إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

807هـ/1405م

وفاة "تيمورلنك"

توفي "تيمورلنك" في يوم الأربعاء، السابع عشر من شعبان 807هـ، الموافق للثامن عشر من فبراير 1405م. والروايات مختلفة حول وفاته، بالليل أو قبيل الفجر. وتشير بعض المصادر الغربية إلى أنه توفي في 19 يناير، أو 19 مارس، أو في الأول من أبريل؛ إلا أن تلك الروايات غير صحيحة. ويبدو أن هذا الخطأ، نبع من القيام بتحويل التاريخ الهجري إلى التاريخ الميلادي.

وبموجب أقوى الروايات، فإن "تيمور" ولد في يوم الأربعاء، 27 شعبان 736هـ، الموافق للعاشر من أبريل 1336م، في بلدة "كش" أو "شهر سبز"، التابعة لـ"بخارى". وهذا يعني أنه عاش ثماني وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام. أي أن "تيمور" توفي وله من العمر تسعة وستون عاماً. وأشارت المصادر الشرقية إلى أنه عاش 70-71 سنة، حسب التقويم الهجري.

وبما أن "تيمور" استولى على حكم دولة "آل جِنكيز"، التي كانت على وشك الانقراض، عام 771هـ/1369-1370م، فإن مدة حكمه ست وثلاثون سنة.

ويرد اسم "تيمور" في المصادر الشرقية، بنحو "تيمور كوركان"، و"تيمورلنك" و"تيمور آقساق" أي "تيمور الأعرج". و"كوركان" تعني في المغولية الصهر أو النسيب. وسبب هذه التسمية، أن "تيمور" تزوج "توركان خاتون" ابنة الأمير "حسين"، من أمراء ما وراء النهر. أما "لنك"، فهي كناية عن عرج "تيمور"، التي تقابل كلمة "آقساق" الفارسية. وقد لفظها الأوروبيون "تامرلان".

وبناءً على شاهد قبر "تيمور"، الموجود في "سمرقند"، فإن نسبه يصل لنسب "جنكيز". إلا أن من المؤكد عدم اتصاله بذلك النسب؛ إذ إنه زور ذلك، فيما بعد، لإضفاء طابع الأصالة على نسبه. وبناءً على ذلك النسب، ينبغي أن يكون "تيمور" من المغول، وفي حقيقة الأمر، هناك رواية بأنه تركي. وتفيد رواية أخرى، أن والده تركي، وأن والدته من أسرة "آل جنكيز". واسم أبيه "تاراكاي".

وقد أصبح "تيمور" وزيراً في الإدارة المغولية، بعد أن دخل في الحياة السياسية، بصفته والياً. واستولى على مقاليد الحكم في البلد، عام 771هـ/1369-1370م، وتصرف في إدارة البلد باسم الحاكم المغولي، الذي لم يكن، في حقيقة الأمر، سوى ألعوبة في يد "تيمور".

ويذكر أن "تيمور"، الذي عاد من الأناضول إلى عاصمته، "سمرقند"، بعد أن خطط لفتح الصين، شنّ حملة لتحقيق هذا الفتح، وتوجه إلى حدود الصين بجيش، قوامه مائتا ألف جندي، وذلك في يوم الخميس، الثالث والعشرين من جمادى الأولى 807هـ، الموافق للسابع والعشرين من فبراير 1404م. ومكث في مدينة "أوترار"؛ بغية جمع أكبر عدد ممكن من الجيوش، فأصيب بمرض الموت في هذه المدينة. وفي تلك الأثناء، كان على حكم إمبراطورية الصين "يونج لو"، من أسرة "مينج". وإصابة "تيمور" بالمرض في هذه المدينة، قد نجّت الإمبراطور الصيني من مصيبة كبيرة.

وتفيد إحدى الروايات، أن مرض "تيمور" بدأ في يوم الأربعاء، السابع عشر من شعبان، الموافق للثامن عشر من فبراير، واستمر أسبوعاً واحداً.

ويذكر أنه جمع أمراءه من حوله، ولم يفقد صوابه إلى حين موته، وأسدى لهم نصائحه.

ولما مات "تيمور"، وبناءً على وصيته، حُنط، ووضع في تابوت من خشب الآبانوز، ونقل إلى عاصمته "سمرقند"، حيث دفن فيها في القبر المخصص له.

وفي الإمبراطورية الكبيرة، التي أسسها "تيمور"، والممتدة من الهند إلى السواحل السورية والأناضولية، لم تكن هناك في وقت من الأوقات وحدة إدارية. والحملات، التي شنّها على سورية والأناضول وتمخضت بغنائم كثيرة، لم تكن سوى هجوم للنهب والسلب.

وقد استغل السلطان المملوكي على سورية ومصر، "فرج"، فرصة وفاة "تيمور"، وقد سبق له أن اضطر إلى قبول تبعية "تيمور"، فحصل على استقلاله. كما أدت وفاته إخلاء سبيل الحاكم العراقي، السلطان "أحمد"؛ والحاكم الآذربيجاني، "قره يوسف القرقوينلي"، المسجونين في مصر. فعاد الحاكمان إلى بلديهما، على الفور.

والأناضول، التي تخلصت من كثير من المصائب، بعودة "تيمور" إلى بلاده، وعلى الرغم من أنها شهدت صراع الأمراء على أراضيها ـ استفادت من موت "تيمور" فائدة كبيرة، حيث ظهرت فرصة مواتية لعودة الدولة العثمانية إلى سابق عهدها، من القوة والمهابة. والحقيقة أن انقسام دولة "تيمور" بين أولاده وأحفاده، بعد موته، قد خفف كثيراً من تلك الأخطار الشرقية الكبيرة. يضاف إلى ذلك، أن الإمارات الأناضولية الغربية، التي أحياها "تيمور"، قد فقدت أكبر نقطة لاستنادها.

 

808هـ/1405م

اتفاق "عيسى جلبي" مع أمراء الأناضول الغربية، ومعركته الأخيرة مع "محمد جلبي"، والاستيلاء على دولة "صاروخان"

سيطر "محمد جلبي" على الأراضي المهمة من الأناضول، بعد أن امتد نفوذه إلى "سيواس" و"آماسيا" ومنطقة "توقاد". فخافت إمارات: "صاروخان" و"إزمير" و"منتشه" و"تكه"، مما يسببه هذا الازدياد في النفوذ، من السيطرة عليها، فعقدت اتفاقاً مع "عيسى جلبي". وقد ظهرت إمارة "إزمير" على الساحة، بعد مغادرة "تيمور" للأناضول. وهناك إزميران: "إزمير" المسلمة، و"إزمير" الكافرة. وقد قام "تيمور" بفتح الأخيرة (أي إزمير الكافرة)، التي كانت في حوزة فرسان "رودس"، بعد معركة "أنقرة" بقليل، ومنحها "بني آيدين". وكان "يلدرم بايزيد"، لما استولى على ولاية "آيدين"، سلّم المحافظة على "إزمير" المسلمة لـ"حسن آغا قره سوباشي". إلا أن الإمارات الأناضولية القديمة، لما انتعشت، مع "تيمور"، أصبحت الإزميران في حوزة "موسى بك بن آيدين"، وانسحب "حسن آغا قره سوباشي". وبعد أن غادر "تيمور" الأناضول، قام "جنيد"، ابن "قره سوباشي" هذا؛ المشهور بلقب "إزمير أغلو"، في المصادر العثمانية، واستولى على منطقة "إزمير" من يد "أمور بك الثاني"، ابن "آيدين"، وأنشأ فيها إمارة. وبموجب آخر الأبحاث في هذا الصدد، هناك احتمال كون "جنيد بك" من "بني آيدين". وبناءً على ذلك، فإن "حسن آغا قره سوباشي"، لم يكن والده؛ وإنما كان أخاه، واسم أبيهما "إبراهيم بك". غير أن هذه المسألة لم تتضح تماماً بعدُ. ولما استولى "جنيد بك" على "سلجوق" في عام 807هـ/1404م، أصبح بذلك مسيطراً على القسم الأكبر من دولة "بني آيدين"، وازدادت أهميته في هذا الصدد. أما وضع "جنيد" مع بني عثمان، فالروايات الواردة فيها غير واضحة. فبناءً على إحدى الروايات، تحرك باسم "سليمان جلبي"، الذي كان يحكم "أدرنة". وبموجب رواية أخرى، اتفق مع حاكمي "قره مان" و"كرميان"، ضد "سليمان جلبي". وبناءً على أقوى الروايات وتسلسل الأحداث، تحرك أولاً باسمه، ثم اضطر إلى اللجوء إلى "سليمان جلبي"، في أثناء حملته على الأناضول.

