إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / التاريخ السياسي المصري الحديث: حكم أسْرة محمد علي في مصر (1805 ـ 1952)






الاحتلال البريطاني لمصر
الحملة الفرنسية على مصر
حدود مصر في عهد إسماعيل
حدود الدولة المصرية ومعاركها



ملحق

محمد علي

تولى حكم مصر الفترة 1805 – 1848 (43 عاماً)

وُلد عام 1769، في مدينة قولة، أحد موانئ مقدونيا ببلاد اليونان، حيث كانت خاضعة للحكم العثماني، ودخل الجيش العثماني، ثم خرج منه, وترك الحياة العسكرية بعد أن وصل إلى رتبة "بلوك باشي"[1]. ثم عمل بتجارة الدخان، واكتسب خبرة في الأمور المالية والتجارية، فضلاً عن خبرته العسكرية.

عندما بدأت الدولة العثمانية في محاولة إجلاء الفرنسيين عن مصر، انضم محمد علي مرة أخرى إلى الجيش العثماني، وجاء مع الأسطول العثماني الذي رسا في ساحل أبي قير، مارس 1801، وكان برتبة باش أوده باشي (بكباشي)، وقائداً لفرقة الألبان الأرناءوط.

في عام 1802 ترقى إلى رتبة سرششمة (مقدم على ألف جندي بالجيش العثماني والقائد العام)، وصار قائداً لأربعة آلاف جندي ألباني، ودخل في صراعات داخلية، وبدهائه تولى ولاية مصر بدعم من علماء الأزهر، في عام 1805.

بدأ محمد علي خطة إصلاحية كبرى، حققت ازدهاراً تاريخياً للدولة، وأجرى فتوحات عسكرية خارجية أدت إلى تخوف المجتمع الدولي من طموحاته، وحدد بعدها اتفاق لندن 1840، لتقييد قدراته ونفوذه وطموحاته الخارجية، إلى أن توفي في 2 أغسطس 1849 بالإسكندرية، نتيجة مرضه وخرف عقله الذي لازمه سنته الأخيرة، وتم دفنه في جامع محمد علي بالقلعة.

أولاً: صفاته الشخصية

·   كان محمد علي متوسط القامة، إذا مشى يجعل يديه متصالبتين خلف ظهره (كما كان يفعل بونابرت)، وكان لباسه على زي المماليك، وأبدل لباسه العسكري في أواخر أيامه.

·   كان يفضل مجالسة صغار الضباط، وكان كبار القوم يلقبونه بمبيد المماليك ومصلح الديار، يتفاخر بعصاميته، محباً للحديث عن سابق حياته، ومحباً للاطلاع.

·   كانت هواجسه السياسية تسبب له كثيراً من القلق، ومن جملة دواعي أرقه الشهقة المرتجفة، خاصة بعد حملته على الوهابيين، على أثر رعب شديد، وكان يخصص اثنين من الخدم لتغطيته إذا انكشف الغطاء عنه عند التقلب.

·   كان بارعاً في الحساب والرياضيات بغير تعلم، متمسكاً بالإسلام، مع احترام التعاليم الأخرى لا سيما المسيحية.

·   كان محباً للفرنسيين، ومعجباً بالحضارة الفرنسية، واستعان بهم بعد توليته مصر.

ثانياً: تقييم حكم محمد علي لمصر

1. الإيجابيات

هناك شبه إجماع تاريخي على أن محمد علي هو مؤسس الدولة الحديثة لمصر، والذي حكم مصر بجنسية عثمانية، ولكن بعقل أوروبي، وسيطرت عليه الثقافة والحضارة الفرنسية، وخاصة إنجازات الحملة الفرنسية في مصر، وأسس مشروعاً لنهضة الدولة المصرية، لوضعها في مكانة الدول الكبرى في العالم.

أ. قام محمد علي بالعديد من الإصلاحات الإدارية والمالية، وقام بتوزيع الأرض على الفلاحين بنظام رقبة حق الانتفاع، وطبق نظام الاحتكار على بعض الحاصلات الزراعية والمنتجات الصناعية، وفرض نظاماً جديداً للضرائب، وذلك لزيادة ميزانية الدولة، باعتبارها عصب الدولة الحديثة بدون استدانة من الخارج أو الداخل، ونشير هنا أن ميزانية الدولة في بداية حكمه لم تتعد مليون جنيه، ووصلت إلى 4.5 ملايين جنيه في أواخر حكمه.

