إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

857هـ/1453م

الإثنين، 22 ربيع الأول، الموافق لـ 2 أبريل: وضع الجنزير على مدخل خليج "إستانبول"

هذا الجنزير الشهير، وضع بأمر من الإمبراطور البيزنطي، "كوستانتينوس بالأولوغوس الحادي عشر"، على يدي البندقي "بارتلوميو سوليجو".

وهذا الجنزير، وضع لمنع السفن التركية من الدخول إلى الخليج. وكان أحد طرفيه يبدأ من "سراي بورنو"، ويمتد إلى مرسى "غلطة". وحتى يبقى الجنزير على سطح الماء، استخدمت عوامات خشبية مدورة. ونقطة البداية في "سراي بورنو"، كانت عند "قصر يالي" (يالي كوشكو)، الواقع، الآن، محله دائرة التجارة البحرية. والجنزير الكبير، الذي عرض في المتحف العسكري، في "غلطة"، يبدو أنه قطعة من ذلك الجنزير الكبير. وعلى الرغم من ذلك، فيروى أيضاً أنه قطعة من الجنزير الكبير، الذي وضعه الفرسان، في أثناء فتح جزيرة "رودس"، في عهد "القانوني.

الإثنين، 22 ربيع الأول، الموافق لـ 2 أبريل: جلب المدفع الكبير، الذي أطلق عليه "شاهي" إلى مقابل أسوار "إستانبول"

إن المدفع الكبير، الذي صبه السلطان "محمد الثاني"، في "أدرنة"، بغية استخدامه في وضع الحصار على "إستانبول" ـ بدأ جلبه من "أدرنة" في بدايات شهر المحرم، الموافق لشهر يناير، أو في شهر صفر، الموافق لشهر فبراير، ووصل أمام "إستانبول"، فاتخذ موقعه المؤقت أمام بوابة "إغري قابي"، على بعد خمسة أميال من أسوار "إستانبول".

وهذا المدفع الشهير، الذي صبه معلم مجري، يدعى "أوربان/أوربن/أورباني". أو معلم تشيكي، حسب رواية أخرى ـ لم يكن له مثيل من آلات الحرب، في ذلك العهد. ويشبّه هذا المدفع، في المصادر، العثمانية والبيزنطية، بالشبه. ويذكر أنه صب خلال ثلاثة أشهر. وينتشر دويّه في محيط لمسافة ثلاثة عشر ميلاً. وهناك العديد من الروايات حول قطر وبُعد قذيفة هذا المدفع، الذي صنع من النحاس؛ فبموجب بعض المصادر، كان محيطه 12 ذراعاً. وثقل قذيفته، المصنوعة من الجرانيت، كان اثني عشر قنطاراً، أي 1200 أوقية. ونظراً إلى تعبئته، خلال ساعتين، فإنه لم يكن في الإمكان استخدامه، في اليوم، إلا 7-8 مرات. وكان يصرف في استخدامه كمية من زيت الزيتون. وكان يسحب بخمسين زوجاً من الثيران. ويستخدم في توفير التوازن اللازم له، مائتا رجل، في كل جهة. ويذكر أن استخدامه يتطلب سبعمائة أو ألف رجل. وأطلق على هذه الآلة الرائعة اسم "واسيليكي/شاهي". ولما تم استخدامه، من باب التجربة، في "أدرنة" أول مرة، يذكر أن المدينة كلها بقيت تحت ركام من الدخان، وأن قذيفته، طارت مسافة ميل، ودخلت القذيفة ست أقدام تحت الأرض. ولهذا السبب، فقد تقدم خمسون رجلاً، من الذين يستخدمون العربات، ومائتان من المستخدمين للمعاول؛ بغية فتح الطريق له، في أثناء جلبه من "أدرنة"، حيث استغرق ذلك شهرين كاملين.

وكون هذا المدفع، قد صب من لدن أجنبي، باسم "أوربان"، فقد استغله كثيراً أعداء الأتراك. والحقيقة أن "أوربان" هذا، هو أحد الذين استخدمهم السلطان "محمد الثاني". فإضافة إلى هذا الرجل، الذي دخل خدمة السلطان "محمد الثاني"، في أثناء بناء قلعة "الروملي"، وبمراجعة منه، هناك العديد من المعلمين، الذين صبوا مدافع كبيرة، لاستخدامها في حصار "إستانبول"، وعلى رأسهم "صاروجا باشا" والمعماري "مصلح الدين". ويذكر "الخوجه صعد الدين"، أن "المدفع الذي صبه "صاروجا باشا"، كان صنع من ثلاثمائة قنطار من النحاس". والشرح نفسه موجود أيضاً في "كنه الأخبار"، لمؤلفه "العالي". والحقيقة، أن علم "أوربان" منصب كله في الصب. أما غير ذلك من الأمور المهمة، في صناعة هذا النوع من الأسلحة، التي قضت على القصور الإقطاعية، وأنهت بذلك حكم الإقطاعيين في أوروبا، وأدت إنهاء العصر الوسيط وبدء العصر الحديث ـ فيكمن في القيام بإجراء الحسابات الدقيقة للمدفع. وهذا العمل، لم يقم به "أوربان"؛ وإنما قام به شخص السلطان "محمد الثاني". ولقد أكد "شلومبرجر"، الذي عدّ قيام الأتراك بفتح "إستانبول" عملاً وحشياً بربرياً، ما اعترف به "أوربان" عينه، من أن دوره يكمن في الصب، وأنه كان عاجزاً عن القيام بإجراء العمليات الهندسية الحسابية، وأن السلطان "محمداً الثاني"، هو الذي قام بتلك العمليات، وذلك نقلاً عن شرح المؤرخ البيزنطي، "دوكاس".

وإضافة إلى ذلك، فقد ذكر أن المدفع، الذي صنعه "أوربان"، قد تعرض للشقوق، في أول إطلاق له؛ بل إنه أصابه فقتل؛ وأن حصار "إستانبول"، لم يستخدم فيه إلا المدافع، التي صنعها الصبابون الأتراك. وجلب المدفع التركي الكبير إلى "إستانبول"، ومد جنزير الخليج، جريا في اليوم نفسه.

الاستيلاء على المنطقة المجاورة لـ"إستانبول"

لقد كلف أمير أمراء "الروملي"، "دايي قاراجه باشا"، الذي أشرف على المفرزة، التي قامت بعملية نقل المدفع إلى "إستانبول"، بالقيام أيضاً بالاستيلاء على المواقع، التي في حوزة البيزنطيين، بجوار مدينة "إستانبول".

