إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

833هـ/1430م

فتح "سلانيك"، وانتصار "كلي بولي" للأسطول التركي ضد البنادقة

مات الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني" في يوم السبت، 5 رمضان 828هـ، الموافق لـ 21 يوليه 1425م؛ وكان له من العمر سبعة وسبعون عاماً. وحل محله ابنه، وشريكه في الحكم، "يؤانس الثامن"، إمبراطوراً على بيزنطة بمفرده. وكان لهذا الإمبراطور أربعة إخوان: منهم "تيودور الثاني" أميراً على "المورة"؛ و"آندرونيكوس"، والياً على "سلانيك". أما الآخران، فكان اسميهما "كوستانتيونوس" و"ديمتريوس". ويروى أن أمير "سلانيك"، "آندرونيكوس"، كان إنساناً بطيئاً، كَسِلاً للغاية. وفي شأن الدفاع عن المدينة، لم يكن للأهالي ثقة بهذا الأمير، ولا للأمير ثقة بالأهالي؛ فعوملت المدينة معاملة تجارية غريبة، حيث بيعت "سلانيك" لجمهورية "البندقية"، مقابل مبلغ من المال. ويذكر أن البنادقة، كانوا يتحدثون عن قيامهم بالدفاع عن الميناء التجاري، ضد الأتراك، من جهة؛ ويقومون، في الوقت عينه، بتحويله إلى "بندقية أخرى" من خلال إعماره، من جهة ثانية. إلا أنه لم يمر وقت طويل، حتى عرف أهالي "سلانيك"، بمرارة قلب، أنهم مخدوعون؛ فقد تحولت المدينة، بعد فترة قصيرة، إلى مسرح للأحداث، بين الروم واللاتين، وبين الأرثوذكس والكاثوليك، بحيث لا يمكن العيش فيها. وقد عامل البنادقة أروام "سلانيك" معاملة سيئة، بل إنهم قاموا بطردهم، وإحلال المهاجرين اللاتين محلهم. وهذا هو السبب، الذي أدى بأهالي "سلانيك" إلى الميل إلى الأتراك، ضد البنادقة.

ويذكر، من جهة ثانية، أن هذا التغيير، الذي حصل في الأوضاع البلقانية، كان يراه "مراد الثاني" تجاوزاً على حقوقه. وهذا هو السبب، الذي أدى القيام بتنظيم الحملة على "سلانيك". وعلى الرغم من قيام البنادقة بتوسيط الإمبراطور البزنطي، "يؤانس الثامن"، بينهم وبين العثمانيين، لحل المسألة سلمياً، فإن "مراداً الثاني" لم يقبل ذلك، بل قام بالحملة على "سلانيك" وضرب الحصار عليها. ويروى أن أهالي "سلانيك"، الذين لم يرتاحوا إلى البنادقة، أيدوا الأتراك في هذه الحملة.

ولقد بدأ حصار "سلانيك" في شهر جمادى الأولى، الموافق لشهر فبراير من هذه السنة. ونظراً إلى فتح المدينة في شهر جمادى الآخرة، الموافق لشهر مارس، يكون الحصار قد استمر شهراً واحداً.

وعلى الرغم من قيام الأسطول البندقي، تحت قيادة "آندريا موكينيكو"، بالتعرض للأسطول التركي، في "كلي بولي"، فإن البحارة الأتراك، الذين حاربوا ببسالة تامة وشجاعة فائقة، هزموهم شر هزيمة. بل إنهم قسموا سفينة الأدميرال إلى شطرين، وأغرقوها. وهذا يعني الانتقام للهزيمة، التي تعرض لها الأسطول التركي، قبل أربعة عشر عاماً، في أول معركة بحرية مع البنادقة. ويذكر أن الانتصار البحري في "كلي بولي" قد رفع معنويات الجيش المشغول بالحصار في "سلانيك"، وأنه بناءً على ذلك التشجيع، تكلل الهجوم الذي قام به على المدينة بالنجاح، وكان عاملاً رئيسياً في فتحها.

وبعد أن تم فتح "سلانيك" بالهجوم العام، تم تحويل بعض الكنائس إلى مساجد. وقام بعض رهبان الروم بتنظيم أشعار رثاء بهذه المناسبة. ودخل الرعب في قلوب الأوروبيين، خوفاً من الاستيلاء التركي.

وقد وردت رواية، تفيد أن فتح "سلانيك"، كان في عام 832هـ/1429م؛ إلا أنها غير صحيحة.

وعلى الرغم من استيلاء الأتراك على مدينة "سلانيك"، قبل ذلك، مرة أو مرتين، فإنها بهذا الفتح النهائي، دخلت تحت الحكم التركي بصورة قطعية.

أما خروج "سلانيك" من حوزة العثمانيين، في المرة الأخيرة، فكان بسبب كون "سلانيك" ضمن الأماكن، التي أعادها "سليمان جلبي"، ابن "بايزيد الأول"، الذي جلس على سدة الحكم في "أدرنة"، في عهد الفترة، بموجب الاتفاق، الذي عقده مع الإمبراطورية البيزنطية.

 

835هـ/1431م

فتح "يانيا"

كان يحكم منطقة "أبير"، في تلك الفترة، أسرة "توكو" الإيطالية. ونظراً إلى وفاة "كارلو توكو الأول"، في عام 833هـ/1430م، فقد حل محله ابن أخيه، "كارلو توكو الثاني"، أميراً على "أبير". غير أن أولاد "كارلو توكو الأول"، غير الشرعيين، بدأوا بالنزاع فيما بينهم على التركة. ويذكر أن الشعب، ضاق ذرعاً بتلك المنازعات، وأصبح لا يبالي بالأسرة الإيطالية. وبناءً على ذلك، فقد أرسل أهل "يانيا"، الموجودين، آنذاك، في موقع "كليدي"، بجوار "سلانيك" ممثلين لهم إلى "مراد الثاني"، وسلموا له مفاتيح المدينة، مقابل الحصول على فرمان منه، يتصل بالحقوق الشخصية والحريات. ويطلق، في المصادر العثمانية، على مثل هذه التسليمات: "فتح بالفيرة".

ويروى أن تاريخ تسليم "يانيا"، يصادف يوم الثلاثاء، الأول من صفر، الموافق لـ9 من أكتوبر من هذه السنة.

وهذا الحدث، يدل بشكل واضح، على مدى التأثير الإيجابي، الذي تركته الإدارة التركية وعدلها في البلقان.

وعلى الرغم من ذلك، فقد بدأ في "ألبانيا" حركات المقاومة ضد الأتراك؛ بسبب المصالح الخاصة لبعض الأسر الأهلية، ولا سيما بتشجيع وتحريك البنادقة؛ وعلى وجه الخصوص، فإن الحركة، التي بدأت في عام 835هـ/1431-1432م، بتعاون من أمير "ألبانيا" الوسطى، "آندريه ثوبيا دوكاكين"، وأسرة "آرانيتي" ـ أصبحت تتوسع، يوماً بعد يوم، إلى أن باتت حركة شعبية عامة، وأصبحت مشكلة عارمة وكبيرة، في وجه العثمانيين، استمرت حتى نهايات عهد السلطان "محمد الفاتح".

