إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

الإثنين، 13 ربيع الآخر، الموافق لـ 23 أبريل: تأسيس الجيش التركي للجسر في الخليج

بموجب أقوى التوقعات، فإن هذا الجسر، الذي بني بين "كومباراخانه"، ومرسى "دفتردار"، كان مهيأً لأن يمر عليه خمسة رجال. وكان طوله، على وجه التقريب، ألفي قدم. ولقد استخدم في هذا الجسر أكثر من ألف عوامة، علقت بها الأخشاب من خلال كماشات حديدية، وفرشت عليها الألواح الخشبية، بحيث تشكل منها جسر قوي ورائع. وكما تم وضع بعض المدافع على جانبي الجسر، فإن السفن، التي نقلت من البر، سُحب بعض منها إلى جانب الجسر. وبدىء، بعد ذلك، بإطلاق المدافع، بالتركيز في النقاط الضعيفة من سور "إستانبول". وبذلك تكون الجبهة الثانية من الحصار، قد بدأت بالعمل أيضاً. وكان من فوائد جسر الخليج هذا، سهولة انتقال الجنود من الساحل إلى الضفة الثانية، من خلال أقصر الطرق.

ولقد أثر تأسيس هذا الجسر على الخليج، بعد نقل الأسطول من البر إلى البحر، تأثيراً سيئاً في نفسية المحاصَرين. ولمواجهة هذا الخطر الجديد، فقد تم نقل بعض القوات، من الروم والإيطاليين، من الجبهات الخلفية، ووضعهم في موقع "آيوان سراي".

وكدليل آخر على التقنية التركية، في ذلك العهد، تأسيس هذا الجسر المنيع باستحكاماته، أمام أضعف النقاط وأوطئها من سور "إستانبول". وهذه النقطة الضعيفة هي التي نفذ منها اللاتين إلى داخل المدينة، لما استولوا على "إستانبول" من الأروام، في عام 1204م.

وعلى الرغم من وجود رواية، بأن جسر الخليج، أسس في يوم السبت، 10 جمادى الأولى، الموافق لـ 19 مايو، فإنها ليست صحيحة.

ولقد ذكر "دورسون بك"، الذي حضر بنفسه فتح "إستانبول"، في "تاريخ أبي الفتح"، "أن بناء هذا الجسر القائم على السفن، قد فتح الطريق من البحر إلى القلعة". والحقيقة، أن الجسر، لم يكن قائماً على السفن؛ وإنما على العوامات، التي عملها المهندسون الأتراك؛ وكان عددها أكثر من ألف عوامة. وهو مثبت في الشروح، التي ذكرها المؤرخون البيزنطيون. ويمكن أن يكون قصد "دورسون بك" من السفن تلك العوامات.

الأربعاء، 7 جمادى الأولى، الموافق لـ 16 مايو: معركة تحت الأرض

لقد أمر السلطان "محمد الثاني" بحفر خندق كبير، تحت الأرض؛ بغية النفاذ إلى داخل "إستانبول" منه. ولذلك، بدأ حفر خندق كبير، وعميق، في جهة "إغري قابي"، التي سماها البيزنطيون "كاليجاريا"، على مسافة نصف ميل من السور. وهذا الخندق، الذي أخفي أمره بسرية تامة، بدأ بالتقدم أمام المدينة، إلا أن الصوت، الذي كان يصدر من كسر الصخور، قد أيقظ البيزنطيين، فقاموا بحفر خندق مضاد. ولما تقابل الطرفان تحت الأرض، بدأ البيزنطيون بإحراق الأعمدة الخشبية، التي استخدمها الأتراك، وأدى هذا الحريق طمس الخندق وبقاء الأتراك تحت الأنقاض.

وعلى الرغم مما جرى، فقد حيرت هذه المحاولات البيزنطيين، وأدهشتهم غاية الاندهاش. وأصبح تفكيرهم منصباً على إمكانية خروج الجيش التركي من تحت الأرض، في أي لحظة ممكنة؛ وبالتالي في حالة من الخوف والهلع الدائمين.

وعلى الرغم من حفر العديد من الخنادق الأخرى تحت الأرض، بغية العبور إلى داخل المدينة منها؛ إلا أن ذلك، لم يمكن.

الجمعة، 9 جمادى الأولى، الموافق لـ 18 مايو: ظهور برج ذي عجلات

إن فتح "إستانبول" كان نجاحاً، قضى، بموجب التقنية التركية الجديدة، على العصور الوسطى. وبدأ بذلك النجاح عصر جديد، وأنظمة واكتشافات جديدة.

وكان من النجاحات، التي أحرزتها التقنية التركية، ما قام ببنائه السلطان "محمد الثاني"، من أبراج متحركة، في ليلة واحدة. وهناك معلومات تفصيلية، في المصادر البيزنطية، حول هذه الأبراج الشهيرة. ففي ليلة الخميس/الجمعة، 8/9 جمادى الأولى، الموافقة لـ 17/18 مايو، قام مئات المهندسين والمعلمين والعمال، ببناء برج متحرك، خلال أربع ساعات. وذلك بجانب الخندق، أمام أسوار "إستانبول". فهذا البرج، الذي تم بناؤه في حملة واحدة، كان أعلى من أسوار "إستانبول" نفسها. ونظراً إلى وجود المقرات في أسفل البرج، بدلاً من العجلات، فإنها متحركة. وعلى الرغم من بناء هذا البرج على مسافة عشرة أقدام من سور "إستانبول"، في تلك الليلة، وبغير علم من المدافعين عن "إستانبول"، فإنهم لما وجدوا هذه الهيولي المخيفة أمامهم، بعد الشروق، عدوها أثراً شيطانياً، وأصابتهم الدهشة والذهول. ولقد تحدث المؤرخ البيزنطي الشهير، "باربارو"، الذي شهد حصار "إستانبول"، وكتب تاريخ وقائعه، عن هذا البرج، بكل تقدير وإعظام، وذكر أن أهالي "إستانبول" كلهم، لو قاموا قومة رجل واحد، في بناء هذا البرج، الذي بناه المعلمون الأتراك في ليلة واحدة، وخلال أربع ساعات، لما انتهوا منه في شهر واحد. فهذا البرج الرائع، الذي بني من الأخشاب، قد تم تغطية سقفه بطابقين من جلد الإبل والثيران. وحتى يكون مقاوماً للحريق، فقد ملئت فجواته بالتراب. وللصعود إلى الدور العلوي من البرج، توجد سلالم محكمة، في الداخل والخارج. كما يوجد في السقف ثقوب للإطلاق منها، كذلك يوجد في الأدوار السفلية شبابيك للتهوية. ولقد تم استحكامه بالمدافع والمنجنيق، وغيره من الآلات، التي تمكن من إطلاق نار "جريجويس". وملىء داخله بالجنود. ويضاف إلى كل ذلك، أنه كان مجهزاً بالجسور المتحركة، للانتقال منه إلى أسوار "إستانبول". وكان الهدف من إنشاء هذا البرج، تأمين نقل العساكر منه إلى الأسوار، من جهة؛ وتعبئة الخندق الكبير، الواقع أمام السور، بالأشجار والتراب، التي تراكمت في البرج، من جهة ثانية. وقد تم فتح طريق مسقوف، بمسافة نصف ميل، لمرور العساكر فيه، من المعسكر إلى البرج، بأمن وسلامة.

