إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

866هـ/1461-1462م

إلحاق إمارة بني "جاندار" بالدولة العثمانية

لما قضى السلطان "محمد الفاتح"، قبل فترة من الوقت، في حملته على الأناضول، على حكم الحاكم المستقل لبني "جاندار" أو "إسفنديار"، "إسماعيل بك"، فقد حكّم محله أخاه، المنافس له في الحكم، "قزل أحمد"، الذي لجأ إلى الدولة العثمانية. وهذا يعني أن "قزل أحمد بك" وال عثماني. ونظراً إلى كونه من ذرية آل "جاندار"، فإنه يعد آخر حاكم في الأسرة.

وعلى الرغم من مرور وقت قصير على ذلك التعيين، فإن السبب، الذي أدى عزله من منصبه، غير معلوم. ويبدو أنه اتصل ببني "قره مان"، بشكل سري، ضد العثمانيين. ولذلك، فقد رغب السلطان "محمد الفاتح" في تعيينه على "المورة"؛ بغية إبعاده عن الأناضول. وبناءً على هذا الوضع الجديد، فقد انقرضت حكومة بني "جاندار" نهائياً، وألحقت أراضيها بالدولة العثمانية، بشكل مباشر.

أما "قزل أحمد بك"، الذي لم يرغب في الذهاب إلى "المورة"، فقد طلب الإذن في التوجه إلى "بولو"؛ بغية أخذ أغراضه معه. وفي الليلة، التي وصل فيها إلى "بولو"، لجأ إلى ابن "قره مان"، حيث لم يمكث فيها، بل توجه منها إلى "أوزون حسن"، واتحد بذلك مع العدو القوي للسلطان "محمد الفاتح". وقد بقي "قزل أحمد" في "آقّيونلي"، حتى وفاة السلطان "محمد الفاتح"، ثم جاء إلى الدولة العثمانية، في عهد "بايزيد الثاني"، وبقي فيها إلى أن توفي.

ويذكر أن "قزل أحمد بك" تم تعيينه على "المورة"، بعد أن رجع السلطان "محمد الفاتح" من حملته على "طرابزون".

وبناءً على فرار "قزل أحمد بك"، فقد توقع السلطان "محمد الفاتح" فرار أخيه، "إسماعيل بك" أيضاً. وبناءً على ذلك، رفعه من "يني شهر"، وعينه في سنجق "فليبه".

وبناءً على هذا الوضع، فإن بني "جاندار" أو "إسفنديار"، فقدوا حكمهم نهائياً؛ غير أنه ظهر منهم بعض الوزراء، في الدولة العثمانية.

 

866هـ/1462م

إدخال إمارة "الأفلاق" تحت التبعية العثمانية

كانت "الأفلاق"/فالاسيا" و"البغدان/مولدافيا"، اللتان تشكلان معظم أراضي رومانيا، اليوم ـ إمارتين منفصلتين. والسبب، الذي أدى إطلاق اسم "البغدان" على "مولدافيا"، نسبها إلى الأسرة الحاكمة على هذه الإمارة. وهاتان الإمارتان، تنعتان، في المصادر العثمانية، بـ"مملكتين".

وقد كانت الدول المجاروة لهاتين الإمارتين، مثل: "جيكوسلوفاكيا" و"المجر" والدولة العثمانية، تريد إدخالهما تحت نفوذها، نظراً إلى الضعف، الذي أصيبتا به، بسبب الصراع القديم فيما بينهما؛ ولكونهما تتعرضان، بين الفينة والأخرى، لنزاعات من الأدعياء على الحكم. وكانت الإمارتان الصغيرتان، تميلان إلى إحدى تلكم الدول الكبيرة، بموجب تيارات الأحداث الجارية حيناً، وتستندان إلى غيرها حيناً آخر، بغية الحفاظ على كيانهما. ويبدو أن هاتين الإمارتين، لم تلحقا بالدولة العثمانية، بصورة نهائية، حتى عهد السلطان "محمد الفاتح".

