إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

799هـ/1396-1397م

سقوط "شيلا"

ميناء "شيلا"، الواقع في شرق قناة "إستانبول"، على ساحل البحر الأسودـ بقي بيزنطياً، حتى استولى عليه، في هذا العام، أو قُبَيْله، "ياحشي بك"، ابن "الغازي تيمورطاش". وربما كان ذلك تمهيداً لفتح "إستانبول"، والقضاء على الإمبراطورية البيزنطية.

إنشاء قلعة "أناضول حصار"

تنبَّه السلطان العثماني لنجاح أسطولَي "البندقية" و"رودس"، إبّان معكرة "نيجبولي"، في عبور قناة "إستانبول"، وبلوغها مدخل نهر "طونا". فعزم السيطرة على تلك القناة، وسدّ منافذ بيزنطة إلى البحر الأسود؛ تمهيداً للقضاء عليها أو احتلال عاصمتها. وتوطئة لتنفيذ مآربه، عمد إلى احتلال ميناء "شيلا"؛ ثم شرع يبني قلعة في هذا العام؛ وقيل لا، بل اكتمل فيه بناؤها.

عند مدخل الممر المائي، "كوكسو"؛ من قناة "إستانبول"، حيث عرْض البحر، يقدَّر بنحو سبعمائة متر، أضيق مكان وعلى صخرة، يراوح ارتفاعها بين مترَين أو ثلاثة أمتار؛ قامت "قلعة الأناضول"، البالغ قطرها عشرين متراً، وكذلك ارتفاعها. وسُمك جدارها مترٌ ونصف المتر. وتحصِّنها سبعة أبراج. وتسميها المصادر العثمانية أسماءً شتى؛ فهي "كوزل حصار"، و"كوزلجه حصار"، و"نيك حصار"، و"يني حصار"، و"ينيجه حصار" و"آقجا حصار".

حصار "إستانبول" الثالث

طالما استحثّ الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، أوروبا على العثمانيين، ووعدته دولها بمؤازرته، ومنَّته فرنسا بستمائة من فرسانها، عِلاوة على دعمه بالمال. وأسهمت "جنوى" بخَمس سفن. ناهيك بما تزخر به خزينة "آيا صوفيا"؛ فضلاً عن الجهاز الذهبي لِكَنَّته، الأميرة الروسية زوجة ابنه الأكبر، "يؤانس بالأولوغوس". ولكن "يلدرم"، الذي استكمل إنشاء قلعة "أناضول حصار"، فأمسى متحكماً في قناة "إستانبول" ـ استبق إنجاز أوروبا وعودها، وأمر الإمبراطور بتسليمه عاصمته. آثر سكان المدينة تسليمها على أن يدخلها عليهم العثمانيون، فيحلّ بهم ما يحذرونه. غير أن "مانوئيل الثاني"، رفض تسليم "إستانبول"، مطمئناً إلى ما يحوزه من مال، وما وعدته به أوروبا. عندئذٍ، بادر السلطان العثماني، في ربيع هذا العام، إلى محاصرتها. وسرعان ما استعجل الإمبراطور روسيا وإنجلترا وفرنسا، وغيرها من الدول الأوربية، إلى مساعداتها. فوعدته فرنسا، ودعمته روسيا بالمال. وحرّض "البابا" على نصْرته.

ولكن حملات العثمانيين البرية الشديدة على "إستانبول"، أجبرت الإمبراطور البيزنطي على طلب الصلح، بل تزيينه للعثمانيين، بإغراء سلطانهم بعشرة آلاف "فلوري"، وخيول نفيسة؛ وتقديم الهدايا المغْرِية إلى كبار مسؤوليهم، ولا سيما وزيرهم الأعظم، "علي باشا جاندارلي"، الذي تلقّى كثيراً من الأواني الذهبية. فَلان السلطان للإمبراطور، ومال إلى الصلح، الذي قضى بتعيين الأباطرة بمرسوم سلطاني؛ وتقييد اسم السلطان العثماني في المسكوكات البيزنطية؛ دفع خراج سنوي إلى العثمانيين، قيمته عشرة آلاف ذهب، وتخصيص الأتراك، المستقدمين من "كونوك" و"طراقلي"، بحيٍّ في "إستانبول"؛ وإنشاء مَحكمة لهم؛ وتعيين قاضيها؛ وتشييد مسجد فيها، كذلك، يُخطب فيه باسم "يلدرم"، وقيل إنه يقع في مبنى الجمارك، في "سركه جي"؛ لا، بل اقتُطِع من كنيسة.

الأرجح أن الحصار طال سنتَين. وتضافرت على طِيلة عوامل شتّى، أبرزها مناعة أسوار "إستانبول"؛ وضعْف القوات البحرية التركية، الذي أتاح اتصال المدينة بأوروبا، وسيطرة أسطولَي "البندقية" و"جنوى" على البحار، وقدْرتهما على إيذاء العثمانيين؛ فضلاً عن تواني "بايزيد الأول" في إحكام الحصار، ورغبته عن الاستيلاء على "إستانبول"؛ لتوجّسه من حملة جديدة، تشنها عليه أوروبا، وخاصة فرنسا و"البندقية" و"جنوى" و"المجر.

حملة "يلدرم بايزيد" على اليونان

كان "بايزيد الأول" منشغلاً ببناء مسجد، في "كارافريا"، حيث سعى إليه راهب مدينة "آمبيسا/سالونا" اليونانية متظلماً إليه من ابنة "هلني"، أمير مدينته، الذي ينتمي إلى أسرة "كانتاكوزينوس"، وإمعانها وعشيقها، وإحجافها بالأهالي؛ داعياً إياه إلى احتلال اليونان؛ راجياً أن يكون "يلدرم" هو المخلِّص.

استجاب السلطان العثماني للراهب اليوناني، واستهل حملته بالاستيلاء على أهم مدن "تساليا": "فارسالا/ جاتالجا" و"لاريسا/يني شهر"، و"تريكالا/ترحالا". ثم عبَر ممر "ترموبيل"، ليجد عنده الأمير "هلني" مستقبلاً، ومقدِّماً إليه ابنته الجميلة وإمارته، من دون مقاومة. وربما استولى، في هذه الحملة، بحسب بعض المصادر العثمانية، على "أثينا"، التي تحكُمها أسْرة "آكياجيولي" الفلورانسية، والتي تسميها تلك المصادر "مدينة الحكماء"؛ ولكنها تؤرِّخ احتلالها بعام 800هـ/1397-1398م.

الحملة الثالثة على "المورة"

وازى "يلدرم" حملته على اليونان بأخرى، في صيف هذا العام، يقودهم "أفرنوس بك" و"يعقوب بك"، على "المورة" قوامها خمسون ألف رجُل. وأمْكَن ثانيهما إخضاع أمير "المورة" "تيودورس الأول"، أخي الإمبراطور البيزنطي، للمرة الثانية؛ وفرْض الخراج عليه؛ ثم الزحف إلى "المورة" الجنوبية. وهجم أولهما على قلعة "آركوس"، فاستولى عليها، في يونيه؛ ونَقَل أربعة عشر ألف نسمة من سكانها إلى الأناضول، مستبدلاً بهم المهاجرين التتار. ولم يجبر هذَين القائدَين على إيقاف زحفهما، في أكتوبر 1397م، الموافق لعام 800هـ، إلاّ الشتاء فانسحبا إلى "مقدونية".

 

800هـ/1397-1398م

حِمام "قره مان"

اغتنم حاكم "قره مان"، "علاء الدين علي بك"، انشغال "يلدرم" بشؤون "الروملي"، فاستردّ مدنه، التي كان العثمانيون قد استولوا عليها؛ ثم هجم على الجيش العثماني، المرابط في ولاية "كرميان"، وأَسَر أمير أمراء الأناضول، "قره تيمورطاش باشا"؛ بل زحف جيشه، في جناحَين، إلى "أنقرة" و"بورصا".

