إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / اغتيال الرئيس السادات






مدن تنقل بينها السادات



سادساً: السادات رئيساً

سادساً: السادات رئيساً

وهذه المرحلة، هي أهم مراحل حياته. ففيها تبلورت كل تجارب المراحل السابقة. وفيها وقعت أحداث بارزة، غَيّرت وجه التاريخ المصري. وقد نهض السادات بدور تاريخي بارز في حياة مصر والمنطقة العربية. ولعل أبرز حدثين في تلك الفترة هما: حرب العاشر من رمضان (السادس من أكتوبر عام 1973)، وتوقيع اتفاق السلام مع إسرائيل.

وفي بادئ الأمر، ظهر السادات أمام الشعب رجلاً مجهول التاريخ، مجهول الهوية، لا يوحي بأي قدرات على الحكم أو العمل السياسي. كان في المقاعد الخلفية لرجال الثورة، ولم يكن عبدالناصر قد كلفه بمهامّ العمل التنفيذي، كما كلف الآخرين. حتى بعد أن عيّنه نائباً له، لم يكن يطلِعه على كثير من المعلومات المهمة، ولا يصارحه بما ينوي عمله. ولذا، عندما سافر عبدالناصر إلى موسكو، في زيارته الأخيرة إليها، وكان في نيته أن يقبَل مبادرة روجرز، التي طرحتها الولايات المتحدة، لم يكن السادات يعلم بذلك، لذا، جاهر برفض تلك المبادرة، فغضب عليه عبدالناصر، وأمره أن يذهب إلى قريته "ميت أبو الكوم" لبعض الوقت[1].

لمّا تولّى الرئاسة، أعلن السادات أنه سيسير على سياسة عبدالناصر. وأخذ كثير من الناس يسخرون من هذا الرجل، الذي يبدو ضعيفاً، وتنتشر حوله النكات الساخرة. وتوقع كثيرون أيضاً، أنه لن يبقى في مَوقعه بضعة أشهر. وكان السوفيت، آنذاك، مقتنعين بأن السادات شخصية ضعيفة، يمكن السيطرة الكاملة عليها، من خلال رجالهم من قيادات اللجنة المركزية في مصر. أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت في قلق من ناحية هذا الرجل، وهل في مقدرته أن يواصل الاتجاه الجديد، الذي كان عبدالناصر قد بدأ السير فيه، من قبول مبادرة روجرز، بعد اليأس من مساندة السوفيت له؟ خاصة بعد أن بدأت إسرائيل تضرب القرى والمدن، من دون أن تتمكن مصر من التصدي لطائرات إسرائيل، بسبب الحاجة الشديدة إلى صواريخ "سام"[2]، لتأمين سماء مصر وعمقها. وانتهت حسابات واشنطن إلى أن السادات، لن يحكم أكثر من أربعة أشهر، ثم يسقط.

وبعد أشهر قليلة، توالت المفاجآت التي أذهلت الجميع؛ إن الرئيس الجديد، يسير على سياسة الصدمات الكهربائية. فها هو يتصدى لرجال اللجنة المركزية وبعض الوزراء[3]، الذين كانوا ينظرون إليه في غرور، بل قدّموا استقالاتهم ليضعـوه في مأزق؛ فيسارع إلى التخلص منهم، ويودِع معظمهم السجون. وها هو يعلن مبادرة جديدة، في 4 فبراير 1971، تتضمن موافقة مصر على مد فترة وقف إطلاق النار، وبدء العمل في تطهير قناة السويس، وفتحها للملاحة الدولية، على أن تكون إسرائيل مستعدة للانسحاب الجزئي من سيناء، ضمن جدول زمني للانسحاب الكامل إلى الحدود الدولية[4].

ثم فاجأ العالم، في عام 1971 أيضاً، بقرارات تصفية الحراسات، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإغلاق المعتقلات. وطرَد الخبراء السوفيت[5] من مصر في يوليه 1972. ثم توّج قراراته، في عام 1973، بقرار العبور. وكان نصر أكتوبر 1973 رائعاً بكل المقاييس، ويكمن الإسهام الرئيسي لأنور السادات في أنه أتاح لجيش مصر الفرصة، ليبدأ ويمتلك زمام المبادأة، للمرة الأولى في حروبه ضد إسرائيل. إذ في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، الموافق 10 رمضان 1393، عبَرت 240 طائرة، في موجات متواصلة، وعلى ارتفاع منخفض، الحدود إلى إسرائيل. واستمرت الطلعة عشرين دقيقة، وكانت مؤثّرة بشكل واضح. وبعد 15 دقيقة، طلب السادات تكرار الضربة. وانطلقت موجات الطيران، تُدَمّر منشآت العدو. وجاء أول بيان يعلن غرس العلم المصري على الضفة الشرقية. وانطلقت المدفعية المصرية، وتحت ستار طلقاتها، عبَرت قوات المشاة والقوات الخاصة بالصواريخ المضادة للدبابات، واقتحمت خط بارليف ، وتمكنت من صدّ الهجمات المضادة الإسرائيلية. وكسر الجيش المصري حاجز الخوف الإسرائيلي، وكان عبور القناة، واقتحام خط بارليف. وأثبت هذا الجيش زيف مقولة موشي ديانMoshe Dayan، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، الذي قال، ساخراً، عند دراسة احتمالات عبور الجيش المصري: "إن المصريين في حاجة إلى سلاحَي المهندسين، السوفيتي والأمريكي معاً، ليمكنهم النجاح في ذلك". وصرخت جولدا مائير Golda Meir، رئيسة مجلس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، تستنجد بالأمريكيين قائلة: "إن إسرائيل ستنتهي". وكان هذا الحدث أعظم إنجازات أنور السادات، بلا شك. وتبع ذلك فتح قناة السويس، وإعادتها للملاحة الدولية في 5 يونيه عام 1975م.