 

835هـ/1432م

26/27 رجب، الموافق لـ 29/30 مارس، ليلة السبت/الأحد: ميلاد السلطان "محمد الفاتح" ابن "مراد الثاني"، من أكبر الرجال في تاريخ العالم، وفاتح "إستانبول"، في قصر "أسكي سراي" في "أدرنة"

وقد روي أيضاً أنه ولد في رجب 830هـ، الموافق لشهر مايو 1427م؛ وكذلك شهر رجب 832هـ/ مايو 1429م؛ وأيضاً رجب 833هـ/ أبريل 1430م؛ وأيضاً رجب 834هـ/مارس ـ أبريل 1431م.

وعلى الرغم من وجود الاختلاف في السنة، فإن الإجماع على أنها في شهر رجب الهجري. أما في تاريخ اليوم، فيذكر أن فيه اختلافاً من اليوم السادس وحتى السادس والعشرين من رجب.

وهناك اختلاف أيضاً في المكان، الذي ولد فيه "محمد الفاتح"؛ وعلى الرغم من أن أقوى الروايات تشير إلى "أدرنة"، فإنه يذكر أيضاً "بورصا" و"مغنيسيا" و"ديمتوقا".

والتاريخ الذي اتخذ، هنا، أساساً، وهو ليلة السبت/الأحد 26/27 رجب 835هـ، الموافق لـ 29/30 مارس 1432م، هو الوارد في القيودات المدونة في المصادر العثمانية، من جهة؛ والمستند على الأبحاث الأخيرة في هذا الصدد، من جهة ثانية. وكان البحث الأخير في هذا، أجراه الأستاذ الدكتور "سهيل أونور"؛ ففي المقال، الذي نشره في جريدة "جمهوريت"، الصادرة في 16 أكتوبر 1943م، تحت عنوان: "أين ولد الفاتح؟ ومتى؟"، استند في ذلك على دليلين اثنين. أولهما، مخطوطة محفوظة في قاعة "أسعد أفندي"، بمكتبة السليمانية، تحت الرقم 1997. والثاني، رسالة لمنجم، يدعى "سعد الله أفندي"، محفوظة ضمن مجموعة في مكتبة المرصد، تحت الرقم 204/هـ 49. فهذان المؤلفان بدآ من تاريخ ولادة السلطان "محمد الفاتح"؛ بغية الاطلاع على طالعه (أي من خلال علم التنجيم). والمنجم "جيلاني"، المعاصر للسلطان "محمد الفاتح"، أرخ ميلاده، بمساء السبت، 26 رجب 835هـ، الموافق لـ 29 مارس 1432م. أما المنجم الثاني، فقد أشار إلى ذلك بـ 27 من الشهر نفسه، الموافق لـ 30 مارس. يضاف إلى ذلك، أن المنجم الثاني أشار إلى وقت ميلاد الفاتح، بأنه كان في وقت السحر، في "الساعة الثامنة وأربع دقائق". والفرق بين الروايتين يوم واحد. وألف الأستاذ "سهيل أونور" بين الروايتين، فشرح ذلك بأنه ليلة الجمعة/السبت، 26/27 رجب. غير أن الأستاذ، ونظراً إلى عدم تحويله التاريخ الهجري إلى تاريخ ميلادي، فقد وقع في غفلة يسيرة؛ لأن 26 رجبِ من تلك السنة لا يوافق يوم الجمعة؛ وإنما يوم السبت 29 مارس، ويوافق يوم 27 رجب يوم الأحد 30 مارس. ولذلك السبب، ينبغي أن تكون ليلة ولادة "الفاتح" هي ليلة السبت/الأحد، وليس الجمعة/السبت. وكون المنجم الأول، قال ليلة السبت 26 رجب، ومصادفة 26 ليوم السبت؛ وحديث المنجم الثاني عن ليلة السبت 27 رجب، فإنه يمكن توضيحهما بأن القصد من ذلك، الليلة التي تربط بين السبت والأحد. وسنة الميلاد، التي دونها هذان المنجمان، تتوافق مع ما ذكره بعض المصادر العثمانية، من مثل "مرآة الكائنات"، المعروف بـ"تاريخ نيشانجي". ويبدو أن الاتفاق على تاريخ الشهر بشكل عام، وكون الأغلبية قد ركزوا في يومي 26 و27 من رجب، هما من الأدلة، التي تقوي قيودات المنجمين، التي أوردها الأستاذ "سهيل أونور".

ومسألة والدة السلطان "محمد الفاتح" أيضاً مهمة للغاية؛ لأن هناك بعض الادعاءات، التي لا تمت إلى الحقيقة، عن هذه المرأة السعيدة، بأنها أجنبية. فبناءً على أحد هذه الادعاءات، التي تعد في الحقيقة أمراً مضحكاً، أن والدة "محمد الفاتح"، هي زوجة "مراد الثاني"، الأميرة الصربية، "مارا". وبما أن السلطان "محمد الفاتح"، لما رقي سدة الحكم قد أعاد هذه الأميرة، ابنة الأمير الصربي، "برانكوفيج"، إلى بلادها، فوراً، فلا يمكن أن تكون هذه المرأة، التي خرجت عن الآداب العامة، هي والدة السلطان. وقيام بعض المؤرخين العثمانيين المتأخرين، بنقل هذا الادعاء، من دون أي تمحيص، إلى كتبهم ـ أمر مؤسف للغاية. أما بموجب الادعاء الثاني، الذي ذكره "هنري ماتوي"، في المجلد الأول من كتابه La Turque et ses differents peuples، فإن والدة "محمد الفاتح"، لم تكن صربية؛ وإنما كانت ابنة إيطالية، تدعى "ستيلا"؛ فهذه البنت الإيطالية، لما كانت في السابعة من عمرها، أسرت على أيدي القراصنة الجزائريين، ثم تزوجت، في نهاية المطاف، "مراداً الثاني"، وولد "محمد الفاتح" من هذا الزواج، وإنه أخذ تربيته الفكرية الأولى، حسب هذا الادعاء، من والدته الموهومة تلك؛ بل إن معرفة "الفاتح" باللغة الإيطالية لذلك السبب. ومن الطبيعي، أن هذا الادعاء الثاني، مثل الادعاء الأول، لا يستند إلى وثيقة. وهناك ادعاء ثالث شبيه بهما، وقد رفضته المصادر العثمانية التاريخية؛ فهذا الادعاء الأخير، الذي يشير إلى أن "محمد الفاتح" ولد من أميرة فرنسية، هو في الحقيقة محض خيال أحد السفراء الفرنسيين. وهناك فصل كامل، في المجلد الأول من تاريخ "بجوي"، والمجلد الثاني من تاريخ "جوري"، خصصا للرد على هذا الافتراء. وبناءً على الحكاية الفرنسية، التي أوردها "إبراهيم بجوي"، فإن "السلطان الفرنسي"، زوج ابنته الجميلة، مثل الحورية، في أحد الأيام، أحد الملوك. فأركبت الأميرة الجميلة، مع جهازها، في سفينة كبيرة، وخرجت السفينة للإبحار، فتعرض لها القراصنة الأتراك، واستولوا على السفينة، فأرسلت الابنة الجميلة للسلطان الفرنسي إلى "مراد الثاني". فأعجب السلطان "مراد" بالبنت، وتزوجها، فولد له من ابنة الملك، التي ورد ذكرها في الحكاية الفرنسية، "محمد الفاتح". إلا أنه نظراً إلى عدم إسلام هذه الأميرة، فقد أغلق قبرها، الموجود في "غلطة"، ووضع عليه القفل، ولم يكن يقرأ القرآن لروحها بعدُ. ولقد قام "إبراهيم بجوي" في أحد الأيام بالحديث إلى السفير الفرنسي، آنذاك، حول هذه المسألة. وقد جرى هذا الحديث الغريب على هذا النحو:

"هذا العبد الحقير كثير التقصير. كنتُ جالساً في غرفة تقديم المعروضات، في وزارة "حافظ باشا". فجاء السفير الفرنسي.. فلما خرج الوزير الأعظم، خارج الغرفة، جرى حوار بيني وبين بعض السفراء، لمدة ساعة. فأدلوا بالحديث، مفتخرين، قائلين إن السلاطين، الذين أتوا بعد السلطان "محمد الفاتح"، هم أقرباء للملك الفرنسي؛ وإنه في الوقت الذي كانت فيه أراضينا متصلة بأراضي آل عثمان، لم يظهر منا لقلاعها وحكامها سوى الصداقة. وملوكنا يشيرون إلى حقوق القرابة، بأنهم كانوا يرعونها حق الرعاية؛ وإن تلك الأميرة الجميلة، لم تدخل الإسلام، ولذلك، فقد أقفل على قبرها، وهو الآن مغلق. ونحن لما نمر بـ"غلطة"، نمر كذلك بحرم الجامع، وننظر إلى قبرها.."

وإزاء هذه الحكاية الغريبة، التي تزور، وتقول بقرابة ملوك فرنسا لآل عثمان، قام "إبراهيم بجوي" بالتقاء أصحابه وحدثهم عن الحكاية، وقرر أن يمحص فيها البحث. فذهب، في أحد الأيام، إلى القبر الموجود في "غلطة"، والذي تحدث عنه السفير، ولقي حارس القبر، فاتضح له أن القرآن يقرأ على القبر، كل صباح؛ وأنه لا أثر لأي شيء مما ذكره السفير الفرنسي. ولذلك، فقد قرر أن يشرح الموضوع للسفير: "وقد قررتُ أن أبلغ السفير بذلك؛ إلا أنه أصر على رأيه، ولم يرجع عن اعتقاده".

أما ما ورد في المجلد الثاني من تاريخ "جوري"، فهو عبارة عن ملخص لما سبق. غير أنه في مقابل تلك الحكايات الأجنبية، هناك أدلة صريحة على أن والدة السلطان "محمد الفاتح" تركية. من ذلك على سبيل المثال، ما أورده "الخوجه سعد الدين"، في كتابه "تاج التواريخ"، المجلد الأول، الصفحة 512، حيث يقول:

"لقد قبل السلطان "مراد" ابنة ابن "إسفنديار" زوجة له. بل إن فاتح "إستانبول"، السلطان "محمد خان"، قد ولد من تلك المرأة."

فالأميرة التركية، التي ذكر في تلك الفقرة أنها والدة "محمد الفاتح"، هي حفيدة "إسفنديار بك" الشهير، الذي ينتسب إلى "آل جاندار"، "حليمة"، أو بالأحرى "خديجة خاتون". وبناءً على "إسفنديار بك" هذا، فقد سمى المؤرخون العثمانيون بني "جاندار" بـ"أبناء إسفنديار". وهذه السيدة، التي ذكر أنها والدة السلطان "محمد الفاتح"، هي، بموجب إحدى الروايات، ابنة "إسفنديار بك"، "حليمة"؛ وبموجب رواية أخرى حفيدته، أي ابنة ابنه، "خديجة خاتون". وقد اتخذ "خليل أدهم بك" الرواية الأولى، في كتابه "الدول الإسلامية". أما "أحمد توحيد بك"، ففي البحث، الذي نشره في "مجمع التاريخ العثماني"، بعنوان: "بنو إسفنديار أو قزل أحمديين"، استند إلى الرواية الثانية. فقد استند "أحمد توحيد بك"، إلى نص وقفي لعام 906هـ/1500-1501م، حيث أثبت أن "خديجة سلطان"، المدفونة في القبر الواقع مقابل "يني قابلجه"، في "بورصا"، هي ابنة "إبراهيم" ابن "إسفنديار". غير أنه لم يشر إلى أن "محمداً الفاتح" ولد منها. أما "خليل أدهم بك"، فحين تحدث عن "حليمة خاتون"، اكتفى بالقول: "إنها والدة السلطان "محمد الفاتح"، بموجب أعلى الروايات". وبناءً على رواية أخرى، فإن "مراداً الثاني"، تزوج أميرة من أسرة "دولقادر"، تسمى "عليمة خاتون"؛ وإن "محمداً الفاتح" ولد من هذا الزواج. غير أنه، بعد إجراء البحث في سجلات محكمة "بورصا"، تبين أن والدة "محمد الفاتح"، هي "هما خاتون". ويقع قبر هذه المرأة السعيدة في حديقة، تقع شرق جامع "مرادية" في "بورصا"، الواقع في جهة الشرق من المار على الطريق، المتوجه من الجامع إلى السوق. وهذا القبر، الذي أطلق عليه أهالي "بورصا" اسم "التربة الخاتونية"، يقع على بعد مائة متر من الجامع المذكور. وفي الكتاب، الذي نشر من لدن بيوت الشعب في "بورصا" لمؤلفه "ممدوح طرغوت قيون أغلو"، بعنوان" "تاريخ إزنيق وبورصا"، ذكر في الصفحتين 152و153، تحت عنوان "مرقد الختونية"، أن السلطان "محمداً الفاتح"، قام ببناء هذا المرقد لوالدته، التي توفيت، وكان والده، "مراد الثاني"، حياً يرزق، حيث بناه في عام 853هـ/1449م؛ والكتابة بالعربية، وتتكون من ثلاثة أسطر، على النحو الآتي:

1. الحمد لله، بنيت هذه التربة المنورة، في أيام مولانا السلطان الأعظم، والخاقان المعظم، السلطان ابن السلطان، "مراد بن محمد بايزيد خان" ـ خلّده الله ـ.

2. ملكه، بأمر ولده، وقرة عينه، سميّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ السعيد النجيب، السلطان "محمد جلبي" ـ أربط الله أطناب دولته بأوتاد.

3. الخلود، وشيّد أركان عزه إلى اليوم الموعود، لوالدته المرحومة، سيدة الخواتين ـ طاب ثراها ـ. الفراغ في رجب الفرد من شهور سنة ثلث وخمسين وثمانمائة 853.

وتكمن القيمة الكبرى لهذه الكتابة، في كون والدة السلطان "محمد الفاتح"، لم تدفن في "إستانبول"، كما هو ادعاء الروايات الأجنبية السابقة؛ وإنما في "بورصا". وإن قبرها لم يكن مغلقاً، كما ادعت تلك الروايات الأجنبية أيضاً. وإنها كانت مسلمة، كما أكدت الكتابة التاريخية، وهي شاهد قبرها، بحيث لا يبقى أي تردد في ثبوت ذلك، ويقطع الشك باليقين. إلا أن الكتابة خالية من اسم السيدة. غير أن الاسم وجد في سجلات المحكمة الشرعية، في "بورصا"، في الدفاتر الأرقام 201 و31 و370، في الصفحات 64 و35 و40. واسم والدة السلطان "محمد الفاتح" هو "هما خاتون".