طار "بايزيد الأول" بجيشه إلى الأناضول؛ حتى إن سرعته هذه، التي كانت سبب تلقيبه بـ"الصاعقة"، أذهلت حاكم القرماني، وحَمَلَته على إطلاق أسيره، أمير أمراء الأناضول، وإلباسه الخِلعة، وإرفاقه بالعديد من رسله هداياه إلى "يلدرم"؛ طلباً للصلح. لكن طلبه رُفض، فكانت الحرب، حيث التقى الطرفان في سهل "آقجاي"، الواقع في دولة "كرميان" السابقة. وعلى حاكِم "قره مان" دارت دوائرها؛ فتقهقر إلى "قونية"؛ للدفاع عنها، إلاّ أن أهليها لم يطيعوه؛ وأسَرَه العثمانيون، الذين استولوا على كلِّ المراكز القرمانية المهمة، والتي كانت، منذ عهد السلاجقة، هي القواعد الأساسية لتركية الأناضول.

التبس على الرواة المؤرخين مصير حاكِم "قره مان"، "علاء الدين علي بك"؛ فتباينت أخبارهم، بل تضاربت؛ إذ يقول أحدهم، إن هذا الحاكم، كان قد أَسَرَ، في معركة "آقجاي"، "قره تيمورطاش باشا"، وابنَيه: "محمداً" و"بنكي علي"، ابنَي أخت السلطان العثماني. وما لبث أن أصبح هو نفسه أسِيرهم، فَرَوَّج أمير أمراء الأناضول، بأعدهم عَدِيله البغيض، من دون أن يأذن في ذلك "يلدرم"؛ ما أسخط الأخير.

أمّا "شيكاري"، المؤرِّخ الرسمي لدولة "قره مان"، فيقول، في مخطوطته المسماة "تاريخ قره مان"، إن "علاء الدين علي بك"، أصيب بطلقة بندقية، عام 798هـ/395ـ1396، في حرب بينه وبين القاضي "برهان الدين"؛ وتوفي بعد سَنة ونصف، متأثراً بإصابته. ويسجّل مصد آخر، مطموس اسم مؤلِّفه، عنوانه "تواريخ آل عثمان"، ويعود تاريخ تأليفه إلى عام 961هـ/1544م ـ ما نصّه: "توفي "علي بك" ابن "قره مان". ووقع ابنه، "محمد بك" أسيراً في يد "يلدرم بايزيد". وقام "بايزيد"، بعد ذلك، بإطلاق سراح "محمد بك"، ومنحه ولاية "قره مان". وذلك في عام 800 للهجرة". بيد أن الأرجح ما كتبه الأسير البافاري، "شيلتبرج"، في مذكراته؛ وهو الذي عاصر معركة "آقجاي"، وعاش زمناً بين الأتراك، بعد أسْره معركة "نيجبولي"؛ إذ يقول إن الحاكم القرماني، أُعدم بأمر "يلدرم".

كما تضاربت الروايات في مصير "علاء الدين بك"، كذلك كان شأنها في مصير ابنَيه من "نفيسة" أو "سلطان خاتون". ولم يقتصر التضارب على مصيرهما، وإنما تعداه إلى اسمَيهما؛ إذ كان له خمسة أبناء، وهم: "محمد"، و"أوغوز خان" أو "أورخان"، و"بير أحمد"، و"علي" و"قاسم بك". وقيل إن الأميرة العثمانية، هي والدة "محمد" و"أورخان". وقيل لا، بل ابناها، هما: "محمد" و"علي بك" اللَّذان أُسِرا، مع والدهما، في المعركة؛ فأرسلهما "يلدرم"، مع أمهما، أخته، إلى "بورصا"، حيث أقاما إلى حين استيلاء "تيمورلنك" عليها. وقيل لا، بل أقاما بها زمناً، ثم غادراها إلى منطقة "إيجل"، حيث لجأ إلى "ثاشل"، في شماليها، الأمراء القرمانيون، سواء منهم الذين لم يشاركوا في المعركة، وأولئك الناجون منها. وثمة مَن يقول إن أحدهما، عيّنه خاله حاكماً على "قره مان"؛ بدل أبيه؛ وسرعان ما تمّرد عليه، فأُسِر، ثانية. وهناك مَن يقصُر الأَسْر، في معركة "آقجاي"، على "محمد" فقط.

ولم يقتصر الاختلاف على ما تمخضَّت به تلك المعركة، وإنما طاول زمن نشوبها، فأرِّخَت بعام 793هـ/1391، وعام 794هـ/1392م، وعام 796هـ/1394م، وعام 797هـ/1395م وعام 800هـ/1397م.

 

800هـ/1398م

السيطرة على الأناضول

سعى "بايزيد الأول" إلى توحيد الأناضول، تحت رايته. وبعد أن استولى على إماراتها الغربية، قرر الاستيلاء على تلك الشمالية، الصغيرة التي أطلق عليها مجتمعة اسم "مَيّافارقِين". وكانت تسبح في فَلَك كيانات أكبر منها، ولا تتردد في تبعيتها لها؛ إنْ اقتضى ذلك حفاظها على نفسها. وأبرزها أربع إمارات، اثنتان تتاخمان سواحل البحر الأسود الجنوبية، وأخريان تجانبانه، في الداخل. وهي: "جانيك" أو "جانيت"؛ ويحكمها "جنيد بن قاضي"، من أبناء "قوباد". ومنطقة "أوردو" و"كيراسون"؛ ويتولاها "سليمان" من أبناء "أمير". ومنطقة "ترما" و"جارشامبا"؛ ويسيطر عليها "محمد جلبي" وأخواه: "آلب أرسلان" و"قليج أرسلان"؛ من أبناء "تاج الدين". ومنطقة "مرزيفون" و"حوضا"؛ ويستولي عليها "حسن بك" و"علي بك"، من أبناء "طاشان". أضف إلى هذه الإمارات شبه إمارة "باضره". استهل "يلدرم" مسعاه بالإغارة على إمارة "جانيك". فاستولى عليها، بما فيها مدينة "سامسون" الإسلامية، دون "سامسون السوداء" أو "سامسون الكافرة" أو "سامسون الأسود" أو "سامسون القديمة"؛ وما تعدُّد أسمائها، إلاّ لتمييزها من نظيرتها، التي بناها السلاجقة حيث كانت قوم "آميدوس/آمنسوس" أو "بيرا"، وقريباً منها. ولم يتعرض لها، وفاءً بمعاهدة بينه وبين "جنوى"، التي كانت تستعمرها.

ما لبثت الإمارات الأخرى، أن أسلست قيادها للدولة العثمانية، فباتت حدودها، في حوض البحر الأسود، تتاخم إمبراطورية "طرابزون" الرومية؛ إضافة إلى إحاطتها بدولة القاضي "برهان الدين"، من الشمال والغرب والجنوب الغربي؛ وتأمينها المواصلات بين "آماسيا" والبحر الأسود.

مقتل القاضي "برهان الدين"

طالما حكَم بنو "أرتانا/أردانا" منطقة "سيواس" و"قيصري" و"توقاد" و"نيكسار" و"قره حصار" الشرقي و"آقسراي" و"قره شهر"، في الأناضول الوسطى. ولكنهم انقرضوا، عام 783هـ/1381م، حين لم يبقَ منهم مَن يتولّى الحكْم، إلاّ القاصر "محمد جلبي"، ابن الثماني سنوات؛ إذ انقضّ عليه نائب السلطنة، التركماني، "أحمد"، الملقب بـ"برهان الدين"، ابن قاضي "قيصري"، و"شمس الدين محمد".

اتخذ السلطان الجديد "سيواس" عاصمة لدولته، التي مهد لها مكانة مرموقة، وقوية، في المنطقة؛ بعد أن نَشِط في علاقاته بمصر والدولة العثمانية، ودولة "قره مان"، وإمارة "دولقادر"، سواء سلماً أو حرباً. وانتصر في العديد من الحروب، وحقَّق الكثير من النجاحات. ناهيك بثقافة القاضي "برهان الدين" نفسه وشاعريته، التي حفزت "مجمع اللغة التركية" إلى نشر ديوان له، يعَد مرجعاً في اللغة التركية، المستخدمة في الأناضول. وعَهِد بتأريخها إلى "عزيز بن أردشير الأسترابادي"، الذي ضمّنها كتابه، "برم ورزم" المهم في تاريخ الأناضول التركية، على ما فيه من حشو، نابع من تكلّفه وتأثّره بالأدب الفارسي، والذي أنجزه، وقدّمه إليه، في الأول من رجب 800هـ/ 20 مارس 1398م. وقد نشر معهد التركيات، في جامعة "إستانبول".