وكان يحكم إمارة "الأفلاق"، في تلك الفترة، "فلاد الرابع"، الذي سمته المصادر العثمانية "قازقلي فويفودا". والسبب الذي أدى إطلاق لفظ "قازقلي" (أي الوتد) على هذا الأمير الظالم، الذي كان يشبه أحد أسلافه، "فلاد الثالث"، الذي أطلق عليه "دراكول/الشيطان" ـ هو كونه كان يقتل الناس بالأوتاد، من باب الاستمتاع. وعلى سبيل المثال، يذكر أنه كان، أثناء أكله، يستمتع بأن يرى رجلاً، يصرخ، ويلفظ أنفاسه الأخيرة بتلك الأوتاد؛ وأنه قد وتد راهباً، مع حماره؛ كما أنه قد وتد خمسمائة شخص، من المنتسبين إلى الأسر العريقة؛ وأنه كان يستمتع، لما وتد ستمائة تاجر أجنبي؛ وأنه رمى بأربعمائة طالب في نار كبيرة، أشعلها لهذا السبب؛ وأنه قام بتوتيد السفراء الأتراك، الذين حضروا مجلسه، للسلام عليه، حين امتنعوا عن فتح عمائهم، حيث دق رأس كل واحد، مع عمامته، بثلاثة مسامير؛ وأنه أجبر الأطفال على أكل لحم أمهاتهم، اللاتي قتلهن؛ وأنه قطع ثدي بعض الأمهات، وخيط محلها رؤوس أولادهن؛ وأنه جمع كل متسولي البلد، وقدم لهم الأكل، ثم قام بإحراقهم؛ وأنه سلخ جلود أرجل الأسرى الأتراك، ثم مسحها بالملح، وجعل الأغنام تلحسها؛ وغير ذلك من الجرائم، التي قتل من خلالها بين عشرين وثلاثين ألف إنسان، فقط للاستمتاع. ولذلك، أطلق المورخ "دورسون بك"، المعاصر للسلطان "محمد الفاتح"، على هذا الظالم اسم "حجاج الكفار".

وكان السبب، الذي أدى بالسلطان "محمد الفاتح" إلى الخروج في حملة على هذا الأمير، عدم خضوعه لأوامر السلطان "محمد الفاتح"؛ واتفاقه مع المجريين؛ وامتناعه عن أداء تكاليفه الخاصة بالتبعية العثمانية، حيث سبق أن عقدت معه معاهدة، في عام 864هـ/1460م، بعد أن أعلن خضوعه للدولة العثمانية؛ ومنح بموجب تلك المعاهدة بعض الامتيازات. وبموجب تلك المعاهدة أيضاً، منح إمارة "الأفلاق"، مقابل قيامه بدفع عشرة آلاف دوقة ذهباً، سنوياً؛ على أن يكون تابعاً للدولة العثمانية بصورة دائمة. وفي مقابل ذلك، حصل على العديد من الامتيازات، منها، على سبيل التمثيل: عدم التدخل في إدارته؛ والاستمرار في تنفيذ القوانين المحلية؛ واستقلال البلد في القضاء؛ وحريته في انتخاب مجلس رجال الدين؛ وكذلك حريته في التصرف في أموال رعاياه؛ وفي عقد اتفاق سلمي أو إعلان حرب؛ وعدم تعرضه للمساءلة، بسبب الإجراءات الداخلية، التي كان يتخذها؛ وإعفاء رعاياه القادمين إلى الدولة العثمانية، من الضرائب؛ وعدم إقامة الأتراك في أراضي "الأفلاق" بصورة دائمة؛ وغير ذلك من الامتيازات. وما إن وقع هذه المعاهدة، حتى قام هذا الأمير، ذو الوتد، بعقد معاهدة أخرى مع ملك "المجر"، والقائد المشهور، "ماتياس كورفين"، ابن "يانكو هونياد". تعهد، بموجبها، القيام بهجوم على الأتراك؛ فاستغل انشغال السلطان "محمد الفاتح" بحملته على شمال الأناضول، فقام بالتعرض للحدود العثمانية. وكان السبب، الذي أدى قيام السلطان "محمد الفاتح" بالحملة عليه، عدم استجابته لدعوة السلطان بالقدوم إليه، خوفاً منه؛ وعدم دفعه للخراج المفروض عليه، بحجة عدم امتلاكه للمال. وبناءً على الرواية الواردة في هذا الصدد، فإنه ذكر أنه إذا ترك موقعه، فإن بلاده سوف تتعرض لهجوم من المجريين؛ وأنه يمكن قدوم محافظ إليه. فأرسل، بناءً على طلبه، محافظ "وودين"، "حمزة بك". وبناءً على رواية أخرى، فإن "حمزة بك" أرسل إليه؛ بغية التحايل عليه أو القبض عليه بتدبير معين. غير أن هذا الأمير الظالم، قام، في إحدى الليالي، بالقبض على "حمزة بك"، وجميع المرافقين معه، ووتدهم، بعد أن قطع أرجلهم وأيديهم؛ واحتراماً لـ"حمزة بك"، فقد أجلسه على وتد كبير. وبعد أن قام بذلك الجرم، دخل إلى "بلغاريا"؛ من الدولة العثمانية، وأسال الدماء، وترك البلاد، التي دخلها، في حالة من الدمار والدماء والنيران، وحصل على خمسة وعشرين ألف أسير. والوفد الذي أرسله السلطان "محمد الفاتح" إليه، لما امتنعوا عن فتح عمائمهم، كما سبق ذكره، دق عمائمهم بالمسامير على رؤوسهم. إذاً، السبب في الحملة على "الأفلاق"، كان تلك الجرائم البشعة، التي ارتكبها هذا الحاكم الظالم.

