إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

"محمد الثاني"

(الفاتح)

(الفترة الثانية للحكم)

855-886هـ/1451-1481م

 

855هـ/1451م

جلوس "محمد الثاني" على سدة الحكم

لقد جلس "محمد الثاني"، فاتح "إستانبول" مستقبلاً، في يوم الخميس، 16 محرم، الموافق لـ18 فبراير من هذه السنة، على سدة الحكم في "أدرنة". وهناك من يعدّ هذا الجلوس، هو الثالث لـ"محمد الثاني".

يشتهر السلطان "محمد الفاتح"، الذي يذكر في المصادر العثمانية بـ"محمد الثاني"، وفي المصادر الغربية، بـ"محمد الثاني" الفاتح Fatih II Conquerant[1]. فالترجمة الفرنسية لكلمة الفاتح Conquerant، وتقابل في اللغات الأوروبية الأخرى بكلمة مشابهة.

ويعد السلطان "محمد الفاتح"، هو السابع في سلسلة السلاطين العثمانيين، إذا لم يحسب الأمير "سليمان" والأمير "موسى" من السلاطين.

وبما أن السلطان "محمداً الفاتح"، ولد في ليلة السبت/الأحد، 26-27 رجب 835هـ، الموافقة لليلة 29/30 مارس 1432م، بموجب أقوى الروايات، فإن عمره في هذا الجلوس الأخير، والنهائي، بموجب التاريخ الميلادي، 18 سنة وعشرة أشهر وعشرون يوماً.

وعلى الرغم من تلك الرواية، فهناك روايات ضعيفة، تفيد أيضاً أن عمر "محمد الثاني الفاتح"، في هذا الجلوس الثاني، كان 20 أو 21 أو 22 أو 23 أو 24 أو 25 سنة.

ولقد تمت إدارة شؤون الدولة، التي بقيت خالية من السلطان، بسبب وفاة السلطان "مراد الثاني"، إلى حين وصول "محمد الثاني"، بعد بضعة عشر يوماً، من لدن الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"، الذي أظهر أن السلطان حي يرزق، حيث أدارها باسمه، إلى حين وصول ابنه، "محمد الثاني".

ويذكر أن السلطان الجديد، لما وصله نبأ الوفاة، خرج من "مغنيسيا"،على الفور، ووصل إلى "كلي بولي" خلال يومين؛ ومنها توجه، بالسرعة نفسها، إلى "أدرنة"، كما تذكر الروايات. إلا أن النبأ، لما خرج من "أدرنة" ووصل إلى "مغنيسيا"، فقد مر عليه عدة أيام أيضاً؛ ولذلك، فإن المؤكد، أن الفاصل بين وفاة "مراد الثاني" وجلوس ابنه، "محمد الثاني"، هو بين 7 و8 أيام. إلا أنه بالنظر إلى عدم إمكان توثيق الرواية، التي تفيد درجة سرعة وصول "محمد الثاني" إلى "أدرنة"، فقد اتخذ، هنا، الرواية، التي تقبلها المصادر العثمانية، وهي يوم الخميس، 16 المحرم، الموافق لـ 18 فبراير من هذه السنة. وبما أن "مراداً الثاني" توفي يوم الأربعاء، الأول من المحرم، الموافق لـ 3 فبراير، فإن "محمداً الثاني"، وبموجب أقوى الروايات، جلس على سدة الحكم، بعد وفاة والده بخمسة عشر يوماً. وعلى الرغم من ذلك، فهناك روايات أخرى، تفيد أن الجلوس الثاني لـ"محمد الثاني"، قد تحقق بعد خمسة أو ستة أو حتى عشرة أيام من وفاة والده. أي في يوم الإثنين، 6 محرم، الموافق لـ8 فبراير؛ أو يوم الثلاثاء، 7 محرم، الموافق لـ9 فبراير؛ أو في يوم السبت، 11 المحرم، الموافق لـ 13 فبراير.

دفن "مراد الثاني" في "بورصا"

لقد تم تحنيط جثة السلطان "مراد الثاني"، الذي أخفي نبأ موته إلى حين وصول ابنه، "محمد الثاني"، من ولاية "مغنيسيا"، التي كان والياً عليها، إلى "أدرنة". ثم نقل من "أدرنة"، ودفن في القبر، الذي يوجد به الآن، في "بورصا". ويطلق على الحي، الذي يوجد به القبر: "مرادية". والقسم العلوي من القبر مفتوح وممرّد. ولحد القبر من دون صندوق.

