إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

عهد الفترة (الفوضى)

(الأمراء: "سليمان"، و"عيسى" و"موسى" و"محمد")

(804هـ/1402-816هـ/1413م)

 

804هـ/1402

بدء الفوضى في الدولة العثمانية

يمكن عدّ بدء عهد الفوضى، الذي يسمى في المصادر العثمانية المتأخرة "عهد الفترة"، أو فصل السلطنة، الذي بدأ مع انهزام "جبوق أوفا"، بجوار "أنقرة" من ليلة الجمعة 27 ذي الحجة 804هـ، الموافق لـ 28 يوليه 1402م. وكما ترك أسر "يلدرم بايزيد" الدولةَ العثمانية خالية من قائد يدير شؤونها، فكذلك كان هروب "سليمان جلبي" إلى "أدرنه"؛ و"محمد جلبي" إلى "آماسيا"، تمهيداً للصراع على السلطة، ومقدمة لتفتيت ما تبقى من الأراضي العثمانية بين الأمراء. وقد عدّ بعض المؤلفين العثمانيين المتأخرين، وكذلك بعض المؤلفين الغربيين، الأمير "سليمان"، الذي جلس في "أدرنة"، باسم "السلطان سليمان الأول"؛ وأخاه الأمير "موسى"، الذي حل محله، باسم "السلطان موسى" ـ سلطانين عثمانيين، وكأنه لم يقع عهد الفوضى بعد نكبة "أنقرة"، وهذا غير صحيح؛ لأنهما لم يوفقا في تأسيس حكمهما على كل الأراضي العثمانية، في "الروملي" والأناضول. ولهذا السبب، ليس من الخطأ عدُّ هذا العهد، الذي استمر إلى تقرير جلوس السلطان "محمد الأول" على الحكم، عهد الفترة. وتاريخ استقرار الحكم للأمير "محمد جلبي"، الذي قضى على الأمير "موسى جلبي"، بعد أن استخلفه الأمير "سليمان"؛ وتملكه لزمام الأمور في البلد كله أجمع، يصادف يوم الأربعاء، الخامس من ربيع الآخر 816هـ، الموافق للخامس من يوليه 1413م. وبناءً على ذلك، فقد مر على عهد الفترة، الذي بدأ من هزيمة "جبوق أوفا" في يوم الجمعة 27 ذي الحجة 804هـ، الموافق لـ 28 يوليه 1402م، وحتى يوم الأربعاء، الخامس من ربيع الآخر 816هـ، الموافق للخامس من يوليه 1413م، عشر سنوات وأحد عشر شهراً وثمانية أيام، حسب التقويم الميلادي، وهذا يعادل في التاريخ العثماني إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر تقريباً. ومن النقاط، التي ينبغي التنبيه إليها السنة الهجرية الجديدة، بعد معركة "أنقرة" بثلاثة أيام. لأن شهر ذي الحجة هو آخر الشهور في السنة الهجرية، ونشوب معركة "أنقرة" كان قبل انتهاء السنة، التي كان شهرها الأخير ثلاثين يوماً، بثلاثة أيام. ولهذا السبب، فإن أول أحداث عهد الفترة، التي ستذكر فيما يلي، كانت تصادف 805هـ/1402-1403م.

وكان أول عمل يقوم به "تيمور"، بعد أن انتصر في معركة "جبوق أوفا"، نهب كل أراضي الأناضول وسلبها وتدميرها، حتى لا تقوم لها قائمة. وكان "تيموجين"، الذي قضى على دولة "آلطن أوردو"، التي أحاطت بدولة روسيا من كل الجهات؛ بالحملات التي شنها عليها، في عام 793هـ/1391م وعام 797هـ/1395م ـ قد خلص بذلك النصرانية الروسية من أكبر خطر كان يهدد كيانها. وفي هذه المرة أيضاً، قدّم أكبر خدمة للنصرانية الغربية، ما زالت تقدرها له حتى اليوم، وذلك بتخليصها من الخطر العثماني. ويذكر أن "تيمورلنك"، الذي أقام علاقات سياسية مع مختلف الدول النصرانية، أرسل رسالة لـ"يؤانس السابع"، الذي يمثل عمه، "مانوئيل الثاني" على تخت الإمبراطورية البيزنطية، طالباً منه فيها دعوة عمه، "مانوئيل"، الموجود في أوروبا منذ عدة سنوات للعودة إلى بيزنطة، وأبلغه فيها أنه سوف يعيد إليه الأراضي البيزنطية، التي استولى عليها العثمانيون.

ومن النقاط الجديرة بالاهتمام، عدم وضع "تيمور" الأراضي، التي استولى عليها في الأناضول، تحت إدارته المباشرة. والعمل الذي قام به "تيمور" لم يكن فتحاً، وإنما كان استيلاءً دموياً مدمراً. وهذا المستولي المرعب، لم يعمل سوى تفتيت الوحدة التركية في الأناضول. وهذا التفتيت، وكما سيظهر فيما بعد، أدى إلى إحياء الإمارات القديمة، من جهة؛ وانقسام الأراضي العثمانية بين الأمراء العثمانيين، من جهة أخرى. وقد بقيت التبعية العثمانية والإمارات التركية لـ"تيمور" شكلية. وحتى هذه التبعية لم تستمر طويلاً. وعلى الرغم مما يصادف في المسكوكات الأولى، المضروبة في عهد "محمد جلبي"، والحاكم القرماني "محمد الثاني"، لاسم "تيمور"، علامة للتبعية، فإن الأمراء الآخرين لم يروا حاجة إلى هذا. وبناءً على هذا، فإن حملة "تيمور" على الأناضول، لم تثمر سوى إسالة الدماء في البلد وإبقائه في الفوضى والإرهاب. ولم يكن المكسب الوحيد لـ"تيمور" هو الحصول على الأموال من النهب والسلب، ولا سيما الاستيلاء على الخزينة العثمانية في "بورصا"، إذ إن هناك رواية تشير إلى أنها نقلت إلى "أدرنة"، على يد الأمير "سليمان جلبي"، الذي فر من معركة "أنقرة"؛ وقد أدى هذا الاستيلاء أيضاً إحياء الإمارات القديمة في الأناضول، من جهة؛ واسترداد المصريين الأراضي، التي فقدوها في "ملاطيا" والمنطقة المجاورة لها، من جهة ثانية؛ وتصغير حجم الأراضي العثمانية في الأناضول، من جهة ثالثة. وهذا أدى، بدوره، من حيث النتيجة النهائية، بقاء سناجق "آماسيا" و"جورم" و"توقاد"، التي فتحها "يلدرم بايزيد"، في هذه الأطراف، في حوزة العثمانيين.

وكما اتضح، فيما سبق، فقد أسر من أولاد "يلدرم بايزيد" الستة، مع والدهم، الأميران، "مصطفى" و"موسى" فقط. وكان أصغرهم، الأمير "قاسم جلبي" نقله أخوه الأكبر، الأمير "سليمان" إلى "الروملي". ولهذا السبب، فإن "مصطفى" و"موسى" و"قاسماً" لم يكونوا قد خرجوا إلى ساحة المعترك السياسي على السلطة، في عهد الفترة. وكان من هؤلاء الأمير "موسى"، لما تخلص من الأسر، بعد وفاة والده، خرج إلى الساحة. أما الأمير "مصطفى جلبي"، فقد خرج إلى المعترك في عهد الأمير "سلطان محمد" و"مراد الثاني"، ولُقِّب بـ"دوزمه جه" (أي المزوّر أو الموضوع). أما الأمير "قاسم جلبي"، الصغير، فقد وضعه تحت الرهن في بيزنطة، أخوه "سليمان جلبي"، وبقي فيها إلى وفاته؛ ولذلك، لم يكن له وجود في المعترك السياسي على الحكم. وبناءً على ذلك، فإن أولى شخصيات ذلك المعترك السياسي المفجع، هم "عيسى" و"سليمان" و"محمد جلبي". وبعد أن اشتد الصراع، خرج إلى الساحة "موسى جلبي" أيضاً.