ولقد وقع اصطدام شديد، في ذلك اليوم، حتى ظلام الليل، بين البرج، الذي هو عمل خارق للتقنية التركية، وبين سور "إستانبول". وتم بذلك هدم برج من أسوار "طوب قابي". وهذا يعني أن البرج المتحرك، قد تغلب على البرج الثابت. ولما أسدل الليل سدوله، تمكن البيزنطيون من إحراق البرج بنيران "جريجويس". إلا أنه، حتى انتهاء الحرب، قد تم بناء مثل هذا البرج، في الأماكن المختلفة. واستفيد كثيراً من مثل هذه الأبراج، في كسر مقاومة العدو.

الأربعاء، 14 جمادى الأولى، الموافق لـ 23 مايو: عرض السلطان "محمد الثاني" على الإمبراطور البيزنطي، تسليم المدينة، قبل البدء بالهجوم العام؛ ورفض الإمبراطور ذلك الطلب

لقد اتضح ما سيؤول إليه مصير "إستانبول". فالتفجيرات الكبيرة، التي استمرت، ليل نهار، من دون انقطاع، قد فتحت شقوقاً في مختلف الأماكن من أسوار "إستانبول". وفي الوقت، الذي كان يحاول فيه الإمبراطور البيزنطي الباسل، والشجاع، تلافي تلك الثقوب، بملئها بأكياس التراب، كان قد تيقن مصير "إستانبول"؛ إذ إن أكياس التراب، لم تكن كافية لردع الهجوم القادم إليها من الجيش التركي في الأسوار، ولا لتوقيف الأسطول الكامن في "مرمرة". ولم يكن ذلك كافياً أيضاً للتخلص من النيران، التي تقذف إليها من الأسطول المنقول براً، ولا من تلك النيران، التي تطلق عليها من ثلاثة جوانب للجسر المستحكم. وعلى الرغم من ذلك الرفض، فإن السلطان "محمداً الثاني"، كان مقدراً لبسالة هذا الإمبراطور ونخوته العسكرية؛ بل إنه أظهر له هذا التقدير، قبل القيام بالهجوم العام، من خلال ترك منفذ لخلاصه. وكان السبب، الذي أدى بالسلطان إلى ابتعاث ممثل عنه، لإبلاغ الإمبراطور الاستسلام، حتى لا يسيل مزيد من الدماء، هو ذلك المنفذ. والحقيقة، أن الإمبراطور، "كونستانتين الحادي عشر"، كان قد خلص شرفه، العسكري والشخصي، من خلال ذلك الدفاع المستميت عن المدينة. ولذلك، فإن هو قبل باقتراح السلطان "محمد الثاني"، فإن ذلك لا يعد مغايراً لشرف سيفه.

وبموجب بعض المصادر البيزنطية، فإن رسول السلطان "محمد الثاني"، هذه المرة، هو "إسماعيل بك بن إسفنديار"، الذي كان حاكماً، في تلك الفترة، على بلاد "إسفنديار". فإذا كانت هذه الرواية صحيحة، فهذا يعني أنه اشترك أيضاً في عملية حصار "إستانبول". إلا أن بعض المصادر العثمانية، أفادت أن المبتعث، هو "قاسم بك بن إسفنديار".

ولقد استقبل الإمبراطور رسول السلطان استقبالاً رسمياً. وهذا الرسول، الذي كان صديق قديماً للإمبراطور، قد ذكر له أنه إذا ما سلم "إستانبول"، فإن السلطان "محمداً الثاني"، سوف يعينه أميراً على "المورة"، فوراً؛ وأنه لن يتعرض لأموال الناس، ولا لأرواحهم؛ وأنه سوف يترك الأهالي أحراراً في التوجه إلى المكان، الذي يرغبون فيه. وتفيد إحدى الروايات، أنه إذا ما قبلت تلك الشروط، فإن الرسول، كان سيحاول توفير لقاء بين الإمبراطور والسلطان.

وبناءً على هذا التبليغ، فقد اجتمع مجلس الحرب، لمذاكرة اقتراح السلطان "محمد الثاني". ونظراً إلى رجوح كفة عدم الواثقين بضمانات السلطان، فقد رفض طلب الاستسلام؛ مع التأييد لدفع الخراج المفروض، والقبول بتبعية بيزنطة للدولة العثمانية. ولقد تم إبلاغ قرار المجلس إلى السلطان "محمد الثاني"؛ إلا أنه رفضه.

وهناك رواية أضعف من الرواية السابقة، تفيد أن تلك المراسلات المتبادلة، كانت في يوم الخميس، 15 جمادى الأولى، الموافق لـ 24 مايو.

السبت، 17 جمادى الأولى، الموافق لـ 26 مايو: طلب الوفد المجري، القادم إلى المعسكر العثماني، رفع الحصار عن "إستانبول"، والتهديد، الذي قدمه في هذا الصدد

إن الملك المجري "لاديسلاس الخامس"، الذي أدرك رشده، واستلم الحكم من نائب المملكة، "يانكو هونياد"، أرسل ذلك الوفد؛ بغية إعلام السلطان العثماني، بأنه استلم زمام الأمور في البلد.

والحقيقة، أن "يانكو هونياد"، ما إن سلم الحكم لصاحبه الشرعي، حتى أرسل رسولاً عن نفسه، إلى السلطان "محمد الثاني"، أبلغه التغييرات، التي حصلت في "المجر"، مشيراً إلى أن معاهدة "سمندرة"، التي عقدها معه، ولمدة ثلاث سنوات، في أثناء نيابته على الحكم ـ أصبحت مرفوعة. وقد أعاد إلى السلطان "محمد الثاني" النسخة الموقعة من المعاهدة، حتى يتم عقد معاهدة جديدة مع الملك الجديد، طالباً منه إعادة النسخة الموجودة لديه. إلا أن السلطان "محمداً الثاني" لم يول هذا الاقتراح الغريب أي اهتمام، لأن معاهدة "سمندرة" لم تكن معاهدة فردية، عقدت بين رجلين؛ وإنما كانت معاهدة رسمية، عقدت بين دولتين. وكان هدف "يانكو هونياد" من هذه اللعبة، إبلاغ السلطان، أن المعاهدة التركية – المجرية السلمية، رفع حكمها، مشيراً، من طرف خفي، إلى إمكانية قيام الجيش المجري بالتحرك، أثناء انشغال العثمانيين بحصار "إستانبول"؛ بغية إرجاع السلطان عن عملية الحصار. إلا أنه نظراً إلى عدم صدور نتيجة من تلك المحاولة الأولى، جاء رسول آخر، ولكن باسم الملك، هذه المرة، طالباً بشكل صريح رفع الحصار عن "إستانبول"، مشيراً إلى أن الحصار، إن لم يتم رفعه، فإن "المجر" مضطرة إلى التشبث بالسلاح، لإنقاذ الإمبراطورية البيزنطية. وأضاف إليه، أن أسطولاً كبيراً قادم من أوروبا لتقديم المساعدات إلى بيزنطة. وهناك العديد من الروايات، التي تذكرها بعض المصادر، البيزنطية والغربية، التي تفيد أن البابا، أرسل أسطولاً من ثلاثين سفينة، لتقديم المساعدات إلى "إستانبول"؛ وأنه وصل إلى جزيرة "ساقز"؛ وأنه في الوقت، الذي كان ينتظر فيه توقف الرياح؛ للتوجه إلى "إستانبول"، وصل نبأ سقوط "إستانبول"؛ ولذلك رجع الأسطول. إلا أنه بناءً على البحوث الأخيرة، يبدو أن تلك الروايات، لا أصل لها من الصحة. ولذلك، فإن كلام السفير المجري في هذا الصدد، كان يمكن أن يكون كناية عن ذلك التصور؛ واحتمال أن يكون ذلك كلاماً غير مستند إلى أي حقيقة. ويذكر أن السلطان "محمداً الثاني" اكتفى، في الرد على هذا السفير، بالإشارة إلى المدافع التركية.