ب. اهتم محمد علي بالزراعة، وأصلح شؤونها، وخلق وظائف دائمة للفلاحين، وأدخل نظام الري الدائم، وارتفعت مساحة الأرض المزروعة في نهاية عهده إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه في بداية حكمه، وأنشأ الترع والجسور والهواويس.

ج. انتقل بالدولة لتكون صناعية زراعية، بعد أن كانت نصف زراعية، وأدخل العديد من الصناعات، مثل غزل القطن والنسيج والسكر والصابون والزيوت والأسلحة والمطبعة الأميرية.

د. نتيجة لازدهار الصناعة والزراعة، ازداد معها النشاط التجاري داخلياً وخارجياً، وفتح أسواقاً جديدة أمام المنتجات المصرية، وأنشأ بنية تحتية لخدمة التجارة، مثل المواني والطرق البرية والنيلية.

هـ. اهتم محمد علي بالتعليم كأساس لنهضة الدولة، واهتم بإنشاء المدارس وإرسال البعثات الخارجية وتكفل بتعليم عشرة آلاف تلميذ وإعطائهم مرتبات شهرية واهتم بالترجمات الأجنبية.

و. جلب محمد علي جميع أسباب الحضارة، واستكمل خطة الفرنسيين لإعمار الدولة، خاصة في القاهرة والإسكندرية، وأعاد هندسة الشوارع وتخطيط المدن وإقامة الجسور، وله إنجازات معمارية مدنية ودينية وعامة ومنشآت اجتماعية متعددة، ما زالت معظمها قائمة بعد تجديدها بواسطة أحفاده.

ز. كانت طموحات محمد علي واسعة لإنشاء إمبراطورية عظمى تكون له ويرثها أولاده لتكون بديلة عن الدولة العثمانية، وأسس لذلك جيشاً مصرياً عظيماً بلغ تعداده 276 ألف جندي، عام 1838، وارتبطت فكرة الإصلاحات على المسارات المختلفة بخدمة بناء جيش مصري حديث لتوسيع فتوحات محمد علي الخارجية.

2. السلبيات

أشار بعض المؤرخين إلى أن مدة حكم محمد علي على الرغم من إيجابياتها لبناء الدولة المصرية الحديثة، إلا أن إيجابياتها جاءت على حساب الشعب المصري الذي دعمه لولاية حكم مصر، والتي يمكن وصفها بالسلبيات.

أ. محمد علي الحاكم والمالك، والتاجر الوحيد

(1) كان محور النظام السياسي يتركز في شخص محمد علي، وانفراده باتخاذ القرار، واعتماده على فكرة الحكم الفردي المطلق، على الرغم من تأسيسه لسلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، ولذلك لم يكن أداء هذه السلطات على المستوى المطلوب، وكان هناك ارتباك في أدائها نتيجة تداخل السلطات.

(2) تمشياً مع انفراد محمد علي بالسلطة، فرض نفسه كمالك فعلي وحيد للبلاد، فبعد ثلاث سنوات من حكمه، أي في عام 1808، أصبح مالكاً لجميع أراضي القطر المصري، ولم يعد هناك فرق بين ملكية الدولة وملكية الوالي، وبات الفلاحون الأغلبية العظمى من الشعب هم أجراء أو حرافيش عند الوالي.

(3) نظام الاحتكار الذي أسسه محمد علي في المجال الزراعي والصناعي والتجاري، أدى إلى احتكار الوالي لاقتصاد الدولة، وبالتالي احتكاره لسياسة الدولة، ونُشير هنا إلى أن نظام الاحتكار الذي أسسه محمد علي هو نظام كان معمولاً به في العديد من دول أوروبا في هذا الوقت.

ب. تأسيس الجيش لخدمة الوالي، وليس لخدمة الدولة

(1) كانت القيادات الكبرى والصغرى في الجيش المصري من الأتراك والشراكسة والمماليك، واستقدم محمد علي ضباطاً من كل أرجاء أوروبا، لضمان ولاء الجيش وتجنب المؤامرات والثورات ضده.

(2) في إطار سياسة محمد علي، لخلق طبقة وسطى، قام بمنح بعض الأجانب والمصريين أراضي و"أبعاديات" لخلق طبقة أرستقراطية مرتبطة بالنظام وحريصة على حمايته، ويكون ولي نعمتها، حيث أنعم محمد علي على الموظفين والضباط والجند الأجانب، خاصة الأتراك والشركس وبعض الأوروبيين وقلة من المصريين المشهود لهم بالولاء بأراضٍ مختلفة تختلف مساحتها من شخص لآخر.