ويذكر أن "عيسى بك" التجأ إلى "جنيد بك" هذا، وأنه، بناءً على ذلك، تشكل تحالف كبير، مع انضمام أمراء الأناضول ضد "محمد جلبي".

والروايات الواردة في حق قوات "عيسى جلبي" والمتحالفين معه، تشير إلى أنها كانت بين عشرين إلى خمسة وعشرين ألف نسمة. وعلى الرغم من أن هؤلاء المتحالفين، شنوا حملة على "بورصا"، مع تلك القوات، فإنهم لم يستطيعوا هزيمة القوات المنظمة لـ"محمد جلبي"، التي كانت تقدر بعشرة آلاف جندي. وبناءً على هذا النجاح، استولى "محمد جلبي" على ولاية "صاروخان"، وسيطر بذلك على "مغنيسيا"، وأعدم "خضر شاه"، ابن "صاروخان". وهرب "عيسى بك" إلى جبال "قره مان"، وتوفي فيها. أما أمراء الأناضول الآخرون، فقد انقادوا لـ"محمد جلبي"، ولا سيما "يعقوب الثاني"، ابن "كرميان"، الذي دخل تحت تبعيته، بعد أن سلمه مفاتيح القلعة، وبذلك نجا من الموت. غير أن احتمال المبالغة في هذه الروايات، كبير. إلا أن النقطة الأكيدة في هذه المسألة، هي إعدام الحاكم الأخير على "صاروخان"، "خضر شاه"، مع الاستيلاء عليها، والتبعية الاسمية والرسمية لأمير "إزمير"، "جنيد بك" لـ"محمد جلبي".

وهناك روايات تفيد أن "خضر بن صاروخان"، أعدم في عام 813هـ/1410م، أو في عام 815هـ/1412م؛ ولكن هذه الروايات ضعيفة. وخلو المسكوكات المضروبة باسم هذا الأمير، من التواريخ، يجعل القول بشيء قطعي غير ممكن. وبناءً على أقوى الروايات، يمكن القول بإعدامه، بعد الاستيلاء على بلاده. وتورد المصادر العثمانية، أن "خضر شاه بك" قام، في عهد "تيمور"، وفي أثناء أسر "يلدرم بايزيد"، بارتكاب جرم، نال فيه من شرف آل عثمان؛ وأن "محمد جلبي" انتقم لهذ الجرم المجهول. ويبدو أن هذه المسألة، التي يتحدث فيها عن الشرف والعرض، تتعلق بمسألة امرأة.

وبناءً على ما سبق، بقيت هناك حكومتان عثمانيتان: إحداهما في الأناضول، والأخرى في "الروملي". وكان على رأس الحكومة الموجودة في الأناضول "محمد جلبي"، وعلى الأخرى "سليمان جلبي". وخلو الساحة من منافس، مثل "عيسى جلبي" من جهة، وتوقيف الإمارات الأناضولية عند حدودها، من جهة ثانية، ولا سيما الاستيلاء على بلاد "صاروخان"، أديا بروز "محمد جلبي" بصفة أقوى حاكم في الأناضول، من جهة، واشتداد الصراع بينه وبين أخيه، الحاكم العثماني في "الروملي"، "سليمان جلبي"، من جهة أخرى. وابتداءً من هذا العهد، وحتى نهايات عهد الفترة (أي الفوضى)، فإن الصراع الذي جرى، وقع بين الجبهة الأناضولية والجبهة "الروملي"ة من تركيا العثمانية.

 

809هـ/1406م

الصراع بين "سليمان" و"محمد جلبي"

في بداية انتقال "سليمان جلبي" إلى "الروملي"، بعد هزيمة "أنقرة"، اضطر إلى اتباع سياسة الصداقة مع الإمبراطورية البيزنطية، حيث عقد، بعد ذلك بفترة قصيرة، اتفاقاً مع الإمبراطور "مانوئيل الثاني"، واضطر بموجب هذا الاتفاق إلى إعادة منطقة "سلانيك" و"تاساليا" والفتوحات، التي تمت في "المورة"، إلى البيزنطيين؛ كما ترك أخاه الصغير، "قاسم جلبي"، وأخته، "فاطمة جلبي" رهينتين لدى الإمبراطور "مانوئيل الثاني"؛ وتزوج ابنة أمير "المورة"، "تيودورس الأول"، ابن أخي الإمبراطور، وأسس بذلك أساس النسب مع أسرة "بالأولوغوس" الحاكمة في بيزنطة. واضطر، بعد ذلك، إلى التضحية، أيضاً، بسواحل البحر الأسود ومدينة "فارنا"، وتركها للبيزنطيين. وبذلك، ثبت "سليمان جلبي" حكمه في "الروملي"، على ذلك النحو، وأصبح في إمكانه نقل الجنود إلى الأناضول، في الوقت الذي يشاء. ومن الطبيعي أن تلك السياسة، كانت متوافقة مع مصالح بيزنطة، التي كانت تريد تفتيت الدولة العثمانية.

وكان السبب، الذي دفع "سليمان جلبي" إلى الحملة على الأناضول، وصول "محمد جلبي" إلى درجة كبيرة من القوة والنفوذ، أصبح فيها أكبر حاكم في الأناضول. وهناك سبب ثان، وهو تأديب "جنيد بك"، ابن "إزمير أغلو"، الذي أصبح منقاداً لـ"محمد جلبي"، بغية الاستفادة من صراع الأمراء العثمانيين، بعد أن استولى على ولاية "آيدين".

نقل "سليمان جلبي" قوات "الروملي" إلى الأناضول، من خلال "جنق قلعة"، وتوجه إلى "بورصا"، حيث تمكن من الاستيلاء عليها. واضطر "محمد جلبي" إلى الانسحاب إلى "آماسيا"، بعد أن تيقن أنه لا يملك قوة كبيرة، يستطيع من خلالها مقاومة أخيه الكبير، "سليمان جلبي". وعلى الرغم من تمكن "سليمان جلبي" من الانتقال إلى الأناضول، بعد "الروملي"، لم يصبح في يوم من الأيام الحاكم الفعلي لكل الأراضي العثمانية.

وهناك رواية تفيد أن "محمد جلبي" اعترف بأخيه، "سليمان جلبي"، في الفترة الأولى من الحكم. ومن المؤكد أن "محمد جلبي"، لما قوي نفوذه في الأناضول، بات رافضاً لحكومة "الروملي"، ولا سيما بعد أن تبين له حصول "عيسى جلبي" على المساعدات من "سليمان جلبي"، حيث أصبح "محمد جلبي" فيه مجابهاً لحكومة "أدرنة".

وبما أن حملة "سليمان جلبي" على الأناضول، كانت ترمي إلى إعادة الوحدة القديمة بين الأراضي العثمانية، في "الروملي" والأناضول لصالحه، فإن ذلك كان يعني تهديداً، لا لـ"محمد جلبي" وحده؛ وإنما لكل الإمارات الأناضولية أيضاً.

محاولة فاشلة لعقد تحالف ضد "سليمان جلبي"، ولجوء "جنيد بك"، ابن "إزمير أغلو" إلى "سليمان جلبي"

أدت حملة الأمير "سليمان جلبي" حاكم "الروملي" على الأناضول، إقلاق الحاكم القرماني "محمد الثاني"، والأمير الكرمياني، "يعقوب الثاني"، وأمير "آيدين"، "جنيد بن إزمير أغلو"، حيث عقدوا اتفاقاً مشتركاً، وجهزوا جيشاً، قوامه أربعون أو خمسون ألف جندي.