 

839هـ/1435-1436م

التنكيل بـ"إبراهيم بك"، حاكم "قره مان"، الذي اتفق مع حكومات "المجر" و"الصرب" و"الأفلاق"، ضد العثمانيين

يذكر أن هذا الاتفاق، عقد بتشجيع من الملك المجري، "سجيسموند"، وتحريكه. وهذا يعني نشوب مشكلة كبيرة في "الروملي"، في الوقت نفسه.

وكان على مملكة "صربيا" "جورجس برانكوفيج". وعلى إمارة "الأفلاق" "ولاد دراكول".

وكان، هؤلاء المتفقون الأربعة، باستثناء الملك المجري، قد قبلوا، من قبل، الحكم العثماني. إلا أنه قد طرأ تغير برغبته في "صربيا"، حيث حل محل "ستيفان لازارفيج" "جورجس برانكوفيج".

ويمكن تعليل قبول حاكم "قره مان"، "إبراهيم بك"، الدخول في اتفاق من هذا القبيل، برغبته في العودة إلى وضعه السابق، حيث لم يبق له استقلال؛ بل إنه اضطر إلى التخلي عن بعض الأراضي للعثمانيين.

وبعد أن عقد هذا الاتفاق السري، بدأ "إبراهيم بك" بالهجوم على الأراضي العثمانية، بحجة سرقة خيل.

وبناءً على ذلك، فإن "مراداً الثاني"، الذي اتحد مع "بني دولقادر"، قام بالحملة على "قره مان"، بجيش عرمرم. وكان السبب، الذي أدى اتحاد "بني دولقادر" مع العثمانيين في هذه الحملة، كون "بني قره مان" قد قاموا، قبل فترة وجيزة، بالاستيلاء على مدينة "قيصري"، التابعة لـ"بني دولقادر"، أكثر من علاقة النسب، التي تربطهم بالعثمانيين. وذلك يعني وجود وحدة في المصلحة بين الطرفين.

ويروى أن حاكم "دولقادر"، "ناصر الدين محمد بك"، أرسل ابنه، "سليمان بك" إلى السلطان "مراد الثاني"، وعقد الاتفاق معه.

وهناك اختلاف في النتائج المتوخاة من هذه الحملة. فتذكر المصادر العثمانية بشكل عام، أنه بالنظر إلى الاستيلاء على "قونية"، فإن "إبراهيم بك"، اضطر إلى الهروب إلى "تاش إيلي"؛ إلا أنه بالنظر إلى تشفع زوجته، التي هي أخت "مراد الثاني"، في الموضوع، أعيد إلى بلاده، مع الاضطرار إلى ترك ابنه رهينة لدى العثمانيين، مع دفع بعض التعويضات. وبناءً على إحدى الروايات، تم الاستيلاء على مدينة "قيصري"، وأعادها "مراد الثاني" إلى "بني دولقادر". وعلى الرغم من ذلك، يروى أنه مع عقد الصلح، بين "مراد الثاني" وابن "قره مان"، وإجلاء القوات العثمانية عن الموقع، فإن "سليمان بن دولقادر"، قد اشتغل، فترة طويلة، بحصار "قيصري"؛ إلا أنه لم يوفق في فتحها. ويبدو أن هذه المسألة غامضة.

ويذكر أن منطقة "آق شهر"، التي كانت تحت إدارة "قره مان"، قد ألحقت بالدولة العثمانية، في هذه الحملة.

وما جرى في هذه الحملة، يعني أن السياسة، التي اتبعتها الدول النصرانية، بإشغال العثمانيين بالقرمانيين، قد أفلست، مرة أخرى.

تأديب حاكمي "صربيا" و"الأفلاق"

لقد تحرك "مراد الثاني"، بعد انتصاره على "قره مان"، إلى "صربيا" و"الأفلاق". وتفيد الروايات، أن "مراداً الثاني"، ونظراً إلى الأميرة الصربية، التي تزوجها "يلدرم بايزيد"، كان قد ادعى حق الوراثة في "صربيا".

ولما تيقن الملك الصربي، "برانكوفيج"، أنه لا يستطيع مقاومة العثمانيين، وفق في إخماد الكارثة، التي ستحل به، من خلال تقديم ابنته، "مارا" إلى "مراد الثاني"، وقبول الحكم العثماني، مع التخلي عن بعض الأراضي للدولة العثمانية. ويروى أن هذه الصورة من التسوية، تمت في عام 841هـ/1437م.

أما أمير "الأفلاق"، "ولاد دراكول"، فقد قبل، من جديد، الحكم العثماني والخضوع له، وتعهد بالخدمة مع جيشه في الحملات العثمانية.

وبتلك الصورة، جردت "المجر" من حليفاتها، في الأناضول و"الروملي"، وبقيت وحيدة.

 

841هـ/1437م

الحملة الكبيرة، التي استمرت خمسة وأربعين يوماً، على "المجر"

بعد ما قام "مراد الثاني" بتأديب المتحالفين مع الملك المجري سجيسموند، وأدخلهم تحت خدمته، وذلك من خلال الاتفاق، الذي عقده معهم، والذي مر معنا في أحداث عام 839هـ/1435-1436م، قرر الانتقام من هذا الملك، الذي أصبح وحيداً، حيث أمر "علي بك"، ابن "أفرنوس"، بالقيام بحملة كبيرة على "المجر". ونظراً إلى تلقي المتحالفين القدامى مع المجر، الذين اضطروا إلى الدخول في خدمة العثمانيين – أمراً بالحضور مع "علي بك بن أفرنوس"، فقد التحق الملك الصربي، "برانكوفيج"؛ وأمير "الأفلاق"، "دراكول" بمعية "علي بك"، على الفور.

ولقد تركت فرق "آقنجيلر"، الذين اجتازوا نهر "طونا"، وانتقلوا من "دمير قابي"، منطقة "أردل/ترانسلفانيا"، تحت سيل من الدماء والنيران. حيث قاموا بضرب الحصار على "هرمانستاد"، التي سماها المؤرخون العثمانيون "زبينه". كما قاموا بالإغارة على مدينتي "مدياش" و"شوسبورج"، ونهبوهما وهدموهما، وحصلوا على سبعين ألف أسير، وعادوا بذلك من هذه الحملة المدهشة بالعديد من الغنائم. وقد أرخت هذه الحملة أيضاً بعام 842هـ/1438م.

ميلاد "سينان باشا"، صاحب "التعرضات"

ويروى له أيضاً عام 844هـ/1440م.

إن "يوسف سينان باشا"، الذي يعد أكبر وأول أستاذ للإنشاء العثماني، هو ابن "خضر بك"، أول قاضٍ للسلطان "محمد الفاتح" في "إستانبول".

لقد ولد "سينان باشا" في "بورصا".

وهذا المنشىء العظيم، أضفى على الإنشاء العثماني طابعاً ظريفاً من الفن، ولم يقع في الجمل الطويلة والمتعبة للمنشئين المتأخرين؛ بل استخدم الجمل القصيرة، ولم يستخدم التركيبات، العربية والفارسية، وكلماتهما، مثل معقبيه، كثيراً.

