إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

775هـ/1373م

تجديد التبعية

بعد استيلاء العثمانيين على "جتالجا" و"إنجغيز"، أصبح الإمبراطور البيزنطي، "يؤانس بالأولوغوس الخامس"، سجين عاصمته، لا يمكِنه مغادرتها؛ ما أضاف حسرة إلى حسراته على مساعيه لدى "البابا"، وخيبة مؤامراته على العثمانيين. إزاء ذلك، اضطرّ إلى تؤدُّد "مراد الأول"، فأوفد إليه السفراء؛ علّه يغفر له مكائده، ويقْبله تابعاً له. عفا السلطان العثماني عنه، وارتضى تجديد معاهدة التبعية، لمرة واحدة، مشترطاً أن يُرْهِنه الإمبراطور ابنه، "ثيودورس"، ويزيد مقدار الخراج، الذي يدفعه إلى الخزينة العثمانية، ويستعدّ، مع جيشه، لتنفيذ ما يرتئيه "مراد الأول".

فتح "مقدونية"

بعد انتصار "جرمن"، استشعر أمراء "مقدونية" الصربيون عجزهم عن مقاومة العثمانيين. بينما أنس هؤلاء إلى قوّتهم، وأيقنوا أن تلك الدولة قد أيْنَعَتْ؛ فبادر الوزير الأعظم، "قره خليل جاندارلي"، وأمير أمراء "الروملي"، "لالا شاهين باشا"، و"الغازي أفرنوس"، و"ده لي بالابان بك" ـ إلى اجتياز "رودوب"، التي يسميها الأتراك "جبل دسبوت"، إيذاناً بفتح "مقدونية". واستولوا، في خلال سنتَين، على كلِّ مدنها ؛ فتخطّت الحدود العثمانية الغربية "مستا/قرا سو"، إلى "فاردار الغربية"؛ وشمل حكْم الأتراك "مقدونية"، وقسماً كبيراً من سواحل بحر المانش؛ وباتوا يحيطون بشبه جزيرة "هالكيديكيا" Halkidikya، بما فيها ميناء "سلانيك"؛ ما سيمهد لتفوحاتهم البحرية، ويتيح لهم العديد من الإمكانات العسكرية.

 

776هـ/1374م

حملة على "سلانيك"

كان أحب "مانوئيل" أولاد الإمبراطور البيزنطي، "بالأولوغوس الخامس" إليه ـ والياً على "سلانيك"؛ حتى إنه جعله شريكه في الحكم، بعد منْحه لقب الإمبراطور. وقد كبُر على الابن ذلّ أبيه وتبعية العثمانيين، وعَظُم عليه فتوحات هؤلاء في "مقدونية"، فأغرى بهم الروم في مدينة "سرز"، وشجعهم على التمرد على محافظيها الأتراك وقتْلهم؛ تمهيداً لضمها إلى ملكه.

ولكن "مراداً الأول"، سرعان ما وجّه جيشاً، بقيادة "جاندارلي خير الدين خليل باشا"، إلى المدينة، وقتل متمرديها، ووأد فتنتهم. ثم توجّه إلى "سلانيك"، لتأديب "مانوئيل بالأولوغوس"، الذي فرّ إلى "إستانبول"، بعد ما سمع باقتراب الجيش العثماني؛ ولكن أباه، الذي خشي غضب "مراد الأول"، لم يقبَل لجوءه إليه؛ ما أثار الشقاق بينهما، وحَمَل الابن على أن يلوذ بحاكم "مدلي" (جنوى) "فرانسوا كاتيلوسيو". وبعد إقامته فترة بـ"لمني"، لم يجد بُّداً من التوجه إلى "بورصا" أو "أدرنة"؛ راغباً في عفو "مراد الأول". ولم يستطع الدخول إلى "إستانبول"، إلا بوثيقة، منحته إياها الدولة العثمانية.

غير أن الاستيلاء على "سلانيك" مختلف فيه؛ إذ تؤرّخه رواية بهذا العام، في حين رسائل العالم البيزنطي الشهير، "ديميتريوس كيدانيس"، المنشورة عام 1930، أنه كان بين عامَي عام 1383 و1387م.

 

777هـ/1375م

ملك "صربيا" يجدّد تبعية للعثمانيين

تنكّر حاكم "صربيا" الشمالية، الأمير "لازار كربليافونيج"، للعثمانيين؛ إذ امتنع من دفْع المال، الذي تعهّد دفْعه إليهم، وخرج على حمايتهم، واستبدل لقب ملك بلقب أمير. فسارعوا إلى الحملة على "صربيا"؛ قاصدين مدينة "نيش"، الغارقة في أزمة اقتصادية كبيرة نجمت عن إتلاف سكانها مزروعاتهم. وبعد استيلائهم عليها، اضطر الملك الصربي إلى طلب الصلح، فقبِلوا؛ مشترطين عليه دفْع "مائة ألْف ليرة من الفضة"، أو "خمسين ألْف أوقية من الذهب".

أسفرت الحملة على "نيش"، عن ترامي الحدود العثمانية إلى سواحل "مورافا"؛ فباتت تفصل "بلغاريا" عن "صربيا"، متيحة للعثمانيين القضاء على أي اتحاد بين جيشيهما؛ فضلاً عن تحكّمهم في حركة المواصلات بين المراكز المهمة، الناجم عن وقوع "نيش" على طريق "إستانبول" ـ "فيينّا" وكذلك طريق "بلجراد" ـ "سلانيك". وقد اختُلف في تأريخ تلك الحملة، فذكر أنه كان عام 778هـ/1376م، بل عام 388هـ/1386م.

 

778هـ/1376م

"مراد الأول" يصاهر "بلغاريا"

كانت "بلغاريا" هي رابعة الدول، التي اضطرت إلى التبعية للعثمانيين، ودفْع الخراج إليهم. ورغبة من الملك البلغاري، "شيشمان"، في التحلّل ممّا عليه دفْعه، فقد قايض به، وفق إحدى الروايات،أخته، الأميرة "تامار"، بيد أن تضارب الروايات في مصير الملك البلغاري، وذِكرها أنه قتِل أو فقِد في معركة ساماكو، عام 773هـ/1371م؛ بل إنه مات في نابولي، عام 775هـ/1373م؛ لا، بل إنه أُعدم في 13 شعبان 797هـ/3 يونيه 1395م، بأمر من "يلدرم بايزيد" يثير احتمال وجود ثلاثة رجال، يسمَّوْن باسم "شيشمان"؛ والعروس قد تكون ابنة أحدهم، وأخت آخر.

تفيد رواية أخرى أنها ابنة الزوجة اليهودية للملك القديم، "آلكساندر". وتختلف الروايات في تاريخ هذا الزواج السياسي. فتؤرِّخه إحداها بعام 768هـ/1366م، بعد فتح "يانبولو". وتشير أخرى إلى أنه كان عام 772هـ/1370م. وتحرّف المصادر العثمانية اسم "تامار" إلى "ساسمانوس" أو "سوسمانوس".

وفاة أمير أمراء "الروملي"

في هذا العام، مات "لالا شاهين باشا"، الذي اشتهر بإسهاماته الكبيرة في فتوحات "الروملي"، في هذه السنة، وخَلَفه "قره تيمورطاش باشا"، ابن "قره علي"،. إلاّ أن تاريخ الوفاة، لم يسلّم من اللَّبس، فقيل إنه كان إبّان فتح "نيش"، عام 777هـ/1375م؛ وهو ما يوافق تأريخ إحدى الروايات تولِّي خلفه للإمارة، بهذا العام؛ وإلاّ فإن ذلك المنصب، قد شَغَرَ عدة أشهر.