أخلَص الأميرُ التركماني، "بهاءُ الدين قره عثمان"، الملقب بـ"قره يولوك" أو "قره يولوق"، القاضي "برهان الدين" خدمته؛ بعد أن فرَّ إليه من حَسَدِ أخوَيْه، "أحمد بك" و"بير علي بك"، أو خوفاً منهما؛ أو بعد أن استرهن القاضي عشيرته، "آقيونلي"، المنتشرة في مناطق "أرزنجان" و"خربوط" و"ديار بكر" فأرهنته إياه.

رافق "قره يولوق" طيلة سنوات، القاضي، وشاركه في العديد من المعارك إلاّ أنه تنكّر له، على أثر نقْض القاضي عهداً، عاهده عليه، أن يعفو عن ابن أخت الأمير التركماني، الشيخ "مؤيد"، الذي كان والياً على "قيصري"، فتمرّد على "برهان الدين"، الذي سارع إلى محاصرته في قلعتها؛ ولكنه أعدمه، بعد استسلامه المؤمِّل. فخرج خاله على القاضي، الذي تعقّبه؛ ولكن الخارجي تمكّن منه؛ وقيل لا، بل إن "قره يولوق"، هو الذي باغته بهجوم، أسفر عن أسْره، ثم مقتله؛ لينتهي، بذلك، حكْمه، الذي استمر سبع عشرة سَنة، في الأناضول. ولا تؤرخ المصادر العثمانية ذلك بهذا العام، وإنما بعام 794هـ/1392م، أو عام 798هـ/1395م، أو عام 799هـ/1396-1397م.

اقتصل "قره يولوق" رأس القاضي "برهان الدين"، وحمله إلى مدينة "سيواس"؛ علَّه يوهنها، فتستسلم له. إلاّ أن أركان حكومتها، أفسدوا عليه مأربه؛ إذ انبروا للدفاع عنها، بعد أن نصّبوا عليها ابن قاضيهم القتيل، الشاب "علاء الدين بك"، الذي يذكر في المصادر العثمانية بـ"زين العابدين". واستنصروا، في الوقت عينه، "قره تتار"، الباقين في الأناضول، من عهد الاستيلاء المغولي. ولكن، سرعان ما هزم "أقيونلي" المستنصَرين، فاضطرت حكومة "سيواس" إلى استنجاد الحاكم العثماني، عارضة عليه استسلامها له والالتحاق بدولته؛ إن هو أنقذها من ذلك الحصار. فقبل "يلدرم" العرض، وانتدب ابنه الأكبر، الأمير "سليمان"، لقيادة جيش، هزم "قره يولوق"، وأجبره على الانسحاب إلى "أرزنجان". وبذلك، التحقت دولة القاضي، "برهان الدين" بالدولة العثمانية، التي أضحت تسيطر على كل أنحاء الأناضول.

 

801هـ/1399م

تصادم العثمانيين والجنويين

تمهيداً لاستيلاء على "إستانبول"، عمد العثمانيون إلى التضييق على "غلطة"، حيث الجنويون؛ بل حاولوا احتلالها في صيف هذا العام، بجيش، وقوامه عشرة آلاف رجُل، صادم حُماتها، بالجنويين. ولكن المحاولة أخفقت.

دعْم بيزنطة

إبّان حصار "إستانبول" الثالث، وفي خلال الهجوم على "غلطة"، وبعد سنة ونصف على وعْد الملك الفرنسي، "شارل السادس" بمساعدة الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، وصلت إلى ميناء "إستانبول"، في أواخر صيف هذا العام، تعزيزات فرنسية قوامها سبع عشرة سفينة، والعديد من فرسان فرنسا و"البندقية" و"جنوى"؛ يقودهم المارشال الفرنسي المُسِنّ، "جان دو بوكالويه"، الذي كان قد نجا من معركة "نيجبولي"؛ وهو مَن فاوض في افتداء أسراها، من النبلاء الفرنسيين، وبخاصة "جان الجريء"، أمير "نفرس"؛ بل أبدى ذلك المارشال، آنئذٍ، رغبته في أن يخدم العثمانيين، فخيَّبوه. وسهَّل على تلك التعزيزات وصولها، انهماك "يلدرم" في محاربة المصريين، على امتداد نهر "الفرات"؛ وانشغال أمراء "الروملي" بحملاتهم.

ارتاح جنويو "غلطة" للنجدة الفرنسية، التي مكّنتهم من تحقيق عدة نجاحات؛ بل أغرتهم بحملة على "إزمير". أمّا المارشال "بوكاكويه"، الذي أقام نحو سَنة بالعاصمة البيزنطية، فقد بادر إلى الإصلاح بين الإمبراطور البيزنطي وابن أخيه، "يؤانس السابع"، وأمير "سلفري" المستنصِر بالعثمانيين؛ سعياً إلى توحيدهما في مواجهتهم. ونجح مسعاه؛ إذ أغرى الأمير البيزنطي، الحريص على السلطة، بجعله شريكاً لعمّه في العرش الإمبراطوري. وقيل لا، بل إن إشراكه في ذلك العرض، كان شرطاً، اشترطه "يلدرم" على البيزنطيين؛ لرفع الحصار الثالث عن "إستانبول".

السيطرة على إمارة "دولقادر"

أنشأ "زين الدين قره جه أحمد بك" ابن "حسن دولقادر"، عام 740هـ/1339م، إمارة، تكوَّنت من "ألبستان"، التي انتزعها من دولة "أرتانا" التركية، التي خلفت الإدارة المغولية في الأناضول، ومن منطقة "مرعش" استمدت اسمها، "دولقادر"، من أحد أفخاذ "الغز" الأوغوز التركية، والذي يترجمه معظم المصادر العثمانية، بالعربية، "ذو القدر".

تقوّى "زين الدين" بحماية المماليك في مصر. وشرع يحارب أرمن "كيليكيا". وما لبث أن حارب حُماته المصريين أنفسهم. وسرعان ما بسط إمارة "دولقادر" نفوذها على إمارات الأناضول التركية، واتسعت مساحتها. بيد أنها عانت صراعاً على الحكْم؛ ما اغتنمه المصريون، فأخضعوا أمراءها لحكْمهم، وقمعوا المعارضين؛ حتى إنهم كادوا أميرها، "سمولي بك"، فقتلوه، طعناً بالسكاكين، عام 800هـ/1389م؛ لتقرُّبه إلى السلطان العثماني تقرُّباً، قيل أنه بلغ حدَّ تزويج ابنته، "أمينة خاتون"، الأمير العثماني، "محمد جلبي" ابن "يلدرم"؛ على صغر العروسَين.

آتت الرياح، في هذا العام، الذي يؤرَّخ له، سفن "بايزيد الأول"، إذا مات سلطان مصر وسورية المملوكي، "الملك الظاهر سيف الدين برقوق"، الذي طالما أغاظته الانتصارات العثمانية؛ لتهديدها النفوذ المصري في الأناضول؛ وخلفه ابنه الغرير، "الملك الناصر ناصر الدين فرج". ناهيك من ابتعاد خطر "تيمورلنك" إلى الهند؛ وهو ما كان أَمْلَى على العثمانيين والمماليك معاً، معاهدتهما الدفاعية الثنائية. فبادر "يلدرم"، مُطَّرحاً تلك المعاهدة، إلى حملة على إمارة "دولقادر"، ضنّ المماليك؛ بل تعرَّض للأراضي المصرية نفسها. وربما حفزه إلى تلك الحملة، "ناصر الدين بك"، نسيب القاضي "برهان الدين"، والذي خلف "سولي بك"، والمناوئ للنفوذ المصري في الإمارة، التي أصبحت تابعة للعثمانيين.

اتساع الحدود العثمانية

كان إخضاع إمارة "دولقادر" للحكم العثماني، إيذاناً باندلاع الصراع العثماني ـ المصري، إذ أعقبه "يلدرم" بالاستيلاء على مناطق النفوذ المصري، الذي بلغ الأناضول الوسطى. فاستولى على قلعة "ملاطيا"، التي كان الماليك قد احتلوها، عام 715هـ/1315م، في عهد سلطانهم، "الملك الناصر ناصر الدين محمد"، مستفيدين من الضعف، الذي انتاب مغول "إيران"، الإيلخانيين. وذلك انهازاً لتمرّد واليها المملوكي، "منتاش"، في عام 791هـ/1389م، على سلطان مصر، ولجوئه إلى حاكِم "دولقادر". واحتل، كذلك، قلعة "دارندا"، التي كان المماليك، عام 740هـ/1339ـ1349م، قد اقتطعوها من دولة "أرتانا" التركية، التي خلفت الإدارة المغولية. أَضِف استيلاءه على قلاع "كاحتا" "بهسني" و"ديفريجي". وهو ما وسَّع الحدود العثمانية، في الأناضول، إلى نهر "الفرات"؛ وقرَّب الوحدة التركية، في تلك المنطقة، من التحقق.