ويذكر أن عدد قوات السلطان "محمد الفاتح"، في هذه الحملة، كان بين 150-200 ألف نسمة، مع خمس وعشرين سفينة كبيرة، ومائة وخمسين سفينة صغيرة.

ويروى أن السلطان "محمداً الفاتح"، لما وصل إلى جوار مدينة "بودابست"، وجد عشرين ألف شخص موتدين بالخوازيق؛ وفي وسط هذه الجنائز "حمزة باشا" موتداً بخازوق كبير، مع لباسه الحريري.

وبعد عدة مصادمات، هرب هذا الأمير، الملقب بـ"ذي الخازوق" إلى "المجر". ووضع، بأمر من الملك المجري، في السجن. وتم تدمير بلاده، من أقصاها إلى أقصاها، وسلبها، وأدخلت بلاده إلى الدولة العثمانية، حيث عين السلطان "محمد الفاتح" "رادول"، أخا هذا الأمير "ذي الخازوق"، الذي لجأ إلى الدولة العثمانية، على ولاية "الأفلاق"، التي تخلص أهلها من ظلم أميرها، وأصبحت من الولايات الممتازة في الدولة العثمانية. وفرض عليه خراج بمبلغ عشرة آلاف دوقة ذهباً.

وبعد أن قضى الأمير الظالم خمس عشرة سنة في سجنه، في "المجر"، هرب منه، في عام 884هـ/1479م، بعد وفاة أخيه؛ إلا أنه قتل بعد سنتين، وتم تشهير رأسه المقطوع في المدن العثمانية.

فتح جزيرة "مدللي"

كانت جزيرة "مدللي"، في تلك الفترة، بيد أسرة جنوية، تسمى "جاتيلوسي". وكان الحاكم الأخير على هذه الجزيرة، من ذرية تلك الأسرة الجنوية، هو "نيكولاس جاتيلوسي" الشهير بعداوته للأتراك.

وكان السبب، الذي أدى تنظيم الحملة على "مدللي"، كون الحاكم، "نيكولاس" قد قام بعقد اتفاقات سرية مع الإيطاليين، ضد الأتراك؛ على الرغم من أنه كان معتمداً لدى العثمانيين لجمع الخراج؛ وذلك بعد أن زج بأخيه الكبير، "دومينيكو"، في السجن، وخنقه فيه، واستولى على حكم الجزيرة. وكذلك تحويله الجزيرة إلى مركز حركة للقراصنة اللاتين، وتزويدهم بالسفن الإرشادية، للقيام بالتعرض لسواحل الأناضول و"الروملي"، والقيام بحملات عليها.

وتفيد إحدى الروايات، أن هذه الحملة البحرية، تحركت بسبع وستين سفينة؛ ورواية أخرى بمائة وخمس وعشرين سفينة؛ وثالثة بمائتي سفينة، بقيادة الوزير الأعظم، "محمود باشا". كما انتقل السلطان "محمد الفاتح"، براً، إلى "بورصا"، مع عدد من عساكر الإنكشارية، وعساكر الأناضول. ونقل منها عساكره إلى البحر، حيث وضع حصاراً على جزيرة "مدللي" استمر سبعة وعشرين يوماً. وعند ما بدأ الهجوم العام على الجزيرة، بعد تدمير الأسوار، أعلنت القلعة استسلامها.

