إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

بايزيد الأول

("يلدرم" الصاعقة)

(791-804هـ/1389-1402م)

 

791هـ/1389م

اعتلاؤه العرش

خَلَفَ "بايزيد الأول" أباه، وهو في التاسعة والعشرين من عمره. بيد أن المسكوكات، التي ضربت باسمه تظهر أنه لم يَعْتَلِه في هذا العام؛ وإنما في عام 792هـ/1390م. وعَلَّل ذلك "علي بك" في مجلة "مجمع التاريخ العثماني"، الصادرة في الأول من سبتمبر 1340 (رومي) (5/82)، بعد تدقيقه في تلك المسكوكات، بانهماكه بعد معركة "كوسوفا"، في شؤون "الروملي"، ثم قدومه إلى "أدرنة"، ومحاولته الاستيلاء على "صربيا"؛ فضلاً عن انشغاله بمنازعة أخيه الحكْم. وتصحّف المصادر الغربية اسم هذا السلطان، إلى "باجازت 1"، Bajazet I؛ ولقبه "يلدرم" إلى "إلدرم" Ilderim، الذي يحرّفه المؤرخين الفرنسيين فيجعلونه "شيمشك" L’éclair، أي البرْق. مُنح "بايزيد الأول"، فَوْر تولّيه العرش، وتبعاً للعادات الإسلامية القديمة، لقب "جلال الدين". أمّا لقبه "يلدرم"، الذي خلَعه عليه الجنود؛ لسرعته الفائقة في الحروب ـ فلا صفة رسمية له. (انظر خريطة الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد)

استلاب العرش

كان لـ"مراد الأول" أربعة أبناء: "بايزيد"، و"سافجي"، و"يعقوب"، و"إبراهيم". أعدم ثانيهم، لتمرّده عليه؛ وولّى أولهم "أونو"، وثالثهم "قره سي"؛ أمّا الرابع، فهو مَغْمور. انماز "يعقوب بك" على أخيه "بايزيد"، بأنه الأكبر منه سِنّاً، كان وليّاً للعهد، مُحَبَّباً إلى الشعب والجيش كلَيهما، كاثر المؤيدين. وكلاهما شارك أباه في معركة "كوسوفا". وحين استشهاده، كان خليفته الشرعي، "يعقوب جلبي"، يطارد فلول العدو"؛ بينما كان "يلدرم" إلى جانب أبيه؛ ما ساعده على اغتصاب حق أخيه في العرش، بعد أن وافَقه على ذلك مؤيدوه من الأمراء. وكان لذلك، بحسب "أورج بك"، بإرساله مَن قال لـ"يعقوب جلبي": "أبوك يريدك". وسرعان ما اكتُشف خَنِيقاً، في داخل الخيمة؛ فحُنِّطت جثته وجثة أبيه، ونُقلتا، ربما سِرّاً، إلى "بورصا"، حيث دُفنتا.

لم يكُن قتْل "يلدرم" أخاه بِدْعاً في آل عثمان، وإنْ بدَّعه المؤرخ "لطفي باشا"؛ إذ طالما تناحروا على السلطة. ولكن قتْل بعضهم بعضاً، لم يصبح سُنَّة مُسَوَّغة، إلا في عهد "محمد الفاتح".

وعلى الرغم من ذلك، فقد أثر مصرع "يعقوب جلبي" سُخْط مُحبِّيه. و"تأثَّر، بحسب "عاشق باشا زاده"، كثير من الجنود بذلك". وخرج بعض أمرائهم، وفقاً لِما ذكره "الأسترابادي"، في "برم ورزم، على السلطان القاتل؛ ولكنهم ما لبثوا أن انصاعوا إليه.؛ ولعل ذلك ما أثار ريبته، وحمَله على دفن أبيه وأخيه، سِرّاً، ناهيك بالفوضى، التي شابت اعتلاءه العرش.

أمّا على الصعيد الخارجي، فقد استثارت الجريمة الرأي العام؛ وساعدت بني "قره مان"، على التحريض على مقاومة العثمانيين وترؤّس المتمردين عليهم. وتلقّفها الأدب الأوروبي؛ إذ ألهمتْ، مثلاً، كاتباً قتلونيّاً قصة تاريخية، بعنوان: La historia de Iacop Xalabin، استند إليها المؤرخ "إيورغا" Iorga.

ولادة "محمد جلبي"

الأرجح أن هذا العام هو، ميلاد مؤسس دولة العثمانيين الثاني، "محمد جلبي"، ابن يلدرم"، وجَدّ عظام سلاطينهم؛ إنه من "دولت شاه خاتون" أو "دولت خاتون"، ابنة "سليمان شاه الكرمياني"، التي تزوجها عام 783هـ/1381م.

"يلدرم" يَستتبع "صربيا"

بعد إخضاع "بايزيد الأول" أمراء "الروملي"، الذين خرجوا عليه، على أثر قتْله أخاه "يعقوب جلبي"، انبرى للمسألة الصربية، بمهارة سياسية فائقة، وحُنكة بارعة، وبصيرة ثاقبة، أثبتتْ أنه رجُل دولة؛ إذ لم يقض على الصرب قضاءً مبرماً، وإنما عمد إلى مفاوضة كلٍّ من "ستيفان/أتين"، ابن الملك القتيل "لازار"، وصهره، "فوك". وانتهت المفاوضات إلى معاهدة، يدفع بموجبها "ستيفان"، الذي أعلنه "يلدرم" ملكاً على "صربيا"؛ ولكنه لم يمنحه سوى نصف ميراث أبيه، خراجاً؛ إلى الدولة العثمانية؛ ويستعد لدعمها بالجُند، متى احتاجت إليهم؛ ويقدِّم أخته، "أوليفرا"، زوجة للسلطان العثماني. أمّا النصف الآخر لِشرِكة "لازار"، فقد أورثه "بايزيد الأول" "فوك برانلوفيج"، صهر الملك التقيل، على أن يتخذ "بريشتينا" مركزاً له.

وقد أخلص الصربيون للعثمانيين، فآزرهم؛ الجيش الصربي مؤازرة كبيرة على الاستيلاء على الإمارات التركية، في الأناضول؛ وكذلك على "البوسنة"؛ وشاركهم في معركتَي "نيجبولي" و"أنقرة".

فتح "بلغاريا" و"البوسنة"

على أثر تسوية المسألة الصربية، اندفع الجيش العثماني إلى شمالي "بلغاريا" و"البوسنة". قاد الحملة على الأولى "الخوجه فيروز بك"، الذي استولى على "وودين" ثم اجتاز نهر "طونا" إلى داخل "الأفلاق". أمّا "البوسنة"، فقاد الحملة الكبيرة عليها "باشا يغيت"، الذي ظفِر بكثير من غنائمها؛ بل أرغمها، كما يُزْعَم، على دفع الخراج. وتولّى "يلدرم" نفسه الاستيلاء على مدينتَي "أسكوب" و"كارتوفا". ويؤرِّخ بعض المصادر هذه الفتوح بعام 792هـ/1390م.

مكافحة الصليبية

سعى "بايزيد الأول" إلى الوحدة الإسلامية، جَبْهاً للنَّوَازي النصرانية، فحاول الاتفاق على ذلك مع المماليك، في مصر. ونَمَّ بسعيه هذا استخفافه بالعديد من سفراء الإمارات الإيطالية، الوافدين للتهنئة بالعرش، وتجديد المعاهدات التجارية؛ وقوله لهم، في خلال استقباله إياهم في قصر "أدرنة": "سوف أذهب إلى "روما"، وأعلف فرسي في محراب كنيسة القديس "بطرس".