 

802هـ/ 1399م

استمداد أوروبا

أيقن المارشال الفرنسي، "بوكاكويه"، الذي قاد التعزيزات الفرنسية لبيزنطة، عام 801هـ/1399م، أن تلك التعزيزات، غير كافية لإنقاذ الإمبراطورية البيزنطية،؛ بل أقنع الإمبراطور الفرنسي بيقينه. وسَوَّل الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، أن يطَّوَّفا معاً على أوروبا؛ لتكفُّف دولها، واستزادتها من التعزيزات والحشود. وتمهيداً لذلك، استناب الإمبراطور شريكه في العرش، ابن أخيه، "يؤانس السابع". وعَهِد المارشال الفرنسي ببعض القوات إلى "سيجنور دو شتاموراند"؛ لمواصلة الدفاع عن العاصمة البيزنطية. وأبحرا، يوم الأربعاء العاشر من ربيع الآخر 802هـ، الموافق للخامس عشر من ديسمبر 1399م، من ميناء "إستانبول" على متن سفن "البندقية"، الراسية فيه. واصطحب "مانوئيل الثاني" زوجته، الإمبراطورة "إيرينا"، وثلاثة من أولاده الصغار؛ أنزلهم، حين وصوله إلى سواحل "المورة" ضيفاً على أميرها، أخيه الأصغر "ثيودورس الأول"، الذي أحّلهم قصراً في "ميسترا/إسبارطة"، حيث أقاموا إلى حين عودة الإمبراطور من أوروبا.

طَمَحَ الإمبراطور البيزنطي إلى اهتمام الملك الفرنسي، "شارل السادس" به؛ بل خطر بباله أن يتخلَّى له عن العرش البيزنطي، مستبقاً استيلاء الأتراك عليه. ولم يقصر رحلته على فرنسا، بل تجاوزها إلى "البندقية" و"جنوى" و"لندن"؛ فاستغرقت أربع سنوات. وكانت الخيبة عقباها، إذ لم تتعدّ الوعود. لولا هزيمة "يلدرم" في "أنقرة"، لَمَا تعجَّل الإمبراطور البيزنطي العودة إلى بلاده.

الخلاف الشهير

استقطب كلٌّ من "تيمورلنك" و"يلدرم"، الحكام الساخطين على ضده. وبعد عودة أولهما من الهند، واستيلائه على "جورجيا"؛ واسترجاعه "باسنلر"، التي تجاور "أرضروم"؛ لجأ إليه أمراء الأناضول، ولا سيما "يعقوب الثاني" ابن "كرميان"؛ و"إلياس" ابن "منتشه"؛ و"عيسى" ابن "آيدين"؛ و"خضر شاه" ابن "صاروخان"؛ مطالبين بحمايته لهم، واسترداد بلادهم من العثمانيين. إضافة إلى أن بعض أمراء شرقي الأناضول، شكوا إليه تهديد ندّه لبلادهم.

وفي المقابل، لاذ بالسلطان العثماني حاكم العراق، السلطان "أحمد الجلايري"، وحاكم "آذربيجان" "قره يوسف القرقيونلي"، اللذان استولى "تيمورلنك" على بلادهما؛ إذ توجها إلى "بورصا"، ولجآ إلى "يلدرم"، ودخلا في حمايته، ونالا إكرامه. فبادر الملك المغولي إلى الطلب من "يلدرم" ألا يصدّقهما وأن يسلّمهما إليه؛ وإنْ لم يفعل، فإن السلاح، سيكون هو الفيصل. وكان رفض "بايزيد الأول" لهذا الطلب إيذاناً بخلافهما الشهير، الذي تمخّض بهزيمة "أنقرة".

 

802هـ/1400م

مَعالم تركية في "إستانبول"

كلّما كان "يلدرم" يحاصر "إستانبول"، كان البيزنطيون يداورونه على رفْع حصاره، بمعاهدته على إنشاء حيّ تركيّ فيها، ومسجد ومحكمة. ولكنهم كانوا ينقضون عهدهم، في كلِّ مرة؛ على الرغم ممّا قيل أنهم وَفَوا به، عام 793هـ/1391م؛ لا، بل عام 799هـ/1396-1397م.

وما كان لذلك الشرط العثماني أن يتحقق، إلاّ حينما عَهِد الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، بعرش بيزنطة، إبّان وجوده في أوروب، إلى شريكه فيه، ابن أخيه، "يؤانس السابع" إذ إن الأخير، حَمِيّ العثمانيين، تطييباً لخاطر "يلدرم"، واستجابة لضغوطه ـ أقام حيّاً تركياً، في العاصمة البيزنطية، استوطنه الأتراك المستقدمون من "كونوك" و"طراقلي"؛ وجعل لهم مَحكمة شرعية. ناهيك بقبوله أن يدفع خراجاً إلى العثمانيين، قدره عشرة آلاف أو ثلاثون ألفاً ذهباً.

بيد أن هناءة "يلدرم" بهذا المكسب، لم تطل؛ إذ ستسلبه إياه هزيمته في "أنقرة"، عام 804هـ/1402م، التي حَدَتِ البيزنطيين على طرْد الأتراك من حيِّهم، في "إستانبول"، فتوجهوا إلى "تكرداجي"، حيث أنشأوا قرية، أسموها "كوينوكلو"؛ فضلاً عن تخريب مسجدهم، وربما تحويله إلى كنيسة.

الأثر الأبهى

اكتمل، في رجب من هذا العام الهجري، الموافق لمارس 1400م، بناء الجامع الكبير، في "بورصا"، ذي المئذنتَين والعشرين قبة. ولم يكتب على منبره، إلاّ اسم "بايزيد الأول"، وتاريخ بنائه. وكان من أهم مباني العمارة العثمانية القديمة، وأجمل آثار عهد "يلدرم".

حصار "إستانبول" الرابع

خامر "يلدرم"، أن وجود مَرافق تركية في "إستانبول"، يمكِن أن يكون سلاحاً ذا حدَّين؛ إذ إن البيزنطيين يُرضون به الأتراك فترة من الوقت، يؤلبون عليهم، في غضونها، الرأي العام الصليبي. فبادر، في فصل الربيع من هذا العام، إلى إبلاغ "يؤانس السابع"، محميّه القديم، الذي طالما كان دمية في يده تسليم المدينة، من الفور؛ واعداً بمكافأته بإمارة أحد السناجق، ومتوعداً، في الوقت عينه، بمحاصرة العاصمة البيزنطية حصاراً شديداً، إنْ لم يستجب له.

رفض الإمبراطور الرغبة العثمانية. فأطبق السلطان على "إستانبول". غير أنه اضطر، بعد أربعة أشهر تقريباً، وقبَيل معكرة "سيواس"، إلى التراخي عن حصارها المحكَم، والاكتفاء بمراقبتها.

 

803هـ/1400م

كارثة "سيواس"

إذِن رفْض السلطان العثماني تسليم حاكمَي العراق "وآذربيجان"، عام 802هـ/1400م، إلى "تيمورلنك"، بالحرب بين العاهلَين. بيد أن "يلدرم"، لم يحتط لِما أحاق به نفسه؛ إذ أبقى جيشه مشتتاً، بين حصار "إستانبول" والغارات على البلقان، والحملة على "ألبانيا"؛ فضلاً عن بقائه هو نفسه سادراً في الملذات والمجون، حتى إنه حينما سأل الشيخَ الشهير، "شمس الدين محمد البخاري"، المعروف بـ"أمير سلطان" عمّا يُعْوِز الجامع الكبير، في "بورصا"؛ بعد اكتماله، لم يتردد في إجابته: "إن أقمتم على كلِّ زاوية من زواياه مَيْسراً، فإن نواقصه سوف تزول".

