إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

"مراد الأول" (مراد خداوندكار)

(761-791هـ/1360-1389م)

 

761هـ/1360م

اعتلاؤه العرش

"مراد الأول"، هو الابن الثاني لـ"أورخان غازي"، بعد أخيه الأكبر، "سليمان بك". ويطلق عليه، في التاريخ العثماني، "مراد الأول"، و"مراد خداوندكار"؛ وفي بعض الأحيان، "غازي خونكار"؛ ولقب "خونكار" تصحيف لكلمة "خداوندكار". ويروى أن هذا اللقب، أطلق عليه بعد اثنتَين وعشرين سنة من اعتلائه العرش؛ ومنذ ذلك التاريخ، أصبح يطلق على مدينة "بورصا" وولايتها اسم "خداوندكار". وتذكر بعض النصوص الوقفية، أن لقب "خداوندكار" أطلق على "أورخان غازي" كذلك.

وتذكر المصادر العثمانية، أن ميلاد "مراد الأول"، كان في العام نفسه، الذي توفي فيه عثمان غازي، وتسلّم فيه "أورخان غازي" الحكم؛ وهو عام 726هـ/1326م؛ فتكون سِنّه، حين اعتلائه العرش، أربعاً وثلاثين سنة. وقد يكون تسلّمه السلطة تأخر عدة أشهر؛ إذ غالبه عليها أخواه: "خليل بك" و"إبراهيم بك"، بعد وفاة أخوَيهم: "سليمان بك" و"قاسم بك"، فقتلهما، ليصبح أول من سَنّ للسلاطين قتْل الإخْوة بعد ما كان جدّه، عثمان غازي، قتْل العمّ، بقتله عمّه، "دوندار"، بيديه. ويعرف "مراد الأول"، في المصادر الغربية، باسم "آمراد الأول".

ميلاد "بايزيد بك"

وُلد "بايزيد الأول"، الذي اشتهر بلقب "يلدرم" (الصاعقة)، في الليلة نفسها، التي تسلّم فيها أبوه "مراد خداوندكار" الحكم. وهناك رواية أخرى تؤرخ ولادته بعام 748هـ/1347م، أو عام 758هـ/1357م. واسم والدته هو "كول جيجك".

فتح "أرغلي"

لم يبقَ، لبيزنطة من الأراضي في الأناضول، سوى بلدات قليلة، هي: "أرغلي" و"شيلة"، الواقعتان على ساحل البحر الأسود؛ و"آلا شهر"، في وسط "القتلونيين" الأناضول الغربية، مع موانئها؛ إذ كانت مدينة "بغا" وأراضيها الساحلية، بيد، الذين تمردوا على البيزنطيين؛ وميناء "فوجه" بيد الجنويين، الذين عدوا سيطرة بيزنطة عليه أثراً تاريخياً. وبعد استيلاء العثمانيون على "أرغلي" وبعض الأراضي التابعة لها، اقتصرت سيطرة البيزنطيين على "شيلة" و"آلا شهر". وإذا صحّت الرواية البيزنطية، التي تؤرخ الاستيلاء على تلك المدينة بعام 761هـ/1360م، فإنها تكون قد سجلت أول فتوحات عهد "مراد الأول" وانتصاراته.

 

762هـ/1361م

الاستيلاء على "أنقرة" و"سلطان أونو"

على أثر انتقال "مراد الأول" إلى "الروملي"، عمد بنو "قره مان" إلى محالفة الإمارات التركية في الأناضول، وقلعة "أنقرة"، التي كان يحكمها تنظيم "لآخية"، لتكوين جبهة موحَّدة في وجه العثمانيين. وساقوا تتار "الجافدار"، المتبقين من الحكْم المغولي في الأناضول؛ لنهب الأراضي العثمانية الشرقية. فسارع "مراد الأول" إلى تحصين حدوده الشرقية؛ وزحف إلى "أنقرة"، في خمسة وعشرين ألف رجُل، فاستولى عليها؛ إذ لم يدافع عنها "الآخية"، بل استسلموا من الفور.

اشتراك تنظيم "الآخية" في مواجهة العثمانيين، مشكوك فيه؛ إذ كيف يُوفّق بين عدائه لهم وتسليم القلعة إليهم، من دون مقاومة! فضلاً عن أن أمراء العثمانيين الأوائل، كانوا منتسبين إليه؛ وأن هذا التنظيم، نهض بدور فعال في تأسيس الدولة العثمانية.

وإذا صحت الرواية، التي تشير إلى أن فتح "أنقرة"، أول مرة، كان على يدي الأمير "سليمان بك"، عام 755هـ/1354م، فهذا يعني أن الاستيلاء الثاني عليها، كان استرداداً. ويعزو بعض المصادر خروج "أنقرة" من الحكم العثماني، بعد الاستيلاء عليها أول مرة، إلى أن تنظيم "الآخية" أعلن استقلالها، بتشجيع من بني "قره مان"، عند وفاة "أورخان غازي". غير أن هذا الرأي مشكوك فيه؛ لأنه كان يحكم القلعة نفسها، دون المناطق المجاورة لها، التي كانت تابعة لدولة "أرتانا" التركية، التي خَلَفت الحكم المغولي في الأناضول.

أدى الاستيلاء على "أنقرة" اتّسَاع الدولة العثمانية، شرقاً؛ وازدياد عدد سكانها الأتراك، الذين يستفاد منهم في فتوحات "الروملي". أما تاريخه، فكان في صيف عام 762هـ، الذي توافق أشهره الأولى الأشهر الأخيرة من عام 1360هـ؛ ولذا، فإن حسباني موافقاً لعام 1361م، هو أقرب إلى الدقة.

أما مدينة "سلطان أونو" فقد ذكرها "أحمدي"، الذي تحدث عن السلاطين العثمانيين الأوائل في ملحمته، التي حولها إلى نظْم، في عهد "يلدرم"؛ وكذلك "شكرالله أفندي"، أحد أقدم المؤرخين العثمانيين، الذي اختص التاريخ العثماني بنشره، في عهد السلطان "محمد الفاتح"؛ و"توقيعي محمد باشا". وأكدوا جميعاً استيلاء "مراد الأول" عليها، أثناء حمْلته على "أنقرة".

كانت هذه المدينة تسمَّى "سلطان أويوغو". وقد اتّسعت، حينما كانت سنجقاً، فشملت، بموجب سجلات الديوان: "أسكي شهر"، و"إينونو"، و"سيد غازي"، و"قرجه حصار". وتذكر المراجع العثمانية المتأخرة، ولا سيما "فريدون بك"، مؤلّف "منشآت السلاطين"، في الفرمان الصادر عام 688هـ/1289م، أن السلطان السلجوقي، "علاء الدين كيقباد الثالث"، منَح عثمان غازي مدينتَي "أسكي شهر" و"إينونو"، إضافة إلى إمارته. ويذكر "التاريخ العثماني"، الذي نشره "مجمع التاريخ التركي"، أن السلطان السلجوقي، فعل ذلك رغبة في تقوية العثمانيين، في مواجهة "آل كرميان"، الذين تمردوا علىالسلاجقة، وأنشأوا إمارة، فأصبحوا ذوي نفوذ على الإمارات التركية الأخرى، ولا سيما في عهدها الأول. وهو الأمر الذي يدحضه الواقع؛ إذ إن "علاء الدين الثالث"، لم يكن، آنئذٍ، قد اعتلى العرش، ليمنح عثمان غازي مدينتَين؛ ناهيك بدحض المستشرق النمساوي، "هاممر" الفرمانات الأولى، التي نشرها "فريدون بك" في مؤلَّفه، واتهامه بتزويرها.

