إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / حركة الإخوان، في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود (1910 ـ 1930)






معركة أم رَضَمَة
معركة الجهراء (الجهري)
معركة السَّبَلَة
معركة تربة (حَوْقَان)
معركة تربة الكبرى
فتح الطائف



ملحق

ملحق

معارك الإخوان

اشترك الإخوان في عدد من المعارك إلى جانب الملك عبدالعزيز، وكانوا عنصراً فعالاً في تحقيق النصر، لمِا اشتهروا به من الشجاعة والإقدام، طلباً للشّهادة والفوز بالجنة. كما خاضوا معركتين ضد الملك عبدالعزيز، عندما وقع الخلاف بينهم وبينه. فتحولوا من سيف في يده، إلى سيف مُسْلطٍ عليه.

وفي إيجاز، يورد هذا الملحق أهم المعارك التي شارك فيها الإخوان، سواء إلى جانب الملك عبدالعزيز، أو ضده:

أولاً: معارك خاضها الإخوان، إلى جانب قوات الملك عبدالعزيز، وهي:

1. تربة.

2. الطائف والهدا.

3. الجهراء.

ثانياً: معارك خاضها الإخوان ضد الملك عبدالعزيز، وهي:

1. السّبَلَة.

2. أم رَضَمَة.

 

معركة تُرَبة

1. ميدان المعركة

تقع مدينة تربة إلى الجنوب الشرقي من الطائف، على تقاطع خطي الطول 39َ/41ْ شرقاً والعرض 12َ/21ْ شمالاً، على جانب وادي تربة المشهور من جهة الشمال. ويحد الميدان، الذي دارت فيه المعركة من الجنوب، وادي تربة الكبير؛ ومن الشمال أرض منبسطة بها عدد من التلال الصغيرة؛ ومن الشرق تلال الثغر، فأرض فسيحة منبسطة بها بعض التلال؛ ومن الغرب أرض منبسطة. ومن المعلوم، أن تربة والخرمة خضعتا للحكومة السعودية في الدولة الأولى، وأن أغلبية أهلها يؤيدون الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقد خاض أهلها معارك كثيرة إلى جانب آل سعود.

وتبعد الخرمة مسافة خمسين ميلاً من جبل حَضَن، إلى الشرق. كما تبعد تربة مسافة خمسة وسبعين ميلاً عن جبل حَضَن إلى الجنوب. ويُعد جبل حَضَن، في موروث شبه جزيرة العرب، هو الحد الفاصل بين نجد والحجاز. فقد جاء في الأثر: من رأى حضناً فقد أنجد.

وترتفع الخرمة، الكائنة في وادي سبيع، ثلاثة آلاف وخمسمائة قدم عن مستوى سطح البحر؛ وأغلب سكانها من قبيلة سبيع[1]، وقسم منهم من الأشراف. وتكمن أهمية الخرمة في وقوعها على طريق التجارة بين نجد والحجاز، وتُعدّ محطة تجارية لتجار الوشم والقصيم.

من هذه الوجهة إذن، تكون البلدتان في نجد. ولكن أصحاب السّيادة فيهما من أشراف الحجاز. فادعى الشريف حسين رعايتهم. ومن الوجهة الأخرى، فإن سكانهما من بدو وحضر، وفيهم الأشراف، تمذهبوا في الزمن الماضي بالمذهب الوهابي، ولهذا السبب أيضاً يدعي ابن سعود أنهم من رعاياه. وكلهم، بدو وحضر، لا يتجاوزون الخمسة والعشرين ألف نفس.

وأمّا تربة فسكانها من عرب البقوم، وفيها، مثل الخرمة، عدد من الأشراف يملكون أكثر أراضيها، وكلهم، بدو وحضر وعبيد، من اتباع ابن سعود، منذ أيام الدولة السعودية الأولى. بيد أن قسماً منهم انضم إلى جيش الحجاز، في الحرب العالمية الأولى، ثم انقلب على الشريف حسين، لأسباب دينية ومالية. فأضمر الشريف حسين في نفسه تأديبهم، ولكن لم يتمكن من ذلك، إلاّ بعد أن انتهت الحرب.

ومع أن تربة قرية لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة آلاف، فهي ذات أهمية لأنها في الطريق إلى الطائف. وهي باب الطائف من الوجهة النجدية، وحصن الطائف من الوجهة الحجازية. ويتبع تربة "سهل شرقي" إلى الشمال الشرقي من البقوم. وحول هاتين القبيلتين، سبيع والبقوم، وقراهما، تسرح وتمرح قبيلة عتيبة الكبيرة.

2. أسباب المعركة

كان أمير الخرمة الشريف خالد بن منصور من بني لؤي، من أقارب الشريف حسين؛ ولكنه من المتصلبين في الوهابية، لذلك لم تصفُ الصلات بين الشريفين. فقد حدث بينهما خلاف في عام 1336هـ، جعل الشريف حسين يعتقل خالد بن منصور، فاشتعل في صدره الثأر. ولكنه غطاه لحين برماد النسيان، وراح يساعد الأمير عبدالله بن الشريف حسين في حصار المدينة.

وفي المدينة حدث خلاف آخر بين خالد بن منصور والأمير عبدالله، وتكررت الإساءة لخالدٍ. وعندما احتج غضب الأمير عبدالله وصفعه.

وهناك أسباب أخرى تُعزى للخلاف بين الشريف خالد بن لؤي والشريف حسين، شريف مكة. من ذلك ما يروى أن الأشراف كانوا مجتمعين في المدينة المنورة بعد فتحها، في منزل الشريف حسين لبحث أمور تتعلق بهم، وتوزيع المال الذي غنموه بعد فتح المدينة. وبينما هم كذلك أمر الشريف حُسين ابنه عبدالله بتوزيع المال على الأمراء والأشراف الحاضرين. فأخذ يغرف لكل واحد من الحاضرين غرفتين بيديه. وعندما وصل الدور للشريف خالد بن لؤي، غرف له عبدالله غرفة واحدة بيد واحدة. وكان خالد كلّما نظر إلى الأمير عبدالله، عبس عبدالله في وجهه. ويروى أنه عند قدوم الأشراف من مكة إلى المدينة، حدثت مشكلة بين خالد بن لؤي وأحد أمراء الجيش، ويدعى (فاجر بن شليويح العتيبي) من رؤساء عتيبة، ومن المقربين للأمير عبدالله بن الحسين، الأمر الذي أدى بـ (فاجر) أن يلطم الشريف خالد بن لؤي، على مشهد من الأمير عبدالله. فطالب خالدٌ بحقه، فأمر عبدالله بحبس "فاجر" لمدة ثلاثة أيام، ولكنه أطلقه في المساء. فغضب الشريف خالد، فزجره الأمير عبدالله قائلاً: هذا حقك، ولو فكرت في الاعتداء لسجنتك. فغضب خالد غضباً شديداً؛ ثم زاد الخلافٌ سعة عندما دفع عبدالله إلى خالدٍ غرفة واحدة من المال. وعندما احتج خالد، قال له عبدالله "خذها أو دعها، فليس لك غيرها"[2].

فاحتدّ الشريف خالد ورمى المال في وجه الأمير عبدالله، وخرج في تلك الليلة، وقصد الشريف حسين، في منزله وشكى له حاله. واستأذن في الذهاب إلى مكة، ولكن فرسه لا تستطيع السير ليلاً، لأنها مريضة، وهو لا يرغب أن يبيت في المدينة تلك الليلة، لذلك يرجو أن يعطيه الشريف حسين فرساً من خيوله الخاصة.

ورغبة من الشريف حسين في استرضاء خالد بن لؤي، أعطاه فرسه الخاص وأمر له بعطاء من المال. فشكره خالد، ثم ودعه مُعلناً ذهابه إلى مكة.

رجع الشريف خالد بن لؤي من المدينة، وقد اجتمعت عدة عوامل تدفعه إلى الخروج عن طاعة الشريف حسين، وتحمله على الانضواء تحت راية الملك عبدالعزيز. وتبعه أهل الخرمة في الخروج عن طاعة شريف الحجاز. وقد حاول الشريف حسين إخضاع خالد بن لؤي بالقوة، ووجه إليه عدة حملات عسكرية، بقيادة الشريف شاكر بن زيد، كان نصيبها الفشل.

وعندما علم الشريف حسين بتمرد خالد بن لؤي، أرسل إليه ليمثل أمامه. فرفض خالد مقابلة الشريف، فأرسل له مرة أخرى، فرفض ثانية. فعزله الشريف عن الإمارة وعين بدلاً عنه أحد القضاة. فبدأت المشادة والتوتر بينهما، وهدد الشريف بضرب "الخرمة" وما حولها، والقبض على خالد، لكن خالداً استعد لقتاله.

3. الموقف العام

أرسل الشريف حسين قوة عسكرية كبيرة، بقيادة الشريف حمود بن زيد، للقبض على خالد بن لؤي.

وعندما وصلت الأخبار إلى الخرمة، استعد خالد بن لؤي للقتال، وشكلّ قوة من أهل "الخرمة"، وكتب إلى الملك عبدالعزيز يخبره بالأمر. فأرسل الملك عبدالعزيز خطاباً إلى الأمير عبدالله بن الحسين، في 10 شعبان 1337هـ، جاء فيه: "قد تحقق عندي خلاف ما أخبرتني به سابقاً من أنك عائد إلى مكة المكرمة، والظاهر أنك قادم على تربة والخرمة، وهذا مخالف لما أبديتموه للعالم الإسلامي، والعربي خصوصاً.

واعلم ـ رعاك الله ـ أن أهل نجد لا يقعدون عن نصرة إخوانهم، وأن الحياة في سبيل الدفاع عنهم ليست بشيء. وأن عاقبة الغي وخيمة، وأنصحك أن تعود بقواتك إلى "عُشَيْرَة"، وأنا أرسل إليك أحد أولادي أو إخواني، للتفاوض معكم وحسم الخلاف".

فأجاب الأمير عبدالله على خطاب الملك عبدالعزيز، في 23 شعبان عام 1337هـ، قائلاً: "من عبدالله ابن أمير المؤمنين الحسين بن علي، إلى حضرة أمير نجد ورئيس عشائرها، عبدالعزيز بن سعود، دامت كرامته.

