إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

"محمد الأول"

(جلبي السلطان محمد)

816-824هـ/1413-1421م

 

816هـ/1413م

جلوس "محمد الأول" على سدة الحكم في "أدرنة"

إن الحاكم العثماني، الذي يذكر في المصادر الغربية باسم Mohamet I، يطلق عليه، في المصادر العثمانية، اسم "محمد الأول"، و"جلبي سلطان محمد". وتقرر اسمه، في الأوساط الشعبية، على النحو الثاني، أي "جلبي سلطان محمد". ويطلق بعض المصادر القديمة لقب "كريشجي" على هذا السلطان. وعلى الرغم من أن تأويل هذا اللقب، بأنه "كرشجي"، أي المصارع، الذي يدل على أن "محمداً الأول" كان مصارعاً، فإن بعض المصادر تفيد أنه، بالنظر إلى كونه قد خنق أخاه، "موسى جلبي"، بحبل القوس، الذي يطلق عليه "كريش"، فلذلك أطلق عليه هذا اللقب. والحقيقة أن المصادر العربية، التي تورد شرحاً لهذه الكلمة التركية، وتضيف إليها أل التعريف: "الكريشجي"، تؤيد هذا المعنى الثاني.

وبناءً على قتل "موسى جلبي"، فإن جلوس "محمد جلبي" في "أدرنة"، أمر اعتباري؛ لأن الانتصار الأخير لهذا الأمير، الذي استمر في الحكم في الأناضول سنوات عديدة، لم يكن جلوساً جديداً، بل كان تـثبيتاً لحكمه المنفرد، الذي شمل منطقة "الروملي" أيضاً. ولذلك، فإن عام 816هـ/1413م لم يكن تاريخاً لجلوس "محمد جلبي"؛ وإنما كان تاريخاً لحكمه المنفرد، في كل الأراضي العثمانية.

ويعد "محمد جلبي" المؤسس الثاني للدولة العثمانية، بعد عثمان غازي، بسبب القضاء على عهد الفترة، وتخليص وحدة الدولة، وكون السلاطين العثمانيين، الذين أتوا بعده، كلهم من نسله.

وبناءً على أن "محمد جلبي" ولد، حسب أقوى الروايات، في عام 791هـ/1389م، فينبغي أن يكون عمره أربعاً وعشرين سنة، عند تمكنه من زمام أمور الدولة العثمانية كلها، عام 816هـ/1413م. ونظراً إلى الاختلافات الموجودة بين الروايات، فينبغي قبول تلك الأرقام، بشيء من الحذر.

وعلى الرغم من وجود رواية، تفيد أن جلوس "محمد جلبي الأول" في "أدرنة"، كان في 2 جمادى الأولى، الموافق لـ 30 أغسطس من هذه السنة، فإنه، بالنظر إلى كون معركة "جامورلي أوفا"، قد وقعت في يوم الأربعاء، 5 ربيع الأول، الموافق لـ 5 يوليه من هذه السنة، فإن هذه الرواية، التي تشير إلى فرق شهرين بين التاريخين المذكورين، مشكوك فيها.

وبما أن "سليمان جلبي" و"موسى جلبي"، لم ينفردا بحكم الدولة العثمانية، كما هو معلوم في المصادر العثمانية، فلم يدخلا في سلسلة السلاطين العثمانيين. ولذلك، فإن "محمد جلبي الأول"، هو الخامس في التسلسل التاريخي للسلاطين العثمانيين، بعد والده، "يلدرم بايزيد"، الذي هو الرابع في تلك السلسلة.

وإذا ما عدّ "سليمان" و"موسى جلبي" من سلاطين الدولة العثمانية، كما هو الأمر لدى المؤرخين، البيزنطيين والغربيين، فينبغي أن يكون "محمد جلبي الأول"، السابع في تلك السلسلة؛ بل إن بعض المصادر العثمانية القديمة تشير إلى ذلك. إلا أنه، على الرغم من ذلك، وبالنظر إلى كون هذين الأميرين، لم ينفردا بحكم الدولة العثمانية بشطريها: الأناضولي والروملي، فلا يصح إدخالهما في تلك السلسلة.

وتطلق المصادر العثمانية بعامة، لقب "السلطان"، على الحكام السابقين على "محمد الأول". فعلى سبيل المثال، يتحدث" لطفي باشا" و"أوروج بك"، عن عثمان و"أورخان" مضيفين إليهما لقبي: "الغازي" و"بك"؛ ثم يبدآن باستخدام لقب "السلطان" لحكام الدولة العثمانية، بدءاً من "مراد الأول". أما "توقيعي محمد باشا"، فقد استخدم لقب "السلطان"، بدءاً من عثمان غازي. واستخدم "شكرالله الرومي" ألقاب: "بك" و"خونكار" و"سلطان الغزاة"، للحكام الأوائل حتى "محمد الأول". وأطلق "عاشق باشا زاده" لقب "الغازي"، على عثمان و"أورخان"، ولقب "خان" على "مراد الأول" و"بايزيد الأول"؛ وبدأ باستخدام لقب "السلطان" بدءاً من "محمد الأول". وذكر "الخوجه سعد الدين" لقبي: "خان" و"سلطان" بكثرة، بدءاً من عثمان بك. ويمكن تقسيم آراء المستشرقين، الذين اشتغلوا بهذا الموضوع، في الفترة الأخيرة، إلى قسمين:

الأول: يرى أن أول من استخدم لقب "السلطان"، من بين سلاطين الدولة العثمانية، بصفة رسمية، هو "محمد الأول". ووجود ألقاب في وثائق ذلك العهد، مثل: "الملك المعظم" و"الخاقان المكرم" و"السلطان ابن السلطان" ـ دليل على هذا الإطلاق. غير أن تلك الألقاب، لم يتم التصديق عليها من لدن الخليفة، ولم يتقرر استخدامها، رسمياً، بين الدول الإسلامية، بموجب شروط ذلك العصر وتقاليده. ولذلك؛ فإن "يلدرم بايزيد"، طلب من الخليفة العباسي، في مصر، توجيه هذا اللقب إليه؛ وبناءً على إحدى الروايات، فإنه لقبه بـ"سلطان الروم"، بعد معركة "نيجبولي". ويبدو أن هناك فرقاً، بين استخدام تلك الألقاب بصورة كيفية وخاصة، كما هو الأمر في الإمارات التركية بالأناضول، وبين استخدامها، بعد التصديق عليها من مقام الخلافة، بموجب ظروف ذلك العهد، حيث يوجد فرق كبير بينهما. ولذلك، فإن الشرح الوارد على إطلاق لقب "السلطان" على السلاطين العثمانيين، منذ عهد "مراد الأول"، ينبغي قبوله بنوع من الاحتياط والحذر.