ويبدو أن "سلطان أونو"، انتقلت، بعد السلاجقة، إلى "آل كرميان"، ولذلك، كانت "أسكي شهر" و"إينونو" من أراضيهم، في عهدَي عثمان وابنه "أورخان غازي". زِد على ذلك، أن "علي شير" أو "علي شار" أو "عليش"، المعاصر لعثمان غازي، كان واحداً منهم أو أحد أمرائهم. أضف إلى ذلك، أن مَن خالف، عثمان غازي، بحسب "نشري" و"لطفي" في تاريخهما ـ هو أمير "أسكي شهر"، الذي كان والياً على "كرميان"؛ وهو ما يعزِّزه إعلان "عاشق باشا زاده"، في تاريخه، أن المدينة فترتئذٍ، كانت تابعة لهم. إلا أن عثمان غازي انتزعها منهم.

أما تاريخ "أوروج بك"، فيخلو، من أي إشارة إلى منْح عثمان غازي مدينة "أسكي شهر"، أو إلى غَلَبٍه "آل كرميان". ويذكر أن مدينة "إينونو"، كانت تابعة لعثمان غازي؛ غير أنه يوضح أنه يقصد بـ"إينونو" "قره حصار" أو "قرجه حصار"؛ ما يكشف التباس أمرهما عليه.

ويبدو أن "أسكي شهر" و"إينونو"، كانتا تابعتَين، مع "قرجه حصار"، لمنطقة "سلطان أونو"؛ ما ألبَس على بعض المراجع العثمانية القديمة، فحسبت "أسيلي شهر" في ما استولى عليه عثمان غازي، في خلال فتحه "قرجه حصار". والحقيقة، أن الأبحاث الأخيرة، أكدت أن تلك المدينة، كانت آنئذٍ، تحت حكْم "آل كرميان". يضاف إلى ذلك، أن المؤرخين العثمانيين، سالفي الذكر، أجمعوا على أن "إينونو" فتحت في عهد "مراد الأول"، أثناء حملته على "أنقرة". وطبيعي أن "سلطان أونو"، لا يقصد بها "قرجه حصار"؛ وإنما منطقة "أسكي شهر" و"إينونو"، التي لم تدخل، إلى حينه، تحت الحكم العثماني. وقول "شكرالله رومي"، إن تلك المنطقة، انتُزعت من الإمارات التركية، التي تحالفت على العثمانيين، يعني أنها انتُزعت من "آل كرميان". واستناداً إلى هذا المرجع، الذي يعدّ أقدم مراجع التاريخ العثماني، فإن "مراد الأول"، استولى، أولاً، على "أنقرة"، ثم منطقة "سلطان أونو"، ورجع بعدها إلى "بورصا"؛ وهو ما يتضح من أسلوب حديث "توقيعي محمد باشا". وتعرف "أسكي شهر"، في المصادر البيزنطية، باسم "دورليون"، الذي يصحّف، في العربية، إلى "درولية". وعزّز تأريخ انتقال منطقة "أسكي شهر" و"إينونو"، إلى العثمانيين بعام 762هـ/1361م، فهو ما ورد في القيد، الذي خصت به "سلطان أونو" كتُب "أحمدي" و"شكرالله الرومي" و"توقيعي محمد باشا".

ولا بد من تحقيق حدود منطقة "سلطان أونو"، في إطار تاريخ منطقة "أسكي شهر" و"إينونو"؛ لتداخلهما، في عهد "محمد الفاتح"، الذي دوّن فيه "شكرالله الرومي" و"توقيعي محمد باشا" مؤلَّفَيهما. وكانت حدود الإمارة العثمانية في الأناضول، إلى وقت الاستيلاء على "سلطان أونو"، تتاخم بني "جاندار"؛ في الشمال الشرقي وإمارة "أرتانا"؛ وفي الشرق، وإمارتي "كرميان" و"صاروخان"؛ في الجنوب والجنوب الشرقي. وزادتها الفتوحات الأخيرة اتساعاً، فداخلت، للمرة الأولى، إمارتي "حميد" و"قره مان"؛ فاتصلت الحدود العثمانية – القره مانية، عام 783هـ/1381م، بإلحاق بعض الأماكن بالأراضي العثمانية، باسم "الجهاز" أو "المبايعة".

إلا أن ذلك غير صحيح؛ لأن بني "قره مان"، الذين استولوا على "قونية"، بعد تفتت الحكم المغولي، قد وسعوا منها حدودهم شمالاً، إلى حدود "أنقرة"، التي أشار "شكاري"، في كتابه "تاريخ قره مان"، إلى أنهم استولوا عليها، في عهد "غياث الدين محمد بن أرتانا" مرتَين؛ وأن بعض أمرائها كانوا يميلون إلى بني "أرتانا"، وبعضهم إلى بني "قره مان". غير أن ذلك غير واضح تماماً. وإضافة إلى ذلك، فإن ما حفز "مراد الأول" إلى فتح "أنقرة"، كان رغبة "الآخية" في محالفة بني "قره مان" عليه، ومبادرة المتحالفين إلى سَوق تتار "الجافدار" الموجودين في تلك المنطقة، لنهب الأراضي العثمانية.

إن اتصال حدود إمارة "قره مان" بمنطقة "أنقرة" أو "سلطان أونو"، جعل منها ساحة مهمة في تاريخ الإمارة؛ ودفع العثمانيون إلى الاستيلاء عليها، لتتصل حدودهم بحدود تلك الإمارة. وهو ما بيّنه كثير من الخرائط، ولا سيما خريطة "دمباور" و"رينيه جروسيت"، لإمارات الأناضول عام 1360م. زد على ذلك أن حدود دولة "قره مان"، وُصلت بحدود دولة بني "جاندار".

أسفر استيلاء "مراد الأول" على "سلطان أونو" و"أنقرة" عن اتساع الحدود العثمانية في اتجاه جنوب "سقاريا"، وبلوغها الحدود الشمالية لإمارة "بني حميد"، فاصلة بذلك بين إمارتَي "كرميان" و"قره مان". ويبدو أن الحدود العثمانية، قد تاخمت إمارة "بني حميد"، قبل شراء العثمانيين منهم بلدات: "يالفاج" و"قره آغاج" و"بك شهر" و"سيدي شهر" و"آق شهر" و"إسبارطة".

ويشير بعض المصادر إلى أن الاتفاق على زواج الأمير "بايزيد" أميرة كرميانية، تضمّن إلحاق بلدات: "كوتاحيا" و"سيماو" و"أغريبوز" و"طاوشانلي"، بالأراضي العثمانية، من جهة؛ واتحاد الحدود العثمانية – القره مانية، من جهة أخرى. ولكن منطقة تلك البلدات، تكوّن الشمال الغربي من إمارة "كرميان"؛ وليس الجنوب الشرقي من تلك المنطقة. لذا، لم يمكن ذلك الاتحاد، بموجب تصريح "شكرالله الرومي"، إلا بعد الاستيلاء على "سلطان أونو" و"أنقرة" والتغلب على الإمارات المتحالفة.

 

763هـ/1361-1362م

المناصب بين الاستحداث وعدم الاحتكار

على غرار الدولة العباسية، و"مماليك مصر"، ودولة "خوارزم شاه"، و"السلاجقة"، و"الأيوبيين"، و"بني قره مان"، استحدث العثمانيون منصب "قاضي عسكر، الذي يلفظ بالتركية "قازاسكر". هو أرفع مناصب العالِمية، في العهد العثماني الأول؛ وأعلى منصب قضائي في الجيش، إليه يرجع القضاة المدنيون، وبأمر صاحبه يأتمرون. وأوّل من توّلاه، كان "قره خليل جاندارلي"، المنحدر من أُسرة، تنتسب إلى قرية "جندرة" في "سوري حصار".

انقسم المنصب، في عهد السلطان "محمد الفاتح" عام 885هـ/1480م، إلى قسمَين: "قاضي عسكر" الأناضول، و"قاضي عسكر" الروم. وأصبح ثلاثياً، في عهد "ياووز" (سليم الأول)، على أثر فتح الأناضول الشرقية وسورية، باستحداث منصب "قضاء عسكر" العرب والعجم، الذي اتخذ مدينة "ديار بكر" مركزاً له، ثم نقِل، بعد فتح مصر، إلى "إستانبول". ثم ألغاه "بيري باشا"، الوزير الأول في عهدَي "سليم الأول" و"القانوني". أما القسمان الأولان، فقد استمرّا إلى حين إلغاء السلطنة (1340هـ/1922م).