ج. أسطورة التصنيع

في تاريخ معظم الدول، يرتبط تطور الجيش بازدهار الصناعة، وهذا الأمر تحقق في عصر محمد علي، حيث بدأ التصنيع عام 1816، وتطور معها الجيش المصري، إلا أنها كانت شكلية، فهي في الجانب الأول قائمة لخدمة الجيش وليس لخدمة ازدهار الدولة، وهو أمر كان واضحاً بعد تقليص حجم الجيش والأسطول، وتراجع دوره الخارجي بعد معاهدة 1840. أما الجانب الآخر فإن الصناعة كانت قائمة على الأجانب والخبرات الأجنبية.

د. أخطاء السياسة الخارجية

(1) هناك من يرى أن فتوحات محمد علي العسكرية للجزيرة العربية والشام واليونان والسودان وأجزاء من الدولة العثمانية، كانت سبباً في تراجع وضع الدولة المصرية، بعد اتفاقية لندن عام 1840، حيث مثلت تلك الفتوحات مصدر تهديد وتخوف للدول الأوروبية وروسيا والدولة العثمانية من طموحات محمد علي لإنشاء إمبراطورية مصرية أو عربية، وإجبار محمد علي على سحب قواته الخارجية وتقليص الجيش والأسطول المصري.

(2) وهناك رأي آخر أشار إلى فشل السياسة الخارجية لمحمد علي في تكوين تحالفات دولية مع الدول الكبرى المؤثرة في إطار تبادل المصالح لدعم فتوحاته العسكرية الخارجية، وعندها كان يمكنه التصالح مع القوى الخارجية في مواجهة الدولة العثمانية، والحفاظ على مكاسبه الخارجية.


إبراهيم باشا بن محمد علي

وُلد سنة 1204هـ/ 1729م، وتوفي سنة 1264هـ/ 1848م.

هو نجل محمد علي باشا، وارتبطت سيرته بسيرة أبيه، لأنهما عملا معاً، وكان إبراهيم ساعد أبيه الأيمن في فتوحاته وسائر أعماله العسكرية، حيث وُلد في قولة باليونان، ومال من صغر سنه إلى الأعمال العسكرية، وكان فيه مواهب عظماء القادة، ويشهد بذلك ما أتاه من الأعمال العظمى في مصر والشام والمورة والسودان وغيرها.

كان يجيد العربية والتركية والفارسية، وله اطلاع واسع على تاريخ البلاد الشرقية. تولى منصب الولاية بعد تنازل أبيه، مدة شهر واحد أو يزيد قليلاً، وتوفي قبل والده.

سار على خطوات أبيه سيراً حسناً، إلا أنه اختلف عنه بمواهبه الأًصلية، فقد كان إبراهيم صارم المعاملة، صعب المراس، شديد الوطأة، وغلب على صفاته الطابع العسكري، وهذا بخلاف أبيه الذي كان لين العريكة، حسن السياسة، ذا دهاء وحكمة.

كان ربع القامة، ممتلئ الجسم، قوي البنية، أشقر الشعر، في وجهه آثار لمرض الجدري. وكان كثير اليقظة قليل النوم.

حكم إبراهيم باشا للجزيرة العربية وبلاد الشام

لم يكن لإبراهيم باشا بن محمد علي إنجازات داخلية في الشأن المصري، عدا إصلاح وتطوير الجيش المصري وقيادة فتوحاته الخارجية في الجزيرة العربية وبلاد الشام، حيث لم يسعفه الوقت لتقديم خدماته كوالٍ للدولة، إلا أن هناك من عرض إنجازاته في الجزيرة العربية وبلاد الشام، خاصة بعد توليه ولاية مكة، في 20 محرم 1233، بفرمان من السلطان العثماني كمكافأة له على إنجازاته في الحرب الوهابية، خاصة القبض على زعيم الوهابيين عبدالله بن مسعود وإرساله إلى الآستانة.

