إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود




الملك فيصل والرئيس نيكسون
الملك فيصل بن عبدالعزيز





أخلاق الملك الفيصل، وصفاته، وثقافته، وهواياته، وأوسمته، وقصة مرضه

أخلاق الملك الفيصل، وصفاته، وثقافته، وهواياته، وأوسمته، وقصة مرضه

كان الفيصل في أخلاقه الخاصة، مسلماً ملتزماً بأخلاق الشريعة الإسلامية، فلا دخان، ولا شراب، ولا لعب، ولا شيء مما حرم الله، أو كرهه الأتقياء. كما اشتهر بعاطفة دينية غامرة طبعت شخصه وفترة حكمه بالطابع الإسلامي. كان الفيصل متواضعاً دائماً، وفي عنفوان الشباب، في كهولته، وفي شيخوخته، لم يجد الكبر والزهو سبيلهما إلى نفسه، وكان ينهى عن التذلل للكبراء والأقوياء.

يقول ليوبولدفيس، المستشرق النمساوي، الذي أسلم على يد (محمد إقبال)، وسمى نفسه: محمد أسد، في كتابه: (الطريق إلى مكة): أنه كان في مكتبة المسجد الحرام بمكة، حين دخل الأمير فيصل: المكتبة، فنهض ليحييه فصافحه الأمير، وقال محمد أسد: "وعندما انحنيت له، رفع رأسي برفق بأصابعه، وأضاءت ثغره ابتسامة حلوة، قال:

"نحن معشر النجديين، لانؤمن بأن على الإنسان أن ينحني للإنسان، بل ينحني لله وحده، في الصلاة".

لقد بدا الأمير لطيفاً حالماً، ومتحفظاً خجولاً بعض الشيء، وهذا ما تأكد لي في السنوات التي انقضت بعد ذلك على معرفتي به. كذلك كان لا يصطنع النبل اصطناعاً، بل كان النبل من طبيعته وسجاياه".

زهد الملك فيصل

كان الفيصل، خاصة بعد توليه الحكم، زاهداً في ملذات الحياة ومتعها. ولم يكن يحفل بكثير من مظاهر الأبهة والفخامة، ولم يأخذه بريق السلطة. وكان يحب الصيد بالصقور والقنص، وهو هوايته المحببة لنفسه، ولكنه في أواخر عمره زهد فيه. ولم يؤثر عنه أن قال: أحب هذا الطعام أو لا أحبه، أو طلب صنفاً محدداً. وكان ملبسه من ملابس الناس، وكان معروفاً عنه لبس البشت أوالمشلح (العباءة) الحساوي الذي يصنع في الأحساء. وكان هذا النوع رخيصاً في زمانه، قياساً إلى سعر العباءات السورية. وكان موكبه بسيطاً يمر في شوارع الرياض أو مكة أو جدة، من دون حراسات كبيرة. وكان يركب في سيارته الخاصة بجوار السائق، كما كان يفعل أبوه.

أخلاق القائد المحارب

لما وصل الأمير فيصل بقواته إلى بلدة ميدي اليمنية في مطلع عام 1353هـ/ 1934م، صمم أن يقود بنفسه فصيلة استطلاع، لاكتشاف أقرب النقاط وأضعفها في سور المدينة، ولإعداد خطة الهجوم. وأثناء سير الأمير وجنوده، انهال عليهم الرصاص من الجانب الآخر، فصاح رجاله: "ابتعد يا فيصل"، ولكنه طلب منهم الثبات على السير في الطريق نفسه، وقال لهم: استمروا كما أنتم، ولسوف يعتقدون أن رصاصهم لا يصل إلينا، فيتوقفون عن الضرب. وبالفعل واصلوا السير، فانقطع الرصاص بعد قليل.