الثاني: يرى أن أول من حاز لقب "السلطان" هو "محمد الأول"؛ إذ إن الألقاب، التي استخدمها "أورخان غازي" و"مراد الأول"، في الوثائق التي تعود إلى عهديهما، مثل: "سلطان الغزاة" و"السلطان ابن السلطان" وغيرهما من الألقاب ـ قد استخدمت بصفة خاصة، للدلالة على التعظيم والتكريم. ويصادف استخدام تلك الألقاب لدى أمراء "قره مان" و"منتشة" وغيرهما. ولذلك، فإن أول من حصل على لقب "السلطان"، من سلاطين الدولة العثمانية، هو "محمد جلبي الأول". والحقيقة إن وجود ألقاب، مثل: "السلطان" و"السلطان الأعظم" و"السلطان الملك الأعظم"، وغيرها من الألقاب، الموجودة على المسكوكات، التي ضربها "محمد الأول" في "آماسيا" و"بورصا" و"أدرنة" و"سرز" وغيرها من البلاد ـ لدليل واضح على هذا الرأي؛ لأن لقب "السلطان"، لا يوجد في المسكوكات، المضروبة قبل عهده. غير أنه ليس من الواضح متى استخدم "جلبي سلطان محمد الأول" هذا اللقب؛ فقراءة عام 813هـ/1410م، على إحدى هذه المسكوكات، وعدم سيطرة "جلبي محمد" على "الروملي"، في هذا التاريخ، يعنيان وجود سبب مؤد التردد؛ بل إن "خليل أدهم" يشير، في كتابه "المسكوكات العثمانية"، إلى سك غير مؤرخ، يحمل لقب "السلطان"، يضع احتمالاً لتاريخه، ضربه بأنه عام 807هـ/1404-1405م. وبناءً على هذا الوضع، يحتمل أن يكون "محمد الأول" استخدم لقب "السلطان"، بصورة خاصة، بدءاً من عهد الفترة. والحقيقة أن النقطة المؤكدة الوحيدة، هي كون "محمد الأول"، هو أول من وضع لقب "السلطان" على المسكوكات، التي ضربها، من بين السلاطين العثمانيين. ويبدو أن هذه المسألة تحتاج إلى بحث مستقل.

ويتبين من بعض المسكوكات أن "محمداً الأول" استخدم لقب "غياث الدين"، بموجب التقاليد الإسلامية، من بين الألقاب، التي استخدمها.

نفي أتباع "موسى جلبي" إلى مختلف الأماكن

وكان أهمهم قاضي عسكر، الشيوعي، في حكومة "موسى جلبي"، الشيخ "بدر الدين محمود"؛ وأمير أمراء "الروملي"، "محمد بك"، ابن "ميخال أغلو". وكما اتضح من الفقرة الأولى، من أحداث عام 816هـ/1413م، فقد نفي الشيخ "بدر الدين"، مع ابنته وسائر أفراد أسرته، إلى مدينة "إزنيق"، وخصص براتب شهري، بمقدار ألف آقجة؛ وبناءً على إحدى الروايات، خصص، في اليوم، بمائة آقجة درلك (أي ما ما يكفيه لمعيشته). أما "محمد بك" ابن "ميخال"، فقد نفي إلى "توقاد"، وزج به في سجن "جار ـ تاق".

سياسة "محمد الأول" السلمية، وإعادة الأراضي، التي استردها "موسى جلبي"، إلى بيزنطة

يذكر أن وفداً أرسل من لدن الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني" إلى "محمد الأول"؛ لتقديم التهنئة بانتصاره، والطلب منه إعادة الأراضي، التي استردها "موسى جلبي" من البيزنطيين، وذلك بموجب الاتفاق المبرم بين الطرفين.

ويروى أن الإمبراطور البيزنطي "مانوئيل الثاني"، لما قدم الدعم الأخير لـ"محمد جلبي" ضد "موسى جلبي"، كان قد أبرم اتفاقاً معه، في "أسكودار". فبناءً على معاهدة "أسكودار" هذه، تعهد الإمبراطور البيزنطي لـ"محمد جلبي"، بنقل عساكره إلى "الروملي"، وتقديم المساعدات العسكرية له، مقابل إعادة الأراضي، التي استردها "موسى جلبي"، والواقعة بجوار "إستانبول" و"سلانيك"، وقبل بذلك "محمد جلبي". والطلب الذي تقدم به الوفد البيزنطي، في هذه المرة، هو تنفيذ ذلك الشرط من المعاهدة. وقد أظهر "محمد جلبي" وفاءه للمعاهدة، فأعاد الأراضي، الواقعة على سواحل البحرين: الأسود ومرمرة، والمجاورة لـ"إستانبول"؛ وكذلك الأراضي الواقعة بجوار "سلانيك"، إلى الإمبراطور. ويمكن تعليل سياسة "محمد الأول" السلمية هذه، برغبته في توفير الهدوء والسكينة للدولة العثمانية، ولا سيما بعد تعرضها للصراع الدامي، إثر كارثة "أنقرة".

ولقد أكد "محمد الأول" لوفود حكام وأمراء الصرب، و"الأفلاق"، و"يانيا"، و"المورة"، وغيرها، سياسته السلمية؛ وبذلك، فهو يعدّ متبعاً، بشكل عام، لسياسة السلم الخارجية. ويؤرخ أيضاً هذا الحدث، بعام 817هـ/1414م.

وضع الحصار على "بورصا" من لدن "محمد الثاني" ابن قره مان

يذكر أن "محمداً الثاني"، الحاكم القرماني، قام بهذه الحملة؛ للاستفادة من الصراع الموجود بين "محمد جلبي" و"موسى جلبي"، في "الروملي".

فلقد قام "محمداً الثاني"، الذي استولى على دولة "كرميان"، بالاستيلاء على الأراضي العثمانية، وتقدم إلى أن وصل إلى "بورصا"، حيث ضرب الحصار عليها. وتفيد الروايات أن ذلك الحصار، استمر أربعة وثلاثين يوماً.

وكان المحافظ على "بورصا"، في تلك الفترة، "عوض باشا" قد دافع عن المدينة دفاعاً مستميتاً، أدى فشل حملة ابن" قره مان" على "بورصا". غير أن إحدى الروايات تفيد أنه، بالنظر إلى إعدام والده (أي والد ابن "قره مان")، من لدن "قره تيمورطاش باشا"، فقد قام بحس الانتقام، ففتح قبر "يلدرم بايزيد"، وأحرق جثته؛ وأنه بعد وصول نعش "موسى جلبي" إلى "بورصا"، للدفن، علم أن "محمد جلبي" منتصر، فقام بإحراق بعض أحياء المدينة، ثم انسحب.

وقد وردت الرواية بتاريخ هذا الحدث، بأنه كان في عام 817هـ/1414م.

 

817هـ/1414م

تمرد "جنيد"، ابن "إزمير أغلو"

إن "جنيد بن "إزمير أغلو"، الذي سبق أن تم تعيينه على إمارة "أوهري"، بعد أن أخذه معه "سليمان جلبي" إلى "الروملي"، أخلى سبيله "موسى جلبي"؛ بغية التوجه إلى الأناضول؛ للقيام بالمشاكل في وجه "محمد جلبي"، حيث ذهب إلى بلاده. غير أنه اضطر إلى الخضوع لـ"محمد جلبي"، كما سبق بيانه.

وفي هذه المرة، قام "جنيد بك"، وبتشجيع ابن "قره مان"، بالتمرد، فقام بالاستيلاء على الأراضي العثمانية، فشنت حملة عثمانية عليه، وتم من خلالها وضع الحصار على قلعة "إزمير". ولما علم أنه لا يستطيع المقاومة، أمام الجيش العثماني، أعلن خضوعه لـ"محمد الأول"، فصدر العفو عنه.

وتشير الروايات إلى أن الجالية الجنوية، في "فوجا" و"ساقز" و"مديلّي"، وأمراء "تكه" و"منتشه"، دخلوا في خدمة "محمد الأول"، في أثناء ذلك الحصار، واعترفوا بحكمه.

وبناءً على ذلك الحدث، لم يبق في حوزة "جنيد بن إزمير أغلو"، سوى مدينة "إزمير" والمنطقة المجاورة لها. وتم الاستيلاء على ولاية "آيدين" وغيرها من المناطق" بالكامل.