خنق الأمير الصغير، "أحمد" وقتله، لتوفير النظام للعالم

يذكر أن "أحمد" الصغير، هو أصغر أولاد "مراد الثاني"، والذي كان في المهد. ولما وصل "محمد الثاني" من "مغنيسيا"، خنق هذا الرضيع الصغير، الذي عدّه مدعياً للسلطة، في المستقبل؛ وأرسل جسده، مع والده، ليدفنا في "بورصا".

ومنذ عهد "محمد الثاني"، اتخذت الإعدامات السياسية شكل قانون. وحتى يمكن منع الأمراء من النزاع في الحكم، وضع قانون في دستور آل عثمان، على النحو الآتي:

"إن من تيسر له الحكم من أولاد الحاكم، فيجوز له قتل إخوانه، لتوفير النظام للعالم. ولقد أجاز ذلك معظم العلماء. فليعمل بموجبه".

ويبدو أن هذا التقليد، الذي يُعَدّ، في واقعنا المعاصر، سيئاً للغاية، كان له تأثير كبير في ما يمكن من تفتيت وحدة الدولة، بسبب الصراع على الحكم بين الأمراء. والحقيقة أن هذه العادة المؤلمة، لا يختص بها آل عثمان؛ إذ أثبتت المصادر وجود هذه الحقيقة المرة، في العديد من الأسر الحاكمة، في الشرق والغرب، بين المسلمين والنصارى.

وإضافة إلى السلطان "محمد الثاني"، كان للسلطان "مراد الثاني" من البنين: "أحمد"، و"علاء الدين"، و"حسن"، و"أورخان"، و"أحمد الصغير". وبما أن الأربعة الأوائل، توفوا في حياة والدهم، فإن إعدام "أحمد الصغير"، يعني أن "محمداً الثاني" بقي من دون منافس له في الحكم.

وكان من أوائل الأعمال، التي قام بها "محمد الثاني" إرسال زوجة والده، الأميرة الصربية، "مارا برانكوفيج"، إلى والدها. وهذه الأميرة الصربية، التي قيل إنها كانت في الخمسين من العمر، في تلك الفترة، قد طلبها الإمبراطور البيزنطي الأخير، "كوستانتينوس الحادي عشر"، بغية تأسيس علاقة نسب مع آل عثمان؛ إلا أن الأميرة رفضت طلبه.

تجديد معاهدات الصلح مع الوفود الأجنبية، التي قدمت لتهنئة "محمد الثاني" بالجلوس

لقد تنافس الحكام والملوك في بعث الوفود، لتهنئة "محمد الثاني" بتولي الحكم. فممن أرسل وفوداً إليه في هذا الصدد، الإمبراطور البيزنطي "كوستانتينوس بالأولوغوس"؛ وإمبراطور "طرابزون، الرومي، "يؤانس كومنينوس الرابع"؛ والنائب على المملكة المجرية، "يانكو هونياد"؛ والملك الصربي، "برانكوفيج"؛ وحكومات: "الأفلاق"، "وراكوزا/دوبروفنيك"، و"جنوى"، وإمارة "مدللي" الجنوية؛ وأمراء "المورة"، وفرسان "رودوس"، والجاليات الجنوية في "ساقز" و"غلطة".

ويذكر أن الإمبراطور البيزنطي، "كوستانتينوس الحادي عشر"، أرسل أخاه، أمير "المورة" "ديمتريوس"، بغية إظهار الود للسلطان "محمد الفاتح"، الذي بادله الشعور نفسه، من الاهتمام والالتفات إليه؛ إلا أن هذه الرواية ضعيفة. ولقد ورد السفراء البيزنطيون من "إستانبول".

وكان الإمبراطور البيزنطي قبل الأخير، "يؤانس بالأولوغوس"، قد مات في يوم الخميس، 3 رمضان 852هـ، الموافق لـ 31 نوفمبر 1448م. ونظراً إلى عدم وجود بنين لديه، فإن أخاه التالي له مباشرة، والذي كان أميراً على "المورة"، أعلن جلوسه على الإمبراطورية البيزنطية، في يوم الإثنين، 11 من ذي الحجة، الموافق لـ 6 يناير 1449م، وذلك بعد أن توجه وفد من "إستانبول" إلى "المورة"، حيث أعلن حكمه في "المورة"، باسم "كوستانتينوس بالأولوغوس الحادي عشر". وهذا الأمير السيئ الحظ، الذي أصبح إمبراطوراً على الإمبراطورية البيزنطية، بعد وفاة أخيه بشهرين وستة أيام، هو آخر إمبراطور بيزنطي. وهذا الإمبراطور الأخير، الذي سمي باسم "دياجاسيس" أو "دراجاش"، نسبة لقب أمه "إيرينا"، كان قد صادف جلوسه على الإمبراطورية عهد "مراد الثاني"، حيث صادق على إمبراطورية هذا الأمير، الذي كان في حكم التابع له. وهذا يعني أن "كوستانتينوس الحادي عشر"، قد جلس على الحكم قبل السلطان "محمد الفاتح" بسنتين وشهر وثلاثة عشر يوماً.