وقد حشد جيش المتحالفين في "سلجوق". ولعدم وثوق المتحالفين بعضهم ببعض؛ وبناءً على الروايات الواردة في هذا الصدد، فإن "جنيد بك"، ابن "إزمير أغلو"، الذي سمع باستعداد المتحالفين معه لتسليمه إلى "سليمان جلبي"، خرج من مقر جيشه، سراً؛ وتوجه إلى "سليمان جلبي"، حيث لجأ إليه. وبناءً على ذلك، فإن المتحالفين، الذين كانوا يشكون في تصرفاته، انتشروا، من لحظتها، من دون أن يقدموا على الحرب. والحقيقة أن قوات المتحالفين، كانت ضعف جيش "سليمان جلبي"، الذي كان قوامه خمسة وعشرين ألف جندي. ولذلك، فإن هذا الوضع، خلص "سليمان جلبي" من خطر كبير، من جهة، وجعله في وضع المنتصر، من جهة ثانية. ويذكر أن "سليمان"، الذي كان سفيهاً، انغمس، في بلدة "سلجوق/آياسلوك" في الملذات، كما هو ديدنه في كل وقت، بناءً على هذا النجاح، الذي تحقق بكل سهولة. والحقيقة أن "سليمان جلبي" قد أعد المصير، الذي سيؤول إليه وضعه، بيديه.

استيلاء الوزير الأعظم، "علي باشا جاندارلي" على "أنقرة"، باسم "سليمان جلبي"

لقد كلف "سليمان جلبي" "علي باشا جاندارلي"، الذي كان وزيراً أعظم لوالده، "يلدرم بايزيد"؛ وانتقل معه إلى "الروملي"، بعد هزيمة "أنقرة" – بمتابعة أخيه، "محمد جلبي"، الذي انتقل إلى "آماسيا" عن طريق "أنقرة". فسار "علي باشا على "أنقرة" مباشرة، ووفق في استيلائه على البلد، من خلال تسلمه للقلعة. وتفيد إحدى الروايات، أن "سليمان باشا" توجه شخصياً إلى "أنقرة"؛ إلا أن هذه الرواية ضعيفة.

أما "محمد جلبي"، فإنه لما توجه إلى "آماسيا"، ترك "يعقوب بك"، ابن "فيروز بك"، للدفاع عن "أنقرة". و"يعقوب بك" هو الذي سلم قلعة "أنقرة" لقوات "سليمان جلبي". غير أنه لم يخن بذلك "محمد جلبي". وبناءً على الرواية الواردة في هذا الصدد، فإن "يعقوب بك" طلب الإمدادات من "محمد جلبي"، في أثناء الحصار على القلعة، فأرسل إليه الأخير رسالة، بأنه سيقدم إليه لنجدته، في القريب. غير أن الرسل وقعوا بيد قوات "سليمان جلبي"، فزور "علي باشا جاندارلي" محتوى الخطاب، حيث كتب فيه، على لسان "محمد جلبي"، ما يفيد أنه ليس هناك ما يمكن القيام به سوى تسليم القلعة. فصدق "يعقوب بن فيروز بك" مضمون الرسالة فسلم قلعة "أنقرة".

أما "محمد جلبي"، الذي استفاد من انغماس "علي باشا جاندارلي" في الملذات والميسر، في "أنقرة"، فقد شنّ الحملة على "أنقرة" و"بورصا"؛ ولقلة قواته، لم يحرز نجاحاً يذكر، وعاد إلى "آماسيا".

وفاة الوزير الأعظم "علي باشا جاندارلي"

توفي "علي باشا جاندارلي" مساء السبت، السابع من رجب، الموافق للثامن عشر من ديسمبر من هذه السنة. وتذكر بعض المصادر، أن وفاته كانت في عام 810هـ/1407م؛ أو أنها كانت في عام 813هـ/1410م؛ أو أنها كانت في عام 814هـ/1411م. إلا أن التاريخ المعتمد، هنا، هو الأصح؛ لوروده على شاهد قبره.

وعلى الرغم من أن "علي باشا جاندارلي" كان ميالاً إلى اللهو والخمر والميسر، ومحباً للمظاهر، فإنه كان عالماً فاضلاً، ورجل دولة خبيراً. وقد كانت وفاته مصيبة، بالنسبة إلى "سليمان جلبي"، فقد فقد هذا الأمير السفيه أهم قائد، كان يستند إليه.

ويقع قبر "جاندارلي علي باشا" في "إزنيق"، بجانب قبر والده.

وقد عين "علي باشا جاندارلي" وزيراً أعظم، بعد وفاة والده، "خير الدين باشا جاندارلي"، عام 789هـ/1387م؛ فعمل في هذا المنصب سنتين، في عهد "مراد الأول"، وفترة حكم "يلدرم بايزيد" كلها. كما عمل مع "سليمان جلبي"، في عهد الفترة، أربع سنوات. وأصبحت فترة حكمه في الوزارة العظمى تسع عشرة سنة.

اتفاق "محمد الثاني" القرماني و"محمد جلبي"، ابن عثمان ضد "سليمان جلبي"

بناءً على انسحاب "محمد جلبي" إلى "آماسيا"، بعد فشله في استرداد "بورصا" و"أنقرة"، وجد "سليمان جلبي" الساحة خالية، فشنّ حملة على "سفري حصار"، التي كانت بيد القرمانيين. ولقد أعيد انتعاش قلعة "سفري حصار" في أيام "تيمور"، بعد كارثة "أنقرة"، وألحقت بدولة "قره مان". وكما تبين في أحداث هذه السنة، فإن "سليمان جلبي" كان في حكم العداء للحاكم القرماني، "محمد الثاني"، بعد اتفاقه مع الأمير الكرمياني، "يعقوب الثاني"، وأمير "إزمير"، "جنيد بن إزمير أغلو". وكانت حملته على "إزمير"، هذه المرة، نتيحة لتلك العداوة.

وعلى الرغم من مقاومة الحاكم القرماني لتجاوزات "سليمان جلبي"، فإنه اضطر إلى الانشغال مع "أفرنوس بك"، الذي بعثه "سليمان جلبي". وفي تلك الأثناء، وصل "محمد جلبي" إلى منطقة "قرشهر"، والتقى في قلعة "جَمره" حاكم "قره مان"، "محمد الثاني"، وعقد معه معاهدة، كان من شروطها تنازل الحاكم القرماني لـ"محمد جلبي" عن بعض الأراضي.

أما "أفرنوس بك"، الذي كلفه الأمير "سليمان جلبي" بالمتابعة، فإنه وصل إلى "آق صراي". ولما علم بعدم مقدرته على مقابلة "محمد الثاني"، بعد اتفاقه مع الأمير القرماني، رجع إلى "أنقرة".

نقل "موسى جلبي" إلى "الروملي"، وانتقال الصراع من الأناضول إلى "الروملي"

استولى "سليمان جلبي"، بعد "الروملي"، على "بورصا" و"أنقرة"، والمنطقة المجاورة لها. ووضع "جنيد بك"، ابن "إزمير أغلو" تحت تبعيته. وأصبحت ولاية "آيدين" تابعة له. وتمكن من إخضاع بعض أمراء الأناضول الغربية. ولذلك، فإن الأمير "محمد جلبي"، لم يكن مقتدراً على مقاومته، ولم تكن له القوات الكافية للوقوف في وجهه. أما الاتفاق، الذي عقده "محمد جلبي" في "جمره"، مع "محمد الثاني" القرماني، فإنه لم يثمر نتيجة فاعلة في صراعه مع أخيه، "سليمان جلبي". فاضطر "محمد جلبي"، بناءً على ذلك، إلى اتخاذ تدبير محنك، تجاوز الغرضَ المطلوب؛ وهو نقل "موسى جلبي" إلى "الروملي"؛ بغية الاستيلاء على الحكومة القائمة في "أدرنة". ومن الواضح أنه يقصد بذلك نقل الصراع من الأناضول إلى "الروملي"، وبالتالي تأمين انتقال "سليمان جلبي" إليها، للصراع مع "موسى جلبي"؛ حفاظاً على حكمه فيها.

ويذكر أن "موسى جلبي"، ومنذ تخلصه من حياة الأسر، كان مقيماً لدى "محمد جلبي"، وخاضعاً له.

وقد استفاد "محمد جلبي" في نقل "موسى جلبي" إلى "الروملي" من حاكم "قسطموني"، "إسفنديار بك"، الذي كانت له اتصالات بـ"الروملي"، من خلال البحر الأسود، حيث تم الاتفاق مع الأمير النصراني على "الأفلاق"، "ميرجه" في هذا الصدد. يضاف إلى ذلك أن نسيب "يلدرم بايزيد"، الملك الصربي، "ستيفان لازارفيج"، أيضاً كان مؤيداً لـ"محمد جلبي"، حسب ما تذكره الرواية.