الأحد، 18 جمادى الأولى، الموافق لـ 27 مايو : اجتماع مجلس أركان الحرب، برئاسة السلطان "محمد الثاني"، وتقرير الاستمرار في عملية الحصار إلى حين تيسر الفتح، وذلك بعد مداولات مطولة

إن التهديد المجري، الذي ذكر في الفقرة السابقة، من جهة؛ ووجود تيار فكري ضد الحرب، من البداية، من جهة أخرى، جعلا من أمر هذا الاجتماع ضرورة؛ مما دفع السلطان إلى الدعوة إليه. ويبدو أن السلطان، بتلك الصورة، كان يود جمع الأضداد من أركان الدولة، لإصدار قرار حاسم في هذا الصدد. وكانت فكرة الفتح، يمثلها السلطان. أما فكرة رفع الحصار، فكان يمثلها الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي". والمصادر العثمانية، تتحدث عن هذه المسألة بشيء من الغموض. إلا أن المصادر البيزنطية، تتحدث عن هذه المسائل الحربية بشيء من التفصيل. وإذا ما أجريت مقارنة بين الآراء الإيجابية للحرب، والسلبية في التخلي عنها، في المصادر، العثمانية والبيزنطية، يتضح أن البطل الكبير، العالم "آق شمس الدين"، و"ملا كوراني"، و"ملا خسرو"، و"زاغانوس محمد باشا"، وغيرهم من الرجالات المهمة في الدولة ـ كانوا مع السلطان "محمد الثاني"، في الاستمرار في الحصار، إلى حين تيسر الفتح المبين. أما الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"، الذي اتهم، على حد قول المتهمين، بقبض مبالغ من الإمبراطور البيزنطي؛ وأنه كان يتجسس لحسابه، وبعض أتباع له، فكان يريد رفع الحصار؛ إذ إن القوات المساندة، إذا قدمت من أوروبا و"المجر"، فإن الجيش العثماني، سوف يبقى بين نارين، مشيراً إلى أنه حتى إذا تم فتح "إستانبول"، فإن أوروبا النصرانية، لن تتخلى عن المدينة وتتركها بيد الأتراك؛ ولذلك كان يعمل على رفع الحصار، بسرعة. إلا أن الإرادة القوية للسلطان "محمد الثاني"، التي لا يمكن ثنيها، والتأثير القوي من "آق شمس الدين"، قد أديا الاستمرار في الحصار إلى حين التمكن من الفتح. وعلى الرغم من وجود بعض الروايات، التي تشير إلى أن الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندرالي"، قد أخبر الإمبراطور البيزنطي بمداولات المجلس، سراً، فإنه لا يمكن توثيق تلك الروايات، وتأكيد صحتها. ويبدو أن شائعات قدوم المساعدات الأوروبية، مما ينتج بقاء الجيش العثماني بين نارين، بناءً على تهديدات "المجر" ـ قد أثرت في بعض ضعاف القلوب، فقاموا بالتضخيم من أمرها. إلا أن النفوذ المعنوي، الذي قام به "آق شمس الدين"، كان له الدور الأول في هذا الفتح المبين.

ومن الغريب في الأمر، وجود تيارين مختلفين أيضاً بين المحاصَرين؛ بل إن الكلام، الذي أدلى به الوكيل العام، "لوكاس نوتاراس"، من أنه يفضل عمامة الأتراك على قلنسوة الكاردينالات، هو مشهور. وهناك رواية، تفيد أن هذا الرجل، كان يتجسس في مصلحة السلطان "محمد الثاني"؛ وأن الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"، كان يتجسس في مصلحة الإمبراطور البيزنطي؛ وأنه لذلك السبب، لم يمكن كلا الحاكمين عزل نائبه؛ إذ إن عزل أحدهما سيؤدي إلى عزل الآخر. إلا أن كل هذه الروايات، تحتاج إلى البحث والتمحيص؛ لأنها من المسائل المشكوك في صحتها. غير أن الشيء المؤكد، هو وصول التعصب الأرثوذكسي إلى درجة أن بيزنطة، الواقعة تحت النيران العثمانية، كانت تحترق تحت وطأة هذا التعصب أكثر من تلك النيران. فعلى سبيل المثال، ترجيح الحكم التركي على الوحدة الرومية – اللاتينية. وكان على رأس هذا التيار "شيكولاريوس"، الذي عينه السلطان "محمد الثاني" بطريركاً، فيما بعد. وكان أشهر الشائعات من الخرافات، عدم القيام بأي مقاومة، إلى حين دخول الأتراك إلى البلد؛ لأن جيشاً من الملائكة، سوف ينزل من السماء، ويقضي على الجيش التركي. ويمكن أن يكون مثل هذه الإشاعات قد أشاعه رجال السلطان "محمد الثاني"، بغية كسر معنويات المدافعين، وكسر روح المقاومة. وكما قال أحد المؤلفين الغربيين الجدد، إن الملَكَ، الذي كان تنتظره بيزنطة، هو الملك التركي. وفي تلك الفترة، كان الرهبان يناقشون فيما بينهم مسائل مضحكة، مثل "هل الضياء (النور) مخلوق أو لا"؟ و"درجة قدسية سرة مريم". وتلك المناقشات المقززة، التي كانت تجري تحت قذائف مدافع السلطان "محمد الثاني"، كانت أسلم المقاييس لدراسة أوضاع بيزنطة، في تلك الفترة.

الإثنين، 19 جمادى الأولى، الموافق لـ 28 مايو: استراحة الجيش قبل الهجوم العام

لقد تم إبلاغ الجيش، قبل هذا اليوم أو فيه، بيوم الهجوم وساعته. ثم كما قال "تاجي زاده جعفر جلبي"، في كتابه "فتحنامه "إستانبول" (فتح المحروسة "إستانبول"):

"قام المنادون بالنداء في المعسكر، قائلين: من قام بالدخول إلى "إستانبول" [في المعركة القادمة] فإن لم يكن له "درليك" (أي إقطاع من أراض)، فسوف يحصل عليه. ومن كان صاحب "درليك"، فإن كان من العساكر المخصص له التيمار (أي ما كان من الأراضي، لا يتجاوز عشرين ألف آقجة)، فسوف يصبح "سوباشي". وإن كان "سوباشي"، فسوف يصبح أميراً للسنجق. وإن كان أميراً للسنجق، فسوف يصبح أمير الأمراء. وسوف يمنح صكاً سلطانياً بذلك. وتبقى تلك المخصصات للمذكور إلى أن ينقرض أولاده [وفلذة] أكباده في الدولة العثمانية. حتى يبقى ذكره إلى يوم القيامة، ومرئياً ومحترماً، في الأيام والساعة".