حملة "محمد الأول" على "قره مان"، واسترداد "آقشهر"، و"بيشهر"، و"سيدي شهر"، و"سعيد ألي/قادن خان"، ووضع الحصار على "قونية"

إن قيام السلطان "محمد جلبي الأول"، بالحملة على "قره مان"، يعني البدء بسياسة الاسترداد في الأناضول، من جهة، والانتقام من الحاكم القرماني، "محمد الثاني"؛ بسبب حملته على "بورصا"، من جهة ثانية.

ولقد بدأ، أولاً، الاستيلاء على المدن المذكورة؛ وعلى الرغم من أن المدن الثلاث الأولى (أي "آقشهر" و"بيشهر" و"سيدي شهر") قد اشتراها "مراد الأول"، من "كمال الدين حسين بك"، ابن "حميد أغول"، وألحقت بالدولة العثمانية، آنذاك، فهي من المدن، التي ألحقها "تيمورلنك" بالدولة القرمانية، بناءً على كارثة "أنقرة".

وبعد أن تم استرداد تلك المدن، توجه الجيش العثماني إلى "قونية". غير أن حملة السلطان "محمد الأول"، ابن عثمان، على "قونية" قد فشلت تماماً، مثل فشل حملة "محمد الثاني"، ابن "قره مان"، على "بورصا". ويروى أنه، بناءً على ذلك الفشل، قد عقد اتفاق سلمي بين الطرفين. (انظر خريطة الحدود خلال حكم جلبي محمد)

 

818هـ/1415م

الحملة الثانية للسلطان "محمد الثاني" على "قره مان"

وكان سبب، هذه الحملة الثانية، هو قيام "محمد الثاني"، ابن "قره مان"، بالتجاوز على الأراضي العثمانية، من جديد. والحقيقة أن المعارك، التي خاضها السلطان "محمد الأول" ضد "قره مان"، والتي تشير إليها المصادر العثمانية، بأنها حملتان اثنتان، يحتمل أن تكون حملة واحدة، في شكل العديد من المصادمات.

وتشير الروايات إلى أن السلطان "محمداً الأول"، قد مرض في "أنقرة"، في أثناء القيام بهذه الحملة؛ وأن الطبيب الخاص لـ"يعقوب الثاني"، ابن "كرميان"، "مولانا سنان"، وهو الشاعر الشهير، وناظم كتاب "حسرو وشرين" ـ هو الذي قام بعلاجه.

وهناك رواية تفيد أن الحاكم القرماني، "محمد الثاني"، وابنه "مصطفى"، وقعا أسيرين بيد العثمانيين، في هذه الحملة. وبناءً على هذه الرواية، فقد أسرا بحيلة، حاك خيوطها الوزير العثماني، "بايزيد باشا". إلا أن هذه المسألة، تحتاج إلى بحث وتدقيق. وبموجب بعض المصادر، فإن "محمداً الثاني" وابنه، وقعا أسيرين معاً. وتشير مصادر أخرى إلى أن ابنه، "مصطفى"، هو الذي وقع في الأسر.

وتبرز حادثة الحمامة مع هذا الحدث. فبناءً على الرواية العثمانية، أقسم الأمير القرماني، "مصطفى"، الذي كان يخفي حمامة في صدره، واضعاً يده على صدره، أنه لن يقدم على تجاوز الأراضي العثمانية، "ما دامت هذه الروح في هذا الجسد". إلا أنه قام، فيما بعد، بقتل الحمامة، وبدأ بالخصومة، من جديد. وبناءً على ذلك، قام السلطان، "محمد الأول" بوضع الحصار على "قونية"، من جديد، واستولى عليها، ثم أصدر عفوه عن بني "قره مان"، من جديد، وأعادهم إلى عاصمتهم. وعلى الرغم من عدم وجود وثائق، تبين بوضوح هذه المسالة بشكل قطعي، فإن الادعاء، الذي يذكر إعادتهم مع فتح "قونية"، لا يمكن عده صحيحاً.

وكما تبين في الفقرة الخاصة بـ "الحصار"، الذي وضعه ابن "قره مان" على "بورصا"، في أحداث عام 816هـ/1413م، فإن دولة "كرميان"، كانت تحت الاستيلاء القرماني، منذ مدة من الزمن. وأهم وثيقة حول مدة هذا الاستيلاء، هي الكتابة الموجودة على الوقف، الذي بناه "يعقوب الثاني"، ابن "كرميان"، في "كوتاحيا". ويشرح "يعقوب بك"، الذي يشير إلى اكتمال مبنى الوقف في 814هـ/1411م، هذا الأمر، على النحو الآتي:

"لقد اكتمل في عام ثمانمائة وأربعة عشر للهجرة. وفُتح بابُه، وبدأ استخدامه. وبعد استعماله خمسة أشهر، بقي معطلاً سنتين ونصفاً، بسبب ابن "قره مان". وبعد ذلك جاء "خداونكار"، "زادالله" من (أراضي) دولته، فنَفَى ابن "قره مان"، واسترد كل هذه الأراضي ومنحها لي".

وما أشار إليه "يعقوب بك"، في كلامه عن "خداونكار"، يقصد به السلطان "محمداً الأول". أما كلامه على الوقف، الذي اكتمل بناؤه عام 814هـ/1411م، واشتغل خمسة أشهر، ثم أغلق بسبب استيلاء ابن "قره مان" على بلاده، فإنه غير واضح؛ لأنه بالنظر إلى عدم التصريح بالشهر، الذي اكتمل فيه البناء من عام 814هـ/1411م، فلا تعرف سنة الاستيلاء، الذي وقع بعد خمسة أشهر من بنائه. فبناءً على هذا، يمكن أن يكون الاستيلاء قد وقع في عام 814هـ/1411م؛ ويمكن أن يكون قد وقع في عام 815هـ/1412م؛ بل إنه بالنظر إلى مصادفة الشهور الهجرية الثلاثة الأخيرة من عام 814هـ، لعام 1412م، فإن الاحتمال الثاني أقوى. وبناءً على ما سبق، فإن هذا الاستيلاء، الذي استمر سنتين ونصفاً، يلزم أن يكون قد انتهى في عام 818هـ/1415م. وبما أن المصادر العثمانية تشير إلى حملتين، قام بهما السلطان "محمد الأول" على بلاد "قره مان"، إحداهما في عام 817هـ/1414م، والثانية عام 818هـ/1415م، فيبدو أن بلاد "كرميان" استردت بالكامل، في الحملة الثانية. وإذا كانت الحملتان واحدة، فيجب أن يكون ذلك مصادفاً لعام 818هـ/1415م.

وبدءاً من تخليص دولة "كرميان" من "آل قره مان"، وإعادتها إلى "يعقوب الثاني"، فقد أصبحت هذه الإمارة تابعة للدولة العثمانية بالكامل وخاضعة لنفوذها.

فتوحات "ألبانيا"

لقد بدأت الغزوات في "الروملي"، من جديد، وأصبحت "ألبانيا" من أولى الأماكن المستهدفة. وقد تم الاستيلاء، في هذه السنة، على قلعة "كرويا"، التي سماها الأتراك "آقجاه حصار"، وكانت منيعة باستحكاماتها العسكرية. كما تم الاستيلاء على كل أراضي أسرة "كاستريوتا". وقد دخلت قلعة "كرويا" بيد "جورجيس كاستريوتا"، المشهور باسم "إسكندر"، واتخذت تلك القلعة مركزاً للمقاومة ضد العثمانيين.