ويمكن تقسيم الأراضي البيزنطية، الواقعة خارج "إستانبول"، ما عدا إمارة "المورة"، التي لم يبق لها أي اتصال بالعاصمة، "إستانبول"، إلى قسمين: بعض الأراضي الواقعة على سواحل البحر الأسود، وليس لها أي اتصال بـ"إستانبول". وهذا القسم، هو عبارة عن بلدتي "آه يولو" و"مسفري"، ومساحة من الأرض بجوارهما. أما القسم الثاني، الذي له اتصال بـ"إستانبول"، فيقع على سواحل "مرمرة". وهو شريط ساحلي، يمتد من "إستانبول" إلى "أرغلي". والأماكن، التي افتتحت في هذه الفترة، وتقع ضمن الشريط الساحلي، هي "برنتوس/أرغلي"، و"بيغادوس"، و"قوم برغاز"، و"آيستفانوس/يشيل كوي". أما بلدة "سلفري"، فقد رفضت الاستسلام، حيث كانت تثق باستحكاماتها؛ ولم تستسلم إلا بعد فتح "إستانبول"، حيث لم يبق لها أي سند. وكانت لبيزنطة، بعض الأراضي في الداخل من ذلك الشريط الساحلي؛ وقد تم الاستيلاء عليها كلها، قبل فتح "إستانبول". وبذلك تم تجريد المدينة من أي اتصال بالخارج. وبناءً على ذلك، فلقد هرب قسم من أروام بيزنطة إلى "إستانبول"، لاجئين، وأسر قسم منهم.

ويذكر أن هذا الوضع، قد أدهش البيزنطيين، وجعلهم في حيرة من أمرهم. ولقد بدأ أمير أمراء "الروملي"، "دايي قره جه باشا"، بالتحرك صوب الشمال والجنوب، بدءاً من شهر فبراير، ففتح الساحتين، ولما وصل بالمدافع الكبيرة إلى أمام "إستانبول"، كمّل هو أيضاً تنظيف المنطقة من البيزنطيين.

ومع أن بعض المصادر العثمانية، تشير إلى أن هذه الأماكن، فتحت بعد فتح "إستانبول"، فإن هذه الرواية الخاطئة، بموجب مسألة "سلفري" السابق ذكرها، غير صحيحة.

ولقد قام السلطان "محمد الثاني" بحملة على "المورة"، حتى لا يقوم الأمراء البيزنطيون فيها، بتقديم أي مساعدات أو إمدادات لـ"إستانبول".

الخميس، 25 ربيع الأول، الموافق لـ 5 أبريل: وصول الجيش التركي إلى أمام "إستانبول"

يذكر مختلف المصادر، أن خروج السلطان "محمد الفاتح" من "أدرنة"، كان في يوم الجمعة، 12 من ربيع الأول، الموافق لـ 23 من مارس؛ وأنه وصل إلى أمام "إستانبول" في يوم الخميس أو الجمعة، 25 أو 26 من ربيع الأول، الموافقين لـ5 أو 6 أبريل من هذه السنة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك رواية ضعيفة، تشير إلى أنه وصلها في يوم الإثنين، 22 ربيع الأول، الموافق لـ 2 من أبريل. والحقيقة، أن صورة الخطاب، الذي أرسله السلطان "محمد الفاتح" إلى حاكم "قره قيونلي"، "جهان شاه ميرزا" والتي أوردها "فريدون بك" في منشآته ـ تشير إلى أنه خرج من "أدرنة"، في يوم الجمعة، 12 ربيع الأول 857هـ؛ وهذا التاريخ الهجري، يوافق الجمعة، 23 مارس 1453م. وتذكر الوثيقة نفسها، أن الحصار على "إستانبول"، بدأ في يوم الجمعة، 26 ربيع الأول 857هـ، الموافق لـ 6 أبريل 1453م. وبناءً على ذلك، فإن السلطان "محمداً الثاني"، وصل من "أدرنة" إلى أمام "إستانبول"، خلال خمسة عشر يوماً. وبعد ما وصل مختلف القطاعات العسكرية، في يوم الخميس، 25 ربيع الأول، الموافق لـ 5 أبريل، وصل هو مع أركان الجيش، بعد يوم واحد.

وعلى الرغم من ذلك، فقد بدأ مختلف القطاعات العسكرية بالظهور، أمام "إستانبول"، بدءاً من أواسط ربيع الأول، الموافقة لأواخر شهر مارس.

وهناك العديد من الروايات المختلفة، حول عدد أفراد الجيش، الذي فتح "إستانبول"؛ فالمصادر، الغربية والبيزنطية، تبدأ بمائة وأربعين ألفاً إلى 150 و160 و165 و187 و200 و217 و240 و250 و258 و265 و300، وأخيراً 400 ألف جندي. أما في المصادر العثمانية، فإن هذا الوضع، ليس واضحاً؛ إلا أن بعضها يشير إلى 30 و70 ألفاً؛ مما لا يمكن معه التأليف بينه وبين المصادر الأجنبية. أما المؤلفون، في العهد الأخير، فيذكرون أرقاماً من 80 ألفاً وحتى 200 ألف. وتقدر المؤلفات الأوربية الحديثة ذلك العدد بـ 150 و165 ألفاً.

وفي مقابل ذلك العدد للجيش العثماني، تذكر المصادر، البيزنطية والأوروبية الحديثة، أن عدد المدافعين، الروم واللاتين، البيزنطيين، كان قليلاً؛ وتقدرهم بين 6973 رجلاً و8 و9 آلاف رجل. ويشير المؤلفون العثمانيون المتأخرون، إلى أن عددهم كان خمسين ألفاً. ومع العلم أنه قد استفيد ممن يستخدم الأسلحة، في "إستانبول"، فإن تحديد هذه الأرقام بدقة، غير ممكن. وبناءً على الروايات، البيزنطية والأوروبية، فإن الإمبراطور، قد استطاع جمع 4973 جندياً من الأروام. أما المتبقي من مجموع المدافعين عن "إستانبول"، فقد تشكلوا من الجنويين، والقاتالان، والبنادقة، وأهل كريد الأجانب، ممن كان موجوداً في "إستانبول"، أو جاء من خارجها، في تلك الفترة. وكان أهم المساعدين الأجانب، هو القوة، التي تشكلت من سفينتين، وعدد أفرادها ما بين 500 و700 رجل، والمرسلة من جمهورية "جنوى"، تحت قيادة القائد الشهير، "جيواني لونجو دي جيوستيناني"، للاهتمام بشؤون الجالية الجنوية في "إستانبول". ويذكر أن الإمبراطور وعد هذا القائد، بأنه إذا نجح في الدفاع عن "إستانبول"، فإنه سوف يمنحه جزيرة "ليمني". وهناك عدة روايات، حول عدد هؤلاء المدافعين الأجانب، ما بين خمسة إلى ستة آلاف رجل. ولقد عين الإمبراطور على قيادة الدفاع العام "جيوستيناني". ويبدو، كما قال المؤلف المعاصر، "فاسيلييف"، في تاريخ بيزنطة، أنه بناءً على تشغيل الرهبان والراهبات، حتى المسنين والأطفال، في سد الثغرات، التي فتحتها قذائف المدافع في أسوار "إستانبول"، بالرمل، وذلك ليل نهار، فإن كل الشعب البيزنطي، عمل في الدفاع عن "إستانبول".