تطوُّر الإقطاع

منذ عهد العباسيين، انتهج العديد من الدول الإسلامية، والتركية، ولا سيما سلاجقة الأناضول، نظاماً إقطاعياً، ذا وَجْهَين: "خاص" و"تيمار"؛ وقوامه دفْع ضريبة العُشر، ورسوم الملكية التابعة للدولة، إلى أفراد معَينين، مقابل بعض الشروط العسكرية.

أخذ العثمانيون بذلك النظامن منذ عهد عثمان غازي. وقَصَرُوا الإقطاع "الخاص" أو "الدرليك" على السلاطين والوزراء وكبار رجال الدولة، وجعلوه لا يورَّث. وهو أعلى صنفَي الإقطاع، إذ لا بدّ أن يُتجاوز رَيْعه مائة ألف آقجة. ومقابل كلَّ خمسة عشر ألفاً منها، يجّند الإقطاعي، فارساً واحداً (جبلو) ويجهزّه.

أمّا إقطاع "التيمار" فيراوح رَيْعه بين ثلاثة آلاف وعشرين ألف آقجة، منها ثلاثة آلاف هي "حق السيف"؛ وما تبقّى يسمى "حصة"، يجنّد الإقطاعي، مقابل كلِّ ثلاثة آلاف منها، فارساً واحداً (جبلو). وهذا النوع من الإقطاع، "خُصَّتْ به حرب الأعداء"، وفقاً لما جاء في رسالة "عين علي"؛ إذ يسارع الإقطاعيون وفرسانهم، في الحرب، إلى التحشُّد عند أمراء السناجق، حيث يراوح عديدهم بين مائة وأربعين ومائة وخمسين ألف فارس. ويضطلع بعض الإقطاعيين بمهمة "أشلنجي"، أبّان الحرب. ويُسمّى بعضهم "تيمار الخدمة"، وهم الذين يتولَّون الحفاظ على القلاع، ويدعي الواحد منهم "مُسْتَحْفَظ"؛ والذين ينهضون بالإمامة والخطابة؛ والذين يخدمون في قصر "إستانبول".

ولكن نوعَي الإقطاع الآنفَين، ضاقا على العثمانيين، فابتدعوا ثالثاً، أسموه "زعامت"، جعلوه وسطاً بينهما؛ إذ يراوح رَيْعه بين عشرين ألفاً ومائة ألف آقجة، منها عشرين ألفاً هي "حق السيف" (فليج)؛ وما تبقّى، يجنّد الإقطاعي، مقابل كلِّ خمسة آلاف منه، فارساً واحداً (جبلو). ويعزى استحداث هذا النوع من الإقطاع إلى "قره تيمورطاش باشا"؛ وتؤرِّخه إحدى الروايات بعام 777هـ/1375م؛ بل إن بعض السجلات، تشير إلى وجوده قبْل العثمانيين.

كأن إقطاع "زعامت"، لم يكفِ "تيمورطاش باشا" فتفتّق ذهنه عن تنظيم كدي، مُعظَم رجاله من النصارى البلغاريين، الذين أُعفُوا من الضرائب كافة؛ ومهمتهم الاهتمام بخيول الفرسان حظائرها، وأداء الخدمات العسكرية العادية، ألا وهو تنظيم "فوينوق".

 

779هـ/1377م

مصائب البيزنطيين فوائد للعثمانيين

كان للإمبراطور البيزنطي، "يؤانس بالأولوغوس الخامس"، ثلاثة أبناء: أكبرهم "آندرنيكوس"، وأوسطهم "مانوئيل"، وأصغرهم "تيودورس". وقد استخلف أوّلهم على عرش بيزنطة، في خلال رحلته الأوروبية، الرامية إلى تأليب الرأي العام على الأتراك. وإبّان عودته إلى بلاده، مرّ بـ"البندقية"، حيث احتُجز، ريثما يدفع إلى تجارها ما لهم عليه من ديون، كان قد عجز عن أدائها. فطلب من ابنه، نائبه، في "إستانبول"، أن يرسِل إليه المال اللازم؛ ولكن الابن تنكّر لأبيه، الذي تداركَه ابنه الثاني "مانوئيل"، فاستجاب له طلبه، فَفُكَّ أسْره.

آذن ذلك بشقاق ونزاع، بين الأب وابنه الأكبر؛ ووُدِّ وإيثار لابنه الثاني؛ إذ حَرَم أولهما وراثة السلطة؛ ومنح الثاني لقب إمبراطور، وأعلنه شريكاً له في الحكْم. وهو ما أثار حفيظة "آندرنيكوس"، وزاد بَرَمَهُ بأبيه، وحَفَزَهُ، بحسب المصادر البيزنطية، إلى التعاون، منذئذٍ، وقيل منذ عام 777هـ/1375م، مع الأمير "سافجي بك"، ابن "مراد الأول"، الراغب في الانقلاب على والده.

وما لبث "آندرنيكوس" أن خرج على أبيه، الذي كان يرافق "مراد الأول" في إحدى الحملات العسكرية؛ إذ اقتحم "ديمتوقا" غير أنه سرعان ما قبض عليه، وأمر السلطان العثماني بفقء عينَيه؛ ولكن الجلادين أشفقوا عليه، فاكتفوا بفقء إحداهما فقط. ثم حُبس، بأمر من والده، في برج "آنماس"، في سور "إستانبول".

لم يَعْدَم السجين خدعة، تفكّ إساره؛ إذ استغل رغبة سكان "البندقية" و"جنوى" وطمعهم في جزيرة "بوزجا آدا" التي كانت تسمَّى "تينيدوس"، والتي ازدادت أهميتها، على أثر سيطرة العثمانيين على قناتَي "إستانبول" (البوسفور) و"جنق قلعة" (الدردنيل). فاتصل، سراً، بالجنويين، وأغراهم بمنحهم إياها، فأعلنوا، عام 778هـ/1376م، تمرداً كبيراً على والده، الإمبراطور "يؤانس الخامس"، أسفر عن خلْعه؛ وإطلاق ابنه السجين، وتنصيبه إمبراطوراً، بلقب "آندرنيكوس الرابع".

عَجِل الإمبراطور الجديد، وبرغبة من السلطان العثماني، الرامي إلى الاستفادة من الفوضى، التي تتعرض لها بيزنطة ـ إلى القبض على أبيه وأخوَيه، بل أخٍ واحد، هو "مانوئيل"؛ إذ كان الأخ الثاني، "تيمورطاش"، رهينة لدى الأتراك؛ وأَوْدَعهما سجن "آنماس" نفسه. وتقديراً لموقف "مراد الأول" قدّم إليه أخته، هديةً. ووقّع معه، عام 779هـ/1377م، معاهدة جعلته في حماية العثمانيين؛ وقضت بدفعه الخراج إليهم، وتسليمهم قلعة "كلي بولو". وهذه المسألة ثابتة، بتوضيح مفصل، في خطاب مؤرَّخ بعام 1377م، للعالِم البيزنطي الشهير، في ذلك العهد، "ديميتريوس كيدونس".