كان هناك من رأى إيجابيات في حكم إبراهيم باشا للجزيرة العربية وبلاد الشام، وهناك من انتقد حكمه لهما، كالآتي:

1. الإيجابيات

أ. كانت له ملامح إصلاحية عادلة مقارنة بالحكم العثماني، بل كان متقدماً ومستنيراً، وكانت له إنجازات زراعية وعمرانية ونشر الأمن وحسن معاملة الجنود، وسعيه لإرساء قواعد دولة حديثة منظمة، وأوجد روابط قوية بين بلاد الشام والحجاز من جهة، ومع مصر من جهة أخرى.

ب. لا تزال أسر عديدة في بلاد الشام تذكر أنها لحقت بجيش إبراهيم باشا، وكان ذلك سبباً في استخدام محمد علي للكثير من السوريين في مصر، وأحيا تلك الروابط العربية بصلات أدبية بين القطرين.

ج. كان لوجود إبراهيم باشا في بلاد الشام وانتصاراته العسكرية بها أثر في إيقاظ الروح الوطنية، وبعث الشعور بالقومية خاصة بعد تجنيده للعرب في الجيش، بعد أن كانوا مبعدين عن الخدمة العسكرية، وأشار عبدالرحمن الرافعي في كتاباته، إلى تقرير بريطاني عام 1833 جاء فيه: "وجود دور كبير لإبراهيم باشا في إحياء القومية العربية في بلاد الشام وإرجاع أوطان العرب للعرب، وإشراكهم في جميع المناصب بالإدارة الداخلية والجيش، والإشادة بمفاخر الأمة العربية". وهذه السياسة أثارت مخاوف أوروبا من إقامة حكومات وجيش عربي خالص.

2. السلبيات

أ. شكك البعض في إنجازات إبراهيم باشا، واعتبارها خاصة بفئة، ولم تقدم للشعوب ما طالبوا به أو أرادوه، واعتبارها سطحية المعنى، وأن المشاركة العربية في الحكم لم تكن جديدة، بل كانت موجودة في أيام الحكم العثماني.

ب. اعتماد إبراهيم باشا على طوائف معينة لإدارة حكم البلاد، مما أثار الطوائف الأخرى ذات الأغلبية، وأدى ذلك إلى قيام الثورات.

ج. سياسة إبراهيم باشا لإضعاف الأمراء وشيوخ العشائر وكبار الإقطاعيين لم تكن تحريراً للبلاد، لأن هؤلاء كانوا من الأمراء الذين قاموا بدور بارز في مقاومة الحكم التركي.


عباس باشا الأول

وُلد سنة 1229هـ/ 1813م، وتولى سنة 1264هـ/ 1848م، وتوفي سنة 1270هـ/ 1854م.

هو عباس باشا حلمي بن أحمد بن طوسون باشا بن محمد علي باشا، وُلد أثناء وجود أبيه في عمله بالحجاز، ورُبي وحسنت تربيته، وكان محباً لركوب الخيل، وعلى جانب كبير من العلم والمعرفة.

تنقل في وظائف الحكومة، أثناء حكم جده وعمه، واشترك مع عمه إبراهيم في الحرب السورية، وتولى مديرية الغربية سنة 1248هـ/ 1833م، ثم عُيِّن مفتشاً عاماً للأقاليم البحرية سنة 1251هـ/ 1835م، فمفتشاً عاماً للدواوين المصرية سنة 1252هـ/ 1836، ثم كتخدا بك ومديراً للديوان الخديوي عند سفر جده للسودان سنة 1254هـ/ 1838م، لما يحمله من صفات الكفاءة والنجابة.

كان محمد علي باشا وإبراهيم باشا يعدان البرنس أحمد أكبر أبناء إبراهيم لتولي الولاية، وان يكون عباس باشا هو التالي من بعد البرنس أحمد الذي كان نابغة في الذكاء وكثير الشبه بوالده، ولذلك لم يحصل عباس على تربية تؤهله للخلافة.

كان عباس باشا الوحيد من أسرة محمد علي الذي لم يتلق تعليمه بالخارج، أو يتعلم لغة أوروبية، مما كان له أكبر الأثر في تحديد سياسته لحكم البلاد.

استمر عباس في اتباع النظام المركزي الذي اتبعه جده وعمه من قبله، بل زاد في إحكام السيطرة على أمور البلاد، وغاب عنه حركة الإصلاح، واستند في حكمه على الرهبة والجمود.