كان القيام بفتح "إستانبول"، الواقعة في وسط الأراضي التركية، وإنهاء هذا الوضع غير الطبيعي، والقضاء بذلك على الإمبراطورية البيزنطية ـ مما يشغل حيزاً كبيراً من تفكير السلطان "محمد الثاني"، ليلاً نهاراً، منذ أن جلس على كرسي الحكم. بل يذكر أنه رسم مخططاً لـ"إستانبول"، وكان يشتغل عليه بشكل مستمر، بغية تحديد نقاط الضعف للاستحكامات البيزنطية، وتعيين أسس حركة الحصار. وعلى الرغم من ذلك، كان السلطان مضطراً إلى أن يتعامل مع الإمبراطورية البيزنطية، على نحو حسن، مثل غيرها من الدول، إلى حين الانتهاء من الاستعدادات. فيذكر أنه قدم وفد الإمبراطور، بناءً على ذلك، وكان في بيزنطة، في تلك الفترة، أمير عثماني، يدعى "أورخان جلبي". ولقد أظهر السلطان "محمد الفاتح" مع الوفد البيزنطي ميلاً كبيراً، من خلال القبول بتأدية ثلاثمائة ألف آقجة، سنوياً، من النقود، إلى الخزينة البيزنطية، مقابل مصروف هذا الأمير "أورخان". وهناك اختلافات في هوية هذا الأمير "أورخان"؛ فبعض المصادر تذكر أن هذا الأمير، هو أحد أربعة إخوان لـ"مراد الثاني"، وعم للسلطان "محمد الفاتح". بل يذكر أن السبب في لجوئه إلى بيزنطة، خوفه من قيام أخيه، "مراد الثاني" بقتله. إلا أنه بناءً على بعض الروايات الأخرى، فإن هذا الأمير، هو ابن "سليمان جلبي"، ابن "بايزيد الأول"، الذي حكم في "أدرنة"، في عهد الفترة؛ أو إنه ابن "قاسم بن سليمان جلبي". ويبدو، أن هذه الرواية غير صحيحة؛ لأن ابن "سليمان جلبي"، قد توفي في "بورصا" بمرض الوباء، قبل جلوس "محمد الثاني" باثنين وعشرين عاماً، أي في عام 832هـ/1428-1429م؛ ودفن في تربة "مراد خداونكار" بـ"بورصا". ولا يعلم وجود أخ لـ"مراد الثاني"، باسم "أورخان جلبي"، من جهة ثانية. وبناءً على هذا الوضع، من جهة؛ وعلى الرواية، التي تشير إلى أن والد "أورخان جلبي"، المعاصر لـ"محمد الثاني" هو "قاسم جلبي بن سليمان جلبي"، من جهة أخرى، يبقى هناك احتمال واحد، هو أن يكون (أي "أورخان جلبي") ابن "قاسم جلبي" ابن "يلدرم بايزيد"، الذي توفي (أي "يلدرم") بالمرض الوبائي، لما بلغ من العمر 20-21 سنة؛ وهو (أي "يلدرم بايزيد"، جد "أورخان جلبي") الذي أبقاه "سليمان جلبي" رهينة لدى الإمبراطور البيزنطي، في عام 820هـ/ 1417م، على وجه التقريب.

وحتى يتم توفير الأمن اللازم لفتح "إستانبول"، فقد قرر السلطان "محمد الثاني" اتباع سياسة سلمية عامة، مع كل الدول، ولا سيما العدو اللدود، "المجر" و"سمندرة"، اللتين عقد معهما معاهدة سلمية، لمدة ثلاث سنوات. ويذكر أن هذه المعاهدة قد عقدت مع "المجر"، بعد حملة "قره مان"، التي جرت في أحداث عام هذه السنة، التي سيأتي الحديث عنها، بعد قليل.