 

781هـ/1379م

لجوء الإمبراطور إلى السلطان

طالما طَمِع سكان "جنوى" و"البندقية" كِلَيْهما، في السيطرة على جزيرة "بوزجا آدا". وآتَت الجنويين الفرصة، حينما استعان بهم "آندرنيكوس بالأولوغوس الرابع"، ومنّاهم بها. ولكن خصيمه، أباه الإمبراطور "يؤانس الخامس"، كان قد آثَرَ بها أهالي "البندقية"، الذين سارعوا، عام 779هـ/ نوفمبر 1372م، إلى إرسال القائد "ماركو جيوستيناني"، ليتسلّمها من المحافظ البيزنطي. وقد سعّر ذلك الصراعَ بين الأب وابنه ونصيرَيهما؛ حتى إن كلاًّ منهما، اضطرّ إلى الاستعانة بالعثمانيين على الآخر، مقابل تخلّيه لهم عن بعض أراضيه. فسلّمهم "آندرنيكوس" قلعة "كلي بولو". ووعَدهم أبوه، الفارّ من سِجنه، مع ابنه الأوسط، في صفر 781هـ/ يونيه 1379م، إلى الأمير "بايزيد"، في "أسكودار" ـ بتسليمهم قلعة "آلا شهر"، في الأناضول.

وقد بَرَعَ "مراد الأول" في سياسته الخارجية؛ إذ تقبَّلهما معاً، فحمى هذا مرةً، وذاك مرةً ثانية، ليس حبّاً بهما؛ وإنما رغبة في القلعتَين. وسوَّى بينهما؛ بإعطاء الأب كرسي الدولة؛ ومنْح الابن "سلفري" و"أرغلي"، وعدة بلدات في الإمبراطورية البيزنطية، على ساحل مرمرة. ولئن أرْضت التسوية طرفَي النزاع، فإن العثمانيين كانوا أكثر رضاً؛ إذ استأثروا بمفتاح ذلك النزاع؛ فضلاً عن تعهّد الإمبراطور "يؤانس الخامس" دفْع ثلاثين ألف ذهب، في السنة؛ وجعْل اثني عشر ألف جندي في تصرّف "مراد الأول"؛ ناهيك من تسلّم الأتراك قلعتَي "كلي بولو" و"آلا شهر". بيد أن تسلّم هذه الأخيرة مشكوك في تأريخه؛ إذ إن محافظِيْها عتوا عن أمْر إمبراطورهم بتسليمها.

 

783هـ/1381م

أربع بلدات جهاز عروس

حَمَل ابن "كرميان" وحاكِمها، "شاه جلبي" أو "سليمان شاه" خوفه من ابن "قره مان"، على التقرب إلى العثمانيين، فزوّج الأميرَ العثماني، "بايزيد بك" ابنته، "سلطان خاتون" أو "دولت خاتون" أو "دولت شاه خاتون". وقد ألَّف الأتراك لجنة، برئاسة "قوجا محمود آغا"، قاضي "بورصا" وترافقها قوة، راوحت بين ألْفَين وثلاثة آلاف جندي؛ لمواكبة العروس إلى الديار العثمانية، وتسلُّم جهازها، المتمثل في أربع بلدات: "كوتاحيا" و"أغري بوز" و"سيماو" و"تافشانلي". وهي البلدات، التي أتاحت للعثمانيين تحقيق وحْدتهم، في الأناضول. ولكنها حرمت الكرميانيين عاصمتهم، "كوتاحية"، التي استبدلوا بها، على الأرجح، "قوله" أو "قرة حصار".

دُعي إلى العرس سلطان مصر، وأمراء الأناضول، الذين أنابوا ممثّلين عنهم، بعدما حمّلوهم الهدايا النفيسة؛ ولا سيما هدية "أفرنوس بك"، التي اشتملت على مائة عبْد ومائة جارية؛ فضلاً عن الدراهم والمرصعات، وأواني الذهب والفضة. وقيل إن هذا الزواج، لم يكن في هذا العام؛ وإنما عام 380هـ/1378م.

وتشير الكتابة على قبْر قائم إلى جوار "المرقد الأخضر"، في "بورصا"، ويسمّى، خطأً، "قبر هندي خاتون" ـ إلى أنه ضريح "دولت خاتون"، والدة "جلبي سلطان محمد" والتي توفيت في شوال 816هـ/يناير 1413م.

شراء ستّ مدن

انتهجت بين إمارة "حميد"؛ حفاظاً على وجودها، سياسة متوازية بين "آل قره مان"، الذين يتاخمون حدودها الشرقية كلّها، والعثمانيين و"آل كرميان"، الذين يجاورون حدودها الشمالية والشمالية الغربية. وقد اغتنم "مراد الأول" وضْع تلك الإمارة، فخاطب ممثلي أميرها، الذين سبقوه إلى حفلة زفاف "بايزيد"، في حماية إمارتهم، بشرائه بلدات: "يالفاج" و"آقشهر"، و"إسبارطه"، و"قره آغاج"، و"سيدي شهر"، و"بك شهر"؛ فيفصل، بذلك، بينهم وبين إمارة "وقره مان".

وما لبث أن أبدى رغبته لأميرهم، "كمال الدين حسين بك بن حميد"، لدى مشاركته في حفلة العُرْس نفسها، فحاول التملّص من الأمر؛ إلا أنه اضطرّ إلى تحقيق الرغبة العثمانية، بعد وصول "مراد الأول" على رأس جيشه، "كوتاجية"؛ فأّعَدّ قاضِيا الطرفَين، حُجَّة شرعية، تخلّى بموجبها الأمير الحميدي عن البلدات الآنفة مقابل ثمانين ألف ذهب؛ مكتفياً بمدينة "أغردير"، التي كانت عاصمة لجدّه، "فلك دوندار بك"، التي كانت تسمّى "فلك آباد".

القره مانيون يصاهرون العثمانيين

حؤولاً دون مهاجمة الأناضول، إبّان الانهماك في فتوحات "الروملي" استجاب "مراد الأول" للقره مانيين رغبتهم في مصاهرته؛ فوافق على زواج ابنته بابن حاكِمهم. إلاّ أن الغموض يكتنف اسمّي الزوجَين، وتاريخ زواجهما؛ إذ تذكُر المراجع العثمانية، أن الأميرة، اسمها "نفيسة سلطان". ويقول المؤرّخون المتأخرون، كذلك، مستندين إلى "منشآت السلاطين"، لمؤلِّفه "فريدون بك"، إن اسمها هو "نفيسة". أمّا الكتابة الموجودة في المدرسة "الخاتونية"، في بلدة "لارندا"، التابعة لإمارة "قره مان"، والتي تعود لعام 783هـ ـ فتُوْرِد اسمها "سلطان خاتون"؛ وهو الأرجح، على الرغم من مزاعم "فريدون بك"، المشكوك فيه؛ فضلاً عمّا أشار إليه "خليل أدهم بك"، أن "سلطان" هو لقبها، لا اسمها؛ إذ إن هذه الكلمة، كانت، آنئذٍ، تُستخدَم اسماً.

أمّا الأمير الزوج، فتقول المراجع العثمانية، إن اسمه هو "علاء الدين" أو "علي". ولكن كتابة وقفية، تعود لعام 859هـ؛ وأبحاث "خليل أدهم بك"، المنشورة في "مجلة التاريخ العثماني"، والمستندة إلى تاريخ "قره مان"، لمؤلِّفه "شكاري" ـ يرجّحان أن يكون اسمه هو "علاء الدين علي".

