إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115 ـ 1206هـ)









طرق الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ووسائله لنشر الدعوة

طرق الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ووسائله لنشر الدعوة

سلك الشيخ محمد بن عبدالوهاب، عدة طرق ووسائل لتحقيق دعوته ونشرها، في مجتمع شبه الجزيرة العربية، كان من أهمها:

1. الدعوة والتعليم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد مارس الشيخ هذا السبيل منذ كان طالباً للعلم. وعندما هيأ نفسه لتحمل هذا الأمر، رأى لزاماً عليه أن يحدد للناس: فكره وعقيدته، وسلامة تلك العقيدة من الزيغ. فكتب رسالته الأولى، التي بعث بها إلى أهل القصيم، عندما تساءلوا عن عقيدته، وقد جاء فيها:

"بسم الله الرحمن الرحيم

أُشهد الله، ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله، الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله، r من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أنّ الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أُحرّف الكلم عن مواضعه، ولا أُلحد في أسمائه وآياته، ولا أُكيِّف، ولا أمثِّل صفاته تعالى بصفات خَلقْه لأنه تعالى لا سميّ له، ولا كُفؤ له، ولا ندّ له، ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه، وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثاً. فنزّه نفسه عمّا وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعمّا نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال: ]سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ (سورة الصافات، الآيات: 180-182)، والفرقة الناجية[1] وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية[2] والجبرية[3]، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة[4] والوعيدية[5]؛ وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية[6] والمعتزلة[7]، وبين المرجئة والجهمية[8] وهم وسط في باب أصحاب رسول الله، r بين الروافض[9] والخوارج[10].

وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده ـ نبيّنا محمد r؛ وأومن بأن الله فعّال لما يريد، ولا يكون شيء إلاّ بإرادته، ولا يخرج شيء من مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلاّ عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.

وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي، r مما يكون بعد الموت، فأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة عراة لا تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك، الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، وتنشر الدواوين فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله.

وأومن بحضور نبينا محمد، r بعرصة[11] القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأومن بأن الصراط منصوب على شفير[12] جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم.

وأومن بشفاعة النبي r وأنه أول شافع وأول مُشفّع، ولا ينكر شفاعة النبي r إلاّ أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلاّ من بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى: ]وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى[ (سورة الأنبياء، الآية 28)، وقال تعالى: ]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ[ (سورة البقرة، الآية 255)، وقال تعالى: ]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى[ (سورة النجم، الآية 26)، وهو لا يرضى إلاّ التوحيد؛ ولا يأذن إلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب؛ كما قال تعالى: ]فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ[ (سورة المدثر، الآية 48).

وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان، وأنّ المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون[13] في رؤيته.

وأومن بأن نبيّنا محمداً، r خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته؛ وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشّجرة، أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله، r وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملاً بقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاَّ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ (سورة الحشر، الآية 10). وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء، وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلاّ أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلاّ الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلاّ من شهد له رسول الله r ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيىء، ولا أُكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام، براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماضٍ منذ بعث الله محمداً، r إلى أن يُقاتل آخر هذه الأمة الدّجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه النّاس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته؛ وحَرُم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبو ا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكِل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أنّ كل محدثة في الدين بدعة.

وأعتقد أن الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.

فهذه عقيدة وجيزة، حررتها وأنا مشتغل البال، لتطّلعوا على ما عندي، والله على ما نقول وكيل.

ثم لا يخفى عليكم، أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قَبِلَها وصدّقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أنّ الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي (فمنها) قوله: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وإني أقول إنّ الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وإني ادعي الاجتهاد، وإني خارج عن التقليد، وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أُكَفّر من توسل بالصالحين، وإني أكفّر البُصيري لقوله: يا أكرم الخلق، وإني أقول لو أقدر على هدم قبة رسول الله r لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها، وجعلت لها ميزاباً من خشب، وإني أحرم زيارة قبر النبي، r وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفّر من حلف بغير الله، وإني أكفّر ابن الفارض وابن عربي، وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الصالحين، وأسميه روض الشياطين. جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم. وقبله من بهت محمداً، r أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور. قال تعالى: ]إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ[ (سورة النحل، الآية 105))، بهتوه r بأنه يقول: إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار. فأنزل الله في ذلك: ]إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ[ (سورة الأنبياء، الآية 101).

وأما المسائل الأخرى، وهي أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلاّ الله، وأني أُعرّف من يأتيني بمعناها، وأني أكفّر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله، وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام. فهذه المسائل حق وأنا قائل بها. ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله، ومن أقوال العلماء المتبعين، كالأئمة الأربعة. وإذا سهّل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة، إن شاء الله تعالى.

ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[ (سورة الحجرات، الآية 6).