آنس "تيمورلنك" الاسترخاء العثماني، فاندفع، بعد مرور سَنة على تهديداته للعثمانيين، من "باسنلر" إلى "أرزنجان". وبلغ، يوم الإثنين، السابع عشر من ذي الحجة 802هـ، الموافق للتاسع من أغسطس 1400م، ضواحي "سيواس"، المدينة العامرة، ذات القلعة الصغيرة، المنيعة الأسوار؛ والتي كان يتولى إمرتها، منذ 800هـ/1398م، الأمير "سليمان جلبي"، كبير أبناء السلطان العثماني.

أيقن أمير المدينة، قبَيل وصول الجيش المغولي إليها، أن لا طاقة له به، فغادرها، منيباً عنه "مالقوج مصطفى بك" في المحافظة على قلعتها. غير أن "سيواس"، لم تقوَ على المقاومة، إلا ثمانية عشر يوماً؛ إذ استسلمت، يوم الجمعة، السادس من المحرم 803هـ، الموافق للسابع والعشرين من أغسطس عام 1400م، بعد أن وُعدت بعدم التعرض لأهاليها وجنودها، بل عدم إسالة دماء أحد.

بَرَّ "تيمورلنك" بوعده، فَوَأدَ أربعة آلاف رجُل، من المدافعين عن القلعة، من دون إسالة قطرة دم واحدة! وسرعان ما تنكر لوعده، حينما قضى على ألْف طفل، أرسلهم أهلهم إليه، وعلى رؤوسهم المصاحف، وهم يرددون ذِكر الله، ماتوا على بَكْرة أبيهم، تحت حوافر الخيول وضربات السيوف؛ بل مفتون به، مؤلِّف كتاب "تزوكات".

 

803هـ/1401م

الاستيلاء على إمارة "أرزنجان"

إمارة "أرزنجان" هي البقية الباقية من أسرة "أرتانا"، التي حكمت الأناضول الوسطى، بعد الاستيلاء المغولي، وقبل حكومة القاضي "برهان الدين". وأمير "أرزنجان"، "مطهر تن" أو "طاهر تن"، هو ابن أخي "علاء الدين أرتانا". وهذا الأمير، الذي خاف من امتداد الاستيلاء العثماني إلى الشرق، استمر في حكمه بالاعتماد على "تيمور"، منذ فترة. ولما وصل "يلدرم بايزيد" إلى نهر "الفرات"، أثناء حملته على "ملاطيا"، عام 801هـ/1399م، طلب من "مطهر تن" الانفصال عن "تيمور"، والدخول تحت التبعية العثمانية؛ إلا أن أمير "أرزنجان" هذا، رفض الطلب؛ بل إنه اشترك في حملة "تيمور" على "سيواس"، عام 803هـ/1400م. فكان أول رد من "يلدرم بايزيد" على "تيمور"، هو الحملة، التي شنها على إمارة "أرزنجان". ويذكر أن "يلدرم بايزيد" شنها، بتشجيع من الحاكم القرقيونلي، "قره يوسف". ولقد تم الاستيلاء على إمارة "أرزنجان" بسهولة. واضطر "مطهر تن بك" إلى الاستسلام. إلا أن أراضي هذه الإمارة" لم تلحق بالدولة العثمانية مباشرة. وبناءً على رغبة أهالي "أرزنجان" الراضين عن أميرهم، فقد أراد "يلدرم بايزيد" تطييب خاطرهم، فأبقى الأمير "مطهر تن بك"، الذي قبل بالحكم العثماني، في منصبه. إلا أنه أخذ قلعة "كماخ"؛ نظراً لأهميتها العسكرية. كما أنه أخذ معه أسرة "مطهر تن بك" رهائن وأرسلهم إلى "بورصا".

ويذكر أن الحاكمين، العراقي والآذربيجاني: السلطان "أحمد" و"قره يوسف القرقيونلي"، اللذين سبق أن التجآ إلى "يلدرم بايزيد" ـ شاركا الجيش العثماني في الحملة على "أرزنجان". وحملة "بايزيد الأول" على "أرزنجان" وقعت أواسط ذي الحجة 803هـ. وهذا التاريخ يوافق يوليه 1401م. وهذا الحدث يعد أهم سبب لنشوب معركة "أنقرة"، عام 804هـ/1402م، مثل حادث لجوء السلطان "أحمد"، و"قره يوسف" إلى "يلدرم بايزيد". وكان من أهم شروط "تيمور"، من خلال الاتصالات، التي تمت بينه وبين "يلدرم بايزيد" ـ إعادة أسرة "مطهر تن"، وإرسال أحد أولاد "يلدرم"؛ رهينة لدى "تيمور". والروايات مختلفة في هذا الصدد. ومن المعروف أن تلك الشروط، لا يمكن قبولها، بل كانت حججاً، ساقها "تيمور" لنشوب الحرب بينه وبين "يلدرم بايزيد". ويبدو أن "تيمور" شرع في اتخاذ كل الوسائل، التي تجعله معذوراً في القيام بما يزمع عليه، من حرب ضد العثمانيين، أمام الرأي العام الإسلامي، والتاريخ. وكانت هذه هي السياسة الطبيعية، التي يمكن أن يتبعها إنسان دموي، مثل "تيمور"، ويضرب من الشرق، أي الخلف، أكبر مجاهد للإسلام في عهده، أمام الحملات الصليبية، وهو "يلدرم بايزيد"، الذي فتت جيوش الصليبيين في جبهات الغرب.

 

804هـ/1402م

هزيمة "جبوق أوفا"، وانهزام البطل التركي الكبير "يلدرم بايزيد" وأسره بسبب الخيانة

على الرغم من الاتفاق في سنة هذه الهزيمة الوطنية، التي تسمى "معركة "أنقرة"، فإن هناك اختلافات كبيرة في تاريخ اليوم والشهر: فعلى سبيل المثال، يذكر أنها كانت في يوم الثلاثاء، التاسع عشر من ذي القعدة، الموافق للعشرين من يونيه؛ أو أنها كانت في يوم الجمعة، الثالث عشر من ذي الحجة، الموافق للرابع عشر من يوليه؛ أو أنها كانت في يوم الخميس، التاسع عشر من ذي الحجة، الموافق للعشرين من يوليه؛ أو أنها كانت في يوم الخميس، السادس والعشرين من ذي الحجة، الموافق للسابع والعشرين من يوليه؛ أو أنها كانت في يوم السبت، الثامن والعشرين من ذي الحجة، الموافق للتاسع والعشرين من يوليه. بل وجد هناك ما يشير إلى أنها كانت في عام 805هـ، غير أن التاريخ الميلادي، عام 1402، لم يتغير. وروايات عام 805هـ/1402م تخص شهر المحرم، الذي هو أول شهر هجري. فعلى سبيل المثال، ذكر أن الثلاثاء، الأول من المحرم 805هـ، يوافق الأول من أغسطس 1402م، وأن السبت، الخامس من المحرم 805هـ، يوافق الخامس من أغسطس 1402م. وهذا يعني أن هناك اتفاقاً في التاريخ الميلادي، مقابل اختلاف في التاريخ الهجري. والأكثرية تتفق على أنها كانت في ذي الحجة 804هـ. وهذا الشهر يوافق شهر يوليه. وبناءً على ذلك، فإن معركة "أنقرة نشبت، بالتأكيد، في المحرم 804هـ الموافق لشهر يوليه 1402م. والنقطة الوحيدة التي نستند إليها في تحديد اليوم، بموجب أقوى الروايات الواردة فيها، هي الروايات، التي تذكر أنها وقعت في يوم الجمعة. فعلى سبيل المثال، يذكر "عاشق باشازاده"، و"لطفي باشا"، و"أورج خوجه سعد الدين"، و"علي جلبي" من المؤرخين، أنها كانت في يوم الجمعة. وهناك جمعتان في الأيام التي ذكرناها فيما سبق: أولاهما الثالث عشر من ذي الحجة، الموافق للرابع عشر من يوليه، وثانيتهما السابع والعشرون من ذي الحجة، الموافق للثامن والعشرين من يوليه. وبما أن أحد الخطابات المرسلة إلى "تيمور"، قد وجد فيه تاريخ هذه الجمعة الثانية، فإن تاريخ هذه الفاجعة الكبيرة لتاريخ تركيا، يصادف، على أقوى الاحتمالات، يوم الجمعة، السابع والعشرين من ذي الحجة 804هـ، الموافق للثامن والعشرين من يوليه 1402م. والحقيقة أن رئيس رهبان "السلطانية"، "جان"، الذي حضر في معركة "أنقرة" ذكر في مذكراته هذا التاريخ، كما أشار إليه المؤرخ البيزنطي، "فرنسوا".