إنشاء سور كبير في برزخ "كورنتوس"، بغية تخليص "المورة" من الاستيلاء العثماني

نظراً لوفاة أمير "المورة"، "تيودورس الأول"، أخي الإمبراطور البيزنطي "مانوئيل الثاني"، في عام 810هـ/1407م، فقد عين، في ذلك التاريخ، "تيودورس الثاني"، الابن الأوسط لـ"مانوئيل الثاني"، وأصبح أميراً على "المورة". وعلى الرغم من أن "مانوئيل الثاني" كان يتظاهر بصداقته للأتراك، من جهة، فإنه كان يقدم المساعدات لملك "آراغون"، "فرديناند الأول"، ضد الأتراك، من جهة ثانية؛ حيث قدم الدعوة لهذا الملك بجيشه إلى زيارة "المورة"، بغية تحريكه ضد الأتراك؛ وقد ذهب هو إلى "إسبارطة"؛ بغية التأكد من الاستحكامات، بحجة أنه سافر لزيارة ابنه. وكان إنشاء الإمبراطور لسور "كورنتوس"، قد تم في هذه الزيارة. وسور "كورنتوس/كوردوس"، الذي سماه الأتراك "كرمه حصار"، كان سوراً عظيماً، على امتداد البرزخ. وهذا السور، الذي قد تم استحكامه بالعديد من الأبراج، يقع في محل السور الشهير، الذي بناه الموريون ضد الإيرانيين، في القرن الخامس قبل الميلاد. وهذا السور رممه إمبراطور روما، "فالريان"، ضد الجوتيين، في القرن الثالث الميلادي؛ كما رممه "جوستنين"، في القرن السادس، ضد الخون، بغية الدفاع. وأخيراً تم تجديده على يدي "مانوئيل الثاني" ضد الأتراك.

إن السبب، الذي أدى بالإمبراطورية البيزنطية إلى ذلك الاهتمام الكبير بـ"المورة"، كونها المعقل الأخير للثقافة اليونانية وحضارتها، في مقابل الوضع الميؤوس منه لـ"إستانبول"، التي كانت تسير إلى الزوال، اقتصادياً وسياسياً. وفي رأي بعض المؤلفين الغربيين أن تمسك بيزنطة، في عهدها الأخير، بالثقافة اليونانية، وتخليها عن الثقافة الرومية، يعدّان علامة واضحة على انقراض الإمبراطورية.

وفاة الشاعر "أحمدي"

وتؤرخ وفاته أيضاً، بعام 815هـ/1412م، وعام 816هـ/1413م، وعام 817هـ/1414م.

وهناك العديد من الروايات، التي تفيد بوفاته في "كوتاحيا" أو "آماسيا". ولا يعلم الموقع، الذي دفن فيه.

الاسم الحقيقي لـ"أحمدي" هو "تاج الدين إبراهيم بن خضر". وأحمد ليس اسماً، وإنما هو لقب له. وعلى الرغم من وجود رواية بأنه من "سيواس"، فإنه، في الحقيقة، كان شاعراً وعالماً كبيراً من "آماسيا". ويخمّن ميلاده في عام 735هـ/1334م. وبناءً على هذا الاحتمال، يكون قد عاش نحو ثمانين سنة.

من أشهر مؤلفاته، هو ديوانه، الذي سماه "إسكندر نامه"؛ وكتابه المنظوم، الذي تناول فيه تاريخ الدولة العثمانية، والذي ألحقه بـ"إسكندر نامه"، وسماه "دستان تواريخ ملوك آل عثمان".

ولقد كان لـ"أحمدي" اتصالات مع "يلدرم بايزيد" والأمير "سليمان جلبي" والسلطان "محمد الأول" من أسرة آل عثمان. وقد عاش، على وجه الخصوص، في قصر "سليمان" و"السلطان محمد".

حملة الأسطول العثماني على الجزر

كان سبب هذه الحملة، هو تعامل أمير "ناكسوس/ناكشا"، "بيترو زنون"، الذي كان يحكم جزر "كيكلاد"، مع السفن التركية، على نحو عدائي.

وكانت جزر "كيكلاد" إمارة تحت حكم البنادقة، منذ عهد أهل الصليب الرابع. وكان الهدف الحقيقي للبنادقة، الذين أنشؤوا لهم جاليات عديدة، في سواحل "ألبانيا" و"اليونان" و"المورة" وفي الجزر الممتدة على تلك السواحل ـ هو السيطرة على الطرق البحرية المؤدية إلى الشرق. وهذه الجزر، التي تشكلت من العديد من التلال الصخرية، كانت مركزاً عسكرياً مرموقاً لدى البنادقة. ولذلك، وحتى لا تشكل هذه الجزر عبئاً على خزينة جمهورية "البندقية"، فقد بيع هذا الأرخبيل لأحد الأثرياء البنادقة، بشرط تأسيس حكومة إقليمية، على أن تبقى هذه الإمارة مرتبطة بالوطن الأم.

وبناءً على التصرف السيئ لـ"بيترو زنون"، أمير "ناكسوس"، مع السفن التركية، أعدّ أسطول في "كلي بولي"، فقامت حملة أولية على ذلك الأرخبيل، ثم هوجمت جزيرة "أغريبوز"، وتم الحصول على الأسرى والغنائم.

واسم الأدميرال، الذي قاد هذه الحملة العثمانية البحرية، في المصادر البيزنطية، هو "جالس". ومع أن هذا الاسم، يحتمل أن يكون محرفاً من "جاولي" أو"جاووش"، فإنه لا يمكن القطع في ذلك بشيء.

 

819هـ/1416م

أول معركة بحرية بين العثمانيين والبنادقة

بالنظر إلى الروايات، التي وردت في سبب نشوب هذه المعركة، فإن إحدى السفن الجنوية، لجأت إلى المياه الإقليمية العثمانية، فهاجمها البنادقة، فأطلق الأتراك النيران عليها، أو أن الأسطول البندقي، الذي أتى بوفد دبلوماسي، ظُنَّ أنه قدم للحرب، فأطلق عليه نيران المدفعية، فتحول الأمر إلى معركة بحرية. والحقيقة أن النقطة المؤكدة في هذا الموضوع، هي وصول الأسطول البندقي، تحت قيادة "بيترو لوريدينو"، في يوم الجمعة، الأول من ربيع الآخر، الموافق لـ 29 مايو من هذه السنة. وقيل إن وصوله كان في يوم السبت، 18 ربيع الأول، الموافق لـ 16 مايو.

ونظراً إلى تعرض السفن التركية، الراسية في "كلي بولي"، التي تعد القاعدة البحرية للأسطول العثماني، لهجوم مباغت، فقد انهزمت أمام القوات البندقية المتفوقة. ويروى أن الأسطول العثماني، في هذه المعركة، خسر سبعاً وعشرين سفينة. وقد قتل البنادقة الأسرى الأتراك، بصورة متوحشة، وقطعوهم إرباً إرباً. وهذه المصادمة تعد أول معركة بحرية بين العثمانيين والبنادقة.

فرض الخراج على أمير "الأفلاق" "ميرجه"

لقد قام الدعي، "دان"، في وجه قريبه، أمير "الأفلاق"، "ميرجه"، الذي كان حما "موسى جلبي" ومساعده. وفي مقابل دعم السلطان "محمد الأول" لهذا الدعي، "دان"، كان "ميرجه" يستند إلى الملك المجري، "سجيسموند".