 



[1] كان وليم روجرز William Pierce Rogers ، وزيراً لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية، تحت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون Richard Milhous Nixon ، الفترة من 1969 إلى 1973. وقد طرح مبادرة، بموافقة الإدارة الأمريكية، تقوم على وقف القتال ثلاثة أشهر، بين الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط، وبدء المباحثات المباشرة لإقرار السلام، بناء على قرار الأمم المتحدة رقم 242، الصادر في 22 نوفمبر 1967.

[2] صواريخ سام هي صواريخ مضادة للطائرات. واسم سام هو ثلاثة أحرف إنجليزية SAM، هي الأحرف الأولى للعبارة: "صواريخ من الأرض إلى الجو Surface - to - Air – Missile".

[3] الوزراء هم: شعراوي جمعة، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، والفريق الأول محمد فوزي، وزير الحربية، وسامي شرف، وزير شؤون رئاسة الجمهورية، وحلمي السعيد، وزير الكهرباء، وسعد زايد، وزير الإسكان، ومحمد فائق، وزير الإعلام. وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا، هم: عبدالمحسن أبو النور، ولبيب شقير، وضياء الدين داوود. وكان على رأس هؤلاء علي صبري، الساعد الأيمن لعبدالناصر، والذي كان يسيطر على `الاتحاد الاشتراكي العربي`، الحزب الوحيد في مصر، في ذلك الوقت. وكان السادات قد عيّنه نائباً له. وقد تم اعتقالهم وتقديمهم إلى المحاكمة، وإيداعهم السجون.

[4] يقول الرئيس السادات في كتابه "البحث عن الذات"، الصفحة 300، ما يلي: "وفي 4 فبراير سنة 1971، أعلنت أمام البرلمان، للعالم كله ولشعبنا وللأمة العربية، مبادرة مني، أساسها أنه إذا انسحبت إسرائيل من ضفة القناة إلى المضايق، فإننا على استعداد لفتح قناة السويس، بعد أن تعبـُر قواتنا إلى شرق القناة. وسوف أمدّ الثلاثة أشهر الواردة في مبادرة روجرز إلى ستة أشهر بدلاً من ثلاثة، وسيكون هناك وقف إطلاق نار رسمي، وأيضاً سوف أعيد العلاقات مع أمريكا". وفي الفقرة التالية، يقول: "لم أخبر أحداً من مراكز القوى بمبادرتـي هذه، ففوجئوا بها يوم أعلنتها في خطاب 4 فبراير، في مجلس الشعب، فأصيبوا بوجوم شديد.. في حين أن العالم الخارجي استقبلها أحسن استقبال.. فلأول مرة ينتبه العالم لنا، لأن كلامنا قبل ذلك لم يكن موضوعياً.. مجرد حماس وانفعال".

[5] يقول الرئيس السادات، في كتابه "البحث عن الذات"، الصفحة 312، عن مماطلة السوفيت تزويد مصر بالأسلحة والمعدات، التي طلبها منهم، وعن طرد الخبراء السوفيت: `قلت للسفير السوفيتي: هل هذه هي الرسالة؟ قال: نعم... قلت: إنني لا أقبلها. بل وأرفض أسلوب القادة السوفيت في التعامل معنا. أرجو أن تبلغ القادة السوفيت كل ما سأقوله لك، كرسالة رسمية. 1- إنني أرفض هذه الرسالة، التي أبلغتها لي من القادة السوفيت، شكلاً وموضوعاً، ولا أقبلها، وأرفض هذا الأسلوب في التعامل. 2- إنني أقرر الاستغناء عن جميع الخبراء العسكريين السوفيت (وهم حوالي 15 ألفاً)، وأن يعودوا إلى الاتحاد السوفيتي، في فترة أسبوع من اليوم، وسأعلم وزير الحربية غداً بهذا الأمر. 3- هناك معدات سوفيتية، وهي أربع طائرات ميج 25، وهناك محطة للحرب الإلكترونية، ويعمل عليها طاقم سوفيتي. فإمّا أن تبيعوها لنا، أو تسحبوها إلى الاتحاد السوفيتي. 4- كل هذا، لا بد أن يتم في بحر أسبوع. ولم يصدق السفير السوفيتي، واعتقد أنها عملية ابتزاز". وفي الفقرة التالية، يقول: "من أسباب هذه القرارات.. أنـي قد بنيت إستراتيجيتي على أساس أن لا أبدأ المعركة، وعلى أرض مصر خبراء سوفيت".