وبناءً على فتح "مدللي"، أمر السلطان "محمد الفاتح" بإعدام ثلاثمائة قرصان، من الإيطاليين والآراجون، الذين تسببوا بأعمالهم في القرصنة، بقتل العديد من الناس، ونهب الأموال. وكان إعدام هؤلاء القراصنة، الذين اشتركوا في الدفاع عن "مدللي"، مبنياً على عدم وجود أي علاقة قانونية لهم بالجزيرة؛ إضافة إلى قيامهم بالعديد من أعمال القرصنة، وارتكاب الكثير من الجرائم المغايرة لكل الحقوق والمعايير. والحقيقة، أن السلطان "محمداً الفاتح"، كان كثيراً ما يعدم الأجانب، الذين يعلنون الحرب في وجهه، من دون أن يكون دفاعاً عن وطن. وفي مقابل ذلك، عفا السلطان "محمد الفاتح" عن حياة الأهالي، وتم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات. وسيق الأثرياء منهم إلى "إستانبول"، حيث منحوا المنازل والأراضي. أما الفقراء، فقد أبقوا في أماكنهم، وفرضت عليهم الضريبة. كما أسر الشباب المنتسبون إلى الطبقة الوسطى؛ وكان السبب، الذي أدى بالسلطان "محمد الفاتح" إلى اتخاذ هذا الإجراء، لكونهم قد رفضوا الاستسلام، لما عرض عليهم، في بداية الحملة، حيث تسببوا بإسالة الدماء.

وكما كان الأمر في "إستانبول"، فقد جرى تحرير الأملاك [أي إحصاء الأملاك] في "مدللي"، بعد فتحها مباشرة.

وضع استحكامات على قناة "جنق قلعة" (الدردنيل)

لقد قام السلطان "محمد الفاتح"، الذي بنى قلعة "الروملي"، المواجهة لقلعة الأناضول؛ بغية استحكام البوسفور، ببناء استحكامات على ضفتي قناة الدردنيل، وبذلك حل مسألة القنوات بصورة قطعية.

لقد وضعت استحكامات الدردنيل المتقابلة، في أضيق نطاقها. وأطلق على استحكامات الدردنيل، في ضفة الأناضول، "القلعة السلطانية/جنق قلعة"، وعلى استحكامات ضفة "الروملي"، "كليد البحر" [أي مفتاح البحر]. ويذكر أن تلك الاستحكامات، بناها أمير سنجق "كلي بولي"، وقائد الأسطول "يعقوب بك".

وإضافة إلى وضع شريط أمني كامل حول "إستانبول"، في مواجهة الأساطيل، البندقية والجنوية والبابوية، وأسطول "رودس" استعداداً لأي مواجهة بحرية طارئة، فقد أصبح الطريق التجاري، الممتد من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط، بيد العثمانيين. وقيام السلطان "محمد الفاتح" بتقوية الأسطول، واهتمامه البالغ ببناء المراسي ـ كانا مبنيين على ذلك السبب (أي التحكم في التجارة البحرية). وقد بني، أول مرة، مرسى في خليج "إستانبول"، بعد "كلي بولي". كما أنشىء ميناء، لبناء السفن. وكما وجد في هذه السفن، المصنوعة في هذا الميناء، أكبر السفن في العالم في ذلك الوقت، فإن الأسطول العثماني، في تلك الفترة، أصبح أكبر أسطول في العالم أيضاً.

وبموجب إحدى الروايات، فإن استحكامات "جنق قلعة"، قد بدأت في هذه السنة، واكتملت في عام 867هـ/1463م.

 

867هـ/1463م

حفلة وضع حجر الأساس لجامع السلطان "محمد الفاتح"

لقد بدىء بإنشاء الجامع، في شهر جمادى الآخرة، الموافق لشهري فبراير ومارس من هذه السنة.