وإذا كان الحذر عند عامة البشر، يوجب الابتعاد عن طريق الخطر، فإن توفيق الله جعل فيصلاً بدعاً في أن يتقي الخطر، بأن يستمر في طريقه، ذلك أنه لا ينظر للأمور نظرة سطحية، بل نظرة متأنية عميقة، يوظف لها خبرته الإبداعية، فيأتي قراره صائباً، وإن خالف توقعات كل من حوله. وهذا جانب من جوانب التميز في شخصيته.

وخطط الأمير للهجوم على المدينة ليلاً، فوقف مع بعض رجاله على كثيب من الرمال عصراً، يستشرفون المدينة، ويراجعون الموقف، وأمسك فيصل (نظارة الميدان) يطالع فيها. وأطال النظر حتى نسي من حوله، فقطع عليه أحدهم استغراقه مداعباً: يبدو أنك تراجعت يا فيصل؟!! .. هل خفت؟!

ولما انتبه إلى سائله أجابه: "لا والله ما خفت ولا تراجعت… لكني كنت أفكر كيف أحمي النساء والأطفال والشيوخ، والمدينة ذاتها من تجاوزات جيشنا وتجاوزات أهلها".

إن هذا (الإنسان) المسلم في فيصل، لم يغب عنه حتى وهو يوشك أن يهجم على المدينة، بل كان همه الشاغل ألا تقع تجاوزات لا إنسانية ولا شرعية على عدوه.

وبينما تستعد القوات بقيادته للهجوم على (ميدي)، إذا برجل من أهلها يصيح في المعسكر، طالباً مقابلة الأمير، ولما أحضروه إليه، سأله عما يريد، فأخبره أن المدينة تستسلم. فماذا يفعل قائد الجيش حين يعلن خصمه الاستسلام؟. لا شك أنها ـ في أعراف الحروب ـ لحظة يغلب فيها الطابع البشري على القائد ورجاله، فيتصايحون ويتعانقون، ثم يهرعون إلى المدينة المستسلمة، يستحلونها بمن فيها وما فيها.. فماذا فعل الفيصل حين سمع من مندوب (ميدي) أنها استسلمت؟! فوجئ الجميع بالأمير يصفع الرجل (الميدي) وهو يقول: "أنت كاذب .. جئت تخدعنا يا كاذب .. خذوه". فأبعدوا الرجل. ولأن فيصلاً كان يدبر بحكمته أمراً فرضه عليه إيمانه وأملاه عليه ضميره.. إذ كان يرتب لاستسلام المدينة من دون إلحاق الأذى بأهلها، فقد ذهب إلى خيمته منفرداً، وأرسل سراً في طلب الرجل، الذي عاد يؤكد أن المدينة تستسلم، وأنه موفد إليه لهذا الغرض. وهدأ الأمير من روع الرجل، مؤكداً أنه صدّقه من المرة الأولى، لكنه خشي أن يسئ رجاله فهم الموقف، فيهجمون على المدينة، ويفعلون بها ما لا يجب أن يُفعل. واعتذر الأمير عن صفعه للرجل وطيب خاطره.

وعلى الفور أرسل الأمير بمجموعة من أوثق رجاله إلى بوابات المدينة، ليمنعوا الدخول إليها حتى يصل هو، ويرتب حمايتها من السلب والنهب.

عفة لسانه

لم يؤثر عن الفيصل أن تفوه في خطبه أو في مجالسه بكلمة نابية أو فظة. ولما تطاول عليه إعلام الرئيس المصري جمال عبدالناصر بالسباب الشخصي، نهى إعلامه عن الرد بالمثل والإسفاف.

كرمه

لم يشتهر فيصل بالكرم الباذخ. ولم يكن ينثر المال ويبذره أو يدفعه لمن لا يستحقه. ولكن كرمه كان ظاهراً في أعمال الخير، وفي تبرعات سخية للمشاريع الإسلامية، كالمساجد ودور العلم والمستشفيات والمبرات ونحوها في بقاع العالم.