وقد انتقل "موسى جلبي" بحراً، من ميناء "سينوب" الذي كان تحت سيطرة "إسفنديار بك"، إلى سواحل "الأفلاق". وهناك فروق مهمة بين المصادر، العثمانية والصربية والبيزنطية والبلغارية، حول انتقال "موسى جلبي" من الأناضول إلى "الروملي"؛ وبناءً على تلك الاختلافات، فإن بعض المدققين الغربيين أرخوا انتقال "موسى جلبي" إلى "الروملي"، بعام 812هـ/1409م. وإذا كان التاريخ المثبت في المصادر العثمانية، وهو عام 809هـ/1406م، صحيحاً، فإنه ينبغي القبول بأن الفترة، التي قضاها "موسى جلبي" في "الروملي"، لجمع القوات الكافية، بحيث يستطيع من خلالها مقاومة "سليمان جلبي" ـ هي سنتان. وعلى الرغم من ذلك، فإن المصادر العثمانية تذكر أن أول معركة، بين "موسى جلبي" وسليمان جلبي، كانت في عام 809هـ/1406م. وبناءً على هذا الرأي، فإن "موسى جلبي" ما إن انتقل إلى "الروملي"، حتى خاض الحرب مع "سليمان جلبي". والحقيقة أنه ينبغي أخذ كل هذه الروايات المتنتاقضة بحذر.

وبناءً على المصادر العثمانية، فإن "موسى جلبي" لما انتقل إلى "الروملي"، تعهد لأخيه، "محمد جلبي"، بأنه إذا ما استولى على حكومة "أدرنة"، فإنه سيبقى تابعاً له، وأن الخطبة ستقرأ باسمه، ويذكر اسمه في المسكوكات، التي يضربها. والحقيقة أن المسألة المهمة في هذا الصدد، بالنسبة إلى "محمد جلبي" أكثر من تلك التعهدات، ـ هي قيام "موسى جلبي" بالعمل على ما يؤدي المشكلات في "الروملي"، بغية إجبار "سليمان جلبي" على العودة من الأناضول.

انتقال "سليمان جلبي" من الأناضول إلى "الروملي"، بغية الصراع مع "موسى جلبي"

يذكر أن هذا الانتقال لـ"سليمان جلبي" كان في السنة، التي انتقل فيها "موسى جلبي" إلى "الروملي". ولذلك، فإن الاختلاف في التاريخ، في الفقرة السابقة، يشمل هذا الحدث أيضاً. بل إنه إلى جانب تاريخ 812هـ/1409م، ذكر أيضاً عام 811هـ/1408، وعام 812/1410م.

يذكر أن "سليمان جلبي"، ونظراً إلى وجود اتفاق بينه وبين البيزنطيين، انتقل من "أسكودار" إلى "الروملي"، بسرعة. بل تشير إحدى الروايات، أن "سليمان جلبي" اضطر إلى أن يتنازل عن سواحل البحر الأسود، حتى "فارنا"، للإمبراطورية البيزنطية، لهذا السبب.

وقد نقل "سليمان جلبي" "جنيد بن إزمير أغلو" معه إلى "الروملي"، وعينه أميراً على "أوهري".

 

811هـ/1408م

حملة "إستريا"

كان تنظيم الغُزاة، الذي أنشأه العثمانيون باسم "آقنجي"، في "الروملي"، يستند إلى أسس قوية ومتينة للغاية، لدرجة أن انقسام أراضي الأناضول، بسبب كارثة "أنقرة"، وصراع الأمراء على الحكم، وإعادة بعض الأراضي في "الروملي" إلى البيزنطيين، وغير ذلك من الأحداث ـ لم تستطع أن تخلّ بأعمال هذا التنظيم وفاعليته، على امتداد الحدود العثمانية. فقد وفق أمراء هذا التنظيم (آقنجيلر) في الحفاظ على أوضاعهم، على الرغم من الانحلال والتدهور، الذين اعتريا الحكومة المركزية. بل يذكر أنهم قاموا، في يوم الثلاثاء، الثامن عشر من جمادى الأولى، الموافق للتاسع من أكتوبر من هذه السنة، بحملة على إيالة "كراين"، واستولوا على مدينة "موتيلينج"، وحصلوا على الكثير من الغنائم والأسرى. والمصادر العثمانية لا تتحدث عن هذه الحملة الكبيرة.

 

812هـ/1409م

عقد معاهدة ثنائية، بين جمهورية "البندقية" و"سليمان جلبي"

ويذكر أيضاً عام 811هـ/1408م، تاريخاً لهذه المعاهدة.

وبناءً على شروط المعاهدة، فإن العثمانيين لا يتجاوزون حدود البنادقة، في "ألبانيا"، وفي مقابل ذلك، تدفع جمهورية "البندقية"، ألف وستمائة ذهب، من نوع دوقا، إلى العثمانيين. وعلى الرغم من عد هذه المعاهدة أول معاهدة بين العثمانيين والبنادقة، فإنه يجب قبول هذه الرواية، بنوع من الحذر والاحتياط. فقد اتضح، فيما سبق، أن معاهدة تجارية مع هذه الجمهورية، قد عقدت في عهد "مراد الأول".

تكملة المولد نظماً

كتب الشاعر الكبير، "سليمان جلبي" المولد، في "بورصا". وتاريخ اكتماله هو هذه السنة.

والاسم الحقيقي لهذا المؤلف النادر، الذي يقرأ إلى يومنا هذا، في احتفالات دينية أدبية، هو "وسيلة النجاة". وعلى الرغم من كتابة أكثر من ثلاثين مولداً، باللغة التركية، لم يصل واحد منها إلى ما وصله هذا المولد، في نفوذه إلى قلب المجتمع.

وقد ترجم مولد "سليمان دده" هذا إلى اللغات: العربية واليونانية والبوسنية والألبانية والجركسية؛ وفي السنوات الأخيرة، إلى الإنجليزية، وغيرها من اللغات الغربية.

 

812هـ/1410م

استيلاء "موسى جلبي" على أريكة الحكم في "أدرنة"

إن "موسى جلبي"، الذي انتقل إلى سواحل "الأفلاق"، من ميناء "سينوب"، بمساعدة "إسفنديار بك"، ابن "جاندار"، أحكم وضعه في "الروملي" من خلال زواجه ابنة أمير "الأفلاق"، "ميرجه". وقد لقي مساعدات من نسيب والده، الملك الصربي، "ستيفان لازارفيج" أيضاً. واستطاع بذلك أن يعدّ عدته، وشنّ حملة للاستيلاء على حكومة "الروملي"، من خلال جيش، تشكل من الأتراك والمجريين والصرب والبلغار.

أما وضع الأمير "سليمان جلبي"،في تلك الأثناء، فالروايات الواردة فيه مختلفة؛ فتذكر، على سبيل المثال، إحدى الروايات أنه كان في "بورصا"، وثانية تذكر أنه كان في "أنقرة"، وثالثة أنه كان في "أدرنة". وبناءً على الروايات، التي تشير إلى وجوده في الأناضول، فإنه كان يقضي وقته في الحمامات، بين السقي والاستجمام. وعلى الرغم من ذلك، فإن الروايات تفيد أنه لما علم بانتقال "موسى جلبي" إلى "الروملي"، انتقل، فوراً، إلى "الروملي"، من طريق "إستانبول". ويبدو أن تاريخ انتقال هذين الأميرين إلى "الروملي"، مختلف فيه كثيراً. وبناءً على رواية أخرى، فإن "موسى جلبي" انتقل إلى "الروملي"، في عام 809هـ/1406م. وقضى فترة من الوقت بإعداد العدة، ثم لما أمسك بزمام الأمور في "الروملي"، استيقظ "سليمان جلبي" من نومه، في الأناضول، فانتقل إليها، في عام 812هـ/1410م. وبناءً على تسلسل الأحداث، فإن هذه الرواية الأخيرة، لا تخلو من قوة.