تألُّب إمارات تركية على العثمانيين

انتهزت الدولة القرمانية غِيلَة "يعقوب بك"، لتستنهض سبع إمارات تركية، في الأناضول بما فيها إمارة القاضي "برهان الدين"؛ وقد شارك معْظم أمرائها في معركة "كوسوفا"؛ وكوّنت منهم حلفاً، برئاستها، على غائل أخيه. أمّا بنو "جاندار"، الذين كانوا يحكمون منطقة "قسطموني"، فقد آثروا الحياد، إلا أنهم سرعان ما انحازوا إلى الجانب العثماني.

اغتنم المتحالفون انهماك "يلدرم" في ما طرأ على الساحة البلقانية، إبّان معركة "كوسوفا"، فهجموا على الحدود العثمانية بذاتها، حيث استولى بنو "قره مان" على "بي شهر"، وآل "كرميان" على المدن، التي كان العثمانيون قد انتزعوها منهم؛ والقاضي "برهان الدين" على مدينة "قرشهر"؛ فضلاً عن تسلُّط "مروت بك"، رئيس التتار الباقين من المُغول في الأناضول قره تتار، على الأراضي العثمانية.

 

792هـ/1390م

"يلدرم" رافع الأباطرة وخافضهم

كان اصطراع البيزنطيين، قد أسفر عن غَلَبَة الإمبراطور "يؤانس بالأولوغوس الخامس" على عرش بيزنطة؛ ويشاركه فيه ابنه، "مانوئيل". أمّا منافسه المغلوب، ابنه، "آندرنيكوس الرابع"، فقد اكتفى بمدينتَي "سلفري" و"أرجلي"، الواقعتَين على بحر "مرمرة"؛ وذلك بصفتها "شعيرية" (أي بدل غلة الشعير).

خَلَفَ "آندرونيكوس" بعد وفاته، عام 787هـ/1385م ابنه، "يؤانس"، الذي لم يبالِ به جدّه وعمّه، قَيِّما العرش البيزنطي؛ لا، بل قيل إنهما أودعاه السجن، ما أحنقه عليهما، وأثار حفيظته؛ وحدا به على مخاطبة "يلدرم"، السلطان العثماني، فيهما؛ أو الالتجاء إليه. فاستجاب له "بايزيد الأول"؛ إذ هجم على "إستانبول" بقوة عسكرية، قوامها ستة آلاف فارس، وأربعة آلاف من راجل. وإزاء هذا الخطر، إطاح انقلابٌ الجدَّ والعمَّ؛ ونُصِّب الحفيد إمبراطوراً على بيزنطة، باسم "يؤانس السابع".

لم يهنأ الإمبراطور الجديد بعرشه،إلا عدة أشهر؛ إذ فرّ سَلَفَاه من سجنهما، وبادرا إلى التداوي بالداء البيزنطي نفسه؛ فلجآ إلى "يلدرم" مباشرة. وأبرما معه معاهدة، تقضي بزيادة المال، الذي يدفعانه إلى العثمانيين؛ بدْل جهْد أفضل في خدمة جيشهم، بعد تولِّيهما معاً حكم بيزنطة؛ عزْل "يؤانس السابع"، الذي عُيِّن أميراً على إمارة "أرجلي".

أصبح أباطرة بيزنطة، إذاً، دُمىً، يحركها العثمانيون كيف شاءوا؛ حتى إن مجلس وزراء "البندقية" تحفَّظ من المصير البيزنطي، فأصدر، عام 792هـ/1390م، أمراً إلى سفرائها لدى "إستانبول"، بأن يَدَّاركوا الأتراك إنْ استأثر بعرش بيزنطة، بدلاً من أسْرة "بالأولوغوس"، سفن "البندقية" التي كان الروم استولوا عليها.

الزوجة المُوَسْوِسة

في مسجد "كروشفاج/آلاجاحصار"، القريبة من "نيش"، انعقد زواج "يلدرم" والأميرة الصربية، "أوليفرا" أو "دسبنا". وسرعان ما أَدَلَّ به على "بايزيد الأول"، أنسباؤه الجُدُد، أبناء "لازار"، فوطدوا علاقتهم به؛ وأصبحوا يمرحون في قصره، يدخلونه بمواكبة جنودهم، فاطَّرد فيه النفوذ الأجنبي. والأدهى من ذلك، أن "أوليفرا"، التي دأبتْ في علاقتها بأسْرتها وبلدها ـ زَيَّنَتْ لزوجها الخمْر والميْسر، فتعوَّدهما إلى حدٍّ، أثر في مقدرات الدولة. وثمة مَن يقيِّد هذا الزواج عام 791هـ/1389م، وعام 793هـ/1391م.

قَمْع المتحالفين

فَرَغ "بايزيد الأول"، في السنة الثانية من حكْمه،من المسألة البلقانية؛ فتفرَّغ لإمارات الأناضول التركية الثماني، التي تحالفت عليه، عام 791هـ/1389م، واستولت على أراضٍ عثمانية. وآتته الفرصة، حينما تمادى المتحالفون في تجاوزاتهم؛ فسارع إلى الحملة على الأناضول، بعد أن جمَع قوة كبيرة من "الروملي"، يقودها أمير أمرائها، "قره تيمورطاش باشا". وأسهمت في الحملة الحكومات التابعة للدولة العثمانية، وشارك فيها الإمبراطور البيزنطي وابنه "مانوئيل الثاني"، والملك الصربي؛ والأرجح أن الإمبراطور الكهل، قد بقي في "إستانبول"؛ وأنه لم يكن فيها إلاّ ابنه، شريكه في عرش بيزنطة. زدْ علىالأنصار حاكم "قسطموني"، "سليمان الثاني بن جاندار".

عمد "يلدرم" إلى تجريد ابن "قره مان" من أنصاره، وإضعاف نفوذه؛ إذ بادر إلى الهجوم على "صاروخان"، فاستولى عليها، في حملة واحدة، وقُبض على أميرها، "خضر شاه"، وأرسله، أسيراً، إلى "بورصا". ثم انقضّ على "آيدين" انقضاضاً، اضطر أميرها، "عيسى بك"، إلى الخضوع له، بل قّدَّم إليه ابنته؛ ليحافظ على "تيرة"، التي استولى عليها العثمانيون بعد فترة وجيزة، عقب وفاته. أما "إزمير"، فكانت إزميرَين. إحداهما "إزمير الكافرة"، وتتمّثل في ميناء المدينة وقلعتها؛ ويسيطر عليها، منذ عام 745هـ/1344م، فرسان "رودس"، الذين كانت "آيدين" قد أقرّتهم عليها؛ طمعاً منها بالاستيلاء على بحر "الخزر" والهجوم على "الروملي". وثانيتهما "إزمير المسلمة"، التي أنشأها بنو "آيدين"؛ بعد عجزهم عن استرداد الأولى، المنيعة الأسوار؛ وقد عهد بها "بايزيد الأول" إلى الأمير العثماني، "قره سوباشي حسن آغا"، الذي يُزْعَم أن أبناءها تناسلوا منه.