وأهم مؤلف له، هو كتابه الشهير "التعرضات" (تعرض نامه). ولقد نشر بعض أقسام هذا الكتاب، "أبو الضياء توفيق".

و"سينان باشا"، إضافة إلى ذلك، متصوف ورياضي.

وهو صديق حميم للسلطان "محمد الفاتح"، ووزير له. وهناك رواية تفيد، أنه بناءً على عزل "محمود باشا الثاني"، في عام 878هـ/1473م، عين وزيراً أعظم.

 

843هـ/1439م

سجن أمير "الأفلاق"، "دراكول" في "كلي بولي"، وفتح "سمندره"، عاصمة "برانكوفيج"، الملك الصربي، الذي التجأ إلى الملك المجري

لقد قام الملك الصربي، "برانكوفيج"، الذي قدم ابنته إلى "مراد الثاني"، ودخل تحت التبعية العثمانية، وبدأ بالعمل مع الجيش العثماني في حملاته – بإحكام عاصمته، "سمندره"، في الوقت، الذي بدأ فيه أمير "الأفلاق"، "دراكول"، بالاتصالات مع "المجر"، حيث بدأ التمهيد لعقد تحالف مجري – صربي – أفلاقي، ضد العثمانيين. وفي تلك الفترة، جرى تغيير في الحكم، في "المجر"، حيث حل محل "سيجسموند" في الحكم على المجر، الإمبراطور الألماني، "آلبرت الثاني"؛ وقام هذا الخلف بالتعجيل في سياسة سلفه، التي كانت تستهدف العمل ضد الأتراك. وبناءً على هذا الوضع، الذي اشتكى منه "إسحاق بك"، بن "فيروز"، طلب "مراد الثاني" مفاتيح "سمندره" من "برانكوفيج". ونظراً إلى رفض الملك الصربي هذا الطلب، فقد تحرك الجيش العثماني؛إلا أن "برانكوفيج"، ترك الدفاع عن عاصمته لابنه الكبير، "جريجوار"، والتجأ إلى الملك المجري، "آلبرت الثاني".

ويذكر أن الحصار على "سمندره"، استمر ثلاثة أشهر. وفتحت القلعة يوم الخميس، 16 ربيع الأول، الموافق لـ 27 أغسطس من هذه السنة.

ولما تم فتح "سمندره"، اكتفي بفقء عيني "جريجوار"، الابن الأكبر لـ"برانكوفيج"، الذي دافع عن القلعة ضد متبوعه، ولم يقتل. وكان للملك الصربي ابنان آخران: الابن الصغير، الذي يحمل اسم "لازار"، وتوجد عنه روايتان اثنتان؛ فبموجب إحداهما، أن "لازار"، هذا كان رهينة في قصر "أدرنة"، منذ انقياد والده للسلطان العثماني، وأنه فقئت عيناه أيضاً. أما الرواية الثانية، فإن "لازار"، الذي هرب مع والده إلى المجر، لم يعاقب بأي جزاء. إلا أن الابن الأوسط، الذي كان رهينة في "أدرنة" عوقب. ويبدو، كما يتضح من عقوبات التمرد تلك، أن السلطان "مراداً الثاني"، لم يبق تحت نفوذ زوجته الصربية وتأثيرها، بعكس جده، "يلدرم بايزيد". ويروى أن الأمراء الصرب، الذين فقئت عيونهم، أرسلوا إلى قلعة "توقاد" أو "ديمتوقا"، وزج بهم في السجن.

أما أمير "الأفلاق"، "ولاد دراكول"، فنظراً إلى تيقنه بعدم مقدرته على القيام في وجه القوات التركية، لم يجد ملاذاً له من أن يتقدم إلى الجيش العثماني، ويلجأ إلى "مراد الثاني" دخيلاً، للشفقة عليه. وبذلك نجا من الموت، وخرج من الموضوع، بالسجن في قلعة "كلي بولي". وهذا الأمير، أعيد إلى منصبه، من جديد، بعد فترة، وبعد أن قدم اثنين من أولاده، رهينة للعثمانيين. ويروى أن الرهينتين أرسلا إلى قلعة "أغريبوز"، الواقعة في ولاية "كرميان"، وسجنا هناك. وقد روي لهذه الأحداث أيضاً عام 841هـ/1437، وعام 842هـ/1438م.

انهزام الإمبراطور الألماني والملك المجري، "آلبرت الثاني"

لقد وصل نبأ اقتراب "آلبرت الثاني"، الذي قاد جيشه، لتخليص "سمندره" من يد العثمانيين، بعد أن تمكنوا من فتحها بفترة وجيزة. فقام الجيش، الذي كان يقوده "إسحاق بك" و"عثمان جلبي بن تيمورطاش"، المكلفان بالحملة على "المجر" بالهجوم على العدو، من حينه. ويذكر أن الجيش العثماني، لما بان في الأفق، بدأ "المجر" بالصرخة: "الذئب قادم"، ولاذوا بالفرار. إلا أنه على الرغم من ذلك، فقد التقى الجمعان، ونشبت معركة شديدة. ونظراً إلى انهزام الجيش المجري هزيمة نكراء، فقد هرب "آلبرت الثاني"، وبذلك نجا من الموت المحقق.

ولقد كان عدد الأسرى كبيراً، والغنائم كثيرة، إلى درجة أن الواحد منهم كان يباع في "أسكوب" بخمس "آقجات". ونظراً إلى اشتراك "عاشق باشا زاده"، وهو من أقدم المؤرخين العثمانيين، في هذه المعركة، فإن التصوير، الذي صور به انتصارات ذلك العهد، يعد من الوثائق القيمة، حيث يقول:

"تشبع الغزاة للغاية، إلى درجة أن الجارية، كانت تباع بحذاء. ولقد اشتريت أنا أيضاً ولداً جيداً (أسيراً) بمائة آقجة. وقد قيل منذ عهد الإسلام الأول، لم تقع غزوة على هذا الغرار. وهذا حقيقة. وقد كنت أيضاً مشاركاً في تلك الحملة. وذهبت، يوماً، إلى السلطان، فمنحني أسيراً. فقلت له: سيدي، دولة السلطان، يحتاج الأمر لجلب هذا الأسير إلى فرس، ومبلغ من المال في الطريق. فأعطاني خمسة آلاف آقجة وفرسين. فوصلت إلى "أدرنة" مع تسعة أسرى وأربعة أفراس. فبعت الواحد منهم بثلاثمائة آقجة، وبعضهم بمائتي آقجة".

إلا أن "عاشق باشا زاده"، يشير إلى تاريخ ذلك الانتصار بعام 842هـ/1438م. ويحتمل أن يكون هذا النسيان من المستنسخين.

وبعض المصادر تذكر، أن حملة "مراد الثاني" على "بلجراد"، كانت بعد هذا الانتصار مباشرة، في هذه السنة؛ ولكن هذا غير صحيح.

رفع مبلغ الخراج على "البوسنة"

لما علم ملك "البوسنه"، "تفرتكو الثاني"، اقتراب الخطر منه، بعد انتصار "سمندره"، اضطر إلى اقتراح رفع المبلغ، الذي كان يدفعه إلى العثمانيين؛ بغية تخليص وضعه. فرفع المبلغ، الذي كان يدفعه، سنوياً، وقدره عشرون ألف دوقة ذهباً، إلى خمسة وعشرين ألفاً، في السنة.