وطاول اللَّبس، كذلك، تاريخ ذلك الزواج السياسي؛ إذ ذَكَرَ "فريدون بك" تحت عنوان "خطبة النكاح"، في المجلَّد الأوّل من كتابه، المطبوع عام 1264هـ ـ أنه عُقِد في أواخر رمضان 787هـ/أواخر أكتوبر 1385م. يصعُب قبول ذلك؛ لأن الكتابة، الموجودة في المدرسة "الخاتونية"،التي أنشأتها العروس نفسها، تؤرِّخ زواجها بعام 783هـ/1381م؛ فَاَنِّى لها أن تنشئها قبْل أربع سنوات من زواجها!. وأسفرت أبحاث "خليل أدهم بك" عن دَحْض تاريخ 780هـ/1387م، الذي أوردته إحدى نُسخ "منشآت السلاطين". ويرى أحد المراجع المتأخرة، أن الخطبة كانت عام 783هـ/1381م، الزِّفاف كان بعد أربع سنوات. ولا يوافِق كتابة المدرسة "الخاتونية"، على تأريخ الزواج بعام 783هـ/1381م، إلاّ "تاج التواريخ"؛ وهو التأريخ الأرجح.

 

784هـ/1382م

"مراد الأول" يتخذ لقباً

اتخذ "مراد الأول"، في هذا العام، لقب "خداوندكار". بيد أن السجلات الوقفية، تشير إلى أن "أورخان غازي"، كان قد تلقّب به. ويذكر بعض المصادر العثمانية، أنه أُطلق، منذ هذا العام، على مدينة "بورصا"؛ ثم أصبح لقباً للولاية كلّها، فصارت ولاية "خداوندكار"، بدلاً من ولاية "بورصا".

فتوح جديدة

تمكّن "قره تيمورطاش باشا"، أمير أمراء "الروملي"، من الاستيلاء على مدن: "إشيّب" و"مناستر"و"برليبه"؛ ما أتاح للعثمانيين العبور إلى غرب نهر "فاردار" وشماله، حيث استولوا على أهم القواعد العسكرية، التي ستسهِّل لهم، فيما بعد، فتح "ألبانيا". وقد أُرِّخ فتح تلك المدن، كذلك، بعام 782هـ/1380م، وعام 787هـ/1385م.

حصار "سلانيك"

حُوصِرَت مدينة "سلانيك"، في هذا العام؛ إنما عدة أيام فقط.

 

785هـ/1383م

الحملة على "ألبانيا"

استمدّت "ألبانيا" اسمها من اسم مدينة "آلبانابوليس"، التي خلعت عليها إحدى القبائل اسمها. عرّفتها به، منذ القرن الحادي عشر الميلادي، المصادر البيزنطية. أمّا المصادر الغربية القديمة، فطالما صحّفته، فهو: "ألبانيا"، و"البانوم"، و"ألبانون"، و"ألبانوبوليس"، و"أربانيا"، و"آربانون"، و"رابان". ويسمَّى شعب "ألبانيا"، باللاتينية، "ألباننسس/أرباننسس"؛ وباليونانية، "ألبانوا/آربانوا"؛ وبالسلافية، "آرباناسي". وكان الألبانيون القدامى يطلقون على أنفسهم "آربنيا"، وعلى بلادهم "آربرشه؛ وهم يطلقون على بلادهم، اليوم، "شكيبنيا"، وعلى أنفسهم "شكيبيتار"؛ وهذا الاسم الأخير، يعني "الرجل المصلح"، أو "الشعب المصلح"؛ إلاّ أن الاسم القديم، ما زال مستخدماً لدى الألبانيين، في الخارج. ". وقد صحّف اليونانيون المحْدَثون اسم "ألبانيا" إلى "آرفانيا"، وأطلقوا على شعبها "آرفانيتس". أمّا الأتراك، فأسمَوْهم "أرنؤود".

لم ينشىء الألبانيون، طيلة تاريخهم، إدارة قومية أو عامة؛ وما عهدوا إلاّ حكْم الإقطاعيين، المحليين والأجانب. وحينما حاولت أسْرتا "ثوبيا" و"بالشا" بدءاً من القرن الثالث عشر الميلادي، تأسيس إدارة مركزية، فإنهما لم توفَّقا. وعلى أثر تبرّم الألبانيين بحكامهم وضِيقهم بهم؛ وبدء الاستيلاء العثماني على "ألبانيا"، منذ أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، ازدادت أزماتها، الإدارية والسياسية؛ وانبرت أسْرتا "كاستريوتا" و"آرانيتي" لمقاومة العثمانيين، إلاّ أنهما أخفقتا، مثل سابقتَيهما.

أمّا الإقطاعيون، فقد استنصروا بالأتراك على شعوبهم، ودأبوا في شكواهم إليهم. فشرع العثمانيون، منذ عام 784هـ/1382م، يتدخلون في شؤون "ألبانيا"؛ إذ ساعدوا "توماس"، حاكم "يانيا"، ولم يتردّدوا، بعد مقتله، في محاصرتها. وطالما دعا الإقطاعيون العثمانيين وفق المصادر، الغربية والألبانية، إلى دخول "ألبانيا"؛ ولا سيما دعوة حاكِمها، "جارلس ثوبيا". وما حملة "تيمورطاش باشا" عليها، عام 785هـ/1383م، إلاّ استجابة لأولئك الإقطاعيين.

 

786هـ/1384م

الحملة على "البوسنة" و"الهرسك"

قاد هذه الحملة، في ربيع هذا العام، أمير أمراء "الروملي"، "قره تيمورطاش باشا". وأسفرت عن كثير من الأسرى والغنائم.

 

787هـ/1385م

فتح "أوخري"

رسّخ استيلاء الوزير الأعظم، "خير الدين جاندارلي باشا"، على "أوخري"، الوجود العثماني في "ألبانيا".

معركة "سافرا"

سهل "سافرا" في الشريط الساحلي الأيسر من نهر "ديفول"، إلى جوار "ألباسان"؛ حيث واجهوا الألبان، بقيادة الأمير "بالشا"، وحلفاءهم الصرب. وانجلت المعركة عن أول انتصار عثماني، في "ألبانيا"؛ ومصرع أمير الألبان، و"إيفانيج"، ابن الأمير الصربي "فوكاشين". وهناك رواية، تشير إلى أن هذه المعركة، التي تعَد بداية الحكْم التركي في ألبانيا، كانت في عام 788هـ/1386م.

تمرّد "سافجي بك"

الأمير "سافجي بك"، هو أصغر أبناء "مراد الأول"؛ وقيل بل هو أكبرهم. وطمَح إلى الحكْم. وطمِح في تقسيم الدولة العثمانية، باستئثاره بالأناضول، وترْك "الروملي" لوالده. وتتباين المصادر، العثمانية والبيزنطية والغربية، تبايناً شاسعاً في تأريخ هذا التمرّد ومكانه. فتقول أولاها إنه لم يكُن في "الروملي"، وإنما في "بورصا"، حيث كان الأمير نائباً عن والده، الذي يقود حملة على البلقان؛ فجعل الخطبة باسمه؛ ما حَفَزَ الأب إلى الرجوع، من الفور. ووقعت معركة بينهما، في سهل "كته"، في "بورصا"، انهزم فيها الابن؛ فأمر الأب بفقء عينيه، ثم أُعدِم.