وقد انتصر "موسى جلبي"، من خلال القوات، التي جمعها من المتحالفين المذكورين، على قوات الأمير "سليمان جلبي"، في المعركة، التي وقعت بينهما، في يوم الخميس، الثامن من شوال، الموافق للثالث عشر من فبراير من هذه السنة، وكان هذا الانتصار ساحقاً، حيث تمكن بعدها من التحكم بزمام الأمور في "الروملي". ويذكر أن "سليمان جلبي" لم يحضر شخصياً في هذه المعركة؛ وإنما قاد قواته أمير أمراء "الروملي" "محمد بك"، ابن "ميخال". وهناك العديد من الروايات، التي تشير إلى أن "موسى جلبي" أرسل" قبل المعركة" العديد من الخطابات إلى أمراء "الروملي"، الذين ضاقوا ذرعاً بحياة "سليمان جلبي"، الذي كان منغمساً في الملذات؛ فاستجابوا له، وكان ذلك مما يسر له الانتصار على أخيه، "سليمان جلبي".

وبدءاً من هذا الحدث، انتقلت الأحداث الدموية، التي جرت في الصراع بين الأمراء، إلى "الروملي".

 

813هـ/1410م

انتصار "سليمان جلبي" في "كوسمودين/أيوب"

جرت أولى المعركتين، اللتين نشبتا بين "سليمان جلبي" و"موسى جلبي" في يوم الأحد، الحادي عشر من صفر، الموافق للخامس عشر من يونيه من هذه السنة، أمام أسوار "إستانبول". فبناءً على إحدى الروايات، تلقى "سليمان جلبي" مساعدات من حليفه، الإمبراطور البيزنطي؛ كما انفصل بعض الأمراء عن "موسى جلبي"، وانتقلوا إلى صف "سليمان جلبي". ونظراً إلى انتصار "سليمان جلبي"، اضطر "موسى جلبي" إلى الانسحاب إلى "أدرنة".

وكما يتضح من وقوع هذه المعركة أمام أسوار "إستانبول"، فإن "سليمان جلبي" انتقل إلى "الروملي"، بعد "موسى جلبي" بفترة طويلة.

انتصار "سليمان جلبي" في "أدرنة"

وقعت هذه المعركة في يوم الجمعة، 8 ربيع الأول، الموافق للحادي عشر من يوليه من هذه السنة؛ وهذا يعني أنها وقعت بعد المعركة الأولى، السابقة، باسم معركة "كوسميدون/أيوب"، بواحد وعشرين يوماً. وما ورد في بعض المصادر العثمانية، عن وقوع المعركتين المذكورتين في عام 809هـ/1406م، غير صحيح.

قرر "سليمان جلبي"، الذي انتصر على "موسى جلبي"، المنسحب إلى "أدرنة"، في المعركة الأولى، التي جرت أمام أسوار "إستانبول"، سحقه من دون إعطائه الفرصة لتقوية نفوذه وجمع قواته. ولذلك، قام بالهجوم عليه، فوراً، فالتقى الجمعان أمام "أدرنة". وبما أن "سليمان جلبي" قد انتصر في هذه المعركة الثانية أيضاً، فقد اختفى "موسى جلبي" من ساحة المعترك السياسي، لمدة ستة أشهر؛ بغية العمل خفية، على تشكيل جيش جديد. واستفاد "موسى جلبي" في فترة الإعداد هذه، من حميه، أمير "الأفلاق".

وبناءً على نتائج معركة "أدرنة"، فإن انتقال الجنود الصرب إلى صف "سليمان جلبي"، أثر كثيراً في مجريات الأمور.

وتشير الروايات إلى أنه، في الوقت الذي كان فيه "موسى جلبي" يحاول تشكيل جيش جديد، كان "سليمان جلبي" قد انغمس في الملذات، وقضى وقته في عالم الحمامات، في "أدرنة"، غافلاً عن أمر خصمه، مما أوقع برودة بين أمرائه، وأعدّ مصيره بيديه، في هذا العهد، الذي يعد خطراً للغاية.

 

813هـ/1411م

استيلاء "موسى جلبي" على "أدرنة"، في حملة مفاجئة، وجلوسه على أريكة الحكم في "الروملي"

يؤرخ هذا الحدث المهم بيوم الجمعة، الثامن عشر من شوال، الموافق للثالث عشر من فبراير، أو الثلاثاء، الثاني والعشرين من شوال، الموافق للسابع عشر من فبراير من هذه السنة. والرواية الثانية أقوى من الأولى. وقد استغل "موسى جلبي"، الذي كان يحاول تشكيل جيش جديد، بالاستفادة من المساعدات، التي قدمها له حموه، أمير "الأفلاق" – الرأي العام، الذي أصبح مخالفاً لـ"سليمان جلبي"، بسبب انغماسه في الملذات. شن "موسى" حملة كبيرة على "أدرنة"، وفي الوقت الذي كان فيه جيش "موسى جلبي" يضرب الحصار على مدينة "أدرنة"، كان "سليمان جلبي" سكران، ومنغمساً في عالم اللهو والحمامات. وقد طرد "محمد بك"، ابن "ميخال"، الذي حضر إليه لإخباره عما وصلت إليه الأحداث. ثم كان رده على الغازي الكهل، "أفرنوس بك"، الذي حضر إليه أيضاً، وحدثه بكلام مر ثقيل، على هذا النحو:

يا أيها الحاجي المربي، ما هذا الكلام الزائد! من هو موسى، الذي يهجم عليّ جيشه، حتى يقوم بادعاء السلطة؟

وقد طرده أيضاً. ولما دخل عليه "حسن آغا"، رئيس الإنكشارية، الذي كان مطلعاً على كل أسراره، مستشاراً خاصاً له، وبدأ بالحديث إليه عن الوضع الجديد، الذي ينبغي أن يعالج بسرعة، أمر بحلق لحيته وشواربه. وبناءً على معاملته لـ"حسن آغا" هذا، ترك كل الأمراء "سليمان جلبي"، واتجهوا لاستقبال "موسى جلبي". ومن المؤكد أن "موسى جلبي" دخل بسهولة إلى "أدرنة". ولما صحا "سليمان جلبي" من غفلته، وتبينت له حقيقة الأمر، متأخراً، توجه، مع ثلاثة من المخلصين له، إلى "إستانبول"، لاجئاً، مستفيداً من ظلمة الليل. وتذكر بعض المصادر، أن مدة حكم "سليمان جلبي"، كانت ثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام، بناءً على التقويم الهجري. ومع العلم بتوجه هذا الأمير إلى "أدرنة"، وجلوسه على أريكة الحكم، في عام 805هـ/1402م، ولعدم وضوح تاريخ اليوم والشهر، فإنه لا يعرف إلى أي مدى يكون هذا التاريخ صحيحاً. ولذلك، ينبغي قبول تحديد المدة، باحتياط.

وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين العثمانيين المتأخرين، يعدون "سليمان جلبي" من ضمن السلاطين العثمانيين، باسم "سليمان الأول"؛ نظراً لحكمه على "الروملي"، وقسم من الأناضول؛ مثل المؤرخين البيزنطيين والغربيين، فإن هذا الإطلاق غير صحيح. لأن "سليمان جلبي" لم يتسن له، في وقت من الأوقات، السيطرة على الدولة العثمانية، في "الروملي" والأناضول معاً.

مقتل "سليمان جلبي" في طريقه إلى "إستانبول"

وكما تبين في الفقرة السابقة، وبعد دخول "موسى جلبي" إلى "أدرنة"، ترك "سليمان جلبي" عالم الحمامات، وفر هارباً إلى "إستانبول"، بسرعة، مستفيداً من ظلمة الليل، ونجح في الهروب من "أدرنة". ويذكر أن "سليمان جلبي"، لما وصل إلى قرية "دوغنجيلر"، خانه دليله، وشخّصه للقرويين، فقتلوه على الفور. وأرسل رأسه المقطوع إلى أخيه، "موسى جلبي"، الذي جلس على كرسي الحكم في "أدرنة". ويذكر أن "موسى جلبي" تأثر بمنظر الرأس المقطوع كثيراً، فقتل القرويين، بل حرق القرية كلها. والحقيقة أن هذه الرواية، يجب تلقيها بحذر واحتياط؛ إذ إن هناك رواية أخرى، تفيد أن "سليمان جلبي"، قتله الرجال الذين كلفهم "موسى جلبي" بمتابعته. وتفيد رواية أخرى، أنه بالنظر إلى كون الرجال الموجودين بمعية "سليمان جلبي"، قد أشعلوا النار في تلك الليلة المظلمة، فقد أثاروا الشك في وضعهم، وأتبعوا.