والاختلاف نفسه موجود أيضاً، في ما يخص عدد المدافع التركية، القائمة أمام "إستانبول"؛ وبناءً على الأرقام، التي انعكست من المصادر البيزنطية إلى المصادر الأوروبية، فإن عددها كان أربع عشرة بطارية (فرقة)، تتكون الواحدة منها من أربعة مدافع، أي ستة وخمسين مدفعاً. وعلى الرغم من ذلك، هناك من تحدث عن 200 مدفع. ويبدو أن أهم عامل في حصار "إستانبول"، هو المدفعية التركية.

ومع العلم باستخدام البيزنطيين أيضاً المدافع، فإن المؤكد أنها أصغر من المدافع التركية، من حيث الأبعاد.

وعدم التواؤم بين الأعداد المذكورة في القوات البرية، موجود أيضاً في القوات البحرية؛ فيذكر أن عدد السفن في الأسطول العثماني، تحت قيادة "سليمان بك بالتا أغلو"، كان من 150 سفينة، صغيرة وكبيرة، إلى 450 سفينة. ويقدر، بموجب هذه الرواية، عدد السفن، البيزنطية واللاتينية، التي وقفت وراء جنزير الخليج، بما بين 14 و34 سفينة. وعلى الرغم من تفوق الأسطول التركي، من حيث العدد، فإن سفن الأعداء، تتفوق عليها، من حيث الضخامة.

وبموجب ما ذكره "كريتوفولوس"، من المؤرخين البيزنطيين المتأخرين، فإن السفن التركية مدرعة، أي أنها مغطاة بالنحاس؛ غير أن معظمها سفن صغيرة، تعمل بالمجداف.

وهناك اختلافات كبيرة بين الروايات، في ما يخص عدد سكان بيزنطة، داخل سور "إستانبول"، وطبعاً يستثنى منها "غلطة"؛ فيذكر، على سبيل المثال، أرقام، لا يمكن التأليف بينها، بل ليس بينها أي تقارب: 60 ألفاً و65 ألفاً و180 ألفاً و250 ألفاً، بل 300 ألف. ويبدو أن الأرقام الأخيرة الكبيرة مبالغ فيها كثيراً؛ والحقيقة، أن الإحصاء، الذي أجراه السلطان "محمد الثاني"، بعد الفتح، بموجب سجلات الأملاك، يدل على أن "إستانبول"، في تلك الفترة، كانت في وضع تستوعب فيه ما بين 70 و80 ألف نسمة. وفي الأيام، التي سبقت عملية الحصار، التجأ إليها بعض المهاجرين. غير أنهم لا يشكلون كتلة مهمة. وهذا الوضع، أصلاً، خاص بالأيام الأخيرة، وهو وضع طارىء. وفي مقابل ذلك، هناك روايات، تفيد أن حركات الهجرة من "إستانبول"، بدأت بعد ما أقام العثمانيون في "كلي بولي".

الجمعة، 26 ربيع الأول، الموافق لـ 6 أبريل: إقامة السلطان "محمد الثاني" معسكره أمام أسوار "إستانبول"

بناءً على أقوى الروايات، فإن معسكر السلطان "محمد الثاني" كان على مسافة ميل ونصف الميل من أسوار "إستانبول"، وهو الموقع، الذي يوجد به، الآن، مستشفى "مالتبه" العسكري. وعلى الرغم من وجود رواية أخرى، بإقامة السلطان "محمد الثاني" معسكره في موقع "إغريقابي"، الذي سماه البيزنطيون بـ"كاليجاريا"، فإن تلك الرواية ضعيفة. ولقد تم استحكام أطراف المعسكر بالخنادق والحجب الواقية، وشكل تنظيم أمني مشدد.

وحول إقامة المعسكر، يذكر أيضاً يوما الإثنين والخميس، 22 و25 ربيع الأول، الموافقان لـ 2 و5 إبريل، تاريخاً له.

الجمعة، 26 ربيع الأول، الموافق لـ 6 أبريل: أداء السلطان "محمد الفاتح" صلاة الجمعة، مع كل أفراد الجيش، وتوجيه النداء إلى الجيش ببدء عملية الحصار

إن السلطان "محمداً الثاني"، الذي كان يهتم بالقوة المعنوية اهتمامه بالقوة المادية، جلب معه العديد من العلماء، للاشتراك في عملية حصار "إستانبول"؛ منهم "آق شمس الدين"، و"آق بيق دده". كما أن شيخ السلطان "محمد الثاني" الشهير، "الملا جوراني"؛ والعالم الكبير "الملا خسرو" ـ موجودان معه. وهؤلاء العلماء، هم، في الحقيقة، مجاهدون أيضاً، في الوقت نفسه. وكما قال المؤرخ "أورج بك"، فإضافة إلى المذكورين، كان هناك الكثير من الشيوخ وأصحاب الزوايا والدراويش والأتقياء. وبناءً على الإعلان ببدء الحصار، انتشر أولئك جميعهم بين الجنود، وبدأوا بالدعاية للفتح. ويروى، بالإجماع، أنه على العكس من دعايات الوزير الأعظم، "خليل جاندارلي"، وموقفه المعارض للفتح، قام "آق شمس الدين" بتبشير الجيش بالفوز بإحدى الحسنيين، بشكل دائم.

ويشار، في هذه الأثناء، إلى أناس تابعوا الجيش بملابس الدراويش؛ بغية الحصول على البخشيش والصدقات، أو النهب والسلب؛ وهم، في الحقيقة، لا تأثير لهم في سير الأمور. كما أن فيهم العديد من الباعة. ويبدو أن تأثير هذا الوضع كبير في ذكر الأرقام المبالغ فيها، حول عدد الجيش التركي، كما لا يخفى.

واليوم، الذي بدأت فيه عملية حصار "إستانبول"، مختلف فيه كثيراً. وإضافة إلى الرواية، التي تحددها بيوم الجمعة، 26 ربيع الأول، الموافق لـ6 أبريل، هناك روايات أخرى، كتحديد الإثنين، 15 ربيع الأول، الموافق لـ26 مارس؛ والأربعاء، 17 ربيع الأول، الموافق لـ 28 مارس؛ والأحد، 21 ربيع الأول، الموافق للأول من أبريل من هذه السنة.

الجمعة، 26 ربيع الأول، الموافق لـ 6 أبريل: تأسيس خط الحصار من الخليج وحتى "مرمرة"

بعد أن صلى السلطان "محمد الثاني" صلاة الجمعة، مع جيشه، في العراء، أمر المنادين بإعلان بدء عملية الحصار. فتم، بناءً على هذا الإعلان، الاستيلاء على كل الأراضي الواقعة ما بين الخليج وساحل "مرمرة"، على امتداد السور. ويذكر، بناءً على رواية، أن الجيش، بدأ بحفر استحكاماته، من أول يوم. وتفيد رواية أخرى، أنهم بدأوا بذلك، ابتداءً من اليوم الثالث. ويبدو أن الرواية الأولى أصح من الثانية.