وصلني خط الجناب الموقر، المؤرخ في 10 شعبان، فتلوته وفهمته، فلم أجد فيه ما استغربته واستعذبته. تقول إني بينما أكتب إليك مسالماً أجر الأطواب على المسلمين، وأن مظهري هذا أثار ثائر الناس علينا. وأنك، دامت مدتك، خرجت فزعاً إلى أن يأتيك مني الجواب. وإليك به وهو ينطق بلسان صاحب الشوكة والدي وحكومته.

أولاً: أظن أن صاحب الشوكة، سيد الجميع، يرحب بكل من يطلب كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ويحيي ما أحيا الكتاب والسُنة، ويميت ما أماته الكتاب والسنة، لأن هذا دأبه، ودأب أجداده منه إلى صفوة الخلق عليهم سلام الله.

ثانياً: لا أذكر أن أحداً منا وقعّ على كتاب ذكر فيه أنك أو أحد آل مقرن من الخوارج. أو أنكم لستم من ملة الرسول.

ثالثاً: كل من شق عصا الطاعة من رعايا صاحب الشوكة، وعاث في الأرض فساداً يستحق التأديب شرعاً، شخصاً واحداً كان أو ألف شخص.

رابعاً: اعلم وتيقن أن نيتنا نحوك ونحو أهل نجد، نية خير وسلام.

خامساً: تأمرني بالرجوع إلى ديرتي من أرض هي لأبي وجدي. ومتى كنت تمنع الناس عن ديرتهم؟ جزيت خيراً. ولكن هل تذكر أن رجلاً من قريش، ثم من بني عبد مناف، ثم من بني هاشم، جَدّه الرسول وعلي بن أبي طالب، يقعقع بالشنان[3] ويروّع بمثل هذه الأقاويل؟

سادساً: تقول إني لو التمس رجلاً في نجد يرجح الحياة على الموت في سبيل الله، لم أجده. فكان الأوفق لهم، إذن، أن يأتوا ويجاهدوا الأتراك معنا عن بيت الله ومسجد رسوله، حتى ينال الشهادة منهم من كتب له. ثم بعد ذلك ترددون يمنا النظر.

سابعاً: أخبرتك في كتابي، بفتح المدينة المنورة، بأنني متوجه إلى الوطن لتأديب العصاة، وسألتك هل أنت على عهدي بك، أو تغيرت نياتك؟ فجاءتني نجاجيبك بجواب منك فيه الميل إلى التقرب والمسالمة، فرجوت خيراً وعززته بالجواب الثاني، فجاء ثاني كتبك لي، ومثله لوالدي ولأخي، ملؤها المودة المؤكدة باليمين، وكل ذلك محفوظ. فما حملك الآن على تغيير لهجتك؟ أمن أجل أننا نؤدب رعايانا، ونصلح ما فسد في قبائلنا؟

ثامناً: إن كنت تنوي الخير للمسلمين، كما زعمت، فاردد الذين أمرتهم ببيع مواشيهم، وبنيت لهم الدور (يريد الهجر)، وأخل أنت مكانك الذي وصلت إليه، وانحر (عد إلى) ديرتك، ولك عليّ ألاّ أمس أحداً من أهل نجد بسوء.

إني مرسل إليك كتابي هذا مع أحد نجاجيبك، وهو القسماني، وأبقيت الآخر ليأتيك بخطاب صاحب الشوكة، والدي، والسلام".

في 23 شعبان 1337                      القائد العام للجيوش الشرقية الهاشمية

الختم                      الأمير

عندما تأكد الملك عبدالعزيز من عزم الشريف حسين على مهاجمة "الخرمة"، وقتال خالد بن لؤي والإخوان، أرسل قوة من الرياض قوامها خمسمائة مقاتل من الإخوان من أهل الغطغط، لتعزيز قوات خالد بن لؤي في الخرمة.

أ. المعركة الأولى (حَوْقَان) (انظر خريطة معركة تربة (حَوْقَان))

(1) سير المعركة

تقدمت قوات شريف الحجاز، بقيادة الشريف حمود بن زيد، باتجاه الخرمة. وخرج الشريف خالد بن لؤي لمواجهتهم، ومعه من قوة الإخوان. وتقابلت القوتان صباح 25 شعبان 1336هـ في موضع يُسمى "حَوْقَان"، شمال الخرمة.

وبدأ القتال عنيفاً، واستمر من الصباح حتى صلاة العصر.

(2) نتيجة المعركة

انهزم جيش الشريف حمود، هزيمة نكراء، على الرغم من عدد قواته البالغة ألف مقاتل، وعاد إلى مكة. وانتصر الشريف خالد بن لؤي، بقوة الإخوان، وغنموا ثلاثين بعيراً محملة بالأسلحة والذخائر، وبعض الأمتعة والنقود. وكان عدد قوت الشريف خالد ألفاً ومائة وستين مقاتلاً، عادوا إلى الخرمة.

ب. المعركة الثانية (جِبَار)

(1) سير المعركة

ـ خرج الشريف حمود، مرة أخرى، في قوة أكبر من الأولى، مزودة بالرشاشات والمدافع، وكانت الإمدادات تصله من الشريف حسين، من مكة، وابنه عبدالله، من المدينة.

ـ وعندما علم خالد بن لؤي، بخروج الشريف حمود وخط سيره، استعد لملاقاته في قوة أكبر. والتقت القوتان في موضع يُسمى (جِبَار) إلى الغرب من الموضع السابق، (حَوْقَان). ودارت المعركة من الصباح حتى الظهر.

(2) نتيجة المعركة

ـ انتصرت قوات خالد بن لؤي والإخوان، وكان عددهم (1400) مقاتل، وعادوا إلى الخرمة.

ـ عاد الشريف حمود بن زيد وقواته، البالغة (1200) مقاتل نظامي، منهزمين، إلى مركز القيادة في "عشيرة".

ج. المعركة الثالثة (أَبَارْ الحِنُو)

(1) سير المعركة

ـ علم الشريف الحسين بن علي بهزيمة الشريف حمود، للمرة الثانية، أمام خالد بن لؤي، الأمر الذي هزّ عرشه، وبات يهدد مملكته.

ـ أصدر الشريف أوامره بتشكيل قوة متعددة، قوامها ألف جندي نظامي، معهم أربعة مدافع، وستة رشاشات وخمسة آلاف رجل، من قبائل عتيبة، وهُذيل، وبني سعد، وبني سفيان، وغيرهم. وأمّر عليهم الشريف "شاكر بن زيد"، الذي خرج بهم إلى "الخرمة"، لملاقاة قوات خالد بن لؤي والإخوان.

ـ واستعد "خالد بن لؤي"، فشكل قوة قوامها ألف وخمسمائة وخمسون مقاتلاً، من أهل "الخرمة". من قبيلة سبيع ثمانمائة وخمسون مقاتلاً، ومن أهل "الرين" مئتا مقاتل، ومن أهل "الغطغط خمسمائة مقاتل". وخرج بهم، بعد أن عرف مخطط عدوه ووجهته.

ـ تقابلت القوتان في منطقة (الحنُو)، وكانت قوات خالد قد سبقت واحتلت آبار (الحنُو).

ـ بدأت المعركة في صباح يوم "عرفة" 9 ذي الحجة عام 1336هـ، وكان القتال عنيفاً، يشتد ساعة بعد أخرى.

ـ وانتهت المعركة بين صلاتي الظهر والعصر، من اليوم نفسه.

(2) نتيجة المعركة

ـ سقط من جيش الشريف شاكر عددٌ من القتلى، وجرح أكثر من ثلاثمائة، بينما فرّ أبناء القبائل الباقية، لعدم قدرتهم على القتال.

ـ انسحب الجند النظاميون منهزمين، تاركين وراءهم رشاشاتهم الستة، والجمال المحملة بالمؤن والزاد.

ـ أمّا قوات الشريف خالد بن لؤي، فقد قتل منها ثلاثة، وجرح سبعة عشر، ورجع الآخرون يحملون الغنائم، فرحين بالنصر.

د. معركة تربة الكبرى (انظر خريطة معركة تربة الكبرى)

(1) الموقف العام

ـ أدرك الشريف حسين بعد الهزيمة الثانية، أن الأمر يحتاج إلى تحرك قواته كلها، للقضاء على خالد بن لؤي ومن معه من الإخوان؛ لأن وجودهم وانتصاراتهم، أصبحت تهدد المملكة الحجازية.

ـ فأمر ابنه عبدالله بالتحرك من المدينة المنورة، ومعه قوة نظامية مسلحة ضارية. فتحركت القوة إلى منطقة "عشيرة"، وعسكرت بها.

ـ وعندما علم الملك عبدالعزيز بخروج عبدالله بن الحسين، من المدينة، في قوات كبيرة، أرسل قوة، بقيادة سلطان بن بجاد بن حميد، من عتيبة، قوامها ألف ومائتا مقاتل، إلى "الخرمة"، لمساندة خالد بن لؤي والإخوان.

ـ كما بعث كتاباً إلى عبدالله بن الحسين، يطلب فيه حسم الخلاف، صيانة للأرواح واحتراماً للقيم.

(2) موقف الأمير عبدالله بن الحسين

ـ وصل بقواته الكبيرة إلى جبل "حَضَنَ"، بعد أن أقام في عشيرة قرابة شهرين. وكان قد اجتمع بوالده وجميع الأشراف، وانتهى الاجتماع بإصدار الأمر إلى عبدالله باحتلال تربة والخرمة، والقبض على خالد، وإرساله أسيراً إلى مكة.

ـ عندما عسكر الأمير عبدالله في جبل (حَضَنَ)، وصله مبعوث الملك عبدالعزيز بكتاب يدعوه لحقن الدماء، والرجوع عن تربة والحزمة. فأجاب الأمير عبدالله المبعوث بخطاب جاء فيه:

"إن الله سبحانه وتعالى يقول: ]فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم[ (سورة البقرة، الآية 194)، ونحن قد اعتُدى علينا، وقتُل جيشنا، ونُهب سلاحنا، لذلك لابد من الإيقاع بمن كان السبب".

ثم قال: للرسول "قل لعبدالعزيز ما جئنا في شأن تربة والخرمة فقط، ولكن سنُعيَّد عيد رمضان هنا، وعيد الأضحى في الرياض والأحساء".