وقد جرت عادة ملوك آل سعود، وخصوصاً عبدالعزيز وسعود، أن يغدقوا الهبات على كل ضيف يفد عليهم طالباً رفدهم، بل كان كثير من رجالات العرب يتلقون الهبات والمعونات الكبيرة من عبدالعزيز، وهم في أوطانهم. وفي عهد الفيصل بقيت تقاليد الكرم والضيافة، كما كانت من قبل، ولكنه أعاد النظر في أسلوب توزيع الهبات.

من دون أن تتناقص مبادرته إلى نجدة رجالات العرب الذين تعرضوا لضيق ذات اليد، أو للمحن. كذلك كان الصحفيون العرب والأجانب ينالون شيئاً غير قليل من عناية الفيصل وكرمه. وكان يساعد المرضى والمنكوبين والمحتاجين، وله في ذلك أياد بيض على كثير من الناس، وإن كان تكتمه في مساعداته يحجب عن عيون الناس الكثير منها.

وقد شاهد الناس كيف أن أبناءه من بعده، أسسوا باسمه مؤسسة خيرية، عظيمة الشأن سبق ذكرها.

رباطة جأشه وقوة أعصابه

كانت محنة اليمن تجربة لقوة أعصاب الملك فيصل، حتى قال أحد الصحفيين إن أعصاب فيصل، التي قابلت تحديات جمال عبدالناصر، خلال أحداث اليمن، بهدوء عجيب، كانت أشد على خصومه من ظهور الطائرات الأمريكية في السماء أو الأسطول السادس في البحر!

وكانت لديه قدرة عجيبة على كتمان الألم، حتى عن أقرب المقربين، ويذكر ابنه خالد: أنه وأخاه تركي كانا عنده ذات ليلة، وهو مريض في غرفته، وكان من المقرر أن تجرى له عملية جراحية في الطائف في اليوم التالي، ولما لاحظ الأمير خالد أن وجه والده يتغير، ويضع يده على بطنه، ويرخي رأسه، عرف أنه يتألم في صمت كعادته، فقال لأخيه تركي: هيا بنا نخرج، وخرجا فسأله الأمير تركي: لماذا خرجنا؟ قال: لنعطي الرجل فرصة ليقول (آه)، لأنه لن يقولها طالما يسمعه أحد.

كان يتحمل الألم ويصبر عليه، مدفوعاً بعاطفته الإيمانية التي تجعله يحتسب أجر الصابرين.

لطفه وأنسه

اشتهر الفيصل بلطفه وكياسته، وكان يلاطف جلسائه والقادمين للسلام عليه، وتعلو وجهه ابتسامة خفيفة تدخل على زواره الأنس. وكان يحرص على عدم إيذاء مشاعر الآخرين، عندما يريد إبلاغهم بخطئهم. وكان يجامل جلساءه حتى أنه كان يسمع القصة تروى في مجلسه مرتين وثلاثاً وعشراً فلا يشعر المتحدث أنه سمعها من قبل، بل ينصت كأنه يسمعها لأول مرة.

ويعرف كل من عمل معه، أنه كان دائماً يحرص في سفراته إلاّ تكون مواعيد الإقلاع أو الوصول فيها إزعاج للمودعين أو المستقبلين، وألاّ تكون في أوقات الصلاة .

ويقول عنه أخوه الأمير سلطان: "كان الفيصل غاية في اللطف عند إبلاغك بخطئك، ولا يمكن أن يُهينك أو يحرج مشاعرك".

مصداقية الملك فيصل

كان بين فيصل وعبدالرحمن عزام باشا، أول أمين عام للجامعة العربية، صداقة حميمة. وذات يوم طلب إليه عزام أن يكتب مذكراته، لما لها من أهمية في تاريخ العرب والمسلمين، ولكنه اعتذر وقال: "التاريخ لا يرحم، وأنا في ذلك بين أمرين أحلاهما مر، فإما أن أكشف كل الحقائق، وفيها ما يؤثر على دول وقيادات وشعوب، وإما أن أداري وأكذب، وهذا ـ كما تعرف ـ ليس من طبعي، إذن فالصمت أفضل، ولندع التاريخ يختار الوقت المناسب لكشف حقائقه". ولم يحدث أن استخدم أسلوب المراوغة والمكر في تعامله السياسي.