بعد ثلاثة وستين عاماً على منصب "قضاء عسكر"، استحدث، عام 828هـ/1424هـ، منصب الإفتاء، الذي يسمّى "مِسند إفتاء". وعُهد به إلى "شمس الدين فناري" فأصبح أول شيخ إسلام، في الدولة العثمانية. ولم يحُل تَقدّم قضاة العسكر، على شيوخ الإسلام مكانة، في العهد الأول، دون اكتساب المشيخة الإسلامية أهمية كبيرة، بل أصبحت أرفع مرجع علمي.

ومنصب "أمير الأمراء"، الذي كان يعني "القيادة العامة"، خُصَّت به، في العهد العثماني الأول، بأسْرة آل عثمان؛ فتولاّه "علاء الدين بك" و"سليمان بك". واضطلع به "مراد الأول"، زمناً،. ولمّا اعتلى العرش، عهد به إلى "لالا شاهين بك" غير العثماني؛ لعدم وجود أمير بالغ. وكلمة "لا لا"، تعني "المربي"، وهو كان مربياً لـ"مراد الأول"، حاصلاً على "الباشوية".

على أثر اتّساع حركة الفتوحات العثمانية، انقسم هذا المنصب إلى قسمين: أحدهما، في "الروملي"، ومركزه مدينة "فليبه"؛ والآخر، في الأناضول، ومركزه مدينة "كوتاحية". وتشير إليه المراجع العثمانية، أحياناً، بصيغته العربية: "أمير الأمراء"، التي أطلقت، فيما بعد، على ولاة الولايات، الحائزين، في الوقت عينه، صفة القيادة.

توالي الفتوح

بدأت فتوحات "مراد الأول"، في "الروملي" باستيلائه على "جورلو" و"كشان" و"ديمتوقا" و"بنار حاصر" و"بابا أسكي" و"لوله بور غاز". وكانت الثلاث الأولى قد استولى عليها الأمير "سليمان بك"؛ لكن البيزنطيين استردوها بعد موته المفاجئ؛ ما اضطر "مراد الأول" إلى الاستيلاء عليها، ثانية. وهناك رواية تذكر أن فاتح "كشان"، هو "أفرنوس"؛ وفاتح "ديمتوقا"، هو "حاجي إلبيي". وقد أُرِّخَ فتح هذه المدن، كذلك، بعام 760هـ/1358-1359م، وعام 761هـ/1359م، وعام 762هـ/1360م.

فتح "أدرنة"

كان الأمير "سليمان بك"، قد استولى على "أدرنة"؛ لكن البيزنطيين استعادوها، بعد وفاته. وعلى أثر الهلع، الذي اعترى السكان الروم في "الروملي"؛ والناجم عن الفتوحات العثمانية الجديدة في "تراقيا"، بادر "مراد الأول" إلى توجيه "لالا شاهين بك" و"حاجي إلبيي" إليها، طليعة لجيش. فعمد محافظ المدينة، الذي تسميه المراجع العثمانية "تكفور أندريا"، أو "آدرنوس"، إلى مواجهة الجيش التركي في "سازلي دره"، حيث انهزم، ورجع إلى "أدرنة". فسارع القائدان العثمانيان إلى محاصرتها، حيث وافاهما "مراد الأول". بيد أن محافظ القلعة، اليائس من المقاومة، والذي أحسّ الغدر به، بحسب إحدى الروايات ـ لجأ، ليلاً، بالقوارب، مع حاشيته، إلى ميناء "أنز/آينوز"، على سواحل الجزر، التي يسيطر عليها الجنويون؛ ما حفز السكان الروم، في "أدرنة" إلى فتح أبوابها للجيش التركي.

إن فتح هذه المدينة، التي تُعَد مركز منطقة "تراقيا"، وأهم مدينة، بعد "إستانبول"، يعني إقامة الأتراك الدائمة بالقارة الأوروبية، واستيلاءهم على قاعدة الحركات المناوئة لهم. وتكمن أهمية "أدرنة" في كوْنها تقع في ملتقى نهرَي "طونجه" و"مريج"، وملتقى تجمّع طرق "البلقان"؛ فضلاً عن وقوعها في نقطة تقاطع طريقَي "إستانبول" و"فيينا".

هلّلت الدول الإسلامية لفتح "أدرنة" أما العثمانيون فقد اتخذوها مركزاً لأمير أمراء "الروملي"، وشرعوا يبنون فيها قصراً، استغرق سبع سنوات، أقام "مراد الأول"، في غضونها، بـ"ديمتوقا"، حيث بنى قصراً، كان مركزاً مؤقتاً للحكم العثماني، ابتداءً من عام 763هـ/1361-1362م، وحتى عام 770هـ/1368م.

ويؤرخ فتح "أدرنة"، في المراجع العثمانية، بعام 761هـ/1359-1360م، وعام 762هـ/1360-1361م، وعام 763هـ/1361-1362م. أما المراجع، البيزنطية والغربية، فتؤرخه بعام 1361م فقط، الموافق لعامَي 762هـ و763هـ.

استمرار الفتوح

فاتح "زاغرا القديمة"، الواقعة في الشمال، هو "لالا شاهين". وفاتح "كمولجنه"، الواقعة في الغرب، و"ينيجة"، هو "أفرنوس بك". ويثير اللَّبس بين "ينيجه فاردار"، الواقعة غرب "سلانيك"، و"ينيجه قرة صو"، الواقعة غرب "كمولجنه" ـ الشك في أيهما المعنية بالفتح. ولكن البعد الجغرافي بينهما، وعدم مطاولة الفتح، آنئذٍ، غرب "سلانيك"، يغلّبان أن تكون ثانيهما، هي المقصودة.

تكوين "الإنكشارية"

ضريبة "البنجيك" أو "اسبنج"، نُحت اسمها من كلمتَي "بنج" و"يك" فصارتا كلمة واحدة. وهي تُفرض على أسْرى الحروب، وتُّحَّول؛ إلى بيت المال، باسم "الخُمس الشرعي". وتُجْبَر بإحدى طريقَتين؛ إما أن يدفع كلُّ أسير خَمساً وعشرين "آقجة". وإمّا أن تمتلك الدولة خُمس الأسْرى؛ ولذا يُسمّى أبناء مَن لديها منهم "أولاد بنجيك".

يُوزِّع هؤلاء الأولاد، على منازل الأتراك، حيث يعملون، ويتعلمون لغتهم، فضلاً عن إلمامهم بالثقافة الإسلامية؛ ويُرَبَّوْن تربية تركية. ثم يُنقلون إلى مؤسسة عسكرية، تسمَّى "عجمي أوغلان"؛ ويُسَمَّوْن باسمها. فإذا ما تمّرسوا بالحياة العسكرية، جُعلوا في تنظيم خاص، عُرِف باسم "الإنكشارية"؛ فكانوا لَبِناته الأولى، إلى جانب أبناء الرعايا النصارى، الذين تأخذهم الدولة، بموجب نظام "الدفشرمة".

تختلف الروايات في مؤسِّس ذلك التنظيم. ويشير أرْجحها إلى أن العالِم "قره رستم القره ماني" اقترح الفكرة؛ وهو أول مَن جَبَر ضريبة "البنجيك". فأصدر القاضي عسكر، "قره خليل جاندارلي" فتوى بذلك، وأصبحت، فيما بعد، أساساً للتنظيم. بيد أن الفكرة، تُعزَى إلى "قره تيمورطاش باشا"؛ بل إلى أمير أمراء "الروملي" "لالا شاهين باشا"؛ لا، بل إلى"تيمور طاش ده ده" حفيد "الحاجي بكتاش ولي"؛ وثمة من يعزوها إلى الأمير "شاه"، حفيد جلال الدين الرومي؛ وإلى الوزير "بكتاش باشا". أما نسبة تأسيس تنظيم "الإنكشارية" إلى "الحاجي بكتاش"، فقد تكون ناجمة عن اللَّبس بينه وبين كلٍّ من "تيمورطاش ده ده"، الذي ينتسب إلى الأسْرة نفسها، و"بكتاش باشا". وهناك رواية، تؤرّخ البدء بتحصيل ضريبة البنجيك، بعام 764هـ/ 1362ـ1363م.

