إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / ملف النعوش الطائرة (حوادث قتل العمالة المصرية في العراق عقب انتهاء الحرب الإيرانية ـ العراقية)









11

11. معاملة المصريين، عقب انتهاء الحرب مع إيران

وفي تحقيق أخر لمجلة المصور في العدد نفسه، تساءلت الجريدة، عن الأبعاد الحقيقية، لمشكلة العمال المصريين في العراق؟ ولِم وقع التبدل المفاجئ، في معاملة المصريين هناك؟

خلصت إلى أن بداية المشكلة، كانت عندما تم تخفيض تحويلات المصريين إلى 60 % ، عقب الحرب مباشرة، مما حدا بعدد كبير من المهنيين العودة إلى وطنهم. وبقي هناك ما يقرب من المليون عامل، وغالبيتهم ليسوا من الحرفيين، أو المدربين مهنياً، إلى جانب مدرسي الجامعات، وهؤلاء يسمح لهم بتحويل 50 % من مرتباتهم، وموظفي الحكومة، الذين يسمح لهم بتحويل أربعين ديناراً عن كل شهر. ويخصم من التحويل أربعة أشهر، شهران للإجراءات، وشهران للمجهود الحربي، ثم يُعطى العامل ورقة التحويل، أو الورقة الصفراء، كما يسمونها. ولكن الذي حدث بعد ذلك، أن أحداً منذ 8 نوفمبر لم يحصل على حقه، أو تحويلاته. وتوقف بنك الرافدين عن صرف التحويلات، وبدأت أفواج كبيرة من العمال تتردد على البنك، من دون أن يصرف لهم شيئاً. وتراكمت مستحقات آلاف المصريين، الذين وصلوا بالفعل، حتى بلغت ما يقرب من 400 مليون دولار. ومن خلال اتصالات القاهرة ببغداد، فُهم أن العراق تطلب أن تُسدد البنوك المصرية مستحقات العمال، على أن يتولى بنك الرافدين، تسديدها للبنوك المصرية بعد ذلك.

وتأتي، بعد ذلك، ظاهرة إرسال النعوش الخشبية، تحمل جثث الموتى. وقد كانت هذه الظاهرة مفهومة أثناء الحرب، إذ كانت التقارير الطبية، التي تصاحب تلك الجثث، توضح أن سبب الموت طلق ناري، ولكنها لم تعد مفهومة بعد الحرب، خاصة عندما ظلت نسبة الموتى كما هي، وتغيرت صيغة التقارير الطبية عن سبب الوفاة، إلى "شج في الرأس"، و"صعق كهربائي"، "تهتك في الوجه"، أو يكتفي التقرير بعبارة "ما زال قيد البحث". وقيل، أيضاً، في أسباب وفاة العمال، أنها بسبب إقدامهم على أعمالٍ لم يتدربوا عليها. بعد أن غادر الحرفيون المدربون، العراق إلى مصر. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لِم هذا التبدل في معاملة المصريين بالعراق؟

أصبحت صالة الوصول الرقم (1)، في مطار القاهرة الدولي، ساحة مخصصة لتجمع العمال والفلاحين، القادمين من العراق. فبمعدل كل نصف ساعة تصل طائرة عراقية، تحمل مئات العاملين في العراق، العائدين إلى بلادهم، بعد أن توترت الأحوال والأجواء السائدة هناك، مما دفع آلاف العاملين إلى العودة إلى وطنهم. ووسط تلك الحشود، كانت هناك ظاهرة أخرى، أثارت الأقاويل بين لعديد من المصريين، وهى عودة أبنائنا العاملين هناك، في نعوش، أو صناديق خشبية. وكان لابد من تحرى تلك الظاهرة، حيث إن النعوش لا تصل بصفة دائمة، أو بأعداد منتظمة إلى مطار القاهرة، ولكن الذي يحدث، أنه قد يمر شهر من دون أن تصل جثه واحدة، بينما قد يصل في شهر أخر حوالي مائة جثة، وذلك نتيجة لما يحدث من تجميع تلك الجثث، في المشرحة المخصصة لها في بغداد، إلى أن يتوافر لها أماكن على الطائرات، خاصة عندما تقلع طائرة عراقية من نوع "جامبو"، حيث يتم تخصيص نصف الطائرة، لنقل أكبر عدد ممكن من تلك النعوش. وبأجراء مقارنة بسيطة بين عدد الجثث، الذي وصل إلى القاهرة في أكتوبر 1988، وعددها في أكتوبر 1989، نجد أن الفرق ليس كبيراً، حيث كان في أكتوبر 1988 عددها (83) جثة عامل مصري، بينما في أكتوبر 1989 أرتفع عددها إلى (102) جثة. والفرق ليس كبيراً على أي حال، ولكن الظاهرة اللافتة للنظر هي الصيغة التي تتم بها كتابة التقرير الصحي، المرفق مع تلك الجثث. فإن أي طبيب متخصص إذا قرأ تلك التقارير، فلابد أن يجزم بأنها كتبت من دون تحري الدقة، أو من دون الكشف عن السبب الحقيقي للوفاة. فإن حوالي 80 % من التقارير المرفقة، مع تلك الجثث، كتبت فيها عبارة أن سبب الوفاة "كسر بعظام الجمجمة وتمزق بها". وهي، طبعاً، ليست الصورة الصحيحة، التي لا بد أن يتضمنها كل تقرير صحي، يبين سبب الوفاة. بينما تغيرت وتعدلت الأسباب الأخرى، ما بين "احتشار في عضلة القلب"، وهي عبارة تم كتابتها في التقارير الصحية المرفقة، مع جثث لمصريين لا تزيد أعمارهم على ثلاثين عاماً. وهذا ما يثير الشبهة. ثم عدة عبارات أخرى، مثل الصعق الكهربائي، والغرق، وحادث سيارة، بينما كانت التقارير أثناء فترة الحرب، تحمل تعبيراً واحدة هو "أصيب بطلق ناري"، ولكن تلك الصورة تغيرت، بعد الحرب إلى صيغ أخرى.