ثَلَثَتْ إمارة "منتشه" إمارتي "صاروخان" و"آيدين"؛ وقيل لا "، بل ثالثتهما هي إمارة "كرميان" التي يقوم عليها "يعقوب بك الثاني"، أخو زوجة "بايزيد الأول"، والذي تنكّر لهذه القربى؛ فكان السلطان العثماني أشَدّ تنكراً لها؛ إذ استولى على دولة "كرميان" برمّتها، وأَسَرَ نسيبه، وأرسله إلى "الروملي"، حيث حبسه في قلعة "إبسالا". أمّا إمارة "منتشه"، التي يقتسمها الأخَوان: "أحمد" و"محمد"، فقد ألحق "يلدرم" قسمَيها بالدولة العثمانية؛ بعد هرب ثاني الأخوَين إلى مصر، ووفاة أولهما. وتسجِّل إحدى الروايات، أنه توفي بعد سَنة من ذلك الاستيلاء، استطاع، في خلالها، الحفاظ على دولته، التي كانت تضم منطقتَي "ميلاس" و"موغلا".

كان استيلاء العثمانيين على تلك الإمارات، التي حاولت إمارة "قره مان" دعْمها، حتى إنها اضطرت إلى مصادمتهم ـ نصراً عظيماً، أتاح وحدة تركية في الأناضول، تواجه آل "قره مان". ويؤرَّخ اكتمال ذلك الاستيلاء، كذلك، بمرحلتَين عام 791هـ/1389م، وعام 792هـ/1390م.

تسليم "آلا شهر"

تمخّض اصطراع أباطرة بيزنطة على عرشها، بقبول "يؤانس الخامس"، عام 781هـ/1379م، التخلّي عن قلعة "آلاشهر" لمتبوعه، "مراد الأول". غير أن سكانها الروم، عارضوا الرغبة الإمبراطورية، بل إن شريكه في الحكْم، ابنه "مانوئيل"، لم يتردَّد، على الرغم من اتحاد الجيشين: العثماني والبيزنطي، بعد احتلال أولهما إمارة "صاروخان"، الفاصلة بين القلعة والحدود العثمانية، في مقاتلة أتباع أبيه، المُزْمِعِين تسليمها. ولكن "مراداً الأول"، لم يتسلّمها؛ وإنما مُتسلّمها في هذا العام، أو في الذي يليه، وفقاً للمصادر العثمانية، وبعض المصادر البيزنطية، وبعض المستشرقين، ومنهم "بول ويتّك" Paul Wittek ـ هو "يلدرم".

الاستيلاء على إمارة "حميد"

كان "مراد الأول"، قد أَجْبَرَ "كمال الدين حسين بك"، حاكِم إمارة "حميد"، التي تتخذ مدينة "أغريدر"، أو "فلك آباد" سابقاً، مركزاً لها ـ على بيعه، عام 783هـ/1381م، سِتاً من مدن إمارته. وقد استغل هذا الأمير استيلاء حلفائه القرمانيين، عام 791هـ/1389م، على إحداها، مدينة "بي شهر"، فسارع إلى الاستيلاء على بعض تلك المدن.

تَعَجَّل "يلدرم" احتلال الإمارة. ولا يعزو بعض المصادر العثمانية عَجَلَته إلى الانتقام من أميرها؛ وإنما احتياط لأيّ تجاوز، قد يلجأ إليه القرمانيون. وكما تختلف الروايات في مصير "كمال الدين حسين بك"، فتقول إحداها إنه أُعدم بأمر من "بايزيد الأول"؛ وترى أخرى أنه مات على فراشه؛ كذلك هي مختلفة في تأريخ احتلال "حميد"، فتقيده بعام 793هـ/1391م، وعام 794هـ/1392م، وعام 797هـ/1394م.

الاستيلاء على إمارة "تكه"

يتحدَّر حكام إمارة "تكه"، التي تتخذ مدينة "أنطاليا" مركزاً لها، من أسْرة "حميد". وقد انضم حاكِمها، عام 791هـ/1389م، "عثمان جلبي" أو "مصطفى بك"، على الأغلب، إلى التحالف على العثمانيين؛ ما دفعهم إلى الاستيلاء عليها.

فرّ "مصطفى بك" من "تكه" إلى المماليك، في مصر؛ وقيل لا، بل احتفظ بإمارته، زمناً، في ظل الحكْم العثماني، حتى إنه سَكّ نقوداً باسم "بايزيد الأول". أما العثمانيون، فقد جعلوا مدينة "أنطاليا"، هي ميناءهم الأهم، على البحر الأبيض المتوسط. وعهدوا بسنجقها إلى "فيروز بك". إلاّ أن الوثائق، تشير إلى أن "عيسى جلبي"، ابن "يلدرم"، هو الذي تولَّى سنجق "انطاليا"؛ وقد يكون الأول مربياً للثاني.

ويؤرَّخ الاستيلاء على إمارة "تكه"، كذلك، بعام 793هـ/1391م، و795هـ/1392-1393م.

اصطلاح العثمانيين والقرمانيين

تساقُط الإمارات أمام "يلدرم"، أفقَد "قره مان" حلفاءها، إلاّ اثنتَين: إمارة القاضي "برهان الدين"، الواقعة شمالها الشرقّي؛ و"قسطموني"، التي ساند حاكِمها، "سليمان الثاني" ابن "جاندار أغلو"، العثمانيين، ثم آثر عليهم الإمارات المتحالفة.

حَمَلَ "بايزيد الأول" على "قره مان"؛ وإلى جانبه ملك "صربيا"، "ستيفان"؛ وإمبراطورا العرش البيزنطي: "مانوئيل الثاني"، ابن "بالألوغوس الخامس" الأوسط، وشريكه في الحكْم. ولم تستطع الإمارات المتحالفة الثلاث، مواجهته في جبهة واحدة؛ إذ انسحب الحاكم القرماني، "علاء الدين بك"، صهر العرش العثماني، إلى بلدة "قره مان"، التي كانت تسمى، قديماً، "لارندة"؛ ولم يمكِن اتحاد "سليمان الثاني" والقاضي "برهان الدين"، الذي وصل إلى مدينة "قر شهر". ولذلك، بادر الصهر إلى عرض الصلح على نسيبه، السلطان العثماني، الذي أتاه على عرضه؛ لانهماكه في أمور الأناضول و"الروملي"، واستعصاء "قونيا" على الحصار العثماني؛ فضلاً عن حاجة جيشه، البعيد من مركزه إلى المؤونة.

قضت معاهدة الصلح، غير المعروفة الشروط تماماً، بجعل المجرى المائي، في سهل "قونيا"، حدّا فاصلاً بين الطرفَين؛ واحتفاظ العثمانيين بمدينتَي "آق شهر" و"بي شهر". وقد أَلْحَقَ العثمانيون بدولتهم الأراضي القرمانية، التي احتلوها. وفوّضوا إمارة السنجق إلى الغازي "صاري تيمورطاش باشا"، أحد عبيد الوزير الأعظم، "علي جاندارلي باشا"؛ وهو مهتد، يدعى، كذلك، "معين الدين تيمورطاش" ابن عبدالله. ووَكلوا إمارة الأناضول إلى "قره علي أغلو قره تيمورطاش باشا"، ابن "آيكود آلب"؛ وهو من العِرق التركي.

نشاط العثمانيين البحري

سيطرة "يلدرم" على بحر "الجزر"، واستيلائه على "صاروخان" و"آيدين" و"منتشه" بعد استيلائه على "تكه"؛ واتخاذه ميناء "أنطاليا" قاعدة بحرية" في البحر الأبيض المتوسط ـ حفزاه على الاهتمام بالشؤون البحرية. فاستيقن الأهمية، العسكرية والتجارية، لقناة "جنق قلعة"، وولاّها "صاروجا باشا". ورعى، طيلة عشر سنوات، "كلي بولي"؛ فجدّدها، وأنشأ فيها ميناءً وحوضاً ومرسى، وزوّدها كلَّ ما تحتاج إليه.