 

765هـ/1363م

فتح "فليبه"

كان العثمانيون قد استولوا على "فليبه"، حين استيلائهم على "زاغرا" القديمة والحديثة، زغرا القديمة، قبْل سنتَين. ويبدو أن البيزنطيين استعادوها، ما حمَل العثمانيين على الاستيلاء عليها، للمرة الثانية. وبعد أن سلَّمها محافظها الرومي لـ"لالا شاهين بك"، التجأ إلى الملك الصربي، "أوروش الخامس"، وشرع يحالف أعداء الأتراك.

تكمن أهمية هذه الفتوحات، في توسيع حدود "روملي" التركية، إلى الشمال، بامتداد "مريج" و"سازلي دره"؛ وشطر الأراضي البيزنطية المتصلة بـ"إستانبول"؛ ووصول العثمانيين إلى حدود بلغاريا، وسيطرتهم، استطراداً، على أهم القواعد العسكرية، التي تناوئها، وبخاصة بعد استيلائهم على "ديمتوقا" و"أدرنة".

أما الأهمية الاقتصادية، فتتمثل في كون وادي "مريج"، ولا سيما مزارع الأرز في "بفليبه"، أهم مستودع زراعي، ليس للبيزنطيين فقط؛ وإنما لـ"لبلغار" و"الصرب" كذلك. كانت إنتاج هذا الوادي، يقدّر، في السنة بأربعة ملايين آقجة. وقد ضعضعت سيطرة العثمانيين عليه قدرة الجيش البيزنطي، وأضعفت اقتصاد إمبراطوريته؛ إذ اقتصر على ضرائب موانئ "إستانبول" و"سلانيك" الكبيرة، والرسوم البلدية.

إمبراطورية في رِكاب إمارة

عقد "مراد الأول" والإمبراطور البيزنطي، "يؤانس بالأولوغوس الخامس"، معاهدة، اختُلف في تاريخها، فقيل عام 1362م، وقيل إنه ربيع عام 1363م، وهو الأرجح؛ إذ أُبرمَت بعد الاستيلاء على "فليبه". وتضمنت أن يقبَل الإمبراطور البيزنطي بالفتوحات العثمانية في "الروملي"، ويصادق عليها؛ وألاّ يعمل على استرداد مناطق الفتوح، مباشر’ أو غير مباشرة؛ وألاّ يخالف، في وقت من الأوقات، أعداء الدولة العثمانية؛ وأن يتعهد بإرسال جيشه لمساعدة "مراد الأول"، إذا ما تعرّض لهجوم الإمارات التركية في الأناضول. وبذلك، تخلّى الإمبراطور البيزنطي عن استقلاله، وأصبح واقعاً تحت النفوذ التركي وحكْمه؛ ما يعني انقياد الإمبراطورية البيزنطية لـ"مراد الأول"، وتبعيتها له.

 

766هـ/1364م

الانهزام الصربي

تطلق المصادر العثمانية "صرب سنديغي" (الانهزام الصربي)، على الهجوم الليلي المباغت، الذي قاده "حاجي إلبيي" على جموع التحالف، الذي ضم ملك "الصرب" "أورش الخامس"؛ وملك "البوسنة" "تفيرتكو"؛ والأميرَين المجريَّين: "باسّارب" و"لايكو"؛ بقيادة الملك المجري، "لايوش الأول"؛ وبالتشجيع المباشر من البابا "أوربان الخامس"؛ وتأليب محافظ قلعة "فليبه"، الذي التجأ إلى "صربيا".

هجم المتحالفون على "أدرنة"، بحشود، راوحت بين ستين ألفاً ومائة أ لف رجُل؛ وقيل إنها بلغت عشرين ألفاً فقط. فارتبك أمير أمراء "الروملي"، "لالا شاهين بك". وسارع إلى طلب العون من "مراد الأول"، الذي كان، آنئذٍ، في الأناضول. وفي والوقت عينه، دفع قوة استطلاع، قوامها عشرة آلاف رجُل؛ وقيل إنه اثنا عشر ألفاً، بقيادة "حاجي إلبيي". بيد أن هذا القائد، لم يكتفِ بمهمته الاستكشافية؛ وإنما بادر إلى مباغتة العدوّ، المخيِّم بجوار "أدرنة" على امتداد نهر "مريج"؛ حيث دارت معركة، واجه فيها الأتراك للمرة الأولى، المجريين، وأسفرت عن انتصار العثمانيين، وفرار أعدائهم، الذين غرق معظمهم في النهر، وصُرِع بعض أعدائهم. وكاد يهلك الملك المجري، "لويس الكبير" (لايوش الأول)؛ ولذلك، عَجِل إلى بناء كنيسة "ماريا زيل" في "إستريا"؛ أو أنه أهدى أشياء ثمينة إلى تلك الكنيسة؛ ثمناً لنجاته. وقد أرّخت المصادر، العثمانية والبيزنطية، هذا النصر، بعام 765هـ/1363م.

تزعم إحدىالروايات، أن انتصار القائد العجوز، "حاجي إلبيي" كَبُر على أمير أمراء "الروملي"، "لالا شاهين بك"، فقتله بالسمّ. ولو صحّ ذلك، لكان بطل "صرب سنديغي"، هو أول رجل من رجال الدولة العثمانية، يُقتل مسموماً.

يكتنف اللَّبس انتصار "صرب سنديغي"؛ إذ تخلط المراجع العثمانية القديمة بينه وبين انتصار "جِرمن"، الذي تحقق بعد سبع سنوات من إحراز الانتصار الأول؛ بل تجعلها انتصاراً واحداً، تشوبه الأساطير. أمّا الباحثون الغربيون، فقد رأى بعضهم، أن ذاك الانتصار، ما هو إلا أسطورة مختلَقة. ورأى بعض آخر، أن الملك المجري، ضاع إبّان المعركة؛ وأن المجريين الذين خاضوها، لا بد أن يكونوا هم أهل "الأفلاق"، التابعين للمجر. ورأى بعض ثالث، أن وقائع تلك المعركة، لابست وقائع معارك أخرى، كان الأتراك، في إحداها، يتولَّون حماية الملك البلغاري، "شيشمان" من خصمه، المجريين أنفسهم، فاجتازوا، أول مرة، نهر "طونا"؛ وأ، حملة الملك المجري، "وودين"، عام 1365م، هي أسطورة، اختلقتها المصادر الكاثوليكية، التي التبس عليها التمييز بين المسلمين و"البلغار" الأرثوذكس.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أكد "جي. آي. براتيانو"، استناداً إلى الوثائق الغربية، وقوع معكرة "أردل"، بين الملك المجري "لايوش الخامس" والأتراك عام 1377م، الموافق لعام 779ه، في "ترانسلفانيا"، والناجمة عن استبدال الملك البلغاري، "ستراتسشمير"، الحماية العثمانية بنظيرتها المجرية، والتي شارك فيها "البلغارُ" الأتراكَ في مواجهة البلغاريين أنفسهم.

غير أنه لا مجال للتأليف بين هذا التوضيح، الذي ذكره "براتيانو"، في شأن المعركة، التي ذكرتها المصادر العثمانية باسم "صرب سنديغي"، أو معركة "جرمن"، الواقعة على "مريج". وبناءً على ذلك، يمكن قبول فكرة عدم اشتراك الملك المجري في المعركة الأول. وهذا يعني أن "براتيانو" قد خلط بين المعركة التركية – المجرية، ومعركة "صرب سنديغي"، التي وقعت، فيما بعد. وكما يمِكن أن تكون معركة عام 1377م، ومعركة "صرب سنديغي"، ومعركة "جرمن" وقائع منفصلة؛ يمكِن، كذلك، أن تكون واقعتَين، اختلط بعضهما ببعض.