عاش عباس باشا في صراع دائم مع عائلته، والدولة العثمانية، والنفوذ الأجنبي، وسعى إلى تولية ابنه إبراهيم إلهامي من بعده في الحكم بدلاً من عمه سعيد باشا، وكان ذلك سبباً في موته قتيلاً في 17 شوال 1270هـ/ 13 يوليه 1854، بقصره في بنها، ودُفن في مدفن العائلة الخديوية بالقاهرة، إلا أن هناك روايات أخرى أنه مات بالصرع الذي لازمه في أيامه الأخيرة.

كانت نشأة عباس باشا وشخصيته، وحالة الركود التي مرت بها الدولة في أواخر عهد "محمد علي" وإبراهيم باشا لها أثر كبير في تحديد ملامح سياسته لحكم البلاد، والتي حملت سلبيات كبيرة تفوق إنجازاته الإيجابية بمراحل والتي يمكن إيجازها في الآتي:

1. الإيجابيات

أ. أقام إصلاحات إدارية محدودة في النظام السياسي للدولة، وفي مجال الزراعة والتجارة، وأنهى نظام الاحتكار الزراعي والصناعي والتجاري.

ب. اهتم عباس بالنواحي المعمارية والإنشائية، حيث طور تخطيط القاهرة وأنشأ العديد من المنشآت المعمارية المدنية والدينية والخيرية.

2. السلبيات

أ. اتباع النظام المركزي الحاد لإحكام السيطرة على البلاد، حيث كانت هواجسه الأمنية كثيرة، خاصة من أفراد أسرته، رغم إعادته لتوزيع الأراضي و"الأبعاديات" على أسرة محمد علي لكسب ولائهم.

ب. اضمحلت حالة الجيش في عهد عباس، والذي مر بفترة توقف ونهضة عسكرية وأعاد عباس سياسة جلب الأرناءوط للجيش، ووضع لائحة جديدة للتجنيد تضمنت إعفاء أهالي القاهرة والإسكندرية ورشيد ودمياط من الخدمة العسكرية، باعتبارها مدناً تجارية وصناعية، وأباح نظام التطوع للخدمة العسكرية، ومنع الأهالي من حمل السلاح، إضافة إلى استكماله لبعض الاستحكامات العسكرية التي بدأها إبراهيم باشا، كما أنقص حجم الجيش ليصل إلى تسعة آلاف جندي.

ج. اتهمه بعض المؤرخين بالرهبة والجمود، وكانت مظاهر الرهبة في بث العيون والأرصاد على عمه سعيد باشا، وعلى كبار رجال الدولة مع انتشار الدسائس والمكائد وفقد الأمن والطمأنينة، الأمر الذي أدى إلى هجرة الكثيرين إلى الآستانة. أما الجمود فكان من مظاهره اضمحلال الصناعة وتراجع التعليم بعد إغلاقه للمدارس التي شيدها جده، وطرد الأوروبيين الذين كانوا يعملون في مجال الصناعة، حيث حنقوا عليه واتهموه بالتعصب.


سعيد باشا

وُلد سنة 1238هـ/ 1822م، وتولى سنة 1270هـ/ 1854م، وتوفي سنة 1279هـ/ 1863م.

هو محمد سعيد باشا بن محمد علي باشا، وُلد بالإسكندرية، وكان محباً للعلم وبارعاً فيه، خاصة اللغات الشرقية والعلوم والرياضيات والرسم وعلوم البحار، وكان يجيد الفرنسية تماماً.

عمل رئيساً للبحرية الملكية بعد تعلمه فنونها، وتولى زمام الحكم بعد وفاة عباس باشا ابن أخيه، حيث كان أكبر أفراد العائلة سناً في ذلك الوقت.

في أيامه ثارت مديرية الفيوم على الحكومة، فبعث إليها بعض قواته وأخمد الثورة، وهدأت الأحوال.

اعتبر الكثيرون ولاية سعيد باشا بداية لبعث النهضة الوطنية المصرية، وأرجع البعض ميل سعيد باشا إلى بعث الروح الوطنية في المصريين إلى نشأته وتعليمه وحبه للجيش، وعدم ميله للأتراك.

كان عصر سعيد باشا يسوده الحكم العادل، وكان عصر تقدم ثقافي وإصلاح وتطور، وكان أيضاً بداية عصر الديون على مصر. وأُخذ عليه إتلافه للمال.

تُوفي سعيد باشا بالإسكندرية ودفن فيها.

حرص سعيد باشا على محاولة تجنب سلبيات الحكم في عهد عباس ومحمد علي، وكانت له إنجازات إيجابية متعددة، إلا أن الأمر حمل معه أيضاً بعض السلبيات.

