إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

"مراد الثاني"

(السلطنة الأولى)

(824-848هـ/1421-1444م)

 

824هـ/1421م

جلوس "مراد الثاني" على سدة الحكم في "بورصا"

لقد توجه الأمير "مراد بك"، الابن الأكبر للسلطان "محمد الأول" وولي عهده، بالتحرك من ولايته، "آماسيا" إلى "بورصا"، ما إن سمع بنبأ وفاة والده، وجلس على سدة الحكم العثماني. ويسمى هذا السلطان، في المصادر العثمانية، "مراداً الثاني".

وبناءً على ولادة "مراد الثاني" في 806هـ/1403-1404م، فإنه كان في الثامنة عشرة من العمر، عند ارتقائه العرش العثماني.

وبموجب الرواية التقليدية، التي لا تعدّ "سليمان جلبي" و"موسى جلبي" من السلاطين العثمانيين، فإن "مراداً الثاني" هذا، هو السلطان السادس في سلسلة سلاطين الدولة العثمانية. فإذا عدّ "سليمان" و"موسى جلبي" في تلك السلسلة، يكون "مراد الثاني" هو الثامن في تلك السلسلة. إلا أنه بالنظر إلى عدم تمكن "سليمان" و"موسى جلبي" من السيطرة على أراضي الدولة العثمانية، في "الروملي" والأناضول، في وقت واحد، فلا يصح عدهما من السلاطين العثمانيين. ووالدة السلطان "مراد الثاني"، هي "أمينة خاتون"، ابنة "سلي بك"، حاكم "دولقادر".

إن إخفاء نبأ وفاة السلطان "محمد الأول"، واحداً وأربعين يوماً، وتوجه "مراد الثاني" إلى "بورصا"، من دون ذهابه إلى "أدرنة"، وجلوسه على سدة الحكم في "بورصا"، يتعلق بظهور الأمير "مصطفى"، للمرة الثانية؛ بغية الاستيلاء على الحكم في "الروملي". ولذلك، فإن سلطنة "مراد الثاني"، بدت وكأنها قضاء على عهد فترة (أي عهد الفترة: عهد الفوضى) ثانية.

جلوس الأمير "مصطفى جلبي" على سدة الحكم في "أدرنة"

إن ظهور الأمير "مصطفى جلبي" وجلوسه على سدة الحكم في "أدرنة"، بعد جلوس ابن أخيه، "مراد الثاني" في "بورصا"، بفترة قصيرة ـ هو لعبة سياسية غريبة، من الإمبراطورية البيزنطية. وبناءً على الرواية الواردة في هذا الصدد، فإن الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، أرسل، أولاً، وفداً إلى "مراد الثاني" لتهنئته بالحكم؛ محاولة منه للتلاؤم معه. وبهذه المناسبة، طلب "مانوئيل" من "مراد الثاني"، بناءً على وصية والده، إرسال أخويه: "محمود" و"يوسف" إلى بيزنطة. والحقيقة أن طلب الإمبراطور للأميرين الصغيرين، كان بهدف إبقائهما رهينتين بيده، أكثر من تنفيذ وصية السلطان "محمد الأول". ويروى أن "بايزيد باشا"، رد على ذلك الطلب، بأن الإسلام لا يسمح بإيداع أولاد المسلمين لتربيتهم عند النصارى. وبناءً على ذلك الرد، فقد أرسل "ديمتريوس لاسكاريس"، الذي كان سفيراً لدى السلطان "محمد الأول"، مع عشر سفن، إلى جزيرة "ليمني"؛ وأخرج الأمير "مصطفى جلبي" ابن "يلدرم بايزيد"، مع أتباعه، إلى البر في سواحل "كلي بولي". وقد أخلي سبيل "جنيد بك بن إزمير أغلو"، الذي كان قد زجَّ به في دير، مع إخلاء سبيل الأمير "مصطفى" أيضاً، مع أتباعه.

وبناءً على رواية أخرى، فإن الأمير "مصطفى جلبي"، جُلب إلى "إستانبول"، فعقدت معه معاهدة، تعهد بموجبها "مصطفى جلبي"، أنه إذا تمكن من زمام أمور الحكم، فإنه يعيد لبيزنطة "كلي بولي" و"تساليا" وبعض المواقع في سواحل البحر الأسود.

وبتلك الصورة، استند "مصطفى جلبي" إلى مساعدة بيزنطة، وجمع من حوله العديد من أمراء "الروملي"، وذهب إلى "أدرنة"، معلناً سلطنته. ويروى أن "جنيد بن إزمير إغلو"، أصبح وزيراً للأمير "مصطفى جلبي".

وبناءً على ما جرى، فقد اتصل الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"؛ "مصطفى جلبي"، وطلب منه الإيفاء بالمعاهدة، التي بموجبها تعاد "كلي بولي" وغيرها من المواقع إلى الإمبراطورية. غير أن "مصطفى جلبي" و"جنيد بك"، رفضا ذلك الطلب رفضاً قاطعاً، قائلين: لا يجيز الإسلام التنازل عن أراضي المسلمين لصالح النصارى؛ وإنهما مضطران إلى القيام بفتح البلاد النصرانية الأخرى أيضاً.

وبناءً على ذلك، ولما رجع الوفد البيزنطي بسلاح حاف جاف، قام الإمبراطور البيزنطي، هذه المرة، بإجراء المذاكرات مع السلطان "مراد الثاني". ولكن، بالنظر إلى إصراره على مسألة الأميرين الصغيرين، فقد بقيت المذاكرات من دون نتيجة. واتفق "مراد الثاني" مع جنويي "فوجا" على نقل الجنود العثمانيين إلى "الروملي"، ضد عمه فيها. وهذا يعني، كما هو أمر طبيعي، أن السلطان "مراداً الثاني"، أصبح مواجهاً لعمه، "مصطفى" من جهة؛ ولبيزنطة، من جهة ثانية.

تشكيل صنف جديد من المشاة، باسم "الأعزب"

لقد أحدث هذا الصنف من الجنود، الذين قاموا بأدوار كبيرة في المعارك العثمانية، التي ستنشب، فيما بعد ـ الأمير "مصطفى جلبي" الحقيقي، الذي أطلق عليه، زوراً وبهتاناً، "المزور"، من دون أي وجه حق. ويروى أنه خصص كلاً من أفراد هذا الصنف الجديد من الجنود، بخمسين آقجة.