أمّا في المصادر، البيزنطية والغربية، فتناقض نظيرتها الآنفة مناقضة عريضة؛ إذ تقول إن التمرد، لم يقع في الأناضول؛ وإنما في "الروملي". وكان في عام 787هـ/1385م، وليس عام 775هـ/1373م، أو 777هـ/1375م. إن "سافجي بك"، لم يكُن وحده؛ وإنما كان معه، في تمُّرده على والده، ابن الإمبراطور البيزنطي، "يؤانس الخامس"، "آندرنيكوس"، الذي حرمه والده حكْم بيزنطة. وحينما علِمَا أن والدَيهما قد اجتمعَا لهما، امتنَعا بقلعة "ديمتوقا"؛ ولكنهما انهزما وحُكِم عليهما بفقء عيونهما. فسُمِلت عينَا المتمرد العثماني. أمّا نظيره البيزنطي، فقد أمكَنه معالجة عينيه، واستعادة بصره، بل استطاع خلْع والده، وتنصيب نفسه حاكماً على الإمبراطورية.

إزاء تضارُب المصادر التاريخية وتداخُل وقائعها، لا بدّ من التنويه بأن الأميرَين، لم يكونا متواطئين على التمرد في وقت واحد؛ إذ إن وثائق ثلاثاً، نشرها "فريدون بك" في كتابه ـ كُتبت كلها في عام 787هـ/1385م. وتمثّل إحداها خطاب "مراد خداوندكار" إلى ابنه، الأمير "بايزيد"، يأمره بمراقبة تصرفات أخيه، "سافجي بك"، الذي كان يثير شكوك والده، لتمرُّد ربما كان قد أعلنه، ويُخشْى معاودته. وتجسّد ثانيتها رَدّ الابن المؤتمَن، والذي تضمن مذكرة قاضي "بورصا. وثالثتها تمثّل خطاب "مراد الأول" إلى ابن "قره مان"، يأمره بحرمان الأمير المَرِيد بصره. فتمرُّد الأمير العثماني، لا يوافق تاريخه، إذاً تاريخ تمرُّد الذي أعلنه "آندرنيكوس"، الذي أعلنه عام 775هـ/1373م؛ بل ربما كانت مشاركة "سافجي بك" فيه سبباً للعفو عنه.

 

788هـ/1386م

فتح "صوفيا"

لم تكن "صوفيا"، على أهميتها، هي عاصمة "بلغاريا"؛ وإنما مدينة "ترنوا". ولم يتأتَّ للعثمانيين الاستيلاء عليها، على محاصرتهم إياها سنتَين إلاّ بمكيدة، حاكها "إينجه بالابان بك"، ابن "بالابان بك"، قائد قلعة "بالا يانجق"، التي بناها عثمان غازي، تضييقاً على "بورصا". وقضت أن يدَّعي "أوزونجا سوندوك"، من حاشية "بالابان"، الفرار منه إلى محافظ "صوفيا"، الذي أحبه، واتخذه مربياً للصقور. وفيما كان المحافظ يتابع اصطياد أحد الصقور قبض عليه دخيله، وربطه إلى فرسه، وساقه إلى "إينجه بالابان". وما كان من أهالي "صوفيا"، الذين رأوا قائدهم مكتوف اليدَين والرجْلَين، مَهِيضاً، أمام القلعة، ألاّ أن سلَّموها للقائد التركي. ويؤرَّخ فتح "صوفيا"، كذلك، بعام 787هـ/1385م.

بدء العلاقات السياسية، بين المماليك والعثمانيين

بادر حاكِم مصر، عامئذٍ، "الملك الظاهر سيف الدين برقوق"، إلى تهنئة "مراد الأول" بانتصاراته؛ فأرسل إليه بهدية، من فاخِر الأفراس والسيوف والأقمشة، مرفقة بخطاب، يسمِّيه فيه "سلطان الغزاة". وهي تسمية، تُؤْذن بعلاقات سياسية بين الطرفَين؛ إذ إن أي لقَب في الدول الإسلامية؛ والدولة العثمانية إحداها، كان لا بدّ من مصادقة الخليفة عليه؛ فضلاً عن أن الحكام العثمانيين، كانوا قد اقتصروا على اللقب الرسمي: "بك"؛ على الرغم من تلقُّب "أورخان غازي" بـ"سلطان"، ونقْش عبارة "السلطان العادل" على المسكوكات، المضروبة باسم "مراد الأول". ولم يُخلع لقَب "سلطان" على "يلدرم بايزيد"، إلاّ بعد انتصاره في "نيجبولي"، ورغبته القديمة في التلقب به، التي نقلها ممثله السلطان "برقوق"، الذي زكاها لدى الخليفة العباسي. ولكن، ثمة من يقول إن أول عثماني حاز هذا اللقب، هو "محمد الأول".

غير أن ذلك، لا يعني أن العثمانيين والمماليك، لا عهد لهما بالعلاقات. فقد أوفد "برقوق"، مَن يمثِّله في عرس الأمير "بايزيد"، محمّلين بالهدايا؛ وهو ما أشار إليه "الخوجه سعد الدين"، في كتابه "تاج التواريخ" بعبارة، توحي بقدم العلاقات بين الطرفَين. زد على ذلك ما أورده المؤرخ العربي، "المقريزي"، في المجلد الثالث من كتابه الكبير: "السلوك إلى معرفة دول الملوك"، وفحواه أن "أورخان غازي" أرسل ممثلاً له إلى سلطان مصر، أبلغه، في الخامس من شوال 767هـ/15 من يونيه 1366م، أنه سوف يبعث بأسطول، يضم مائتَي سفينة، مساعدة لمصر على ملك "قبرص". ولا شك أن هذا المؤرخ قد أخطأ؛ إذ إن "أورخان غازي"، كان قد توفي قبْل ست سنوات من التاريخ المذكور؛ أو التبس عليه الفصل بين هذا القائد وابنه، "مراد الأول".

معركة "قونيا"

أشكلَت أول مواجهة، بين العثمانين والقرمانيين، على المصادر التاريخية، أحداثاً وتأريخاً؛ فتباينت في نقْلها، بل تعارضت؛ إذ أرَّختْها إحدى الروايات بعام 788هـ/1386م، دوَّنتْها أخرى في عام 789هـ/1387م.

وسجّلتْ المراجع العثمانية التقليدية، أن "علاء الدين علي" حاكم "قره مان"، انتهز انشغال حميه، "مراد الأول"؛ في "الروملي"، فعمد، وبتشجيع من ملك "صربيا"، "لازار"، إلى الاستيلاء على المدن الست، التي كان العثمانيون قد اشتروها، عام 783هـ/1381م، من "كمال الدين حسين بك" ابن "حميد". وسرعان ما عزَّز حموه جيشه بجنود، من بيزنطة و"بلغاريا"، وألْفَي صربيّ؛ واندفع إلى "قونيا" حيث التقى صهره، في سهْلها، فهزمه، وحاصرها، واستولى عليها. وانبرى أنصاره الصربيون يعيثون في الأناضول، نهباً وسلباً واغتصاباً، حتى اضطروه إلى الأمر بإعدام كثير منهم. أما المهزوم، فقد استشفع زوجته، "سلطان خاتون"، أو "نفيسة سلطان"؛ إلى أبيها، في وفْد من علماء "قونيا". وقد خرّت الشفيعة، تقبِّل رِجْلَي والدها، باكية فشفّعها في صهره المتمرد؛ إذ عفا عنه، وتخلَّى عمّا كان استولى عليه. وهكذا، تُظهِر المراجع العثمانية التقليدية، أن "قره مان" كانت دولة تابعة للعثمانيين، الذين أخمدوا تمرّدها.