وبتلك الصورة، وبعد ما تم إعلان البطل التركي الأول، الذي يدخل إلى "إستانبول" قبل غيره، والمكافأة العالية، التي يحصل عليها، وتنتقل منه إلى أولاده، فقد انسحب العساكر إلى مخيماتهم، وأخلدوا إلى الراحة. ولما رأى البيزنطيون ذلك الهدوء، فقد توقعوا من ذلك الخيرَ، في الوقت، الذي أصيبوا فيه أيضاً باليأس؛ إذ إن بعضهم علل ذلك الهدوء برفع الحصار، بينما علله غيرهم باليأس والقنوط؛ لتوقعهم قيام العثمانيين بالهجوم العام. وفي الوقت، الذي كان التعليلان المذكوران ينتشران في صفوف المحاصَرين، كان العساكر العثمانيون يتسامحون عن هفوات بعضهم، ويكتبون وصاياهم، ويقضون اليوم بين النوم والراحة.

ليلة الإثنين/الثلاثاء، 19/20 جمادى الأولى، الموافقة لـ 28/29 مايو: "تعميم الشمعة" للجيش التركي، والليلة الأخيرة لبيزنطة

إن المقصود بـ"تعميم الشمعة" في الجيش التركي، هو حفلة النار والنور. ففي الوقت الذي بدأ فيه الظلام يخيم على الجو، نفخت الأبواق الكبيرة، التي تسمى "سور"؛ إيذاناً ببدء هذا التعميم التاريخي؛ حيث بدأ إشعال القناديل والشمعات والمشاعل وإشعال النيران، من مرمرة وحتى نهاية الخليج، مروراً بـ"غلطة" و"ظهر قاسم باشا"، وسواحل البوسفور، وكل السفن العثمانية. وبذلك تكوّن في أطراف "إستانبول" نبع من النور، أضفى على المنطقة منظراً مهيباً. وما إن بدأ إشعال النيران، حتى بدأ الجنود برفع أصواتهم بالتكبير والتهليل، مشبهين الليلة الأخيرة لتاريخ بيزنطة، بيوم القيامة المهيب. ولقد صور "تاجي زاده" هذا الاحتفال، على النحو الآتي:

"ما إن دخل الليل، حتى ظهرت في الجيش آلاف مؤلفة من الشمعات ونجوم التنوير. وقامت احتفالات في الجيش الهمايوني، وظهرت الأصوات في السماء بالتهليل والتكبير؛ حتى تكونت منها أعمدة إلى السماء. وقد تكون تلك الشمعات والمشاعل، نجوم السماء، نزلت على الأرض".

إن ذلك المنظر، الذي صورته المصادر البيزنطية أيضاً بكل خشية، قد كسر من معنويات المحاصَرين، واختلطت صيحات الخوف بالدموع، في أنحاء "إستانبول". وفي الوقت، الذي كانت فيه حفلة الشمعة، في الخارج، تنور السماء؛ كان الداخل يعيش أزمة خانقة، ومرة. وكان أهمها الشعائر النصرانية، التي جرت في "آيا صوفيا" للمرة الأخيرة في التاريخ. فقد مرت تلك الشعائر، التي اشترك فيها الإمبراطور، مع كل أركان الدولة، بالبكاء المرير والصرخات المفجعة. يضاف إلى ذلك، أن كل أفراد الشعب في "إستانبول"، شاركوا في المسيرات، التي نظمها الرهبان في الشوارع، لتلك الشعائر. ولقد اهتزت "إستانبول" بالأدعية، التي تقول :"ارحمنا، يا رب". وقامت النساء بنبش أشعارهن، وتقطيع ملابسهن؛ والأطفال برفع أصواتهم بالصرخة. ووصلت تلك المسيرات الشعبية إلى الأسوار، التي قدست بالصلبان والأمانات المقدسة، حتى تحمى من المصير، الذي ستؤول إليه. ناهيك بالحديث الأخير، الذي أدلى به الإمبراطور، والذي كسر روح المقاومة لدى البيزنطيين، حيث احتوى ذلك الحديث على جملة، تبين أن تلك العاقبة السيئة، كانت تستحقها روما الشرقية، بسبب التفسخ الأخلاقي، الذي انتشر فيها:

"إن أنتم عملتم بالنصائح، التي أسديها إليكم، فقد تنجون من العقاب الحق، الذي كتب الله علينا".

وبعد أن قال الإمبراطور "كوستانتينوس الحادي عشر" كلمته الأخيرة، توجه، آخر مرة، إلى قصره، وقام فيه بتوديع كل العاملين في القصر، حتى الخدم، طالباً منهم العفو عن زلاته. ثم أمعن النظر في الغرف، التي قضى فيها أيامه السعيدة، وذهب إلى فرسه، وركبه متوجهاً، مع حاشيته، لأداء وظيفته المشرّفة في سور "إستانبول".

وفي الوقت، الذي كانت فيه احتفالات الشمعة تجري، كانت المدافع مستمرة في ضرب الأسوار بالقذائف، بكل ضراوة. وعلى الرغم من أن بعض المصادر، تشير إلى أن السبب في إشعال كل تلك الشموع، بالليل، كان يستهدف عدم إتاحة الفرصة للمدافعين لإغلاق الثقوب، التي كانت تخرقها المدافع في سور "إستانبول"، في النهار، فإنه ينبغي ألا يكون ذلك صحيحاً؛ لأن إشعال الشمعات والقناديل، استمر إلى نصف الليل، ثم أطفئت كلها في حوالي الساعة الثانية عشرة ليلاً، وفي وقت واحد، وغطى أجواء أطراف "إستانبول" ظلام دامس. ويروى أنه في ذلك الوقت من الليل، لم يكن يسمع سوى صوت المطر، الذي كان ينزل من السحب السوداء، التي تجمعت فوق "إستانبول"؛ وكذلك انعكاس صوت أرجل الجيش العثماني. وكان ذلك الظلام الدامس، قد أخاف المحاصَرين، مثل ما أرهبهم ذلك النور الساطع. وفي ذلك الظلام الدامس، الذي غطى الجيش العثماني، كان السلطان الشاب، "محمد الثاني"، راكباً فرسه، يفتش خط الهجوم من أقصاه إلى أقصاه. وكان الشيخ "آق شمس الدين"، الذي لبس البياض، ينتقل، في تلك الفترة، بين الجند، مشجعاً إياهم على الاستشهاد في سبيل الله، ويلقن جند الحق طعم الشهادة.