بيد أن رعاية العثمانيين لشؤونهم البحرية، لم تَصْرِف أسطولهم العسكري عن نشاطه؛ إذ نهبت ستون سفينة منه، يقودها "صاروجا باشا" جزيرة "ساقزلي" وهدمتها؛ ثم انبرت لجزيرة "أغريبوز"، وسواحل اليونان الشرقية، حيث توافرت غنائمها. وهو ما أعْجل أهالي "البندقية" و"جنوى" إلى تحصينها من أيِّ هجوم عثماني مباغت؛ فَحَرَمُوا أنفسهم بأنفسهم ما كان يأتيهم، من الحبوب والذخيرة، من الأناضول.

 

793هـ/1391م

الأمر الصارم

انتهز الإمبراطور البيزنطي، "بالأولوغوس الخامس" انشغال "يلدرم" بحرْبه في الأناضول؛ فعمد إلى ترميم أبراج سور "إستانبول"، والمجاورة لِباب "يدي قلعة"، الذي كان يسمَّى" يالدزلي قابو"، وزيادة تحصينها؛ مستخدماً في ذلك حجارة بعض الكنائس، بعد هدْمها.

ولم يَحُلْ تمويهه تلك الأبراج، بتزيينها، دون معرفة السلطان العثماني بما طرأ عليها؛ فحَنِقَ على الإمبراطور المُسِنّ، وأمَره بهدم كافة أعمال التجديد. وهدَّده، إنْ لم يفعل ما يُؤمَر، بفقء عينَي ابنه، "مانوئيل الثاني"، الذي كان في رفقة الجيش العثماني؛ فامتثل الأمر العثماني الصارم.

موت الإمبراطور البيزنطي بغيظه

تأثَّر الإمبراطور البيزنظي، "بالأولوغوس يؤانس الخامس"، بأمر "يلدرم" الحازم؛ وهَلَكَ به. فَخَلَفَه ابنه الأوسط، "مانوئيل الثاني"، الذي فرّ من "بورصا" سرّاً، فور عِلْمه بموت أبيه، إلى "إستانبول"، حيث عرش بيزنطة؛ ما أسخط "يلدرم"؛ إذ الإمبراطور تابع له، فضلاً عن كوْنه رهينة لديه. فأرسل إليه رسولاً، يخبره: "إن كنت تريد العيش حياة هنيئة وإطاعة أوامري بإغلاق أبواب المدينة؛ فإنك تعيش، في داخلها كما يحلو لك. أما ما هو خارجها، فكلّه لي". ويطلب منه، في الوقت نفسه، بناء مسجد، في داخل "إستانبول"، وحيّ يختص به الأتراك؛ وتأسيس محكمة، وتعيين قاضيها؛ وزيادة مبلغ الخراج، المقرر في عهد "بالأولوغوس الخامس"؛ وتجديد معاهدة التبعية.

حصار "إستانبول" الأول

لم يستجب الإمبراطور البيزنطي لـ"يلدرم" مطالبه، فسارع الجيش العثماني إلى تطهير المناطق المجاورة لـ"إستانبول" من البيزنطيين، بل استولى على الأماكن، الواقعة أمام أسوارها. وأَحْكَمَ حصارها سبعة أشهر، عانى أهلها، إبّانها، ضيقاً شديداً؛ حتى إنهم هدموا المباني الخشبية، لاستخدام أخشابها في الأفران، بدلاً من الحطب المفتقّد.

وفي تلك الأثناء، استنصر "مانوئيل الثاني" بالدول الأوروبية، باسم النصرانية؛ وقَبِل، في الوقت نفسه، شروطاً تركية، كانت أشدّ قسوة من سابقاتها. ما كان "يلدرم" ليرضى بها، لولا اضطراره إلى سحْب قواته إلى "بلغاريا"، التي كان الملك المجري، "سيجموند"، يعتزم الهجوم عليها، مستغلاً انشغال العثمانين بحصار "إستانبول".

نصّت تلك الشروط على:

1. منْح الحكومة البيزنطية الأتراك سبعمائة منزل في "إستانبول"؛ تكوِّن حَيّاً تركياً فيها.

2. تأسيس مَحكمة تركية، في حيِّ "سركه جي"؛ يعيِّن العثمانيون قاضيها.

3. إنشاء مسجد جامع.

4. تخصيص الأتراك بالأراضي، الواقعة بين حيّ "غلطة" وحيّ "كاغدخانه"، في خارج مدينة "إستانبول"، للأتراك، ووضْع مركز عسكري فيها.

5. زيادة الخراج البيزنطي، المدفوع إلى العثمانيين.

6. استيفاء عُشْر محصول البساتين والمزارع، الواقعة في خارج "إستانبول".

بقيت "إستانبول"، إذاً، محاصَرَة؛ ولكن سلماً، لا حرباً؛ بل أُحْكِم حصارها، بعد استبدال قوة تركية، قوامها ستة آلاف رجُل، بأخرى جنوية، في المنطقة الواقعة بين "غلطة" و"كاغدخانه". وبدأ، منذئذٍ، انتشار اسمها الرومي، مُصَحّفاً، والمتداوَل منذ عهد السلاجقة. واختُلِف في مدة الحصار، فقيل إنها خمس سنوات، استمرت حتى معركة "نيجبولي" عام 798هـ/1396م؛ وقيل لا، بل استمرت عشر سنوات، حتى هزيمة "أنقرة"، عام 804هـ/1402م. وكذلك اختُلِف في تأريخ إنشاء الحيّ التركي، في "إستانبول"، والمسجد الجامع والمَحْكمة، فجُعِل بعد المعركة الآنفة.

فتح "سلانيك"

يُقال أن مدينة "سلانيك"، استولى عليها العثمانيون، بعد ثلاثة أشهر، من الإمبراطور البيزنطي، "بالأولوغوس يؤانس الخامس".

الحملة الثانية على "المورة"

حفز ضغط أهالي "البندقية" على حاكِم "المورة"، "تيودورس الأول"، الابن الأصغر للإمبراطور البيزنطي، "بالأولوغوس الخامس"، وأخي الإمبراطور البيزنطي الجديد، "مانوئيل الثاني"، إلى استدعائه العثمانيين، ثانية؛ فأدركوه بقوة، يقودها قائد قوة الدعم الأولى نفسه، "أفرنوس بك"، الذي هدم بعض المواقع الساحلية، واستولى على قسم من "المورة".

العثمانيون يبلُغون ألمانيا

انقضّت فرقة حرس الثغور، "آقنجيلر"، على "المجر"، حيث حققتِ انتصاراً في موقع "ناجي أولسي"، الواقع إلى جوار "كارلوفجا"؛ وتقدَّمتْ نحو ألمانيا.

"يلدرم" يستتبع "الأفلاق"

عَنَتِ الإمارات الأناضولية من أقصاها إلى أقصاها، عام 792هـ/1390م، لـ"بايزيد"، عدا ثلاثاً، بقيت تشُوْكه وتنافسه: إمارة "قره مان"؛ وإمارة القاضي "برهان الدين"؛ وإمارة "قسطموني"، التي ارتأى أن تكون فريسته الأولى منها؛ إذ إنها خانته، حين آثرتْ عليه أعداءه. مَهَدَ "يلدرم" لِبُغيته بإبرام اتفاق مع "أحمد بك" ابن "حاجي شاد كلدي"، أمير "آماسيا"، وعدوّ القاضي "برهان الدين"؛ وطلب، في الوقت نفسه، من الأخير عدم التحيز إلى أيِّ طرف، في أثناء حملته على "قسطموني". ولكنه رفض الرغبة العثمانية؛ وأجاب دعوة الحاكم القسطمونوي، "سليمان الثاني"، حينما دعاه إلى مساعدته.