فتح "بغا"

على أثر طلب أمير أمراء "الروملي" "لالا شاهين بك"، المساعدة من "مراد الأول"، قُبَيل معركة "صرب سنديغي"؛ لم يتوجّه الحاكم العثماني إلى "الروملي"؛ وإنما قاد حملة، برية وبحرية، من مرمرة على "بغا" والمنطقة المجاورة لها، حؤولاً دون إثارة حكامها، "القتلونيون" الفتنة، أو تجاوزهم الحدود، أثناء وجوده في "الروملي"، واستولى عليها؛ لتقتصر، بذلك، أراضي الإمبراطورية البيزنطية، في الأناضول، على "شيلة".

وهناك رواية، تفيد أن "بغا" فتحت قبل ذلك، ثم انتقلت إلى "القتلونيين"، ثم فتحت ثانية. وثمة رواية أخرى ضعيفة، تشير إلى أن أخا "أورخان غازي"، "علاء الدين" أو "علي باشا"، الذي يعَد الوزير الأول في الدولة العثمانية، قد توفي فيها. ويروى أن "بغا"، فتحت عام 765هـ/1363م.

أما فرسان "قتلونيا"، الذين تسميهم المصادر البيزنطية Almughavare وcompagnies Catalanes، فهم تنظيم عسكري مرتزق أتقن الفنون الحربية، واتخذها تجارة ووسيلة إلى النهب وكسب المال. ولم يقتصر على "القتلونيين" وحدهم؛ وإنما ضّم "صقليين" و"أراغون" و"نفاراً"، وفرنسيين وإيطاليين، وألمان وغيرهم من الأوروبيين.

كثُرت تنظيمات المرتزقة، في نهايات القرون الوسطى؛ إلاّ أن "آندرينكوس بالأولوغوس الثاني"، اختار من بينها، عام 703هـ/1303م، تنظيم "القتلونيين"، الذين كان يقودهم الألماني "روجر دو فلور"، الذي استبدل هذا الاسم الأسباني، باسمه الألماني، "روجر دو بلوم"، الذي يعني "الوَرْد".

جَمع "فولر" نحو عشرة آلاف مرتزق جعلهم في خدمة ملك "صقلية"؛ فحاربوا "نابولي". وبعد اصطلاح الطرفين المتنازعَين، ونضوب مكاسب المرتزقة، اقترح على الإمبراطور البيزنطي، أن يكفيه هجمات أتراك الأناضول الحدودية، التي كانت تُقِضّه؛ فقَبِل الاقتراح، على قساوة شروطه؛ إذ قضت بمنح "فلور" لقب "مغادوكاس" (جراند دوك Grand-duc)؛ وتزويجه ابنة أخي الإمبراطور؛ وجعْل مفرزة بيزنطية في تصرّفه.

أقلّت "القتلونيين" ست وعشرون سفينة، من "صقلية" إلى "إستانبول" في ربيع عام 703هـ/1304م، وتوجهوا إلى بلدة "أردك"، في شبه جزيرة "قابوداغ"، حيث بدأوا هجمات على أراضي الإمارات التركية، في الأناضول الغربية، استمرت سنَتين. انحسرت، في خلالهما، الحدود الشمالية لإمارة "قره سي" إلى الجنوب، قليلاً؛ وفقدت بعض الأراضي على سواحل مرمرة؛ وقاد "روجر" هجوماً قوياً على قلعة "آلا شهر" البيزنطية، التي كان الأتراك يحاصرونها. وطاولت أضرار تلك الحملات، الشعب البيزنطي؛ إذ قُيِّد بالخراج.

أوجس الإمبراطور البيزنطي من حملات "القتلونيين" ورغبتهم في تأسيس إمارة لهم في الأناضول الغربية، فنقَلهم إلى "الروملي"، بحجة توجيههم في حملة على "البلغار". فانتقلوا إليها، عام 1306م، تاركين مفرزتَين في "أردك" و"بغا"، للمحافظة عليهما. وشرعوا يستولون على شبه جزيرة "كلي بولو"، بل انتشروا في بعض الأماكن من سواحل مرمرة، في اتجاه "إستانبول". وقد عانى منهم السكان الروم، في تلك المنطقة، الأمرَّين، ولا سيما بعد ازدياد عديدهم، بانضمام "ألمان" و"فرنسيين" و"أسبان" إلى تنظيمهم.

على أثر استفحال خطر "القتلونيين"، قرر الإمبراطور نقْلهم، ثانية، إلى الأناضول، حيث الحدود البيزنطية خالية من المدافعين. فعقد معاهدة مع "فلور" منحه، بمقتضاها، أعلى رتبة بيزنطية، وهي رتبة "سيزر/قيصر"؛ ليصبح أول أجنبي ينالها، في تاريخ بيزنطة. ولكنه لم يهنأ بها؛ إذ قصد إلى "أدرنة"، في مايو 1307م، لحضور حفلة تكريمه، ووداع "ميشل/ميخائل" ابن الإمبراطور، عدوّ "القتلونيين" اللدود، الذي كان، آنئذٍ، في تلك المدينة. وفي أثناء الحفلة، ضربت أعناق "فلور" وبعض أتباعه. وهناك رواية، تذكر أن عمره، عند مقتله، كان سبعة وعشرين عاماً.

أعقب مصرع قائد المرتزقة نشوب اصطدامات عديدة، بين السكان الروم و"القتلونيين"؛ وأعمال شغب، أسفرت عن هدم سواحل "كلي بولو" ومرمرة وتدميرها، عام 755هـ/1354م، فسهلت الفتوحات العثمانية في "الروملي". وقد استقرّ بعض أولئك المرتزقة بشبه جزيرة "قابوداغ" ومنطقة "بغا". أما القسم الأكبر منهم، فسارعوا إلى نهب "تراقيا" و"مقدونية"، وأغاروا على "سلانيك"؛ إلا أنهم لم يقدروا على اجتياحها، فتوجهوا إلى "اليونان"، حيث استولوا على إمارة "أثينا" الفرنسية، التي خلّفتها الحروب الصليبية، عام 1311م. وقد انتقلت قيادة إمارة "أثينا" القتلونية"، إلى أسْرة "آسيوجيولي" الفلورانسية، بعد فترة من الوقت. وأما "القتلونيون"، الأناضول، وعلى الرغم من تعرّضهم لبعض الحملات، من "أورخان غازي"، فقد تشبّثوا بمدينة "بغا" وقسم صغير من سواحل مرمرة، الواقعة في شمالها. وفي عام 766هـ/1364م، قضى عليهم "مراد الأول": "خداوندكار".

 

767هـ/1365م

جمهورية "راكوزا" في كنف العثمانيين

كوّن "السلاف" و"الصرب" جمهورية صغيرة، تقع في الجنوب الغربي من "البوسنة"، أسفل سواحل "دالماجيا". أطلق عليها الأوروبيون في القرون الوسطى، اسم "رانكيا"، وفيما بعد، "راكوزا". أمّا المراجع العثمانية، فأسمتها "دوبرونيك"، أي الشجراء؛ وقد طاول التصحيف لهذا الاسم، فأصبح "دوبرافنديك/دوبروفنديك". وأراضي هذه الجمهورية غير صالحة للزراعة، فانصرف سكانها إلى العمل في التجارة؛ ما حملها، عام 767هـ/1365م، على عقد معاهدة مع العثمانيين، منحتها امتياز حق التجارة في المياه الشرقية، مقابل خمسمائة دوقة، فجعلتها بذلك في حماية العثمانيين. وتعدّ هذه المعاهدة أول معاهدة صلح دائمة، بين الإمارة العثمانية وإحدى الحكومات الأوروبية، فضلاً عن أنها أول وثيقة، اعترفت أوروبا، بموجبها، بأن الدولة العثمانية هي وريثة بيزنطة. وثمة رواية ضعيفة، تؤرّخ تلك المعاهدة بعام 771هـ/1370م.