صباح الثلاثاء، الساعة 7-8، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ 29 مايو: فتح "إستانبول"

كانت خيمة السلطان، "محمد الثاني" الحمراء، المزخرفة بالحرير، والمزركشة بالفنون اليدوية – مركوزة في محاذاة "مالتبة"، الواقعة بالقرب من "طوب قابي". ويروى أنه في هذا المعسكر، كان يوجد ما بين عشرة وخمسة عشر ألف إنكشاري وسباهي (أي خيال). وكان السلطان "محمد الثاني" هو المشرف العام على كل القوات، البرية والبحرية، بصفته قائداً عاماً لها. وعلى الرغم من أنه أشرف بشكل مباشر، على المركز الواقع بين جبهة، "طوب قابي" وجبهة "أدرنة"، فإن إشرافه على الجبهات الأخرى، كان من خلال القادة. ويطلق على المركز، الواقع بين "طوب قابي" و"أدرنة قابي، عند البيزنطيين، "مسوتيكهيون". وكان يقود ميمنة هذا المركز، الذي كان تحت الإشراف المباشر للسلطان، الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي"؛ ويقود ميسرته الوزير "صاروجا باشا". كما أن الجبهة، الواقعة إلى يمين المركز، والممتدة إلى سواحل مرمرة، والتي كانت تشكل الجناح الأيمن للمركز العمومي للقيادة العامة على الأراضي، التي استولى عليها جنود الأناضول ـ كانت تحت قيادة أمير أمراء الأناضول، "إسحاق بك". أما الجناح الأيسر للجبهة المركزية، الممتد إلى سواحل الخليج، والواقع على الأرض، التي استولى عليها جنود "الروملي" ـ فكانت تحت قيادة أمير أمراء "الروملي"، "دايي قرة جة باشا". والسبب الذي أدى إطلاق كلمة "دايي" على "قرة جة باشا"، هو كونه خالاً للأمير "علاء الدين"، أخي السلطان "محمد الثاني"، والمتوفى في عهد "مراد الثاني".

وإضافة إلى هذه الجبهات الثلاث، المواجهة لأسوار "إستانبول"، كانت هناك جبهتا مرمرة والخليج، البحريتان؛ وكانت جبهة مرمرة، التي لم يكن لها أي علاقة بالبر، تحت قيادة قائد الأسطول، "حمزة بك أو باشا". أما جبهة الخليج، التي كانت مسرحاً للحركات البحرية والبرية، فكانت تحت قيادة "زاغانوس محمد باشا".

ولقد صدرت الأوامر بتحرك كل تلك الجبهات، في الهجوم العام. وكانت مهمة أسطول مرمرة، الاقتراب إلى أسوار "إستانبول" القريبة من الساحل، وتوجيه إطلاق المدفعية إليها بشكل مستمر.

ولقد بدأ الجيش العثماني، قبل شروق الشمس؛ وبموجب رواية قوية، بعد منتصف الليل، بين الساعتين الواحدة والثانية، ليلاً، بالهجوم العام، بالتكبير والتهليل، على كل الجبهات. وتقدم في الحملة الأولى، خمسون ألف رجل إلى الأمام، مع ألفي سُلّم، بالتكبير والتهليل أيضاً، مع بدء فرقة الموسيقى العسكرية، التي كانت تسمى قديماً بـ"طبلخانة"، وحديثاً بـ"مهترخانة"، بدق طبول الحرب والمعركة. وفي أشد مراحل المعركة ضراوة، تقدم العالم "آق شمس الدين"، و"ملا جوراني"، إلى الصفوف الأمامية مواجهين، بشكل مباشر، لخط النار، وأصبحا قدوة للجيش. وبعد أن استمر هذا الهجوم العام، بمختلف الموجات، لمدة ساعتين، ومن خلال الثقب، الذي فتحته المدفعية الكبيرة، التي تسمى "واسيليكي/شاهي"، في سور "إستانبول"، نفذ أحد أفراد جيش الأناضول، ويسمى "أولوبادلي حسن" إلى الداخل، بالتكبير، وصعد إلى السور، على الفور، وركز العلم العثماني عليه. وبذلك، حاز هذا الجندي التركي شرف أول من دخل إلى "إستانبول"، حيث قاتل مع ثلاثين رجلاً من زملائه، حتى تمكنوا من الدخول إلى المدينة. وتفيد إحدى الروايات أنه ما إن صعد السور وركز السنجق، حتى هوى من السور، ووقع أرضاً، والتحق بذلك بموكب الشهداء، بعد أن حقق الحلم، الذي طال انتظاره من عصور خلت.

وبناءً على ما جرى، فقد التفت السلطان "محمد الثاني" إلى الجيش، الواقف خلفه، وقال لهم:

أولادي، أنا مستعد للموت معكم وسل سيفه، وهو على فرسه، متقدماً إلى الأمام، في موجة جديدة، ودخل من الثقب، الذي فتح في سور "طوب قابي"، في الوقت، الذي فتح فيه ثقب آخر في الباب، الذي سماه الأتراك "جانباز خانه"، ودخل منه الجيش، حيث التفوا على المدافعين الأخيرين عن باب "أدرنة قابي" من الخلف. وبذلك، فقد دخل الجيش العثماني إلى داخل "إستانبول"، من ثلاثة مواقع، تحت الضغط والقوة، وهزموا بذلك العدو.

ونظراً إلى جرح أهم قائد للمدافعين البيزنطيين، "جيواني جيوستناني"، الجنوي، في المعركة؛ وعلى الرغم من ترجي الإمبراطور منه، عدم ترك موقعه، فقد وصل إلى إحدى السفن اللاتينية، الراسية في الخليج، بشق الأنفس، وأصاب دفاعات "إستانبول"، بعد تخليه عن موقعه، كسر شديد. وبموجب إحدى الروايات العثمانية، فإن "جيوستناني"، قد أصيب بعدة طعنات في بطنه، من أحد الجنود المختبئين تحت السور، أو أنه أصيب في صدره أو في رجله، أو غير ذلك من الروايات المختلفة. وتفيد بعض المصادر، أنه بناءً على ترك هذا القائد لموقعه، من الخوف والهلع، في اللحظة الأخيرة، بسبب جرح بسيط جداً، ألم به، فقد لطخ شهرته العالية، التي حازها. والرواية التي تفيد أنه مات في الطريق إلى جزيرة "ساقز"، التي توجه إليها بالسفينة، أو في الجزيرة نفسها ـ تؤيد الرواية، التي تقول إن جرحه كان كبيراً. ويوجد قبره في "ساقز".

وما إن تمكن العثمانيون من الأسوار، حتى خلعت الأعلام البيزنطية، وأسقطت على الأرض، ورفع مكانها العلم العثماني على السور، مع ارتفاع الأصوات بالأذان في كل مكان. وكان التأذين، على الفور من فتح قلعة ما، عادة متبعة لدى العثمانيين.

ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح" ما إن رأى منظر الفتح المبين، حتى نزل من على فرسه، وسجد لله تعالى، عند سور المدينة، شكراً لله تعالى، ثم توجه إلى خيمته، يستقبل أركان الدولة، ويقبل منهم التهنئة بمناسبة الفتح.

وكان قائد الأسطول العثماني، "حمزة بك"، في تلك الفترة، قد رفع الجنزير الموضوع على مدخل الخليج، وأدخل إليه سفنه. وقام بإغراق سفينة بيزنطية أو اثنتتين كانتا تحاولان المقاومة. كما كسر أحد أبواب السور في الخليج، فأدخل منه عساكر البحرية إلى البلد. وقام، في هذه الأثناء، بعض المدافعين بفتح بعض أبواب الخليج، معلنين عن استسلامهم. ويذكر أن بعض الأبواب الموجودة في هذا الطرف، قد تم فتحها على أيدي الجيش العثماني، الذي انتشر حتى في هذه المنطقة من الخليج. كما أن "جبه علي بك"، أمير "سوباشي" في "بورصا"، كان قد كسر، في تلك الأثناء، أحد أبواب الخليج، ودخل منه إلى "إستانبول"؛ ولذلك، سمي الباب، فيما بعد باسمه، وحرِّف على لسان الشعب إلى "جبالي".