وبناءً على ما سبق، فإن الأمير "سليمان جلبي" قتل في مساء الجمعة، اليوم الذي دخل فيه "موسى جلبي" إلى "أدرنة"، الثامن عشر من شوال، الموافق للثالث عشر من فبراير، أو مساء الثلاثاء، الثاني والعشرين من شوال، الموافق للسابع عشر من فبراير. وقد أرخ ذلك أيضاً بالثالث عشر من المحرم 813هـ/ الثامن عشر من مايو 1410م؛ إلا أن هذا غير صحيح.

وبناءً على وفاة "سليمان جلبي"، صار عدد المتصارعين على الحكم، في عهد الفترة، اثنين. فأصبحت الأراضي العثمانية في "الروملي" بيد "موسى جلبي"، وفي الأناضول تحت حكم "محمد جلبي". وبقيت سلطنة الدولة العثمانية في القارتين، تنتظر الأمير، الذي يخرج من هذا الصراع التاريخي منتصراً على الأمير الآخر. لأن الأمير "مصطفى جلبي"، في تلك الفترة، لم يرجع من أسره بعد.

وعلى الرغم من حياة السكر والملذات لـ"سليمان جلبي"، الذي خرجت أنفاسه الأخيرة بيد القرويين أو المتابعين له، فإنه يمكن عدّه شخصية قوية؛ فقد سيطر على قسم مهم من أراضي الدولة العثمانية، في الأناضول، بعد تمكنه من "الروملي"، من خلال النجاحات، التي حققها في صراعه مع إخوانه. كما أن إخضاعه بعض الإمارات الأخرى لحكمه، يعد توفيقاً كبيراً، لا يمكن الغض من شأنه. ويبدو أن دور هذا الأمير كان كبيراً، في القضاء على الفوضى، التي سببتها كارثة "أنقرة". وتنازله عن بعض الأراضي في "الروملي" للبيزنطيين، كان تدبيراً سياسياً، يرمي إلى تأمين حيدة إمبراطورية "إستانبول"؛ لأن "سليمان جلبي" لما تنازل عن تلك الأراضي، كان متيقناً أن البيزنطيين لا يقدرون على الحفاظ عليها، وسوف يستردها، في أول فرصة سانحة. ولذلك، فإن العامل الأكبر، الذي أبعد الناس من حوله، وألّب الرأي العام ضده، وقضى على شخصيته، هو السكر وعالم الملذات. وقد استغل الأمير "موسى جلبي" هذا الوضع، بين الجند والأهالي، خير ما يكون الاستغلال.

ويعد الأمير "سليمان جلبي" من أوائل بني عثمان حماية للعلم والأدب. فقد جمع أهم شعراء عصره وبعض العلماء في قصره. من أهمهم "سليمان دده" صاحب المولد؛ والشاعر "نيازي"؛ و"أحمدي"؛ و"أحمد دائي"؛ و"حمزوي"، أخو "أحمدي"؛ والطبيب المشهور بمؤلفاته، "حاجي باشا الآيديني".

تعيين الشيخ "بدر الدين محمود"، ابن قاضي "سيمافنا"، في منصب القاضي عسكر، بعد جلوس "موسى جلبي" على أريكة الحكم في "أدرنة"

يذكر أن الاشتراكي العثماني، الذي يعرف بالشيخ "بدر الدين السيماوي"، في المصادر العثمانية، هو ابن العالم "القاضي إسرائيل"، من نسل سلاجقة الأناضول، أو من نسل أحد وزراء السلاجقة. وقد ولد، على وجه التقريب" في عام 770هـ/1368م، في بلدة سيمافنا، القريبة من "أدرنة"؛ أو بموجب إحدى الروايات، في بلدة "سيماو"، بجوار مدينة "كوتاحيا". كان تحصيله العلمي في أهم مراكز العلم، في ذلك العهد، مثل "قونية" و"مكة المكرمة" و"القاهرة". وكان له اتصال وعلاقات مع سلطان مصر، "برقوق"، و"تيمورلنك"، والعديد من السلاطين العثمانيين. ويعد من أهم الشخصيات العلمية، لا في الدولة العثمانية فحسب، بل في العالم الإسلامي، في القرن الخامس عشر الميلادي. وتظهر تلك الأهمية في استيعابه للتصوف والفقه والسياسة. وله مؤلفات عديدة. أهمها: ما دوّنه في الفقه، بعنوان "جامع الفصولين" الذي يعد نوعاً من "المجلة" (أي مجلة الأحكام العدلية)، أو ما يخص القانون المدني (أي الأحوال الشخصية)، حيث كتبه بعد أن عين قاضي عسكر لدى "موسى جلبي"، وأكمله في يوم الأحد، الحادي والعشرين من صفر 814هـ، الموافق للثامن والعشرين من يونيه 1411م؛ وكتابه في التصوف، هو المؤلَّف المشهور باسم "الواردات". ويستند أساس فلسفته إلى عقيدة وحدة الوجود. ودفاعه ينصب على أن عالم المادة، ليس مخلوقاً؛ وإنما أزليّ وأبديّ. كما أنه ينكر أساس عقيدة الإسلام في الحشر والآخرة. ويُؤوِّل مفهوم الملائكة والشياطين بالخير والشر. وبناءً على ذلك، فهو يعد مادياً متشدداً. وآراؤه التي تخص الجماعة (أي المجتمع)، مغايرة لكل المفاهيم الاجتماعية. ويعد الشيخ "بدر الدين"، من هذا الجانب، شيوعياً متشدداً؛ إذ إنه يطالب بتقسيم الأراضي والأموال (بين الفقراء والأثرياء في المجتمع). ويرى ضرورة إزالة الفوارق الموجودة بين الإسلام والنصرانية واليهودية؛ وأن تصبح المساواة بين تلك الأديان تامة. ويروّج للقضاء على المحرمات في الدين الإسلامي، أي أنه يعدّ المحرمات باطلة، ويجوز استحلالها. ويبقى أمر المرأة لديه غامضاً، أي هل يرى الاشتراك فيها أم لا؟ فهذا غير واضح في فكره؛ بل إن الذي أضيف إلى أتباعه من عادة "إطفاء الشمعة" (أي استحلال كل النساء في الظلام) هل له علاقة بها أم لا؟ فهذه المسألة أيضاً غير واضحة.

وعلى الرغم من أن حركة الشيخ "بدر الدين محمود" الدعائية العامة، التي تستند إلى تلك الأسس، قد بدأت بعد "موسى جلبي"، فإنه يمكن أن تكون هذه الأفكار قد انتشرت بين الناس، قبل أن تأخذ حجماً سياسياً كبيراً. بل يمكن القول إن "موسى جلبي"، بعد انهزامه أمام "سليمان جلبي"، في أولى معاركه، بجوار "إستانبول" و"أدرنة" ـ استغل هذه الأفكار دعاية سياسية له، بين النصارى والمسلمين؛ بغية هز وضع الأمير "سليمان جلبي"؛ إذ إن "موسى جلبي"، الذي اعتمد على الفئات القروية، من المسلمين والنصارى، في تثبيت وضعه، كان قد عارض الأمراء الممثلين للأرستقراطية العثمانية، بشدة، وعمل على تشويه صورتهم لدى تلك الفئات، مما أدى لجوء بعضهم، أي الأمراء، إلى بيزنطة و"صربيا"، وبعض آخر منهم إلى "محمد جلبي". كما أدى ذلك، في نهاية المطاف، انحياز الإمبراطور البيزنطي، والملك الصربي، والأمراء الأتراك الموجودين في ثغور "الروملي"، إلى "محمد جلبي"؛ بسبب تلك الأفكار الثورية، وهو الأمر الذي اتفق فيه بعض المؤلفين الغربيين. وتشير بعض المصادر العثمانية إلى أن "موسى جلبي"، عامل الأمراء معاملة سيئة، وقتل العديد منهم، وعين في مناصبهم الموالين له، كما استولى على أموالهم. ولذلك، وكما تفيد الروايات، فإن الطبقة الراقية، لم تستمر في الولاء له. وعلى سبيل المثال، فإن الفقرة الآتية من تاريخ "جَوري" مهمة جداً:

"اشتغل في قتل معظم الأمراء، الذين هم أركان لحكمه. وقام بتنصيب خدامه الخواص في مناصبهم، كما استولى على أموالهم وأملاكهم، بحجة أنهم خانوا أخاه، الأمير "سليمان جلبي". ولذلك، فقد تولوا عنه. وأصبحوا يتمنون من قلوبهم قدوم السلطان "محمد" إلى جانب "الروملي"، مستولياً.