 

805هـ/1402م

ثلاث حكومات عثمانية، تحت إدارة ثلاثة أمراء

كانت إحدى هذه الحكومات في "الروملي"، واثنتان في الأناضول. وكان على رأس الحكومة الموجودة في "أدرنة" بـ"الروملي"، الأمير "سليمان جلبي"؛ وعلى رأس الحكومتين الموجودتين في الأناضول، كان "محمد جلبي"، الذي كان على الإدارة الحكومية في "آماسيا"، و"عيسى جلبي"، الذي كان على رأس الإدارة الحاكمة في "بورصا" و"باليكسير". فالذين هربوا من كارثة "أنقرة"، هم أولئك. فكبيرهم، "سليمان جلبي"، ذهب إلى "بورصا" مع الوزير الأعظم، "علي باشا جاندارلي"، وآغا الإنكشارية، "سكبان باشي حسن آغا"، ومع بعض الأمراء، حيث أخذ أخاه الصغير، الأمير "قاسم جلبي"، وأخته، "فاطمة خاتون"، وبموجب إحدى الروايات، وزوجات أبيه، وانتقل إلى "أدرنة"، ورقي تخت السلطنة بصفته ولياً للعهد. أما الأمير "محمد جلبي"، فقد انسحب مع ربيبه، "بايزيد بك"، الذي أصبح، فيما بعد، وزيراً، إلى "آماسيا". ويروى أن "عيسى جلبي" توجه مع الغازي "تيمورطاش باشا"، أولاً، إلى سنجق "باليكسير"، الذي كان والياً عليه. غير أن هناك اختلافاً حول "عيسى جلبي" هذا. فبناءً على إحدى الروايات، اختفى هذا الأمير في "باليكسير"، حتى وقت مغادرة "تيمور" للأناضول. وبناءً على رواية أقوى منها، أن "تيمور" عينه والياً على "باليكسير"، ثم استولى على "بورصا"، وأعلن عن حكمه. وهناك بعض الروايات المتناقضة، التي تذكر أن "محمد جلبي"، الذي كان حاكماً على "آماسيا" و"توقاد"، كان تابعاً" في الفترة الأولى من الحكم" لأخيه الكبير، "سليمان جلبي"، الذي جلس على تخت الحكم في "أدرنة" حيث أرسل إليه بعض الرسل والهدايا مع رسالة، عرض له فيها تبعيته له. والحقيقة، أن الروايات الواردة في هذه المسائل، في المصادر، العثمانية والغربية والبيزنطية، متناقضة وغامضة للغاية.

نهب مدن "بورصا" و"إزنيق" و"إزميد" وتخريبها

بناءً على التحقيقات العلمية لبعض الغربيين، فإن روح الهدم والتدمير، التي انتابت "تيمور"، كانت قد اشتدت في هذه الحملة، التي شنها على الأناضول. وكانت أكثر المدن المتضررة في هذه الحملة هي مدينتا "بورصا" و"إزنيق". فقد نهبت "بورصا" أولاً، وأعمل السيف في أهلها. وحولت المساجد والمدارس، في هذه الحملة، إلى إسطبلات، ربطت فيها الخيول، وانتقلت القناديل الفضية السبعمائة، التي كانت تزين جامعها الكبير، إلى أيدي الناهبين السالبين، وأخيراً أحرقت المدينة على بكرة أبيها. ومدينة "إزنيق"، التي كانت أكثر مدن المنطقة عمارة وانتعاشاً، تعرضت للمصير نفسه، حيث يروى أنها، والمدن الساحلية الأخرى، تعرضت للنهب والسلب والحرق والتدمير، وأعمل السيف في الأهالي.

وتفيد الروايات أن ابني "علاء الدين علي بك"، الحاكم القرماني: "محمد" و"بنكي علي بك"، اللذين أرسلا إلى "بورصا"؛ للإقامة الجبرية فيها، بعد أسرهما في معركة "آقجاي"، التي خاضها "يلدرم بايزيد"، قد تم تخليصهما من الأسر، في حملة "تيمور" هذه، وأخذا إلى "تيمور". وكان "تيمورلنك"، الذي وسع أراضي دولة "قره مان" أكثر من قبل، قد "عين محمد بك"، أحد الأخوين المذكورين، حاكماً على "قره مان".

وهناك رواية حول أسر أسرة "يلدرم بايزيد"، في أثناء الاستيلاء على "بورصا". ومع ذلك، فقد أفادت رواية أخرى أسر "أوليفرا"، التي كانت أحب زوجاته إليه، في "يني شهر"، أو أنها أخذت مع الأمير "سليمان جلبي" إلى "أدرنة"، عند انتقاله إليها مع الخزينة العثمانية، التي كانت موجودة في "بورصا". غير أن الرواية، التي تشير إلى أسر "أوليفرا" هي أقوى من تلك. أما أسرة "مطهر تن"، التي أخذت إلى "بورصا"، في أثناء حملة "يلدرم بايزيد" على "أرزنجان"، فقد أشارت الروايات إلى أنها أخلي سبيلها، عند حملة "تيمور" على "بورصا" أيضاً.

إعادة الإمارات الأناضولية، التي تعرضت للاستيلاء العثماني، إلى أصحابها وأمرائها القدامى

وكان أهمها دولة "قره مان"، التي بقيت محصورة في منطقة "إيجل" وقد قضي عليها في معركة "آقجاي"، التي جرت في عام 800هـ/1397-1398م، حيث قضت تلك المعركة على وجودها العام تقريباً. وبناءً على تخليص أمراء "قره مان": "محمد" و"علي بك" من الأسر، فإن "محمد بك" عين حاكماً على "قره مان"، بأمر من "تيمور"، فنشأت دولة "قره مان" على أراضي أوسع من قبل، حيث منح أيضاً مدن "قيصري" و"قرشهر" و"إسبارطة" و"أغريدر" و"سفري حصار" و"بي بازاري" و"أنطاليا". ومن المؤكد أن "تيمورلنك" كان يرمي من تشكيل دولة "قره مان"، بهذه المكانة من القوة السياسية المهمة، على رأس الإمارات التركية، إلى منع ازدياد النفوذ العثماني، فيما بعد.

ومن الحكومات، التي أحياها "تيمور"، بعد توسيع نطاقها، إمارة "بني جاندار". فهذه الحكومة الصغيرة، التي بقيت محصورة في منطقة "سينوب"، بشرط الاعتراف بالحكم العثماني، في الفترة الأخيرة من عهد النفوذ العثماني ـ قد أعيدت إلى وضعها السابق، بعد إضافة منطقة "قسطموني" و"جانكري" إليها. وكان حاكمها، "إسفنديار بن جاندار"، قد دخل تحت تبعية "تيمور"، بعد أن قدم إليه العديد من الهدايا.

أما إمارة "منتشه" من تلك الإمارات، فقد مُنح "إلياس بك"، الذي ينتسب للأسرة نفسها حكمها؛ ومدينة "آيدين" لـ"موسى بك"؛ و"صاروخان" لـ"خضر شاه". وكما يتضح من الفقرة الآتية، فإن "إزمير الكافرة" ألحقت بإمارة "آيدين". وإحدى هذه الإمارات الساحلية، تشكلت على نطاق أصغر من عهدها السابق. وإمارة "تكه" هذه، التي أنشئت من جديد، منح "عثمان بك" حكمها، لكن من دون أن تكون "أنطاليا" من ملاحقها. وبموجب أقوى الروايات، فإن أمراء "تكه"، هم من أسرة "بني حميد".

وإضافة إلى تلك الإمارات الساحلية، فإن حكومة "بني كرميان"، التي كانت من أقوى الإمارات في الأناضول الوسطى، قد أوكلت إلى "يعقوب بك الثاني"، الذي سبق أن سجن بأمر من "يلدرم بايزيد"، وفر من قلعة "إبسالا"، متوجهاً إلى "تيمور" لاجئاً. وقد شارك "تيمور" في معركة "أنقرة".