 

825هـ/1422م

حادثة "أولوباد"، بين "مراد الثاني" و"مصطفى جلبي"

يذكر أن أولى بوادر الخصومة، بين العم وابن الأخ، قد صدرت من ابن الأخ، "مراد الثاني". وبناءً على هذه الرواية، فإن "مصطفى جلبي"، ما إن ظهر في "الروملي"، في عام 824هـ/1421م، حتى ساق "مراد الثاني" قوة، بقيادة الوزير الأعظم "بايزيد باشا"، فقابل "مصطفى جلبي" هذه القوة، في "سازلي درة"؛ وقام في وجه العساكر، خطيباً، وما إن كلمهم عدة كلمات، حتى التحق به كل العساكر؛ فقبض على "بايزيد باشا" وأعدم. ولكن، بناءً على رواية ثانية، فإن "بايزيد باشا" قتل في أثناء نشوب المعركة؛ بل إنه بموجب رواية ثالثة، فإن "بايزيد باشا"، لم يقتل في "سازلي درة"، وإنما قتل في "كلي بولي"، في أثناء دفاعه عنها. وبناءً على رواية رابعة، فإنه لما انتقل إلى "الروملي"، في عام 824هـ/1421م، التحق بـ"مصطفى جلبي"؛ غير أنه أعدم، في عام 825هـ/1422م، بسبب عدم حصوله على ثقة سيده، "مصطفى جلبي". ويبدو، كما هو أمر محقق، أن "مراداً الثاني"، لم يستفد شيئاً من تلك المحاولة، التي قام بها "بايزيد باشا"؛ بل على العكس من ذلك، أصبحت هذه المحاولة وسيلة لقيام "مصطفى جلبي" بالتوجه إلى الأناضول، حيث انتقل، مع العديد من أمراء "الروملي"، من قناة الدردنيل (جنق قلعة) إلى الأناضول. و"بايزيد باشا"، هو أول وزير أعظم في الدولة العثمانية، يقتل في الحرب.

والتقى جيشا العم وابن الأخ، في موقع "أولوباد". وأخذ كل طرف من الطرفين جانباً من جسر "أولوباد". وبما أن بعض المؤامرات السياسية، دخلت في المسألة، فقد حُلت من دون وقوع حرب. فيروى أن "مراداً الثاني"، الذي وجد مقدم عمه بقوات كبيرة، اتخذ تدبيرين اثنين:

أولهما: جلب "محمد بك"، ابن "ميخال"، من "توقاد"، حيث سبق أن نفي، لما أصبح "موسى جلبي" أمير الأمراء.

ثانيهما: مخادعة "جنيد بك بن إزمير أغلو"، الذي بات وزيراً للأمير "مصطفى جلبي".

فلقد تمت الاستفادة من مجيء "محمد الثاني"، ابن "ميخال"، بسبب نفوذه الكبير على حراس الثغور، المعروفين بـ"آقنجيلر"، وكذلك على الأمراء في "الروملي"؛ بل إنه بناءً على رواية "عاشق باشا زاده"، الذي حضر في تلك الحادثة شخصياً، فقد اتفق ابن "ميخال"، في هذا الطرف من الضفة، وأمراء "الروملي"، في الضفة الثانية من النهر، ووقع بينهما الاتفاق. وعلى الرغم من ورود رواية، تفيد بمخادعة "جنيد بك بن إزمير أغلو" في هذا الحادثة، فإن هناك اختلافات في تفصيلاتها. ومن جهة ثانية، أرسل "لحاج عوض باشا" من وزراء "مراد الثاني"، خطاباً إلى "مصطفى جلبي"، تظاهر فيه بأنه من أتباعه، وحدثه عن خيانة أمراء "الروملي". فكل تلك الأمور، أدت بـ"مصطفى جلبي" إلى فهم حقيقة الخطر الداهم، فاضطر إلى الهروب، أولاً" إلى "إزمير"، ثم منها، بالسفينة، إلى "كلي بولي". وبناءً على رواية ثانية، فإن "مصطفى جلبي"، لم يذهب إلى "إزمير"، وإنما وصل إلى "كلي بولي"، بشق الأنفس، خلال ثلاثة أيام؛ بل تزيد الرواية، أن قاضي "بيغا"، تعاون معه، أثناء هروبه، فأمر السلطان "مراد الثاني"، بإعدامه بسبب ذلك.

حملة "مراد الثاني" على "الروملي"، وإعدام "مصطفى جلبي"

لقد انتقل "مراد الثاني" من الأناضول إلى "الروملي"؛ بغية متابعة عمه، بمساعدة السفن، التي وفرها من جنويي "فوجا". وعلى الرغم من قيام "مصطفى جلبي"، الذي كان موجوداً في "الروملي"، بضرب سفن ابن أخيه، "مراد الثاني"، فإنه لم يتمكن من منع قواته من النزول في تلك المنطقة. وبناءً على ذلك، بدأ "مراد الثاني" بوضع الحصار على "كلي بولي". ويروى أن "مصطفى جلبي"، الذي تيقن بعدم إمكانية مقاومة ابن أخيه، فر من "كلي بولي"، متجهاً إلى "أدرنة"، حيث أخذ خزينته وذهب باتجاه "الأفلاق".

وعلى الرغم من تأكد القبض على "مصطفى جلبي"، بجوار "ينيجة قزل آغاج"، إلا أن هناك اختلافاً في التفاصيل؛ فتفيد إحدى الروايات، أنه لما وصل إلى هذا الموقع، تم تسليمه للرجال المتابعين لأثره، على أيدي رجاله، الذين خانوه. وبناءً على رواية أخرى، فإن "مراد الثاني"، وجد عمه مختبئاً وراء أدغال، فأخرجه منها بيديه، وجلبه معه إلى "أدرنة"، حيث علقه بأحد أبراج القلعة، مصلوباً. أما المؤرخ "إيوركا"، فيذكر أن "مصطفى جلبي"، لم يقتل في ذلك التاريخ؛ وإنما أعدم في عام 829هـ/1426م.

وإذا عدّ "سليمان" و"موسى جلبي" من سلاطين الدولة العثمانية، فينبغي أن يعدّ "مصطفى جلبي" أيضاً منهم؛ فهذا أيضاً أقام الحكم في "الروملي"، مثلهم، بل إنه سك النقود أيضاً. غير أنه بالنظر إلى عدم تمكن أحد من هؤلاء الثلاثة من أراضي الدولة العثمانية، في الأناضول و"الروملي"، في وقت واحد، فلا يجوز هذا الإطلاق.

