إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115 ـ 1206هـ)









أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب

أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب

بناء على أقوال الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأفعاله، كانت دعوته ترمي إلى تحقيق أهداف رئيسة ثلاثة:

1. الهدف الأول

توحيد الله، وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة. ويتحقق ذلك بإيضاح عبودية المخلوق للخالق، وتحقيقها، ويتمثل هذا الهدف في مسائل أساسية هي:

الأولى: إخلاص العبادة لله تعالى، وتخليص التوحيد مما شابه من شرك، والدعوة إلى تحقيق ذلك. يقول الشيخ في رسالته إلى البكبلي[1]، صاحب اليمن: وأمّا ما دعونا الناس إليه فقد دعوناهم إلى التوحيد، الذي قال الله فيه خطاباً، لنبيّه صلى الله عليه وسلم: ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ (سورة يوسف، الآية 108). وأمّا ما نهينا الناس عنه، فنهيناهم عن الشرك، الذي قال الله فيه: ]مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ (سورة المائدة، الآية 72)، وقوله تعالى لنبيّه، صلى الله عليه وسلم ، على سبيل التغليظ، وإلاّ فهو منزه هو وإخوانه عن الشرك: ]وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[ (سورة الزمر، الآيتان 65-66). وغير ذلك من الآيات.

أمّا فيما يتعلق بإخلاص العبادة لله وحده، فيقول الشيخ في إحدى رسائله: "الذي ندين به عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بعبادة غيره، ومتابعة الرسول النبي الأميّ حبيب الله وصفيه من خلقه، محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمّا عبادة الله فقال: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[ (سورة الذاريات، الآية 65)، وقال تعالى: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ (سورة النحل، الآية 36)، فمن أنواع العبادة الدعاء، وهو الطلب بياء النداء لأنه ينادى به القريب والبعيد، وقد يستعمل في الاستغاثة أو بأحد أخواتها من حروف النداء، فإن العبادة اسم جنس، فأمر تعالى عباده أن يدعوه، ولا يدعوا معه غيره، فقال تعالى: ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[ (سورة غافر، الآية 60)، وقال في النهي عن عبادة غير الله: ]وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[ (سورة الجن، الآية 18). ثم قال: وأمّا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال، قال تعالى: ]قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة آل عمران، الآية 31)، وقال: ]مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ[ (صحيح مسلم، كتاب الأقضية، الحديث الرقم 3242)، فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله، فما وافق منها قبل، وما خالف رد على فاعله، كائناً من كان.

الثانية: إبطال التوسل بالأولياء والصالحين، ويتمثل ذلك في قطع الصلة بالقبور والمقبورين، إلاّ ما نَدَبَ إليه الشّرع من محبة الصّالحين واتباعهم، ومن زيارة القبور والاتعاظ بها.

فيقول الشيخ في رسالته إلى أهل المغرب: فمعلوم ما قد عمّت به البلوى من حوادث الأمور، التي أعظمها الإشراك بالله، والتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، التي لا يقدر عليها إلاّ رب الأرض والسموات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور، وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد، وجلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلاّ لله. وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها؛ لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصاً.

الثالثة: الكفر بالطواغيت، والإعراض عن عبادتهم، يقول الشيخ في ذلك: اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، والدليل قوله تعالى: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ (سورة النحل، الآية 36)، والطواغيت كثر.

أ. الشيطان، قال تعالى: ]أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[ (سورة يس، الآية 60).

ب. الحاكم الجائر المغيّر لأحكام الله تعالى، قال سبحانه: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا[ (سورة النساء، الآية 60).

ج. الذي يحكم بغير ما أنزل الله، لقوله تعالى: ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ (سورة المائدة، الآية 44).

د. الذي يدّعي علم الغيب من دون الله، لقوله تعالى: ]عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا[ (سورة الجن، الآيتان 26-27).

هـ. الذي يُعبد من دون الله، وهو راض بالعبادة، لقوله تعالى: ]وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[ (سورة الأنبياء، الآية 29).