سرعة بديهته

اشتهر الملك فيصل بسرعة البديهة، والتكيف الفوري مع أصعب المواقف. وفي هذا الصدد يسوق ابنه خالد بعض الوقائع:

في لقاء رتبه الزعيم الفرنسي شارل ديجول معه، في محاولة منه لتخفيف عداء الملك لإسرائيل، قال ديجول: "عليكم أن تقبلوا بالأمر الواقع، فإسرائيل لم تعد مزعومة ـ كما يقول بعض العرب ـ بل هي دولة قائمة في المجتمع الدولي". وعلى الفور كان رد الفيصل: "إذا كنت تطلب منا، يا فخامة الرئيس، أن نرضخ للأمر الواقع، فلماذا لم ترضخ فرنسا لاحتلال ألمانيا، لماذا شكلتَ حكومة المنفى، وكافحتَ حتى استعدت وطنك؟!. وبعدها كان ديجول دائماً يردد: "الفضل لفيصل، الذي أفهمني حقيقة قضية فلسطين".

ويقول وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في مذكراته، إنه عندما التقى الملك فيصلاً في جدة، عام 1973م، في محاولة لإثنائه عن وقف ضخ البترول، رآه متهجماً، فأراد أن يستفتح الحديث معه بمداعبة، فقال: "إن طائرتي تقف هامدة في المطار، بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة؟!.

يقول كيسنجر: "فلم يبتسم الملك، بل رفع رأسه نحوي، وقال: وأنا رجل طاعن في السن، وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟!

كظمه الغيظ

ويقول الأمير خالد الفيصل:

حدثني الشاعر الشعبي عبدالله بن لويحان أن فيصلاً وهو نائب الحجاز، كان يجتمع ليلة الجمعة مع الأدباء والشعراء، يتناولون طعام العشاء في البر، ثم تبدأ بينهم المساجلة الشعرية.

وذات ليلة، كان من الحاضرين رجل له قريب قُتل، ولم يستدل على قاتله. وأثناء جلوسهم للعشاء، قال الرجل: "يا فيصل، إن لي قريباً قتل، ولم تمسكوا بقاتله حتى الآن". فرد عليه قائلاً: "يا أخي السلطات تبحث، وسوف تجده اليوم أو غداً، وتأخذ العدالة مجراها بإذن الله". فما كان من الرجل إلاّ أن قال: "لا والله يا فيصل إلاّ أنك بارد، ولا تهتم بي ولا بأمثالي". ويواصل ابن لويحان روايته: وكان في يد فيصل لقمة، وضعها على الصحن، وقام منصرفاً، وهو يقول للرجل: "هذا من حظك، فلو كنت حاراً لأحرقتك".

ويقول عنه شقيقه الأمير سلطان: "مهما تجاوز إنسان حدوده مع فيصل، فإن رغبة الانتقام لم تكن أبداً ضمن مقومات شخصيته، بل إنه كان يعجل حاجة المتجاوز متى ما كان مستحقاً، حتى لا يظن أنه ينتقم منه، بتأخير قضاء مصلحته".

ثقافته ـ عنايته باللغة العربية

في أثناء بداية توليه النيابة العامة في الحجاز أصدر أمره إلى كافة الدوائر الحكومية بإنفاذ قرار مجلس الشورى القاضي بوجوب الاعتناء باللغة العربية في المكاتبات الرسمية بين المصالح، مع المحافظة على الأساليب الفصيحة، والابتعاد عن غريب الألفاظ، وذلك تكريماً للغة البلاد الرسمية المقدسة.