وفاة "سليمان جلبي"، صاحب "المولد"

إن هذا الشاعر الكبير، "سليمان جلبي"، الذي سمي أيضاً باسم "سليمان دده"، يعد أسطع الوجوه الأدبية التركية وأشرقها. كان والده، "أحمد باشا"، من وزراء "مراد الأول"، وجده الشيخ "محمود". وقد أم "سليمان جلبي" جامع "يلدرم بايزيد" في "بورصا". تاريخ ميلاده غير معلوم. ويقع قبره في "بورصا" على طريق (حي) "جكرغة".

ومؤلَّفه الخالد، الذي لا يموت، ولا يقدم، والذي يحتفي به الأدب التركي، منذ العصور الخالية، بتقديس جم، ليس وثيقة مهمة لتاريخ الأدب التركي فحسب، بل إنه وثيقة قيمة حتى لتاريخ اللغة التركية أيضاً.

وضع الحصار السادس على "إستانبول"

كانت الحصارات الأربعة الأولى على "إستانبول"، ضربت في عهد "يلدرم بايزيد"؛ والخامس في عهد "موسى جلبي".

ويبدو من المؤكد، أن شروع السلطان "مراد الثاني" بضرب هذا الحصار السادس على "إستانبول"، كان يستهدف الانتقام من الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني"، الذي أحدث مشكلة "مصطفى جلبي" بشكل مقصود؛ بل إن المشكلة ما إن أخمدت، حتى قام الإمبراطور بإرسال وفد إلى "مراد الثاني"، بغية إمرار العاصفة بسلام، نظراً إلى معرفته بالمصيبة، التي يتعرض لها. إذ إن الوالد الباسل للسلطان "محمد الفاتح"، لم يكن له أن يضع مسمعه لذلك الوفد، بل إنه لم يترك الوفد يغادر، حتى أكمل كل استعدادات الحصار.

وكان الإمبراطور الكهل على بيزنطة، "مانوئيل الثاني"، قد ترك أمور الدولة لشريكه في الحكم، وابنه، "يؤانس الثامن"، مشتغلاً بتأليف بعض الكتب. أما ابنه، "يؤانس الثامن"، فكان مشغولاً بعداوة الأتراك. إلا أنه بالنظر إلى عدم مقدرته على الدفاع عن البلاد، تجاه ما يقوم به الجيش التركي إزاءها، فإن الابن أيضاً، وقع في ربكة من أمره، مثل والده تماماً.

كان الجيش التركي، الذي تم تجهيزه بأدوات الحصار والمدافع الكبيرة، قام بتنظيف المنطقة المجاورة لـ"إستانبول" أولاً، ثم ضرب حصاراً شديداً على المدينة، وبدأ بالتضييق عليها.

بدأ هذا الحصار السادس على "إستانبول"، في شهر جمادى الآخرة، الموافق لشهر يونيه من هذه السنة. واستمر حتى نهايات شهر شوال، الموافق لشهر سبتمبر، حيث استمر أربعة أشهر، على وجه التقريب.

ولقد شارك "شمس الدين البخاري"، المشهور بلقب "أمير سلطان"، في هذا الحصار، مع خمسمائة نفر من مريديه، وشجع بذلك الجيش العثماني بنفوذه المعنوي.

أما البيزنطيون، فقد دافعوا عن بلادهم، على أحسن وجه. وقاموا بعمليات اقتحام، حتى النساء شاركن في الدفاع عن المدينة.

ويروى أن أشد هجوم، تعرضت له "إستانبول"، كان في يوم الإثنين، السادس من رمضان، الموافق لـ 24 أغسطس من هذه السنة. غير أن هذا الهجوم أيضاً، لم يسفر عن شيء.

والحقيقة أن رفع الحصار، قبل فتح المدينة، في الوقت الذي كانت "إستانبول" قاب قوسين أو أدنى من السقوط ـ كان بسبب قيام الأمير "مصطفى"، وهو الأخ الصغير لـ"مراد الثاني"، بالتمرد في وجه أخيه، بحجة ادعاء السلطنة. فهذا الأمير، الذي يعرف بـ"مصطفى الصغير"، كان شاباً صغيراً، وتحمس لإغواء العدو بسهولة، حيث دخلت المؤامرة البيزنطية في المسألة، وأصبح "بنو قره مان" و"بنو كرميان" أيضاً، عوامل مهمة في نشوب هذا التمرد.

وبناءً على ذلك الوضع، فقد تم رفع الحصار، ونجت مدينة "إستانبول" بعد عشرين سنة من كارثة "أنقرة"، من هذه الكارثة الكبيرة، التي تعرضت لها. وبقيت في حوزة الإمبراطورية البيزنطية لمدة إحدى وثلاثين سنة أخرى، إلى أن تم فتحها على يدي السلطان "محمد الفاتح". وكان هذا الحصار السادس، هو آخر حصار مفروض على "إستانبول"، قبل الفتح.

ولقد شرح البيزنطيون هذه النجاة بمعجزة، فحواها أن السيدة "مريم"، وقفت، في أثناء الحرب، على الأسوار، وأنها دافعت عنها، وتحققت بذلك المعجزة، ونجت المدينة. والحقيقة أن مثل هذه الخرافات يصادف بكثرة، في الفترة الأخيرة من الإمبراطورية البيزنطية.

 

826هـ/1423م

التنكيل بتمرد "مصطفى الصغير"

"مصطفى الصغير"، هو أحد إخوان "مراد الثاني". كان ولداً صغيراً، تشجع لتحريكات "بني قره مان" و"بني كرميان" له. ويذكر أنه كان في الثالثة عشرة من العمر، آنذاك. وهذا الولد الصغير، الذي يقال إنه كان والياً على ولاية "حميد"، منذ عهد والده، كان له مربٍّ، يدعى "إلياس بك شرابدار". فهذا المربي، هو الذي يدير كل أمور الصغير. وإضافة إلى ذلك، يقال إن "يعقوب الثاني"، حاكم "كرميان"، كان قد تبنى "مصطفى الصغير" هذا. ويبدو، في حقيقة الأمر، أن مسؤولية القيام بالتمرد، لا تقع على هذا الولد الصغير؛ وإنما على مربيه؛ فهذا المربي هو الذي غوى بتحريكات "قره مان" و"كرميان" وبيزنطة.

وهذه الحركة التمردية، التي أخذت شكلاً جدياً، بالمساعدات العسكرية، التي قدمت لها من لدن مشجعيها، أدت الاستيلاء على "إزنيق" وضرب الحصار على "بورصا".

وبناءً على هذا الوضع، رفع "مراد الثاني" الحصار عن "إستانبول"، على الفور. واضطر إلى الانتقال إلى الأناضول مباشرة.