 

845هـ/1441م

الحصار على "بلجراد"

توفي الإمبراطور الألماني والملك المجري، "آلبرت الثاني"، في يوم الثلاثاء، 18 جمادى الأولى 843هـ، الموافق لـ 27 أكتوبر 1439م؛ بسبب مرض الصفراء، الذي انتقل إليه من الجيش. فحصل، بناءً على ذلك، أزمة على الحكم في "المجر"، استمرت سنتين. وضرب الحصار على "بلجراد" في تلك الفترة.

وهذا الملك المجري والإمبراطور الألماني "ألبرت الثاني"، المتوفى، هو نسيب الملك المجري السابق، "سجيسموند". فلما توفي، وأعلنت سلطنة ابنه، الذي ولد من زوجته، وأطلق عليه "لاديسلاس"، قام في وجهه الملك البولوني، "فلاديسلاس"، مدعياً أن الحكم له. حيث استند إلى بعض المؤيدين له. ويذكر أن الاتفاق، الذي قدمه "مراد الثاني"، رفضه ملك "بولونيا"، "فلاديسلاس". فكان وضع الحصار على "بلجراد"، قد حصل تحت تلك الظروف.

ويروى أن هذا الحصار، الذي استمر ستة أشهر، كان يديره "علي بك بن أفرنوس". أما "بلجرا" فقد دافع عنها، في مواجهة "علي بك"، راهب راكوزي، يدعى "زوان". وعلى الرغم من نجاح الأتراك في الدخول إلى المدينة، في أحد الأوقات، فإن المدافعين عنها ردوهم. والنقطة المؤكدة، هي عدم الحصول على نتيجة في حصار "بلجراد" هذا.

وقد روي أيضاً عام 843هـ/1439م، تاريخاً لحصار "بلجراد".

 

845هـ/1442م

أول انتصار لـ"يانكو هونياد" على العثمانيين

إن أسرة "هونياد جانوس" الصغيرة، التي ترد في المصادر العثمانية "يانكو هونياد"، أسرة عريقة، وشهيرة. وتذكرها المصادر الغربية بـ"جان-كورفين هونياد". وهناك اختلاف بين المصادر، حول أصل هذا الجندي الباسل ونسبه. فمثلاً، تذكر رواية أنه روماني، من "الأفلاق". ومع أن نسبه "هونياد"، إلا أنه ينتسب، من طريق غير شرعي، إلى أسرة "بالأولوغوس" البيزنطية؛ أو أنه الابن السري لملك "المجر"، "سجيسموند". وبناءً على هذه الرواية الأخيرة، فإن "هونياد جانوس"، ولد من خليلة الملك "سجيسموند"، التي تدعى "أليزابت مورسيناي"؛ ولذلك، لم يأخذ لقب والده؛ وإنما أخذ اسم المكان، الذي ولد فيه. ويبدو أن هذه النقطة غامضة.

ولد "يانكو هونياد"، في عام 803هـ/1400، على وجه التقريب. ومات في عام 860هـ/1456م.

ونظراً إلى الشجاعة، التي أبرزها في المعارك، فإن الملك المجري، في تلك الفترة، "لاديسلاس الرابع"، عينه أميراً على إمارة "ترانسلفانيا/أردل"، وقائداً عاماً للقوات المجرية، في الوقت عينه. ولما قتل "لاديسلاس الرابع"، في معركة "فارنا"، عمل اثني عشر عاماً في حكم "لاديسلاس الخامس"، الذي كان صغيراً، في ذلك الوقت؛ حيث استلم زمام الأمور بصفته نائباً للملك. وبناءً على الدور الفعال، الذي قام به في تاريخ "المجر"، فقد أصبح ابنه، "ماتياس"، فيما بعد، ملكاً على "المجر".

وتلقّب "يانكو هانياد" بالبطولة الشعبية؛ نظراً إلى الانتصارات، التي حققها في المعارك، التي خاضها ضد الأتراك. وعلى الرغم من تلك الانتصارات، فإنه لم ينج من الهزائم الساحقة، التي ألحقت به، في معركتي "فارنا" و"كوسوفا" الثانية.

ففي المعركة الأولى، التي انتصر فيها "يانكو هونياد" على الأتراك، تغلب على رئيس اصطبلات "مراد الثاني"، "مزيد بك". ولقد ذكر "هاممر" هوية "مزيد بك" هذا، على نحو خاطىء، ووقع لديه الخلط بينه وبين "مزيد بك"، الذي كان نسيباً للقاضي "برهان الدين"، ودخل في خدمة السلطان "محمد الأول"، قبل نحو أربعين عاماً، لما كان أميراً على "سيواس". والحقيقة أنه، بموجب شاهد قبر "مزيد بك"، في "توقاد"، كان قد توفي قبل هذا التاريخ بتسع سنوات، أي في عام 836هـ/1433م. و"مزيد بك"، الذي انهزم أمام "يانكو هونياد"، هو رئيس اصطبلات "مراد الثاني". وهو يختلف أيضاً عن "مزيد بك"، الذي عين محافظاً على "آلاجه حصار"؛ إذ "مزيد بك"، الأول، قاد قوة من "الآقنجيلر"، وكانت تقدر بخمسة وعشرين ألف نسمة، فاجتاز، في يوم الأحد، 6 ذي القعدة، الموافق لـ 18 مارس من هذه السنة، حدود "ترانسلفانيا/أردل"، وقام بضرب الحصار على مدينة "هرمانسدات"، بعد أن تغلب على قوة مجرية. وفي أثناء ذلك الحصار، تعرض لهجوم من "يانكو هونياد"، وبقي بذلك مطوقاً بين قوتين. وعلى الرغم من ذلك، فإنه استمر في قتاله بشجاعة تامة؛ غير أنه انهزم أمام قوات العدو، التي كانت تفوق قواته عدداً. ويروى أنه وقع من الجيش العثماني، في هذه المعركة، عشرون ألف شهيد. ونظراً إلى كون القوات الموجودة تحت إمرة "مزيد بك"، كانت مؤلفة من خمسة وعشرين ألفاً، فإن خسارة عشرين ألف شهيد، تعدّ مبالغاً فيها. ولقد استشهد "مزيد بك" أيضاً، مع ابنه المرافق له، في المعركة. وبعد ما قام "يانكو هونياد" بطرد المتبقين من فرق "الآقنجيلر" إلى الضفة الثانية من نهر "طونا"، أمر بإعدام الأسرى الأتراك، الواحد تلو الآخر، وهو إلى طاولة الطعام يمرح. ويروى أيضاً أن هذا القائد المجري، عمل من رؤس الأتراك أبراجاً.

وبعد هذا الانتصار، الذي حققه "يانكو هونياد"، قام بالهجوم على "الأفلاق"، وأحرق ضفتي نهر "طونا"، ثم رجع إلى بلاده. ويذكر أن "يانكو"، اكتسب لقب "المخلص للوطن"، في هذا الانتصار الأول، الذي حققه ضد الأتراك. وقد روي لهذا الحدث تاريخ آخر، هو عام 844هـ/1440م؛ ولكنه غير صحيح.