وهناك ادعاء غريب، يذكر أن الجيش العثماني، دخل إلى مدينة "إستانبول"، من خلال باب "كيركي بورتا/جانبازهانة"، الذي تركه البيزنطيون، سهواً. وهذه القصة الأسطورية، التي حبكها المنهزمون، ما هي إلا خرافة. ففي الوقت، الذي كان فيه أكبر المدافع في العالم، يفتح الثقوب الكبيرة في أسوار "إستانبول"، فإن الادعاء بنسيان الباب مفتوحاً من لدن البيزنطيين، ينبغي أن يكون مبنياً على جهل كامل بتاريخ الحصار، الذي استمر ثلاثة وخمسين يوماً.

والروايات، التي تتحدث عن مصير الإمبراطور البيزنطي الأخير، "كوستانتينوس الحادي عشر"، أو بموجب إحدى الروايات، "الرابع عشر"، الذي سمي باسم والدته "كوستانتيونس دراجاسيس" – هي مختلفة. فنظراً إلى عدم رؤية أحد من المؤرخين، الذين شاهدوا حصار "إستانبول"، لكيفية موت هذا الإمبراطور سيئ الحظ، فقد اختلطت بعض الأساطير بالموضوع. ويمكن سرد الروايات المختلفة على النحو الآتي:

1. إن الإمبراطور، الذي كان في جهة "طوب قابي"، لما وجد رفع الأعلام التركية على جهة باب "أدرنة"، ساق فرسه إلى تلك الجهة؛ بغية فهم الوضع الجاري، فلما شاهد دخول الأتراك من ذلك الباب، رجع إلى "طوب قابي"، للمرة الثانية، وحينئذ، وجد الجنود الأتراك، قد دخلوا من هذه الجهة أيضاً إلى المدينة، فنزل مع من كان في معيته، من على خيولهم، وأصبح يخوض حرب العصابات في أزقة المدينة، وحارب حتى قتل.

2. أوقع أحد الجنود الأتراك الإمبراطور أرضاً، فحاول الإمبراطور القيام، إلا أن الضربة الثانية من الجندي التركي، أودت بحياته.

3. لقد مات الإمبراطور البيزنطي الأخير، تحت أقدام الجنود الروم، الذين فروا من مواقعهم، بناءً على دخول الجيوش التركية إلى المدينة.

4. لقد استعمل الإمبراطور البيزنطي المجنة، في الجنود الأتراك، وقاتلهم بها إلى أن قتل.

5. لقد مات الإمبراطور، حينما شاهده اثنان من العساكر الأتراك، فقتلاه، وقطعا رأسه، وتم تشهيره في المدينة، ثم حنط، وأرسل إلى الأناضول، وأشهر فيها أيضاً.

6. بعد أن تم قتل الإمبراطور، بأيدي الجنود الأتراك، قطع رأسه، ثم أرسل، مع أربعين شاباً وشابة من البيزنطيين، إلى الأناضول، دليلاً على الانتصار، الذي تحقق في هذا الصدد.

7. لقد أتى أحد الجنود الأتراك برأس الإمبراطور المقتول، فأرسل السلطان "محمد الفاتح" هذا الرأس، للتشهير به بين الأسرى الروم، ثم قبّل الرأس، تقديراً لشجاعة الإمبراطور، ثم أرسله إلى البطريركية.

8. لقد وضع رأس الإمبراطور المقطوع في صندوق من الفضة، ودفن تحت أسوار "إستانبول"، ثم دفنت جثته، بعد ذلك، منفصلة.

9. لقد ذهب أحد الجنود الترك برأس الإمبراطور المقطوع، إلى السلطان "محمد الفاتح"، وقال له: "سيدي السلطان، هذا رأس أعدى أعدائكم". ورمى به بين قدمي السلطان. ولما تم التأكد من أن هذا الرأس المقطوع للإمبراطور البيزنطي، عين هذا جندي أميراً على أحد سناجق الأناضول.

10. لما رأى الإمبراطور دخول العساكر الأتراك إلى "إستانبول"، من باب "إغري قابي" أو "طوب قابي"، قال:"البلد خرج من اليد؛ وأنا ما زلت حياً!". فقام بالقتال، مع عدة رجال، فلما قُضيَ عليهم، استمر الإمبراطور في قتاله وحيداً، ودافع ببطولة كبيرة عن شرف بلاده، وقاتل حتى قتل بشرفه.

11. بموجب إحدى الروايات، الواردة في بعض المصادر العثمانية، لما رأى الإمبراطور دخول الجنود الأتراك إلى "إستانبول"، تيقن أنه لم يبق أمامه سوى الهروب، فركب فرسه، وتوجه إلى الخليج، فأراد قتل أحد الجرحى من أفراد المشاة العثمانيين، وفي أثناء محاولته قتله، قام الجريح بحركة سريعة من مكانه، فأسقط الإمبراطور من على فرسه، وقطع رأسه، ثم قتل هو أيضاً. وبعد بقاء جثة الإمبراطور، فترة من الوقت، على الأرض، اكتشف من خلال لبسه، الذي يختص به القياصرة.

والنقطة المشتركة بين كل هذه الروايات، هي أن الإمبراطور قاتل في الشوارع، بعد ما سقطت المدينة، وحارب مثل الأسد، ولم يسلم سيفه لأعدائه، وقاتل حتى الموت بشرفه وبسالته. وكان مقتل هذا الإمبراطور، الذي لم يكن له علاقة بالتفسخ، الذي حصل في بيزنطة، قد أثّر في السلطان "محمد الفاتح" تأثيراً كبيراً. ويعد الحديث عن هذا الإمبراطور وبسالته الفائقة بحق، مهمة لا بد من ذكرها في التاريخ التركي. وبموجب رأي المؤلفين الغربيين المتأخرين، أمر السلطان "محمد الفاتح" بالبحث عن جثة الإمبراطور الميت؛ إلا أنها لم تعرف، إلا من خلال الأحذية الحمراء، التي اختص بها الأباطرة، بعد أن تلطخت بالدماء والطين. ويذكر أن السلطان "محمداً الفاتح" أمر بدفن الإمبراطور البطل، بمراسم تليق به. ويوجد قبره في "إستانبول".

لقد عاش الإمبراطور البيزنطي الأخير، تسعاً وأربعين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوماً. وكان عمر السلطان "محمد الفاتح"، في ذلك اليوم، بموجب أقوى الروايات، إحدى وعشرين سنة وشهرين ويوماً واحداً.