وكما تبين من هذه الفقرة، فإن عداوة "موسى جلبي" للأمراء، يمكن تعليلها بتخوفه وشكوكه من خيانة أولئك الأمراء. إلا أن جوري مقتنع بأن ذلك كان حجة واهية. أما "عاشق باشا زاده"، فإنه لما تحدث عن "موسى جلبي"، ذكر أنه "قد منح كل سنجق لأحد عبيده". موضحاً بذلك عزل الأمراء من مناصبهم. ويشير "لطفي باشا" إلى أن "موسى جلبي كان بتاراً. ولم يكن يحب "الروملي". وذكر أنه إضافة إلى تعيين عبيده على السناجق، أوشك أن يقتل "أفرنوس بك" المُسن. ويبدو، كما هو مؤكد، أن الشاب "موسى جلبي"، كان متأثراً بالشيخ "بدر الدين محمود"، في أفكاره، وفي إجراءاته.

سياسة "موسى جلبي" الاستردادية

قرر "موسى جلبي" استرداد الأراضي، التي منحها "سليمان جلبي" للبيزنطيين، لتثبيت وضعه، من جهة، والانتقام من البيزنطيين، الذين ساعدوا أخاه، "سليمان جلبي"؛ ومن الصربيين، الذين خانوه في معركة "أدرنة"، من جهة ثانية. ولتحقيق ذلك، شن "موسى جلبي" حملة على "صربيا"، فاستولى على الكثير من الغنائم والأسرى، ثم توجه إلى "مقدونية"، فاسترد كل القرى والبلدات، الواقعة على نهر "قره سو/ستروما"، وحاصر "سلانيك".

وفي تلك الأثناء، شنت فرق "موسى جلبي"، المعروفة بــ"آقنجيلر"، حملة كبيرة، شملت حتى إيالة "كارنتيا" النمساوية.

ويبدو أن "موسى جلبي" كان يود، بذلك، إرضاء غزاة الحدود، الذين عطلوا عن مهامهم، في عهد "سليمان جلبي".

وإلى جانب ما سبق، فقد طلب "موسى جلبي" الخراج القديم، الذي لم يستوف منذ زمن بعيد.

إرسال رسول إلى بيزنطة، للمطالبة بخراج عهد "يلدرم بايزيد"

أرسل "موسى جلبي" في هذه المهمة أخا الوزير الأعظم، "علي باشا جاندارلي"، المتوفى، "الوزير إبراهيم باشا". وتفيد إحدى الروايات، أن "إبراهيم باشا" هو ابن "علي باشا" المذكور. غير أن هذه الرواية الأخيرة غير صحيحة.

ومنذ معركة "أنقرة"، لم يتم استيفاء الخراج، الذي تعهدت بيزنطة، قبل تلك المعركة، بتأديته، والذي كان يبلغ عشرة آلاف أو ثلاثين ألف ذهب. كانت هناك علاقات حميمة بين أسرة "جاندارلي" وأباطرة بيزنطة.

عقد "إبراهيم باشا جاندارلي" اتفاقاً مع الإمبراطور "مانوئيل الثاني"، ضد "موسى جلبي"، الموجود في "الروملي"، وفي صالح "محمد جلبي"، الموجود في الأناضول؛ وذلك على الرغم من توجهه إلى مطالبة بيزنطة بدفع الخراج، الذي تعهدت به. ويبدو أن السبب، الذي دفعه إلى المناورة السياسية، عدم قبوله أفكار "موسى جلبي" الموجهة ضد الطبقة الأرستقراطية العثمانية، والمستلهمة، أصلاً، من الشيخ "بدر الدين محمود"، من جهة؛ والعلاقات الحميمة، التي تربط بين أسرته وبين الأسرة الحاكمة في بيزنطة، من جهة ثانية؛ وأسباب أخرى مجهولة، من جهة ثالثة. "إبراهيم باشا جاندارلي"، إذاً، هو الشخصية العثمانية الأولى، التي تخلت عن "موسى جلبي"، والتحقت بـ"محمد جلبي". ويمكن عدّ هذا الحدث مقدمة للتشتت، الذي بدأ من حول "موسى جلبي". أما ميل الإمبراطور البيزنطي إلى "محمد جلبي"، فكان نتيجة طبيعية لمواجهة "موسى جلبي" لبيزنطة، من جهة؛ وتذمره من أفكار الشيخ "بدر الدين محمود"، من جهة ثانية. وقد بدأ الأرستقراطيون، الترك والبيزنطيون والصرب وغيرهم، بالتعاون فيما بينهم في المنظمة الاجتماعية، ضد حكومة "أدرنة". وبناءً على ذلك، فإن "إبراهيم باشا جاندارلي" اتفق مع الإمبراطور البيزنطي، لصالح "محمد جلبي"، وأخذ خطاباً من الإمبراطور، وتوجه إلى "بورصا". ويذكر أن "محمد جلبي"، الذي استرد كل أراضي الأناضول، مع انتقال "سليمان جلبي" إلى "الروملي"؛ بغية محاربة "موسى جلبي" – كان، في تلك الأثناء، موجوداً في "بورصا".

ومن المؤكد أن سياسة الإمبراطورية البيزنطية، التي ترمي إلى الإيقاع بين الأمراء العثمانيين، كانت عاملاً مهماً في هذه الحركة.

ضرب الحصار الخامس على "إستانبول"

ضرب "موسى جلبي"، الذي كان يريد أن ينتقم من الإمبراطور البيزنطي، حصاراً شديداً على "إستانبول"، وساق حملات قوية عليها، واستمر فترة طويلة من الوقت في إطلاق المدافع عليها. ويذكر أن هذا الحصار الخامس على "إستانبول"، كان في عام 813هـ/1410م.

وعلى الرغم من أن بعض المصادر، يشير إلى أن هذا الحصار، هو الحصار الثالث على "إستانبول"، فإن ذلك غير صحيح.

وكان قيام الإمبراطور البيزنطي بمد يد التعاون لـ"محمد جلبي"، أبطل مفعول هذا الحصار الخامس أيضاً.

 

815هـ/1412م

معركة "إنجغز"، بين "محمد جلبي" و"موسى جلبي"

يذكر أن الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، أرسل دعوة إلى "محمد جلبي" لزيارة بيزنطة؛ بغية القيام بحملة مشتركة ضد "موسى جلبي"، الذي وضع الحصار على "إستانبول". فقبل "محمد جلبي" الدعوة، وتوجه إلى "إستانبول"، حيث أقام بها ثلاثة أيام، عقد خلالها اتفاقاً مع الإمبراطور. ثم أخذ معه مفرزة بيزنطية صغيرة وتوجه لملاقاة "موسى جلبي"، حيث التقى الجمعان في أواخر ربيع الآخر من هذه السنة، في موقع "إنجغز"، بالقرب من "إستانبول". وانهزم في المعركة أمام "موسى جلبي".

وبناءً على ما ورد في المصادر العثمانية، فإن السبب الأساسي للخلاف، الذي نشب بين "موسى جلبي" و"محمد جلبي"، هو الوعد الذي وعد به أخاه، أثناء انتقاله إلى "الروملي"، ولم يوف به تجاه أخيه، "محمد جلبي". وفحواه أنه، حينما يستتب له الحكم في "الروملي"، بعد القضاء على حكم "سليمان جلبي"، سوف يأمر بقراءة الخطبة باسم "محمد جلبي"، ويذكر اسمه على المسكوكات، التي يضربها. فتصرف في حكمه بشكل مستقل عن أخيه.

ومن خلال وجهة نظر بعض المؤلفين الغربيين المتأخرين، فإن قيام "موسى جلبي"، المتأثر بأفكار الشيخ "بدر الدين"، بمواجهة الطبقية الأرستقراطية العثمانية، واستناده إلى الفئات الشعبية، أدى التحاق أمراء "الروملي" بـ"محمد جلبي"؛ وكان تأثير ذلك كبيراً في "محمد جلبي"، يساوي الدعوة، التي لقيها من الإمبراطور البيزنطي.

وبناءً على ما سبق، فإن معركة "إنجغز"، تعد صراعاً بين الديموقراطية والأرستقراطية، في بدايات القرن الخامس عشر الميلادي.