ويناقض "شيكاري"، في تاريخ "قره مان"، المراجع الآنفة؛ إذ يسجِّل أن "مراد الأول" وصهره "علاء الدين"، قد تصادَما في غضون سنتَين، في معركتَين، طالتا أياماً، وكانت ساحتاهما سَهْلَي "آق شهر" و"قونيا"؛ وقعت أولاهما عام 771هـ/1369م، والأخرى عام 773هـ/1371م. وأثار حفيظة القرمانيين وسخطهم فيهما، استعانة العثمانيين بجنود من الصرب والروم وغيرهم من الأجانب؛ حتى إن الأمير القرماني، "علي بن طورغت بك" عيَّر السلطان العثماني، في ساحة المعركة، قائلاً: يا "مراد بك"، هل يليق بك، أن تستنصِر بكلّ هذه القوات الكافرة، على جنود الإسلام! وهل يمكِن المسلِم الاستعانة بقوات من الكفار!. وكان "مراد الأول"، قد سعى إلى استمالة بني "آيدين" وبني "صاروخان"؛ ولكنهم رفضوا مؤازرته على خصمه، قائلين: "إن ابن "قره مان" هو ملِكنا، ووليّ نعمتنا". أمّا أمراء "حميد" و"تكه"، فقد ظاهروا عليه، وفق روايات عثمانية، بني "قره مان".

في المعركة الأولى أثخنت "مراد الأول" أربعة جراح. ولم تُقيَّض الغلبة لأيٍّ من طرفَيها؛ وإنما انتهت إلى صلْح بينهما، قضى بأن يدفع الحاكم العثماني خراجاً، اسمه "آقجة الشعير"، إلى بني "قره مان"، وأن يُرْهِنهم أحد إخوانه، الذي حُبس في قلعة " بَيْ شهر".

أما المعركة الثانية، التي وقعت بعد سنتَين من الأولى، فإنها بدأت في "آق شهر"، وانتهت أمام مدينة "قونيا" ورجحت فيها كفة العثمانيين، إلاّ أنها لم تسفر عن غالب ومغلوب؛ إذ إنهم جَلَوْا عن "قره مان".

وانمازت هذه المعركة بتطوّر مهم في أسلحتها، تمثّل في استخدام الجيش العثماني البندقية؛ فضلاً عن المدفعية التي كانت قد صُنعت، عام 766هـ/1364م، في "بورصا"، والتي ترمي الكرات الحديدية؛ غير أن هذا الاستخدام كان محدوداً، نظراً إلى قلة البارود. أمّا القرمانيون، فقد اقتصروا على السيوف والنبال. بيد أن أول مرّة، اعتمد فيها العثمانيون على المدفعية اعتماداً أساسياً ـ كانت عام 791هـ/1389م، في معركة "كوسوفا"، التي استشهد فيها "مراد الأول". أمّا البندقية فكان أول اعتمادهم عليها عام 804هـ/1402م، في معركة "أنقرة"، بين "يلدرم" و"تيمورلنك".

ويرى المؤرخون الأوروبيون، استناداً إلى قواعد النقد التاريخي، أن العثمانيين، في عهود عثمان و"أورخان" و"مراد الأول"، كانوا دون القرمانيين أهمية؛ حتى بعد فتوحاتهم في "الروملي". ولم يصبحوا لهم أنداداً، إلا بعد إلحاق إمارات "أمور خان"، و"قره سي"، و"كره ده"، و"كرميان"، و"حميد"، جزئياً أو كلية، بالأراضي العثمانية؛ ثم استيلائهم على "أنقرة". لكنهم لم يفوقوهم؛ ولذلك، لم يتحرّج الحاكمُ العثماني، أن يساوي نظيره القرماني؛ ومصداق ذلك، أن "مراداً الأول"، لم يتردّد وَفق ما نشره "فريدون بك" في "المنشآت"، في مخاطبة "علاء الدين علي"، حاكم "قره مان"، في صدد التنكيل بـ"سافجي بك"، عام 787هـ/1385م، بصيغة: "أخي "علي بك".

لكلّ ذلك، فإن ما قيل عن انهزام السلطان القرماني، واستشفاعه زوجته إلى أبيها المنتصر، واستيلاء الأخير على "قره مان"، وإخماده ثورتها ـ ما هو إلا أسطورة، حاكها المؤلفون العثمانيون، فيما بعد. وإلاّ فما الذي حداه على التخلي عنها، بعد ما تجشَّمه من تضحيات وسفك دماء!

الصاعقة

قاد "مراد الأول" الجيش العثماني، في معركة "قونيا"؛ وتولّى ميمنته ابنه، الأمير "يعقوب"، وميسرته ابنه، الأمير "بايزيد بك"؛ وعُهدت طوارئهما إلى أمير أمراء "الروملي"، "قره تيمورطاش باشا". وتعزو المراجع العثمانية النصر فيها، إلى الجهد الجاهد والاستبسال، اللذَين بذلهما قائد الميسرة وقوات الاحتياطي؛ ولذلك، مُنِح أوَّلهما، لسرعة حركته الميدانية، لقب "يلدرم" أي الصاعقة؛ وخُلِع على الثاني لقب الوزارة، إضافة إلى منصبه أمير أمراء "الروملي".

 

789هـ/1387م

وفاة "خير الدين جاندارلي باشا"

توجَّه الوزير الأعظم، "قره خليل جاندارلي باشا"، الملقب بـ"خيرالدين"، الاستيلاء على "فنربيني شهر". وقبْل بلوغها، اعتراه المرض، في "ينيجه فاردار" أو "سرز"، حيث وافته منيته، ورُفع له مقام؛ ولكنه دُفِن في "إزنيق". وثمة رواية تؤرِّخ موته بعام 788هـ/1386م؛ وتؤرِّخه أخرى بعام 800هـ/26 يونيه 1398م.

استأثرت أسْرة "جاندارلي" بمنصب الوزارة العظمى، منذ استحداثه عام 770هـ/1368م، إلى عام 857هـ/1453م، حين ألغاه "محمد الفاتح"؛ على الرغم من بعْثه، في عهد "بايزيد الثاني"، وتولِّي أحد أفرادها، "إبراهيم جاندارلي باشا" مقاليده. وهي أسْرة عِلْم، تداول أبناؤها التدريس، والقضاء، والقضاء العسكري، والوزارة العظمى.

الابن يخلُف أباه

عَقَبَ "علي باشا" أباه، فترك القضاء العسكري إلى الوزارة العظمى، التي شَرَعَ فيها سُنَّة الفخامة والأبهة.

 

790هـ/1388م

هزيمة العثمانيين

طالما أَسَرَّ الملك الصربي، "لازار كربليافونيج"، في نفسه، العداء للأتراك، على الرغم من قبوله حكْمهم، عام 774هـ/1372م، ودفْعه إليهم الخراج، واضطراره إلى تجديد تبعيته لهم، بشروط أقسى، بعد فتح "نيش"، عام 777هـ/1375م. فحالف عليهم حاكم "قره مان"، "علاء الدين علي بك"، الذي شجعه على الهجوم عليهم، في "الروملي"، قبل معركة "قونيا" أو بعدها.