وعلى الرغم من وضع مدينة "إزنيق" تحت الحصار، فإنه لم تقع معركة ذات أهمية. وكان السبب في ذلك، هو الوصول إلى "إلياس بك شرابدار". فبموجب الرواية، التي تورد النبأ، أنه حين جرت مصادمة بسيطة، حمل "إلياس بك" "مصطفى الصغير" على فرسه، وسأله الأمير: لماذا تمسكني هكذا؟ فرد عليه "إلياس" الخائن: أوصلك إلى أخيك. فقال له "مصطفى الصغير": لا تسلمني لأخي، فإنه سوف يقتلني. إلا أن المربي الخائن، لم يسمع لكلامه، بل ذهب به إلى "مراد الثاني" على الفور، وسلمه إياه. فتم إعدام هذا الأمير الصغير المسكين، على الفور، وذلك بتعليقه على شجرة تين، في مدخل مدينة "إزنيق". وفي النتيجة، فإن خلاص الإمبراطورية البيزنطية من الحصار التركي السادس، المفروض عليها، كان على حساب دم هذا الولد الصغير. وكانت السياسة المتبعة لدى الأعداء، بعد معركة "أنقرة"، نشوب النزاعات بين الأمراء، على ذلك النحو السابق. وقد أرخت حادثة "مصطفى الصغير" أيضاً بعام 827هـ/1424م.

الحملات على "الأفلاق" و"ألبانيا" و"المورة"

لقد كلف القيام بالحملة على "الأفلاق"، الواقعة في الشمال، "فيروز بك"، من الأمراء؛ وعلى "ألبانيا" و"المورة"، الواقعتين في الغرب والجنوب، "عيسى بك"، ابن "أفرنوس". وتذكر بعض المصادر الأجنبية، أن اسم ابن أفرنوس، "طورخان بك".

لقد تغيرت بعض الأمور في إمارة "الأفلاق"؛ فقد قام "ولاد دراكول"، من أقرباء الأمير "دان"، الذي آلت إليه الإمارة، بعد "ميرجه"، بالانقلاب على "دان" وإعدامه، فانتقلت بذلك إمارة "الأفلاق" إلى "ولاد" المذكور. ولقب "دراكول"، الذي لقب به هذا الأمير، يعني الشيطان. فهذا الأمير الشيطان، الذي لم يكن له أن يجلس في راحة، قام بالعديد من الحملات على الأراضي العثمانية. ونظراً إلى أنه كان يترقب للقيام بمزيد من تلك الحملات، فقد وجب التنكيل به. ولهذا السبب، أرسل "فيروز بك" عليه. ولقد انهزم "دراكول" أمام القوات التركية، وفرض عليه الخراج؛ كما أخذ تحت التبعية العثمانية. وهناك رواية تفيد، أنه اضطر أيضاً إلى ترك اثنين من أولاده رهينة لدى العثمانيين.

وكان استرداد "ألبانيا"، التي خرجت بسبب عهد الفترة (الفوضى)، والاستيلاء عليها كلها، أصبح ضرورة، للسيطرة على البلقان. ولذلك، فقد أولى "مراد الثاني" اهتماماً خاصاً لهذه المسألة. ولذلك، فقد أرسِل "عيسى بك بن أفرنوس" إلى "ألبانيا"، وتحت إمرته قوة كبيرة. وهذا الأمير، تقدم حتى سواحل الأدرياتكي، كما كان في السابق. ويروى أنه، بناءً على انتصار، حققه ابن "أفرنوس" في هذه الحملة، فإنه قد أنشأ عموداً من ثمانمائة رأس.

وكان أمير "ميرتدا"، الواقعة في شمال "ألبانيا"، وهو والد "إسكندر بك"، "جيون كاستريوت" الشهير – قد انهزم في هذه الحملة، ودخل تحت الطاعة، واضطر إلى ترك أربعة من أولاده رهائن لدى العثمانيين. وبناءً على إحدى الروايات، ترك فقط ابنه الرابع، "يوركي". و"إسكندر بك"، الذي سيشغل الدولة العثمانية، فيما بعد، سنوات طويلة، من خلال خلقه مشكلة كبيرة، أوجعت رأس الدولة ـ هو "يوركي كاستريوت" هذا. ولقد اهتدى إلى الإسلام، في قصر "أدرنة"، وأخذ اسم "إسكندر"؛ إلا أنه ارتد عن الإسلام، فيما بعد.

توجه "عيسى بك بن أفرنوس" إلى الجنوب، بعد حملة "ألبانيا"، فهدم سور "كورنتوس"، الذي سماه الأتراك "كوردوس"، الذي بناه البيزنطيون؛ بغية منع الفتوحات العثمانية من التقدم إلى الأمام. ودخل إلى "المورة"، في يوم السبت، 20 جمادى الأولى، الموافق للأول من مايو من هذه السنة. وتم الاستيلاء على منطقة "لاكده مونيا"، في هذه الحملة.

 

827هـ/1424م

إخضاع "إسفنديار بك"، ابن "جاندار"، تحت الطاعة

لقد قام حاكم "قسطموني" و"سينوب"، "إسفنديار بن جاندار"، باسترداد "جانكري" و"توسيا" و"قلعه جيك"، التي ألحقت بالدولة العثمانية، في عهد السلطان "محمد الأول"؛ وذلك بالاستفادة من انشغال السلطان "مراد الثاني" بمشكلة "مصطفى الصغير". واستولى، بعد ذلك، على "بولو" و"طاراقلي" والمنطقة المجاورة لهما. والحملة التي قام بها "مراد الثاني" ضد "إسفنديار بك"، كانت بسبب ذلك التصرف منه.

ولقد قام السلطان العثماني، في هذه الحملة، باسترداد تلك الأماكن، وانهزم "إسفنديار بك"، وفر هارباً إلى "سينوب". ويروى أن "قاسم بك بن إسفنديار" المؤيد للعثمانيين، والذي تم تعيينه والياً على "جانكري"، في عهد "محمد الأول"، قام في هذه الحملة بتقديم العون إلى "مراد الثاني" ضد والده.

وبناءً على ما جرى، فلم يبق أمام "إسفنديار بك" سوى الخضوع للسلطان العثماني؛ فقام بدفع التعويضات، من جهة، واضطر إلى ترك جبال "قسطموني"، الثرية بمعادن النحاس، من جهة ثانية؛ كما اضطر إلى تقديم حفيدته المشهورة بجمالها، إلى "مراد الثاني"، من جهة ثالثة.