إن "مالتبه"، الذي اتخذه السلطان "محمد الثاني" مقراً عسكرياً له، مع عشرة آلاف جندي أو خمسة عشر ألف جندي ـكان الجناح الأيمن منه، وحتى سواحل مرمرة، تحت استحكام جنود الأناضول؛ والجناح الأيسر، الذي ينزل إلى الخليج، تحت استحكام جنود "الروملي".

وحتى يتم منع أي حركة، تقوم بها الجالية الجنوية في "غلطة"، فقد قام "زاغانوس باشا"، بالاستيلاء على الظهر من أراضي "بيك أغلو" الحالية. وعلى الرغم من وجود رواية، تفيد أن "زاغانوس باشا" هذا؛ هو من الروم أو الألبان، فإن ذلك يحتمل أن يكون نابعاً من اسم "زاغانوس". والحقيقة، أن كلمة "زاغانوس" بالتركية القديمة، تدل على "شاهين" (أي صقر)؛ ولذلك، فيحتمل أن يكون ذلك لقباً للرجل. و"زاغانوس محمد باشا"، نسيب للسلطان "مراد الثاني". وبما أنه زوَّج السلطان "محمداً الثاني" ابنة له، من إحدى زوجاته الأخريات، فهو نسيب للسلطان، من جهة؛ وحموه، من جهة ثانية. ولقد قدم "زاغانوس باشا" العديد من الخدمات، في فتح "إستانبول". وعلى الرغم من ذلك، فهناك رواية، تفيد أن السلطان "محمداً الثاني"، لما ذهب إلى "مغنيسيا"، بعد حكمه الأول، كان "زاغانوس باشا" مربياً له.

الجمعة، 26 ربيع الأول، الموافق لـ 26 أبريل: بدء العمليات الحربية، بناءً على رفض الإمبراطور البيزنطي الاستسلام

وبعد ما تم القبض على خط الحصار، وقبل أن يأمر السلطان "محمد الثاني" بإطلاق المدافع على "إستانبول"، أرسل الوزير "محمود باشا" إلى الإمبراطور البيزنطي، "كستانتينوس بالأولوغوس الحادي عشر" بالسفارة، طالباً منه تسليم "إستانبول"، على الفور؛ حتى لا تسال الدماء، مشيراً إلى أنه إن قام بتسليمها، فإنه سوف يحترم كل الأهالي، في أموالهم وأرواحهم. وبناءً على رفض هذا الإمبراطور الأخير للاقتراح، وتحمله للمسؤولية، فقد بدأت عملية الحرب مباشرة.

وهناك العديد من الحصارات على "إستانبول"، سواء التي ضربها العرب أو الأتراك. وهناك العديد من الأحاديث النبوية، التي خص بها فتح "إستانبول". ونظراً إلى كون الدين الإسلامي، كان مؤثراً في الحياة السياسية، الداخلية والخارجية، للدول الإسلامية، ولا سيما في المجتمعات الإسلامية القديمة، فقد تمت متابعة الأحاديث النبوية الشريفة، المتعلقة بفتح "إستانبول" من لدن المسلمين؛ وعدّ ذلك إشارة من النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى السياسة، الخارجية والعسكرية. وهذا الوضع، كان يضفي، لدى الخلفاء العرب، نوعاً من القدسية على "إستانبول". والطريق إلى "القسطنطينية"، لدى هؤلاء الخلفاء، بقدر ما كان توفيراً للسعادة الدنيوية، كان، في الوقت نفسه، أخروياً أيضاً. والمسير على طريق "إستانبول"، كان يعني التوجه إلى جنة الدين والدنيا. وهذا الفهم، أدى، في الأيام الأولى من الخلافة، قيام المسلمين العرب بالعديد من الحملات على "إستانبول". وتمخض ذلك بامتداد بعض تلك الحملات حتى أسوار "إستانبول". وأهم هذه الحملات، التي أوردها الألماني "ولهاوزن"، والإنجليزي بروكس"، والفرنسي "ماريوس كانارد"، بالاستناد إلى المصادر، العربية والبيزنطية، خمس: فقد تعرضت "إستانبول" لخمس حملات، أموية وعباسية، ما بين 34هـ/655م و169هـ/785م.

أولاها : في عهد "معاوية"، أي في السنة 48-49 من الهجرة، 668-669م.

وثانيتها : الحملة، التي قام بها "يزيد بن معاوية"، الذي ما زال اسمه يستخدم، تحقيراً، حتى الآن، عند الأتراك. وممن اشترك في هذه الحملة، وتم كشف قبره أمام أسوار "إستانبول"، "أبو أيوب الأنصاري" – رضي الله تعالى عنه -.

وثالثتها: الحملة، التي قامت في عهد "سليمان بن عبد الملك"، من الأمويين أيضاً، في ما بين الأعوام 97-99هـ/715-717م.

ورابعتها: الحملة، التي قامت بقيادة "مسلمة بن عبد الملك". ويذكر أن اضطرار بيزنطة إلى بناء مسجد في "إستانبول"، أول مرة في التاريخ، كان نتيجة لتلك الحملة. ولقد تم بناء العديد من المساجد في "إستانبول"، بعد ذلك، وقبل عهد العثمانيين؛ حتى إن الخطبة، قرئت في بعضها باسم السلطان السلجوقي، "طغرل بك".

أما في عهد العثمانيين، فقد تعرضت "إستانبول" لسبعة حصارات، وفتحت في الحصار السابع. والحصارات الأربعة الأولى، كانت في عهد "يلدرم بايزيد"، والخامس في عهد "موسى جلبي"، والسادس في عهد "مراد الثاني"، والد السلطان "محمد الثاني". وكان الحصار الأول قبل فتح "إستانبول" باثنتين وستين سنة، والثاني بثمانية وخمسين عاماً، والثالث بست وخمسين سنة، والرابع بثلاث وخمسين سنة، والخامس باثنتين وأربعين سنة، والسادس قبل فتحها بإحدى وثلاثين سنة.

كان الإمبراطور الأخير على بيزنطة، وخصم السلطان "محمد الثاني"، "كوستانتيونس بالأولوغوس الحادي عشر" ـ ابناً لـ"مانوئيل الثاني". ولقب بـ"كستانتينوس دراجاسيس" أو "دراجاش"، نسبة إلى أمه "إيرينا دراجاش". وهذا الإمبراطور البائس، قد ولد في 9 فبراير 1404م، وتولى إمارة "المورة" في عهد أخيه، الإمبراطور "يؤانس الثامن"، بين عامي 1443-1449م، ولمدة ست سنوات، مقيماً في "إسبارطة"، (عاصمة "المورة"). أما أخوه، "يؤانس الثامن"، الذي قيل إنه مات متأثراً بمعركة "كوسوفا"، التي انتصر فيها "مراد الثاني"، بعد أن جلس على حكم الإمبراطورية البيزنطية ثلاثاً وعشرين سنة، من 21 يوليه 1425م إلى 31 أكتوبر 1448م؛ ونظراً إلى أنه لم يكن له من الأولاد الذكور، من يمسك بزمام الأمور من بعده ـ فإن أكبر إخوانه الأحياء، أمير "المورة"، "كوستانتينوس دراجاسيس"، انتخب إمبراطوراً على بيزنطة، وأرسل إليه وفد من "إستانبول" إلى "ميسترا/إسبارطة"، حيث تم تتويجه فيها حاكماً، في يوم الإثنين، 11 ذي القعدة 852هـ، الموافق لـ6 يناير 1449م، ووصل إلى "إستانبول" عن طريق البحر، في يوم الأربعاء، 17 المحرم 853هـ، الموافق لـ 12 مارس 1449م. وبناءً على هذا الوضع، فإنه قد أصبح إمبراطوراً في الخامسة والأربعين من العمر، وتولى الحكم، إلى سقوط "إستانبول"، أربع سنوات وأربعة أشهر وثلاثة أيام.ولما كان "كوستانتينوس الحادي عشر" أميراً على "المورة"، فإنه لم يستطع الدفاع عن سد "كرمه حصار"، الواقع في برزخ "كونتوس"، أكثر من أسبوع، ضد "مراد الثاني". ومن الغريب في الأمر، أنه انهزم قبل سبع سنوات، أمام "مراد الثاني"، وانهزم أمام ابنه في "إستانبول"، بعد ذلك، وانقرض من التاريخ.