انتقل "تيمور" إلى سورية، من خلال استيلائه على "ألبستان" و"ملاطيا"، بعد كارثة "سيواس". وكان السبب الذي دفعه إلى هذا الانتقال، أن الرسول، الذي أرسله إلى سطان مصر، "فرج بن برقوق"؛ بغية خضوعه له ودخوله في تبعية "تمورلنك" – قد زج به في السجن من لدن والي "حلب" المملوكي. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن يكون السبب، الذي أدى بتيمورلنك إلى الانتقال سريعاً إلى سورية، أهم مما ذكر، حيث يمكن أن يكون قد استهدف بذلك، عدم إبقاء فرصة لسلطنة مصر بطلب التعاون من العثمانيين. وقد استولى "تيمور"، في حملته هذه، على مدن "حلب"، و"حماة"، و"حمص"، و"بعلبك"، و"الشام". وهدم "حلب" و"الشام" وخربهما وحرقهما، وأعمل السيف في أهاليهما. وكان حاكما العراق و"آذربيجان"، اللذان سبق أن قدما إلى "بايزيد" لاجئين، بسبب استيلاء "تيمور" على بلديهما، رجعا إليهما، بعد حملة "يلدرم بايزيد" على "أرزنجان"، بغية استرداد حكمهما. وقد حققا بعض النجاحات. من ذلك، على سبيل المثال، عودة بغداد إلى السلطان "أحمد"، من جديد. ولهذا السبب، فقد انتقل "تيمورلنك" بعد استيلائه على سورية، إلى العراق؛ فاسترد بغداد، وقام بهدمها من أقصاها إلى أقصاها، وقتَّل أهلها، كما هو ديدنه في كل مكان. بل يذكر أنه أقام فيها برجاً على جماجم تسعين ألفاً ممن قتلهم. وكانت حملة "تيمور" على سورية وبغداد، عام 803هـ/1400-1401م. ومن العراق انتقل إلى "قره باغ"، حيث قضى موسم الشتاء لعام 804هـ/1401-1402م، بالمشاركة في الاحتفالات، التي أقيمت على شرفه. وفي هذا الموقع، الذي أقام فيه، استمر في اتصالاته مع "يلدرم بايزيد"، وتواردت المراسلات والسفراء بين الطرفين. وفي كل هذه المراسلات، كان كل طرف منهما يصر على موقفه. وكان من أهم شروط "تيمور" إعادة أسرة "مطهر تن"، وإرسال أحد الأمراء العثمانيين رهينة عنده، وطرد اللاجئين من حكام العراق و"آذربيجان"، أو عدم قبولهم مرة أخرى، وإعادة أمراء الأناضول الأتراك القدامى إلى بلادهم، وأخيراً دخول "يلدرم بايزيد" تحت تبعيته؛ وهي شروط لا يمكن القبول بها. وفي مقابل ذلك لم يكن هناك أي مطلب لـ"يلدرم بايزيد". فقد اكتفى فقط باستخدام عبارات غرور متكبرة ضد مطالب "تيمور"، التي لا تستند إلى أي حق مشروع، مشيراً إلى أن "تيمور" كان يبحث عن حجة لإسالة الدماء.

وقد وصل "تيمور"، في ربيع عام 804هـ/1402م إلى حدود "جورجيا"، وبدأ فيها بحشد جيشه الكبير، الذي تكون من مختلف الأعراق والشعوب. ويذكر أنه دخل في الأراضي العثمانية، في ذي القعدة، الموافق لشهر يونيه. وتحرك جيشه من خلال "أرضروم" و"أرزنجان"، فاستولى على قلعة "كماخ"، التي سبق أن استولى عليها "يلدرم بايزيد"، قبل فترة من الوقت. وأعاد القلعة إلى صاحبها، أمير "أرزنجان" "مطهر تن"، الذي سبق أن قبل بالحكم العثماني تحت الضغط، ثم رجع إلى متبوعه الأول، "تيمور". ويذكر أن جيش "تيمور"، الذي انتقل من هناك إلى ضواحي "سيواس"، كان قد جرى في احتفال رسمي، مستخدماً فيه من الألوان الأحمر والأصفر والأبيض، وكان مجهزاً ومدرعاً. وفي هذه الأثناء، جمع "يلدرم بايزيد" قواته وتقدم إلى الأمام، ووصل إلى مدينة "توقاد". وقد اتضح مما ورد في "تزوكات" أو في المصادر الأخرى، أن "تيمور" كان يستهدف من تقدمه إلى الأمام غرضين اثنين. أولهما: نهب مدن الأناضول الوسطى وتدميرها، والثاني: إرهاق الجيش العثماني والعمل على ما يؤدي إلى التعب والنصب، من خلال تدويره وتحريكه. ولذلك فإن "تيمور" لم يمكث في "سيواس"، بل توجه أولاً إلى "قيصري"، وجعل الجيش العثماني يتابعه، حتى تقدم باتجاه "قرشهر" إلى "أنقرة". وبناءً على ذلك، فإن الجيش العثماني تحرك من منطقة "بورصا" إلى "توقاد"، ومنها إلى منطقة "قرشهر"، ومن هناك أخيراً، دار ودار، فتوجه إلى "أنقرة". وهذا يعني أن الجيش العثماني قد تحرك للإرهاق والتعب الشديد.

ولما وصل "تيمور" إلى "أنقرة"، ضرب الحصار على قلعة "أنقرة"، إلا أنه لما علم باقتراب "يلدرم" منه، رفع الحصار، وانسحب إلى سهل "جبوق" منبسطاً على النهر والوادي. وقام، في الوقت نفسه، بردم كل منابع المياه الموجودة في الأطراف، والتي يمكن أن يستفيد منها "يلدرم بايزيد". ولهذا السبب، فقد روي أن الجيش التركي، قد تعرض لمشكلات جمة، ومات بعض أفراده. وتفيد بعض الروايات، أن "يلدرم بايزيد" وصل إلى أمام "أنقرة"، قبل نشوب المعركة بيوم واحد. أي في يوم الخميس، السادس والعشرين من ذي الحجة 804هـ، الموافق للسابع والعشرين من يوليه 1402م. وعلى الرغم من وجود رواية تشير إلى أن جيش "تيمور" كان مشتتاً، عند قدوم "يلدرم بايزيد"، وأنه أخطأ كثيراً في عدم شروعه بالحرب مباشرة، وعدم استفادته من هذا الوضع المشتت، فإن وجود "تيمور" في غفلة عن تحركات الجيش العثماني، من خلال جواسيسه، غير ممكن ألبتة. بل إن رفعه للحصار، الذي ضربه على قلعة "أنقرة" وانسحابه إلى سهل "جبوق" مباشرة، أثناء سماعه باقتراب الجيش العثماني ـ يدل على عدم وجود أي أثر للغفلة. بل العكس من ذلك، فإن "تيمور" قد تصرف بيقظة تامة، إلى درجة أنه لم يكتف بمراقبة الجيش العثماني، وإنما أرسل جواسيسه، قبل نشوب المعركة، إلى البقية الباقية من القوات المغولية، التي تسمى "قره تتار"، وأخذ المواثيق منهم على خيانة العثمانيين، في أثناء نشوب المعركة بين الطرفين. بل إن "يلدرم بايزيد" انتُقد أيضاً لأخذ الجند من الإمارات التركية الأناضولية القديمة.