وكان الملك فيصل يحب القراءة والاطلاع في كتب الأدب والتاريخ، وقد روى الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي في كتابه (الخفاجيون في التاريخ) ص 108، أنه لما صدر كتابه (أبو دلف عبقري من ينبع)، قدم الشيخ عبدالعزيز الرفاعي نسخة منه إلى الملك فيصل، وفي اليوم التالي أبلغ الشيخ عبدالعزيز الدكتور خفاجي أن الملك فيصل سهر ليلته يقرأ كتابه، وأنه يشكره على جهده فيه.

وأخبر الكاتب أحمد الشيباني الأمير خالد الفيصل أن الملك فيصل علق على أحد كتبه مما جعله يغير منهاج تفكيره من ذلك اليوم.

فيصل والشعر الشعبي

كان الفيصل يقرض الشعر الشعبي في شبابه، ولعله استمر في ذلك، ولكن لم يقرأ أحدٌ له في الكتب والصحف شيئاً باستثناء بيتين نقلهما (د. غوري) إلى الانكليزية. ولا يعرف شعر الفيصل إلا أصدقاؤه المقربون، الذين سمعوه منه في بعض مجالسه الأدبية الخاصة. يقول الأمير خالد الفيصل: أنه وأخاه عبدالله الفيصل أكثر من يعرف شعر والدهما. ولم يكن الملك يحبذ ذكر أشعاره، ولاسيما في السنوات الأخيرة من عمره. وذكر الأمير خالد بيتاً من شعر والده:

ترى بعض العرب عمله بروحه مثل وصف سراج

                                     ينور للعرب والنار في جوف المسيكين

ويقول عبد الله بن خميس: للملك فيصل ذوق أصيل وحساسية مرهفة، ورواية حافلة في الشعر، قديمه وحديثه، رواية ودراية. وهو ناقد فذ وناقد متبصر، تختزن حافظته ما يعجب ويطرب في شتى الأغراض والمناحي. ولطالما حفلت مجالسه بكل نادرة فذة، وخاطرة يتيمة. كنا قبل أسبوع على مائدة جلالته، وكان الحديث أدبياً صرفاً، وكان يدور حول مقولة: هل يفسد الزمن أم يفسد أهله؟. فكان نصيب جلالته في رواية ما قيل في هذا المعنى كبيراً، أذكر منها بيتين نبطيين، يعني شعبيين، قيلا في هذا المعنى، وهما:

يقولون دنيانا علينا تغيرت         تغيرتوا أنتم ما عرفنا غيورها

الأيام هي الأيام ما زادعد          ها هذي لياليها وهذي شهورها

وكان يقرب الشعراء الشعبيين ويأنس لشعرهم. وكان يميل إلى طريقة في إنشاد الشعر تنبه وتثير المتلقي وهي طريقة (الردح).

ذكر فؤاد حمزة أنه ذهب يوماً معه إلى الصيد، فدعا أصحابه إلى السمر في أحد الأودية، القريبة من الطائف، فكان مجلسه ندوة أدبية، عامرة بروح النكتة يتخللها نوع من إنشاد الأشعار يسمى : الردح.

وطريقة الردح: أن ينقسم المجتمعون والشعراء فريقين، فيلقي أحدهم موضوعاً للإنشاد فيه، وعلى الشعراء من كل فريق أن يردوا ببيت شعري، ولا يجوز التكرار لا في المعنى ولا في القافية. وكل فريق يحاول بث روح الحماسة في شعرائه، فترى هؤلاء يتسابقون إلى إلقاء البيت المنشود على البديهة، ويظل رفاق الشاعر يرددون البيت حتى يفتح الله على شاعر الفريق الآخر للرد عليه، وهكذا دواليك.

هواياته ـ الصيد

أما هوايته التي كان يقضي فيها أوقات فراغه ـ قبل توليه الملك ـ فهي المقناص كما يسمونه في نجد، أي الصيد والقنص. وليس سلاحهم الذي يستعملونه في أكثر صيدهم: البندقية، وإنما هو الصقر، ومن ثم كانت عنايتهم الشديدة بتربيته، وتنافسهم في اقتناء الأنواع الممتازة منه. وليست الغاية من الخروج إلى الصيد مجرد الحصول على الطرائد والطير، ولكن الترويح عن النفس، والتنقل بين السهول والتلال والوديان، والنزول في المكان الرحب والهواء الطلق.