ـ وبعد خروج الرسول من جبل حضن، أمر عبدالله قواته فوراً بدخول "تربة"، وبالفعل دخلها في صباح يوم 24 شعبان 1337هـ.

ـ وكان دخول الأمير عبدالله "تربة" بطريق الخداع، فقد كتب إلى أهلها أنه سوف يَعْبُر تربة لغرض التزود بالأمتعة من أسواقها فقط. ولكنه بعد أن دخلها أخذ يطلق الأعيرة النارية في الهواء، وأمر بنصب المدافع والرمي في الهواء، ليرعب السكان. ثم أباح لقواته نهب كل ما في البلدة من أرزاق، كما أباح لجنوده الفساد والأهواء، وأمر بقتل المشايخ ومصادرة الأموال.

ـ ثم كتب الأمير عبدالله إلى مشايخ قبائل البادية في "الخرمة" و"رنية"، وهددهم بأن يفعل فيهم، مثل ما فعل في تربة. وأنذرهم أنهم إن لم يأتوا للمبايعة طائعين، فإنهم سيأتون صاغرين.

وكمثال على هذه الرسائل، نورد رسالته الآتية:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالله ابن أمير المؤمنين الحسين بن عون، إلى المكرم فيحان بن صامل

أما بعد فإني أحمد الله إليكم ... ثم أخبرك بأننا وفقنا الباري سبحانه وتعالى فأطفأنا نار الخارجة، التي في تربة، ومزقناها كل ممزق. وضربنا أعناق أرباب الزيغ والنفاق، ومن جملتهم الطعامة وابن مسيَّب نزيل قريتكم. وإن هذه الفتنة التي أثارها خالد بن منصور بلا لازم يعناه، أو حق يطلبه، وأدخلكم فيها، نأمركم بتركها والإسراع بالركوب إلينا، وكف كافة سبيع أهل رنية، بدو وحضر، عن الاستمرار فيها. ونأمركم بجلب شيوخ الزكور (إحدى القبائل) معكم إلينا في ست ليال، للاستئمان من سطوتنا. وأن لم تفعلوا فسأميل ميمنة البيرق المنصور عليكم مستعيناً بالله تعالى، مستنجداً عظيم قدرته. ولا تكتم إنذاري هذا عن كل صغير وكبير، لأني سأسألك عنه حين لا تنفعك الندامة، والسلام على من اتبع الهدى".

في 24 شعبان 1337هـ                     القائد العام للجيوش الشرقية الهاشمية

                                                           الختم

وفي كتاب آخر من الأمير عبدالله، إلى ماضي بن قاعد ومحمد أبرق نقيش، كتب يقول:

"ما خفي عليكم ما حل بتربة من ذبح الرجال، وتدمير المال. بعد أن طغى أهلها وبغوا. وأنتم يا أهل رنية، بدو وحضر، إن ما كفيتم طوارقكم وركبتم إلى في ست ليال مع شريفكم، وإلاّ حَزَمْتكم حزم السَلم، وطردتكم طرد غرائب البل "الإبل"، وعاقلكم يُعلّم جاهلكم. ولولا مشري بن ناصر وغازي بن محمد، لكان صباحي يسبق كتابي إليكم. والسلام على من أتبع الهدى".

(3) موقف قوات الملك عبدالعزيز

ـ خرجت قوات الملك عبدالعزيز لملاقاة قوات الأمير عبدالله. وكان خالد بن لؤي يتقدم على الجبهة الجنوبية الشرقية، وسلطان أبو العلا على الجبهة الوسطى، وسلطان بن بجاد بن حميد على الجبهة الشمالية الغربية.

ـ تقدم القادة الثلاثة حتى وصلوا موضعاً يسمى "القَرَيْن"، فيما بين "تربة" و"الخرمة". وعسكروا فيه. وأرادوا معرفة توزيع قوات الشريف عبدالله في تربة، فكتبوا كتاباً من الملك عبدالعزيز إلى عبدالله بن الحسين، ثم بعثوا به رسولاً ذكياً، له خبرة في تشكيلات القوات ومسمياتها وأنواعها. فلما أتى المبعوث إلى الأمير عبدالله في تربة، سار يجول يمنة ويسرة لعله يحصل على المعلومات، التي أُرسل من شأنها. وفعلاً حقق المبعوث بعض النجاح. وعندما وصل إلى مقر الأمير عبدالله، وعلم الأمير أنه يحمل كتاباً من الملك عبدالعزيز، قال له: ارجع إلى من أرسلك، وقل له سنصوم في الخرمة، ونعيِّد في الرياض والأحساء، وعد بكتابك، لا حاجة إلى الاطلاع أو النظر إليه".

ـ وكان هذا الرسول قد وجد أعرابياً من البادية عند الأمير عبدالله يقول له: "لقد جاءك الإخوان، المتدينة هاجمين عليك فخذ حذرك"، فأمسك به الأمير وضربه ضرباً مبرحاً، ثم دفعه إلى عبد له اسمه (دُخْنَان) وأمره بضرب الأعرابي حتى الموت، ففعل. ثم عاد الأمير إلى خيمته لينام نوماً هادئاً هنيئاً، في خيلاء وكبرياء.

ـ عاد رسول قوات الملك عبدالعزيز إلى معسكره، وأوضح لهم الموقف وما شاهده. وبناء على ذلك توجهوا، إلى تربة.

(4) سير المعركة

ـ بعد أن عَرِف القادة الثلاثة لقوات الملك عبدالعزيز، مواقع قوات الأمير عبدالله، في تربة، تحركت "قوات الإخوان"، وهي تنشد أهزوجة الحرب:

هَبَّتْ هَبُوبُ الجَنَّة          أَيْن أنتَ يَا بَاغِيها

ـ وفي منتصف ليلة 25 شعبان 1337هـ، كانت بداية المعركة. وكان أول هجوم الإخوان موجهٌ على الجناح الأيسر لجيش الأمير عبدالله؛ بدأه الفرسان بقيادة خالد بن لؤي. وكان خط سيرهم عبور وادي تربة، ومهمتهم اقتحام السريتين الأولى والثالثة، اللتين تحرسان الأمير عبدالله.

ـ كانت مهمة قوات الوسط، بقيادة سلطان أبو العلا، عبور آكام "الثَّغْر"، فوادي "ريْحَان" "فالحَزْم"، حيث ترابط السرية الثانية من سلاح المدفعية، للقضاء عليها والتقدم إلى مواقع الفوج الثامن داخل بلدة تربة.

ـ كانت مهمة قوات الجناح الأيمن بقيادة ابن بجاد، وخط سيرها شمال خط الوسط، الهجوم على مواقع الفوج الثامن، المتمركز شمال البلدة ودك معسكره.

ـ واشتبكت القوتان، وتساقط القتلى والجرحى. وعندما رأى الأمير عبدالله حرسه قد قتلوا، ركب فرسه وولى هارباً، وكان رديفه عليها ابن عمه الشريف علي بن زيد. وكان ذلك يعني انتصار قوات الملك عبدالعزيز على قوات الشريف.

ـ تحصن من الفوج الثامن حوالي أربعمائة مقاتل. ما بين ضابط وجندي، في مقدمتهم قائدهم العقيد الركن حلمي بك، واعتصموا جميعاً في قصر "مُنِيْف"، الواقع في الجنوب من بلدة تربة، ومعهم الشريفان "شاكر بن زيد، وعُون بن هاشم" اللذين هربا حينما كان الإخوان يؤدون صلاة الظهر. وكان الإخوان قد أعطوا مهلة ساعة لمن يريد أن يسلم نفسه، ممن اعتصموا في القصر.

ـ ولكن جند الشريف رفضوا التسليم، فاقتحم الإخوان القصر على جذوع النخل. وبعد أن تسلقوا جدرانه الأربعة وصعدوا فوق السقف، هدموا الجدران على من بداخل القصر. وما غربت شمس ذلك اليوم، حتى تم هدم القصر بكامله على من فيه، وتم قتلهم وعددهم أربعمائة وخمسة من الضبّاط والأفراد، ولم ينجُ منهم أحدٌ.

ـ وفي ذلك اليوم وصل الملك عبدالعزيز إلى الخرمة قادماً من الرياض، ومعه اثنا عشر ألف مقاتل.

فاستقبله القادة الثلاثة، وأطلعوه على ما حدث. وعندما دخل تربة، ورأى الجثث بالآلاف والدماء، هاله ذلك وأفزعه، فوقف متألماً وعيناه تفيض من الدمع وهو يقول:

"لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، حسبي الله على من كان السبب".

(5) خسائر الطرفين

(أ) قوات ابن سعود

قُتل ثمانية وسبعون، وجرح ستمائة. وكان عدد القوات خمسة آلاف وسبعمائة، منهم مائة وسبعون من أهل تربة انضموا إلى الإخوان قبل بدء المعركة، ومنهم مئتا خيالٍ، والباقون مشاة.

(ب) قوات الشريف

قتل خمسة آلاف وخمسة وستون، وغُنمت جميع المدافع والذخائر والأسلحة والمؤن، وعدد من صناديق الأموال. وقد سلم الضابطان سعيد كردي، ومحمد دسوقي نفسيهما للملك عبدالعزيز في تربة.

وكان عدد قوات الشريف ثلاثة عشر ألف وستمائة فردٍ، منهم (1100) نظامي، و(500) خيّال، و(12000) من القبائل، وعشرون مدفعاً وخمسة وعشرون رشاشاً.

 

معركة الطائف والهدا (انظر خريطة فتح الطائف)

الموقع

تقع مدينة الطائف في الناحية الغربية من المملكة، عند جبال السروات الشرقية، على تقاطع خطيّ، الطول 25/40ْ شرقاً، والعرض 18/21ْ شمالاً. وهي رابع مدن الحجاز الكبرى، بعد مكة وجدة والمدينة المنورة.

أسباب فتح الطائف

في عام 1338هـ منع الشريف حسين أهل نجد من الحج. فَكَبُر ذلك في نفوسهم، خاصة جماعة الإخوان. واستمر هذا المنع أكثر من ثلاث سنوات.