أما "مطهر تن"، الذي كان محتمياً بـ"تيمور"، فإنه عاد أميراً على إمارة "أرزنجان"، التي تقع في شرق الأناضول، خارج الحدود العثمانية القديمة. كما أن الأمير الآقَّيونلي، "قره عثمان"، الذي اشتهر باسم "قره يولوك"، الذي كان يعمل في قوات الطليعة، في حملة "تيمور" على سورية والعراق والأناضول – قد اقتطع منطقة "ديار بكر"؛ مكافأة له على خدماته.

ومن الإمارات، التي استولى عليها "بايزيد الأول"، في حملته على الأناضول، عام 792هـ/1390م، ولم يتم إحياؤها من جديد ـ إمارة "بني حميد". وهذه الإمارة الصغيرة، التي كان قسم منها قد ألحق بالدولة العثمانية، في عهد "مراد الأول"، فإن أراضيها المتبقية، في منطقتي "إسبارطة" و"أغريدير"، ألحقت بدولة القره مان.

والإمارات التي أحياها "تيمورلنك"، هي الإمارات الأناضولية، التي سبق أن استولى عليها "يلدرم بايزيد". أما ما ألحق بالدولة العثمانية، قبل عهده، فلم تُحيَ من جديد، مثل إمارات: "قره سي"، و"أمورخان" و"كرده".

ويبدو أن كل تلك الإمارات الأناضولية، قد تم إحياؤها، بعد كارثة "أنقرة" مباشرة. فبناءً على وثيقة رومية معاصرة، فإن دخول "خضر شاه بك بن صاروخان"، إلى عاصمة بلاده، "مغنيسيا"، كان في السابع عشر من أغسطس 1402م. وهذا التاريخ يوافق يوم الخميس، السابع عشر من المحرم 805هـ. وهذا يعني أن "خضر شاه بك" دخل عاصمته، بعد عشرين يوماً من كارثة "أنقرة". وبناءً على هذا الوضع" فإن الأمراء الآخرين أيضاً" قد عادوا إلى بلادهم" قبل حلول فصل الشتاء.

وهناك اختلافات حول أسماء أولئك الأمراء. وقد اعتمد، هنا، على أقوى الروايات. وتلك الإمارات الأناضولية، التي أحييت من جديد، عاشت فترة من الوقت، مستفيدة من عهد الفترة.

استيلاء "تيمورلنك" على "إزمير"

استولى فرسان "رودس" على ميناء "إزمير"، عام 745هـ/1344م، من "بني آيدين". وبقيت بحوزتهم لثمانية وخمسين عاماً. ولذلك، أطلق عليها الأتراك اسم "إزمير الكافرة". وفي مقابل ذلك، أنشأ "بنو آيدين" "إزمير المسلمة" في الداخل قليلاً.

ومن المؤكد أن "تيمور" حاول إزالة الآثار السيئة، التي ظهرت على الرأي العام الإسلامي، إزاء الدمار، الذي خلفه بعمله الإجرامي الدموي، والجرم الذي ارتكبه ضد الدولة العثمانية، التي كانت أقوى قوة مدافعة عن الإسلام؛ فتقدم "تيمور" إلى الأناضول الغربية، من خلال "كوتاحيا"، وقرر فتح "إزمير الكافرة".

وبناءً على أقوى الروايات، فإن الحصار على "إزمير"، بدأ في يوم السبت، السادس من جمادى الأولى 805هـ، الموافق للثاني من ديسمبر 1402م. ويروى أن "تيمور"، وقبل أن يبدأ بالحرب، أرسل إلى رئيس فرسان "إزمير"، وقائد القلعة "فرير جيولومي دو مونت"، اقتراحاً، يدعوه فيه، مع زملائه، إلى الإسلام؛ وأنه بناءً على رفضهم القاطع لاقتراحه، بدأ بأعماله الحربية.

وحتى يتم التضييق على قلعة "إزمير" من البحر أيضاً، أقام "تيمور" مراسي، حاصرها من كل الأطراف. وبناءً على هذا الوضع، طلب فرسان "إزمير" المساعدة من مركزهم الرئيسي، وهو الحكومة الصليبية في "رودس"، والمملكة القبرصية. غير أنه في أثناء وصول المساعدات بالسفن، سقطت قلعة "إزمير". وأقوى الروايات، التي تتحدث عن فتح "إزمير"، تشير إلى أنه كان في يوم الخميس، الثاني من جمادى الآخرة 805هـ، الموافق للثامن والعشرين من ديسمبر 1402م. وروي أيضاً يوم السبت، الثالث عشر من جمادى الأولى 805هـ، الموافق للتاسع من ديسمبر 1402م. فإذا صحت الرواية الأولى، فهذا يعني أن الحصار استمر ستة وعشرين يوماً؛ وعلى الرواية الثانية سبعة أيام. ويشير بعض المصادر الغربية، أيضاً، إلى أنه استمر أسبوعين.

وبناءً على الهجوم العام، الذي نفذه جيش "تيمور"، فقد سقطت القلعة، وفر الفرسان بالسفن، تاركين الأهالي في وضعهم البائس، حيث بدأ الجيش الغازي بالنهب والقتل في المدينة، سبعة أيام. وقد ألحق "تيمور" مدينة "إزمير" بدولة "بني آيدين".

فهذه هي الحسنة الوحيدة، التي أسداها هذا العدو المرعب لتركية الأناضول، بعد أن ارتكب كل تلك الأعمال المدمرة. وبعد فتح "إزمير"، فرض الخراج على ميناء، "فوجه" وجزيرة "سقز"، اللذين كانا في حوزة الجنويين.

 

805هـ/1403م

وفاة "يلدرم بايزيد"

هناك اختلاف في تاريخ وفاة بطل "نيجبولي"، وأول بان للوحدة التركية الأناضولية في التاريخ العثماني. وإحدى الروايات تفيد أنه توفي في يوم الأربعاء، 13 شعبان 805هـ. وتذكر رواية أخرى، أن وفاته كانت في يوم الخميس، 14 من الشهر المذكور. وهذان التاريخان الهجريان يوافقان اليومين 8 و9 من مارس 1403م؛ إلا أن الثامن والتاسع من مارس تلك السنة، لم يكونا الأربعاء والخميس، بل كانا الخميس والجمعة. وبما أن الروايات تذكر أنه توفي ليلاً، فقد يكون الخطأ، الناشىء في اسم اليوم، متولداً من ذلك. فبسبب رواية الليل هذه، ينبغي التأليف بين اليومين المذكورين. أي أن "يلدرم بايزيد" توفي في مساء الخميس ليلة الجمعة، 13/14 شعبان 805هـ، الموافق لـ 8/9 مارس 1403م.

وبما أن "يلدرم بايزيد الأول" ولد، حسب أقوى الروايات، عام 761هـ/1360م، فإنه توفي وله من العمر ثلاثة وأربعون عاماً. وكانت مدة حكمه ثلاث عشرة سنة. وقد سقط من الحكم بسبب أسره، وكان عمره، آنذاك، اثنين وأربعين عاماً.

وبما أنه أسر في مساء الجمعة، 27 ذي الحجة 804هـ، الموافق لـ 28 يوليه 1402م، فهذا يعني أنه بقي في الأسر سبعة أشهر وأحد عشر يوماً.