لم يكتفِ ابن "جاندار"، حاكم "قسطموني"، باستصراخ حليفه، القاضي "برهان الدين"؛ وإنما بادر، بحسب إحدى الروايات، إلى إغراء "ميرجه"، أمير "الأفلاق" الهجوم على "الروملي"، فدفع إليه مالاً؛ وربما عقد اتفاقاً معه. فاستجاب له إغراءه، إذ عَبَرَ نهر "طونا"، واجتاز الأراضي البلغارية، من الشمال إلى الجنوب، حيث نهب مدينة "قارون أوفا"، الواقعة في جنوب "آيدوس"، وهدمها. وثمة رواية تقول، إن هجومه هذا، شجعه عليه ملك المجر، "سيجموند"؛ وأخرى تقول لا، بل هو انتقام من حملة "فيروز بك"، عام 791هـ/1389م، على "وودين".

إزاء الوضع المُسْتَجِدّ، تخلَّى "يلدرم" عن الهجوم على "قسطموني"؛ وانتقل إلى "الروملي"، حيث عَبَرَ نهر "طونا" والتقى القوات الأفلاقية، في معركة ضارية، كان النصر فيها حليفه؛ وأسر قائدها، "ميرجه"، الذي أودعه، زمناً، "بورصا"؛ ثم أطلقه، مقابل ثلاثة آلاف "دوقا" ذهبية، وثلاثين فرساً وعشرين صقراً؛ فضلاً عن تبعيته للعثمانيين؛ وتقديم المساعدات إليهم؛ وبخاصة في "المجر".

 

794هـ/1392م

الاستيلاء على "قسطموني"

عَجَّتْ "قسطموني" بمناوئي "يلدرم"، ولا سيما أولئك الذين استولى على إماراتهم؛ ناهيك من أن حاكِم تلك الإمارة "سليمان بن جاندار"، قد عقد اتفاقاً مع القاضي "برهان الدين"، يناهض العثمانيين، بل دعاه إلى حركة مشتركة، أصبح هو قائد جيشها.

لذلك، وحؤولاً دون تلاقي هؤلاء المناوئين، تعجَّل "يلدرم" الاستيلاء على "قسطموني"، حيث قبض على أميرها وأعدمه؛ وأرسل خطاباً إلى القاضي "برهان الدين"، كما يقول "الأسترابادي" في كتاب "برم ورزم"، يعْلِمه بما أَنْجَزَ؛ فَفَرَطَ عليه القاضي، في ردِّه.

الاتِّعاظ

أوجس أمير "سينوب"، "إسفنديار بن جاندار"، أن يَلقَى مصير أخيه، "سليمان بك"، حاكِم "قسطموني"، الذي طالما اتسمت علاقته به بالصراع؛ فسارع إلى التبعية للعثمانيين؛ ليحتفط بحكْم إمارته. ويعزو بعض الروايات الأجنبية، مبادرته تلك، إلى تضييق "بايزيد الأول" عليه، من خلال سوقه إلى أسطول عثماني، يقوده الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني". وتؤرِّخها إحدى الروايات بعام 795هـ/1393م.

هزيمة "جوروملي"

بعد سقوط "قسطموني"، توالت المعارك، بين القاضي "برهان الدين"؛ بحسب مؤرِّخه الرسمي، "الأسترابادي"، في كتابه "بزم ورزم"، وبين "يلدرم"، الذي طلب منه قلعة "عثمان جق"، فرفض طلبه. عندئذٍ، استظهر السلطان العثماني بأمير "آماسيا، "أحمد بك حاجي شاد كلدي"؛ وأمراء "جانيك" و"طاشان"، وبني "تاج الدين"، وغيرهم من الأمراء والإقطاعيين. واندفع لمواجهة خصْمه، فالتقيا في سهل "جوروملي"، حيث "يلدرم" منهزماً؛ وأغرى القاضي "برهان الدين" انتصاره، كما يُظَن، بالهجوم على الأراضي العثمانية، حتى منطقة "أنقرة.

"نيجبولي" دُوْلة

لم يستعْصِ على العثمانيين في البلقان، سوى عدوّ قوي، هو مملكة "المجر"، التي استولت على سواحل "دالماجيا"، و"صربيا" الشمالية، ومنطقة "بلجراد"؛ وادعت حمايتها "الأفلاق" و"البغدان"، وفرضت الخراج على جمهورية "البندقية". وورِث عرشها، عام 789هـ/1387م، "سيجموند" المتحدِّر من أسْرة "لوكسمبورج"، عن نسيبه، ملكها الأبتر، "لايوش الكبير". وأُخِذ على الملك الجديد إيثاره الإمبراطورية الألمانية، ومملكة "بولونيا"، و"بوهيميا"، التي يطمع في إمرتها، عى اهتمامه بالبلقان.

بيد أن لم يُغْفِل الخطر التركي؛ إذ أرسل خطاباً إلى "يلدرم" يستفسره فيه عن مسوغ تدخّل الأتراك في شؤون "بلغاريا". وجاء الردّ مقتصراً، آنئذٍ، على إيماءة السلطان إلى سلاحه، المعلَّق في خيمته. ثم تخطّاها إلى الاستعداد لمنازلته، مغتنماً خلافات المجريين المذهبية، الناجمة عن خراب النظام العسكري القديم؛ وانصراف ملكهم إلى تحقيق أطماعه.

وما إن عَلِم "سيجموند" بانتقال "يلدرم" من الأناضول إلى "الروملي"، حتى سارع إلى إجلاء قواته عن قلعة "نيجبولي"؛ كي لا يُؤسَر؛ إلا أنه في أثناء انسحابه، كاد يقع في محذوره.

الاستيلاء على "أشكودرا"

انتشر الأتراك في "ألبانيا"، بعد استيلائهم عام 787هـ/1385م، على "أوخري" و"سافرا". وازدادوا انتشاراً، في هذاالعام، بعد استيلائهم المؤقت، بقوة قليلة، على مدينة "أشكودرا". وباتوا يهدِّدون مدينة "دراج"، التي تخلَّى عنها أميرها، "جورج ثوبيا"، لأهل "البندقية"؛ وهو، الذي كان قد دعا العثمانيين إلى "ألبانيا".

 

795هـ/1393م

الاستيلاء على "آماسيا"

عَزَّ بالعثمانيين انهزامهم في "جوروملي"، فاجترأ عليهم، بحسب "الأسترآبادي"، في كتابه "برم ورزم"، أمراء الأناضول، الذين انحازوا إلى عدوّهم، القاضي "برهان الدين". وكان أولهم انحيازاً، "إسفنديار جلبي بن جاندار"، حاكم "سينوب"، الذي بادر إلى إيفاد رسول، محمَّل بالهدايا، إلى القاضي المنتصر "أحمد بك بن حاجي شاد كلدي"، حاكِم "آماسيا"، وعدوّ القاضي اللدود ـ قبض على ذلك الرسول، في أثناء مروره بإمارته؛ وعزم إرساله، بما حُمِّل، إلى السلطان العثماني. فما كان من القاضي "برهان الدين"، إلا أن هجم على "آماسيا"، واستولى عليها.

انسحب أحمد بك إلى القلعة، وطلب المساعدة من "يلدرم"، الموجود، آنئذٍ، في "قسطموني". بعد أن أعيا القاضي "برهان الدين"، الاستيلاء عليها، انسحب إلى "توقاد"؛ ما أتاح لأمير "آماسيا"، تسليمها إلى العثمانيين، فأصبح تابعاً لهم. وبات حكْم الإمارة منوطاً بابن "يلدرم"، "محمد جلبي".