ولقد قام السلطان "محمد الأول" بحملة على "الأفلاق"، لإزالة ذلك الخطر، أولاً، ثم الانتقام من "ميرجه"، الذي كان يساعد "موسى جلبي"، ثانياً. فانهزم "ميرجه"، وتُرك في موقعه، بعد فرض الخراج عليه. ويروى أن مبلغ هذا الخراج، في السنة، كان في حدود ثلاثة آلاف أو عشرة آلاف ذهب دوقا. وبالإضافة إلى ذلك، اضطر "ميرجه" إلى ترك ابنه رهينة لدى العثمانيين، وقبول تزويد القوات العثمانية بالجند، في الحملات.

ولقد بنيت قلعة "يركويو/كيركيو" في الضفة الثانية من نهر "طونا"، بناءً على ذلك الوضع؛ بغية إخضاع أمير "الأفلاق" بشكل دائم.

تعيين "جنيد"، ابن "إزمير أغلو" على إمارة "نيجبولي"

هذا الأمير، الذي لم يكن له أن يجلس دون القيام بمشاكل، وحتى يزول خطره، أقيل من منصبه في "إزمير"، وعين محافظاً على "نيجبولي"، فانتقلت "إزمير"، بناءً على ذلك، إلى الإدارة العثمانية المباشرة.

الصلح العثماني ـ البندقي

بناءً على قيام الأسطول العثماني، الذي أراد الانتقام لهزيمة "كلي بولي"، بضرب الجزر، بعد أن انفتح إلى البحر، ثانية، فقد اضطر البنادقة إلى أن يوسطوا الإمبراطور البيزنطي، بينهم وبين العثمانيين؛ فقام الإمبراطور البيزنطي، الذي كان يتظاهر بصداقته مع السلطان "محمد الأول"، بهذا التوسط، فجرت مذاكرات مطولة، وعقدت معاهدة للصلح بين الطرفين، في يوم الخميس، 13 جمادى الأولى، الموافق لـ 9 يوليه من هذه السنة. ويروى، كذلك، يوم الثلاثاء، 25 جمادى الأولى، الموافق لـ 21 يوليه؛ بل هناك رواية تفيد أن هذا الصلح، عقد في عام 820هـ/1417م.

وبموجب شروط هذه المعاهدة، فقد تم تبادل الأسرى، وتم الاتفاق، كذلك، على إمكانية قيام السفن البندقية بالتعرض لسفن القراصنة التركية، والتعامل معها بصورة عدائية.

ولقد تم استقبال السفير التركي، الذي أخذ نسخة مصدقة من المعاهدة، وذهب إلى "البندقية"، في عام 820هـ/1417م، استقبالاً رسمياً. وهذا السفير هو أول مبتعث عثماني إلى أوروبا.

حملة السلطان "محمد الأول" على "المجر"

يمكن عد الموقف، الذي اتخذه الملك المجري، "سجيسموند"، في مسألة "الأفلاق"، الواردة في الفقرة الثانية من أحداث هذه السنة، أهم سبب للقيام بهذه الحملة.

ولقد تم فتح قلعة "سانت سفرين"، المجاورة لجسر "تراجان"، في الزحف المتقدم للقوات العثمانية، ووضعت مدينة "بادكرسبورج" تحت الحصار. ويروى أن الحصار أزيل، بسبب وصول القوات المساندة من النمسا.

ويذكر أنه، بناءً على هذه الحملة، التي تمخضت بالعديد من الأسرى والغنائم، طلب الملك المجري الصلح من العثمانيين، وأن العثمانيين قبلوا طلبه.

الحصول على أراض من إمارة "بني جاندار"

لقد تم تأسيس إمارة "بني جاندار"، التي كانت تحكم منطقة "قسطموني" و"سينوب"، من جديد، على يدي "تيمورلنك". وتوسعت هذه الإمارة، بالاستفادة من عهد الفترة في الدولة العثمانية، حيث ألحقت بها "سامسون" و"بافرة". وكان الحاكم، في هذه الأثناء، على إمارة "بني جاندار"، "إسفنديار بك" الشهير. وبناءً على اشتمال اسم هذا الأمير على "بني جاندار"، فيما بعد، فقد أصبح يطلق عليهم "بنو إسفنديار".

وبناءً على تشجيع "قاسم"، ابن "إسفنديار"، والذي كان متنازعاً مع والده، ولجأ إلى الدولة العثمانية بسبب ذلك، وكانت له فوائد في الحملة على "الأفلاق" و"المجر"، فقد أرسل السلطان "محمد الأول" إلى "إسفنديار"، طالباً منه منح "قسطموني"، و"جانقري"، و"توسيا"، و"قلعه جيك"، و"باقر كوره سي"، لابنه "قاسم بك". وعلى الرغم من أن "إسفنديار بك"، قد وجد هذا الطلب ثقيلاً عليه، فإنه، بالنظر إلى عدم وجود قوات كافية، تقوم بمقاومة العثمانيين، أرسل وزيره الواعظ "محمداً"، إلى السلطان العثماني، مع العديد من الهدايا، وذكر له أن حاجته ماسة إلى واردات "قسطموني" و"باقر كورسي"، وطلب الاكتفاء بمدن "جانقري" و"توسيا" و"قلعه جيك"، راجياً أن يقبل طلبه. وبناءً على رواية أخرى، فإن "إسفنديار بك" أخبر السلطان العثماني، أن المدن الثلاث، يمكنه التنازل عنها للعثمانيين، بشرط عدم منحها لابنه، "قاسم بك". ويبدو أن "إسفنديار بك" قد انزعج من ابنه "قاسم بك" كثيراً؛ بسبب تصرفه ذلك. وعلى الرغم من ذلك، فإن السلطان "محمداً الأول"، لم يتردد في منح السناجق الثلاثة لـ"قاسم بك"، بعد أن جعلها إمارة تابعة للحكم العثماني. وتفيد إحدى الروايات أيضاً، أن "توسيا" و"قلعه جيك"، ألحقتا بالدولة العثمانية، ومنحت "جانقري" فقط لـ"قاسم بك".

 

820هـ/1417م

فتح "أفلونيا"

كانت "ألبانيا" مقسمة بين العديد من الأمراء، من الداخل والخارج، والبنادقة والأتراك. وكانت إمارة "أفلونيا" إحدى تلك الإمارات. وهذه الإمارة كانت بيد أسرة "بالشا"، منذ عام 774هـ/1372م. وكان آخر حاكم عليها من تلك الأسرة امرأة، تسمى "رجينا بالشا". وقد قامت هذه المرأة، في عام 819هـ/1416م، بمراجعة مجلس شيوخ "البندقية"، مقترحة بيع بلادها إلى البنادقة؛ نظراً إلى عجزها عن الدفاع عنها، في مواجهة الاستيلاء التركي. غير أن مسألة البيع هذه، لم تحلّ بسرعة، حيث تصرف الأتراك بسرعة، فقاموا بالاستيلاء على "أفلونيا"، في أثناء توجه الوفد المرسل من مجلس الشيوخ البندقي إلى الأميرة.

وهذه المدينة، التي تعد من أهم المواقع في "ألبانيا"، بقيت في حوزة الإدارة التركية لمدة 495 سنة، إلى حين خروجها من سيطرتهم، عام 1912م، في أثناء حرب البلقان.

تعيين الأمير "مراد بك" على ولاية "آماسيا"

الأمير، الذي هو ابن السلطان "محمد الأول"، هو "مراد الثاني"، الذي رقي العرش العثماني، فيما بعد، وهو والد السلطان "محمد الفاتح". أمه "أمينة خاتون"، ابنة "سلي بك"، حاكم "دولقادر". وبناءً على الرواية، التي تفيد أنه ولد في عام 806هـ/1403-1404م، أصبح والياً على "آماسيا"، وله من العمر 13-14 سنة. ومع ما سبق، فهناك رواية أخرى، تفيد أنه عين والياً في عام 821هـ/1418م.