وتشير بعض المصادر العثمانية، إلى أنه في أثناء حصار "إستانبول"، قد أخذ رأس الأمير "أورخان" المقطوع؛ مثل قصة الأمير "مصطفى جلبي بن يلدرم بايزيد"، المزوّر – إلى السلطان "محمد الفاتح"، حيث عرفت هوية هذا الأمير، الذي قيل إنه شارك في عملية الحصار، بل إنه قاد قسماً من عملية السور – من خلال ملابسه. إذ إنه، حتى لا يسلم نفسه، في أثناء الاستيلاء على السور، كان يهم برمي نفسه من السور، فقبض عليه، فقطع رأسه. ويبدو أن وضع هذا الأمير، في أثناء عملية الحصار، يحتاج إلى التدقيق. وبناءً على وصول الجيش التركي إلى أمام "إستانبول"، في يوم الخميس، 5 ربيع الأول، الموافق لـ 5 أبريل، وإذا استثني يوم الوصول، ويوم الفتح، فقد استمرت عملية الحصار ثلاثة وخمسين يوماً. وفي رسالة الانتصار، التي بعثها السلطان "محمد الفاتح" إلى أمير "قره قيونلي"، "جهانشاه ميرزا"، أشار إلى أن مدة الحصار، مع يوم الفتح، كانت أربعة وخمسين يوماً. وإذا ما طرح يوم الفتح من هذا الحساب، يبقى ثلاثة وخمسون يوماً. أما إشارة بعض المصادر الغربية المتأخرة، إلى عملية الحصار، بأنها أربعة وخمسون وخمسة وخمسون يوماً، فيبدو أنها بإضافة يوم الوصول ويوم الفتح إليها.

ولقد فتحت "إستانبول" بين الساعتين السابعة والثامنة، صباحاً، من يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى 857هـ، الموافق لـ 29 مايو 1453م. ويعد هذا التاريخ فصلاً بين العصر الوسيط والعصر الحديث، حيث انتهى العصر الوسيط، وبدأ العصر الحديث لتاريخ البشرية. ولقد أخذت الدولة العثمانية مكان إمبراطورية الروم الشرقية، منذ هذا التاريخ. ومنذ أن اتخذت "إستانبول" عاصمة للإمبراطورية الرومية، في عهد إمبراطور روما، "قسطنطين الأول"، باسم "نيو روما"، أي روما الجديدة، في يوم 11 مايو 330م، قبل الهجرة النبوية الشريفة بمائتين واثنتين وتسعين سنة، وإلى تاريخ يوم الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ 29 مايو، كان قد مر عليها 1123 سنة و18 يوماً. وهذا المركز التاريخي للإمبراطورية الرومانية الشرقية، قد اشتهر بـ"القسطنطينية"، نسبة لاسم الإمبراطور "قسطنطين الأول". أما اسم "إستانبول"، قبل ذلك، فكان "فيزانتيون/بيزانتيوم".ولذلك، كانت تذكر، في المصادر الغربية، باسم "بيزانس". وكلمة "القسطنطينية"، التي أطلقها العرب على "قسطانتينوبلس"، بشيء من التحريف، استخدمها أيضاً الأتراك. وانتقل ذلك إلى النقود العثمانية، المضروبة في "إستانبول". ويذكر أن الروم البيزنطيين، أطلقوا اسم "بولين"، أي المدينة، على "إستانبول"، مختصراً من كلمتي "ستين بولين"، اللتين تعنيان "المدينة/في المدينة". وقد حرف الأتراك هذا الشكل الأخير. وتقرر اسم "إستانبول"، منذ عهد السلاجقة. ويرد ذلك في كتب السلاجقة.

وهناك اختلافات، في المصادر العثمانية، في تاريخ يوم الفتح. فعلى سبيل المثال، ذكر يوم السبت، 20 ربيع الأول، الموافق لـ 31 مارس؛ ويوم الأحد، 21 ربيع الأول، الموافق لـ 1 أبريل؛ ويوم الجمعة، 7 جمادى الآخرة، الموافق لـ 15 يونيه؛ ويوم الخميس، 20 جمادى الآخرة، الموافق لـ28 يونيه؛ ويوم الخميس، 27 جمادى الآخرة، الموافق لـ 5 يوليه. والتاريخ الصحيح لفتح "إستانبول"، هو الثلاثاء، 20 جمادى الأولى، الموافق لـ 29 مايو.

وتسمية السلطان "محمد الثاني" بالفاتح، نسبة إلى الأهمية الكبيرة لفتح "إستانبول". وترد في بعض المصادر إضافة لقب أبو الفتوح إليه.

وعلى الرغم من حديث بعض المصادر، بأن معركة "إستانبول"، استمرت إلى الساعة 10-11 صباحاً، وأن الأتراك دخلوا إلى "إستانبول"، بعد ذلك، فإنه يحتمل أن يكون ذلك كناية عن بعض المقاومات الفردية، بعد الدخول إلى المدينة.

وقد تقدم الجيش التركي، الذي نظف الطرق والأزقة من البيزنطيين، إلى أن وصل إلى كنيسة "آيا صوفيا". وكان العديد من الأهالي، الروم واللاتين، والرهبان وغيرهم، الهاربين من القتال، قد دخلوا إلى الكنيسة، وتحصنوا فيها، بعد أن أغلقوا أبوابها النحاسية الكبيرة، ممتنعين عن فتحها. وبناءً على ذلك، فإن أبواب "آيا صوفيا" الكبيرة، التي أصبحت آخر معقل للمقاومة، قد دمرت بالفؤوس، وفتحت. وقد اكتفي فقط بأسر الموجودين بداخلها، من دون قتلهم. ويبدو أن البطريرك البيزنطي الأخير، "جريجوريوس"، قد أسر في هذا الوقت أيضاً. والحقيقة، أن تصوير بعض أعداء الأتراك لهذا الحدث، بأنهم تعرضوا لبعض النساء والأطفال المحتمين بالكنيسة ـ مبني على افتراء وتأويل بعيدين عن الحقيقة، إذ إن العديد من الفارين من الجبهات، كانوا موجودين بداخلها. وقد وقفوا خلف الأبواب، واتخذوا موقف المقاومة من جديد. وعلى الرغم من اضطرار الأتراك إلى دخول الكنيسة، فإنهم لم يتعرضوا لأحد بسوء، واكتفوا فقط بأسر الموجودين. والحقيقة، أن الجيوش الأوروبية المظفرة، اليوم، لا ترقى إلى ذلك المستوى من التحضر والمدنية.

وبناءً على الأسطورة، التي حبكها الروم المنهزمون، للتسلية عما أصابهم، فإن الجيش التركي، لما دخل كنيسة "آيا صوفيا"، كان البطريرك الرومي، "جريجوريوس" مشغولاً بشعائر دينية. وفجأة، فتح جدار المحراب، فدخل فيه البطريرك، من دون أن يكمل دعاءه، واختفى. فلما غاب عن الأنظار، انغلق الجدار، من جديد، وعاد إلى وضعه السابق. وفي يوم من الأيام، إذا طرد الأتراك من "إستانبول"، وتحولت "آيا صوفيا" إلى كنيسة من جديد، فإن البطريرك نفسه، سوف يعود من الجدار عينه، ليكمل دعاءه، الذي بقي ناقصاً، منذ العصور الخالية. وبما أن هذا البطريرك "جريجوريوس"، الذي أصبح بطلاً لتلك الأسطورة، كان مؤيداً لفكرة توحيد الكنيستين، الأرثوذكسية والكاثوليكية، فقد كان بغيضاً لدى البيزنطيين في ذلك الوقت. ولقد انعكست هذه الأسطورة حتى على المصادر الأوروبية الحديثة.