وتزعم المصادر الغربية، أن "مراد الأول"، قد بَصَم تلك المعاهدة؛ لأنه كان أمّيّاً. وأصبحت البصمة تقليداً، عُرف باسم "الطغراء العثماني". غير أن الأبحاث الأخيرة، أثبتت عدم صحة ذلك الزعْم؛ لأن "الطغراء" كانت معروفة لدى السلاجقة والإمارات التركية؛ وإنما بدأ استخدامها منذ عهد "مراد الأول". وقد أصبح فن "الطغراء"، في العهد العثماني، من الفنون المهمة، وطرأ عليه كثير من التطور، وصار المتخصصون به، يُعرَفون باسم "طغراكش". ولقد ذُكر أن متن المعاهدة، التي ادُّعي أن "مراداً الأول" بصمها، لا تزال مُوْدعة إحدى الخزائن في "براكوزا".

 

767هـ/1366م

انتزاع "كلي بولو"

على الرغم من معاهدة الصلح، المبرمة عام 765هـ/1363م، بين "يؤانس بالأولوغوس الخامس" و"مراد الأول"؛ فقد دأب الإمبراطور البيزنطي في التأليب، سراً، على الأتراك. فتوجّه إلى "المجر"، حيث التقى ملكها "لايوش" في "بودين". وفي أثناء رجوعه إلى "إستانبول"، من طريق "بلغاريا"، أمر الملك البلغاري "شيشمان"، بالقبض عليه وحبسه في قلعة "نيغبولي"؛ ليثبت إخلاصه لـ"مراد الأول". فانتصر الإمبراطور أمير "سافوا"، "آمديو السادس"، نسيبه لأمّه، المنحدرة من أسْرة "سافوا"؛ إذ قاد قوة من الصليبيين والإيطاليين، بحراً، معلناً الحرب على "البلغار" والأتراك. وكانت بلدة "كلي بولو" هي أول موقع، استولى عليه، يوم الإثنين، السادس عشر من ذي الحجة، الموافق للرابع والعشرين من أغسطس، وسلَّمها للبيزنطيين؛ ثم توجّه إلى "بلغاريا"، حيث استولى على بعض المدن، مثل: "سيزه بولو" و"برغاز". وفي الوقت عينه، انتزع البيزنطيون ميناءَي "آهيولو" و"مسيفري"، من البلغاريين. ولم يستطع العثمانيون استعادة قلعة "كلي بولو"، على الرغم من حصارها، إلا بعد عشر سنوات، حين وقعوا معاهدة حماية جديدة مع الإمبراطورية البيزنطية.

 

768هـ/1366م

تواصُل الفتوح

ينقسم عهد "مراد الأول" إلى مرحلتَين. أسفرت أولاهما عن فتوحات "الروملي"، حيث استولى على "مريج"، و"طونا"، ونطاق "أركنه" كله؛ فسيطر على القسم الأكبر من "تراقيا". وبذلك، طاولت الحدود العثمانية سواحل "مستا/قره سو"، في الجنوب الغربي. كما وفّر انتصار "صرب سنديغي" الأمن اللازم لتلك الحدود؛ فضلاً عن أنه مهد الطريق لفتوحات البلقان.

أمّا المرحلة الثانية، التي بدأت عام 768هـ/1366م، فاستُهلت بالاستيلاء على "ينيجه قزل آغاج"، من البيزنطيين؛ وانتزاع "يانبولو" و"إسليمية"، من البلغاريين. ويؤرّخ فتح تلك المواقع، كذلك، بعام 767هـ/1365م. ويروى أن "قره تيمورطاش"، هو الذي كلف بفتح المنطقة، الواقعة بين "طونجا" و"سازلي دره"، من حدود الدولة العثمانية الشمالية. أما استيلاء العثمانيين على الأراضي البيزنطية، فكان بسبب إخلال الإمبراطور البيزنطي بشروط معاهدة الصلح، المعقودة عام 765هـ/1368م.

حملة "لالا شاهين بك"

ارتكزت خطة "مراد الأول" للفتوحات في البلقان، على فتح أربع جبهات. كان هو نفسه قائداً لإحداها، الجبهة الشرقية، حيث استولى على "قرق كليسة"، التي تسمى، الآن، "قرقلر ألي"، و"فيزة" و"آيدوس" و"برغاز" و"سيزه بولو"، إلى أن وصل إلى البحر الأسود. وتولّى "أفرنوس بك" قيادة الجبهة الغربية، في مقدونية. وعُهد بقيادة الجبهة الشمالية إلى "قره تيمورطاش بك"، لفتح منطقة البلقان، على امتداد نطاق "طونجا"؛ حيث استولى على "ينيجه قزلآغاج"، و"يانبولو"، و"إسليمية". أمّا جبهة الشمال الغربية، فقادها أمير أمراء "الروملي"، "لالا شاهين بك"؛ لفتح "إهتمان" و"ساماكو" و"صوفيا" في بلغاريا. بيد أن الروايات، تختلف في تلك الفتوحات، سواء في تنفيذها وفي منفّذيها. فتقول إحداها، مثلاً، إن "لالا شاهين بك" فتح، أولاً، "قرق كليسة"، و"فيزة"، ثم "ساماكو" و"إهتمان".

 

769هـ/1367-1368م

قلاع تتساقط

أسفر الاستيلاء على الثغور الحدودية البيزنطية - البلغارية، المتمثلة في قلاع "قارون أوا" و"آيدوس" و"برغاز" عن ترامي الحدود العثمانية في "الروملي"، إلى البحر الأسود. كما تحقق ذلك أيضاً في الأناضول. ولهذا السبب، فإنها ذات أهمية كبيرة. غير أن فتح "برغاز"، الواقعة على سواحل ذلك البحر، تضاربت فيه الروايات، فأرّخته إحداها بعام 774هـ/1372م، وأخرى بعام 769هـ/1367-1368م؛ ما يعني أن "إستانبول" وملحقاتها، أصبحت محاطة بالأراضي التركية، فأمست منقطعة عن الخارج.

 

770هـ/1368م

ترنّح الإمبراطورية البيزنطية

ثلاث قلاع، هي: "سيزه بولو/أبولونيا"، الواقعة على ساحل البحر الأسود، والمطلّة على خليج "برغاز"؛ و"قرق كليسة"؛ و"فيزة" أو "بيزية" القديمة ـ انتزعها العثمانيون من الإمبراطورية البيزنطية. وهناك عدة روايات، تؤرّخ الاستيلاء على أولاها بعام774هـ/1372م، وعلى ثانيتّها بعام 763هـ/1361م، وعلى ثانيتها وثالثتها بعام 768هـ/1366م. وبذلك، أصبحت الدولة العثمانية تسيطر على سواحل البحر الأسود كافة، عدا بعض القلاع؛ وتُحكم قبْضتها على شبه جزيرة "إستانبول".