وقد عاد حب الأمير فيصل للقنص بالبركة على كثير من سكان البراري، كما كان وسيلة إلى إعمار موارد للماء كانت مهملة، كمنهل (سجا) مثلاً، وهو منهل جاهلي، قال عنه ابن بليهد: وردته قبل أن يعمره الأمير فيصل، وكان الناس لا يستقون منه إلا بالكدّ والمشقة. وكان مثلاً عند أهل نجد، كل أمر صعب يقولون فيه: الله يغني عن سجا وروده. ويذكر ابن بليهد كذلك أن الأمير اصطحبه في رحلة قنص، إلى عالية نجد، في منزل من منازل غدير( برة المطلي)، وأعراب نجد تسمي منزل الأمير فيصل هناك (مرباع الأوادم)، لأنه بذل جميع استطاعته من الزاد واللحم وحليب الإبل واللبن، وكل شيء تميل إليه النفس، فأخذت الأعراب تختلف إليه من كل الجهات.

وكان يذهب كذلك إلى سهل (ركبة)، و( تربة) القريبتين من الطائف، مثلما كانت عادة والده الملك عبدالعزيز. وكان الفيصل يجلس أحياناً على الأرض، في مجلسه العربي، بين صقوره القدامى والجدد، كمن يجدد العهد بذكرى غالية.

العرضة النجدية

وللفيصل هواية ثانية، هي(العرضة النجدية)، التي يسميها بعضهم (رقصة السيف) أو (رقصة الحرب). ولم يحجم الفيصل، وهو ملك، خلال زيارة الرئيس السوداني للمملكة، عن النزول إلى ساحة العرض والمشاركة في العرضة النجدية، لعباً وإنشاداً. فألهب بذلك الحماسة في نفوس الأمراء والشيوخ، وأعطى هذه الرقصة الشعبية حياة جديدة، واعتز الناس بتقاليدهم وعاداتهم.

ملابسه

كان الملك فيصل يلبس مثل ملابس قومه، المكونة من الكوفية أو العمامة، ويطلق عليها (الغترة) على الرأس، وهي بيضاء خالصة، وفوقها العقال، وهو أسود اللون أو ذهبي. وتدل صوره حين كان نائباً للملك في الحجاز على أن ملابسه كانت حجازية نجدية.

كان يرتدي أحياناً تحت العباءة الجاكيت، الذي أخذ يشيع بين طبقة الموظفين والتجار في مدن المملكة الكبرى، ولكنه لم يكن يلبس قط الملابس الغربية الكاملة، أي القميص وربطة العنق والجاكيت والبنطلون، لأن ذلك يخالف طبعه ونشأته.

وليس فيصل في ذلك الزعيم الشرقي الوحيد، فهناك عدد غير قليل من زعماء الشرق الكبار مازالوا محتفظين بأزيائهم القومية القديمة، وربما كانوا يستديمون بمحافظتهم عليها صلة الجماهير بهم وشعورهم بأن زعماءهم لا يخالفونهم ولا يبعدونهم عنهم.

وكان تمسك فيصل بالزي العربي المألوف في المملكة، مظهراً لاعتزازه بأمته أمام الغربيين  وتجاوباً مع بيئته، وتعبيراً عن إيمانه بأن الحضارة والتقدم ليسا في تغيير الأزياء والمظاهر، ولكنهما في النفوس والأخلاق والعقول.

مسكنه

كان الأمير سعود وأخوه الأمير فيصل عندما ينزلان جدة، في أول العهد السعودي، يقيمان في (بيت الفضل)، ثم اتخذ فيصل في مكة قصراً في شعب عامر، وقصراً في الطائف، وسكن القصر الأخضر في جدة. ولما تولى الحكم في الرياض اتخذ له قصراً في منطقة المعذر شمال مدينة الرياض، وهناك أسس الديوان الملكي.