ولا يعلم، بصورة قطعية، السبب الذي أدى إلى وفاته، وهو في سن الشباب. وهناك ثلاث روايات مختلفة، تشير إلى المرض والسم والانتحار. فالذين تحدثوا عن المرض، ذكروا أن "يلدرم بايزيد" توفي من ضيق التنفس، أو الخُناق، أو التهاب اللوزتين، أو السكتة، أو الحمى المحرقة. وأول هذه الأمراض وآخرها هي الأمراض نفسها. أما الرواية الثانية، فتذكر أن "يلدرم بايزيد" مات من أثر التسميم من طرف "تيمور". وأنه عاش يومين أو ثلاثة أيام، بعد أن سمم. وهذه الرواية، الموجودة في بعض المصادر العثمانية القديمة، لا أثر لها في المراجع الحديثة. أما من تحدثوا عن الانتحار، فقد ذكروا أنه تأثر بمقولة "تيمور" أنه يريد أخذه معه إلى "سمرقند"؛ ولذلك، شرب السم الموجود في خاتمه، أو أنه ضرب رأسه بقضبان حديد القفص المقفل عليه، أو أنه انتحر بوسيلة أخرى. ولكن القفص الحديدي، لم يكن سوى أسطورة. ولذلك، فإن الحديث عن قيامه بضرب رأسه بقضبان الحديد، غير صحيح. والحقيقة أن إثبات إحدى هذه الروايات الثلاث، بشكل قطعي، أمر غير ممكن. غير أنه يمكن القول إنه بالنظر إلى أن المصادر الحديثة، تتخذ من رواية المرض أساساً تعتمد عليه، فإن أقوى الاحتمالات أنه توفي على فراشه. وتبقى الرواية الثانية في الدرجة الثانية. أما رواية تسميم "تيمور" له، فتبقى بالنسبة إلى الروايتين الأخريين، الأكثر ضعفاً. ويبدو أن "يلدرم بايزيد"، سواء أمات من مرض أم منتحراً، فإن وفاته المبكرة، قد فسحت المجال أمام تداول تلك الروايات. ويكمن السبب الحقيقي لتلك الوفاة في حياة الأسْر، المريرة نفسها.

وتفيد إحدى الروايات، أن مرض "يلدرم بايزيد" استمر شهراً، وأن "تيمورلنك" كلف طبيبيه الخاصين: "جلال الدين العربي"، و"عز الدين مسعود شيرازي"، بمداواته؛ ومع ذلك، لم يكن شفاؤه ممكناً. ويروى أن "تيمور"، لما بلغه نبأ وفاة "يلدرم بايزيد"، بكى. فإذا صحت هذه الرواية، فهو بكى لأنه لم يستطع أخذ "بايزيد" معه إلى "سمرقند"، والتشهير به أمام الناس.

وقد توفي "يلدرم بايزيد" في "آقشهر". وتم تحنيط جسده، ووضع في ضريح الشيخ "محمود حيراني"، إلى حين نقله إلى قبره المخصوص، في "بورصا". وبأمر من "تيمور"، أقيمت له حفلة تأبين، خص بها الحكام. إلا أن الجيش التركي، الذي ساقه "بايزيد"، ونقله من انتصار إلى انتصار، لم يشترك في حفلة التأبين.

لم يتميز "يلدرم بايزيد"، بإرعابه للعالم، الشرقي والغربي، في ذلك العهد، ولا بكونه جندياً أكبر وأشجع من "تيمور الأعرج"؛ إذ إنه لما تسلم زمام أمور البلد، في ساحة معركة "كوسوفا"، التي استشهد فيها والده، لم يتصرف بأحاسيسه ومشاعره، جرياً وراء الانتقام، بل أبدى بصيرة سياسية كبيرة، ففتح قلوب الصربيين، قبل فتح بلادهم، فأجلس ابن الملك الصربي، المقتول في المعركة، "لازار كربليانوفيج"، على تخت والده، فأقام بذلك الدولة الصربية بعد أن هدمها. وكان سر الرابطة الروحانية، التي ربطت "يلدرم بايزيد"، بإخلاص جم، بـ"صربيا"، يظهر في هذه السياسية الإنسانية. وتوجيه الدعوة إليه من اليونان و"المورة" و"ألبانيا"، ونظر كل العناصر البلقانية المختلفة إليه، بأنه منقذهم ـ هي، في الحقيقة، انعكاس لتلك السياسة، التي تجلت بين حين وآخر. و"يلدرم بايزيد"، هو السلطان العثماني الأول، الذي وضع للوحدة التركية الوطنية، في الأناضول، إطاراً سياسياً ورسمياً. ومن المؤكد، أنه استفاد، في تحقيق هذا الإطار السياسي، من خلال التوجه العام، الذي وفرته له الشهرة، التي اكتسبها في غزواته، في "الروملي". وعلى سبيل المثال فإن دولة القاضي "برهان الدين"، التحقت من نفسها بالدولة العثمانية، وانعكس هذا التأثير على الإمارات الصغيرة الأخرى. وكان استيلاؤه على الأراضي التابعة للمماليك المصرية، في الأناضول، بعد ما تم الاتفاق على الدفاع المشترك، إزاء الأخطار المحدقة بهم، من "تيمور" ـ خطأ وقع فيه. إلا أن ثمة دافعاً، دفع به إلى الوقوع في ذلك الخطأ، وهو قيام المصريين بقتل "سلي بك" حاكم "دولقادر"، الذي اتضح ميله إلى العثمانيين.

ويمكن عدّ "يلدرم بايزيد" من أبرز شخصيات تاريخ الإدارة التركية، كما كان من أكبر شخصياتها في التاريخ، السياسي والعسكري. فمن المؤكد، أنه كان ذا بصيرة كبيرة بمفهوم الحق والعدل، فيما يخص إصلاحاته، الرامية إلى التكامل الإداري في الدولة. وأول الإصلاحات العدلية بالدولة العثمانية، جرت في عهده. وهناك حادثة مشهورة، تبرز مدى التزامه بالعدل، ورعايته وتقديره له، ولو على نفسه. وهذه الحادثة الموجودة في مختلف المصادر العثمانية، يشرحها "عثمان زاده طيب"، في كتابه "حديقة السلاطين"، على هذا النحو:

لما أدلى السلطان بشهادته أمام قاضي "بورصا"، مولانا "شمس الدين فناري"، على مادة كانت معلومة لديه، تردد القاضي في قبول شهادته، بحجة أن السلطان تاركٌ للجماعة، فبناءً على ذلك، بنى السلطان مسجداً أمام قصره، وداوم على أداء الصلوات الخمس فيه.

إن "يلدرم بايزيد"، اقتنع بمساواته مع غيره، أمام القضاء، ورضى بحكم القاضي، ولم يعترض عليه. وعلى الرغم من أنه أحد حكام القرون الوسطى، وكانت معاقبة القاضي سهلة، بالنسبة إلى حاكم مثله، وعدم معارضته، تدل دلالة واضحة على أنه كان متساوياً، أمام القضاء، مع مواطنيه.

كان "يلدرم بايزيد" جندياً، لم يعرف الهزيمة حتى كارثة "أنقرة"، وقد نقل جنده من انتصار إلى انتصار، ومن فوز إلى فوز. فقد انتصر في كل المعارك الكبيرة، التي خاضها ضد أعدائه، منذ جلوسه على أريكة الحكم، في التاسعة والعشرين من العمر، حتى أسره في الثانية والأربعين من عمره. والوقائع، التي يمكن أن تعدّ فشلاً في سلسلة الانتصارات، التي خاض غمارها، خلال ثلاث عشرة سنة، هي عدم الحصول على نتيجة في الحصار، الذي ضربه على "إستانبول"، وأيضاً اضطراره إلى التراجع أمام قوات القاضي "برهان الدين". إلا أن عدم فتح "إستانبول"، لا يمكن أن يعدّ انهزاماً، وكذلك انهزام قواته أمام القاضي "برهان الدين"، لا يمثل كل القوات العثمانية. يضاف إلى ذلك أن راوي هذه الرواية "الأسترابادي"، مؤرخ رسمي للقاضي "برهان الدين"، ووجود المبالغة فيها غير مستبعد تماماً. وانهزام "يلدرم بايزيد" في "جبوق أوفا"، لم يكن ناجماً عن أسباب عسكرية؛ وإنما كان نتيجة سياسية، بسبب خيانة جنود "قره تتار"، والإمارات الأناضولية، في المعركة. وفي الحقيقة، إن التفوق العسكري كان في جانب الجيش التركي؛ فعلى الرغم مما أصاب هذا الجيش، من تعب وعطش وغيرهما من المشكلات، التي تعرض لها، فإنه خاض غمار الحرب، من الصباح وحتى الظهر، وكانت الغلبة في جانب القوات العثمانية، التي كانت قوات الأعداء تفوقها أضعافاً مضاعفة، وأصبح العدو على وشك السقوط، لولا سلسلة الخيانات، التي بدأت بعد الظهر، فعكست النتيجة، وخسر الجيش التركي الحرب، بعد أن كسبها؛ ولا يمكن أكبر قائد في العالم إحراز النجاح في حرب من هذا القبيل، أمام هذا الوضع. ولهذا السبب، فإن شرف معركة "جبوق أوفا"، كان لـ"يلدرم بايزيد"، وثمرة الانتصار فقط كانت لـ"تيمور". وليس هناك من شك في أن "يلدرم بايزيد"، هو أكبر قائد لذلك العهد، على الرغم من بسالة "تيمورلنك".