وتفاقم عداؤه، بعد تَرامي الحدود العثمانية إلى "مورافا"؛ وأَجَّجَهُ ما رواه العائدون الصربيون، الذي ناصروا الأتراك في معركة "قونيا" من النكبات، التي مُنُوا بها؛ فضلاً عن إعدام "مراد الأول" السلَبَة والنهَبَة منهم. فاستثار ذلك حمية الصربيين الوطنية، واستنهضهم للمقاومة؛ وحَفَزَ ملِكهم إلى الاتحاد مع ملك "البوسنة"، "تفيرتكو"؛ وحشْد العديد من فرسان "صربيا"، الذين لَمَّا يعترفوا به بعد؛ إضافة إلى بلغاريين وألبانيين؛ وإذ قوام جيشه ثلاثون ألفاً ينقادون قيادة صربية ـ بوسنية ويباركهم الملك البلغاري، "شيشمان".

وفي غضون اندفاع جيش تركي، قوامه عشرون ألف رجُل، من "فاردار" للاستيلاء على "البوسنة". وباغتته القوات المتحالفة، في "بلوشنيك" في سهل "توبليكا"، حيث انهزم، بعد مقتل خمسة آلاف ج من رجاله. وقد أنعش هذا النصر الحركة السلافية البلقانية، الخائرة أمام الضربات العثمانية الموجِعة؛ وحَمَلَ بعض الأمراء الألبان على الانضمام إلى بذلك التحالف الصربي ـ البلغاري ـ البوشناقي. وهناك رواية، تشير إلى أن هزيمة "بلوشنيك"، كانت في عام 788هـ/1386م، أو في عام 789هـ/1387م.

التحالف البلقاني على العثمانيين

حدا انتصار "بلوشنيك"، الصربيين والبلغاريين والمجريين والبوشناقيين، وقسماً من الألبانيين، على طرْد الأتراك من البلقان. فعمد "مراد الأول" إلى مباحثات سرية، تمخضت بتنكّر الأمير الألباني، "بالشا"، للتحالف، وانحيازه إلى العثمانيين. كما واطأ بعض الضباط الصربيين على أن يَنْسَلوا إليه بملِكهم، "لازار". ووَكَلَ، في الوقت عينه، إلى الوزير الأعظم، "علي جاندارلي باشا" الاستيلاء على "بلغاريا"؛ لِيَحُول دون اتحاد الجيشَين، البلغاري والصربي.

الاستيلاء على "بلغاريا"

اندفع الوزير الأعظم "علي جاندارلي باشا"، نحو "بلغاريا"، فعبّر ممرّ "نادر"، الواقع في شمال "آيدوس"، واجتاز جبال البلقان، واستولى على مدينتَي "برافادي" و"شمنو"، ثم مدينة "ترنوا"، عاصمة البلغاريين آنذاك. فانسحب الملك "شيشمان" إلى الشمال، حيث امتنع بقلعة "نيجبولي"، ريثما تصله الإمدادات؛ ولكن "مراد الأول"، سبقها إلى القلعة؛ ما اضطرّ الملك البلغاري إلى الخضوع للعثمانيين، وتعهّد الوفاء بدفع الخراج المتراكم عليه، منذ سنوات، وتسليم قلعة "سلسترا" وعدة قلاع أخرى.

وما إن انسحب القائد العثماني حتى عاد "شيشمان" إلى عصيانه، فعاد إليه العثمانيون اذين استولوا على "بلغاريا" و"نيجبولي" و"سلسترا"، و"هزاركراد"، و"روستجوق"، وأسروا الملك "لازار" مع زوجته وأولاده، واقتادوهم إلى مقر "مراد الأول". وهكذا، أفسد هذا القائد على البلقانيين تحالفهم عليه؛ إلا أنه راعى صلة النسب، التي تربطه بالملك البلغاري، فَرَوُّفَ به، ولم يعاقبه؛ وإنما ساعده على الاحتفاظ بموقعه والياً تركياً، تابعاً له. وقد أرِّخت هذه الفتوحات، كذلك، بعام 778هـ/1376م، وعام 781هـ/1379م، وعام 791هـ/1389م.

الاستيلاء على بعض مدن "المورة"

طالما كانت شبه جزيرة "المورة"، دُوْلة بين البيزنطيين واللاتين. ما إن فَقَدَ الأوائل سيطرتهم عليها، حتى تولّت إدارتها أسْرة "فلهاردوين" الفرنسية، وأسمتها إمارة "آهايا". غير أن الإمبراطور البيزنطي، "ميخائيل بالأولوغوس الثامن"، أَسَرَ أميرها الفرنسي، "جليوم" Guillaume، الذي افتدى نفسه، عام 1262م، بمدن: "ميسترا/إسبارطة" و"ماينا" و"مونمفاسيا"، التي كانت بداية للسيطرة البيزنطية على نحو نصف "المورة"، عام 749هـ/ 1348م، إمارة رومية، عُهِد بها إلى "مانويل كانتاكوزينوس"، ابن صهر "أورخان غازي"، الإمبراطور البيزنطي، "يؤانس السادس". وأصبحت، منذئذٍ، معقلاً بيزنطياً، في مواجهة اللاتين؛ وآخر منبع للثقافة اليونانية، في عهد الانحطاط البيزنطي.

وخَلَفَ "مانويل"، إثر وفاته، عام 782هـ/1380م، في حكْم الإمارة أخوه الأكبر، "ماتأوس كانتاكوزينوس"، الذي كان شريكاً لوالده في حكْم بيزنطة، بعد أن مُنح لقب إمبراطور. وبعد وفاته، عام 785هـ/1383م، انتقلت إمارة "المورة" من أسْرة "كانتاكوزينوس" إلى نظيرتها "بالأولوغوس"؛ على أثر تولِّي "تيودورس"، الابن الاصغر للإمبراطور "يؤانس بالأولوغوس الخامس"، حكْمها. وحينما استشعر هذا الأمير عجزه عن الدفاع عنها، في مواجهة اللاتين، لم يجد بدّاً من حماية العثمانيين، فدعاهم، فاستجابوا له؛ إذ اندفع قائدهم، "أفرنوس بك"، الموجود في "ينيجه فاردار"، إلى "المورة"، حيث استولى على بعض المدن والقلاع. (انظر خريطة الحدود بعد وفاة مراد الأول)

 

791هـ/1389م

حَتْف "مراد خداوندكار"

تمكّن دسيس "مراد الأول" من زعزعة تحالُف البلقانيين؛ إلاّ أنه لم يَقْوَ على ضَعْضَعَتهم؛ فانبرى كلٌّ من الطرفَين يحشد للآخر ما أمكنه الحشد.

اجتمع للعثمانيين البوشناقيون والمجريون والألبانيون والبولونيون، وبعض البلغاريين المقدونيين. وقاد الملك "لازار"، جيش التحالف، البالغ مائة ألف رجُل، وقيل ثلاثمائة ألف، بمَن فيهم الأمير البوسني، "تفيرتكو"، الذي يصحّفه بعض المراجع إلى "ثوارتكو"؛ وأمير "كوسوفا"؛ و"فوك برانكوفيج"، صهر الملك القائد؛ والأمير البولوني، "ميرجه الكبير"؛ وأحد أمراء "ألبانيا" الشمالية الثانويين، "جورج كاستريوتا"، وهو، وفقاً لكتاب L’Albanie et linvasion turgue au Xve siecle، لمؤلِّفه Athanase Gegaj ـ جدّ "الإسكندر"، الذي قاد حركات تمرّد كبيرة، في عهدَي "مراد الثاني" و"محمد الفاتح"، باسم "المشكلة الألبانية". ولم يواطئ المتحالفين على عداء العثمانيين، كلٌّ من الأمير الألباني، "بالشا الثالث"، الذي أقنعه "مراد الأول" بعد الانحياز إلى أيٍّ من الطرفَين؛ الإمبراطور البيزنطي، "بالأولوغوس الخامس"، حَمِيُّ العثمانيين والتابع لهم. أما "مراد الأول"، فقاد جيشاً، قوامه ستون ألف رجُل، وقيل أربعون ألفاً؛ حُشروا له من الإمارات التركية: "جاندار" و"كرميان" و"صاروخان" و"آيدين" و"منتشة" و"حميد" و"تكه"، و"قره مان"؛ إضافة إلى الأمير البلغاري، "كوستنديل" (قسطنطين)، حَمِيّ العثمانيين، في "الروملي"؛ وبعض الصربيين، الأمراء في الجيش العثماني؛ ناهيك بالفارس السلافي الأسطوري، "ماركو كراليفيج" أو "كرالي ماركو"، الذي تجعله الملاحم، الصربية والبلغارية، قائد حملات عسكرية استبسالية خارقة، وبطلاً وطنياً بارزاً.