أمّا أطماع القاضي "برهان الدين"، في احتلال تلك الإمارة، فقد بدَّدها وصول طلائع القوات العثمانية إلى "مرزيفون". وشجَّع هذا الانتصار العثماني بعض الأمراء، من ذوي النفوذ، مثل: أمير "بافره" وأبناء "تاج الدين" و"طاشان"، على التبعية للعثمانيين.

إلغاء "بلغاريا"

وكان السبب لهذا التدبير، آمال الملك المجري التوسعية، تجاه بلغاريا عام 794هـ/1392م، ومحاولة البلغاريين استغلال هذا الوضع بالاتحاد مع المجريين، والميول التي ظهرت منهم في هذا الصدد.

حَصِرَ البلغاريون، بعد هزيمتهم في "بلوشنيك"، عام 790هـ/1388م، عن تقبُّل الأتراك؛ حتى إن ملكهم "شيشمان"، الذي تصحّف المصادر العثمانية اسمه إلى "سوسمانوس" و"ساسمانوس"ـ خان العثمانيين، بعدها، غير مبالٍ بأخته، زوجة "مراد الأول"؛ ما أدّى تنكيلهم به، واستيلاءهم على مدن "نيجبولي" و"سلسترا" و"روستجق" و"هزاركراد" و"برافادي" و"شمنو"، العاصمة البلغارية، "ترنوا".

موقف البلغاريين الآنف، ومَيْلهم، إلى الاتحاد مع المجريين، فضلاً عن أطماع الملك المجري التوسعية، في "بلغاريا"، حَدَتْ "يلدرم"، هذا العام، على إعادة الاستيلاء على تلك المدن، مدفوعاً بشفقته على نسيبه، الملك "شيشمان" وعَهِد بذلك إلى ابنه الأكبر، "سليمان جلبي"، الذي بادر في ربيع ذلك العام، إلى حصار العاصمة البلغارية، التي تولَّى الدفاع عنها أحد أهم الرجال، في التاريخ البلغاري؛ البطريرك البلغاري الأخير، "أفتيم"؛ لاعتكاف الملك البلغاري في قلعة "نيجبولي". وبعد دفاع، دام ثلاثة أشهر، وعلى أَثَر هجوم عام، سقطت قلعة "ترنوا"، يوم الأحد، الثالث من رمضان، أو يوم الخميس، السابع منه؛ فانهارت الدولة البلغارية وكنيستها، وأُسِر بطريركها.

وتلا ذلك الاستيلاء على قلاع "نيجبولي" و"سلسترا" و"ودين". وأُسِر الملك "شيشمان" وابنه "آلكساندر". ويقال أن الأب، أعدم في هذا التاريخ، أو في عام 798هـ/1395م؛ لا، بل مات على فراشه. أما الابن، فقد اهتدى إلى الإسلام، بعد فترة، وخَدَمَ الدولة العثمانية، بل أصبح والياً على "سامسون". وهكذا، اضمَحَلَّت "بلغاريا"؛ وأصبحت أراضيها أراضي تركية.

ضريبة مُستَجَدَّة

كان لانتصارات العثمانيين، واتساع حدود دولتهم، وجْه سلبي؛ إذ أَعْدَت المؤسسات، البيزنطية والبلقانية، بفسادها أجهزتهم الإدارية. إلاّ أن الخطر الأشدّ، تمثّل في وسْوسة الأميرة الصربية، "أوليفرا"، إلى زوجها، "يلدرم" بالخمر والمَيْسِر، فأدمنهما. وشرع، كما يقول "عالي"، في "كنه الأخبار"، يبتزّ من الأثرياء أموالهم؛ ويُمْعِن في فرْض الضرائب على الناس. ناهيك من أن تلك الزوجة نَصَّبتْ علماء السوء في إدارات الدولة، ولا سيما "علي باشا جاندارلي"، الشهير، بحسب "عاشق باشا زاده"، بكونه ميالاً إلى الملذات. وإن أصحابه أصبحوا مثله، كذلك. ويستطرد ذلك المرجع، قائلاً: "لقد تعلَّم "بايزيد خان" مجالس السوء، من ابنة "اللاس" (أوليفرا).فتكوّنت، بتعاون من "علي باشا"، مجالس الشرب والكباب".

لولا "آل جاندار" الأوائل، لَمَا كان لعلماء السوء والفساد، أن يتسربوا في دوائر الدولة، ويتّجروا في الفتاوى؛ فلم يتورَّع القضاة عن نهب أموال الناس، باستِرْشائهم؛ ولا تحرَّج الوزراء والأمراء من التيه والغطرسة عليهم؛ ما أثار نفورهم، ودفعهم إلى الجهْر بشكواهم. عندئذٍ، أمَر "يلدرم" بحبس كلِّ القضاة في منزل، وتحريقهم؛ لولا أن تداركهم "علي باشا جاندارلي"، مُعَلِّلاً ارتشاءهم بقلَّة عائداتهم الحكومية. فاستبدل السلطان بأمره الآنف، أمراً مهماً في تاريخ الإدارة العثمانية؛ إذ استصدر "ضريبة مَحكمة"؛ عَلَّها تساعدهم على التعفّف. فجعل ضريبة الحُجَّة خمساً وعشرين آقجة، والتسجيل سبع آقجات، والنكاح اثنتَى عشرة آقجة، وتقسيم الميراث عشرين آقجة.

 

796هـ/1394م

فتح "سلانيك" ومنطقة "يني شهر"

استولى العثمانيون، في جمادى الآخرة من هذا العام الهجري، الموافق لأبريل من نظيره الميلادي على "سلانيك" و"يني شهر" والمنطقة المجاورة لها. وثمة مَن يؤرِّخ الاستيلاء على الأولى بما بين عامَي 785ـ789هـ/1383ـ1387م؛ وبعام 793هـ/1391م، كذلك. ولكن "سليمان جلبي"، الذي كان على رأس الحكومة في "أدرنة"، أعاد "سلانيك"، بعد هزيمة "أنقرة"، إلى الإمبراطور البيزنطي.

الاستيلاء على "ألبانيا"

تنافَس في السيطرة على "ألبانيا" قوتان: الأتراك في الشرق، من البَر؛ وأهالي "البندقية" في الغرب، من البحر؛ تجاذبتا إقطاعِّييها، المحليِّين والأجانب، الذين أمْلتْ عليهم مصالحهم انجذابهم إلى أيٍّ منهما، بل منْحها أراضيهم، في بعض الأحيان. فتخلَّى "جورج ثوبيا"، عام 795هـ/1393م، مثلاً، عن مدينته، "دراج"؛ في، ومنح بنو "دوكاكين" أهالي "البندقية"، في العام نفسه، مدينة "لش".

واستحال تنافُس القوّتَين في هذا العام، صراعاً محتدماً؛ فتقدَّم الأتراك، على امتداد نهرَي "بويانا" و"درينا"، واستولوا على جنوبي بحيرة "أشكودرا" وجنوبيها الغربي.