ولقد عرض وفدا "راكوزا" و"دوبروفنيك"، أنهما سيزيدان من مبلغ الخراج، الذي يدفعانه إلى الدولة العثمانية.

وفاة "محمد أفندي يازيجي أغلو"، ناظم "المحمدية"، في "كلي بولي"

لقد اكتمل كتاب "المحمدية"، الذي يعد ذا مكانة متميزة في الأدب الديني، في عام 853هـ/1449م. وهذا المؤلَّف، الذي يقرأ في العديد من المناسبات الدينية، بتقدير واحترام، مثل مولد "سليمان جلبي" ـ يعد ذا قيمة لغوية أيضاً، من حيث تاريخ الأدب التركي واللغة التركية.

و"محمد أفندي يازيجي أغلو"، هو من مريدي "الحاج بيرم والي". عاش في "كلي بولي"، وتوفي بها. ولذلك، فإن قبره، المزور من العصور الغابرة، موجود فيها.

وكتابه "المحمدية"، لم يقرأ في "تركيا" فحسب، بل في كل العالم التركي، ولعصور خلت؛ واكتسب بذلك نوعاً من القدسية لدى المجتمع.

التنكيل بتمرد "قره مان"، واسترداد إمارة "منتشه"

إن "إبراهيم بك"، حاكم "قره مان"، الذي أراد الاستفادة من تبدل الحكم في الدولة العثمانية، قام بالعصيان لمتبوعه القديم، الدولة العثمانية؛ بغية استرداد أراضيه منها. وأرسل ورثة إمارات: "كرميان" و"آيدين" و"منتشه" إلى بلادهم، مما أدى إلى نشوب مشكلة كبيرة. وكانت الحملتان، اللتان قام بهما "محمد الفاتح"، لتسوية هذا الوضع. ولما علم "إبراهيم بك"، حاكم "قره مان"، الذي تقدم حتى مدينة "آقشهر"، أنه لا يستطيع مقاومة السلطان "محمد الثاني"، اضطر إلى طلب الصلح، مقابل تقديم ابنته للسلطان العثماني، والقبول بحكمه، وعدم التجاوز، ثانية، على الحدود، التي عينها "مراد الثاني". فقبل تلك المقترحات السلطان "محمد الثاني"، الذي كان يريد الانشغال بإعدادات فتح "إستانبول". وعلى الرغم من ذلك، كان "محمد الثاني"، يفكر في القضاء النهائي على دولة "قره مان"؛ حيث تحدث عن ذلك من خلال بيت شعري، مشيراً إلى أنه كان يتحين الفرصة المناسبة لذلك، حيث قال فيه ما معناه: ينافسنا ابن "قره مان" على السلطة. فإذا قدر الله، فسوف أقضي عليه.

ويذكر في المصادر العثمانية، أن السلطان "محمداً الثاني"، لما رجع من حملته على "قره مان" إلى "بورصا"، ساق أمير أمراء الأناضول، "إسحاق باشا" على "آيدين" و"منتشه"، حيث تم التنكيل بهما، ولا سيما "منتشه"، التي تم استردادها وإلحاقها، من جديد، بالأراضي العثمانية؛ وهرب أمير "منتشه"، "إلياس بك" إلى "رودس". و"إلياس بك الثاني" هذا، هو حفيد "إلياس بك الأول"، المتوفى في عام 824هـ/1321م. وكان لـ"إلياس بك" ابنان: "ليث" و"أحمد". و"إلياس بك الثاني"، هو ابن "أحمد"، بموجب إحدى الروايات؛ وابن "ليث"، بناءً على رواية أخرى. ولذلك، لا يمكن القطع فيه بشيء.

محاولة الإمبراطور البيزنطي الاستفادة من حملة "محمد الثاني" على "قره مان"

لما خرج السلطان "محمد الثاني"، لحملته على "قره مان"، أرسل الإمبراطور البيزنطي إليه وفداً في مقره العسكري بالأناضول، طالباً منه زيادة المبلغ المقرر دفعه إلى الخزينة البيزنطية، مقابل مصروف الأمير "أورخان بك"، الموجود لدى بيزنطة، إلى ضعفيه؛ مشيراً إلى أنه إن لم يزد ذلك المبلغ، فإنه سوف يجعل الأمير "أورخان" حراً طليقاً، ينازعه الحكم. ويعد هذا الاقتراح من الإمبراطور البيزنطي غريباً للغاية. وبموجب إحدى الروايات، فإن "محمداً الثاني"، الذي لم يكن يريد نشوب أي مشكلة مع بيزنطة، قبل وضع الحصار على "إستانبول" ـ ذكر له أنه لما يرجع إلى "أدرنة"، فسوف يحل المسألة. وبذلك، رجع الوفد البيزنطي. وبموجب رواية أخرى، أنه رفض الطلب، على الفور. وهناك رواية تشير إلى أن هذا التصرف الصبياني، من الإمبراطور البيزنطي، كان له تأثير كبير في التعجيل بفتح "إستانبول".