ما إن رقي العرش السلطان "محمد الثاني"، الذي كان قد أشيع عنه، أنه سوف يعمل بكل طاقته لفتح "إستانبول"، في أيام شبابه، حتى انتشر تأثر كبير وحيرة واضحة على البيزنطيين. وبناءً على هذا الوضع، فإن الإمبراطور "كوستانتينوس"، لم يجد أمامه بداً من مراجعة البابا "نيقولا الخامس"؛ لتقديم المساعدات إليه، كما هو الأصل المتبع سابقاً. بل إنه رضي بتوحيد الكنيستين: "إستانبول" و"روما"، المتعاديتين منذ عصور خلت. وتوجه المصادر الغربية الانتقادات إلى البابا "نيقولا"، لعدم إرساله شيئاً من القوات والمساعدات، سوى كاردينال، يقوم بتوحيد الكنيستين. وهذا الكاردينال "إيزيدور"، الذي يروى أنه كان رومياً، من "سلانيك" أو "المورة"، أدخل مائتي جندي إيطالي إلى سفينة كبيرة، وأتى بهم إلى "إستانبول"، وقام بقداس ديني في كنيسة "آيا صوفيا"، في يوم الثلاثاء، 30 ذي القعدة 856هـ، الموافق لـ 12 ديسمبر 1452م، وبحضور الإمبراطور وكبار أركان الدولة، فأعلن أنه جمع بين المذهبين، الكاثوليكي والأرثوذكسي، مع بطريرك الروم، "جريجوريوس ماماس". والحقيقة، أن هذا البطريرك، كان مؤيداً، من القديم، للتوحيد. وعلى الرغم من أنه طرد من منصبه، وتعرض لغضب شعبي عارم، فإنه أعيد إلى منصبه، بتشجيع من البابا. والبيزنطيون، الذين يتبعون مذهبهم أكثر من وطنهم، عدّوا هذا التصرف من الإمبراطور كفراً، وبدأوا بالحديث بأنهم يفضلون رؤية العمامة التركية، بدلاً من طربوش الكاردينال. وكان على قائمة هذا التوجه شخصيات محبوبة لدى الشعب، منها الوكيل الأول، "لوكاس نوتاراس"؛ وأشد أعداء البطريرك، "جناديوس سكولاريوس". ويذكر أن "سكولاريوس" هذا، كان يقوم بأعمال إفسادية. ويحتمل أن يكون من رجال السلطان "محمد الثاني". وتنصيبه على مقام البطريركية، بعد الفتح، يؤيد هذا الاحتمال.

وعلى الرغم من قيام الإمبراطورية البيزنطية، بكل تلك التضحيات للكاثوليكية الأوروبية، فإنها لم تلق منهم أي مساعدات، بل لقد دخل انقسام بين رعاياها، بسبب مسألة المذهب، أو على أقل تقدير أنها أشعلت فتيل ذلك الانقسام، الموجود في الأصل.

وفي خضم هذه الأزمة الكبيرة، كان الشيء الوحيد، الذي استطاع الإمبراطور القيام به، هو العمل على ترميم أسوار "إستانبول"، قبل البدء بعملية الحصار، وعمل الاستحكامات على الجزر، وتزويد المدينة بالمؤن والمواد الغذائية، ما وجد إلى ذلك سبيلاً. ولذلك، فإن البيزنطيين، لم يلقوا أزمة معيشية، في هذا الحصار الأخير.

الأربعاء، الأول من ربيع الآخر، الموافق لـ 11 أبريل: وضع المدافع الكبيرة في مواقعها

إن أكبر مدفع من المدافع، التي استخدمت في هذا الحصار، هو المدفع الذي صنعه السلطان "محمد الثاني"، والذي شبه بالشبح. وقد أطلق عليه "واسيليكي/شاهي"، حيث وضع هذا المدفع بجوار معسكر السلطان "محمد الثاني"، ووزع في أطرافه المدافع الكبيرة أيضاً، والتي تطلق قذائف، تزن الواحدة ستة قناطير. ولذلك، أطلق الأتراك على الباب المواجه لهذه المدافع، من أبواب "إستانبول"، وهو باب "آيوس رومانوس/سن رومان"، اسم "باب المدفع". ويروى أيضاً أن هذا المدفع الكبير، قد وضع، أولاً، أمام باب "إغري قابي"، في يوم الإثنين، 13 ربيع الآخر، الموافق لـ23 أبريل.

الخميس، 2 ربيع الآخر، الموافق لـ 12 أبريل: بدء إطلاق المدافع على "إستانبول"، على امتداد السور، مع شروق الشمس

وهذا الإطلاق استمر من هذا اليوم حتى دخول الأتراك إلى المدينة، ولمدة ثمانية وأربعين يوماً، بشكل مستمر. وتم من خلال ذلك هدم بعض أسوار "إستانبول"، في بعض الأماكن، والتي كانت أسواراً مستحكمة، سوراً تلو الآخر، أي يليه من الخلف سور آخر. وبذلك، تمكن العثمانيون من الدخول إلى المدينة.

ولقد أشرف السلطان "محمد الثاني"، في العديد من المرات، على إطلاق تلك المدافع.

الخميس، 2 ربيع الآخر، الموافق لـ 12 أبريل: حشد الأسطول العثماني أمام "دولمة باخجة"

كان الأسطول، في تلك الفترة، تحت قيادة "سليمان بك بالطه أغلو". وهناك العديد من الروايات، التي تذكر أن السفن العثمانية، قد تمركزت في "قبة طاش" أو "بالطة لميان"؛ بل يذكر أن إطلاق اسم "بالطة ليمان" على هذا الموقع، كان بسبب اتخاذ "بالطة أغلو" هذا المكان قاعدة له، وأساساً للحركة. ومع ذلك، فهناك رواية قوية، تفيد أن السفن، رست، في أول يوم، أمام "دولمة باخجة". و"دولمة باخجة"، في تلك الفترة، كانت في شكل بحيرة. ولقد انتهى حشد الأسطول في الساعة الواحدة (زوالي)، من ذلك اليوم.