1. الإيجابيات

أ. كان عصر سعيد باشا مرحلة تقدم وازدهار للدولة، ولم يكن كأبيه من أنصار الطفرة والتوسع، ولكنه كان محباً لشعب مصر، وقد أحدث إصلاحات متعددة للحياة العامة تلاءمت مع فكرة التطور، وبهذه السياسة أزال أسباب الشكوى السابقة خاصة إرهاق الشعب في التجنيد، وزيادة الضرائب لتمويل الحروب الخارجية.

ب. أقام العديد من الإصلاحات الإدارية، مثل تقييد سلطة الحكام في الأقاليم، وأعاد تنظيم الدواوين وألغى السخرة، ونظم القضاء، وبذلك أعاد النظام الإداري إلى حركته التي تعطلت.

ج. اهتم سعيد باشا بإصلاح الزراعة، وأطلق عليه العصر الذهبي للفلاح المصري، وكان له اهتمام واسع بالتجارة وتطوير خدماتها بالدولة، وكان عصره عصر سلم وعدل ورفاهية.

د. اهتم سعيد باشا بالجيش المصري للحفاظ على صبغته الوطنية وتخلص من الألبان الذين جلبهم عباس باشا في السابق، وكان أول من يسمح لترقية الجندي إلى ضابط تحت السلاح. وبهذه الطريقة ارتقى أحمد عرابي إلى رتبة قائمقام (عقيد).

هـ. شهدت مصر في عهد سعيد باشا العديد من المشروعات، أبرزها مشروع قناة السويس والتي بدأ حفرها عام 1859، وتم افتتاحها عام 1869 في عهد إسماعيل باشا، وفي عهد سعيد امتلكت مصر 177.642 سهماً من شركة قناة السويس، بمعدل 44% من رأس مال الشركة، وفرنسا امتلكت 207.160 سهماً تعادل 52%، أما بريطانيا فكان لها 85 سهماً فقط.

2. السلبيات

أ. عدم اهتمامه بالتعليم لتثقيف الشعب المصري، حيث ألغى ديوان المدارس، ولم تفتح في عهده إلا مدرسة حربية وأخرى بحرية.

ب. كان من أنصار الترحيب بالأجانب وبالغ في إكرامهم، والذين كانوا يخدعونه للحصول على امتيازات ومنح لا تُراعى فيها المصلحة المصرية. وفي عصره كان تدخل القناصل الأجانب في شؤون مصر الداخلية.

ج. رغم أن عصر سعيد باشا كان عصر رخاء إلا أنه كان هناك تناقص في الدخل الحكومي من الضرائب وزيادة مصروفات سعيد المالية في الاستحكامات الحربية ونفقات قناة السويس ونفقات رحلاته الخارجية، مما شكل أزمة مالية للبلاد:

(1) كان سعيد باشا هو أول من استدان من سماسرة أوروبا مبلغ ثلاثة ملايين جنيه، عام 1862، بفائدة تصل إلى 7%، وكان أساسها لتغطية نفقات قناة السويس.

(2) كان سعيد باشا متلافاً للمال وكانت إدارته المالية من أسوأ الإدارات واستحكمت أزمته المالية في أواخر عهده، حتى إنه باع أثاث السراي وما حوته خزائن الحكومة من نفائس.

(3) كانت هباته المالية كثيرة إلى السلطان وحاشية الدولة العثمانية، وكان كرمه زائداً على المصريين والأجانب. ففي عام 1859 توجه سعيد لزيارة سورية، ومكث في بيروت ثلاثة أيام، وكان أثناء مروره في طرقات بيروت ينثر الذهب على الناس.

(4) انتهى الأمر بالحكومة المصرية إلى توقفها عن دفع المرتبات للموظفين والمستخدمين، وأصدر أوراقاً مالية لم يروا مثلها، حيث كانت عبارة تحويلات على المالية المصرية، يعطيها المستخدمون إلى مموليهم من المصريين والأجانب، فكان التجار والأجانب يحاصرون الخزانة المالية كل يوم، حتى هبطت قيمة الجنيه المصري إلى أدنى سعر في السوق.

د. تعهد سعيد باشا في عقد شركة قناة السويس أن يكون أربعة أخماس عمال السخرة الذين يشتغلون في حفر القناة من المصريين، الأمر الذي دفع سعيد باشا إلى حشد مئات الألوف من المصريين، في الفترة من 1859-1869، للسخرة الجبرية في قناة السويس، مما أدى إلى موت 120 ألف مصري نتيجة للظروف القاسية.


