إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / حركة الإخوان، في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود (1910 ـ 1930)






معركة أم رَضَمَة
معركة الجهراء (الجهري)
معركة السَّبَلَة
معركة تربة (حَوْقَان)
معركة تربة الكبرى
فتح الطائف



موجز البحث وخاتمته

موجز البحث وخاتمته

لا يُنكر أن من إنجازات الملك عبدالعزيز السياسية، لتوحيد شبه الجزيرة العربية، استثمار الطاقات النفسية والبدنية الهائلة لدى القبائل البدوية. وكانت الخطوة العملية لهذا الاستثمار، هي نقلهم من حياة البداوة إلى التحضر.

خرجت الفكرة إلى حيز التنفيذ، بتأسيس مستوطنات لإقامة البدو، عُرفت بـ "الهُجر". يجري فيها تعليمهم أمور دينهم، وحرفة الزراعة لكسب معاشهم، بدلاً من الغزو والسّلب والنهب.

في عام 1330هـ/ 1912م، تأسست "الأرطاوية أولى هذه الهجر، وعُرف سكانها بـ "الإخوان"، وهو المصطلح، الذي أُطلق على البدو سكان الهجر.

من هؤلاء البدو، سكان الهجر، تكونت النواة الأولى لجيش من المجاهدين، يُحركهم صِدْقُ العقيدة، وقوة الإيمان؛ جيش غير نظامي يتكفل بسلاحه ومعاشه، وهو جاهز عند الطلب. وهكذا ظهر "الإخوان" قوة عسكرية.

استثمر الملك عبدالعزيز هذا الجيش غير النظامي، ودفع به خلال مسيرته لتوحيد شبه الجزيرة العربية، وإخضاع قبائلها المتناحرة. ومضى الإخوان في معاركهم الظافرة، حتى اكتمل النصر بفتح الحجاز، وزوال حكم الأشراف عنه.

وعندما أحس الإخوان بقوتهم العسكرية، واعتماد الدولة عليهم، أخذ نفوذهم يزداد مستمدين قوتهم من تعصب ديني يرفض كل تحديث وتمدن، باسم البدعة والضلال، بل يعدون كل من ليس منهم، أو مؤمناً بأفكارهم، كافراً حلال دمه وماله.

أدى موقف الإخوان المتشدد إلى المواجهة بينهم وبين الملك عبدالعزيز، عندما خرجوا على سلطان الدولة وشرعيتها، وعمدوا إلى إيقاف التطور العصري اللازم لمسيرة الدولة. فرفضوا استخدام الهاتف واللاسلكي والسّيارة والطائرة، وعدوا ذلك من أعمال السِّحر والسَّحرة، ورجسٌ تجب محاربته شرعاً. وتحول التشدد إلى تمرد، قاده ثلاثة من زعمائهم هم: فيصل الدّويش، وسلطان بن بجاد، وضيدان بن حثلين.

وفي عام 1347هـ/ 1928م عندما بلغ عصيان الإخوان مداه، دعى الملك عبدالعزيز إلى مؤتمر عام عُرف "بالجمعية العمومية"، انعقد في الرياض. وفي هذا المؤتمر واجه الملك عبدالعزيز الإخوان بسوء تصرفاتهم، وانتهى المؤتمر بتأييد العلماء للملك عبدالعزيز، ومن ثم جدد المؤتمر البيعة للملك عبدالعزيز إماماً وقائداً.

لم يلتزم زعماء الإخوان بمقررات مؤتمر الرياض، ومضوا في مسلكهم المناوئ لسياسية الدولة، والمتمثل في مهاجمة حدود العراق، والقبائل التي تقيم على أطراف الحدود، فضلاً عن مهاجمة مخافر الشرطة العراقية والاعتداء عليها، ومهاجمة القوافل وترويع الآمنين. ونشر الذعر وعدم الأمان، مما قلل هيبة الدولة، وأظهرها بمظهر العجز والضعف.

بلغت الأحوال حداً من التردي، أدرك معه الملك عبدالعزيز أن مواجهة الإخوان بالحسم والردع، أصبحت أمراً لابدّ منه. خاصة وأن نقض زعمائهم لتعهداتهم، أضحى سمة غالبة لكل مواثيقهم، التي أبرموها معه.

في 19 شوال 1347هـ، قاد الملك عبدالعزيز هجوماً على تجمعات الإخوان في روضة السّبَلَة، وقضى عليهم وفرق شملهم، في معركة عُرفت باسم "السّبَلَة".

لم تستأصل معركة السّبَلَة جذور تمرد الإخوان، ولم تقضِ على حركتهم تماماً، وعاودوا التمرد مرة أخرى، بعد أن أعادوا تشكيل جموعهم.

عقد الملك عبدالعزيز في صفر 1348هـ، مؤتمراً في الدوادمي وآخر في الشعراء، ثم وجه جيوشه إلى معركة فاصلة وحاسمة هذه المرة، ومضى يطارد الدّويش وجماعة الإخوان.