ويورد العديد من المصادر الغربية، أنه بناءً على فتح "إستانبول"، قام الجيش التركي، وبإذن من السلطان "محمد الفاتح"، بنهب المدينة، لمدة ثلاثة أيام بلياليها، وقتل الأروام؛ ويُكتب في ذلك مراثٍ. ولا بد من إيضاح نقطة، قبل كل شيء، وهي أن المدن، التي ترفض الاستسلام، تجري فيها هذه الأشياء، منذ القديم، في الشرق وفي الغرب. وهو في حكم عادة عامة، مثبتة في المصادر الغربية. وكان الهدف من إرسال السلطان "محمد الفاتح" رسولاً إلى الإمبراطور، في يوم الأربعاء، 14 جمادى الأولى، الموافق لـ 23 مايو ـ عدم إعطاء الفرصة لمثل هذه الأعمال، التي تحصل، بالضرورة، إذا ما تم الدخول إلى المدينة جبراً. إلا أن الإمبراطور، وفي دفاعاته المشرفة الباسلة عن المدينة، إلى ذلك الوقت، كان قد علم، بشيء من التيقن، أنه لم يبق أمامه أي أمل في الخلاص؛ ومع ذلك، رفض هذا الاقتراح الإنساني. ولهذا السبب، ونظراً إلى وجود عادات ذلك العهد وأصولها، فإنه سمح للجيش التركي بالسلب، لمدة ثلاثة أيام. ومعلوم أن ذلك الإجراء، ينبغي أن يحاكم بعقلية ذلك العهد ومفهومه؛ لأن الغنيمة، بعقلية ذلك العهد، من حق الغازي. أما رواية القتل، الذي استمر أياماً عديدة، فيبدو، أنها أسطورة، ليس إلا. والأبحاث الأخيرة تؤكد هذه النتيجة. وعلى سبيل المثال، فإن "فرناند جرينارد"، يسلم بتلك الحقيقة، حين يقول إن الأتراك، لما دخلوا إلى "إستانبول"، قتلوا فقط المقاومين للسلام، ومن رأوا في وضعه الشبهة؛ أما البقية، فقد أسروا. كما أن المؤرخ البيزنطي، "كريتوفولوس"، ذكر أن عدد المقتولين، من الأهالي والأجانب، في معركة "إستانبول"، حوالي أربعة آلاف شخص. وفي المقابل، يذكر المؤرخ نفسه، أن الروم البيزنطيين، الذين يصل عددهم إلى خمسين ألف شخص، قد أسروا؛ بل إن عدد الأسرى، بموجب روايات المؤرخين البيزنطيين المتأخرين، أكثر من ستين ألفاً. وإذا أضيف إليهم من هربوا إلى أوروبا، ومن لجأوا إلى الجالية الجنوية في "غلطة"، ومن هربوا كذلك بالسفن اللاتينية إلى الجزر، ومن وفقوا في الاختباء في داخل المدينة، ومن قتل في أثناء المعركة في الجبهات، ومن قتل في المدينة بسبب قيامه بالمقاومة، فإن مقدار هؤلاء كلهم، يعني عدد سكان بيزنطة، في ذلك الوقت. ويبدو أن السلطان "محمداً الفاتح"، قد عفا عن الأرثوذكس الروم؛ نظراً إلى حسهم في الدفاع الوطني. فعلى سبيل المثال، لما فتحت جزيرة "بيوك آدا"، في الأيام الأولى من المعركة، عومل الأروام معاملة الأسرى. أما اللاتين الكاثوليك، غير البيزنطيين، الذين دافعوا عن بلد، لم يكن لهم أي صلة به، وأسالوا دماء الأتراك؛ ونظراً إلى خرقهم المعاهدات السلمية، بين بلادهم والدولة العثمانية ـ فقد حكم عليهم بالإعدام، من أول يوم. والحقيقة، إن منح السلطان "محمد الفاتح" بعض الامتيازات، للبطريركية الرومية، وحمايته لها، وتخويل الشعب الرومي استرداد حريته، بدفع الفدية عن نفسه، كما قال "كريتوفولوس" ـ لدليل بارز على أن أروام "إستانبول"، لم يتعرضوا لأي ضغط، سوى بعض المسؤوليات المالية. ففدية الأسر هذه، من جهة، وتعرض "إستانبول"، لمدة ثلاثة أيام، للنهب والسلب، كما يحكى، من جهة ثانية ـ أديا نقل الثروة الموجودة في "إستانبول"، من الأروام إلى الأتراك. فهذا الوضع، يعني تتريك "إستانبول"، من الناحية الاقتصادية أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، لم يتم التعرض لحقوق الملكية للأروام، في "إستانبول". إلا أنه تم الاستيلاء على أملاك الهاربين من "إستانبول"، الذين لم يرجعوا إليها؛ وكذلك الكثير من فئة الأسر العريقة، ولا سيما من أعدم منهم. وبموجب إحدى الروايات، لم يتم التعرض لأملاك الشعب، إلا أن أملاك الأسر العريقة، انتقلت كلية إلى الخزينة. وهناك العديد من الروايات، التي تفيد بتقديم المساكن للأروام، في الخليج. والحقيقة، أنه لا بد من دراسة الأحكام، التي فرضت على الأروام، بعد فتح "إستانبول"، من حيث التصرف في أملاكهم بشكل مستقل. وهناك بعض الروايات، التي تفيد أن السلطان "محمداً الفاتح" قد سهل للأسرى الروم، الذين بلغ عددهم ستين ألفاً، الطريق إلى الفدية؛ فعلى سبيل المثال، تأجيل دفع الفدية لمدة معينة، وتسهيل عملية الدفع، بحيث يدفعها الأسير بعد انتهاء تلك المدة المحددة، على شكل أقساط. ويبدو أن الروم البيزنطيين، لم يقتلوا، ثلاثة أيام بلياليها، كما يدعي أعداء الأتراك. كما أن الآثار البيزنطية، الثقافية والعمرانية، لم يتم تدميرها على أيدي الأتراك. فكما أن المعلومات، التي ذكرها المؤرخون البيزنطيون، بأسر ستين ألف بيزنطي، لا يمكن تأليفها بالأسطورة، التي تقول بقتلهم ثلاثة أيام بلياليها؛ كذلك فإن المدمرين للآثار، الثقافية والفنية، البيزنطية، لم يكونوا الأتراك، بل هم الصليبيون الأوروبيون، الذين استولوا على "إستانبول" من البيزنطيين، قبل قرنين ونصف؛ كما هي حقيقة، يسلم بها المؤلفون الغربيون؛ بل إن الكاتب الروسي، "أوسبنسكي"، قد ذكر أن الأتراك المسلمين، كانوا أكثر إنصافاً من صليبيي عام 1204م، بألف مرة، فيما يخص تعاملهم مع الآثار، الثقافية والفنية. ويبدو أن السلطان "محمداً الفاتح"، إضافة إلى حفاظه على الآثار القديمة لـ"إستانبول"، قام أيضاً بإعمار المدينة، على الفور. كما أن تحويل بعض الكنائس، وعلى رأسها "آيا صوفيا"، إلى مساجد، قد أدى الحفاظ عليها، عبر تلك العصور الخالية، بكل اهتمام. والأمر المؤكد، هو أن فتح الأتراك لـ"إستانبول"، قد أدى هدم الإمبراطورية البيزنطية؛ لكن، في الوقت نفسه، إنقاذ "إستانبول".


 



[1] وردت Fatih والصحيح : Mohammad