وما أن عادت سرايا الملك عبدالعزيز، من الشرق والشمال، منتصرة، حتى فكّر في فتح الطائف وما حولها؛ كخطوة أولى ليختبر قوته وقوة خصمه، ويتبّين ردود الفعل، في ذلك، من جانب الصديق والعدو.

الموقف العام

أصدر الملك عبدالعزيز أوامره بتشكيل قوة قوامها ثلاثة آلاف مقاتل، وجعل مركز قيادتها وتشكيلها (مدينة تربة). وكانت القوة بقيادة سلطان بن بجاد بن حميد، وخالد بن منصور بن لؤي.

خرج القائدان بهذه القوة، ولم يعلم أحد وجهتها، سواء من الأشراف أو غيرهم من أهل الحجاز، حتى دخلت قرية (الحَوِيَّة)[4]، في مساء غرة صفر 1343هـ.

وعندما علمت حكومة الشريف بالأمر، بدأت تستعد له. فأصدر القائد صبري باشا، أوامره إلى سرايا الدفاع بصد هجوم قوات الإخوان القادمين من الحَوِيَّة.

فخرجت قوة نظامية، قوامها ثلاثمائة وثمانون ضابطاً وفرداً، مسلحين بالمدافع والرشاشات، لمواجهة الهجوم.

سير المعركة

التقى الطرفان في الحَوِيَّة، على أرض صحراوية خالية من السّكان والمزارع. واستغرقت المعركة عدة ساعات، انتهت بانتصار قوات الإخوان على قوات الشريف النظامية المسلّحة.

وتقهقرت قوات الشريف إلى الجبل المعروف (بريع التمار)، بعد أن سقط منهم عدد من القتلى والجرحى. وظلوا محتمين بذلك الجبل ثلاثة أيام يقاتلون الإخوان.

وكان أمير الطائف ووزير الحربية، الشريف شرف عدنان، قد بعث برقية إلى الشريف حسين، في مكة، تُخبره بما وقع. ففزع الشريف، وأصدر أمره إلى ابنه الشريف علي بنجدة القوات في الطائف. فخرج عليٌ في قوة، قسمها إلى قسمين:

القسم الأول: الخيالة، وقد توجهوا إلى الطائف من طريق "عقبة كرا" "فالهدا"، بقيادة الأمير علي بن الحسين.

القسم الثاني: كان خط سيرها من طريق "الشرائع" ـ حنين ـ فوادي "السيل الكبير"، فوادي "السيل الصغير". ولكنها لم تصل الطائف، إلاّ بعد دخول قوات الإخوان المدينة واحتلالها.

دخلت قوات الأمير علي مدينة الطائف، ليلة الخميس 6 صفر 1343هـ/ سبتمبر 1924م، لكنها لم تبق بها إلاّ بضع ساعات، ثم هربت، قبيل عصر ذلك اليوم الخميس، إلى "الهدا"، بعد أن علمت أن قوات الإخوان ستهاجم الطائف تلك الليلة.

وقد انضم أبناء البوادي حول الطائف إلى قوات الإخوان، فزاد عددهم وقويت شوكتهم. فتقدموا نحو الطائف. وكانت قوات الشريف تتقهقر ساعة بعد أخرى، والإخوان يتابعون فلولهم حتى اكتسحوا صفوفهم.

فدخلت بعض السرايا من قوات الشريف الطائف، وفر آخرون إلى "الهدا". وقد ملك الذعر والفزع سكان الطائف.

وفي مساء 9 صفر، أوثقت قوات الإخوان الحصار على الطائف. وعندما رأى أمير الطائف ووزير الحربية شرف عدنان، تقدمهم، هرب إلى "الهدا". فلحق به جميع الأشراف في الطائف. وتمكنت قوات الإخوان من اقتحام سور الطائف والدخول من باب عباس في صباح 10 صفر. وكان أول أعمالها أن أدت صلاة الظهر جماعة في مسجد عبدالله بن عباس، ثم خرجت تنادي: الأمان لمن سَلَّمَ وسَالَمَ، والقتل والدمار لمن حَاربَ واستْعْظَم.

وقد بدأ بعض تجار الطائف يطلقون النار على الإخوان من شبابيك بيوتهم، ظناً منهم أن الإخوان سينهبون أموالهم وتجارتهم. فحارب الإخوان من حاربهم، فنهبوه وقتلوه ودخلوا عليه في جوف داره. أما من سالمهم وسلَّم لهم، فلم يعتدوا عليه ولم يلحقوا به أي ضرر.

وعندما غربت شمس ذاك اليوم، كانت جميع القرى المجاورة للطائف قد سقطت في يد قوات الإخوان. وتم حصر الأسلحة والذخائر والأموال، التي خلفتها سرايا الدفاع في ثكناتها العسكرية.

فتح الهَدَا

كان الأمير علي قد اتخذ من قصر والده، "في الهدا"، مقراً لقيادته، بعد هروبه من الطائف. وأخذ يحشد القوى من جميع القبائل، ويشكل منهم قوة قتالية. ولكن الأمير علياً أصابته الدهشة عندما علم بفرار أمير الطائف وناظر الحربية والأشراف، واستيلاء الإخوان على الطائف، وقد أصبحت لهم السيادة عليها.

فما كان من الأمير علي وقواته إلاّ الفرار، من "الهدا"، كذلك. فنزل، ومن معه من الأشراف، حتى وادي (نعمان). ولكن والده غضب عليه غضباً شديداً، وأمره بالعودة إلى "الهدا"، والدفاع عنها وصد القوات المهاجمة.

فعاد الأمير علي، وبدأ يجمع القوات، ويمنيهم بالعطاء الجزيل من الشريف حسين عند انتصارهم. فاجتمع حوله ألف وستمائة مقاتل: خمسمائة من النظاميين، وتسعمائة من القبائل، ومائتان من أهل مكة. فَعَسْكر بذلك الحشد في "الهدا".

أمّا قوات الإخوان، فبعد أن سيطرت على "الطائف" وما حولها، أبقت في "الطائف" سرية للحفاظ على أمنها وأهلها. وزحف باقي القوات، وعددهم ألفا مقاتل، بعد أن تزودوا بالسلاح والذخائر التي غنموها في مدينة "الطائف"، إلى جبل "الهدا".

سير المعركة

في منتصف ليلة 26 صفر 1343هـ/ 27 سبتمبر 1924، اشتبكت القوتان في معركة دامت عشر ساعات، انتهت عند صلاة الظهر.

وعندما سكتت أصوات البنادق بين الطرفين، ظن الشريف علي أن ذخيرة الإخوان نفدت، وأنهم  عادوا إلى "الطائف"، ولم يُقدر أن توقفهم عن القتال كان لأداء صلاة الظهر، ولم يكن بسب نفاد الذخيرة. فعاود الشريف علي الهجوم، وأخذ يُدير المعركة من قصر والده. لكن قوات الإخوان كانت كبيرة العدد، فصدت الهجوم وشنت هجوماً مضاداً. فانهزم جيش الشريف، ولاذ بالفرار، عبر جبل كرا إلى مكة. فتعقبهم الإخوان من أعلى الجبل، وصبوا عليهم وابلاً من الرصاص، فقُتل منهم عدد كبير.

خسائر الطرفين

قُتل من قوات الإخوان سبعة وأربعون، وجُرح سبعون.

أمّا قوات الشريف فقُتل منها ثلاثمائة وعشرة، وجُرح سبعمائة. كما خسرت قوات الشريف ثلاثين رشاشاً، وسبعة مدافع، ومئات من البنادق، ومئات من صناديق الذخيرة والأموال.

 

معركة الجهراء (الجهرى) (انظر خريطة معركة الجهراء (الجهري))

أسبابها

يروى أن أحد مشايخ قبيلة مطير الشمال، ويُدعى "هايف بن شقير"، طلب من الملك عبدالعزيز (حوالي عام 1337هـ/ 1918م)، أن يأذن له في بناء هجرة، على عين ماء لعرب مطير اسمها (قُرَيَّة)، فوافق الملك عبدالعزيز على ذلك.

فأحيا هايف بن شقير تلك الأرض، وسكنها مع عدد من قبيلته. وبعد مضي عام من نزوله بها، بعث سالم بن مبارك الصباح، حاكم الكويت، أحد أعيانه إلى هايف يأمره بالكف عن تعمير قُرَيَّة، لأن ماءها من أملاك الكويت والكويتيين.

لكن ابن شقير رفض التهديد، ومضي يبني الهجرة ويزرعها. فأنذره ابن صباح مرة ثانية، وأرسل أحد رجاله ليقول له: إذا لم تكف أخذناك ومن معك، وأحرقنا مساكنكم، وقطعنا ما غرستموه.

الموقف العام

واصل ابن شقير بناء الهجرة وزراعتها، ولم يبال بابن صباح. فأمر ابن صباح بتجهيز كتيبة قوامها أربعمائة وعشرون مقاتلاً، يقودها ابن عمه دعيج الصباح، وسار بها إلى موضع يعرف بـ (حَمَض). وبعث من هناك رسولاً إلى ابن شقير يقول: إما أن تهدم ما بنيت، وتتخلى عنه مطلقاً، وإما نأتي نهدمه ونقضي عليك.

فطلب ابن شقير مهلة شهراً، ليقنع قومه بالتخلي عن الهجرة.

ثم أرسل رسولاً إلى فيصل الدّويش، في الأرطاوية، يستنجده، وأرسل آخر إلى السلطان عبدالعزيز في الرياض، يخبره بما حدث.

فأمر الملك عبدالعزيز فيصل الدّويش بتجهيز قوة، والخروج بها إلى "قريّة"، للدفاع عن ابن شقير.

فجهز الدّويش قوة قوامها سبعمائة مقاتل، وخرج بهم إلى "قريّة" حيث يُقيم ابن شقير. وكان ابن صباح في ذلك الوقت في "حمض"، وقد قرر الهجوم على "قريّة" بعد يومين.

سير المعركة

عندما علِمَ الدّويش بخطة ابن صباح الرامية للهجوم عليه، بادر بالخروج من "قُريّة" في 13 شعبان 1338هـ، وهاجم ابن صباح في حمض قبل أن يُهاجمه، فانهزمت القوات الكويتية هزيمة منكرة.