إنّ هذه الرسالة، تُعد الدستور الكامل الشّامل لأهداف دعوة الشيخ. وتعد مثل هذه الرسائل، من أهم الوسائل، التي استخدمها الشيخ لنشر دعوته، بجانب تصديه للتدريس والوعظ والإرشاد، والنهي عن المنكر وأمر الناس بالمعروف.

2. ومن وسائله لنشر دعوته، إرساله من يقومون نيابة عنه بمهمة تعليم الناس، وتصحيح ما شاب عقائدهم. وقد استمرت هذه الوسيلة يُعمل بها إلى عهد الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، إذ يقول السيّد الخطاب:

"وعندما عُقد لجلالة الملك الأمر، بعث البعوث في البادية يعلمون الناس القرآن حتى أصبح البدوي، الذي كان يترنم أثناء سيره في الصحراء بأناشيد العرب، يلتذ بمدارسة القرآن. وهذه البادرة تكاد تكون بارزة في عموم أهل نجد، فإنك لا تكاد تمر بمسجد من المساجد، خصوصاً في أيام الجُمع، إلاّ وتسمع أصوات الناس كدويّ النحل ترتفع بتلاوة القرآن، فيسمعها القريب والبعيد". فهذا الواقع يمثل امتداداً حقيقياً، لأثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في إشاعة التعليم، وارتباط الناس والتفافهم حول تعاليم دينهم.

3. مكاتبته الولاة والأمراء والعلماء، في المناطق المجاورة.

4. إحياء الجهاد وإعداد تابعيه لهذه المهمة، وقيامهم بها خير قيام، خاصة بعد عهده مع الإمام محمد بن سعود.

وصفوة القول، إن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجانب الديني، وإدارة الإمام محمد بن سعود في الجانب السياسي، يمثلان وجهين لعملة واحدة، حتى إنّ كثيراً من المؤرخين يسمون الدّولة السعودية الأولى، "الدولة الوهابية". فدعوة الشيخ ـ إذن ـ دعوة إصلاحية شاملة، سادت المجتمع، وأعادت ترتيب الحياة فيه على ضوء الكتاب والسُنة، محيية شعيرة الجهاد وفقاً لأمر الله وسنُة رسوله.

وقد أثارت هذه الدعوة الإصلاحية حميمة دينية في النفوس، خشيت منها الدولة العثمانية، خاصة بعد سيطرة السعوديين على الحجاز. وأفتى علماء الدولة العثمانية بخروج الدعوة عن السُنة النبوية، ووصفوا أتباعها بالخوارج والروافض، ظلماً وعدواناً وكيداً سياسياً.

 



[1] الفرقة الناجية: لقب يطلق على أهل السنة والجماعة.

[2] القدرية: فرقة تقول بحرية الإرادة ومشيئة وقدرة الإنسان على أعماله، وأن ليس لله دخل فيها، وقد مهدوا للمعتزلة وتلاشوا فيهم.

[3] الجبرية: فرقة تقول بالجبر في الأعمال دون الاختيار.

[4] المرجئة: فرقة تؤخر العمل عن النية والعقد، ويقولون لا تضر مع الإيمان معصية، وقيل الإرجاء عندهم تأخير حكم الكبيرة إلى يوم القيامة.

[5] الوعيدية: فرقة داخلة في الخوارج، وهم القائلون بتكفير صاحب الكبيرة، وتخليده في النار.

[6] الحرورية، لقب أطلق على الخوارج، نسبة إلى حروراء قرية قريبة من الكوفة، لجأوا إليها أول ما انفضوا عن علي بن أبي طالب.

[7] المعتزلة: فرقة من الفرق الإسلامية التي تقول بأن الله قديم، والقدم أخص وصف ذاته. ونفوا الصفات القديمة أصلا، فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة، وجاءت التسمية لاعتزال زعيمهم واصل بن عطاء لشيخه الحسن البصري في حلقات العلم.

[8] الجهمية: فرقة كونها أصحاب جهم بن صفوان، وهي فرع عن الجبرية تلتقي مع المعتزلة في أشياء وتزيد عليها.

[9] الروافض أو الرافضة: لقب أطلقه زيد بن علي بن الحسين على الذين تفرقوا عنه ممن بايعوه بالكوفة، لانكاره عليهم الطعن في أبي بكر وعمر. ومن أهل السنة من يطلق الوصف على الشيعة عمومًا باستثناء الزيدية.

[10] الخوارج: أول الفرق الإسلامية، خرجوا على علي وصحبه رافضين التحكيم نادوا: (لا حكم إلا الله) أغلبهم بدوٌ تحصنوا في بعض المناطق بالعراق وجزيرة العرب، قاوموا الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية مقاومة عنيفة، منهم الشاعر الفحل: قطري بن الفجاءة.

[11] الساحة أو البقعة الواسعة بين المباني لا بناء فيها.

[12] الحرف والناحية والجانب.

[13] لا يظلمون ولا ينتقصون في حقهم.