بدء عادة تقديم بخشيش الجلوس

لما عاد السلطان "محمد الثاني" من حملته على "قره مان"، ودخل "بورصا"، قطع الإنكشارية طريقه، في محل ضيق من المدينة، وطلبوا دفع بخشيش إليهم؛ ولم يعطوا الطريق للسلطان، قبل أن توزع عليهم عشرة أكياس من الآقجات. ويروى أن بخشيش الجلوس، الذي أدى، فيما بعد، العديد من الأزمات المالية، والأزمات السياسية، في الدولة العثمانية، بدأ بهذه الصورة. وهذا الحادث، الذي فتح المجال لطلب المال، بالقوة، والخالي من أي مناسبة ـ عُدّ بداية لاختلال نظام الإنكشارية؛ إلا أن ذلك غير صحيح. بل إن أول محاولة للتمرد في هذا الصدد، هي حادث "بجوق تبه".

وبناءً على هذا الحادث، يذكر أن السلطان "محمداً الثاني"، قام بضرب رئيس الإنكشارية، "قازانجي دوغان بك"، بيديه، وعزله من منصبه. كما أدب بعضاً آخر من أركان الإنكشارية.

وهناك رواية تفيد، أن آغاوات الإنكشارية، الذين كانوا يتربون في "الأوجاق"، إلى هذا التاريخ، أصبحوا، فيما بعد، ينتخبون انتخاباً.

اتخاذ مدينة "كوتاحيا" مركزاً لأمير أمراء الأناضول

بعد أن تم تسكين المشكلة، التي نشبت في "آيدين" و"منتشه"، في حملة "قره مان"، أخذ أمير أمراء الأناضول "إسحاق بك" أمراً باتخاذ "كوتاحيا" مركزاً للإمارة. وكان مركز الإمارة، إلى ذلك التاريخ، في "أنقرة".

 

856هـ/1452م

إنشاء قلعة "روملي حصار"، وترميم قلعة "أناضول حصار"

لقد وصل السلطان "محمد الفاتح"، على رأس قوة قوامها خمسون ألف شخص، إلى الموقع، الذي يوجد به "روملي حصار"، في يوم الأحد، 5 من ربيع الأول، الموافق لـ 26 مارس من هذه السنة، وذلك لقطع قناة البحر الأسود على بيزنطة، وبالتالي قطع إعاشتها من هناك، من جهة؛ والسيطرة على قناة "إستانبول" (البوسفور)، وتوفير الأمن بين الأناضول و"الروملي"، من جهة ثانية. ولقد حدد السلطان "محمد الفاتح" نفسه مكان الحصار، وهدم كنيسة "سان ميشل"، الموجودة هناك، وأضاف أنقاضها إلى المواد، التي أتى بها من الأناضول، كما أتى بالخشب اللازم من "أرغلي – قره دنيز" و"إزميد". وبقي في هذا الموقع إلى نهاية شهر أغسطس، حيث عمل إشرافاً مباشراً على أعمال البناء، التي استخدم فيها بين 3 و5 آلاف عامل، وعشرة آلاف رجل بصفة مساعدين. ونجح في إنهاء العمل، في نهايات شهر أغسطس.

ولما كان العمل جارياً على قدم وساق، في حصار (قلعة) "الروملي"، كان السلطان "محمد الفاتح"، يقوم بإضافة بعض الملاحق إلى قلعة الأناضول، وترميم بعض استحكاماتها، ووضع المدافع والعساكر فيها. وبذلك، فقد تمكن من القناة، في أضيق محل منها من الجانبين.