الخسائر

قُتل من الكويتيين 399، وجُرح أحد عشر، ولم ينج إلاّ القائد دعيج الصباح وعشرة آخرون. كما قُتل من قوات الدّويش سبعة، وجُرح خمسون. وغنم الدّويش كل ما تملكه قوة ابن صباح من أسلحة وذخائر ومؤن.

غضب الملك عبدالعزيز من تصرف الدّويش، وكتب إليه يقول: "قد تجاوزتم أوامري، التي تنحصر في الدفاع عن ابن شقير فقط".

فأجاب الدّويش: "إن الكويتيين جاءوا صائلين يريدون مهاجمة (ابن شقير)، وقد نزلوا في مكان يبعد ساعتين عن الهجرة".

فأصدر الملك عبدالعزيز أمره إلى الدّويش وابن شقير بجمع كل ما أخذوه من الكويتيين، من خيل ورِكاب وسلاح ومؤن وأثاث، وتودع عند قاضي الأرطاوية، حتى يأتيهم أمرٌ من الملك عبدالعزيز بنقلها وإعادتها إلى الكويت.

تصاعد الأحداث

وفي هذا الأثناء جمع سالم بن مبارك الصباح كبار قومه واستشارهم في الأمر، فقرروا: إرسال وفد إلى الملك عبدالعزيز ليشرح له ما حدث من الدّويش، ويطالب بديات القتلى.

وصل وفد ابن صباح إلى الرياض في 20 رمضان 1338هـ. وعندما قابل الوفد الملك عبدالعزيز، أوضح لهم أن اعتداء الدّويش وهجومه لم يكن بأمره أو علمه. وأنه حاول منع الهجوم قبل وقوعه، فأرسل خادمه شويش بن ضويحي، لمنع الدّويش وابن شقير من مهاجمة ابن صباح، ولكن الهجوم كان قد وقع قبل وصول شويش إليهم.

وأخبر الوفد الكويتي أن الغنائم التي أخذها الدّويش، وكذلك الأسلحة، فإنها سترد إلى أهلها. كما أبدى استعداده بإجابة أخيه سالم الصباح إلى كل مطالبه. وعندما أراد الوفد العودة إلى الكويت، بعث معهما ناصر بن سعود بن فرحان آل سعود، يحمل خطاباً إلى سالم جاء فيه:

"إن السبب الوحيد في هذا الحادث هو تدخلكم فيما لا يعنيكم، وأعلم أنه لا حق لكم في "قريّة" ولا في غيرها من ساحل الخليج العربي. وأني أرى أن يُقرر ذلك في عهد يعقد بيننا وبينكم فنرعاه. أمّا إذا كان لآبائك وأجدادك حق على آبائي، فأنا معترف به". ثم أخذ الكتاب ناصر بن سعود، الذي رافق الوفد حتى سلّم الخطاب إلى سالم الصباح في مجلسه العام. وكان ناصر يحكي لسالم الصباح خبر انتصار الإخوان، في وقعة الشعيبة، على ابن رشيد.

وما كاد ناصر يكمل حديثه، حتى وصل أحد رجال ابن رشيد يبشر ابن صباح بانتصار ابن رشيد على ابن سعود، في الشعيبة.

وقد شعر ناصرٌ من إصغاء "سالم" إلى حديث رسول ابن رشيد، وفرحته بانتصاره على ابن سعود، ما أثبت تقلبات ابن صباح وميله إلى ابن رشيد. وقد حمّل ابن صباح ناصراً رسالة إلى الملك عبدالعزيز، جاء فيها:

"أما طلبكم تنازلنا عن العشائر وأن لا نخرج من الكويت جيشاً مقاتلاً، فهذا مع كونه إجحافاً بحقوقنا، ما كنا نتصوره منكم وهو مخل بشرفنا الذي كنا على يقين أنكم أحرص منا عليه. وأمّا ما نهبه الدّويش، فنحن لا نعذركم من أدائه، وأنتم تعلمون أنه من المعتدين".

وقد رافق ناصراً في سفره مبعوثان من قبل ابن صباح هما: "مبارك بن هيف"، و"هلال المطيري"، فتوجهوا من الكويت في آخر شوال.

وعندما علم الملك عبدالعزيز بموقف ابن صباح ورسول ابن رشيد من البشرى، حول الانتصار المكذوب في (الشعيبة)، وهي معركة الأشعلي، غضب الملك عبدالعزيز على سالم بن صباح، وردّ الوفد الكويتي من دون جواب، لا شفاهة ولا مكتوباً.

ولمّا عاد الوفد دون جواب،خاف ابن صباح، وقدّم احتجاجاً إلى المندوب البريطاني، في الكويت والعراق، محتجاً على أعمال الملك عبدالعزيز وتصرفاته.

وأجاب الإنجليز ابن صباح بأنهم سيبعثون مندوبين من قبلهم، لترسيم الحدود بين الكويت ونجد، وفقاً للشروط الآتية:

أولاً: أن يكف سالم بن مبارك الصباح عن التعدي والاعتداء على ابن سعود ورعاياه.

ثانياً: أن يوافق الطرفان على لجنة التحكيم.

ثالثاً: أن يرفع ابن صباح للإنجليز القضايا المطلوب بحثها.

الموقف العام

بنى ابن صباح سوراً يحيط بمدينة الكويت، كما طلب من ابن رشيد إمداده بقوات لحرب ابن سعود. واستجاب ابن رشيد لطلب ابن صباح، فأرسل قوة قوامها ألف ومائتا مقاتل، برئاسة "ضاري بن طوالة" رئيس عشيرة آل أسلم من قبيلة شمر، وكان يومئذ في أطراف العراق.

وزحف ابن طوالة إلى "الجهراء"، فنزل بقواته على دعيج بن صباح، الذي كان مرابطاً في الجهراء ينتظر المدد من قوات ابن رشيد.

علم الملك عبدالعزيز بإمدادات ابن رشيد، واحتشاد القوتين في الجهراء، كما علم بخط سير الحملة والهجوم. وكان يومئذ في الأحساء، فاجتمع مع "السير برسي كوكس Percy Cox"في العقير، لإبرام بعض الاتفاقيات بين حكومة نجد والعراق حول الحدود بينهما.

وأرسل الملك عبدالعزيز مبعوثاً يحمل أمره إلى الدّويش في الأرطاوية، بنجدة إخوانه هايف بن شقير وجماعته.

وخرج الدّويش في قوات قوامها أربعة آلاف مقاتل، وسار حتى نزل الصبيحية.

سير المعركة

خرج سالم بن صباح من الكويت إلى الجهراء، في قوات قوامها ألف وثمانمائة مقاتل. فاجتمع بدعيج وضاري بن طوالة، في الجهراء، وكانا قد اختلفا على قيادة القوات.

فقاد ابن صباح بنفسه القوات البالغ عددها سبعة آلاف ومائة مقاتل، وأراد الهجوم على الإخوان في الصبيحية. لكن أخباره كانت معلومة للدويش، فزحف هو الآخر من الصبيحية يريد الهجوم على ابن صباح، في الجهراء، قبل التحرك.

وفي صباح يوم 26 محرم 1339هـ، وهو اليوم الذي حدده ابن صباح للخروج من الجهراء، وبينما الجميع في ساعة التحرك والاستعداد، هجمت قوات الإخوان عليهم. فاشتبك الطرفان في معركة ضارية شرسة، سقط فيها مئات القتلى والجرحى، من الطرفين.

خسائر الطرفين

قُتل من الكويتيين ثلاثمائة وواحد وعشرون، وجُرح مائة وسبعون جريحاً. كما قتل من الإخوان أربعمائة وثمانية وثمانون، وجرح تسعون آخرون.

نتيجة المعركة

لاذ القائد ضاري بن طوالة، ومن بقي معه من عشيرته، بالفرار إلى العراق. أما ابن صباح فاعتصم بقصره الواقع شرق الجهراء، ومعه باقي جنوده. فحاصرهم الدّويش مدة يومين، بلا أكل أو شرب. فأرسل ابن صباح إلى الدّويش يطلب المفاوضة. فأرسل الدّويش الشيخين "عثمان بن سليمان" و"منديل بن غنيمان" يحملان شروط الصلح؛ ووعد سالمٌ بدراستها.

وكان ابن صباح ـ خلال هذه الفترة ـ قد طلب من بريطانيا حمايته، فوافقت على ذلك.

وبينما الدّويش لا يزال منتظراً الجواب، وقد نفد صبره، أرسل وفداً آخر إلى سالم يطلب مقابلته.

لكن سالماً تمارض ولم يقابله، فكتب الدّويش إليه: "من فيصل بن الدّويش إلى سالم المبارك الصباح سلمنا الله وإياه من الكذب والبهتان، وأجار المسلمين يوم الفزع الأكبر من الخزي والخذلان، أمّا بعد:

فمن يوم جاءنا الشيخ عثمان بن سليمان يقول: أنك عاهدته على الإسلام والمتابعة لا لمجرد الدعوى والانتساب، كفنا عن قصرك بعد ما خرب وأمرنا برد جيش ابن سعود على أمل أن ندرك المقصود، فلما علمنا أنك خدعتنا، آمنا بالله وتوكلنا عليه".

يروى عن عمر بن الخطاب  رضي الله عنه، أنه قال: "من خدعنا بالله انخدعنا له"، فنحن بيض وجوهنا، نرجو الله يهديك، وألاّ يسلطنا عليك. "إياه نعبد وإياه نستعين".