الأربعاء، 8 ربيع الآخر، الموافق لـ 18 أبريل: فتح الجزر

لقد كلف قائد الأسطول "سليمان بك بالطة أغلو" بالاستيلاء على الجزر. وكانت الجزيرة الوحيدة، التي كانت مستحكمة، هي جزيرة "برنكوبوس/بيوك آدا". حيث تم استحكامها، قبل الفتح بفترة وجيزة، بأمر من الإمبراطور. ويذكر أن هذه الجزيرة أيضاً، مثل "إستانبول"، قد وضع فيها محافظون من الأهالي والأجانب. ولذلك، وعلى الرغم من سهولة الاستيلاء على الجزر الأخرى، فإن قلعة هذه الجزيرة، أظهرت مقاومة، وتحملت المدافع. وبناءً على هذا الوضع، وحتى لا يطول أمر الفتح، فقد قام القائد "سليمان بالطة أغلو" بوضع الكبريت والقطران والحطب، وغيرها من المواد، في أطراف السور وأشعلها، فنشب حريق هائل في الجزيرة. ولما انتقل لهيب النيران إلى داخل القلعة، اضطر المدافعون، الذين لم يبق لديهم أي حيلة، إلى الاستسلام. وعلى الرغم من الاكتفاء بأسر المدافعين الأهالي الروم، فإن الأجانب أعدموا.

وقد روي أيضاً يوم الخميس، 9 ربيع الآخر، الموافق لـ 19 أبريل، تاريخاً لفتح الجزر.

الجمعة: 10 ربيع الآخر، الموافق لـ 20 نيسان: مقدم أربع سفن لاتينية وسفينة رومية لتقديم المساعدة لبيزنطة، ودخولها إلى الخليج بعد تخلصها من الأسطول العثماني

كانت هذه السفن الأربع الكبيرة، قد أرسلت من لدن مقام البابوية؛ وكانت محملة بالمواد الغذائية والتموين. ويذكر أن سفينة رومية، التحقت بها، في الطريق. والسفن، التي بعث بها البابا، هي سفن جنوية. وكان فيها عدد من العساكر.

إن هذه الحادثة، التي تصور على أنها انتصار للسفن اللاتينية، وانهزام للسفن العثمانية، هي، في حقيقة الأمر، ليست حادثة كبيرة، جديرة بالذكر. وكان البيزنطيون المحاصرون، والأوروبيون؛ الذين قدموا إليهم المساعدات، قد عقدوا آمالاً جساماً على هذه المساعدات، وبدأوا يفكرون في وصول المساعدات الأوروبية. والمؤرخون البيزنطيون المتأخرون، قد ضخموا من أمر هذه المسألة. ولقد انتقل الشرح المبالغ فيه، من لدن المؤرخين الأوروبيين، الذين استندوا إلى المصادر، البيزنطية واللاتينية، إلى المؤلفين العثمانيين المتأخرين. والحقيقة، أنه إذا أمعن النظر في الشرح، الذي تورده المصادر، البيزنطية واللاتينية، لهذا الحدث، فسوف يتضح أن الحادث، كان حظاً وتوفيقاً للسفن اللاتينية، أكثر من كونه انتصاراً. كما أنه، وفي ما يخص السفن العثمانية، لم يكن انهزاماً؛ وإنما كان الجو غير مساعد لعمل أكثر. ولا بد من الإشارة، هنا، وقبل كل شيء، إلى أن سفن الأعداء، كانت أكبر وأضخم من سفن العثمانيين، وهي مرتفعة للغاية، وقد استفادت من هذا الارتفاع في المصادمة، التي وقعت بينهما. أما أهم عامل، ساعد اللاتين، على التوفيق والنجاح، فهو الريح العاتية، والأمواج المتلاطمة، في البوسفور. فعلى الرغم من سهولة دخولهم إلى الخليج، بالاستفادة من تيار الماء، الذي كان يتحرك من "سراي بورنو" في اتجاه الخليج، فإن الأتراك، الذين قدموا من "بشيكتاش"، لم يستفيدوا من الرياح من جهة؛ واضطروا إلى استخدام المجاديف ضد التيار، من جهة أخرى. وفي وقت من الأوقات، لما تخففت الرياح المعارضة، فإن اللاتين، استفادوا، هذه المرة، من حركة التيار، فاستمروا في التوجه في اتجاه الخليج. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الأتراك، الذين اقتربوا من سفن الأعداء، من خلال استخدام المجاديف، لم يستطيعوا هذه المرة استخدام المجاديف؛ بسبب تجمعهم في المكان. وفي هذه الظروف القاسية، وقعت معركة شديدة، بين "سراي بورنو" وحي "طوبخانة"؛ وكانت قد وقعت بين العاملين في السفن، لا بين السفن. ولقد استفاد اللاتين والروم من ارتفاع سفنهم، فصعدوا الأعمدة، وقابلوا العثمانيين في المعركة. وكان من أهم عوامل هذا النجاح، الذي وقع بين طرفين غير متكافئين، حريق "جريجويس" الشهير. وعلى الرغم من كل تلك النواقص، وعدم التناسب في الوضع، فإن القائد، "سليمان بن بالطة أغلو"، استطاع توقيف السفينة البيزنطية، التي كانت بين السفن اللاتينة، حيث انتقل إليها البحارة العثمانيون، وحصلت مناوشة شديدة بين الطرفين. واعترفت المصادر البيزنطية، بأنه في الوقت، الذي كان فيه الروم واللاتين، يتأهبون للاستسلام، هبت ريح عاتية، حركت السفن اللاتينية في اتجاه الخليج، فنجت كلها، ودخلت الخليج.

إن إبراز هذا الحادث، الذي هو عبارة عن استفادة السفن، اللاتينية والرومية، من الرياح، وبمساعدة من التيار؛ ونجاتها من السفن التركية، على أنه هزيمة كبيرة للأسطول التركي، غير صحيح ألبتة.

وهذه المعركة البحرية، كان يشاهدها البيزنطيون المحاصرون في "إستانبول"، من جهة؛ ويتابعها السلطان "محمد الثاني"، مع حاشية، من النقطة، التي تبدأ فيها سواحل "غلطة" ومنذ بدايتها، من جهة أخرى؛ بل إنه، في فترة من الفترات، لما بدأت السفن بالاقتراب من الساحل، لم يتمالك السلطان نفسه من التفاعل مع الحدث، فقد حرك فرسه إلى الأمام، ولم يشعر أنه يخوض البحر، إلى أن ابتل ثوبه، وكان ينادي القائد "بالطة أغلو"، موجهاً إليه بعض الأوامر؛ وبذلك، حير البيزنطيين، الذين كانوا يشاهدونه من الطرف الآخر من الساحل.