ويذكر أن أعمال الإنشاء والبناء في قلعة "الروملي"، التي سميت، في المصادر العثمانية، باسمها القديم "بوغاز كسن" (أي قاطع القناة) ـ تمت في أربعة أشهر؛ وتذكر إحدى الروايات، أنها اكتملت في أربعين يوماً. إلا أنه بموجب المصادر البيزنطية، فإن مجيء السلطان إلى موقع القلعة، كان في 5 ربيع الأول، الموافق لـ 26 مارس وأما بموجب الكتابة، الموجودة على الباب الداخلي من القلعة الناظر على جهة حي "ببك"، فكان الانتهاء من العمل في شهر رجب، الموافق لشهر يوليه. ولذلك، يتضح أن هذا العمل الهائل، قد تم استكماله خلال ثلاثة أشهر ونصف. ولما اكتملت القلعة، ووضع فيها المحافظون، رجع السلطان "محمد الفاتح" إلى "أدرنة"، وذلك في يوم الإثنين، 12 شعبان، الموافق لـ28 أغسطس.

يذكر أن سمك جدران القلعة بين 20 و25 قدماً، وأن سمك جدران الأبراج، المغطاة بطبقة من الرصاص المسكوب، بين 30 و32 و35 قدماً.

ولما تم الانتهاء من أعمال إنشاء القلعة، وضعت فيها مدافع، بمختلف الأبعاد. وأقيم فيها أربعمائة جندي، مختار، بقيادة "فيروز آغا"، الذي كان السلطان "محمد الفاتح"، يعتمد عليه كثيراً. وأمِر "فيروز آغا" بتوقيف جميع السفن المارة بالقناة، وإجبارها على تحية السنجق؛ والقيام بتفتيش السفن، وتحصيل رسم مناسب مع حمولاتها، وإغراق أي سفينة، لا تطيع الأوامر. ولقد قام "فيروز آغا" بتنفيذ هذا الأمر، على الفور، حيث تم، على سبيل المثال، إغراق سفينة تابعة للبنادقة، في شهر شعبان، الموافق لشهر أغسطس، نظراً إلى رفضها امتثال الأوامر.

ولقد ذكر السلطان "محمد الفاتح" للوفد، الذي بعثه الإمبراطور البيزنطي، للاحتجاج على أعمال الإنشاء، أن هذا تدبير أمني؛ مشيراً إلى أن موقع الحصار، لا يتبع بيزنطة، ولا الجنويين؛ وأنه نقطة عبور، تابعة للأتراك وحدهم. يضاف إلى ذلك، أن توفير الأمن اللازم للقناة، سوف يقضي على قراصنة "رودس" و"البندقية" و"قاتالان" وغيرهم، ممن يضر بالتجارة، التركية والبيزنطية، على حد سواء. ولذلك، فينبغي أن يسر الإمبراطور بهذا العمل؛ مشيراً إلى أن "مراداً الثاني"، لما أراد العبور إلى "الروملي"، عبر قناة "جنق قلعة" (الدردنيل)، فإن أسطول اللاتين، قد منعه من ذلك؛ وأنه اضطر إلى عبور قناة "إستانبول" بصعوبة شديدة. ولما رأى السلطان "محمد الفاتح" إصرار الوفد على موقفه، قال السلطان لأعضائه:

ـ إن الأماكن، التي تصل إليها القوة، التي أملكها، لا تصلها آمال إمبراطوركم. وإنني إذ أسمح، هذه المرة، بعودتكم، فإذا تكرر مجيء وفود منكم، فإنني سوف أقشط جلود أعضائها، وهم أحياء. وبذلك طردهم من مجلسه شر طردة. ويبدو أن الإمبراطور، أصبح يتعقل ويفهم الوضع؛ بل إن هناك رواية، تشير إلى أنه بات يرسل الأكل إلى العمال العاملين في عملية البناء، بغية التسكين من روع السلطان.

والمخططات، التي نفذت في أعمال بناء قلعة "الروملي"، التي تقع على أضيق الحدود، بين الساحل الأناضولي والساحل "الروملي"، وتقدر المسافة بـ700 متر – هي من آثار المعماري "مصلح الدين".

ولقد نقلت بعض المصادر المتأخرة، عن رحلة "أوليا جلبي"، أن الشكل العام لهذه القلعة، هو شبيه باسم النبي – صلى الله تعالى عليه وسلم – باللغة العربية؛ حيث بني برج محل كل حرف ميم، وبنيت الاستحكامات في محل حرفي الحاء والدال. وهذه الرواية مشكوك في صحتها.