 

797هـ/1395م

حصار "إستانبول" الثاني

اجتهد العثمانيون، منذ أربع سنوات، في رصْد "إستانبول"، التي استصرخ إمبراطورها، "مانوئيل الثاني"، أوروبا النصرانية؛ ولكنها خَيَّبته، فلم تنجده إلا بثُلَّة من الجُنْد، تولَّوا الحفاظ على عاصمته. ناهيك من تنازُع أسْرة "بالأولوغوس"؛ إذ إن ابن "آندرونيكوس الرابع"، وابن أخي الإمبراطور البيزنطي، الذي كان قد تولَّى عرش بيزنطة، متخذاً اسم "يؤانس السابع" ـ كان يستظهر على عمّه بالأتراك، الذين ناصَروه إلى حدِّ أن الوزير الأعظم، "علي باشا جاندارلي"، وعَد البيزنطيين، عام 795هـ/1393م، بإمكان صَرْف الرصد العثماني عن "إستانبول"؛ إنْ هُم خلعوا "مانوئيل الثاني"، واستبدلوا به "يؤانس السابع"، والإمبراطور نفسه، كان يَنْقِم على ابن أخيه الصغير، "تيودورس الأول، أمير "المورة"، هضْمه حقوق بعض الأمراء النصارى، المحتمين بالدولة العثمانية. ولم يكن شأن "صربيا" خيراً من حال بيزنطة. إزاء سُعار تِلكم النزاعات، وما قد ينجم عنها من خطر، يتهدَّ "الروملي"؛ وتفرّغاً لِجَبْه الخطر الداهم: "تيمورلنك"؛ تَعَجَّل السلطان العثماني دعوة أمراء بيزنطة والبلقان كافة، صغاراً وكباراً؛ بمن فيهم الإمبراطور البيزنطي نفسه؛ وابن أخيه، المؤيد للعثمانيين، "ثيودورس الأول"؛ الأميران الصربيان:، "ستيفان لازارفيج" و"فوك برانكوفيج" وآخرون، إلى اجتماع عام، في "سرز".

حَمَل المدعوون صراعاتهم إلى الاجتماع، فضجّوا وعَجّوا؛ ما ساء رئيسه، "يلدرم"، المُتَتوِّق إلى اختصار الوقت والجهد، فقرر قطع رؤوس كلِّ أمراء بيزنطة، عدا "يؤانس السابع". وما حال دون تنفيذ قراره، إلاّ تدخُّل الوزير الأعظم، "علي باشا جاندارلي".

تعاهد أمراء بيزنطة و"صربيا"، المشاركون في اجتماع "سرز"، عدا "يؤانس السابع"، على أن يتخالصوا؛ ويعادوا الأتراك، في جبهة موحدة؛ وألاّ يشاركوهم في أي اجتماع آخر. أمّا الإمبراطور البيزنطي، فقد تنكّر لِما كان قد عاهد عليه العثمانيون؛ إذ امتنع عن إنشاء حيّ تركي ومحكمة ومسجد جامع، في "إستانبول". عندئذٍ، بادر "يلدرم" إلى محاصرتها، بدلاً من الاكتفاء بمراقبتها. وشاركه في حصارها مؤيده البيزنطي، "يؤانس السابع". استمر حصار "إستانبول" الثاني، طيلة صيف ذلك العام. وتخلّله بعض الهجمات عليها؛ ولكن مَنعة أسوارها حالت دون سقوطها. ومع حلول الشتاء، فُك الحصار، واكتُفي برصد المدينة.

الرغبة في لقب "سلطان"

ما كان لأحد أن يتلقب بهذا اللقب، حتى يخلعه عليه خليفة المسلمين نفسه. وليس هو كلقب "سلطان الغزاة"، المسجَّل في بعض الكتابات والصكوك الوقفية، والمسكوكات المضروبة في عهدَي "أورخان غازي" و"مراد الأول"؛ إذ يعني الأول العاهِليَّة؛ ولا يتجاوز معنى الثاني رئاسة الغزاة.

ضاق عن "يلدرم" لقب "أمير"، الذي كان حكام الدولة العثمانية قد اقتصروا عليه. ولا غرو، فهو مَن استتبع أباطرة وملوكاً، وفرض عليهم الخراج، بعد انتصارات دولته وترامي حدودها؛ فضلاً عن إكبار المسلمين لها، وإعجابهم بها. فسعى لِلَقب، يوحي بهذا الواقع؛ إذ أوفد رُسلاً وهدايا إلى "برقوق"، سلطان مصر؛ يسترشدونه كيفية حيازة أميرهم لقب "سلطان". فعمد السلطان المملوكي، ذو العلاقات الوطيدة والوثيقة بالأمير العثماني، إلى تزيين الأمر للخليفة العباسي، "المتوكل على الله الأول"، المقيم بمصر، على أثر انتقال مركز الخلافة إليها، بعد الغزو المغولي، وفقدانها أيَّ صفة سياسية، واقتصارها على الرئاسة الدينية فقط. ولم يَسَعِ الخليفة، إذاء سلطان المماليك على الخلفاء، المتأتِّي ممّا آلت إليه الخلافة، إلاّ النزول على التزكية المصرية؛ فاستُجيبت رغبة "يلدرم". وقيل لا، بل تحققت لاحقاً، بل لم تتحقق؛ وإنما كان "محمد الاول" أول مَن أحرز لقب "سلطان".

 

798هـ/1396م

انتصار "نيجبولي"

أسخط أوروبا وأربكها استيلاء العثمانيين على "بلغاريا" و"صربيا"، وبلوغهم حدود "المجر" ونهر "طونا"، ومحاصرتهم "إستانبول". بيد أنها لم تتنفَّس كُربتها، على مطالبات الملك المجري والإمبراطور البيزنطي بذلك، إلاّ حينما دعاها البابا، "بونيفاكيوس"، إلى حملة صليبية على الدولة العثمانية. فتنادت أُمَمُها، ولا سيما فرنسا، إلى السلاح. وتحشَّد جيش صليبيّ، راوح عدده بين ستين ومائة وعشرين ألف جندي، قادهم ملك "المجر"، "سيجموند" الذي أعجبته كثْرتهم، فقال، متغطرساً: "لو وقعت السماء على الأرض، فإنها ستعلق برماح الجيوش الصليبية!". وإلى جانبه "جان الجريء"، أمير "نيفيرس" حفيد الملك الفرنسي، "جان دو بون"، وابن "فيليب لو هاردي" أمير "بورجونيا"؛ و"هنري" و"فيليب دو بار"، قريبا الأمير نفسه؛ والقائد الفرنسي العام "فيليب دارتوس"؛ كونت "دو لا مارش"؛ وكونت "دو"، والأدميرال "جان دو فيينا"؛ و"السير دو جوسي"؛ والمارشال "بوكاكوا"؛ و"كوي دو لا تريمول"، وغيرهم من نبلاء الفرنسيين القادة. زِدْ عليهم نبلاء ألمانيا، مثل: "جراف فون هوهنزولرن"، وفرسان "توتان"؛ الذين التحقوا بالجيش الصليبي، حين مرّ ببلادهم. أضف المتطوعين لذلك الجيش، من البوشناقيين والكرواتيين والبولونيين، وغيرهم من البلقانيين. ناهيك بالعديد من القوات البحرية، كأسطول "البندقية"، الذي يقوده الأدميرال "موسينيكو"؛ والأساطيل البيزنطية والرودسية؛ والتي عُهد إليها بحراسة القنوات، أثناء اقتحام الجيش الصليبي "إستانبول" من البر.