ولقد وردت رواية أخرى، تأريخاً لهذا الحدث، بأنه كان في يوم الإثنين، 6 ربيع الآخر، الموافق لـ 16 أبريل؛ إلا أن هذه الرواية ضعيفة.

السبت، 11 ربيع الآخر، الموافق لـ 21 أبريل : تعيين "حمزة بك "على القيادة البحرية، وعزل "سليمان بن بالطه أغلو".

يذكر أن "سليمان بالطه أغلو"، قد عزل من منصبه؛ بسبب إخفاقه في الحادثة السابقة. إلا أن هناك اختلافاً في هذا الأمر. فبموجب إحدى الروايات، فإن "سليمان بالطة أغلو"، وعلى الرغم من أنه فقد إحدى عينيه في معركة ذلك اليوم، فإنه عزل وضرب مائة سوط، بحضور السلطان "محمد الثاني"، أو أن السلطان نفسه، هو الذي ضربه السياط، وصادر أمواله. إلا أنه بموجب رواية أخرى، فإنه لم يعزل من منصبه، بل على الرغم من عدم إحرازه النجاح في حادثة ذلك اليوم، فإنه بسبب شجاعته، أبقي في منصبه. وعلى الرغم من هذه الرواية، فإن رواية العزل أقوى منها. ويبدو، كما هو أمر محقق، أن السلطان "محمداً الثاني"، كان حاد المزاج، إلى درجة عدم تحمله لذلك الفشل، على الرغم من كونه نابعاً من أسباب خارجية.

وبناءً على عدم النجاح في ذلك اليوم، فقد روي أن الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"، عمل، مع أتباعه، في داخل صفوف الجيش، بالدعاية، لرفع الحصار عن "إستانبول". وكانوا يحاولون إقناع السلطان "محمداً الثاني" بالعدول عن فكرته، بحجة أن المساعدات سوف تصل، من الآن فصاعداً، من الدول الأوروبية. غير أن السلطان، كان قد وقف صامداً في موقفه الشامخ، من دون أي اهتزاز، أمام تلك التصريحات المتخوفة.

وعلى الرغم من وجود رواية، تفيد أن "خاص يونس بك"، هو الذي عين مكان "سليمان بك"، لا "حمزة بك أو باشا"، فإن هذه الرواية ضعيفة.

الأحد، 12 ربيع الآخر، الموافق لـ 22 أبريل: الأسطول العثماني، ينقل، ليلاً، من البر إلى الخليج، يظهر في الصباح

لقد كان نقل هذا الأسطول من بحر القناة (البوسفور)، إلى "بحر الليمون"، قد جرى ليلة السبت/الأحد، 11/12 ربيع الآخر، الموافقة لـ 21/22 أبريل. ويبدو أن عملية النقل، قد بدأت الساعة السادسة ليلاً، حتى السادسة صباحاً.

ويذكر أن عدد السفن، التي تم نقلها من البوسفور إلى الخليج، كان 67 و68 و70 أو 80 سفينة. ويركز بشكل عام في 70 سفينة.

وذكر أن طول السفن، التي نقلت من البر، كان 50 و70 قدماً. وكانت الواحدة منها ذات 15 و22 مجدافاً.

وهناك روايات مختلفة، حول المسافة، التي تم قطعها في نقل هذه السفن، من 3 إلى 8 أميال و8 ستاديون. فالميل الوارد في هذه الروايات، يساوي ألف قدم، وبما أن ستاديون يساوي 600 قدم، فلا يمكن التأليف بينها.

وهناك تخمينات حول نقطة بدء تلك السفن في البوسفور، والطريق التي تم مرورها منها في البر. فعلى الرغم من وجود رواية أو اثنتين، في المصادر العثمانية، التي تفيد أن بدء تحرك تلك السفن، كان من "بلطة ليمان" أو من قلعة "الروملي" (المعروفة بروملي حصار)؛ وبالنظر إلى بُعد المسافة، فإن تلك الرواية أو الروايتين، غير صحيحتين. وفي بعض المصادر العثمانية الأخرى، يشار إلى رواية "بشكتاش". كما أن الروايات البيزنطية أيضاً غير صريحة. غير أن مصدراً بيزنطياً معاصراً، يتحدث عن بدء الحركة، بأنه من "دبلوكونينون/جفته درك". لكن السؤال: ما هي هذه النقطة. فهنا، يوجد اختلاف؛ فبموجب إحدى التوقعات، أنها "قاباتاش"؛ وبناءً على رواية، إنها "دولمه باخجه"؛ ونظراً إلى إحدى النظريات، ينبغي أن تكون "طوب خانة". والتوقعان الأولان أقوى؛ لأنه، في الحقيقة، إذا ما تم التحرك من "طوب خانة"، وتم اجتياز طلعة "بوغاز كسن"، يتم الوصول إلى أرض "غلطة سراي" المستوية، ومنها يمكن النزول إلى الخليج. إلا أن هناك محذوراً في اتباع هذا المسلك من الطريق، وهو إمكانية الرؤية للجالية الجنوية. وعلى الرغم من أن تاريخ "دورسون بك" المعاصر للحدث، يشير إلى أنه إن كانت السفن العثمانية، نقلت من خلف قلعة "غلطة"، إلا أنه ينبغي ألا ننسى أن الكلمة، التي تفيد "الخلف" (أَنْسَه)، بالتركية القديمة، تفيد أيضاً الاتجاه المستقيم، أكثر من مفهوم القرب أو البُعد. ولذلك السبب، وبناءً على أقوى التخمينات في هذا الصدد، فإن إمرار السفن، كان من اتجاه "دولمه باخجة"، التي كانت، في ذلك الوقت، شبه بحيرة، إلى الجدول الموجود في "ماجقة"، ومنه مروراً من عند مبنى الحربية، اليوم، في اتجاه "دولاب درة"، إلى "قاسم باشا"، ومنها نزولاً إلى الخليج. وهناك بيت من الشعر، يؤيد هذا الرأي، وهو موجود في الكتابة التاريخية، التي كانت في المخفر، الموجود بالقرب من الحربية، ونقلت، بعد ذلك، إلى متحف بلدية "إستانبول"؛ ومعناه: في الوقت، الذي قام به جناب الفاتح بفتح "إستانبول" فإن السفن، التي ساقها من البر، مرت من هنا.

وبناءً على قيام لجنة علمية، تم تشكيلها بأمر من السلطان "عبد الحميد الثاني"، تحت رئاسة المؤرخ "جودت باشا"، فقد تم وضع تلك الكتابة في ذلك المكان (أي متحف البلدية). وعلى الرغم من أن هذه الكتابة، تعود إلى الفترة الأخيرة، فإنها، كما يبدو، تستند إلى الرواية القوية. ومع ذلك، فقد طرحت نظرية جديدة، تفيد أن نقل تلك السفن من البر، كان قد تم من خلال "دولمة باخجة" – "تاش قشلة" – "تقسيم". إلا أن هذه النظرية أيضاً عبارة عن تخمين.