وفي الحقيقة، إن هذه القلعة، تشكلت من ثلاث زوايا، وثلاثة أبراج. ويتحكم برجان منها في البحر، وأحدها في البر. والبرج المضلع، الواقع بجانب البحر، بناه الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"؛ والبرج المطل على قرية "حصار"، بناه "صاروجه باشا"؛ والبرج المطل على (حي) "ببك"، بناه "زاغانوس محمد باشا". ويروى أن هؤلاء كانوا يعملون بأيديهم في البناء، حتى يصبحوا مثلاً يحتذي به العمال.

ويصادف، في بعض المصادر، ذكر أسماء لقلعة "الروملي"، مثل "ينيجه حصار" و"ينيجه قابي". وبما أنه يوجد، من بين أسماء قلعة الأناضول، اسما "يني حصار" وينيجه حصار"، فيحتمل إطلاق اسم "يني" (الجديد) على القلعتين، في أثناء مرحلة الإنشاء. ويحتمل، في الوقت نفسه، أن يكون ذلك خطأ من المصادر القديمة عينها.

إعلان الحرب للإمبراطورية البيزنطية، وقيام الإمبراطور بإغلاق بوابات "إستانبول"

بناءً على قيام أحد الأتراك بضرب أحد الأروام، الذي منعه من رعي مواشيه، في شهر جمادى الأولى، الموافق لشهر يونيه، نشب تضارب بين هذا التركي والأروام. وكان إصدار الأوامر من الإمبراطور، بالتشجيع على مثل هذه الحوادث؛ لعرقلة أعمال بناء القلعة، دليلاً على الإخلال بالمعاهدة السلمية، من لدن الإمبراطورية البيزنطية. ولذلك، اضطر السلطان "محمد الثاني" إلى إعلان الحرب في وجه الإمبراطور "كونستانينوس بالأولوغوس الحادي عشر". وهناك رواية تفيد، أنه بناءً على تقديم الشكوى إلى الإمبراطور، بتجاوز الأتراك لحدائق الأروام، أصدر أمره بطرد الأتراك بالعصي، مما أدى نشوب هذا الحدث.

ويبدو أن المؤلفين الأوروبيين، الذين اشتهروا بعداوتهم للأتراك أيضاً، اعترفوا بأن الإمبراطور، هو الذي تسبب بنشوب المشكلة.

واسم الراعي التركي، الذي تسبب بالتحقير، الذي لقيه الأروام، وإعلان الحرب ضد الإمبراطورية الرومية الشرقية، وإزالتها عن الوجود ـ غير معلوم؛ إلا أنه يذكر، أنه كان يعمل لدى أمير من أسرة "إسفنديار"، كان نسيباً للعثمانيين. واسم هذا الأمير، هو "قاسم بن إسفنديار"، من بني "جاندار"، حكام منطقة "قسطموني". و"قاسم بك" هذا، هو عم "إسماعيل بك"، الذي كان حاكماً على "قسطموني"، في تلك الفترة. وقد تزوج إحدى بنات السلطان "محمد الأول" في عهد "مراد الثاني". ولما توفيت زوجته الأولى، أخذ إحدى بنات "مراد الثاني"؛ ولذلك، أصبح نسيباً للسلطان "محمد الثاني"، كما تذكر الرواية. وتذكر بعض المصادر البيزنطية، أن "إسماعيل بك"، حاكم "أسفنديار"، في تلك الفترة، كان موجوداً في حصار "إستانبول"؛ إلا أنه إضافة إلى أن هذه الرواية مشكوك في صحتها، فإن عدم وجود النسب بين "إسماعيل بك" والعثمانيين، يجب أن يدل على أن الأمير الإسفندياري، هو غيره؛ وأنه "قاسم بك". وبناءً على الرواية، فإن ابن "إسفنديار" قد خرج، مع عدد من العساكر، إلى بلدة "بيغادوس"، في شرق مدينة "سلفري"، على سواحل "مرمرة"، وإن أحد مربي الخيول لديه، قام برعي خيوله في حديقة أو مرعى أحد الأروام البيزنطيين. فلما اعترضه صاحب المرعى، قام التركي بضربه، فاجتمع على التركي العديد من الأروام، وقاموا بضربه. ثم أبلغ "الكاخيا"، أي وزير الداخلية العثماني، المسألة بتقرير، فقدمه الوزير إلى السلطان "محمد الثاني"؛ فتمخض ذلك التحقير، الذي لقيه التركي، بإعلان الحرب ضد الإمبراطورية البيزنطية. وهذا الأمر يدل، في الحقيقة، على أن أحد الرعاة الأتراك، كان أكثر تقديراً، في نظر السلطان "محمد الثاني"، من الإمبراطورية البيزنطية كلها. ويذكر أنه بناءً على هذا الحادث، أعدم، بأمر من السلطان "محمد الثاني"، أربعون شخصاً من أروام "بيغادوس".