ولقد عين "حمزة بك"، من الأمراء، مربياً للأمير. فكان هذا المربي هو الوالي الفعلي للولاية، إلى أن بلغ الأمير سن الإدارة.

 

821هـ/1418م

طلب المساعدة من العثمانيين في الخلاف، الذي نشب بين أمراء الأناضول

كان "بير عمر"، في هذه الأثناء، والياً على ولاية "أرزنجان"، التابعة للحاكم القرقوينلي، "قره يوسف"، الذي سبق أن لجأ إلى "يلدرم بايزيد"، في مواجهة "تيمورلنك". و"بير عمر" هذا قام بالاستيلاء على أراضي الإمارات الصغيرة من حوله، باسم الفتوحات. وعلى سبيل المثال، فقد هدد أميرَ "قره حصار" الشرقية، "حسن بك"، ابن "ملك أحمد"، فقام الأخير بطلب المساعدة من والي "آماسيا"، الأمير "مراد". وتفيد رواية أنه طلب المساعدة من السلطان "محمد الأول" مباشرة. غير أنه قبل وصول قوات الإمداد إليه، أسر "بير عمر" "حسنَ بك"، وبدأ بالاستيلاء على أراضي مختلف الإمارات، متجهاً إلى منطقة "جانيك". ويذكر أن "إسفنديار بك"، ابن "جاندار"، قام، في هذه الأثناء، بالاستيلاء على "سمسون" و"بافرا". وعين ابنه الصغير، "خضر بك" والياً عليها. وهناك اختلافات كثيرة حول تفصيلات هذا الموضوع.

ولما وصلت تلك الأنباء إلى مسمع السلطان "محمد الأول"، قرر القيام بحملة على الأناضول، بسرعة.

وهناك رواية تفيد أن "إسفنديار بن جاندار"، قد استولى على "سمسون" ومنطقة "بافرا"، في أثناء جريان المعترك السياسي على الحكم بين الأمراء العثمانيين.

الاستيلاء على منطقة "سمسون"

بناءً على أعمال المشاغبة الآنفة، ذهب السلطان "محمد الأول" إلى "آماسيا"، أولاً، وساق "حمزة بك" على "سمسون"، وتحرك هو أيضاً على رأس جيشه. وهناك "سمسون الإسلامية" و"سمسون الكافرة". وكانت "سمسون الكافرة" في حوزة الجالية الجنوية، من القديم. أما "سمسون الإسلامية"، فكانت بيد "خضر بك بن إسفنديار".

ولقد تمكن السلطان "محمد الأول"، في هذه الحملة، من الاستيلاء على السمسونين. وقد استقبل "خضر بك" السلطان العثماني، على الفور، وسلم له القلعة. وطُلب منه أن يدخل في خدمة الدولة العثمانية، مثل أخيه، "قاسم"؛ غير أنه اعتذر عن ذلك، بحجة البرودة الموجودة بينه وبين أخيه.

ومنطقة "جانيك"، التي تم الاستيلاء عليها في هذه الحملة، ألحقت بولاية "آماسيا"، التي كان واليها هو "مراد بك". وهناك رواية تفيد أن منطقة "جانيك"، تم الاستيلاء عليها في عام 822هـ/1419م.

نقل عشائر التتار إلى "الروملي"

يذكر أن السلطان "محمد الأول"، وفي أثناء عودته إلى "بورصا"، بعد فتح "جانيك"، قد صادف في منطقة "إسكليب" عدة آلاف من خيام التتار البدوية. وكان رئيسهم هو "منّت بك". ونظراً إلى كون هذا الرئيس قد ذهب لحضور حفلة زواج، فلم يقم بواجبه تجاه استقبال السلطان العثماني؛ ولذلك فقد دارت الشكوك حوله. بل يذكر أن السلطان "محمداً" قال في هذا الصدد:

"إن عدم مجيئه (أي الرئيس المذكور "منت بك") إلى مقامنا، وتوجهه لحضور الحفلة، لدليل على استقلاله في نفوذه". ويبدو أن عدم رغبة العثمانيين في رؤية التتار، من جديد، في الأناضول، بعد استيلاء "تيمور"، كان أمراً طبيعياً. ولذلك، فقد أمر السلطان "محمد الأول" بنقل بقايا المغول إلى "الروملي"، على الفور. فتم تنفيذ الأمر مباشرة، وإسكانهم بالقرب من "فليبه". وبلدة "تتار بازارجغي"، قد أنشأها هؤلاء التتار. وهناك رواية أخرى، تفيد أن ذلك كان في عام 822هـ/1419م.

 

822هـ/1419م

إكمال مبنى الجامع الأخضر في "بورصا"

هذا الجامع الرائع، الذي يعد من أجمل آثار العمارة العثمانية، قد بني من الحجارة، وغلّف بالرخام. والمعماري، الذي قام ببنائه هو الوزير، "الحاج عوض باشا"، ابن الآخي "بايزيد". واكتملت أعمال التزيين والأمور المتفرعة الأخرى، في عهد "مراد الثاني". وإضافة إلى ذلك، فقد بنى السلطان "محمد الأول" مدرسة ووقفاً. وبناءً على الكتابة الموجودة على الجامع، فإنه اكتمل في ذي الحجة 822هـ، الموافق لديسمبر ـ يناير 1419م. ولقد خصصت واردات مدن "كوجاألي"، التي تم استردادها في هذه السنة، لهذا الجامع.

استرداد مناطق "هركة" و"كبزة" و"داريجة" و"كارتال" و"بنديك"

على الرغم من فتح هذه المدن من قبل، فإن البيزنطيين قد استفادوا من عهد الفترة، فقاموا باستردادها من العثمانيين. وقد كلف السلطان "محمد الأول" "الغازي أمور بك"، ابن "تيمورطاش أغلو"، باسترداد هذه المدن. فقام هذا الأمير بالاستيلاء عليها، على الفور، وخصصت واردات هذه المدن لأمور الإعمار للجامع الأخضر في "بورصا".

 

823هـ/1420م

ثورات "بورلكجه مصطفى"، و"تورلاق كمال" في الأناضول؛ والشيخ "بدر الدين" في "الروملي"

كان القاضي عسكر لدى "موسى جلبي" الشيخ "بدر الدين"، الشهير بشيوعيته، قد نفي إلى "إزنيق"، في بداية جلوس "محمد الأول". وكان هناك العديد من مريدي الشيخ "بدر الدين"، الذين كانوا يقومون بنشر أفكاره. وكان أشهر مريد له، هو "بورلكجه مصطفى"، الذي كان مدير أعماله، أثناء قضائه. وقد أصبح، فيما بعد، خليفته. وهذا الداعية القوي، قام بجمع الآلاف من الأتباع من حوله، في "قره برون"، المجاورة لـ"إزمير"، ورفع علم العصيان في وجه الدولة العثمانية. وفي تلك الأثناء، هرب الشيخ "بدر الدين" من "إزنيق"، وتوجه، بدلالة حاكم "قسطموني"، "إسفنديار بك"، إلى سواحل "الأفلاق" من ميناء "سينوب". وبمساعدة من الأمير "ميرجه"، انتقل إلى "دلي أورمان"، من خلال "سلسترة"، وبدأ، وهو على رأس قواته في "الروملي"، بالهجوم على "أدرنة"؛ بغية الاستيلاء على الحكم.