 

846هـ/1442م

الانتصار الثاني لـ"يانكو هونياد"

كلف "مراد الثاني" أمير أمراء "الروملي"، "قوله شاهين باشا"، أو "خادم شهاب الدين باشا" بالقيام بحملة ثانية. وساق الجيش، للانتقام من الهزيمة، التي لحقت بالعثمانيين في "هرمانسدات". ويذكر أن هذا الجيش كان يتألف من ثمانين ألف رجل.

وهذا الجيش الثاني، تعرض لهجوم من "يانكو هونياد"، في شهر جمادى الأولى، الموافق لشهر سبتمبر من هذه السنة، في موقع "جالوميتشا"، أو "فاساك"، وانهزم هذا الجيش، مثل سابقه. ويعزى انهزام هذا الجيش، في المصادر العثمانية، إلى تقدم قائد الجيش، من دون أخذ التدابير اللازمة، حيث كان يفتخر بالعدد الضخم، إضافة إلى كون القائد، كان يشتهر بالسكر.

وعلى الرغم من ورود روايات، تفيد أن عدد قوات "يانكو" في هذه المعركة كان في حدود عشرين – خمسة وعشرين ألف نسمة، فإن هذه الرواية، ينبغي أن تقبل بحذر واحتياط.

ولقد وقع "خادم شهاب الدين" أو "قوله شاهين باشا" أسيراً في المعركة. واستشهد الأمير الشهير "عثمان جلبي بن تيمورطاش باشا". ويروى أن خسارة العثمانيين في هذه المعرك، كانت أكثر من سابقتها.

ولقد أيقظ انتصار "يانكو هونياد" هذا بين المجريين روح الانتعاش والفرح الكبير.

ويذكر أن الجيش العثماني، خرج من المعركة بخسارة مائتي سنجق، وخمسة آلاف وخمسمائة أسير. إلا أن مثل هذه الروايات، يجب أن يقبل بحذر.

وبعد هذا التاريخ، انتشرت شهرة "يانكو هونياد"، في العالم الغربي كله أجمع. وعدّ هذا القائد، الذي كان يتسم بقوة الحكم والطالع، أكبر مدافع عن النصرانية، ضد الإسلام.

 

847هـ/1443م

انتصار الجيش الصليبي بقيادة "يانكو هونياد"، في "نيش" و"إزلادي"

لقد ترك الانتصاران المتواليان للبطل المجري الوطني، "هونياد جانوس/يانكو" هونياد، اللذان حققهما في عام 845-846هـ/1442م، تهييجاً عاماً في كل أوروبا النصرانية. وأراد البابا "إيكوين الرابع" استغلال هذه الفرصة، فقام بمحاولة تشكيل جيش صليبي، مثل أسلافه. ويروى أن الكاردينال "كازاريني"، قام بدور فعال في هذا الصدد، ممثلاً للبابا. وكان الهدف من هذه المحاولة، طرد الأتراك من أوروبا. وكان من الشخصيات البارزة في هذا التشكيل الصليبي العسكري، ملك "المجر"، "لاديسلاس"، والقائد العام "يانكو هونياد"؛ والملك الصربي الفار، المتمرد، "برانكوفيج"؛ وأمير "الأفلاق"، "ولاد دراكول"؛ ووكيل البابوية، الكاردينال "جيساريني". ومعظم المشاركين في هذه الحملة، هم من شعوب "المجر" و"الصرب" والألمان والرومانيين. ويذكر وجود عدد من الإيطاليين والألبان.

ونظراً إلى بدء حاكم "قره مان" بالتعرض للأراضي العثمانية في الأناضول، من جديد، فقد اضطر "مراد الثاني" إلى الانتقال إلى الأناضول، وترك أمر الدفاع عن "الروملي" لقواده؛ بناءً على إحدى الروايات الواردة في هذا الصدد.

ولقد استمرت هذه الحملة الصليبية خمسة أشهر. ونتج منها انتصار الأعداء في موقعين، أولهما في جوار "نيش"، والثاني في "إزلاندي".

فلقد تحرك الجيش الصليبي من "بودين"، في يوم الإثنين، 24 ربيع الأول، الموافق لـ22 يوليه من هذه السنة، واجتاز نهر "طونا"، من موقع بين "سمندره" و"بلجراد"، وبدأ بالتقدم في الأراضي الصربية. وقع أول اصطدام بينه وبين الجيش العثماني، بجوار "نيش"، على ساحل "مورافا". وتاريخ هذه المعركة، هو الأحد، 10 من رجب، الموافق لـ 3 من نوفمبر. وكان أهم قواد القوات التركية في هذه المعركة، أمير أمراء "الروملي"، "قاسم باشا"؛ والوزير الأعظم، "داماد محمود باشا"، أخا "خليل باشا جاندارلي"؛ و"علي بك بن تيمورطاش"؛ و"عيسى بك بن أفرنوس"؛ وأمير "توقاد"، "بالابان بك"؛ وغيرهم. وكان تفوق عدد العدو أدى خسارة المعركة، حيث ترك الجيش العثماني ألفي شهيد، وأربعة آلاف أسير، وتسعة سناجق. وبناءً على إحدى الروايات، فإن "مراد الثاني"، شارك في هذه المعركة بنفسه. وعلى الرغم من أن الجيش العثماني، خسر الحرب، فإنه لم يقع فيه هروب أو فوضى، وانسحب الجيش إلى ما وراء جبال البلقان.

وحتى يتم منع قوات العدو من الانتقال إلى هذا الطرف من الجبل، تم وضع الاستحكامات اللازمة على الممر، الذي يسميه الأتراك: "قابولي دربند"، "تراجان". ويوجد في هذا الممر الجبلي الشهير بوغازان (أي ممران). يطلق على أحدهما "سوجي/سولو دربند"، وعلى الثاني "سلاتتزا/إزلادي دربند". وقد روي أن الممرين أغلقا تماماً بصخور كبيرة؛ بل إنه بالنظر إلى مرور المياه، في الليل، من جانب بوابة "تراجان"، التي تقع في "سولي دربند"، فقد أصبح في الصباح جداراً ثلجياً. فالجيش الصليبي، الذي تابع إثر الجيش التركي، واستولى على "صوفيا"، أصبح مواجهاً لهذين الممرين.

وتفيد إحدى الروايات، أن "مراد الثاني"، الذي لم يشارك في معركة "نيش"، وصل إلى هذا الموقع، فأصبح يترأس الجيش فيه.

ولما رأى "يانكو هونياد" عدم إمكانية اجتيازهم "سولي دربند، الذي أصبح جداراً من الثلج، توجه إلى "دربند إزلادي"؛ نظراً إلى كونه أوسع من سابقه. وقد جرت في هذا الموقع الأخير، معركة شديدة، بين الطرفين؛ ونجح الجيش الصليبي في اجتياز الممر، وذلك في يوم الثلاثاء، 2 رمضان، الموافق لـ24 ديسمبر من هذه السنة. وهذا يعني أن الجيش الصليبي، أصبح مسيطراً على "بلغاريا" وسهول "تراقيا". إلا أن اضطرار جيش العدو، في هذه المعركة، التي استمرت تسعة أيام، إلى الرجعة، قد نجّى الوضع، في نهاية الأمر.