والحقيقة أن المصادر العثمانية أيضاً، تشير إلى أن التكاليف الباهظة، التي حمّلها "موسى جلبي" لأمراء "الروملي"، ولا سيما تصدير الأملاك والأراضي، قد أدت تحوُّل أولئك الأمراء من "موسى جلبي" إلى "محمد جلبي". ومن ضمن الأمراء، الذين اشتكوا من المضايقات، التي لقوها من "موسى جلبي"، من أمراء ذلك العهد المهمين ـ "الغازي أفرنوس بك"، و"يحشي بن ميخال"، و"بوراق بك"، و"سنان بك". وقد أعدم بعض الأمراء أيضاً، بأمر من "موسى جلبي". ويذكر أن قيام "موسى جلبي"، الذي شدد الخناق على الأمراء وأذلهم، بتعيين شخص يسمى "كور شاهملك"، الذي لم يكن ينتسب إلى أسرة معروفة، في مقام الوزارة، كان ثقيلاً على الأرستقراطية العثمانية، في القرن الخامس عشر الميلادي. وانفصال بعض الأمراء عن "موسى جلبي" في معركة "إنجغز"، والتحاقهم بـ"محمد جلبي" ـ كان بسبب ذلك الوضع. وعلى الرغم من ذلك، فإن "موسى جلبي"، الذي اعتمد على نفوذه في قاعدة الجيش، خاض غمار حربين اثنتين، وانتصر فيهما، وجرح أخوه، "محمد جلبي"، في ساحة المعركة، واضطر إلى الانسحاب.

انتقال "جنيد"، ابن "إزمير أغلو"، من "الروملي" إلى الأناضول

إن الأمير الكبير، "سليمان جلبي"، لما انتقل من الأناضول إلى "الروملي"؛ بغية قتال "موسى جلبي" ـ جلب معه حاكم "آيدين"، "جنيد بك"، ابن "إزمير أغلو"، وعينه على سنجق "أوهري"، في "الروملي".

وفي أثناء صراع "موسى جلبي" و"محمد جلبي" على السلطة، رجع "جنيد" من "الروملي" إلى الأناضول، حاكماً على بلاده، من جديد. وهذا الحدث يروى بروايتين:

إحداهما: أن "موسى جلبي"، هو الذي أرسل "جنيد" إلى الأناضول؛ وذلك بهدف إثارة مشكلة لـ"محمد جلبي"، بغية إجباره على الرجوع إلى الأناضول.

الثانية: أن "جنيد بك" استفاد من الصراع، الذي نشب بين الأمراء العثمانيين، ووفق في الهروب، من دون أن يساعده أحد. والرواية الأولى أقوى من الثانية. ويروى أن "محمد جلبي"، بناءً على هذا الوضع، انتقل إلى الأناضول، ونكل بـ"جنيد"، ابن "إزمير أغلو".

 

816هـ/1413م

تغلب "محمد جلبي" على "موسى جلبي"، في معركة جامورلي أوفا، وسيطرته على كل الأراضي العثمانية، في "الروملي" والأناضول

أدت إجراءات "موسى جلبي"، المنافية لواقع النظام الاجتماعي، في ذلك الوقت، إلى تعاون مختلف الدول مع "محمد جلبي"؛ فإن الإمبراطور البيزنطي "مانوئيل الثاني"؛ والملك الصربي، "ستيفان لازارفيج"، وابن حاكم "دولقادر"، "ناصر الدين محمد بك، "سليمان"، الذي كان ولي عهد والده ـ قدموا جميعاً المساعدات لـ"محمد جلبي"؛ كما أن أمراء "الروملي"، الذين تضرروا في أموالهم وأنفسهم، من إجراءات "موسى جلبي"، التزم معظمهم جانب "محمد جلبي".

وقد انتقل "محمد جلبي"، للمرة الثانية، إلى "الروملي"، مستفيداً من تلك الظروف المناسبة. فاضطر "موسى جلبي"، أمام قوات أخيه الكبيرة، إلى الانسحاب إلى جبال "صوفيا"، في "بلغاريا"، فتعقبه أخوه، "محمد جلبي"، والتقى الجيشان، في نهاية الأمر، في موقع "جامورلي أوفا"، بجوار "ساماكو"، وذلك في يوم الأربعاء، الخامس من ربيع الآخر، الموافق للخامس من يوليه من هذه السنة. ويذكر أن التغلب على "موسى جلبي"، قد تم بسهولة، بسبب ضخامة قوات "محمد جلبي" وحلفائه. وعلى الرغم من ذلك، فقد قاتل "موسى جلبي" ببسالة تامة، إلى أن اضطر إلى الانسحاب. ولما انهزم في الحرب، توجه إلى جهة "الأفلاق". وقد كلف "ساروجا باشا"، من أمراء "محمد جلبي"، بمتابعة "موسى جلبي"، فوجده، بناءً على إحدى الروايات، ميتاً في أحد المستنقعات. وهناك العديد من الروايات، التي تذكر مقتل "موسى جلبي" بيد رجاله، أو بيد رجال "ساروجا باشا". وكان السبب، الذي جعل "موسى جلبي" يتجه إلى "الأفلاق"، دون غيرها، أنه كان زوجاً لابنة أميرها، "ميرجه"، ويستند إليه في تثبيت وضعه.

وقد أُتي برأس "موسى جلبي" المقطوع، إلى أخيه، "محمد جلبي". وتشير الرواية إلى أنه لم يتمالك نفسه، أمام هذا المنظر، فبكى. ونقلت جثة هذا الأمير المقتول إلى "بورصا"، حيث دفنت.

وبناءً على أقوى الروايات، فإن مدة حكم "موسى جلبي" في "الروملي"، بدأت من يوم الثلاثاء، الثاني والعشرين من شوال 813هـ/ السابع عشر من فبراير 1411م، وانتهت يوم الأربعاء، الخامس من ربيع الآخر 816هـ/1413م؛ وهي سنتان وأربعة أشهر وستة عشر يوماً. وعلى الرغم من أن بعض المصادر المتأخرة، تعدّ "موسى جلبي" من سلاطين الدولة العثمانية، فإن هذا غير صحيح؛ لعدم تمكنه، في يوم من الأيام، من حكم كل الأراضي العثمانية، في الأناضول و"الروملي".

وتذكر المصادر العثمانية، أن موقف "موسى جلبي"، المعارض لأمراء "الروملي"، أدى تلك النتيجة، التي يعللها بعض المستشرقين بالخطر الاجتماعي، الذي كان يمثله "موسى جلبي"، حيث تعاون كل الأرستقراطيين والقوات المحافظة مع الدول، إلى أن تحقق الانتصار على "موسى جلبي".

وتعلل المصادر العثمانية تقديم "بني دولقادر" المساعدات لـ"محمد جلبي"، بالنسب الموجود بينهما.

وكان الشيخ "بدر الدين محمود"، الشهير، هو الأول في قائمة المخلصين المعدودين لـ"موسى جلبي"، ولذلك، فرض "محمد جلبي"، بعد انتصاره في "جامورلي أوفا"، على هذه الشخصية الخطيرة الإقامة الجبرية، مع أسرته، في مدينة "إزنيق". وخصه بما يكفيه وأسرته من المال.

ومع وفاة "موسى جلبي"، واستقرار "محمد جلبي" في حكم الدولة العثمانية، حاكماً وحيداً، فإن ما يطلق عليه، في التاريخ العثماني، "عهد الفترة" (أي الفوضى) أو "فصل السلطنة" أي الفترة الانتقالية، التي شهدت صراعاً كبيراً على الحكم، وفوضى في الأوضاع ـ قد انتهى. فهذا العهد، الذي هز من كيان الدولة العثمانية ووجودها، بدأ من يوم أسر "يلدرم بايزيد" في معركة "جبوق أوفا"، في يوم الجمعة، السابع والعشرين من ذي الحجة 804هـ، الموافق للثامن والعشرين من يوليه 1402م؛ وانتهى يوم استقرار الحكم لـ"محمد جلبي"، الأربعاء، الخامس من ربيع الآخر 816هـ، الموافق للخامس من تموز/ يوليه 1413م. وقد استمر هذا العهد، حسب التقويم الميلادي، عشر سنوات وأحد عشر شهراً وثمانية أيام.