وتشير المصادر العثمانية إلى أن وفاة "يلدرم بايزيد الأول" كانت في يوم الخميس، الخامس عشر من رجب 805هـ، الموافق للثامن من فبراير 1403م؛ أو كانت في يوم الخميس، الثالث عشر من شعبان، الموافق للثامن من مارس؛ أو كانت في يوم السبت، الخامس عشر من شعبان، الموافق للعاشر من مارس؛ أو كانت في يوم الأحد، السادس عشر من شعبان، الموافق للثامن من مارس؛ أو كانت في يوم الأحد، الخامس عشر من رمضان، الموافق للثامن من أبريل؛ أو كانت في يوم الأربعاء، السابع والعشرين من ذي الحجة، الموافق للثامن عشر من يوليه، إلا أن هذا الأخير غير صحيح؛ بل لقد ذكر أنها كانت في سنة 804هـ/1401-1402م. والحقيقة أن الصحيح، هنا، هو ما ذكر في بداية هذه الفقرة، بالاستناد إلى المصادر المعاصرة.

تبعية الإمبراطورية البيزنطية وسلطنة مصر لـ"تيمور"

قضى "تيمور" فصل الشتاء لعام 805هـ/1402-1403م، في الأناضول الغربية، ولا سيما في "تيره" و"سلجوق" و"بالاط". ويذكر أن مبعوثي مختلف الدول، الشرقية والغربية، جاؤوا إلى "تيمور". وكان أهمهم مبعوث الإمبراطور البيزنطي، "يؤانس السابع"، ومبعوث سلطان مصر وسورية المملوكي، "فرج". وبما أن الإمبراطور البيزنطي الأصل، "مانوئيل الثاني"، لم يكن قد عاد من أوروبا، فقد كان ابن أخيه، "يؤانس السابع"، يحكم بيزنطة أصالة عن نفسه، ووكالة عن عمه.

وبالدرجة التي أصبحت كارثة "جبوق أوفا" ضربة، هزت كيان الدولة العثمانية، فإنها كذلك كانت حادثة خلاص للإمبراطورية البيزنطية. وقد أرسل الإمبراطور، الموجود في "إستانبول"، "يؤانس السابع"، وفداً إلى "تيمور"، على وجه السرعة، بغية استغلال هذه الفرصة المواتية، فعرض عليه تبعيته، وأبلغه أنه سوف يدفع الخراج، الذي كان يدفعه إلى الدولة العثمانية، إليه، بعد ذلك. وبما أن "تيمور"، بناءً على هذا الاقتراح، سوف ينتقل بجيوشه إلى أوروبا، وأمر بإعداد الأسطول، فقد خاف "يؤانس السابع" من الوقوع في يد "تيمور"، بعد أن تخلص من يد "يلدرم بايزيد"، فوقع في الارتباك كما تذكر الرواية. بل تفيد الروايات، أن الإمبراطور البيزنطي، بناءً على هذا الوضع، أرسل وفوداً إلى مقام البابوية، وإلى مجلس "البندقية"، يطلب منهم الاستعداد لنجدته، إزاء هذا الخطر الجديد. إلا أن "تيمور"، الذي لم يرغب في قطع البحر، وقطع علاقته بآسيا، ونظراً لتخوفه من بعض المشكلات، بدل رأيه في حملته على أوروبا، ورجح الحملة على الصين، في الشرق الأقصى، على الحملة إلى أوروبا؛ بل إن اتفاقه مع سلطان سورية ومصر، "فرج"، يمكن تعليله بخطته الرامية إلى الحملة على الصين. فقد اقترح "تيمور" على مصر، بعد معركة "أنقرة"، الدخول في تبعيته. وبناءً على ذلك، فقد اضطر السلطان "فرج" إلى إرسال وفد إلى "تيمور"، يعلن فيه الدخول في تبعيته. غير أن الحاكم العراقي، "سلطان أحمد" وحاكم "آذربيجان" "القرقوينلي" "قره يوسف"، اللذين سبق أن التجآ إلى "يلدرم بايزيد"، وكان لجوؤهما من أهم أسباب نشوب معركة "أنقرة"، ثم التجآ إلى سلطان مصر، قبيل نشوب معركة "أنقرة"، ـ أبقيا قيد الاعتقال في السجن، على الرغم من طلب "تيمور" تسليمهما إليه. وفي أثناء نشوب تلك المعارك، التي نتج منها دخول السلطنة المملوكية تحت تبعية "تيمور"، أرسل السلطان "فرج" إلى "تيمور" زرافة حبشية. وبالمقابل أهدى إليه "تيمور" فيلاً هندياً. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح اسم "تيمورلنك" يذكر على المنابر، في الخطب، في جوامع مصر وسورية.

تبعية الأمراء العثمانيين لـ"تيمور"

قدم الشيخ "رمضان"، ممثلاً للأمير "سليمان جلبي"، الذي أعلن حكمه في "أدرنة"؛ و"قطب الدين"، نائباً عن الأمير "عيسى جلبي"، الذي كان يحكم "باليكسير" و"بورصا"؛ و"الصوفي بايزيد" عن الأمير "محمد جلبي"، الذي كان يحكم "آماسيا"، قدم هؤلاء الثلاثة إلى "تيمور"، يعرضون عليه تبعية الأمراء العثمانيين الثلاثة له. ويذكر أن "تيمور" اتبع سياسة محنكة مع الممثلين الثلاثة، وأعادهم بعد الاستفسار عن أسئلتهم بلباقة، من شأنها الإيقاع بين الأمراء العثمانيين. فبناءً على هذه الرواية، نصح "تيمور" كل أمير من الأمراء الثلاثة، بادعاء السلطنة، بصفته الوارث الوحيد. وهناك روايات مختلفة حول إرسال "تيمور" إلى كل واحد منهم وثيقة الإمارة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمير "محمد جلبي" هو الوحيد، الذي صرح باسم "تيمور" بنحو "دمير خان كوركان" في المسكوكات، التي ضربها في عام 806هـ/1403-1404م. أما مسكوكات الآخرين، فليس عليها اسم متبوعهم. وكما سيتضح في الفقرة الآتية، فقد أعطى "تيمور" وثيقة بالإمارة للأمير "موسى جلبي"، الذي كان مع والده في الأسر، بعد أن أخلى سبيله، مع تسليمه نعش والده، "يلدرم بايزيد". وكان ظهور هذا الأمير الرابع في ساحة المعترك السياسي، إيذاناً بفتح باب الصراع الشديد على السلطة، بين أبناء "بايزيد الأول".

وصول الأمير "موسى جلبي"، الذي أخلي سبيله، من "آقشهر" إلى "كوتاحيا"؛ بغية نقل نعش والده إلى "بورصا"

يمكن تقسيم الروايات الواردة في هذه المسألة إلى قسمين:

الأول: حينما أراد "تيمور"، بموجب بعض المصادر، مغادرة أراضي الأناضول، أودع الأمير "موسى جلبي" مع نعش والده، "يلدرم بايزيد" لدى أمير "كرميان"، "يعقوب الثاني" (أي سلمهما لأمير "كرميان").

الثاني: تفيد بعض المصادر أيضاً، أنه كلف الأمير "موسى جلبي"، الذي أخلي سبيله، بنقل نعش والده، مع الأمير "يعقوب بك"، وأنه قدم له (أي للأمير "موسى") العديد من الهدايا القيمة والخيول، مع توجيه إمارة "بورصا" إليه.