معركة "يالفاج"

ولقد استمر الجيش الصليبي في حركته التقدمية إلى الأمام، وذلك بعد معركة "إزلادي"، فوصل إلى جوار"يالفاج/يالوفاز". ووقعت المعركة الأخيرة، بينه وبين الجيش العثماني، في نطاق جبل "كانوفيجا/كونوبيزا". وهذه المعركة، وقعت يوم الخميس، 11 رمضان، الموافق لـ 2 يناير.

وقد استبسل الجيش العثماني في هذا الموقع، وأبدى مقاومة كبيرة، حيث تغلبت قوات "محمود جلبي جاندارلي" على قوات الملك الصربي، "برانكوفيج"؛ إلا أنه، مع أمير أمراء "الروملي"، "قاسم باشا"، وقعا أسيرين في يد "يانكو هونياد". ويذكر أن "يانكو"، قام بإعدام مائة وسبعين أسيراً تركياً، على الفور. إلا أنه، على الرغم من ذلك، لم يهزم الجيش العثماني، واضطر الصليبيون إلى الرجعة، حتى لا يتعرضوا لخطر أكبر. وقد أخذوا معهم "قاسم باشا" و"محمود جلبي"، من دون إعدامهما، وذلك بغية التشهير بهما، في الاستعراض الانتصاري للجيش.

 ومن حيث النتيجة، فإن هذه المعركة، قد أنقذت "الروملي" من خطر كبير.

وتبرز بعض المصادر الغربية معركة "يالفاج"، بأنها انتصار كبير للصليبيين؛ إلا أن ذلك ليس صحيحاً. فمن المؤكد أن اضطرارهم إلى الرجعة، كان بسبب هذه المعركة.

التنكيل بابن "قره مان"

على أثر تمرد حاكم "قره مان"، "إبراهيم بك" على متبوعه، في أثناء محاربة الصليبيين، انتقل "مراد الثاني" إلى الأناضول، تاركاً الدفاع عن "الروملي"، كما تفيد إحدى الروايات. وتذكر رواية أخرى، أن السلطان "مراداً"، لم ينتقل إلى الأناضول؛ وإنما أرسل إليها ابنه، "علاء الدين بك".

ويذكر أن حاكم "قره مان"، كان متفقاً مع ما يجري في البلقان، وأنه أرسل وفوداً، ودخل في الحلف، الذي انعقد برئاسة "المجر"، وأنه، بناءً على ذلك، بدأت الحركة ضد العثمانيين. وهذا يعني أن "إبراهيم بك" يدخل للمرة الثانية إلى التحالف البلقاني.

وكان "إبراهيم بك"، ابن "قره مان"، قد دمر الأماكن الواقعة بين "أنقرة" و"كوتاحيا"؛ وقام أيضاً بالاستيلاء على "آق حصار" و"آق شهر" و"بي شهر" وغيرها من البلدات العثمانية. ولذلك، فقد أمر "مراد الثاني"، في حملته على "قونية"، بتدمير الأماكن الواقعة حتى "قونية"، انتقاماً من ابن "قره مان". واضطر "إبراهيم بك" إلى الانسحاب إلى "تاش إيلي" من جديد. إلا أنه وفق في عقد الصلح مع العثمانيين، بعد أن أرسل زوجته، التي هي أخت "مراد الثاني"؛ ووزيره، معلناً خضوعه، وتحت طائلة من الشروط القاسية. وكان من ضمن تلك الشروط، إعادة الأراضي العثمانية، التي استولى عليها، ودفع التعويضات، وقبول التبعية العثمانية.

وهناك اختلاف، بين المصادر العثمانية والمصادر البيزنطية، حول تاريخ حملة "قره مان" هذه. فعلى سبيل المثال، يذكر، خطأً، عام 846هـ/1442م؛ وكذلك عام 848هـ/1444م. فالمصادر العثمانية، تظهر هذا الحدث بأنه كان بعد المعارك، التي جرت في البلقان، مباشرة. ويبدو أن هذه الرواية العثمانية، هي الصحيحة، بالنظر إلى تسلسل الأحداث والوقائع.

 

848هـ/1444م

صلح "سزه كدين"

يذكر أن هذه المعاهدة السلمية، عقدت بين الدولة العثمانية، والمملكة المجرية، في يوم الأحد، 25 ربيع الأول، الموافق لـ12 يوليه من هذه السنة.

نظراً إلى المقاومة العثمانية، من جهة؛ واقتراب فصل الشتاء، وتأثيره المناخي الكبير في البلقان، من جهة أخرى، قبل الملك المجري، "لاديسلاس" الاقتراح، الذي قدمه "مراد الثاني"، لعقد الصلح بين الطرفين، وذلك بناءً على عدم مجيء القوات الجديدة، التي كان ينتظرها "لاديسلاس"، من أوروبا، وإنهاءً للحملة، التي استمرت خمسة أشهر. وهذا الصلح كان ثقيلاً على العثمانيين؛ فبموجب المعاهدة، التي كانت مدتها عشر سنوات، تعاد مدينة "سمندرةه"، وغيرها من المدن، إلى "صربيا"؛ ويُصادَق على حكم "برانكوفيج"، ويعاد ابناه، الرهينتان لدى العثمانيين، إليه؛ ويقبل حكم "المجر" على "الأفلاق"، التي أعيدت غلى "ولاد دراكول"؛ ودفع سبعين ألف دوقة ذهباً، لفك أسر "الداماد محمود جلبي"، الذي هو أخو "خليل باشا جاندارلي". وكان الهدف من ذلك، إعطاء المجال للجيش للتنظيم والتنسيق، من جديد.

تخلي "مراد الثاني" عن الحكم

لقد تخلى "مراد الثاني"، باختياره، عن الحكم لابنه، الذي سيصبح فاتح "إستانبول"، "محمد الثاني"؛ وذلك بناءً على الانهزامات المتوالية، التي تعرض لها الجيش في عهده، من جهة؛ ووفاة ابنه، "علاء الدين"، من جهة أخرى. فانزوى في "مغنيسيا"، تاركاً أمر السلطنة لابنه، "محمد الثاني"؛ وينبغي البحث إن كانت هناك أسباب أخرى لهذا التفرغ أم لا.

ولما توجه "مراد الثاني" إلى "مغنيسيا"، أخذ معه "إسحاق باشا" و"شرابدار حمزة بك"، من أوثق رجاله.

وبموجب أقوى الروايات، فإن هذا السلطان العظيم، قد ولد في عام 806هـ/1403-1404م. وذلك يعني أنه انسحب من الحكم، وله من العمر 40-41 سنة.

وقد استمرت هذه الفترة الأولى من حكم "مراد الثاني"، ثلاثاً وعشرين سنة، بدءاً من عام 824هـ/1421م.

وقد روي أيضاً تاريخ لهذا التخلي، هو عام 844هـ/1440م؛ وعام 846هـ/1442م؛ وكذلك عام 847هـ/1443م؛ وعام 849هـ/1445م، وغيرها من التواريخ. ونظراً إلى ثبوت فترة حكمه الأول بالكتابات التاريخية، في أثناء وجوده في الحكم، في عام 847-848هـ/1443-1444م، فإن تلك الروايات خاطئة.