أدرك الدّويش أنه يواجه جيشاً لا قبل له به، فأرسل يطلب العفو والأمان من الملك عبدالعزيز، ولكن الملك عبدالعزيز تجاهل طلب الدّويش، وتوجه إلى الشوكي، عابراً صحراء الدّهناء والصمان، لقتال قوات الإخوان المتجمعة في سهل "الدبدبة".

لجأ الدّويش واتباعه إلى حدود العراق والكويت طلباً للنجاة. فكتب الملك عبدالعزيز إلى المندوب البريطاني في الكويت يستنجزه وعده بعدم حماية الدّويش، حسب الاتفاق الموقع بينهما.

عاهد البريطانيون الملك عبدالعزيز على تسليم المتمردين إليه، شرط الإبقاء على حياتهم. وبالفعل في 28 شعبان 1348هـ نُقل المتمردون إلى أحد المهابط الجوية، بالقرب من خَبَاري وَضْحَا ـ التي كان الملك معسكر بها ـ تقلهم إحدى الطائرات الحربية البريطانية.

وفي 2 رمضان 1348هـ، أُودع زعماء الإخوان الثلاثة السجن؛ وقد أبقى الملك عبدالعزيز على حياتهم براً بوعده.

وبذلك أُسدل الستار على حركة الإخوان، التي دامت عقدين من الزمان. وكان يمكن لها أن تزدهر وتنمو على أُسس سليمة، من العقيدة والالتزام؛ وأن تتطور وتتقدم رافعة راية العلم والإسلام. ولكن عدداً من الأسباب، من أهمها الإيغال في الدين بغير رفق، إضافة إلى الجهل وضيق الأفق بمتطلبات العصر، وضرورة الأخذ بأسباب التقدم والرقي، أديا إلى خروج الحركة عن خطها الصحيح. كما أن زعماء الإخوان كانت لهم أطماعهم السياسية، التي استغلوا من أجل تحقيقها، العاطفة الدينية، البسيطة النقية، لأتباعهم. فضلاً عن أنّ وقوفهم ضد تيار التقدم والعلم، لم يكن أمراً مقبولاً.

إن النظرة إلى هذا الحدث ببعد أعمق، ورؤية أشمل، تكشف عن حقيقة أكبر وأهمية أعظم من أنه انتصار عسكري على تمرد أو عصيان. ذلك أن هؤلاء الإخوان هم رفقاء السلاح، وجيش التوحيد، ومن حملوا مع الملك عبدالعزيز المسؤولية حتى استقام أمر الدولة، واستتب الأمن في أرجاء شبه الجزيرة العربية. إذن، كانت لهم ـ بكل المقاييس ـ دالة على الملك وعلى تأسيس مُلكه.

وهكذا، فإن حركة الإخوان، التي بدأت نقية طاهرة مجاهدة، انتهت، عندما انحرفت عن وجهتها الصحيحة، إلى ضرب من السّلب والنهب والخروج على شرعية الدولة وسلطانها؛ وكل ذلك كان عاملاً حاسماً في ردع الملك عبدالعزيز لزعمائها، ووضع حدِّ لعصيانهم وتمردهم.

إن قرار الملك عبدالعزيز بالتصدي لحركة الإخوان والقضاء عليها، لم يكن قراراً عسكرياً فحسب، بل عمل إستراتيجي لإرساء دعائم الدولة السعودية الحديثة. فالملك عبدالعزيز نفسه، هو الذي أنشأ هذا التنظيم ورعاه، وأعده قوة تجاهد في سبيل الله، وترفع راية التوحيد، وهو ما قامت عليه الدولة السعودية، منذ أن تعاهد، الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب على نصرة الدّين، وتمكّنا بالقرآن والسيف، من إعادة الناس، في وسط شبه الجزيرة العربية، إلى جادة الصواب، إلى حقيقة الإسلام وجوهر التوحيد، وتأسيس الدولة السعودية الأولى. وقد أبلت الحركة بلاءً حسناً، في الحروب التي شاركت فيها نُصْرةً للملك عبدالعزيز، وكان يسعها الاستمرار، لولا تطرفها، ومحاولة جرّ الملك وراءها في هذا التطرف، حين طالبته بمعاداة الشرق والغرب، وعدم إدخال وسائل الحياة الحديثة إلى البلاد. وبدأت تتدخل في شؤون الحكم، اعتماداً على قوّتها ونفوذها، واعتقاداً منها، أن الملك عبدالعزيز، لن يجرؤ على معارضتها. هنا، كان القرار الصعب: إمّا الدفاع عن كيان دولة عصرية، ذات مقومات ومبادئ وأهداف، أو الخضوع للأهواء والرغبات. فاختار القائد الخيار الأول.

وتظهر حنكة الملك عبدالعزيز، وبعد نظره، عندما فضّل خيار المواجهة مع الإخوان، والقضاء عليهم، لأنه أدرك أن طريقهم أصبح غير طريقه. فهم ماضون في الثورة، مطالبون بها، بينما كانت المرحلة تحتاج إلى بناء الدولة، بمعنى أن استمرار الثورة، ممثلاً في الجناح المتطرف للإخوان، كان يعني القضاء على الثورة والدولة معاً.