ثم رحل الدّويش إلى الصبيحية. وفي الصباح الباكر حلقت الطائرات البريطانية في سماء الصبيحية على معسكرات الدّويش وألقت عليها منشوراً، يحمل إنذاراً جاء فيه:

"إلى فيصل الدّويش وجميع الإخوان الذين معه، ليكن معلوماً لديكم بأن أفعالكم طالما ضيقت على البادية، وحتى على الجهراء، وبما أن الحكومة البريطانية لم تزل تعمل، كما هي عادتها، وتسعى بحسب الصداقة وراء الإصلاح. وأما الآن فما دمتم تهددون، ليس فقط ضد حقوق شيخ الكويت، التي تخالف تأميناتها له فحسب، بل ضد مصالح بريطانيا العظمى وسلامة رعاياها البريطانيين، ولا يمكن للحكومة البريطانية أن تقف جانباً مكتوفة الأيدي من دون تدخل في المسألة، ثم إن التأمينات التي نطق بها من مدة قصيرة، سعادة الشيخ عبدالعزيز الفيصل آل سعود، إلى فخامة السير برسي كوكس المندوب السامي في العراق، تثق الحكومة البريطانية أن أفعالكم هي بعكس أوامر الأمير المشار إليه، ولا شك أن سعادته سينبهكم عندما يعلم بأفعالكم، فبناء عليه ننبهكم بأنكم إذا تجرأتم بمهاجمة الكويت، فحينئذ تحسبون مجرمي حرب، ليس عند سعادة شيخ الكويت فحسب، بل عند الحكومة البريطانية أيضاً، فالحكومة البريطانية لن تعتبر ذلك بل ستقابل هذه الأفعال العدائية بواسطة القوة التي تفكر فيها، هذا ما لزم إعلامكم به، تاريخ 17 صفر عام 1339هـ، التوقيع (ميجر، ج، مور) الوكيل الرسمي السياسي للدولة البريطانية في الكويت".

وفي ضوء هذه المتغيرات قرر الدّويش الرحيل عن الصبيحية والعودة إلى نجد.

 

معركة السّبَلَة (انظر خريطة معركة السَّبَلَة)

الموقع الجغرافي

تقع السّبَلَة في الشمال الشرقي من مدينة الزلفي، على تقاطع خطي، العرض 5َ، 26ْ شمالاً، والطول 49َ، 44ْ شرقاً.

وهي روضة منبسطة فسيحة، بها وادي مرخ، وهو أكبر وادٍ في تلك المنطقة، وينحدر من مرتفعات اليمامة الشمالية ومن وادي (لُغاط) حتى يصب في روضة السّبَلَة، مما يلي الضويحي والثويرات لينتهي عندها.

وتبلغ أبعاد روضة السّبَلَة من الجنوب إلى الشمال اثني عشر كم، ومن الشرق إلى الغرب تسعة عشر كم. وتبعد ظهرة الجريباء عن مدينة الزلفي بـ (22) كم.

أسباب المعركة

كان الملك عبدالعزيز يرغب في تطوير البلاد، وتوطيد أركان المملكة والسيطرة عليها، ومعرفة ما يدور في أقطارها الشاسعة. ولم يكن ذلك ممكناً إلاّ بالاستعانة بالهاتف والبرق (الراديو والتلغراف) والسيارات والطائرات، وما إلى ذلك من وسائل التقنية الحديثة، التي ظهرت في ذلك العصر.

وكان زعيما الإخوان، فيصل الدّويش وسلطان بن بجاد، يعارضان التطوير الإصلاحي، من جهة، ويرغبان في غزو الحدود العراقية، من جهة أخرى، فضلاً عن حلمهما بالجاه والمُلك، ورغبتهما في البقاء على الحالة البدوية الصحراوية.

وكان الملك عبدالعزيز، بعد أن فرغ من فتح الحجاز وعسير، يسعى لإقامة المشاريع الإصلاحية الممكنة، وربط البلاد بعضها ببعض، بواسطة، الاتصالات السّلكية واللاسلكية، وتطبيق الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية، لاسيما الحدود، وتوطين البادية.

ولكن جماعة الإخوان، استنكرت هذه الأعمال الإصلاحية وعارضتها. فخرجوا عن الطاعة، وأنشأوا جيشاً من أعراب البادية، بعد أن أوغروا صدورهم، ضد الملك عبدالعزيز وسياسته.

تبادل ابن بجاد والدّويش الرسائل والزيارات. واتفقا على الخروج عن طاعة ابن سعود، وإثارة البلبلة، وإعلان الاستنكار لأعماله الإصلاحية. وأطلقوا على حركتهم "محاربة البدع".

واتفقا على عقد اجتماع في بلدة الأرطاوية، وانضم إليهما ضيدان بن حثلين، رئيس قبيلة العجمان. وفي ذلك الاجتماع، المنعقد عام 1344هـ، اتفقوا على الآتي:

1. الخروج على السلطان عبدالعزيز، الذي منعهم من غزو الحدود.

2. بث دعوتهم، وهي: وجوب محاربة "البدع"، التي يريدها عبدالعزيز لتعزيز سلطانه.

3. منع البدع التي أدخلها عبدالعزيز بلاد المسلمين، وهي السيارات وأجهزة اللاسلكي والهاتف.

4. أن يكون مقر ضيدان في الشرق، والدّويش في الشمال، وابن بجاد في الغرب، وأبرموا ثلاثتهم عهداً على ذلك، على أن يقوم كلٌ من جانبه باستفزاز الملك عبدالعزيز.

الموقف العام

وصلت أخبار الفتنة إلى الملك عبدالعزيز، وكان يومئذ في الحجاز. فأسرع إلى الرياض، ودعا العلماء والوجهاء ورؤساء القبائل في هِجَرِهِم، ومنهم الدّويش وابن بجاد وضيدان، إلى مؤتمر يحضره الجميع في الرياض.

عُقد المؤتمر في 25 رجب 1345هـ وحضره من زعماء الإخوان فيصل الدّويش ضيدان بن حثلين وتخلف سلطان بن بجاد، وكانوا قد قدموا معارضتهم ومطالبهم، وفيها رفضهم إدخال البرق والهاتف والسّيارة أرض المسلمين، لأنها من أعمال المشركين. كما طالبوا إرغام شيعة الأحساء والقطيف بالدخول في الإسلام، وإلاّ يقتلوا أو يخرجوا من بلاد المسلمين.

فأجاب الملك عبدالعزيز بأن كل شيء سيتم وفقاً للشريعة الإسلامية، وأنه لازال على عهده لم يُبدِّل. ثم عُرضت مطالبهم على أكثر من خمسة عشر عالماً فأفتوا بأن الإصلاحات ليس فيها ما يُخل بالشريعة الإسلامية، لا ديناً ولا عقيدة؛ وأنه لا يجوز شق عصا الطاعة والخروج على إمام المسلمين، ومن يفعل ذلك فإنه يخرج عن جماعة المسلمين، وعلى إمامهم. واعتبر قادة الإخوان هذه الفتوى ضدهم، وفي صالح الملك عبدالعزيز. وتعاهدوا على مقاومة سياسته والوقوف في طريقه الإصلاحي.

وأخذ كل منهم يُغِير على القبائل المجاورة له، ويستبيح أموالها. وأغار الدّويش على الحدود العراقية، في أوائل عام 1346هـ وقتل جنود (مخفر البصيه) وبعض العمال. وقد أثارت هذه التصرفات الفتنة بين الملك عبدالعزيز والإنجليز.

وطلب الملك عبدالعزيز عقد مؤتمر "جدة"، الذي حضره المندوب البريطاني والمندوب العراقي. ولكن لم تسفر المحادثات عن نتيجة.

عاد الملك عبدالعزيز إلى الرياض، ودعا إلى عقد مؤتمر عُرف "بالجمعية العمومية"، في 22 جمادى الأولى من عام 1347هـ. وحضره عدد كبير من العلماء وشيوخ القبائل والأمراء والإخوان، ولكن زعماء الإخوان الثلاثة امتنعوا عن الحضور. وكان الملك قد عرض على المؤتمر تنازله عن الحكم لمن يرونه من آل سعود، ولكن الحاضرين رفضوا هذا الرأي وثاروا على زعماء الإخوان الثلاثة، ومن شايعهم من القبائل، وطلبوا من الملك عبدالعزيز أن يأذن لهم بحربهم والقضاء عليهم.

موقف زعماء الإخوان

في شهر رجب 1347 هـ، أعدّ الدّويش، وابن بجاد جيشاً، تحت قيادتهما، ومن قبيلتيهما. وانضم إليهما فرحان بن مشهور من الرّولة، الذي التف حوله أفراد من قبيلتي عنزة وشمر وبعض العجمان. واستفتحوا تمردهم بالغارة الأولى من الدّويش وابن بجاد على قافلة النجديين العزل في الجميمة، وذلك في يوم الأحد 15 شعبان 1347هـ، ونهبوا ما تحمله القافلة، واستباحوا الدماء. ووصلت أخبارهم إلى الملك عبدالعزيز، في الرياض.

موقف الملك عبدالعزيز

عندما علم الملك بمخطط زعماء التمرد، بعث برسالة إلى عبدالعزيز بن مساعد أمير حائل؛ في حائل؛ وطلب منه عرقلة مسيرة فرحان بن مشهور، الذي كان قادماً من الشمال للمشاركة في التمرد. كما أرسل إلى عبدالله بن جلوي في الأحساء، الذي جهز جيشاً بقيادة ابنه فهد، ليتوجه لصد قبيلتي شمر والعجمان.

وبعد أن أمّن الملك عبدالعزيز ناحيتي الشمال والشرق، تحرك من الرياض في جيش قوي، من أهل العارض وحرب وعتيبة وسبيع، في 22 رمضان 1347هـ. وسار بقواته نحو بريدة، عاصمة القصيم. وكان خط سيره: الرياض ـ شقراء، عاصمة الوشم، ثم إلى بريدة.

فلمّا دخل (بريدة)، اجتمع بأعيان القصيم، من الحاضرة والبادية، وقدموا له تقارير عن الدّويش وأتباعه، وعرِف مقدرتهم الدفاعية. ثم أمر بالرحيل إلى الزلفي، (وهي إلى الشرق من بريدة). وكان طريقه "بريدة"، النبقية"، التي قرر الإقامة بها حتى يصل ابناه سعود ومحمد، وكانا يحملان أخبار الدّويش وابن بجاد. فعرف، بعد وصولهما، أن المتمردين أرسلوا مجموعة قوامها ثلاثون رجلاً من عتيبة إلى الزلفي، لإثارة سكانها ضد ابن سعود، القادم إليها بعد أيام من القصيم. وكانت خطتهم الاستيلاء على حصون الزلفي، بعد موافقة أهلها على صد ابن سعود عنها، ومنع جيشه من التزود بالماء منها. وتحسباً لذلك، أرسل الملك عبدالعزيز ما يزيد على خمسمائة مقاتل لاحتلال الزلفي، والقبض على من يجدونه بها من المعارضين.