يبدو أن الرواية الثانية أقوى من الأولى؛ إذ إن "تيمور" كان يرمي من وراء ذلك إلى إضافة عامل آخر إلى ذلك الصراع، لتشتد الفوضى بين العثمانيين. ومع هذا، فإن الرواية الأولى، أشارت إلى أن "تيمور" اكتفى بإيداع النعش والأمير العثماني لدى الأمير الكرمياني، "يعقوب الثاني"، الذي أرسل الجنازة، بعد مدة من الوقت، مع الأمير "موسى جلبي"، إلى "بورصا"، بناءً على طلب "محمد جلبي"، الذي قدم من "آماسيا"، واستولى على "بورصا"، التي كانت تحت إدارة "عيسى جلبي".

والحقيقة أن النقطة المؤكدة في تلك الروايات المختلفة، وصول الأمير "موسى جلبي"، مع نعش والده، إلى "كوتاحيا"، ومكوثه فيها فترة من الوقت.

مغادرة "تيمورلنك" للأناضول

غادر "تيمورلنك" الأناضول، في شهر شوال، الموافق لشهر مارس. وبما أن آخر مرة قدم فيها "تيمور" إلى الأناضول، كانت في ذي القعدة 804هـ، الموافق ليونيه 1402م، فهذا يعني أنه مكث في الأناضول عشرة أشهر، وذلك حتى شهر شوال 805هـ، الموافق لشهر يونيه 1403م. وهذه الشهور العشرة، كانت من أكبر النكبات، التي أصابت تاريخ المدنية التركية، في الأناضول. فإضافة إلى أن "تيمور" قد أخذ معه ما يمكن نقله من الثروة التركية في الأناضول، بعد أن استولى عليها بالسلب والنهب، فإنه دمر أيضاً الثروة، التي لا يمكن نقلها. والحقيقة أن أقوى شيء جذب "تيمور" إلى الأناضول، الثروة الكبيرة، التي تراكمت فيها، من فتوحات البلقان. ولا شك أن هذا لم يكن فتحاً، بل كان استيلاءً من أجل السلب والنهب؛ بل إن المستولي لم يهتم بمستقبل هذه البلاد، ولا بإبقائها تحت إدارته. وعلى سبيل المثال، فإن "تيمور"، لما عاد من حملته على سورية، في أثناء هذه الحملة الكبيرة على الأناضول، التي تركها في سيل من الدماء، قام المماليك المصريون باسترداد تلك الأماكن. ومغادرته لأراضي الأناضول، كانت تعني ترك مقدرات هذه البلاد على حالها، بعد أن تركها في حالة من الفوضى والدمار. والحقيقة أن "تيمور" لم يكن يفكر إلا في ما يقوم بهدمه وتدميره، وسلب ما يريد الحصول عليه وتحصيله.

عودة الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني" من رحلته الأوروبية

كما اتضح في الفقرة الأولى من أحداث عام 802هـ/1399م، فإن الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، وبتشجيع من القائد الفرنسي، "بوكاكويه"، وبمعيته ـ تحرك من "إستانبول"، في يوم الأربعاء، العاشر من شهر ربيع الآخر، الموافق للعاشر من ديسمبر من تلك السنة، إلى أوروبا، بسفن البنادقة، بغية الحصول على مساعدات، تمكنه من الوقوف ضد الأتراك. وعلى الرغم من أنه وصل إلى فرنسا وإنجلترا، فإنه لم يحصل إلا على بعض الوعود. وأثناء ضيافة الإمبراطور لدى الملك الفرنسي، "شارل السادس"، في باريس، في عام 805هـ/1402م، سمع بنبأ أسر "يلدرم بايزيد" في معركة "أنقرة"؛ ويذكر أن هذا الخبر وصل إلى باريس، بعد ثلاثة أشهر من المعركة، أي في ديسمبر. وهذا النبأ الذي أغرق الأوروبيين، على العموم، في فرح غامر، كان من الطبيعي أن يكون سرور "مانوئيل الثاني" به أكثر من غيره. ولذلك، فقد قرر العودة، على الفور؛ لأن الإمبراطورية البيزنطية لم تبق في حاجة إلى المساعدات الأوروبية. فغادر باريس في يوم الثلاثاء، الحادي والعشرين من نوفمبر 1402م. ويذكر أن الملك الفرنسي، إضافة إلى مصاريف الطريق، أهدى الإمبراطور "مانوئيل الثاني" العديد من الهدايا، ومفرزة عسكرية مرافقة له، قوامها مائتا شخص. وقد ذهب "مانوئيل الثاني" إلى مدن: "جنوى" و"فلورنسا" و"البندقية"؛ بالبر، وأخذ ثلاث سفن من الجنويين، وأربعاً من البنادقة، وتابع سيره، بعد ذلك، بالبحر، ماراً بـ"المورة"، حيث أخذ أسرته، التي تركها لدى أميرها، أخيه، "ثيودورس الأول" متجهاً إلى "إستانبول". وفي أثناء وجود "مانوئيل الثاني" في عاصمة "المورة"، مدينة "إسبارطة"، وصل إليه وفد رسمي، من الأمير العثماني "سليمان جلبي"، الذي كان يحكم "أدرنة"، ووضعت أسس اتفاقية بين الطرفين.

علم "مانوئيل الثاني" بوفاة "يلدرم بايزيد" ومغادرة "تيمور" للأناضول، بعد وصوله إلى "إستانبول". وكانت عودته إلى عاصمة بلاده في فصل الربيع من عام 1403م. وبناءً على ذلك، فإن رحلة "مانوئيل الثاني" إلى أوروبا استغرقت ثلاث سنوات ونصفاً. وكان أول عمل قام به، بعد وصوله إلى "إستانبول" طرد الأتراك، الذين أقاموا فيها، في عهد "يلدرم بايزيد"؛ وهدم المحكمة والمسجد؛ ورفع كل الامتيازات الممنوحة للأتراك، وبدأ، على الفور، باتباع سياسة، من شأنها ضرب الأمراء العثمانيين بعضهم ببعض. وهناك رواية أخرى، تفيد أن الامتيازات التركية، قد رفعها "يؤانس السابع"، قبل وصول عمه، "مانوئيل الثاني"، بعد كارثة "أنقرة".

نجاحات الأمير "محمد جلبي"، واسترداد "سيواس"

منح "تيمورلنك" بعض الأمراء التركمان، الموجودين في الأناضول، والذين كانوا إقطاعيين، وثائق بإماراتهم؛ وذلك حتى يشعل فتيل الفوضى والصراع في الأناضول. وكان من أهم هؤلاء الأمراء التركمان، "قره دولت شاه"، و"ابن قوباد"، و"ابن إينال"، و"ابن كوزلر"، و"مزيد بك". وتفيد المصادر العثمانية، أن حاكم "آماسيا"، الأمير "محمد جلبي"، نكّل بهم جميعاً، في السنة، التي أعقبت كارثة "أنقرة". والحقيقة أن هذه الرواية، التي تشير إلى التنكيل بهم جميعاً، في فترة قصيرة، ينبغي أن تؤخذ باحتياط؛ نظراً إلى وجود الآلاف من التركمان في معية كل واحد منهم. وقد تولى من هؤلاء "ابن قوباد" من أمراء "جانيك" على "نيكسار"؛ و"ابن إينال" على منطقة "توقاد"؛ و"ابن كوزلر" على منطقة شرقي "قره حصار". وكان أهم أولئك الأمراء الأمير "مزيد". ويبدو أن هذا الأمير التركماني، الذي روي أنه حصل على وثيقة بالإمارة من "تيمور"، أصبح حاكماً على "سيواس"، بعد معركة "أنقرة". وعمل على توسيع رقعة حكومته. وبناءً على شاهد قبر، في "توقاد"، فإن "مزيد بك"، هو ابن رجل، يسمى "حاجي بك جلبي". ونظراً إلى وجود هذا القبر في ضريح "ربيعة خاتون"، ابنة القاضي "برهان الدين"، وبجانب قبرها، فإنه يحتمل أن يكون نسيباً للقاضي "برهان الدين". وقد توفي "مزيد بك"، الذي أعجب حتى الأمير "محمد جلبي" بشجاعته وبسالته، في رمضان 836هـ، الموافق لشهر أبريل أو مايو 1433م. ويبدو أنه كان يريد استمرار دولة حميه. غير أن الأمير "محمد جلبي" ساق عليه من أمرائه "بايزيد بك، فاستولى العثمانيون على القلعة، فانسحب "مزيد بك" إلى الجامع الكبير، مستمراً في دفاعه، ثم صعد إلى المئذنة، واستمر في دفاعه. غير أن المئذنة، لما شب فيها الحريق، اضطر إلى الاستسلام. وبهذه الصورة، لما تم استرداد "سيواس"، أرسل "مزيد بك" إلى "آماسيا"، فعفى عنه، بناءً على شجاعته؛ بل إنه دخل في خدمة العثمانيين، وعين والياً على "سيواس"، وقام بتجديدها وترميمها، نظراً إلى هدم "تيمور" لها.