وبما أن هذا الحادث، الذي أدى قطع العلاقات السياسية، بين الدولة العثمانية والإمبراطورية البيزنطية، يصادف شهر جمادى الأولى من عام 856هـ، الموافق لشهر يونيه من عام 1452م، أي قبل اكتمال أعمال البناء للقلعة، بشهر واحد.

وهناك شرح مختلف عن هذا الحادث، في كتاب "تاريخ أبي الفتح"، للمؤلف "دورسون بك"، الذي حضر بنفسه عملية الحصار، حيث يذكر أنه بعد اكتمال بناء قلعة "بوغاز كسن"، وفي أثناء عودة الجيش إلى "أدرنة"، أراد عدة رجال، من فئة عساكر "قابي قولو"، شراء غنم لهم، فنشبت مشاجرة بينهم وبين رعاة "إستانبول"، فتدخل فيها بعض السكارى من الأروام، ما أدى، من حيث النتيجة، قطع العلاقات السياسية بين الطرفين. ويمكن أن تكون الحادثتان صحيحتين. والحقيقة، أن هذا يوضح، بجلاء، ذهنية رواة الخبر، والذين لم يتحملوا تحقير أحد الرعاة أو أحد العساكر العثمانيين، مما أدى بالسلطان "محمد الفاتح" إلى أن يعلن الحرب في وجه الإمبراطورية البيزنطية، بسبب تلك التجاوزات، التي كانت سبباً كافياً لإعلان الحرب.

وبموجب معاهدة، عقدت مع الجالية الجنوية في "غلطة"، في تلك الفترة، تعهدت الجالية بعدم الانحياز، في الصراع العثماني – البيزنطي، إلى أحد الطرفين. وهناك رواية، تفيد أن هذه المعاهدة، عقدت في عام 857هـ/1453م.

تحرك السلطان "محمد الثاني" من أمام "إستانبول" إلى "أدرنة"

لقد تحرك السلطان "محمد الثاني" من قلعة "الروملي"، في يوم الإثنين، 12 شعبان، الموافق لـ 28 أغسطس، بجيشه، الذي تكون من خمسين ألف رجل. ووضع معسكره أمام أسوار "إستانبول"، حيث بقي فيه ثلاثة أيام، يقوم خلالها بالتدقيق في الدفاعات البيزنطية. ثم تحرك في يوم الجمعة، 16 شعبان، الموافق للأول من سبتمبر من هذه السنة، إلى "أدرنة".

وهناك رواية غريبة، تفيد أن الوزير الأعظم، "خليل جاندارلي باشا"، حاول إقناع السلطان "محمد الثاني" بعدم القيام بفتح "إستانبول"؛ وذلك مقابل مبلغ من المال، تلقاه من الإمبراطور البيزنطي. وبموجب هذه الرواية، فإن الإمبراطور أرسل إلى "خليل باشا"، الذي كان على علاقة وثيقة بالإمبراطور، أباً عن جد، أسماكاً محشوةً بالذهب؛ فعمل الباشا، مقابل هذا الذهب، على إقناع السلطان بالتخلي عن فكرة الفتح. إلا أن السلطان، الذي كان يعلم حقيقة الموضوع، قال له: فلنمض الشتاء في "أدرنة"، ثم نفكر في الموضوع، في الربيع. وتشير المصادر البيزنطية أيضاً، أن الأتراك كانوا يسمون "خليل باشا" بـ"شريك الكافر". وهناك العديد من الحكايات، التي تتحدث عن الأسماك الذهبية، والحبحب، وغير ذلك من الأمثلة، التي أسندت إلى شخصيات مختلفة، في العديد من العهود التاريخية. ومع ما جرى في هذا الصدد، فإن المصادر، تتفق، بشكل عام، على أن الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"، كان معارضاً للحملة على "إستانبول"؛ بل يتجاوز الأمر ذلك، حيث يوجد ادعاء بأن "خليل باشا"، كان يتجسس لصالح الإمبراطور البيزنطي؛ إلا أن هذه الروايات كلها، يحتمل أن تكون قد حبكت خيوطها من لدن "الدفشرمة" و"الدونمة"، الذين بدأوا يبرزون في سياسة الدولة.


 



[1] وردت Fatih والصحيح : Mohammad