عقد معاهدة صلح مع "ألبانيا"

يذكر أن هذا الصلح، عقد في يوم الأربعاء، 7 من شعبان، الموافق لـ 27 من أبريل. وكان "يوركي كاستريوتا"، الذي أطلق عليه "إسكندر بك"، يتلقى المساعدات، إلى هذا التاريخ، من البابوية، ومن مملكة "نابولي" والجمهورية "البندقية"؛ واستمر في المقاومة، مستغلاً وضعه في الجبال. والعامل الأساس، الذي دفعه إلى عقد هذه المعاهدة، إصرار أتباعه عليه، والذين تناقص عددهم، مع مرور الأيام، ولا سيما ما انتابهم من قلق إزاء مصيرهم. والحقيقة، أن هذا الثائر الألباني، بناءً على وفاة أقوى مشجع لـ"إسكندر بك"، "آلفونسو الخامس"، ملك "نابولي"، الذي مات في عام 1458م؛ ونظراً إلى الخلاف، الذي نشب حول حكم ابنه، "فرديناند" ـ فقد منبعه، الذي كان يتلقى منه كل تشجيع؛ بل إن "إسكندر بك" اضطر إلى تقديم المساعدة إلى "فرديناند"؛ بسبب الخلاف، الذي نشب على حكمه. بل يذكر أنه عقد هدنة مؤقتة، لمدة ستة أشهر، وتوجه إلى "نابولي"، بأمر من البابوية. ولما عاد "إسكندر بك" من سفره، استأنف مقاومته من جديد. فلما علم أنه سيهزم، طلب من البابوية التوسط في إجراء الصلح. غير أنه أعطى الضمانات اللازمة للبابوية وجمهورية "البندقية"، بأنه سوف يتشبث بالسلاح، في أول فرصة سانحة.

وكان الذي أدى بالسلطان "محمد الفاتح" إلى قبول هذا الاقتراح، رغبته في أن يأمن جانب ألبانيا، في فتوحاته في "البوسنة".

فتح مملكة "البوسنة"

وكما اتضح في فتح "إستانبول"، فإن انتقال طريق التجارة، بين البحر الأسود والبحر الأبيض، إلى السيطرة التركية؛ ثم فتح "صربيا" و"المورة" ـ قد أديا قلق نصرانية أوروبا وتوترها من ذلك. فقامت البابوية بالدعاية للقيام بتنظيم حملة جديدة، ضد الخطر التركي. وعقدت اتفاقات سرية، بين البنادقة و"آقّيونلي"، أعداء العثمانيين.

وكان أكثر من استجابوا لدعوة البابا الصليبية، في ذلك الوقت، "بيه الثاني"، المملكة البوسنية، وإمارة "الهرسك"، التي كانت تسمى "سان ساباس". فقد بدأتا بطلب المساعدة من الملك المجري، "ماتياس"، ومن جمهورية "البندقية"، حتى من الثائر الألباني "إسكندر بك". وعلى وجه الخصوص، لما ذهب وفد الملك البوسنوي إلى روما، في ربيع الأول عام 866هـ/1461م، طلبوا تقديم المساعدات إليهم ضد الأتراك. وقد اتفق هذا الوفد، بعد فترة وجيزة، مع الملك المذكور، والثائر المشار إليه. ويذكر أن أمين الخراج العثماني "راكوزا"، كان يقوم، في هذه الاتصالات السرية، بوظيفة أمين صندوق ضد العثمانيين.

ولقد تابع السلطان "محمد الفاتح"، الذي تميز بالاستخبارات القوية، تحركات أعدائه، واتفاقاته بدقة؛ وقرر تسوية هذه الدول الصغيرة نهائياً، حتى يكمل فتوحات البلقان. إلا أنه بالنظر إلى أن الحملة الأخيرة على "الأفلاق"، قد منعته من تنفيذ هذا القرار، كما اتضح في بداية أحداث عام 866هـ/1462م، فقد أرسل إلى الملك البوسنوي، "ستيفان تاموشفيج"، يطالبه بدفع الخراج، الذي تراكم في ذمته. فامتنع الملك عن دفع الخراج، وقام بزج أعضاء الوفد العثماني في السجن، مما كشف عن حقيقته العدائية تجاه العثمانيين. والحقيقة، أن هذا الملك البوسنوي، الذي ناسب الملك الصربي، كان قد طالب بادعاء بعض الحقوق في شأن إرث "صربيا"، وأصبح مواجهاً للعثمانيين، في المسألة الصربية.

وما تذكره بعض المصادر، من أن هذه هي المرة الأولى، التي طالب فيها العثمانيون بالخراج من المملكة البوسنية ـ غير صحيح.