أوسمته

إلى عام 1355هـ/1936م.

أهديت للأمير فيصل في زياراته عدداً من الأوسمة من الدول التي زارها ومنها:

1.    من بريطانيا

فارس من وسام سان ميشيل (ميخائيل) وجورج.

الوشاح الأكبر من وسام الإمبراطورية البريطانية.

2.         من فرنسا

جراند أوفيسيه من وسام جوقة الشرف.

3.         من هولندا

الوشاح الأكبر من وسام أورانج ناسو.

4.         من إيطاليا

جراند أوفيسيه من وسام تاج إيطاليا.

5.         من بولونيا

جراند أوفيسيه من وسام استقلال بولونيا.

6.         من إيران

الوشاح الأكبر من وسام التاج.

7.         من العراق

الوشاح الأكبر من وسام الرافدين.

8.         من الأردن

وسام النهضة المرصع من الدرجة الأولى.

ولما تولى العرش حصل على عدد كبير من الأوسمة، والمفاتيح الذهبية للمدن من إيران وتركيا والأردن والمغرب وتونس ومصر وغيرها.

قصة مرضه

مرض الفيصل في شبابه أمراضاً عارضة كسائر الناس، ولكن المرض الذي أتعبه، وطال عليه أمره وعلاجه، هو مرض كان يوصف بأنه قرحة في المعدة.

وقد روى الدكتور رشاد فرعون، مستشار الملك، ووزير الصحة السابق، الذي سافر إلى أمريكا ليكون إلى جانب الفيصل عند إجراء العملية له، قصة المرض في مراحلها المختلفة فقال:

زار الأمير فيصل أمريكا عام 1945م، وخلال هذه الزيارة فحصه الأطباء الأمريكيون فحصاً عاماً، وقرروا أن سبب شكواه القرحة، وأعطوه علاجات مهدئة، ومنعوه من المقليات والشحوم والطماطم والبرتقال، وله أن يأكل اللحم المشوي والبيض المسلوق ويشرب الحليب. وقد استمر على ذلك ثلاث سنوات.

وفي آخر عام 1948م، انعقدت في باريس دورة الأمم المتحدة، وكان الفيصل على رأس الوفد السعودي، وأصيب هناك بنوبة حادة جداً، منعته من حضور الاجتماعات. وأوصاه الأطباء بالراحة، ثم ذهب إلى سويسرا، فالريفييرا الفرنسية للاستراحة والنقاهة.

وكانت تعاوده نوبة ألم شديدة، وكان الأمير يصف هذا الألم بقوله إنه يشعر بشيء يدور على نفسه، ثم ينتشر إلى جميع منطقة البطن. فحصه أطباء باريس فلم يجدوا أثراً للقرحة. وأخذوا صوراً للمرارة فقالوا أنها سليمة.

وفي سنة 1957م، ذهب الفيصل إلى أمريكا للعلاج، وفحصوه فحصاً جديداً، فلم يجدوا قرحة. ولما فحصوا الصور التي أخذت للمرارة في باريس وجدوا فيها حصيات، وقالوا إن الأعراض من هذه الحصيات الصفراوية؛ ففتحوا البطن وأخرجوها، ثم فحصوا المعدة باللمس، فوجدوا فيها التصاقات تدل على وجود التهاب قديم في البيريتوان (التهاب الصفاق). وقدروا أنه ناشيء عن أعراض تيفوئيد قديمة، أو انفجار الزائدة. ونصحوه بالراحة. وبعد شهر من العملية، عاودته الآلام أشد من الآلام الأولى. فاستحضروا له أطباء من بوسطن وفيلادلفيا ونيويورك، وعقدوا اجتماعاً وفحصوه، وقالوا إن معه  قرحة حادة، وتلزمها  المداخلة حالاً، أي القيام بعملية سريعة.