و. "الطواغيت الآدمية وهو ما أشار إليه الشيخ في رسالته إلى عبدالله بن سحيم، إذ يقول: وأضيف إليها مسألة سادسة، وهي افتائي بكفر شمسان وأولاده، ومن شابههم، وسميتهم طواغيت، وذلك لأنهم يدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله، عبادة أعظم من عبادة اللات والعزى بأضعاف، وليس في كلامي مجازفة، بل هو الحق، لأن عُبّاد اللات والعزى يعبدونها في الرخاء ويخلصون لله في الشدة، وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياهم في شدائد البر والبحر".

الرابعة: طرح البدع والخرافات، وذلك للأسباب التالية:

أ. "إن فِعْل البدع يناقض الاعتقادات الواجبة، وينازع الرسل ما جاءوا به.

ب. أنها تورث في القلب نفاقاً، ولو كان خفيفاً.

ج. أنها مشتقة عن الكفر.

د. أنها تنقص الرغبة في السُّنن، فيؤديها كأنها عادة ووظيفة.

هـ. أنها تؤدي إلى جهالة الناس بدين المرسلين، وانتشار زرع الجاهلية.

و. مسارعة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع".

2. الهدف الثاني

تطبيق الشريعة الإسلامية في كل أمور الحياة، وذلك في ظل دولة قادرة على تحقيق الأهداف. ويعني ذلك الاهتمام بالمجتمع المسلم، من النواحي التعليمية والتنظيمية. ويتحقق هذا الهدف بعدة مسائل:

الأولى: العناية بكل فئات المجتمع، سواء أهل الحاضرة أم البادية، بتعليمهم أصول الدين، ودعوتهم إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.

الثانية: جمع شمل المسلمين بعد التفرق، وإطفاء نيران الظلم والفتن بينهم. وقد ظهر هذا واضحاً جلياً عندما استتب الأمر للإمامين (ابن سعود وابن عبدالوهاب) باتفاقهما، فقد انقشعت غيوم الفتن، وزالت مسميات الظلم، وحل السّلام والوئام بين النّاس، فصاروا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؛ قال سبحانه وتعالى: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ (سورة النور، الآية 55)، فكان الشيخ موقناً بأن النّصر سيأتيه من الله، وأن الغلبة والعزة والمنعة لمن تمسك بالإسلام، ودعا إليه.

الثالثة: رفع غشاوة الجهل، وكابوس التقليد. يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رسالته إلى البكبلي، (التي تقدم ذكرها) وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد، فنحن مقلدون الكتاب والسنة، وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس (الشافعي)، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى.

3. الهدف الثالث

إقامة دين الله بين عباد الله بالطرق الموصلة إلى ذلك، ويتمثل ذلك في مسائل:

الأولى: إعلاء كلمة الجهاد، يقول الشيخ: "وذلك أني لا أعرف شيئاً يتقرب به إلى الله أفضل من لزوم طريقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، في حال الغربة، فإن أُضيف إلى ذلك جهاد الكفار والمنافقين، كان ذلك تمام الإيمان"، إلى أن قال: "ومن أفضل الجهاد جهاد المنافقين".

الثانية: الحكم بما أنزل الله، ويتضح ذلك واضحاً في المعاهدة التاريخية بين الحاكم والداعية، عندما قال الإمام محمد بن سعود للشيخ محمد بن عبدالوهاب عند أول لقاء بينهما: "أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزّ والمنعة". فقال له الشيخ: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين، وهذه كلمة (لا إله إلا الله) من تمسك بها، وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم".

الثالثة: إقامة الحدود، التي بدأها برجم الزانية، التي ترددت عليه معترفة ومقرِّة.

الرابعة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أجمل الشيخ محمد بن عبدالوهاب هذا الهدف في رسالته إلى أهل سدير، إذ يقول: "وأهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث: أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه، ويكون رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه، صابراً على ما جاء من الأذى، وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به، فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدِّين من قلة العمل بهذا أو قلة فهمه، وأيضاً يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره".

 



[1] الأرجح أنه البكيلي، نسبة إلى بكيل أكبر بطون قبائل اليمن.