أمّا الإمبراطورية البيزنطية، فقد تأثرت بذلك، سلباً، حتى إنها أصبحت مترنّحة، توشك أن تسقط؛ إذ خَلَتْ قصور "إستانبول" من ذهبها وفضتها. واستبدل الأباطرة الزجاج الملوَّن بالأحجار الكريمة في تيجانهم؛ بل اضطروا إلى استدانة الناس، مقابل رهن الآثار القيّمة عندهم؛ بل اتخذوا أخشاب قصورهم وقوداً، لعجزهم عن شراء الحطب. وإذا كانت تلك حال الأباطرة، فما بال جيش بيزنطة وشعبها! ولكل ذلك، اعتمدت الإمبراطورية المحتضَرة على دبلوماسيتها الخارجية، بدلاً من جيشها. وما بقاؤها خمسة وثمانين عاماً، على تلك الحال، إلى حين استيلاء السلطان "محمد الفاتح" عليها، عام 857هـ/1453م، إلا لأن الدولة العثمانية، كانت منشغلة بالبلقان، ومنهمكة في حروب الأناضول، ومرتبكة في حملة "تيمور" واستيلائه على "أنقرة"، ومتصدية للفوضى، المستشرية في تلك الفترة. وقد أجبرت بيزنطة أوضاعها المتردية، على إلى توقيع معاهدة صلح مع "مراد الأول" عام 765هـ/1363م، جعلتها تابعة له. بيد أن الإمبراطور البيزنطي، "يؤانس بالاولوغوس الخامس"، أخلّ بها؛ إذ تهاون بتبعيته للعثمانيين؛ وتوانى في أداء ما عليه من التكاليف المالية؛ ووالَى "البابا" والملك المجري؛ وتوجّهه إلى "المجر"، لتساعده على الأتراك؛ وهو ما نقض المعاهدة، وحَمَل العثمانيين على مواصلة فتوحاتهم في الأراضي البيزنطية.

"أدرنة" عاصمة للعثمانيين

اتخذ العثمانيون "أدرنة"، بعد استيلائهم عليها، مركزاً لأمير أمراء "الروملي"؛ وشرعوا يبنون فيها قصراً، يكون مقراً لدولتهم؛ ونقلوا عاصمتهم من "بورصا" إلى "ديمتوقا"، ريثما يكتمل بناؤه. وقيل إنهم انتقلوا إليه عام 768هـ/1366م؛ ولكن أعمال البناء، في نهايات عام 769هـ/1367م، كانت مستمرة. والأرجح أن انتقال "مراد الأول" إلى مركز حكومته الجديد، كان عام 770هـ/1367م؛ ومنذئذٍ، ابتعد آل عثمان من الأناضول؛ وفقدت "بورصا" أهميتها.

تعيين "قره خليل جاندارلي" وزيراً أعظم

استحدث العثمانيون منصب "الوزارة العظمى" أو "الصدارة العظمى"، تمييزاً لتلك الوزارة من سائر وزارت الدولة. واستمر ذلك المنصب ما استمرت الدولة العثمانية، وألغى بإلغائها. وقصروه على آل عثمان وحدهم؛ ولكن شغوره عشر سنوات، بعد وفاة الأمير "سليمان بك"، عام 760هـ/1359م، حمَلهم على أن يعهدوا به، للمرة الأولى، إلى رجُل غير عثماني، هو "قره خليل جاندارلي"، أول "قاضي عسكر"، والذي تولّي القضاء والقضاء العسكري، في عهود عثمان و"أورخان" و"مراد الأول"؛ واشتهر بإدارته الجيدة، وتأسيسه تنظيم "الإنكشارية". وسمِّي، بعد تعيينه، "خير الدين خليل باشا". وثمة روايات تقول إن هذا التعيين، كان قبْل خمس أو سبع نسوات. وتقول أخرىبل كان بعْد خمس سنوات.

بيد أن الأبحاث الأخيرة، تخطِّئ بعض المعلومات الآنفة، التي توردها السجلات العثمانية، والمتعلقة بالوزارة العظمى؛ فتقول إن "خير الدين خليل باشا"، ليس هو أول الوزراء غير العثمانيين، الذين تولوها؛ وأبناؤه لم يتوارثوها حتى عهد "محمد الفاتح". وإنما كان "علاء الدين باشا"، هو أولهم؛ إذ وُكِلَت إليه قبْل عام 723هـ/1323م. وثانيهم هو "أحمد باشا بن محمود"، الذي تولاها عام 741هت/1340م. وثالثهم هو "حاجي باشا"، الذي اضطلع بها عام 749هـ/1348م. ورابعهم هو "سنانالدين يوسف باشا"، الذي أُسندت إليه عام 761هـ/1360م؛ وكان آخر وزير أعظم، في عهد "أورخان غازي". وربما تولاّها سواهم. وكذلك لم يقتصر تداول الوزارة، حتى عهد "محمد الفاتح"، على أبناء "خير الدين خليل باشا"؛ إذ بين ولايتَي ابنَيْه: "علي باشا" و"إبراهيم باشا"، وفي عهد "جلبي محمد باشا"، نهض بها "عثمان جقلي". وشغل منصبها "محمد باشا الأماسياوي"، ابن "خضر دانشمند"؛ وذلك بين ولايتَي "إمام زاده خليل باشا" و"بايزيد باشا". وهكذا، يتضح أن تطوّر الوزارة العظمى، قبْل عهد "محمد الفاتح" ـ هو أمر ملتبس.

 

771هـ/1369م

استنفار "البابا"

على أثر وصول الأتراك العثمانيين إلى شبه جزيرة "إستانبول"، بعد استيلائهم على "الروملي" والسواحل الآسيوية من "البوسفور"؛ استنصرت الإمبراطورية البيزنطية عليهم الدول النصرانية، ولا سيما تلك الأوروبية، والدول البلقانية خاصة. ولكن الخلاف بين مذهب بيزنطة الأرثوذكسي ومذهب "البابا" الكاثوليكي، في "روما"، والذي يمثل أعلى مرجع ديني في أوروبا ـ حال دون رغبتها؛ على الرغم من استجابة الأوروبيين لها، ولأسباب دينية، واقتصادية، وسياسية؛ ودعمهم إياها بحملات صليبية، بين الفينة والأخرى، كان أبرزها الحملة الصليبية الإيطالية، التي انتزعت "برغاز" و"سيزه بولو" من البلغاريين، وسلّمتهما إلى البيزنطيين.

لم يقنط الإمبراطور البيزنطي، "بالأولوغوس الخامس" من تحقّق الرغبة البيزنطية؛ على اضطراره إلى عقد معاهدة، مع "مراد الأول"، عام 767هـ/1366م، تجلعه تابعاً للعثمانيين. فأمعن في مساعيه الدبلوماسية، ولم يتردد في التوجه إلى "المجر"، حيث ألّب المجريين على الأتراك؛ بل قصد إلى روما عام 771هـ/1369م، تاركاً إدارة البلاد لابنه الكبير، "آندرنيكوس بالأولوغوس"، والتقى فيها "البابا"، وقبِل توحيد المذهبَين الأرثوذكسي والكاثوليكي، واعتنق المذهب الكاثوليكي، بحضور أربعة كرادلة، في الثامن عشر من أكتوبر، ووقّع وثيقة بذلك. وفي اليوم التالي، زار كنيسة القديس "بطرس"، في رفقة "البابا"، وطلب الاستغفار، أمام المحراب الكبير، من ضلالات المذهب الأرثوذكسي، رسمياً، وهو ممسك بيد الحبر الأعظم.

لم تتمخض تضحيات الإمبراطور الكبيرة، والمنافية لمعتقدات المجتمع البيزنطي، إلا بإعلان "البابا"، "أوربان الخامس" أن "بالأولوغوس الخامس"، هو "ابن الكنيسة"؛ ووعده بأنه سوف يتخلص من الأتراك، زوّده بخطابات التزكية إلى الحكام النصارى؛ ما شجعه على زيارة فرنسا. وبعد ما أيقن أن مساعيه قد خابت، قَفَلَ إلى بلاده؛ وفي خلال عودته، احتجزه تجار "البندقية"؛ لعجزه عن دفع ما لهم عليه من ديون. ولم يُخْلَ سبيله، إلا بعد أن دفعها إليهم أحد أبنائه.