في "صحراء كوسوفا"، أو "سهل كوسوفابول/قره تافوق"، التي بين "ميتروفيجا" و"أسكوب"، في غرب "بريشتينا"، التقى الجيشان. في بداية المعركة، انهزمت ميسرة الجيش العثماني؛ ولم يُعِد إليها ثَباتها إلاّ "بايزيد"، الملقب بالصاعقة. وسرعان ما انسحب من المعركة أمير "كوسوفا" و"فوك برانكوفيج"، صهر الملك الصربي، "لازار"، مع قواتهما، التي تتكون من عشرة آلاف أو اثني عشر ألف رجُل؛ وثَبِط الجيش الصربي، وشرعت تنسحب، هَلُوعاً؛ وأُسِر قائدها، مع ألْفٍ من رجاله.

ويُعزَى انسحاب "فوك برانكوفيج" إلى طمعه في عرش حَمِيه، بعد أن استَيْقَن هزيمته. وثمة من يرى أن انسحابه، ما هو إلاّ تنفيذ لِما كان قد آمر عليه "مراداً الأول"؛ ورغبة في تحقيق ما وعدَه به القائد العثماني. وقيل إن المنسحب، ليس الصهر، وإنما أمير بوسني اسمه "فلادكو".

تمخّضت معركة "كوسوفا" بالقضاء على الاستقلال الصربي، وخضوع سلافيِّي البلقان للحكْم التركي، وترامي الحدود العثمانية نهر "طونا".

وتُجمِع المراجع، الشرقية والغربية، المتنوعة، على العام، الذي وقعت فيه المعركة؛ لولا واحد منها، أرَّخها بعام 790هـ/1388م. بيد أن إجماعها على العام، لم يُحل دون اختلافها في اليوم والشهر؛ إذ سَجَّلها أحد المراجع، مثلاً، في يوم الثلاثاء، التاسع عشر من جمادى الآخرة، الموافق للخامس عشر من يونيه؛ وجعلها آخر في يوم الأحد، الرابع والعشرين من جمادى الآخرة، الموافق للعشرين من يونيه؛ وأرَّخها ثالث بيوم الأحد، الرابع عشر من شعبان، الموافق للثامن من أغسطس؛ وقال رابع إنها كانت في يوم الإثنين، الخامس عشر من شعبان، الموافق للتاسع من أغسطس؛ وحدّدها خامس بيوم الجمعة، الرابع من رمضان، الموافق للسابع والعشرين من أغسطس.

أودت معركة "كوسوفا" بقائدَيها؛ إلاّ أن المصادر التاريخية، تتباين في كيفية مصرعهما؛ إذ يذكر أحدها، أن الملك الصربي الأسير، "لازار"، مَثُلَ بين يدَي القائد العثماني الجريح، "مراد الأول"؛ فعتا المنهزم، فأمر المنتصر بإعدام، ونُفِّذ الأمر من الفور. واستدرك عليه آخر قائلاً لا، بل إن "بايزيد"، قطع رأسه، في المعركة. وينفي ثالث موته، مدّعياً أنه افتدى نفسه بأخته، التي قدَّمها إلى "الصاعقة".

أمّا "مراد الأول"، فالأرجح أن جندياً "صربيا" قتله، في تأريخ، جعله كلٌّ من المراجع التاريخية موافقاً للتوقيت، الذي أرِّخ به معركة "كوسوفا". ويمكِن حصْر مصرعه في روايتَين اثنتَين. فحوى أولاهما، أنه جال، راجلاً، بعد المعركة، في ميدانها، حيث لَفَتَه فدائيّ صربيّ، بين ضحاياها، بادر إلى إعلان إسلامه؛ فسارع "خداوندكار" إلى تقبيل رِجْله، فعاجله مدّعي الإسلام بطعنة خنجر مسموم، في قلبه.

وخلاصة ثانيتهما، أن فدائياً "صربيا"، انسلّ من جيشه، إبّان المعركة، منسرباً في الجيش التركي، موهماً أنه فارّ، يرغب في إبلاغ السلطان معلومات سِرية. وما إن أدخل عليه، حتى أَوْحى بعزمه على تقبيل رِجْله؛ ولكنه عمد، بدلاً من ذلك، إلى طعْنه؛ وولّى هارباً، يتعقّبه العثمانيون، وقطّعوه إرْباً إرْباً.

ينتسب القاتل إلى أحد البيوت الصربية الأصيلة، وهو أحد أصهار الملك الصربي، "لازار". واسمه "ميلوش كابيلوفيج"، ولقَبه "كابيليج"، أو "كوبيليج"، أو "أوبيليج"، أو "أوبرافيج". وتصحّفه المراجع العثمانية إلى "بيلوش كوبيله"، "ميلوج كوبيله"، "فيلوش كوبيله"، "ميلوش نيكولا"، و"ميلوش كوبليش". وتذكُر الملاحم الصربية، أنه بطل معركة "كوسوفا"، والذي لم تمنع بطولته تخوينه، على لسان حمِيه، حينما أسْكَرتْهما الخمر، إبّان الحفلة، التي أقامها الملك الصربي، قبْل ليلة من نشوب المعركة؛ إذ قال: "إن "ميلوش خائن". فردّ المتهم: "بعد يوم واحد، سأثبت لكم إخلاصي". وقد رفعت "صربيا"، في السنوات الأخيرة، نُصباً تذكارياً لبطلها الجسور.

لم يعِش "مراد الأول"؛ بعد طعْنه، سوى ساعتَين. وقد توفِّي عن ثلاثة وستين عاماً من العمر، وتسع وعشرين عاماً من الحكْم. فحُنِّطَت جثته، تبعاً للعادات التركية القديمة، وأُوْدِعَت ضريحاً، في "بورصا"؛ وَقَفَ عليه سلطان مصر، "برقوق"، شَمْعِداناً وطاساً ومُصْحفاً. أمّا أحشاؤه، فدُفنت حيث قتل، في صحراء "كوسوفا"، التي صارت تُعْرَف، منذئذٍ، بـ"مشهد خداوندكار".

أَوْحى للعثمانيين مصرع قائدهم سُنَّتَين، أصبحتا منذئذٍ، عُرفاً. أولاهما، تفتيش الأجانب، الذين يحظَوْن بمقابلة السلطان؛ للاستيثاق من كونهم عُزِّلاً. وثانيتهما، وقوف رَجُلَين متكاتفَين، بينه وبين مَن يقابله. ويقال إن الأخيرة منهما، شُرعت عام 897هـ/1492م، بعد تعرُّض "بايزيد الثاني" للاغتيال.