فتحوا البطن، مرة ثانية، فلم يجدوا في المعدة أية آثار صلابة تدل على قرحة، فاستحسنوا أن يجروا له عملية تفاغم (آنستومرز)، أي ربط المعدة بالإمعاء، وذلك بفتح طريق من أسفل المعدة إلى الأمعاء رأساً. وهذه عملية قديمة لا تعمل الآن، وإنما يعمد في الحالات الضرورية إلى استئصال المعدة. وكانوا قد اكتشفوا بالأشعة من قبل أنه يوجد فتق في الحجاب الحاجز بحيث تخرج المعدة إلى الصدر فتحدث آلاماً.

وهكذا قرروا القيام أولاً بعملية التفاغم، وللتثبت من أنه لن يصاب فيما بعد بقرحة، وزيادة في الاحتياط، رأوا أن يقوموا بعملية إضافية تعمل للمصابين بالقرحة، وذلك بأن يقطعوا العصب الرئوي المعدي المسمى (العصب الحائر).

ذلك أن الأفكار والهموم، من أهم أسباب القرحة، لأن التنبه الدماغي يؤثر على المعدة بواسطة  العصب التائه أو (الحائر)، فيكثر إفرازها وتحدث القرحة. وبقطع العصب يبطل تأثير الهموم على المعدة. ومتى انتهت هذه العملية المزدوجة، واستراح المريض، عمدوا إلى إجراء عملية جديدة في الحجاب الحاجز. هنا طلب الأمير فيصل أن يقوموا بكل هذه العمليات مرة واحدة.

ولكنهم أجابوه أن عملية الحجاب الحاجز تجري من الصدر لا من البطن. وهكذا قاموا بالعملية المقترحة، وحاولوا القيام بعملية الفتق في الحجاب الحاجز لترميمه، وعندما أدخل الجراح إصبعه ليرى الفتحة التي يمر فيها المرئ إلى المعدة، وسعتها، وكيفية ترميمها، وجد ورماً عند الفتحة ملتصقاً بالمرئ، فاندهش، وقال: أنا أمام ورم! ولا أدري ما هو هذا الورم؟. فأخذوا قطعة وفحصوها، فوجدوا أن الورم حميد وليس خبيثاً.

فقال الجراح: إذن نستأصله. واستؤصل الورم الملتصق بالمريء، وأثناء الاستئصال انفتح المريء، فخاطوه وصغروا فتحة الباب الحاجز. وبذلك اتضح لهم أن جميع الأعراض التي كان يشكو منها الأمير، هي من هذا الورم، الذي كان يضغط على الضفيرة العصبية الشمسية عندما يدور فيحدث كل تلك الآلام. تماماً كما وصفه الأمير!.

ولكنهم اكتشفوا ذلك بعد عمليات كلفته في صحته ثمناً غالياً. ولو أنهم وفقوا إلى اكتشاف هذا الورم من قبل وأزالوه، لما احتاجوا إلى عملية التفاغم ولا إلى غيرها.

لقد بقي الأمير أكثر من سنتين، بعد عملية التفاغم، يشعر بهبوط في القوى وضيق النفس، خلال ساعة بعد تناول كل طعام، لأن عملية التفاغم بين المعدة والأمعاء تجعل الطعام يهبط رأساً إلى الأمعاء، وتولد في نفس المريض شعوراً بهبوط مفاجئ، يرافقه شيء من التعرّق، وضيق النفس. وقد تحمل الأمير كل ذلك بصبر عجيب. ونتيجة للعمليات التي أجريت له خطأ، كان الأمير يلتزم في طعامه نظام حمية استمر أكثر من ثمان وعشرين سنة. حيث يبدأ بلحم مشوي أو دجاج، ثم أرز مع خضار مسلوقة بالزبدة، ثم موزة أو تفاحة. وكان يتناول أحياناً مهلبية أو خشافاً (كونبوت).