والحقيقة أن البدء بهذا الاحتلال الشيوعي، في الأناضول و"الروملي"، في وقت واحد، يدل دلالة واضحة على حسن التنظيم بصورة محكمة. ومن المؤكد، أن الهدف، الذي كان يرمي إليه "إسفنديار بك" والأمير "ميرجه" القائمان بالثورة ـ نشوب مشكلة كبيرة، وأزمة خانقة، في وجه الدولة العثمانية، التي خرجت من عهد الفترة، قبل فترة قليلة.

هناك العديد من الروايات المختلفة حول القوات، التي جمعها من حوله "بورلكجه مصطفى"، وذلك ما بين ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف.

وقام، في منطقة "مغنيسيا"، يهودي، يدعى "تورلاق كمال"، وينتسب إلى التنظيم نفسه، بجمع الآلاف من حوله. وقد أطلقت بعض المصادر عليهم اسم "الكماليون". واشتراك أحد اليهود في هذه الثورة، يدل على أن الشيخ "بدر الدين"، لم يكن يفرق بين الأديان والمذاهب.

إخماد ثورة "بورلكجه مصطفى" و"تورلاق كمال"

وكما اتضح في الفقرة السابقة، فإن مركز الحركة الشيوعية في الأناضول، هو "قره برون" و"مغنيسيا". ويدير الأول "بورلكجه مصطفى"، والثاني "تورلاق كمال".

ولقد كلف والي "آماسيا"، الأمير "مراد بك"، والوزير "بايزيد باشا"، بإخماد هذه الثورة. وعلى الرغم من ذلك، فهناك رواية تفيد، أن "بايزيد باشا" لم يكن مع الأمير "مراد"، بل كان قائداً على رأس القوات، التي توجهت إلى "الروملي"؛ بغية إخماد ثورة الشيخ "بدر الدين".

ولقد تم، أولاً، القضاء على حركة "قره برون"، في الأناضول، فأعدم "بورلكجه مصطفى"، ثم تم التنكيل بالكماليين، في جهة "مغنيسيا"، وقتل "تورلاق كمال".

حملة السلطان "محمد الأول" على الشيخ "بدر الدين"، وإعدام الشيخ في سوق "سرز"

يذكر أن السلطان "محمداً الأول"، قام بالحملة على "دلي أورمان" شخصياً، أو أنه، بناءً على الرواية، ساق قوة عليها. ويروى أن "بدر الدين"، قبض عليه بالحيلة، أو بعد هجوم مباغت عليه. وتفيد إحدى الروايات، أن التنكيل بحركتي "قره برون" و"مغنيسيا"، أدى تفريق المحيطين بالشيخ، والتنكيل به، بسهولة. ويذكر أن "قابجي باشي ألوان بك"، هو الذي قام بالهجوم عليه.

وبعد ما تم القبض على الشيخ "بدر الدين"، تم تشكيل لجنة من العلماء، بأمر من السلطان "محمد الأول"، نظراً إلى أهمية شخصيته، حيث تم استجوابه. وبناءً على إحدى الروايات الغريبة، فإن فتوى الإعدام، هو الذي وقع عليها.

وهناك رواية تفيد، أن الشيخ "بدر الدين"، أعدم عارياً. وبناءً على ميلاده في عام 770هـ/1368-1369م، ينبغي أن يكون عمره، عند إعدامه، اثنتين وخمسين سنة.

مشكلة الأمير "مصطفى"

تذكر المصادر العثمانية، أن الأمير "مصطفى"، من أبناء "يلدرم بايزيد"، كان قد فُقد، بعد معركة "أنقرة"، أو أنه قتل، بناءً على إحدى الروايات.

والحقيقة أن جلب الأمير "مصطفى جلبي"، من لدن "تيمور"، بعد أسره، يتناسب مع الأحداث أكثر. ولقد اتفق "مصطفى جلبي" مع محافظ "نيجبولي"، "جنيد بن إزمير أغلو" وأمير "الأفلاق"، "ميرجه". وجمع من حوله أولاد "الغازي تيمورطاش" و"أفرنوس بك"، وخرج على أخيه، السلطان "محمد الأول"، بادعاء الحكم. إلا أن تاريخ هذا الحدث مشكوك في أمره.

ولقد أفادت الأبحاث الأخيرة، أن مدعي الحكم هذا، الذي سمي، في المصادر العثمانية بـ"مصطفى المزور" و"مصطفى الموضوع" و"مصطفى الجالي"، وغير ذلك من الألقاب ـ هو الأمير "مصطفى جلبي" الحقيقي.

ولقد أهملت المصادر العثمانية، على الأغلب، هذا التمرد الأول، الذي قام به "مصطفى جلبي"، في عهد السلطان "محمد الأول"؛ وتحدثت عن التمرد الثاني، الذي قام به في عهد "مراد الثاني" بأهمية بالغة.

ثارت هذه المشكلة، أول مرة، في عام 819هـ/1416م. ولقد ذكر "إسماعيل غالب بك"، في فهرسه لـ "المسكوكات العثمانية"؛ و"خليل أدهم بك"، في مؤلفه الخاص بالمسكوكات العثمانية، أن هناك سكاً فضياً، ضرب في "أدرنة"، في عام 822هـ/1419م، باسم "مصطفى بن بايزيد خان". وبناءً على هذا الوضع، ينبغي أن يكون الأمير "مصطفى"، قد استولى على "أدرنة"، وحكم البلد في ذلك التاريخ. ولهذا السبب، ترد فترة حكم الأمير "مصطفى جلبي" في فهارس المسكوكات، بأنها ما بين 822-825هـ/1419-1422م. وإضافة إلى تلك المسكوكات، التي ضربت باسم الأمير "مصطفى جلبي"، في "أدرنة"، وجدت مسكوكات باسمه أيضاً، ضربت في "سرز". وبناءً على هذا الوضع، فإن قبول حكم الأمير "مصطفى جلبي" في "الروملي"، ولو لقسم منها، في عهد السلطان "محمد الأول"، ولو لعدة سنوات ـ أصبح ضرورياً. وكما يتضح من هذا أيضاً، فإن عهود هذه الفترة من التاريخ العثماني غامضة.

وبناءً على المصادر البيزنطية، فقد انهزم "مصطفى جلبي"، أمام جيوش "محمد الأول"، في "تساليا"، فلجأ، مع "جنيد بن إزمير أغلو" إلى الوالي البيزنطي على "سلانيك"، "ديمتريوس لاسكاريس". فطلب السلطان "محمد الأول" من الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، تسليم أخيه إليه، فاعتذر الإمبراطور، بحجة عدم إمكانية تسليم اللاجئين. ولكن عقد اتفاق بين الطرفين، بعدم إخلاء سبيله، من لدن البيزنطيين، ما دام السلطان "محمد الأول" حياً. وحلت بذلك المسألة، مع تقديم مصروفات "مصطفى جلبي" وثلاثين شخصاً من الأفراد الموجودين بمعيته، ومقدارها ثلاثمائة ألف آقجة، سنوياً، أو بموجب إحدى الروايات، تسعمائة ألف آقجة، سنوياً. وبناءً على هذا الاتفاق، فقد أخذ الأمير "مصطفى جلبي" إلى جزيرة "ليمني" ووضعت عليه الحراسة، كما وضع "جنيد بك" في دير.