والحقيقة أن الرواية، التي تقول باسترداد "سيواس" في هذا التاريخ، ينبغي قبولها بشيء من الحذر؛ بل إنه، بموجب رواية "حسام الدين أفندي"، مؤلف كتاب "تاريخ "آماسيا"، فإن إمارة "مزيد بك" على "سيواس"، استمرت حتى عام 810هـ/1407م.

الصراع بين الأمير "عيسى جلبي" والأمير "موسى جلبي"

يروى أن "عيسى جلبي"، الذي نجا من كارثة "أنقرة"، أنشأ حكومة في منطقتي "باليكسير" و"بورصا". وقبل مغادرة "تيمورلنك" للأناضول، أرسل "موسى جلبي"، الذي وهب له حريته، مع نعش والده، إلى "كوتاحيا"؛ وبناءً على رواية قوية، وجّه إليه حكومة "بورصا". فهذا "موسى جلبي"، الذي خرج إلى المعترك السياسي على هذه الصورة، ظهر في الساحة، في عهد الفترة، عاملاً رابعاً في الصراع، بعد الأمراء "سليمان جلبي" و"عيسى" و"محمد جلبي".

والروايات التي تتحدث عن صراعات الأمراء، في هذه الفترة، وعن تواريخ تلك الصراعات، غامضة ومختلطة. وعلى الرغم من الاعتماد، هنا، على أقوى الروايات، ينبغي قبولها بحذر واحتياط. والمصادر العثمانية والبيزنطية، التي تتحدث عن الأحداث الأولى من عهد الفترة، متناقضة تماماً.

وبناءً على رواية قوية، فإن الأمير، "موسى جلبي"، الذي تخلص من الأسر، شارك في العديد من المعارك مع أخيه "عيسى جلبي"، في منطقة "قره سي"؛ بغية الاستيلاء على حكومة "بورصا". وأحرز النجاح، في نهاية الأمر، وجلس على رأس حكومة "بورصا". وعلى الرغم من وجود رواية تفيد أن "عيسى" قتل في إحدى هذه المعارك، فإنه ينبغي ألا تكون تلك الرواية صحيحة. لأن "عيسى جلبي"، سيبرز في مختلف الأدوار، بعد تلك المعارك. وهناك العديد من الروايات القوية، التي تشير إلى صراعه مع "محمد جلبي". وتتجلى الروايات، التي تتحدث عن مصير "عيسى جلبي"، بثلاث صور مختلفة. فبناءً على إحدى الروايات، فإن "موسى جلبي"، هو الذي قضى على "عيسى جلبي". وبناءً على رواية أخرى، فإن "محمد جلبي"، هو الذي قضى عليه. وبناءً على رواية ثالثة، فإن "سليمان جلبي"، الذي انتقل بالسفن البيزنطية، هو الذي قضى على "عيسى جلبي". وهذا يعني، في النتيجة، أن "عيسى جلبي" لا يُعلم إن كان قد قُتل على يد "موسى جلبي"، أو "محمد جلبي"، أو "سليمان جلبي"، بشكل قاطع. إلا أنه، بموجب أقوى الروايات، يتضح أن "عيسى جلبي" لم يقتل في المعارك، التي جرت بينه وبين أخيه، "موسى جلبي"، بل عاش بعدها فترة من الوقت.

وإذا كان نبأ انقلاب "موسى جلبي" على "عيسى جلبي" وجلوسه على أريكة الحكم في "بورصا"، في هذا التاريخ ـ صحيحاً، فينبغي أن يكون هذا متفقاً مع أخيه، الحاكم على "آماسيا"؛ لأنه يظهر بشكل واضح مدى الاتفاق بين "موسى جلبي" وأخيه، "محمد جلبي" إلى حين تمكن "موسى جلبي" من الانقلاب على أخيه، "سليمان جلبي"؛ بل إنه كان يتحرك باسم أخيه، "محمد جلبي". وبناءً على ذلك، يبدو أن إمارة "موسى" على "بورصا" استغرقت فترة قصيرة؛ لأنه يوجد تاريخ 806هـ/1403-1404م، على مسكوكة لـ"محمد جلبي"، ضربها باسم "تيمور" في "بورصا". وهذا يعني أن "محمد جلبي" كان حاكماً، في تلك الفترة، على "بورصا" بالتأكيد. ويتفق العديد من المصادر على أن "محمد جلبي"، استولى على "بورصا" من "عيسى جلبي"، لا من "موسى جلبي". وبناءً على هذا الوضع، فإن "عيسى جلبي" قد استرد "بورصا" من "عيسى جلبي"، الذي حكمها فترة قصيرة. وبناءً على ذلك، ينبغي أن يكون "محمد جلبي"، الذي ظهر أنه كان متفقاً مع "موسى جلبي"، شنّ الحملة على "عيسى جلبي"، واستولى على "بورصا" منه.

زواج "محمد جلبي" ابن "بايزيد الأول" و"أمينة خاتون"، ابنة "دولقادر"

يذكر أن حاكم "آماسيا"، "محمد جلبي" تزوج، في هذه السنة من "أمينة خاتون" ابنة "سلي بك بن دولقادر". وبناءً على أقوى الروايات، فإن "محمد جلبي"، الذي ولد في عام 791هـ/1389م، ينبغي أن يكون، في هذه الأثناء، في الرابعة عشرة من عمره. ولذلك، فإذا كان تاريخ هذا الزواج صحيحاً، يكون قد تزوج في سن مبكرة جداً. ويروى أن والد السلطان "محمد الفاتح"، "مراد الثاني"، ولد من هذا الزواج.

اتفاق "سليمان جلبي" مع الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، وتخليه عن بعض الأراضي في "الروملي" للبيزنطيين

شعر الأمير "سليمان جلبي"، الذي أعلن حكمه في "أدرنة"، بضرورة الاتفاق مع البيزنطيين، حتى يشمل حكمه الأناضول أيضاً. ولهذا السبب، فقد أرسل وفداً إلى "مانوئيل الثاني"، لما كان في "المورة"، تمهدياً للموضوع. ويبدو أن هذا الاتفاق، الذي بدأت مذاكراته في "المورة"، أبرم في "إستانبول". لأنه يذكر أن معاهدة الاتفاق الثنائي بين الطرفين، قد عقدت في "إستانبول".

وكانت أسس هذه المعاهدة ثقيلة على الأتراك؛ فعلى الرغم من أن كارثة "أنقرة" فتتت وحدة الأراضي العثمانية في الأناضول، فإن الصراع على السلطة، الذي كان نتيجة لتلك الكارثة، قد أدى ضياع مواقع مهمة في "الروملي" أيضاً. فإلى جانب قيام الأمير "سليمان" بإعادة الأراضي، التي تم الاستيلاء عليها، في الفترة الأخيرة من عهد والده، والتي كانت بجوار "سلفري" و"أرغلي" إلى البيزنطيين؛ بغية تأمين عقد هذا الاتفاق، فإنه اضطر أيضاً إلى التخلي عن "سلانيك" و"تساليا"، اللتين فتحتا في اليونان و"المورة"؛ وبناءً على رواية، فإنه تخلى أيضاً عن "قرتال" و"بنديك"، في جهة الأناضول أيضاً. ويذكر أن البيزنطيين استولوا على هذه الأماكن، على الفور. وقد عين في إمارة "سلانيك" ابن أخي "مانوئيل الثاني" وشريكه في الحكم، "يؤانس السابع". ويضاف إلى كل تلك التضحيات من "سليمان جلبي"، أنه تأميناً من جانبه بمراعاة أحكام المعاهدة، قَبِل بترك أخيه الصغير، "قاسم جلبي" وأخته، "فاطمة خاتون"، اللذين نقلهما معه، أثناء انتقاله من "بورصا" إلى "الروملي"، رهينتين لدى الإمبراطور البيزنطي. وبقي الأمير "قاسم جلبي" في قصر بيزنطة حتى وفاته بالوباء، عام 820هـ/1417م. وبناءً على الرواية الواردة في هذا الصدد، فإنه دفن في جامع "إمراهور"، الذي كان كنيسة في ذلك العهد.