اندفع الصليبيون، منتهزين انهماك "يلدرم" في حصار "إستانبول"، إلى قلعة "نيجبولي"، بعد انقسامهم في "المجر" قسمَين: أحدهما، اتجه إلى "صربيا"؛والثاني، إلى "الأفلاق" ثم التقيا أمام القلعة الهدف، حيث قتلوا كلَّ الأتراك، الذين كانوا قد أسَروهم في "وودين" و"راهوا"؛ وتعجّلوا قتْل ألْف أسير تركي آخرين، حينما أتاهم نبأ اندفاع "الصاعقة" نحوهم. لم تَرْع كثْرة الصليبيين قائد "نيجبولي" "دوغان بك"؛ ولا أرهبتْه وحشيتهم. فانبرى يدافع عنها، ريثما يدركه "بايزيد الأول"، الذي رفع الحصار عن "إستانبول"؛ وحشد جيشاً، راوح عديده بين ستين وسبعين ألف جندي؛ وإنْ قيل إنه قد بلغ مائة وعشرين ألفاً، انطلق به لمواجهة الصليبيين. وحفزت "يلدرم" حماسته، في إحدى الليالي، إلى اختراق الجيش الصليبي، والاقتراب من القلعة، حيث نادى قائدها مستعلماً بعض دفاعاتها، قبْل أن يعود إلى معسكره.

التحم الجيشان، يوم الاثنين، الحادي والعشرين من ذي الحجة؛ الموافق للخامس والعشرين من سبتمبر. وسرعان ما تعجّل الفرنسيون الفوز، فاطَّرَحوا نصيحة الملك المجري للقوات الصليبية، بضبط النفس، في أثناء اقتراب الجيش التركي؛ إذ اندفعوا قبْل المجريين إلى المواجهة، فوقعوا في فخ، نصَبه القائد العثماني، وتشتتوا. وارتد مصيرهم على الجيش الصليبي تضعضعاً وتقهقراً؛ إذ إن قائد ميمنة الجيش المجري، "لازكويتس"، أمير "ترانسيلفانيا/أردل"؛ وقائد الميسرة، "ميرجه"، أمير "الأفلاق" ـ فرّا من المعركة، مع جنودهما. وصُرِع العديد من القادة والنبلاء الأوربيين وكاد قائدهم نفسه يَهلك، لولا التجاؤه، بعناء، في أحد قوارب الصيد، ربما مع بعض النبلاء الألمان، إلى أسطول "البندقية"، الراسي في مدخل نهر "طونا". وحينما رآه الأتراك، يَعْبُر قناة "جنق قلعة"، صاحوا به، بحسب ما رآه وسمعه وسجّله الأسير البلغاري "شيلتبرج" مستهزئين : "فلتنزل من السفينة، وتأتِ، وتأخذ معك بني جِلْدتك". وقد رجع الملك "سيجموند" إلى بلده، من خلال الساحل الأدرياتيكي، بعد رحلة طويلة شاقة. زد على ذلك الأسْرى من الجيش الصليبي، الذين راوح عددهم بين ثلاثة وعشرة آلاف، بمَن فيهم "جان الجريء"، وأربعة وعشرون نبيلاً فرنسياً.

أمّا العثمانيون فقد أحرزوا نصراً، من أهم انتصاراتهم، التي وطدت حكْمهم في شبه جزيرة البلقان. وكان ثمنه، في الأغلب، عدة آلاف من جنودهم؛ على الرغم من بعض التقديرات، التي جعلت خسائرهم ثلاثين، بل أربعين، بل ستين ألف جندي. ناهيك بجَرْح "يلدرم"، رأسه؛ بعد سقوط فرسه. وثأراً بالأسْرى العثمانيين، الذين قتلهم الصليبيون، أمام قلعة "نيجبولي"، قَبْل المعركة، قتل "بايزيد الأول" معظم أسْراه الصليبيين. وأبقى على "جان الجريء"، والأربعة والعشرين نبيلاً فرنسياً، الذين افتدوا أنفسهم بمبلغ باهظ، يساوي مائتَي ألف ذهب؛ ولكنه احتجزهم في "بورصا" و"ميخاليج"، ريثما يدفعون الفدية، التي لم يمكِن فرنسا جمْعها، إلاّ باستحداث ضرائب جديدة؛ فضلاً عمّا جمعته من جمهورية "البندقية"، ومملكة "المجر"، و"قبرص"؛ وذلك بعد أكثر من عام. وأرسلتها، مع الهدايا الكثيرة، إلى الدولة العثمانية؛ فتحرر أسْراها. وقد طيَّر "يلدرم" نصْره إلى الدول الإسلامية، مرفقاً ببعض أسرى الحرب، هدايا لبعض الحكام.

"سلطان الروم" فقط

بَشَّر "يلدرم" الخليفة العباسي، "المتوكل على الله الأول"، المقيم بمصر، بانتصار "نيجبولي"؛ فردّ عليه برسالة، خاطبه فيها بلقب"سلطان إقليم الروم". وصار حكام العثمانيين يتلقبون، منذئذٍ، بلقب "سلطان". بيد أن ذلك مشكوك فيه؛ إذ خَلَتْ منه مسكوكات "بايزيد الأول".

فتوح في "ألبانيا"

تقاسم الإقطاعيون "ألبانيا". فتوزعت شماليّها أسْرتان: "بالشا"؛ و"دوكاكين" التي سيطرت على أراضي "ميرديتا"، في منطقة "أشكودرا". واقتطعت وسطها أسْرتا "كاستاريوتا" و"ثيوبيا". وتشارك في السيطرة على جنوبيّها ثلاث أسَر: "آرانيتي" في منطقة "آفلونيا"؛ و"سباتا" و"زنبيسي" في منطقة "أبير". ويتحكم أهالي "البندقية" في البلدات الساحلية: "آنتيواري/بار"، و"دولسيكنو/أولكون"، و"آلسيو/لش"، و"دراج"؛ وربما "أكشودرا" كذلك.

وقد ناوأ الإقطاعيون بعضهم بعضاً مناوأة، حفز سعارها أسْرة "ثيوبيا" إلى الاستعانة بالعثمانيين على "بالشا"، بل استقدامهم. فاستجابوا لها. فتصدّى لهم "جورج بالشا"، أمير "أشكودرا"؛ ولكنهم قتلوه في معكرة "سافرا"، عام 787هـ/1385م، التي كانت إيذاناً بنشوء حكْمهم في "ألبانيا"، الذي بلغ، عام 796هـ/1394، البحر الأدرياتيكي.

خَلَفَ الاميرَ القتيل ابن أخيه، "جورج بالشا الثاني"، بلقب "ستراستمير"؛ وهو نسيب الملك الصربي، "لازار كربليافونيج"، الذي قتل في معركة "كوسوفا". وإزاء حقد الأمير الجديد، كأجداده، على الأتراك؛ وميله لصليبيي "البندقية"؛ ومحالفته أسْرة "دوكاكين"؛ بادر "يلدرم"، بعد انتصار "نيجبولي"، إلى تنظيم حملة عليه؛ فأيقن "جورج بالشا الثاني"، أنه لن يقوى على المقاومة، فهرب. وما لبث أن انصاع إلى العثمانيين، متقرباً إلى سلطانهم بتقديم إحدى قرائبه الجميلات إليه، مُسلِماً لهم قياده. واستولت على خمس مدن، يسيطر على بعضها أهل "البندقية"؛ والألبانيون على بعضها الآخر؛ وهي: "كرويا/آقجا حصار"، و"كاستوريا/كسريا"، و"دولجكنو/أولكون"، و"دراج"، و"برات"؛ فضلاً عن "أشكودرا"نفسها.

حملات الترويع

إرهاباً للمجريين، واقتصاصاً من "ميرجه"، أمير "الأفلاق"؛ لخيانته العثمانيين، وإيثاره الصليبيين عليهم، في معركة "نيجبولي"؛ سيَّر "يلدرم"، بعد فراغه من تلك المعركة، حملتَين. انتصرت إحداهما، بعد أن بلغت "إستريا". وأخفقت الثانية، التي يقودها "أفرنوس بك"؛ للمقاومة الشديدة، التي لقيتها من "ميرجه".