ويشير المؤلف الروماني، "إيوركا"، أن هناك مصطفيين، أحدهما حقيقي، والآخر مزور، موضوع؛ وأن الاثنين قاما بالتمرد. فالأمير "مصطفى جلبي" الحقيقي، أعدم في عام 829هـ/1426م؛ ثم خرج، من بعده، "مصطفى المزور"، في عام 832هـ/1429م. والحقيقة أن كل هذا في حاجة إلى البحث والتمحيص.

وبعد ما تمت تسوية مسألة "مصطفى جلبي"، وفي أثناء قيام السلطان "محمد الأول" بالانتقال من "الروملي" إلى الأناضول، من خلال "إستانبول"، قابل، في البوسفور، الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني". وفي تلك الأثناء، همّ رجال الإمبراطور بالقبض على السلطان العثماني، إلا أن الإمبراطور لم يقبل ذلك؛ فقام السلطان "محمد الأول" بالعودة إلى "أدرنة"،بعد أن انتقل إلى "الروملي"، من جديد؛ ولكن من خلال "كلي بولي" هذه المرة.

 

824هـ/1421م

وفاة السلطان "محمد جلبي الأول"

تفيد إحدى الروايات، أن السلطان "محمد الأول"، توفي يوم الأحد، الأول من جمادى الأولى، الموافق لـ 4 مايو من هذه السنة. وتشير رواية أخرى إلى أنه مات في يوم الإثنين، 23 جمادى الأولى، الموافق لـ 26 مايو. وهناك روايات تشير فقط إلى شهر جمادى الأولى، الموافق لشهر مايو، من دون ذكر لتاريخ اليوم. والكتابة الموجودة على مكان دفنه، في "بورصا"، "التربة الخضراء"، تشير إلى شهر جمادى الأولى، الموافق لشهر مايو. ولقد توفي السلطان "محمد جلبي الأول" في "أدرنة".

والروايات الواردة في مرض موته مختلفة. وبناءً على أقوى الروايات، فإنه توفي بأزمة قلبية. وهناك روايات أخرى، تفيد أنه مات بصداع شديد، أو أنه مات من الإسهال، أو من مرض لم يشخص.

وعلى الرغم من الحديث عن أن مرضه، لم يستمر معه طويلاً، وأدى الوفاة مباشرة، فإن هناك رواية تفيد، أنه جلس مريضاً ستة أشهر. وبناءً على رواية ثالثة، يمكن عدها أقوى من سابقاتها أنه أصيب بمرض النزول، أثناء تجوله على فرسه، بجوار "أدرنة"، حيث سقط من على الفرس، فأخذ إلى قصره، وتم إجراء المداخلة اللازمة؛ غير أنه بالنظر إلى عدم إمكانية نجاته، فقد توفي في اليوم الثاني مباشرة. ويروى أنه، في أثناء متابعته لخنزير بري، في جولة قام بها للصيد، بجوار مدينة "أدرنة"، أصيب بأزمة قلبية.

وبناءً على أقوى الروايات، التي تشير إلى أنه ولد عام 791هـ/1389م، يكون قد توفي، وله من العمر اثنتان وثلاثون سنة.

أمّ السلطان "محمد الأول"، هي "دولت" أو "سلطان خاتون"، ابنة الحاكم الكرمياني، "سليمان شاه". ولقد استمرت مدة حكم السلطان "محمد الأول"، على كل أنحاء الدولة العثمانية، بشكل انفرادي، بدءاً من عام 816هـ/1413م، ثماني سنوات؛ وذلك بعد أن استتب له الحكم المنفرد، بمقتل إخوانه: "عيسى" و"سليمان" و"موسى جلبي".

وكان وزراء السلطان "محمد الأول"، هم: معماري الجامع الأخضر، "الحاج عوض باشا"، و"بايزيد باشا"، و"إبراهيم باشا". وعلى الرغم من ورود رواية، تفيد بمنح الوزارة العظمى لـ"إبراهيم باشا جاندارلي"، الذي ذهب إلى بيزنطة، ممثلاً لـ"موسى جلبي"، وطلب الخراج منها، ثم تحول إلى معارض لـ"موسى جلبي"، واتفق مع الإمبراطور البيزنطي، لصالح "محمد جلبي"، حيث توجه من "إستانبول" إلى "بورصا"، ملتحقاً بـ"محمد جلبي"؛ فإن هذه الرواية، التي تشير إلى وزارته العظمى، من بدء التحاقه بـ"محمد الأول"، غير صحيحة. وهناك رواية قوية، أن آخر وزير أعظم للسلطان "محمد الأول"، هو "بايزيد باشا الأماسياوي".

ولقد طلب السلطان "محمد الأول"، وهو على فراش الموت، "بايزيد باشا"، وأملى عليه وصاياه، قائلاً: إنه عين لخلافته من بعده، ابنه "مراداً"، من بين أولاده الخمسة: "مراد" و"مصطفى" و"أحمد" و"محمود" و"يوسف". وأنه جعل الإمبراطور البيزنطي، الذي كان صديقاً حميماً له، وصياً على ولديه: "محمود" و"يوسف"، كما تفيد الرواية. وكان "محمود"، في ذلك الوقت، في الثامنة من العمر، و"يوسف" في السابعة. أما ولي العهد، الأمير "مراد"، فكان والياً على "آماسيا".

ويذكر أن السلطان "محمد الأول"، لما تيقن من دنو أجله، جمع حوله وزراءه، وقال لهم:

فلتأتوا بـ"مراد" سريعاً؛ فإنني لن أقوم من على هذا الفراش. وإذا مت، قبل وصول "مراد"، فإن البلد سيتعرض للفوضى. فتداركوا الأمر، ولا تبلغوا أحداً وفاتي.

ولقد أخفى الوزير الأعظم، "بايزيد باشا"، نبأ وفاة السلطان "محمد الأول"، بمهارة فائقة. وأرسل المرسلين إلى ورثة السلطنة، ودعاهم إلى الحضور إلى "أدرنة". وقد أغلقت كل الطرق، في تلك الأثناء، ولم ينتشر خبر موت السلطان، حتى في "أدرنة"؛ بل إنه بموجب إحدى الروايات، فإن الخبر أخفي، حتى عن أركان القصر أيضاً.

ولقد تم تحنيط جسد السلطان، بموجب العادات التركية القديمة؛ بل إنه بالنظر إلى إخفاء نبأ الموت واحداً وأربعين يوماً، حتى وصول "مراد" من "آماسيا"، فإن الجند طلبوا رؤية السلطان، فتم إلباس الجثة ملابس، وأخرج لهم السلطان من مكان خافت الضوء، ورفعت يد السلطان ترحيباً بهم. وكما يتبين من مثل هذه الروايات، فإن نبأ موت السلطان "محمد الأول" قد أخفي عن الأنظار بعناية فائقة. ويبدو أن اتخاذ كل تلك التدابير لإخفاء نبأ الوفاة، كان بسبب تأثير حادثة "مصطفى جلبي".

والسلطان "محمد الأول"، الذي يروى أنه أصيب بأكثر من أربعين ضربة في جسمه، في مختلف المعارك، التي خاضها ـ كان قد أظهر دراية واقتداراً كبيرين، في تخليص البلاد العثمانية من أكبر المشاكل التاريخية، وهو عهد الفترة.

ولما وصل الأمير "مراد" من "آماسيا"، نقل جثمان السلطان "محمد الأول" إلى "بورصا"، فدفن في "التربة الخضراء".

والسلطان "محمد الأول"، هو أول حاكم عثماني، يخفى نبأ موته، من بين سلاطين الدولة العثمانية.