وبناءً على صك وقفي، فإن اسم هذه الأميرة الجاندارية، هو "خديجة"؛ غير أن بعض المصادر، تشير إلى أن اسمها "حليمة". وإذا كانت الروايتان صحيحتين، ينبغي أن يكون اسمها "خديجة حليمة". وعلى الرغم من وجود رواية، تفيد أن هذه الأميرة التركية، التي هي ابنة "إبراهيم بن إسفنديار"، هي والدة فاتح "إستانبول"، السلطان "محمد الفاتح"، فإن تلك الرواية غير صحيحة.

ولقد زوجت بنات آل عثمان أيضاً لبني "جاندار"، بتلك المناسبة؛ فعلى سبيل المثال، تم تزويج أخت "مراد الثاني"، "سلجوق سلطان" لـ"إبراهيم بن إسفنديار"؛ كما زوج أختاً له أخرى لـ"قاسم بن إسفنديار"، الشهير بميله إلى العثمانيين. وبناءً على رواية أخرى، فإن "مراداً الثاني"، تزوج "خديجة خاتون"، ابنة "إبراهيم بن إسفنديار"، وزوج إحدى أخواته لـ"قاسم بن إسفنديار"؛ وأخرى لابن "خليل باشا جاندارلي" أو أخيه، "محمود جلبي". فإذا كانت هذه الرواية صحيحة، فهذا يعني أن "إبراهيم بن إسفنديار"، لم يصبح نسيباً للعثمانيين.

وهناك رواية تفيد، أن "مراداً الثاني" تزوج ابنة "إسفنديار"، في عام 830هـ/1426م؛ ولكنها رواية ضعيفة.

وجرت حفلة العرس في "بورصا"؛ حيث أرسل "مراد الثاني"، "ألفان بك"، رئيس ذواقي طعام السلطان، وغيره من الأمراء، مع حريم السلطان. ولقد قبلت زوجة حاكم "كرميان"، "يعقوب الثاني"، القيام بوظيفة المرافقة. ويذكر أن السلطان "مراداً"، كان يحترم هذه السيدة (زوجة "يعقوب الثاني")، وأنه كان يناديها بـ"الوالدة شاه" (شاه آنا).

الصلح العثماني – البيزنطي

يروى أن هذا الصلح، جرى في يوم الثلاثاء، 21 ربيع الأول، الموافق لـ22 فبراير من هذه السنة.

وبموجب شروط هذا الصلح، الذي احتوى مواد ثقيلة على الإمبراطورية البيزنطية، تتخلى بيزنطة عن كل الأراضي، الواقعة ما وارء "تركوس" و"سلفري"، للأتراك. وتقرر فيها أيضاً دفع الإمبراطورية البيزنطية إلى الدولة العثمانية، سنوياً، ثلاثين ألف دوقة ذهباً. وهذا يعني أن الفوائد، التي جلبتها الإمبراطورية البيزنطية، بعد كارثة "أنقرة"، قد انتهت بتلك الصورة.

عقد المعاهدات مع "صربيا" و"الأفلاق" و"المجر"

يذكر أن الملك الصربي، "ستيفان لازارفيج"؛ وأمير "الأفلاق"، "ولاد دراكول"، ذهبا شخصياً إلى "أدرنة"، وجددا معاهدة التابعية. وهناك رواية تفيد زيادة مبلغ الخراج، الذي كانا يدفعانه إلى الدولة العثمانية.

وبعد فترة وجيزة، أي في شهر شعبان، الموافق لشهر يوليه من هذه السنة، تم تبادل الهدايا والسفراء مع الملك المجري، "سيجسموند"، كما تم تقديم التهنئة لهذا الملك، الذي انتخب للإمبراطورية الألمانية، وعقدت معه معاهدة سلمية، لمدة سنتين.

التنكيل بـ"جنيد بك بن إزمير أغلو"

تعاون "جنيد بن إزمير أغلو" مع الأمير "مصطفى الحقيقي"، الذي أطلق عليه "مصطفى المزور"، وأصبح وزيراً له. إلا أنه قام بالخديعة في حادثة "أولوباد"، فانتقل بذلك إلى طرف "مراد الثاني"، ومنح؛ بناءً على ذلك، إمارة "إزمير".

وبتلك الصورة، فقد حصل "جنيد بك" على إمارة "إزمير"، مرة أخرى. غير أنه، بالنظر إلى عدم جلوسه في الحكم، على نحو مريح ومرتاح، فقد كان يقوم، بين الحين والآخر، بالتعرض للأراضي العثمانية، ولا سيما أنه قام بالاستيلاء على بلاد أمير "آياسلوك"، "مصطفى" ابن "آيدين"، الذي كان تحت التابعية العثمانية. وبناءً على ذلك، فقد توافرت الحاجة إلى القيام بالتنكيل بـ"جنيد بك".

ولقد كلف بإدارة هذه الحملة "خليل يحشي بك". و"يحشي بك"، هو نسيب "بايزيد باشا"، الذي أعدم أثناء وزارة "جنيد بك" لـ"مصطفى جلبي". وقد أفادت روايات، أن عدد أفراد الجيش العثماني، الذي كان تحت إمرة "خليل يحشي بك"، كان بحدود أربعين ألف نفر؛ إلا أن ذلك مبالغ فيه.

ولقد جرت، أولاً، معركة في وادي "آق حصار". ثم تم القبض على "جنيد بك"، من دون إرسال قوات عليه، فأخذ، هو أو ابنه، رهينة، أو هما معاً، وأرسلا إلى "أدرنة". ويروى أنهما قتلا، خنقاً، بعد مدة.

وبناءً على رواية أخرى، فقد طلب من "جنيد بك"، قبل إرسال القوات عليه، إرسال ابنه، "قورت حسن بك". ولما رفض الطلب، تم البدء بالحملة.

 

829هـ/1425-1426م

إعدام جنيد بك ابن إزمير أغلو

كما تبين من الفقرة السابقة، فإن "جنيد بك"، خسر معركة "آق حصار"، أمام قوات "خليل يحشي بك"؛ وتم القبض فيها على ابنه وأخيه، وتم إعدامهما. وبناءً على تلك الهزيمة، فإن "جنيد بك"، أغلق على نفسه في قلعة "إبسيلي/هبسلي"، المواجهة لجزيرة "سيسام". وبموجب هذه الرواية، فقد تم قطع المواصلات عنه، من البر والبحر، بغية اضطراره إلى الاستسلام. وعلى الرغم من استسلامه، بشرط عدم المس بحياته؛ إلا أنه يروى، أن "خليل يحشي بك"، وبحس الانتقام، قام بخنقه، مع كل أفراد أسرته.