وهناك روايات مبالغ فيها عن عدد جنود الطرفين. فهناك العديد من الروايات، التي تشير إلى أن عدد الجيشين المتحاربين في معركة "أنقرة"، كان في حدود المليون شخص. ويتضح، من كل هذه الروايات، أن عدد جيش العدو كان أضعافاً مضاعفة من الجيش العثماني. وعلى الرغم من أن كتاب "تزوكات"، المنسوب إلى "تيمور"، يشير إلى أن عدد الجيش العثماني، بمن فيه الخيالة والمشاة، كان في حدود أربعمائة ألف شخص، فإن هذا العدد من مبالغات العدو. وفي الحقيقة، إن عدد جيش "تيمور"، كان بين مائتين إلى ثلاثمائة ألف شخص. أما قوات جيش "يلدرم"، فكانت في حدود مائة ألف شخص، على أقصى تقدير، بمن فيهم القوات الصربية، التي قدمت مع نسيب "يلدرم بايزيد" ملك "صربيا"، "ستيفن لازاروفيج". وقد شارك في معركة "أنقرة" أولاد "تيمور" وأحفاده، وخمسة من أولاد "يلدرم بايزيد". وهناك العديد من الروايات المتناقضة، التي تشير إلى قيام هؤلاء بقيادة مختلف القطاعات العسكرية في الحرب. وتُذكر الاختلافاتُ نفسها فيما يخص قواد الميامن والمياسر. وكان في صفوف العدو 31 أو 32 أو 50 فيلاً من فيلة الحرب. ويذكر أن جيش العدو كان يرشق الجيش العثماني بالسهام والنيران من الأبراج المقامة على ظهور تلك الفيلة. وكانت تلك الفيلة تستخدم، على وجه خاص، في دعس قوات المشاة. وهناك رواية تفيد وجود عدة فيلة في جيش "يلدرم بايزيد" أيضاً. ويذكر أن هناك تياراً من بين الأمراء العثمانيين، يخالف نشوب هذه الحرب. فعلى سبيل المثال، يشار إلى أن الوزير الأعظم، "علي باشا جاندارلي"، وبعض القواد، كانوا يرون حل المسألة بالطرق السلمية، من خلال بعض التضحيات السياسية. وبالمقابل، كان "الخوجه فيروز باشا"، من الأمراء الشهيرين، مؤيداً للحرب، وكان مقرراً لحل المسألة بالسلاح، كما تذكر الروايات.

بدأت المعركة في الساعة السادسة، وقيل العاشرة، من يوم الجمعة، واستمرت اليوم كله، وانتهت في الساعة العاشرة، وقيل الثانية عشرة ليلاً. ويطلق على ساحة الحرب "جبوق أوفا"، وفي المصادر العثمانية القديمة اسم "جبوق آباد". ويروى أن الجيش العثماني كان متفوقاً في المعركة، في الساعات الست الأولى. وهناك العديد من الروايات، التي تشير إلى أن "تيمور" فقد أعصابه، في أثناء ذلك، وخرّ ساجداً، قائلاً إنه أشهدَ الله ـ تعالى ـ أنه كان يريد الصلح. غير أن المؤسف في الأمر، خيانة "قره تتار"، بعد فترة وجيزة من هذا الوضع، لـ"يلدرم بايزيد"، والانحياز إلى جيش العدو، حيث أدى ذلك إلى انتقال كفة الانتصار إلى العدو، ولم يكن ممكناً لأفراد الإمارات التركية القديمة، بعد أن رأوا أعلامهم في صفوف العدو، أن يثبتوا في مواقعهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن المعركة استمرت في شدتها عدة ساعات أخر. ولما أيقن ملك "صربيا"، "ستيفان لازاروفيج"، عدم بقاء أي أمل لديه في الانتصار، فر مع عساكره، قبيل الليل، من ساحة المعركة. ونظراً لاضطرار الأميرين، "محمد" و"سليمان"، ابنَي "يلدرم"؛ وكذلك الوزير الأعظم، "علي باشا جاندارلي" إلى الرجعة إلى الوراء، فقد تفتتت قوى الجيش العثماني بالكامل. وعلى الرغم من إسداء النصح لـ"يلدرم بايزيد" بالفرار من الموقع والتخلص بروحه، فإن هذا الجندي الشريف، نظراً لكونه يفضل الموت على الهروب، انسحب مع ثلاثة آلاف شخص من عساكره، إلى موقع "جتال تبه"، وقد قاتلوا فيه أيضاً بكل ما أوتوا من قوة، مثل أبطال الحروب؛ إلا أن هذه القوة الأخيرة أيضاً ذابت. وتفيد إحدى الروايات أن "يلدرم بايزيد"، وفي أثناء محاولته إعادة العساكر الفارين من حوله، إلى التقدم إلى الأمام؛ وفي رواية أخرى، في أثناء توجهه لاقتحام صف العدو، وقع بضربة رمح ثقيلة؛ وفي رواية ثالثة، أثناء هجومه وحده على مركز الجيش؛ بغية قتل "تيمور" بيديه، وقع عن فرسه بضربة رمح، أو أن فرسه سقط؛ وبذلك فإن هذا البطل، الذي لا ينساه التاريخ التركي، بقي راجلاً دون فرس، وقبض عليه في تلك الأثناء. ويذكر أن السلطان "محمود خان"، الذي كان قائداً لمفرزة تتابع "يلدرم بايزيد"، هو الذي قبض عليه. والسلطان "محمود خان" هذا، ظل غريب لحاكم. فهذا الأمير السيئ الحظ، والذي ينتسب لفخذ "أوقطاي كآن" من أسرة "جِنكيز"، وعلى الرغم من عدم انتسابه لأسرة حاكمة، فإن "تيمور"، لما تسلم زمام الأمور، أعلن عن حكمه (أي حكم السلطان "محمود خان") حتى يضفي على حكومته الطابع الشرعي؛ وهو، في الحقيقة، دمية في يد "تيمور". فهذا الأمير الدمية التابع لـ"تيمور" رسمياً، وضرب اسمه على المسكوكات، هو، في الحقيقة، قائد من قواد جيش "تيمور". وبناءً على دوره هذا، فقد أصبح في معركة "أنقرة" هذه، مراقباً لـ"يلدرم بايزيد"، مع مفرزة خاصة لمتابعته. ويروى أن "يلدرم بايزيد"، الذي كان إلى ما قبل عدة ساعات مرعباً ليل أوروبا المظلم وآسيا، ومهدداً لروما، الشرقية والغربية – قد كبلت يداه بالأغلال من الخلف، وأخذ لخيمة "تيمور". ويذكر أن "تيمور" قام لهذا الحاكم العظيم المنهزم، وجلس إلى جانبه محاولاً تطييب خاطره، وأنه عامله معاملة حسنة. إلا أنه على الرغم من ذلك، حاول في هذا الوضع أن يحمله مسؤولية نشوب الحرب.

بعد وفاة "أرطغرل"بن يلدرم بايزيد"، في معركة قبل ذلك، بقي لـ"بايزيد الأول" من الأولاد ستة. وهم: "سليمان"، و"مصطفى"، و"عيسى"، و"موسى"، و"محمد" و"قاسم". وبما أن الأمير "قاسماً" كان ولداً صغيراً، فقد بقي في "بورصا". وكان والي "سيواس"، "سليمان جلبي"، ووالي "آماسيا"، "محمد جلبي"، لما تأكدا من وقوع الهزيمة، فرا مع عساكرهما. وهناك خلاف حول الثلاثة الباقين؛ فبناءً على إحدى الروايات، بُحث عن الأميرين، "موسى" و"عيسى"، ليلة الهزيمة وعُثر عليهما. أما الأمير "مصطفى جلبي" فكان مفقوداً. وفي مقابل هذه الرواية التقليدية، هناك روايات أخرى مختلفة، تفيد أن "عيسى" و"مصطفى"، أو "موسى" و"مصطفى"، وقعا أسيرين مع والدهما. وهناك رواية ضعيفة، تشير إلى أن "مصطفى جلبي" توجه إلى "نيغده"، أو التجأ إلى "بيزنطة".

وإبراز المصادر العثمانية التقليدية فقدان "مصطفى جلبي" في تلك الليلة، يرمي، في حقيقة الأمر، إلى أحقية أخويه في الحكم؛ نظراً لأنه تسبب في مشكلات كبيرة، في عهدي "محمد الأول" و"مراد الثاني"، في صراعه معهما على الحكم. بل إن بعض المصادر، تشير إلى استشهاد "مصطفى جلبي" هذا، في معركة "أنقرة". ومعلوم أن كل هذه الروايات وضعت فيما بعد. ويبدو، في الحقيقة، أن الرواية، التي تذكر أسره مع والده، هي الصحيحة.

