة من القرآن، ومعرفة محمد، r ونسبه ومبعثه وهجرته وأول ما دعا إليه، وهي: "لا إله إلاّ الله" ومعرفة معناها، والبعث من الموت، وشروط الصلاة، وأركانها وواجباتها وفروض الوضوء ونواقضه، وما يتبع ذلك من تحقيق التوحيد، في أنواع العبادة، التي لا تنبغي إلاّ لله، كالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والخشية والرغبة والهبة والتوكل والإنابة، وغير ذلك.

سادساً جعل الجهاد لإعلاء كلمة الدين، يحل محل الغارات العشائرية القديمة، التي كان يقصد منها فقط السّلب والنهب والعدوان.

سابعاً: أصبحت الدّرعية مركزاً للدعوة، ينطلق منه الدعاة، وتُرْسل الكتب، وتأتي إليها الوفود والضيوف، وكان الشيخ يستقبل الوافدين ويُكْرِمهم. وقد يتحمل ذلك من ماله الخاص، أو يستدين أحياناً، للإنفاق على ضيوف الدّرعية.

وقد جاء إلى الدّرعية عدد غير قليل من أنصار الشيخ وتلامذته، طلباً للعلم. وكانوا يعملون ليلاً ويدرسون نهاراً، ثم وسع الله عليهم في الرزق، بما يأخذونه من الغنائم، وقد دفع عبدالعزيز بن محمد بن سعود مرة غنائم إحدى المعارك كلها ـ بعد أن تخلى المقاتلون عن حقهم فيها ـ إلى الشيخ، لينفقها على الطلاب المحتاجين.

ولم تكن الدّرعية مركزاً للدعوة فحسب، ولكنها كانت كذلك قاعدة الدولة، فأخذت تتسع في رقعتها، وفي عمرانها، وفي عدد سكانها، وبدأت تظهر عليها دلائل الرخاء، وأصبحت "مدينة"، بعد أن كانت "قرية".

وقد حقق الله ذلك لنجد، فجعل هدايتها إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب، وقيادتها إلى الأمير محمد بن سعود، وكانا كالرجل الواحد، أو الروح الواحدة في جسدين، ما اختلفا قط.

وكان نجاحهما سريعاً. فقد كان ابن سعود زعيماً وقائداً، وكان ابن عبدالوهاب، داعياً، ومصلحاً وبفضل تعاونهما، هدّمت الأبنية على أضرحة الأولياء، وحُمل الناس على الصلاة، وصوم رمضان، ومنع شرب الخمر والدُّخان (التتن)، وخضعت القبائل لدولة التوحيد.



[1] المَكْسُ، جمع مكوس، وهي دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية؛ وهي ما نسميه اليوم "الضرائب".

[2] العشَار هم من يجمعون عُشر خراج الأرض من الثمار التي تسقيها السماء.