وبناءً على رواية ثالثة أيضاً، فإن "جنيد بك"، قاوم تلك القوات طويلاً؛ فتم تقوية القوات الموجودة تحت قيادة "خليل يحشي بك" بقوات "أوروج بن تيمورطاش" و"حمزة بك"، أخي "بايزيد باشا". وحصلت مصادمات متعددة بين الطرفين، واضطر "جنيد بك" إلى قبول الاستسلام، بشرط عدم المس بحياته. ويبدو، كما يتبين من الأحداث، أن "جنيد بك"، قاوم حتى عام 829هـ/1426م. وبناءً على إعدام "جنيد بك"، وأفراد أسرته، فإن نسل بني "إزمير"، أصبح في خبر كان.

الاستيلاء على إمارة "منتشه"

بناءً على معركة "أنقرة"، كان من بين الإمارات التركية في الأناضول، التي أسسها "تيمورلنك"، من جديد، إمارة "منتشه". ولما استقر السلطان "محمد جلبي الأول" على الحكم، أخضع إمارة "منتشه"، مثل بعض الإمارات الأخرى، للحكم العثماني. بل إن أمير "منتشه"، "مظفر الدين إلياس بك"، الذي سبق أن خضع لـ"تيمور"، قام بضرب المسكوكات باسم السلطان العثماني. وكان لـ"إلياس بك" هذا ولدان: "ليث" و"أحمد". وقد أرسِلا إلى القصر العثماني، رهينتين. ولما توفي السلطان، "محمد الأول"، في عام 824هـ/1421م، توفي أيضاً أمير "منتشه"، "إلياس بك"؛ فاستفاد الأميران: "ليث" و"أحمد" من الفرصة، وهربا من القصر العثماني، متوجهين إلى بلادهما، حيث قسما تركة والدهما. ونظراً إلى وجود مسكوكاتهما، فمن المؤكد أن الأخوين حكما الإمارة.

وبناءً على الشرح الوارد في المصادر العثمانية، التي سمت "ليث بك" بـ"أويس"، فإن هذين الأميرين من أمراء "منتشه"، لم يحكما؛ وإنما تم القبض عليهما، في هذه السنة، التي توفي فيها والدهما، ونفيا إلى "توقاد"، وزج بهما في السجن المسمى "بدوي جارداغي" (أي خيمة البدوي). غير أن هذه الرواية غير صحيحة؛ إذ إن المؤكد، أن "إلياس بك"، توفي في عام 824هـ/1421م؛ وأن ولديه، اللذين استلما الحكم، ضربا مسكوكات؛ بل إن هناك سكاً، ضربه "ليث بك"، في ذلك التاريخ. وبناءً على ما سبق، فإذا كانت الروايات، الواردة في المصادر العثمانية، صحيحة، فينبغي أن يكون الأخوان، قد قبض عليهما في عام 827هـ/1424م، ونفيا إلى "توقاد"؛ لأن هناك رواية أيضاً، تفيد أنهما مكثا في "توقاد" سنتين. وبموجب الشرح الوارد في المصادر العثمانية، فإن الأخوين: "ليث" و"أحمد بك"، حاولا الفرار من "توقاد"، في عام 829هـ/1426م، إلا أن "ليث بك" تم القبض عليه، فأعدم. ووفق "أحمد بك" في الفرار، حيث التجأ إلى "آق قيونليلر". ويتضح من الأبحاث المتأخرة، أن "أحمد بك"، استفاد من انشغال الدولة العثمانية بمشكلة "جنيد بن إزمير أغلو"، فتوجه إلى بلده، ونجح في استرداد تخته. ولكن، بناءً على انتهاء مشكلة "جنيد بك"، فقد تم إنهاء إمارته. ويمكن أن يكون "أحمد بك" التجأ إلى "آق قيونليلر"، بعد ما ما خسر بلاده، للمرة الثانية.

وبناءً على هذا الاستيلاء النهائي على إمارة "منتشه"، فقد أفادت إحدى الروايات، أن "مراداً الثاني"، حولها إلى سنجق، وعين عليها "بالابان باشا". ويبدو أن تلك الروايات، ينبغي قبولها بنوع من الحذر والاحتياط.

 

830هـ/1426م

الاستيلاء على إمارة "تكه"

كان على رأس هذه الإمارة، التي سميت بإمارة "تكه"، نسبة إلى عشيرة "تكه"، التي قطنت في منطقة "أنطاليا"، في عهد السلاجقة ـ أحد أفخاذ أسرة "بني حميد"؛ وذلك بموجب أقوى الروايات. وكانت هذه الإمارة أيضاً من بين الإمارات، التي أنشأها "تيمورلنك"، من جديد، بعد معركة "أنقرة". إلا أن مدينة "أنطاليا"، التي كانت تابعة لها، قد ألحقت، في ذلك الوقت، بإمارة "بني قره مان". وعلى الرغم مما جرى، فقد انتقلت مدينة "أنطاليا"، فيما بعد، إلى الإدارة العثمانية. وعين عليها محافظ، يدعى "فيروز بك". ويروى أن أمير "تكه"، "عثمان جلبي"، بذل جهوداً مضنية، لاسترداد "أنطاليا" من "فيروز بك". وبناءً على وفاة "فيروز بك"، في نهاية الأمر، طلب "عثمان جلبي" المساعدة من "بني قره مان"، بغية الاستيلاء على "أنطاليا"؛ غير أنه قبل وصول تلك الإمدادات، قتل (أي عثمان بك) على يدي "حمزة بك"، ابن "فيروز بك"، والذي حل محله بعد وفاته؛ وذلك بهجوم مباغت، في جهة "قورقود الي".

وبناءً على ذلك الحادث، فقد انقرضت إمارة "تكه" نهائياً، وانتقلت أراضيها إلى الدولة العثمانية. غير أن هناك اختلافاً في تاريخ ذلك الانتقال، فعلى سبيل المثال، روي عام 826هـ/1423م، وعام 827هـ/1424م.

مقتل حاكم "قره مان"، "محمد الثاني"، أثناء حصار "أنطاليا"

لقد قاد "محمد الثاني" حملة على "أنطاليا"، بناءً على قيام "حمزة بن فيروز بك"، محافظ أنطاليا، بقتل أمير "تكه" "عثمان بك". وتبرز هذه الحملة في المصادر بأنها للانتقام. ثمة اختلاف في تاريخ هذه الحملة. حيث روي عام 826هـ/1423م، وعام 827هـ/1424م.