وبعد أن تم تنظيف الساحة من مشكلة "الأفلاق"، عام 866هـ/1462م؛ وبعد فتح جزيرة "مدللي"، استعد السلطان "محمد الفاتح" للحملة على "البوسنة". فخرج في حملته، في شهر شعبان/رمضان من عام 867هـ، الموافقان لشهر مايو من عام 1463م؛ وتحت إمرته مائة وخمسون ألف جندي؛ ففتح قلعة "يايجه"، التي هي عاصمة لهذه المملكة البوسنية الصغيرة. ثم سلمت له مفاتيح المدن البوسنية الأخرى، الواحدة تلو الأخرى. أما الملك البوسنوي الأخير، الذي أغلق على نفسه في قلعة "كلوتز"، فقد أعدم بالفتوى الصادرة عن الشيخ "علي بسطامي"، المعروف بـ"مصنفك". وإعدام هذا الملك مبني على العديد من الأسباب؛ فقبل كل شيء، قام بإيداع السفراء الأتراك، الذين ذهبوا إليه، لمطالبته بالخراج، في السجن؛ بل حسب إحدى الروايات، قام بإعدامهم. وتفيد إحدى الروايات البيزنطية، أن هذا الملك، الذي كان في عاصمة بلاده، في أثناء قدوم الوفد التركي إليه، لإبلاغه بالتسليم، قبل الهجوم عليه، لاذ بالفرار، لما أخبره الأهالي بذلك. فتم القبض عليه، بأيدي المتابعين لأثره، فأتى به إلى المقر العسكري، فأعدم بناءً على عدم مبالاته بمسألة الاستسلام. يضاف إلى ذلك، أنه قام، في الفترة الأخيرة من عهده، بتحريك "المجر" والبابوية وجمهورية "البندقية" و"إسكندر" الألباني، ضد الأتراك. كما أنه في مسألة الوراثة الصربية، أخذ في مواجهة الأتراك. إذاً، فإعدام هذا الملك البوسنوي، كان مبنياً على بعض الأسباب، الحقوقية والسياسية، في عدائه للأتراك.

ولقد تم فتح "البوسنة" كلها، في هذه الحملة، التي قادها السلطان "محمد الفاتح". وتفيد إحدى الروايات، أنه تم الاستيلاء على أكثر من ثلاثمائة موقع مستحكم.

وكانت "البوسنة"، التي اتخذت شكل المملكة، منذ القرن الميلادي السابع، قد أصبحت ولاية عثمانية، من هذا التاريخ، بعد أن تعرضت لبعض الاستيلاءات.

وكما كان الأمر في فتح "مدللي"، فقد تم تقسيم الأهالي إلى ثلاثة أقسام؛ أبقي الفقراء في أماكنهم؛ ونقل قسم من الأثرياء إلى "إستانبول"؛ وأسر شباب الطبقة الوسطى. وبعد هذا التاريخ، دخل البوشناق في الإسلام، وتخلصوا بذلك من معاملة الذميين.

وبناءً على فتح المملكة البوسنية، وإضافة إلى الخطر التركي الداهم، على مستعمرات جمهورية "البندقية"، على الساحل الأدرياتيكي، فإن "إيطاليا" أيضاً، أصبحت معرضة لذلك الخطر.

وفي خلال عشر سنوات، من عام 857/1453 وحتى عام 867هـ/1463م، فإن السلطان "محمداً الفاتح"، قد قضى على عشر دول، كبيرة وصغيرة؛ فقد قضى على الإمبراطورية البيزنطية، في عام 857هـ/1453م؛ وقضى على إمارة "أنز" الجنوية، في عام 860هـ/1456م؛ وعلى إمارة "أثينا" الإيطالية، في عام 862هـ/1458م؛ وعلى المملكة الصربية، في عام 864هـ/1459م؛ وعلى إمارة "المورة"، في عام 864هـ/1460م؛ وعلى إمبراطورية "طرابزون" الرومية، في عام 865هـ/1461م؛ وعلى إمارة بني "جاندار" التركية، في عام 866هـ/1461-1462م؛ وعلى إمارة "الأفلاق"، في عام 866هـ/1462م؛ وفي التاريخ نفسه، على إمارة "مدللي" الجنوية. وأخيراً، في هذا العام، أي 867هـ/1463م، على المملكة البوسنية. يضاف إلى ذلك بعض المستعمرات والمدن، مثل "آماسرا" الجنوية. (انظر خريطة الفتوحات العثمانية وتواريخها)


 



[1] وردت Fatih والصحيح : Mohammad