والحقيقة أن الأراضي، التي ضيعتها الدولة العثمانية في "الروملي"، لم تكن تلك الأراضي فقط؛ فقد تركت الأراضي المفتتحة في "ألبانيا" للبنادقة، وبعض الأمراء المحليين. كما منحت جمهورية "البندقية" بعض الامتيازات التجارية.

ويذكر أن "سليمان جلبي" تزوج من ابنة "تيودورس الأول"، أخي الإمبراطور "مانوئيل الثاني"، وأمير "المورة"، حتى يتم توثيق ذلك الاتفاق بعرى وثيقة. وهذا يعني أن "سليمان جلبي" أسس بتلك الصورة صلة قرابة مع أسرة "بالأولوغوس".

 

806هـ/1403-1404م

استيلاء حاكم "آماسيا"، "محمد جلبي" على منطقتي "بورصا" و"باليكسير"

يبدو أن "محمد جلبي"، الذي نكل بأمراء التركمان، الذين حاولوا تأسيس إمارات في مختلف مناطق الأناضول الوسطى، واستولى على "سيواس"، وثبت من ركائز حكمه ـ عمل على السيطرة على الأناضول. وهذا الأمير، الذي تميز عن غيره بالقضاء على عهد الفوضى، وأصبح السلطان العثماني الوحيد، بعد عهد الفترة، قام بأول حركة له في صراعه على الحكم، بالحملة على أخيه، "عيسى جلبي"، الذي كان يحكم "بورصا".

ولقد قاد جيوش "محمد جلبي"، الذي كان، في فترة صراع الإخوة على السلطة، في الخامسة عشرة من العمر، "يعقوب بن فيروز بك"، الذي اشتهر في معركة "أنقرة" ببسالته، وقاد جيوش "عيسى جلبي" "الغازي تيمورطاش باشا".

ويذكر أن "محمد جلبي" حقق انتصارين: أولهما، في "أرمني بلي"، وثانيهما، في منطقة "أولوباد"، واستولى على "إزنيق" و"بورصا" و"باليكسير". وبناءً على مسكوكات هذا الأمير، المضروبة في "بورصا"، عام 806هـ/1403-1404م، فإن تلك الرواية صحيحة.

ولقد قتل "الغازي تيمورطاش باشا"، الذي كان قائد الجيش، على أيدي أفراد جيشه، بناءً على انهزام "عيسى جلبي" في "أولوباد". وأرسل الأمير "محمد جلبي" رأسه المقطوع إلى الأمير الكبير "سليمان جلبي"، الذي كان يحكم في "أدرنة". ولذلك، فإن هذا القائد دفن في "الروملي"، وفي الأناضول، فخصص جسمه بقبر في "بورصا"، ورأسه بقبر آخر في "فيزه" (بالروملي). وهناك اثنان باسم "تيمورطاش باشا". أحدهما كان عبداً لـ"علي باشا جاندارلي"، وقتل في معركة "أولوباد" هذه، وكنيته "معين الدين تيمورطاش ابن عبد الله"، الذي يسمى "الغازي صاري تيمورطاش باشا". والثاني هو "قره تيمورطاش باشا"، ابن "آيكود آلب بن قره علي"، الذي كان أمير أمراء الأناضول، في عهد "يلدرم بايزيد". والأول مهتدٍ إلى الإسلام. والثاني تركي. وهناك قبران للاثنين في "بورصا". وأشهرهما "قره تيمورطاش باشا". ويقع الخلط بينهما في كثير من الأحيان.

وكانت "أرمني بلي"، التي شهدت أولى المعركتين، اللتين انتصر فيهما "محمد جلبي"، هي الموقع، الذي جرت فيه أحداث أول حركة عسكرية لعثمان غازي ضد أمير "إينه كول"، في عام 683هـ/1284م. وعلى الرغم من وجود روايات حول المعركتين المذكورتين، بأنهما كانتا في عام 805هـ/1403م وعام 807هـ/1404-1405م؛ وبالنظر إلى مسكوكات "محمد جلبي"، التي ضربت في "بورصا"، في عام 806هـ/1403-1404م، فإن تلك الروايات غير صحيحة.

دفن الجندي التركي الكبير، "يلدرم بايزيد" في قبره، في "بورصا"

لما تمكن "محمد جلبي" من استلام زمام الأمور في "بورصا"، طلب، كأول عمل له، نعش والده، الذي كان يحتفظ به في "كوتاحيا"، من الحاكم الكرمياني، "يعقوب بك". فقبل "يعقوب بك" هذا الطلب، على الفور، وأرسل نعشه إلى "بورصا"، حتى وصل إلى مثواه الأخير، بعد أن انتقل إليها من "آقشهر" و"كوتاحيا". ودفن في القبر المخصص له. ولقد استقبلت الجنازة من خارج المدينة، وأقيم بمناسبتها حفلة كبيرة.

وهناك رواية تشير إلى أن الأمير "موسى جلبي"، قد وصل إلى "بورصا"، لأول مرة، مع جنازة والده؛ وأنه رافق الجنازة من لدن الحاكم الكرمياني، بناءً على طلب الأمير "محمد جلبي". وهناك رواية تفيد بأن دفن جنازة "يلدرم بايزيد" في "بورصا"، كان في عام 805هـ/1403م؛ ولكنها غير صحيحة.

ميلاد الأمير "مراد"، ابن الأمير "محمد جلبي"

هذا الأمير، الذي رقي العرش العثماني، فيما بعد، باسم "مراد الثاني" هو والد السلطان "محمد الفاتح". ويذكر أن والدته هي "أمينة خاتون"، ابنة "سلي بك" حاكم "دولقادر. ويبدو أن تاريخ الميلاد هذا، ينبغي قبوله باحتياط.

 

807هـ/1404م

هجوم "عيسى جلبي" على "محمد جلبي"

بناءً على هزيمة "أولوباد"، ذهب "عيسى جلبي" إلى "أدرنة"، من خلال "إستانبول"، والتجأ إلى أخيه الكبير، "سليمان جلبي".

ويبدو أن "سليمان جلبي" سلط أخاه، "عيسى جلبي" على أخيه، "محمد جلبي"؛ بغية السيطرة على الأناضول، بعد أن تمكن من السيطرة على "الروملي"؛ وذلك لجمع الدولة العثمانية تحت رايته. لأن سيطرة "محمد جلبي" على "بورصا" و"باليكسير" بعد أن أصبح حاكماً على "آماسيا" و"توقاد" و"سيواس" ـ كانت تعني أنه يريد منافسته في كل الأراضي العثمانية في الأناضول. ولهذا السبب، أرسل "سليمان جلبي" أخاه، "عيسى جلبي"، إلى الأناضول، بعد أن حماه ووضع قوات في معيته. وهذا الوضع كان يلائم سياسة بيزنطة، التي تريد الحفاظ على كيانها، من خلال تقتيل الأمراء العثمانيين بعضهم بعضاً.

ولكن "عيسى جلبي"، لم يوفق في هذه المعركة الثالثة أيضاً، ضد أخيه، "محمد جلبي"، فانهزم جنده، واضطر هو إلى اللجوء إلى حاكم "قسطموني"، "إسفنديار بك".

ويذكر أن "عيسى جلبي"، وعلى الرغم من دعم "إسفنديار بك" له، انهزم أمام أخيه، "محمد جلبي"، وللمرة الرابعة، وتوجه إلى "إزمير" لاجئاً.