ويوجه العديد من المصادر الانتقادات إلى "يلدرم بايزيد"، بأنه تكبر على "تيمور" واستخف بقوته، وأنه لم يستعد له الاستعداد اللازم، وأنه كان بتأثير من الصربية الجميلة "أوليفرا"، التي كانت أحب زوجاته إليه، انغمس في مجالس السكر والملذات، وأن وضعه هذا، كان أكبر عامل أدى إلى وقوع كارثة "أنقرة". وعلى الرغم من أن عدم استعداد "يلدرم بايزيد"، كما يجب، في وقته، وعدم المبالاة بالاتفاقية العثمانية – المصرية، التي عقدت في الأصل للتعاون المشترك ضد "تيمور"، وتعرضه للأراضي التابعة للإدارة المصرية في الأناضول؛ أن كل تلك الأمور كانت أخطاء، وأثر من آثار الغفلة، وقع فيها "يلدرم بايزيد"؛ على الرغم من ذلك كله فإن الأمر المؤكد، هو أن خسارة معركة "أنقرة"، كانت بسبب الخيانة. وكان أكبر خطأ وقع فيه "يلدرم بايزيد"، هو عدم تفكيره في قيام بقايا المغول، الذين يدعَون "قره تتار" بارتكاب الخيانة المفجعة في تلك المعركة. كما أن اعتماده على إخلاص العساكر، الذين جمعهم من الإمارات التركية القديمة، ولم يتعودوا بعد الإدارة العثمانية، وبقي أمراؤهم في الطرف المعادي ـ كان من أهم أسباب هذه الكارثة الوطنية.

وكما سبق أن ذكرنا، فإن "تيمورلنك" قد استقبل "يلدرم بايزيد" استقبالاً حسناً، أمنه على حياته، بل إنه بموجب إحدى الروايات، ذكر له أنه سوف يعيد إليه بلاده. إلا أنه، بسبب محاولة تهريب "بايزيد"، التي كشف النقاب عنها، بعد فترة، أمر بتكثيف الرقابة عليه. وبناءً على الرواية الواردة في هذا الصدد، فإن والي "آماسيا"، الأمير "محمد جلبي"، أرسل بعض الرجال لتهريب "يلدرم بايزيد"، وشارك في هذه العملية "الخوجه فيروز بك"، الذي كان أسيراً مع "بايزيد"، أيضاً. إلا أن هؤلاء الرجال، وفي أثناء قيامهم بحفر خندق للوصول إلى موقع "بايزيد"، قبض عليهم، فأعدموا جميعاً مع "الخوجه فيروز بك"، الذي وُجد أنه العقل المدبر للحادث. فيروى أن تلك الرقابة الشديدة وضعت على "بايزيد"، بناءً على اكتشاف أمر التهريب هذا. وهناك العديد من الروايات المبالغ في أمرها، والتي تشير إلى أن "تيمور" بدأ، بعد هذا الحادث، يسيء المعاملة مع "بايزيد". ويمكن تقسيم هذه الروايات، التي تذكر سوء المعاملة، والواردة في المصادر الشرقية والغربية، إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن "تيمور" لما كان يركب فرسه، كان يستخدم "بايزيد" مثل العتبة، يدوس عليه؛ وأنه كان يستخدمه مثل الخادم، في مجالسه للأكل والشرب.

الثاني: أنه وضعه في قفص من حديد، حتى لا يتسنى له الهروب، أو لا يتم تهريبه.

الثالث: أن زوجة "يلدرم" الصربية الجميلة، "أوليفرا" كانت تجرد من الملابس، وتجبر على أن تعمل ساقية لـ"تيمور" في مجالسه، على مشهد من زوجها.

فكل هذه المسائل تزوير، تم وضعه فيما بعد، كما تفيد بذلك بعض المصادر الغربية الجديدة؛ فعلى سبيل المثال، فإن أسطورة "القفص الحديدي" اتضح أن منبعها الرواية، التي تشير إلى الهودج المقفص. والأسطورة التي تشير إلى استخدام "بايزيد" مثل العتبة، فيمكن أن تكون كناية عن كون "تيمور" كان أعرج. والحقيقة، أنه ليس هناك شيء إلا التدابير، التي اتخذت في تكثيف الرقابة عليه. ولا يمكن إثبات الروايات الأخرى بأدلة قطعية ثابتة.

وكانت نتائج هذه المصيبة الوطنية، المؤلمة، في تاريخ تركيا، كبيرة للغاية؛ فقد تفتت مبنى الوحدة الوطنية، التي شيد بنيانها "يلدرم بايزيد" من جديد. فأسست الإمارات الأناضولية الغربية، من جديد، وعلى رأسها حكومة "قره مان". فهذه الدولة، التي كانت المنافسة الوحيدة للدولة العثمانية، قامت على مساحة شاسعة، أكبر مما كانت، بعد أن ألحقت بها مدن "قيصري" و"قرشهر" و"سفري حصار" و"بي بازاري" ومنطقة "أنطاليا". وفي الوقت، الذي كان فيه العديد من الإمارات الصغيرة، تنتعش على حساب تفتيت الوحدة الوطنية، كانت سياسة "تيمور" ترمي إلى الإيقاع بين أمراء بني عثمان على ميراث أبيهم، مما أدى نشوب الصراع، حتى في منطقة "الروملي". فافتتح بذلك عهد جديد في التاريخ العثماني، باسم "فصل السلطنة"، و"عهد الفترة" أي الفوضى، بدأ فيه صراع داخلي جديد، أدى خراب البلاد، من جهة؛ وخروج بعض الأماكن، التي افتتحت في "الروملي"، من حوزة العثمانيين، من جهة أخرى. وكان من أهم نتائج نكبة "أنقرة" تسببها في استمرار الإمبراطورية البيزنطية في العيش نصف قرن آخر. فكل المؤلفين الغربيين متفقون على هذه النقطة. يضاف إلى هذا الجمع كله، الهدم الذي حصل في الأناضول، والنكبات التي أصيبت بها، بعد ذلك اليوم الأسود. فقد تعرض العديد من المدن التركية العامرة، وعلى رأسها "بورصا"، للنهب والتخريب، وأصبحت بذلك خربة. ومدينة "إزنيق"، التي اتخذت، في وقت من الأوقات، عاصمة لسلاجقة الأناضول والبيزنطيين؛ نظراً لأهميتها وعمارتها ـ فقد هدمت في ذلك اليوم الأسود، ولم يمكن إعادتها إلى سابق عهدها فيما بعد. كما أن مدينة "بورصا"، التي تعرضت لحملة قوامها ثلاثون ألف شخص، تم فيها الاستيلاء على الخزينة العثمانية، واستخدم السيف في الأهالي، وأحرقت المدينة من أقصاها إلى أقصاها، وتحولت إلى رماد، بعد تدميرها. ويروى أن "محمد بك" و"علي بك"، المأسورين في "بورصا"، منذ القضاء على دولة "قره مان"، قد تم تخليصهما على أيدي قوات "تيمور". وزوجة "يلدرم بايزيد"، الأميرة الصربية المحبوبة، "أوليفرا"، في تلك الأثناء، أُسرت في "بورصا"، وتذكر إحدى الروايات أنها أسرت مع بنتيها، في "يني شهر"، وأخذت مع القوات الغازية.

ولما رأى الأمير الكبير، "سليمان جلبي"، انهزامهم في معركة "أنقرة"، هرب مع بعض قواته إلى "بورصا"، بأقصى سرعة، فأخذ أخته، الأميرة "فاطمة"، وأخاه الصغير، "قاسم جلبي"، الموجودين في "بورصا"، وتوجه بهما إلى "الروملي"، ولذلك فإنهما نجوَا من الوقع في يد العدو.

وهناك اختلاف في الروايات حول الخسائر العثمانية البشرية، في معركة "أنقرة"؛ وهذه الروايات تذكر أن العدد يراوح بين خمسة آلاف وخمسة وأربعين ألفاً. وهؤلاء لم يكونوا شهداء الأتراك فحسب؛ بل كان في الجيش العثماني صربيون، والعديد من الشعوب البلقانية، كما كان فيهم السوريون والعراقيون، القادمون ضمن قوات المساندة. ويعد تدمير "بورصا" فاجعة كبيرة، من حيث تاريخ الوطنية التركية. إذ إن الكثير من الوثائق التاريخية المهمة، التي كان من الممكن أن يتضح عهد العثمانيين الأول من خلالها ـ أصبحت رماداً.

كان "بايزيد الأول" قد جلس على كرسي السلطنة، في عام 791هـ/1389م؛ وبما أنه أسر في عام 804هـ/1402م، فقد حكم ثلاثة عشر عاماً. وبموجب أقوى الروايات، فإنه ولد في عام 761هـ/1360م؛ ولذلك فقد سقط وهو في الثانية والأربعين من العمر.