وبعد نزوله الزلفي، أرسل الملك عبدالعزيز أحد القضاة الشرعيين، المرافقين له، وهو الشيخ عبدالله العنقري، إلى معسكر الدّويش وابن بجاد، شرق روضة السّبَلَة، على بعد عشرين كم من الزلفي. وطلب منهم حل النزاع، وحقن الدماء، والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم أمام القضاء الشرعي، ليكون الحكم له أو عليه.

وبعد وصول القاضي إلى معسكر الدّويش وابن بجاد، وعداه بالحضور إلى معسكر الملك عبدالعزيز في الصّباح الباكر. ولكنهما أرسلا نيابة عنهما ماجد بن خثيلة، الذي رفض أن يسلم على الملك عبدالعزيز، عندما دخل عليه، لأنه في ظنه مبتدعٌ مفارقٌ للجماعة، كما أشاع الدّويش وابن بجاد عن الملك عبدالعزيز.

فغضب الملك عبدالعزيز لهذا التصرف، وقال لماجد: عد للدّويش وابن بجاد وأخبرهما أنه يلزم حضورهما مثل ما وعدا، فإن لم يفيا بوعدهما صباح غد، فإننا سنهجم عليها. فإذا أرادا أن يحقنا دماءهما ودماء المسلمين، فليستسلموا بلا قيد أو شرط. والشريعة، هي الحكم بيننا.

الموقف قبل المعركة

عندما عاد ابن خثيلة يحمل التهديد والوعيد، تحرك الدّويش وحده صباحاً، قاصداً معسكر الملك عبدالعزيز في الزلفي.

فاستقبله الملك عبدالعزيز، وبحث معه أمر عصيانهم وأسباب اعتدائهم على قافلة ابن الشريدة، من أهل القصيم. وقد أدرك الدّويش أن ذلك الاعتداء أغضب الملك عبدالعزيز كثيراً.

فطلب الدّويش العفو عن كل ما صدر منه، واعتذر عن أفعاله، وأبدى الاستعداد لدفع ثمن الإبل، التي نهبوها.

صَدّق الملك عبدالعزيز ما قاله الدّويش، وعفا عنه وعن قومه جميعاً، وأعطاه مبلغاً من المال وأكرمه. واتفقا على أن يذهب الدّويش إلى قومه ويخبرهم بعفو الملك عبدالعزيز عنهم، على أن يعود صباح اليوم التالي ومعه ابن بجاد.

ثم طلب الملك عبدالعزيز المصحف، وقال للدّويش أعطني عهدك وعهد من خلفك على كتاب الله، بعدم الغدر والعودة إلى مثل ما فعلتم. فاندهش الدّويش وهو يقول؛ أو لم تكن تثق بي!

فقال الملك عبدالعزيز: "أو ليس أنكم تَدّعون الدين وإقامته، بل وتسميتم باسم الإخوان" فقال الدّويش: نعم.

          فقال الملك عبدالعزيز: فهذا كلام أحكم الحاكمين، ينصر من ينصره ويخذل من خان بعهده وغدر.

فعاهده الدّويش على المصحف. وعاد إلى قومه في السّبَلَة، مُتنكراً لكل ما وجده لدى ابن سعود من عفو وكرم وعطاء.

ثم عقد الملك عبدالعزيز اجتماعاً مع رؤساء قواته من القبائل، وأخبرهم بنتائج مباحثاته مع الدّويش، التي لم يحضرها منهم أحد.

فرفض أكثرهم العفو عن الدّويش وقومه، لأنهم خرجوا على الإمام وشقوا عصا الطاعة. وكان أشدّ الرؤساء معارضة للملك عبدالعزيز (محسن الفرم)، من شيوخ قبيلة حرب.

فقال الملك عبدالعزيز: اُنظروا إلى سير الدّويش، فإن ذهب إلى قومه، ولم يلتفت خلفه، أو إلى أي ناحية، فيكون قد تمسك بالعهد. أمّا إن فعل شيئاً من ذلك، أو أوقف فرسه واستدار بها، فهذا علامة نقضه للعهد، والتفاته دليل على أنه يختار الناحية، التي يفكر في مهاجمتنا منها، فراقبوا سيره وحركاته.

بعد أن غادر الدّويش معسكر الملك عبدالعزيز، في الزلفي، ووصل قفاف طويق، الواقعة شرق الزلفي بـ (ثلاثة كيلومترات)، أوقف فرسه واستدار ثلاث دورات، ثم خفف سيره وأصبح يسير ببطء شديد.

وكان خلال سيره ينظر إلى الطريق، التي يمكن له منها، الهجوم على معسكر ابن سعود في الزلفي أثناء الليل.

وكان الملك عبدالعزيز قد أخفى عن عيون الدّويش، عدداً من الأمراء وشيوخ القبائل، وأمرهم بعدم الحركة والتّجول، مما جعل الدّويش يظن أن الملك عبدالعزيز يودعه وحده. ثم أسرع الدّويش في سيره حتى وصل قومه في شرق الروضة. وما أن وصل إليهم حتى صاح فيهم: "أبشروا بالغنائم والأموال استعدوا يالاخوان، يالله يالاخوان" فلما اجتمعوا حوله أخذوا يسألونه، ماذا رأى؟ وكم عدد القوات والغنائم، التي مع ابن سعود. فكان جوابه لهم: "اطمانوا فقد رأيت "حضرياً" (أي من أهل المدن) معه قليل من "الحضر" لا يعرفون إلاّ النوم على "الدّواشج" (أي المراتب)، ولم أر حوله سوى الطبابيخ، وقد وجدت أموالاً كثيرة وغداً سنقهره ونستولي على أمواله".

ثم أمرهم بحفر الخنادق، وبناء جوانبها على مرتفعات الظهرة، الواقعة في شرق روضة السّبَلَة، وإبقاء الخيم والذلائل في (حفرة الجريبا)، وهي أرض منخفضة. واتفق الدّويش مع ابن بجاد على الهجوم، وعدم الالتزام بالوعد أو العهد، الذي قطعه الدّويش على نفسه.

انتظر الملك عبدالعزيز، حسب الوعد بينه وبين الدّويش، فلم يحضر أحد. فبعث رسالة إلى قفاف الزلفي، لاستطلاع قوات المتمردين. وبعد ساعة من الزمن، قُدّم تقريرٌ إلى الملك عبدالعزيز مفاده أن المتمردين يعدون للهجوم، وأنهم بنوا بعض التحصينات الدفاعية، وسيكون هجومهم في الليل من ذلك اليوم.

فأمر الملك عبدالعزيز قواته بالرحيل إلى روضة السّبَلَة، والتمركز فيما بين قفاف الزلفي ووادي مرخ المشهور، في المرحلة الأولى.

وشاهد المتمردون حشود الملك عبدالعزيز وهي تحط إلى الغرب من وادي مرخ، الذي يبعد عنهم ثلاثة عشر كم فقط، وظهر للمتمردين ضخامة القوات. فأرسلوا إلى الملك عبدالعزيز خطاباً، (ولعلها كانت خطة للغدر والخيانة)، جاء فيه "إننا نطلب منك شريعة الله وسنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم ونطلب تحكيم العلماء الضالعين في أحكامهم ممن معنا وممن معكم، وما يحكمون به نرتضيه ونوافق عليه". وقد طلبوا أن يكون ذلك في اجتماع يضم الطرفين.

ونصبوا خيمة للاجتماع وجعلوا مقرها في وادي السملق، وحجتهم أنه الوسط فيما بينهما. وأردف الدّويش خطاباً خاصاً منه للملك عبدالعزيز، يقدم فيه أعذاراً لتبرير موقفه، محتجاً أن ابن بجاد وقومه رفضوا ما اتفق عليه مع الملك عبدالعزيز.

وقد تفاءل الملك عبدالعزيز بالخير، بعد أن اطّلع على مطالبهم. فأجابهم إلى ما طلبوا، ووافق على المكان والزمان، حقناً لدماء المسلمين.

وعاد رسول المتمردين يحمل موافقة الملك عبدالعزيز، ففرح المتمردون كثيراً. وفي الصباح الباكر من يوم الاجتماع أخفى المتمردون قوة عسكرية في الشجر الموالي  لمقر الاجتماع، مهمتها مداهمة خيمة الاجتماع بعد أن يدخلها الطرفان، وقتل الملك عبدالعزيز.

وبينما الملك عبدالعزيز خارج من معسكره إلى مقر الاجتماع، إذا برسول من الأمير محمد بن عبدالرحمن، شقيقه، يطلب منه عدم الحضور، ويخبره أن المتمردين محتشدون في الوادي. لكن الملك عبدالعزيز لم يستجب لنُصح شقيقه. وعندما أصرّ على الذهاب للاجتماع، حال شقيقه محمد دون حضوره، بل أصدر أمراً بإرسال قوة قوامها سبعمائة مقاتل للهجوم على الخيمة والاستيلاء عليها وعلى من حولها، إذا أصرّ الملك عبدالعزيز على حضور الاجتماع.

فطلب الملك عبدالعزيز المنظار ونظر بنفسه إلى موقع الخيمة. فإذا به يرى بعض الحشود، تدخل وتختفي في الوادي. فأرسل إلى الدّويش وابن حميد رسالة، حملها إليهما سعود بن عرير وعبدالرحمن بن برمان، يناشدهما التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، وحقن الدماء، دماء الأبرياء.

وما أن وصل رسولا الملك عبدالعزيز إلى قادة المتمردين وعلموا محتويات الرسالة، حتى صاح الدّويش بأعلى صوته: القتال يالاخوان ... الجهاد يالاخوان ...

وبينما الملك عبدالعزيز ينتظر عودة رسوليه بالجواب الذي ينشده، إذا باستطلاعاته تنبئ عن هجوم المتمردين، على معسكره.

قوات الطرفين

عدد قوات الملك عبدالعزيز: 4600 مقاتل، منهم 150 فارساً.

عدد قوات الإخوان: 2400 مقاتل، منهم 80 فارساً.

سلاح الطرفين

البنادق ذات الأنواع: أم أصبع، والغتما، والسواري، وأم خزنة، إضافة إلى السلاح الأبيض من سنان وسيوف.