لقد أخفى السلطان "محمد الثاني" إعدادات عملية نقل السفن من البر، بمهارة فائقة. فقد قام، في يوم السبت، ومن خلال المدافع، التي وضعها على تلال "بي أغلو"، بإطلاق نيران المدفعية على السفن البيزنطية في الخليج، من جهة؛ وقام بتوجيه المدفعية، في الوقت نفسه، إلى أسوار "إستانبول"، من جهة ثانية. وبِدَويِّ تلك المدافع، وتوجيه أنظار العدو إلى تلك النقاط البعيدة عن موقع نقل السفن، نجح في إخفاء عملية النقل عن الأنظار بمهارة كبيرة.

إن تنفيذ هذه العملية، بدأ بعد أن تمت تسوية الأرض في الأماكن، التي تمر منها السفن، أولاً، ثم وضع ما يشبه السكك، لإمرار السفن عليها، ثانياً. كما تم فيها استخدام المقرات والعجلات، لتحريك السفن من خلالها. ولقد استخدم آلاف الجنود، من العربة واللغم والبلطجية، في عملية نقل السفن هذه، مع استخدام الثيران والأبقار.

وهناك قيود، تفيد أن السفن التركية، لما وصلت إلى التلة، بدأت بفتح أشرعتها من البر. والحقيقة، أن هذه العملية، هي كناية عن حركات انتعاشية، من باب الاستهزاء. بل يذكر أن الجنود، الذين قاموا بحركات في البر، وكأنهم يجدفون في السفن، ضاحكين، قد صبغوا سفنهم بمختلف الألوان، وعلقوا عليها مختلف الأعلام.

إن هذه العملية، التي تعد شيئاً خارقاً للعادة، حتى في المصادر الغربية، قد تم تنظيمها وترتيبها على نحو من التنسيق، إلى درجة أنه في الوقت، الذي كانت فيه السفينة الأولى تنزل إلى الخليج، كانت السفينة الأخيرة، في الوقت عينه تسحب من البحر إلى البر.

ويجري الحديث في تاريخ "إستانبول"، عن عملية أخرى مشابهة لها، وهي أن حاكم "آفار"، الذي حاصر "إستانبول"، بجيش، قوامه ثمانون ألف رجل، قادماً من نهر "طونا" ـ قد قام في السنة الخامسة للهجرة، الموافقة لسنة 626 للميلاد، بنقل أسطول بدائي، مشكل من القوارب المحفورة، من "أيوب" إلى الخليج. وهناك من ذكر أن السلطان "محمداً الثاني"، استلهم هذه العملية من تلك. إلا أنه، وكما يبدو واضحاً، أن الأسطول العثماني، المدرع، والحديث، يختلف عن القوارب البدائية لحاكم "آفار".

ولقد ترك هذا النجاح المذهل للسلطان "محمد الثاني" أعداءه في حيرة من الأمر واندهاش. وتحدث مؤرخو بيزنطة عن المقدرة الفائقة للمهندسين الأتراك، وقدروهم قدرهم. وبدأت معنويات بيزنطة، بعد هذه العملية، تنزل إلى أدنى مستوى لها.

ولما استيقظ المحاصَرون، في الصباح، ونظروا إلى الخليج، اندهشوا من دخول الأسطول العثماني إلى الخليج، على الرغم من أن الجنزير، الموضوع على مدخله، ما زال في محله. وهذه العملية، كانت تعني فتح جبهة جديدة في حصار "إستانبول". وبتلك العملية، فقد دخل الخليج، الذي كان يسمى لدى البيزنطيين، "كريسوكراس/آلطن بوينوز"، والذي سماه الأتراك، آنذاك، "ليمون/ليمان"، والممتد من [حي] "قاسم باشا" إلى [حي] "أيوب"، في حوزة العثمانيين. فتوافرت بذلك إمكانية إطلاق المدافع على سور "إستانبول" من هذه الجهة. وبما أن المدافعين، اضطروا إلى فصل بعض القوات من أماكنهم، وجلبهم للدفاع عن هذا القسم أيضاً، فقد ضعفت الجبهات الخلفية، ودخلت بذلك أوضاع السفن، البيزنطية واللاتينية، في وضع سيئ، حيث بقيت تلك السفن بين نارين، من داخل الخليج ومن خارجه. ولهذا السبب، وعلى الرغم من أن البيزنطيين، قرروا إشعال النيران في السفن العثمانية، ليلاً، فإنه، بناءً على إخبار الجنويين، الذين كانوا يعملون على الخطين، ويتجسسون في مصلحة العثمانيين، قضى على ذلك التدبير أيضاً.

إن السلطان "محمداً الثاني"، الذي سيّر السفن في البر، ضد أسطول العدو في الخليج، قد اكتشف، بعبقريته الفائقة، نظراً إلى حاجته، مدفعية جديدة، تسمى "هافان"، لضرب السفن، البيزنطية واللاتينية، الراسية في الخليج. وقد صب نماذجها الأولى، أمام "إستانبول"، ونقلها من "ظهر بي أغلو" و"غلطة"، وبدأ بإغراق سفن العدو، باستخدام هذا النوع الجديد من المدافع. وحسابات هذا الاكتشاف الجديد ومخططاته، اختص بها بالسلطان "محمد الثاني". وهناك شرح وافٍ لهذا الموضوع، في المصادر، العثمانية والبيزنطية.

الإثنين، 13 ربيع الآخر، الموافق لـ 23 أبريل: رجوع الإمبراطور البيزنطي إلى السلطان "محمد الثاني"، لعقد الصلح، تحت أثقل الشروط؛ وذلك بعد أن تيقن سوء الوضع، بسبب إنزال السفن العثمانية إلى الخليج

إن المصادر العثمانية، التي تحدثت عن الإمبراطور البيزنطي، الذي انكسرت معنوياته تماماً، لا تورد تاريخ اليوم، الذي قدم فيه الإمبراطور اقتراحه للصلح. إلا أنه، بناءً على تصريح المؤرخ البيزنطي، "دوكاس"، بأن تلك المراجعة، كانت بعد إنزال السفن العثمانية إلى الخليج، فهذا يعني أنه يصادف يوم الإثنين، 13 ربيع الآخر، الموافق لـ 23 أبريل. إلا أنه على الرغم من ذلك، فقد يكون مصادفاً أيضاً ليوم الأحد، 12 ربيع الآخر، الموافق لـ 22 أبريل.

وكان من ضمن اقتراحات الإمبراطور، ترك كل الأراضي، الواقعة خارج أسوار "إستانبول"؛ وقبول المبلغ، الذي يقترحه السلطان "محمد الثاني"، من الخراج؛ وحتى تعيين موظفي الأمن في بيزنطة من لدن الأتراك؛ وغير ذلك من الشروط القاسية. إلا أن رده على الوفد البيزنطي كان مختصراً:

ـ إما أن أحصل على بيزنطة، أو أن تحصل هي عليّ. وبذلك، لم يعرض عليها إلا الاستسلام غير المشروط، رافضاً تلك المراجعة الذليلة، بشكل نهائي وقطعي.


 



[1] وردت Fatih والصحيح : Mohammad