ولقد توفي حاكم "قره مان"، "محمد الثاني"، في هذه المعركة، حيث أصيب بقذيفة مدفع. وبناءً على استشهاد "محمد الثاني"، فقد أصبح أخوه، "علاء الدين علي بك" حاكماً على "قره مان". فالتجأ ابنا "محمد الثاني": "إبراهيم" و"عيسى بك" إلى السلطان العثماني "مراد الثاني"، ضد عمهما. وتزوجا من أختي السلطان "مراد". وقد منح لـ"عيسى بك" إمارة سنجق، في "الروملي"؛ ونصب "إبراهيم بك" مكان والده، بشرط التنازل عن منطقة "إسبارطة"، التي كانت تتكون من إمارة "حميد"، في السابق. أما "علي بك"، الذي أسقط من تخته، فقد منح سنجق "صوفيا"؛ وهذا يعني أن حكومة "قره مان"، أصبحت تحت النفوذ العثماني.

 

831هـ/1427-1428م

إلحاق دولة "كرميان" بالدولة العثمانية

السلطان "مراد الثاني"، هو حفيد أخت حاكم "كرميان"، "يعقوب الثاني". ويذكر أن "يعقوب بك" العقيم، كان يحب ابنة أخيه حباً جماً؛ بل إن "مراداً الثاني" لما تزوج حفيدة "إسفنديار بك"، ذهبت زوجة "يعقوب بك" لجلب العروس، من "قسطموني" إلى "بورصا"، وذلك باسم السلطان العثماني. ويروى أن "مراداً الثاني"، كان يخاطب هذه السيدة بـ"والدة شاه". ويبدو أن هذه الأميرة المسنة، كانت تحب أولاد إخوانها؛ والدليل على ذلك توجه حاكم "كرميان"، "يعقوب الثاني"، في هذه السنة، إلى "أدرنة"، عن طريق "بورصا" و"كلي بولي"، لزيارة "مراد الثاني". ويروى أن هذا الحاكم المسن، كلما مر بمدينة عثمانية، أقيمت حفلة تكريماً له، ولا سيما في "أدرنة"، حيث أقيمت حفلات كبيرة، واستمرت مدة من الوقت. ولقد قدم "مراد الثاني" كل تقدير واحترام لخاله المسن هذا.

كان "يعقوب" في تلك الفترة، تجاوز الثمانين من العمر. ونظراً إلى عدم وجود أولاد له، (أي أنه كان عقيماً)، فإنه لم يكن له وارث مباشر. ومع أنه كان له أخوان: "إلياس" و"خضر"، وأبناؤهما، فإنه رجح ابن أخته" "مراداً الثاني"، الذي كانت نسبته إليه من طرف البنت، على أولاد أخويه من طرف الولد. ولا ينبغي أن ينسى أن تأثير عدم وجود المقاومة للحكم العثماني لديه، كان كبيراً على هذا الترجيح. حتى لو كان الأمر كذلك، فإن عودة هذا الحاكم المسن من "أدرنة"، بعد أن ترك وصية مبينة بترك إرثه لـ"مراد الثاني"، تدل على مقامه الكبير، الذي لا يمكن أن ينسى.

ولما توفي "يعقوب الثاني"، بعد عودته من "أدرنة" بفترة وجيزة، التحقت بلاده كافة بالدولة العثمانية، بموجب وصيته. وهناك رواية تفيد، أن "يعقوب بك"، توفي بعد ذلك بسنة.

وهذا يعني، أن الوحدة التركية، التي فتتها "تيمور"، قبل ست وعشرين سنة، بدأت تتحقق، من جديد، تحت الحكم العثماني.

 

832هـ/1428-1429م

وفاة الشاعر "شيخي"

تاريخ ميلاد هذا الشاعر، الذي يعد من أبرز شخصيات الأدب الديواني التركي، غير معلوم. اسمه الحقيقي، هو "يوسف سنان"، وقد اشتهر، في الأدب، بلقبه الشعري: "شيخي". وكانت مهنته الطب، التي أتاحت له مداواة السلطان "محمد الأول" في أثناء حملته على "قره مان"، والانتساب إلى القصر العثماني، بعد ذلك؛ بسبب نجاحه في تلك المداواة.

ولـ"شيخي" بعض المؤلفات، الدينية والطبية. أما مؤلفاته الأدبية فأهمها: ديوانه، الذي نشره مجمع اللغة التركية، عام 1942م؛ و"قصة حُسرو وشرين"، التي ترجمها عن "نظامي"، بأمر من "مراد الثاني"؛ وكتابه الشهير في الهجو، بعنوان: "هار نامه". وتعد لغة "شيخي" في النثر، مصدراً قيماً للغة التركية.

ويروى أن هذا الشاعر الكبير، توفي في "كوتاحيا"؛ وقبره في "دولوبنار" وعلى الرغم من إشارة المصادر القديمة إلى وفاته، بأنها كانت في عام 826هـ/1423م، فإنه يتضح من الأبحاث الجديدة، أنه توفي بعد هذا التاريخ بخمس سنوات.

 

832هـ/1429م

وفاة "إبراهيم باشا جاندرالي"

إن الوزير الأعظم، وعلى الرغم من إشارة المصادر إليه، بأنه ابن "علي باشا"، هو، في الحقيقة، أخوه.

وتؤرخ معظم المصادر وفاته، بأنها كانت في عام 831هـ/1427-1428م، أو في عام 833هـ/1429-1430م. إلا أنه، بالنظر إلى الكتابة الموجودة على قبره، في "إزنيق"، توفي في يوم الخميس، 24 ذي القعدة 832هـ، الموافق لـ 25 أغسطس 1429م.

ويذكر أنه، بناءً على وفاة "إبراهيم باشا"، فإن ابنه، "خليل باشا"، عين وزيراً أعظم محله. والحقيقة أنه بموجب الأبحاث الأخيرة، يوجد بينهما "الخوجه نظام الدين محمد باشا"، ابن "خضر دانشمند الآماسياوي"، حيث بقي في منصب الوزارة العظمى عشر سنوات، حتى عام 842هـ/1438-1439م.

 

833هـ/1429-1430م

وفاة "الحاج بيرم ولي"

بناءً على الرواية، التي تفيد أن "الحاج بيرم ولي"، ولد في عام 753هـ/1352م، فإنه بموجب التاريخ الميلادي، عاش ثماني وسبعين سنة. وهذا الشيخ، هو ابن قروي، يدعى "أحمد قيونلي جه". وهو من قرية "سلفاسول"، التابعة لـ"أنقرة".

وعلى الرغم من أن اسمه الحقيقي، هو "نعمان"، فإنه، نظراً إلى تعرفه على مرشده، "حامد الآقصرايي" في يوم عيد (بيرم) الأضحى، فقد لقبه بـ"بيرم".