سير المعركة

صعد الملك عبدالعزيز أرض السمراء، وخطب في جيشه، قائلاً: "يا أبناءنا ويا ذخيرتنا ... ربينا وعشنا لنذود عن حمانا، وحقنا، وحدودنا، في هذا اليوم وأمثاله، ولنصد جموع المعتدين ... إن عدوكم تطاول على حمانا وتحملنا، وتطاول على المواشي وتحملنا، وعاهدنا وغدر وما بقي إلاّ محارمنا، فدافعوا عنهم. فاليوم يومكم، والله معنا، وأني أستحلفكم بالله، ألاّ تبدأوا بإطلاق النار، إلاّ بعد أن يطلق علينا العدو النار".

وهناك روايات مختلفة عن الكيفية التي سارت بها معركة السّبَلَة. ومما يُركن إليه المتأمل في تلك الروايات، أنها سارت كما يلي:

في صباح اليوم التاسع عشر من شوال، أمر الملك عبدالعزيز قواته أن تتقدم نحو معسكر خصومه، حتى وصلت إلى وادي ابن جار الله، الذي كان أولئك الخصوم في جانبه الأعلى. وكان الملك عبدالعزيز في القلب من تلك القوات، التي كان معظمها من حاضرة نجد. وقد جعل أخاه محمداً على ميسرة الخيالة، وابنه سعوداً على ميمنتها. ثم أمر بالهجوم. فسار المشاة أولاً، واندلع الرصاص من كلا الطرفين. وكانت بداية هجوم قوات الملك عبدالعزيز، على ابن بجاد واتباعه بالذات، فصدوهم. وفي أثناء ذلك أخذت فئة من قوات الملك عبدالعزيز تعود إلى مواقعها في المخيم السعودي. فظن بعض الخصوم أن قوات الملك قد بدأت تنهزم، وتركوا مواقعهم الحصينة خلف المتاريس في أعلى الوادي، ونزلوا مسرعين ليتعقبوا من ظنوهم منهزمين. وكان مع الملك مفرزة مزودة بعدد من الراشاشات، فأمر قائدها ـ بعد أن أصبح الخصوم هدفاً سهلاً لها ـ بإطلاق النيران، فقُتل أعداد منهم نتيجة لذلك، وارتبك الباقون. ثم انقضت عليهم الخيالة باندفاع كبير، وطوقتهم من أكثر الجهات. ولم تمر نصف ساعة على بدء القتال إلاّ وقد بدأوا في الانهزام. وتعقبتهم الخيالة قليلاً، ثم كفوا عنهم بأمر من الملك، الذي لم يرد قتل مزيد منهم وهم مدربون. وقد أصيب الدّويش برصاصة في خاصرته، فحمله أحد اتباعه على فرسه إلى الأرطاوية. وتمكن فرسان من عتيبة من تغطية انسحاب زعيمهم، ابن بجاد، فاتجه مع بعض أتباعه جنوباً. وتفرقت فلول المنشقين من الإخوان؛ بعضهم اتجه إلى الأرطاوية التي لم تكن بعيدة عن ميدان المعركة، وبعضهم إلى أماكن أخرى (انظر خريطة معركة السَّبَلَة).

خسائر الطرفين

ـ بلغت خسائر الدّويش سبعين قتيلاً، وأكثر من مائة وعشرين جريحاً ـ من بينهم الدّويش نفسه الذي جُرح جرحاً خطيراً ـ كما فقدوا كل السلاح والذخائر والخيم.

ـ قدر عدد القتلى من قوات الملك عبدالعزيز حوالي مئتي قتيل.

ما بعد المعركة

واصل الملك عبدالعزيز زحفه إلى الأرطاوية مطارداً المتمردين، وعندما أشرف عليها، أرسل إنذاراً قاطعاً بأن يسلم الدّويش نفسه فوراً، وتستسلم الأرطاوية ومن بها، من دون قيد أو شرط، وذلك لحقن الدماء.

وقد أدرك الدّويش جدية التهديد، والصدق في تنفيذه، وأنه ومن معه لن يستطيعوا صدّ قوات الملك عبدالعزيز. فسلّم الدّويش نفسه، وكان محمولاً على أكتاف أعوانه لأن إصابته كانت بليغة.

وعندما شاهد الملك عبدالعزيز إصابة الدّويش، أمر له بالإسعاف الفوري، وكلف طبيبه، الدكتور مدحت شيخ الأرض، بعلاجه والاهتمام به، حتى يبرأ.

أمّا سلطان بجاد، فقد أمره الملك عبدالعزيز بأن يسلم نفسه، في الرياض، ففعل.

وهكذا انتهت معركة السّبَلَة باندحار الإخوان، ولكن الفتنة عادت للظهور مرة أخرى.

 

معركة أم رضَمَة (انظر خريطة معركة أم رَضَمَة)

الموقع

تقع أم رضَمَة في تقاطع خطي، الطول 43َ/44ْ شرقاً والعرض 40َ/28ْ شمالاً، في منطقة الهذاليل، وجنوب مدينة الشعبة بخمسة وعشرين كم، (وتبعد الشعبة عن القيصومة بمائة وخمسين كم إلى الشمال الغربي)، ويقع إلى غربها شعيب المسعري. وهي مورد ماء تابع لمنطقة عرعر شمال المملكة، في منطقة خالية بها بعض التلال والشّعاب.

وأقرب المدن لأم رضَمَة الشّعبة، وتبعد عنها حوالي (73) كم، جنوباً، وبلدة لينة الواقعة إلى الغرب منها، وتبعد عنها حوالي (121) كم.

أما شعيب المسعري فيقع في منتصف الطريق بين أم رضَمَة ولينة. وهو الموقع الذي قُتل فيه (عزيز) عبدالعزيز بن فيصل الدّويش.

أسباب المعركة

بعد أن قضى الملك عبدالعزيز على فتنة الدّويش، في السّبَلَة، عام 1347هـ، توجه إلى الحجاز ليكمل ما بدأه من أعمال، لاسيما في المشاعر المقدسة، لتيسير السبل لحجاج بيت الله الحرام.

وما أن وصل الملك عبدالعزيز الحجاز، حتى نقض فيصل الدّويش العهد، وجدّد الفتنة. فخرج من الأرطاوية، بعد أن برأت جراحه من معركة السّبَلَة. واستقر بين الكويت والحدود العراقية ـ السعودية.

وكان الدّويش قد كتب إلى العجمان يدعوهم إليه، فاستجابوا له بقيادة زعيمهم، ضيدان بن حثلين، الذي خرج على الملك عبدالعزيز، بعد معركة انتصر فيها على عبدالله بن جلوي، أمير الأحساء.

اجتمع العجمان، ومن معهم من مطير، حول الدّويش. وعاثوا في الأرض فساداً، فقتلوا الأبرياء، وسلبوا المارة، وقطعوا الطُرق.

ولم تقتصر الفتنة على الدّويش وابن حثلين، بل شارك فيها جزء من قبيلة عتيبة، برئاسة "مقعد الدهينة"، الذي تحرك بمن معه حتى نزل في بلاد العوازم في منطقة الأحساء. ولما رأى الدهينة أنه لا طاقة له بقوات الملك عبدالعزيز، ذهب إلى العراق وأقام هناك[5].

الموقف العام

رجع الملك عبدالعزيز من الحجاز إلى الرياض، وسلك كافة السبل لإنهاء التمرد، من دون الدخول في حرب وقتال.

ولكنه أدرك أخيراً ضرورة أخذ المتمردين بالقوة، هذه المرة، لأن نقض العهد، ونقض البيعة، توجب القتال شرعاً.

فبعث الملك عبدالعزيز بالرجال والسلاح والمال إلى أمرائه، في الأحساء والقصيم، والقطيف، وحائل. وأمرهم بملاحقة الفتنة والقضاء عليها، في كل مكان.

وأمر ابن أخيه، الأمير خالد بن محمد بن عبدالرحمن الفيصل، ومعه كتيبة من المقاتلين، بالمسير إلى مقعد الدهينة وأتباعه. كما أمر الشيخ عمر بن ربيعان، شيخ الروقة من عتيبة، بمساعدة الأمير خالد، على إنجاز تلك المهمة.

وخرج الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، أمير حائل، من حائل في قوة عظيمة. وعندما وصل موضع (أم رضَمَة)، وجد عبدالعزيز بن فيصل الدّويش ومعه سبعمائة وعشرون من بني عبدالله من مطير، وجماعة فرحان بن مشهور من الرّولة. فاشتبك الطرفان في معركة كبيرة، كان النصر فيها حليف ابن مساعد. وكان ذلك في 5 ربيع الثاني 1348هـ/ 11 سبتمبر 1929م.

خسائر الطرفين

ـ بلغت خسائر قوات الملك عبدالعزيز ثلاثة عشر قتيلاً، وسبعين جريحاً.

ـ وبلغت خسائر الدّويش سبعمائة وعشرين قتيلاً، كان منهم قائدهم عبدالعزيز الدّويش "عزيز، ولم يَنْجُ أحد.

ـ وغنمت قوات الملك عبدالعزيز، كل الأسلحة والذخائر والمؤن والإبل وغيرها، مما كان مع قوات عزيّز، وهي أصلاً أموال منهوبة من قرى (لِيْنَة).

 



[1] كانت سبيع تقطن جهات الحجاز فطردتها عتيبة. فنزحت إلاّ بقية منها، هم سكان الخرمة ورنية، إلى جنوبي نجد؛ وأقامت هي وحلفاؤها السهول في الحائر، المعروف بـ "حائر سبيع".

[2] هناك روايات أخرى لقصص أخرى عن أسباب الخلاف بين الشريف خالد بن لؤي والأمير عبدالله بن الشريف حسين، أوردها أحمد عبدالغفور عطار، وأمين الريحاني، وأمين سعيد.

[3] الشّنة: القربة المصنوعة من الجلد، تكون فارغة من الماء فينشف الجلد ويحدث صوتاً مروعاً عندما يُضرب عليه. والقول مثلّ يعني أن الأمر العظيم أو الشخص الكبير لا يخاف من الشيء القليل أو الذي لا قيمة له، على الرغم مما يحدثه من دوي وجلبة.

[4] تقع قرية (الحَوِيَّة) في الشمال الشرقي من مدينة الطائف، على بعد خمسين كيلومتراً.

[5] طلب الدهينة الأمان من الملك سعود أول حكمه، فأمّنه ورجع إلى المملكة.