 

773هـ/1371م

معركة "ساماكو"

بعد وفاة "آلكساندر"، آخر ملوك "بلغاريا" الموحدّة؛ وفي خلال ثمانية عشر عاماً (1353ـ1371م)، تمثّل تفاوت الروايات في تأريخ وفاته؛ اقتسم مملكة أولاده وأنسباؤه، فانقسمت إلى إمارات: "بلغاريا الوسطى"، و"بلغاريا الغربية"، وإمارة "دوبروجه"، و"كوستنديل. وأهمها هي أولاها، التي عُرف وحاكمها بالملك. وقد استغل العثمانيون اختلاف الحكومات البلغارية وتنافسها، فأحدق بأمير أمراء "الروملي"، "لالا شاهين باشا"، الذي عهدوا إليه، منذ استيلائه على "ساماكو"، بالجبهة الشمالية الغربية، وفق خطة فتوحات البلقان، عام 768هـ/1366م – بـ"بلغاريا الوسطى"، فسارع ملكها، "شيشمان" إلى الاستعانة بجارة، "أوليشا"، ملك "مقدونية". فاستجاب له، واتحد الملكان، في سهل "ساماكو"؛ إلا أنهما لم يقاوما "لالا شاهين باشا"، الذي هجم عليهما، فانهزما شر هزيمة، وانهارت القوى، الصربية والبلغارية. أمّا العثمانيون، فقد استولوا على قلعتي "ساماكو" و"إهتمان"؛ فأصبحوا يسيطرون على ممرّ "بورت تراجانه"، الذي سمَّوْه الأتراك "قابولو دربند"؛ وهو مفتاح جبال البلقان. وقد ذكر تاريخ آخر لفتح "ساماكو" و"إهتمان"، هو عام 770هـ/1368م.

استسلام أمير "كوستنديل"

أقنعت معركة "ساماكو" أمير "كوستنديل" البلغاري، "قسطنطين"، بأن مقاومة العثمانيين غير مجدية؛ فآثر الاستسلام لهم، مشترطاً إقراره على حكم إمارته، وإعفاءه من الضرائب. أوْلى "مراد الأول"، اقتراح الأمير اهتماماً كبيراً، فذهب إلى مقرّ جيشه في موقع المعركة، حيث قابَله، واستجاب شروطه؛ فأصبح خادماً للعثمانيين، مثل أي والٍ تركي. وقد أُرِّخ استسلامه، كذلك، بعام 775هـ/1373م.

انتصار "جرْمَن"

لم يَكِلّ الإمبراطور البيزنطي، "يؤانس بالأولوغوس الخامس"، من مناهضة الأتراك في البلقان والتأليب عليه، وإثارة المتاعب لهم. فجهد في إعادة الكنيسة الصربية إلى كنف البطريركية الأرثوذكسية، في "إستانبول"، والتي كانت قد انفصلت عنها، عام 1352م، بإيحاء من الملك الصربي، "دوشان"، الطامع بالإمبراطورية البيزنطية، بعد أن احتل كثيراً من أراضيها، وأعلن نفسه "إمبراطوراً للصرب والروم".

وبعد نجاح الإمبراطور في مسعاه الآنف، عمد إلى مخالفة الإخوة الثلاثة: "أوليشا" و"فكاشين" و"فويكو"، الذين اقتسموا إمبراطورية "دوشان"، وجعلوها قسمَين: "مقدونية" و"صربيا الشمالية". وعلى أثر ذلك، اندفعت القوات الصربية إلى "أدرنه"، حيث التقت الجيش التركي في "جِرْمَن"، بين "أدرنة" و"مصطفى باشا" على امتداد نهر "مريج". إلاّ أنها انهزمت، يوم الجمعة، السادس والعشرين من سبتمبر، تاركة أبواب "مقدونية" مشرعة أمام الأتراك.

 

774هـ/1372م

قوات "آقنجلر"

كوّن العثمانيون صنفاً مختلفاً من الجنود، أسْمَوه القوات الخفيفة (آقنجلر)؛ ومهمتها هي حماية الجسور، والاستطلاع، ومباغتة العدوّ، وكسْر شوكته، وتحطيم معنوياته، ومنْعه من نصب الكمائن. وأفرادها كلهم من الخيالة، الذي يورثون أبناءهم هذا الدور. وكان معْظم قوات "الروملي" الخفيفة من الأتراك، تتوزعهم ثلاثة مراكز في "بلغاريا" و"صربيا" و"المورة".

وفي هذا العام، اجتازت تلك القوات "فاردار" و"صربيا" و"البوسنة" و"ألبانيا" و"دالمجيا"، فبلغت، للمرة الأولى، سواحل الأدرياتيكي؛ بل عبَرت "تساليا"، فوصلت إلى "عتيق"، في اليونان. وشملت حملاتها "البلقان و"المجر" و"النمسا" و"إيطاليا". فسطع نجمها، وازداد سطوعاً في القرنَين، الخامس عشر والسادس عشر، الميلاديين، حينما كان عديدها يراوح بين سبعين وثمانين ألف فرد. غير أنها فقدت أهميتها، منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادي.

تبعية "صربيا الشمالية" للأتراك

انتصار العثمانيين في "جرمن" على الإخوة الثلاثة: "أوليشا" و"فويكو" و"فكاشين"، المنتسبين إلى الأب "دالماجيا"، الذين اقتسموا إمبراطورية الملك الصربي، "دوشان"، بعد وفاته واغتيال وريثه، "أورشن الخامس"، الذي لم يكن على نهج أبيه؛ فجعلوها دولتَين: "صربيا" و"مقدونية" ـ حَفَزَ "لازار كربليافونيج"، حفيد "دوشان" الذي يقال إنه غير شرعي، إلى إعلان نفسه، بالقوة، حاكماً على "صربيا"، معيداً أسْرة "نمانيا" إلى قيادتها، ومرتضياً دفْع الخراج إلى الخزينة العثمانية؛ ولكنه اتخذ لقب "كنز" (أمير)، وليس ملكاً، والذي تورده المصادر العثمانية، محرَّفاً: "لاس أغلو/لاز أغلو" (ابن لاس)؛ بل تطلقه على شعب "لازار"، أي "الصربيين". وفي تلك الأثناء، كانت "مقدونية" خاضعة لبعض الأمراء الصربيين، الذين باتوا، بعد معركة "جرمن" عاجزين عن أي مقاومة.

فتوح جديدة

أصرّ بعض شباب الارستقراطية البيزنطية، على الرغم من نصائح الإمبراطور الاحتياطية لهم، على مقاومة العثمانيين، فاستولوا على بعض القلاع المحيطة بـ"إستانبول"، وهجموا على المناطق المجاورة، للنهب والسلب. فضاق بهم محافظ "فيزا" التركي، واشتكاهم إلى "مراد الأول"، الموجود في "بورصا".

سارع القائد العثماني إلى "الروملي"، تاركاً "جنق قلعة"، وقاصداً شبه جزيرة "إستانبول". وعهد في الوقت عينه، إلى أمير أمراء "الروملي"، "لالا شاهين بك"، بالاستيلاء على "فيرا جك"، القريبة من "أنز"، والمنطقة المجاورة لها، التي بقيت مثل جزيرة بيزنطية، وسط أراضي الأتراك، منذ فتوحات عام 763هـ/1362م.

استولى "مراد الأول" على قلعتَي "جتالجا" و"إنجغيز"، وتضيف إحدى الروايات ميناء طسيزبولو" كذلك؛ واستمر في حملته على "قرا بورون" ومنطقة "كيليوس". فاتسعت الحدود العثمانية في "الروملي"، سواء في الجنوب الغربي والجنوب الشرقي؛ إذ بلغت نهر "قرا سو"، الذي يصب في بحيرة "بيوك جكمجا". وبذلك، انحسر الوجود البيزنطي في سواحل البحر الأسود، ليقتصر على "شيلة" في الأناضول، والمنطقة المجاورة لـ"إستانبول" في "الروملي" وميناءَي "آه يولي" و"مسفري" في أطراف "بلغاريا".

والمصادر العثمانية القديمة، تصحّف اسم "جتالجا" إلى "جتل برغاز"، ويجاريها في ذلك "عاشق باشا زاده" و"لطفي"؛ وتذكر أنها فُتحت بعد نظيرتّها. أمّا "أحمد وفيق باشا"، فيقول في كتابه "اللهجة العثمانية"، إن "جتالجا" هو الاسم القديم لـ"لوله برغاز".