وهذا الشيخ، هو شيخ الطريقة البيرمية، التي تسمت باسمه. وأشهر مريديه، هو الفاتح المعنوي لـ"إستانبول"، "آق شمس الدين".

ولقد انقسمت طريقة الشيخ، من بعده، إلى ستة أقسام، وقام مريده، "شمس الدين" بنشر أصل الطريقة البيرمية.

اشتغل "الحاج بيرم" بالزراعة بشكل دائم، واهتم بالفقراء، وشجع مريديه وأتباعه على الزراعة والفنون اليدوية.

ولما اجتمع مع "الشيخ بيرم" آلاف المريدين، أقلق ذلك الحكومة، فدعي إلى زيارة العاصمة، "أدرنة"، من لدن "مراد الثاني"، غير أنه سرعان ما تبين أن الشيخ، لا يسعى لأهداف سياسية، فلقي التقدير والاحترام.

ويقع قبر "الحاج بيرم" في "أنقرة". ولقد نشر، في الآونة الأخيرة، كل من "محمد طاهر البورسوي" و"محمد علي عيني" كتاباً عن "الشيخ الحاج بيرم".

وفاة "أمير سلطان"

الاسم الحقيقي لهذا المتصوف الكبير، هو "شمس الدين محمد". ولقبه "أمير سلطان". ونظراً إلى أنه ولد في "بخارى"، فيقال "شمس الدين البخاري"، و"أمير أفندي البخاري". وبعد ما أكمل تحصيله العلمي في بلده، هاجر إلى الأناضول، فأقام في "بورصا"، وحاز تقدير الناس ورجال الدولة، حتى السلاطين؛ بسبب تمكنه من العلم، وسجاياه الأخلاقية النادرة. واسم أبيه "علي". ويعد أكبر شخصية لفرع "نور بخشية" من فروع الطريقة الخلوتية. ولقد اجتمع من حوله الكثير من المريدين، واستمرت طريقته من بعد أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، فإن دوره الكبير يبرز في تدريسه، حيث ربى الكثير من الطلبة وعلمهم. وكان دوره كبيراً في إصلاح الأخلاق، من خلال تركيزه في الآداب الإسلامية لدى الناس. وكان هناك أزمة أخلاقية، اشتكى المؤرخون منها، في عهد "يلدرم بايزيد"؛ فقد بدأ القضاة بارتكاب الرشوة إلى درجة نهب الناس، وانغمس أركان الدولة، بمن فيهم السلطان، في اللهو والميسر؛ حيث انتقلت الأخلاقيات الفاسدة، من البلقان وبيزنطة إلى الأناضول، من خلال القناة العثمانية، وانعكست على الحياة العامة في الأناضول. والمؤثرات الفعلية الخيرة لـ"أمير سلطان"، تبدأ في هذا العهد. وهذا الإنسان، الذي كسب حب الناس وودهم، قام بإرشاد الناس إلى الحق والعدل، من جهة؛ وقام بالعمل ضد إجراءات الحكومة، التي ينبغي أن تكون قدوة الناس، من جهة ثانية؛ بل إنه لم يتردد في توجيه كلمات قاسية حتى إلى السلطان "يلدرم بايزيد". فعلى سبيل المثال، لما اكتمل مبنى الجامع الكبير في "بورصا"، عام 802هـ/1400م، وسأله "يلدرم بايزيد" عن رأيه في هذا الجامع، وكان ينتظر منه كلمات تقديرية، رد عليه "أمير سلطان" بكلامه المشهور، قائلاً: إن بنيتم على كل زاوية من زوايا الجامع ميسراً لأنفسكم فلا يبقى فيه نقص. ولما سأله السلطان، متعجباً، كيف يمكن بناء الميسر حول بيت من بيوت الله! رد عليه هذا المرشد الكبير: إن بيت الله هو هذا الجسم، الذي خلقه الله تعالى. ألا تخجل من نفسك، أنك حولته إلى ميسر، وتخجل من وضع الميسر في أطراف هذا المبنى!

يبدو من المؤكد أن تأثير هذه الشخصية الكبيرة، وكذلك قاضي "بورصا"، "شمس الدين فناري"، في "يلدرم بايزيد" كان كبيراً؛ سواء في إصلاح نفسه، أو في إجراء الإصلاحات اللازمة في النظم العدلية. ومن الطبيعي، أن تظهر الجبهة النورانية لـ"أمير سلطان" في الجهاد الأخلاقي النفسي.

و"أمير سلطان" نسيب لـ"يلدرم بايزيد"؛ فيروى أن "يلدرم بايزيد" كانت له ابنة، تدعى "هوندي خاتون" زوجها "أمير سلطان". وكان لـ"أمير سلطان" من هذا الزواج ثلاثة أولاد: ابن، يسمى "علي جلبي" وابنتان.

ولقد استمر "أمير سلطان" في عمله في التدريس والإرشاد، في عهد الفترة، وفي عهدي السلطان "محمد الأول" وابنه، "مراد الثاني". وكان له تشجيع معنوي كبير، في اشتراكه مع خمسمائة نفر من مريديه، في وضع الحصار على "إستانبول"، في عهد "مراد الثاني". وهناك عالمان كبيران، عملا على فتح "إستانبول". أحدهما، هذا الشيخ، "أمير سلطا"ن؛ والثاني، الذي اشترك مع السلطان "محمد الفاتح"، بالفعل، العالم الكبير "آق شمس الدين".

وهناك رواية عثمانية تقليدية، تفيد أنه بناءً على معركة "نيجبولي"، وصل من الخليفة العباسي، في مصر، منشور إلى "يلدرم بايزيد"، خاطبه فيه بـ"سلطان إقليم الروم". وبناءً على هذا المنشور، فقد قلد "أمير سلطان" عمه، "يلدرم بايزيد". إلا أن هذه الرواية ينبغي قبولها بحذر.

وتؤرخ أيضاً وفاة "أمير سلطان" بعام 832هـ/1428-1429م، وعام 834هـ/1430-1431م، وعام 837هـ/1433-1434م. إلا أن الرواية الصحيحة، هي كون وفاته في عام 833هـ/1429-1430م؛ وكان له من العمر ثلاثة وستون عاماً. ويقع قبره في "بورصا"، بعد المقبرة الكائنة في شرق المدينة. ونظراً إلى تجديد هذا القبر، في عهدي "عبد المجيد" و"عبد العزيز"، فليست له قيمة معمارية. والكتابة الموجودة عليه، تشير إلى عام 1285هـ/1868م.