إسماعيل باشا

وُلد سنة 1245هـ/ 1830م، وخلع سنة 1296هـ/ 1879م، وتوفي سنة 1312هـ/ 1895م.

هو إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا الكبير. وُلد بالقاهرة، ومرض برمد صديدي، فأخذه أبوه إبراهيم باشا معه إلى الشام، حيث مقره، وتم إرساله في شعبان 1255/ أكتوبر 1839 إلى فيينا للعلاج واستكمال تعليمه هناك، واستمر في فيينا نحو عامين.

سافر إسماعيل باشا من فيينا إلى باريس، ضمن البعثة التعليمية التي عُرفت ببعثة الأنجال، في سنة 1260هـ/ 1844م، حيث درس العلوم الحربية والطبيعة والرياضيات واللغة الفرنسية والعلوم الهندسية، خاصة فن التخطيط والرسم، وهذا سبب شغفه بعد ذلك بتنظيم الشوارع وزخرفة البناء.

كان مع إسماعيل باشا في بعثة باريس حليم باشا وحسين بك، وهما من أبناء محمد علي باشا الكبير، والبرنس أحمد ابن إبراهيم باشا، ونخبة من شباب مصر الأذكياء، وترأس البعثة وجيه أرمني اسمه "اصطفان بك"، وقضوا في البعثة أربع سنوات.

عادت الإرسالية إلى القاهرة، عدا حسين بك بن محمد علي، الذي توفي في باريس، وكان عندها عباس باشا الأول والياً على مصر، ومكث معه إسماعيل على صفاء ومودة، حتى وقع خلاف بين عباس باشا وسعيد حول اقتسام التركة، وانحاز أفراد العائلة الخديوية إلى سعيد باشا، وفي جملتهم إسماعيل باشا.

اتجهت العائلة الخديوية إلى الآستانة ورفعوا دعواهم إلى الوالي العثماني، والذي أرسل وفداً إلى عباس باشا بالقاهرة، وتم تسوية الخلاف، وعادت العائلة الخديوية من تركيا إلى القاهرة، إلا إسماعيل باشا، الذي تم تعيينه عضواً في مجلس أحكام الدولة العثمانية.

بعد وفاة عباس باشا الأول، سنة 1854، وتولي عمه سعيد باشا الولاية، عاد إسماعيل باشا إلى مصر وولاه عمه سعيد رئاسة مجلس الأحكام في مصر، فنظمه على غرار المجلس العثماني، وقائم مقام عند سفر سعيد خارج البلاد.

بعد وفاة سعيد باشا، سنة 1863، انتقلت ولاية مصر إلى إسماعيل باشا، وكان ولاة مصر يلقبونه بالعزيز أو الوالي أو الباشا، ونال إسماعيل رتبة الخديوية، ولُقب بالخديوي لأول مرة في الأسرة الخديوية، كما حصل على فرمان عثماني لنقل الولاية بالإرث إلى أكبر الأولاد، ومنه إلى أكبر الأحفاد، وذلك في 12 جمادى الأولى 1290/ 8 يوليه 1873.

تأثر إسماعيل باشا بالحضارة الأوروبية، وسعى إلى إنشاء المدن والمباني والشوارع والحدائق والمنتزهات ووسائل الرفاهية والثقافة التي تمتاز بها المدن الحديثة، حتى صارت القاهرة ومعظم المدن المصرية ذات وجه جديد، تضاهي مدن أوروبا بعد إزالة السمة الشرقية من عليها، ومن أعظم مشروعاته افتتاح قناة السويس، ودار الأوبرا، والسكك الحديدية وغيرها.

تأسست في عهده المحافل الماسونية الوطنية، وبحمايته تعزز إنشاء الجمعية الماسونية في مصر، وانتشرت مبادئها، وانتظم في سلكه نجله الخديوي توفيق باشا، وجماعة كبيرة من أمراء البلاد ووجهائها.

إلا أن جهود إسماعيل باشا للإعمار جاءت على حساب توريط مصر في ديون مالية عالية، عجزت عن تسديدها. وصدر الفرمان العثماني بعزل إسماعيل باشا بضغوط أوروبية، في 6 رجب 1296/ 26 يونيه 1879، وتولية توفيق باشا خلفاً له.

بعد عزل إسماعيل باشا، توجه إلى أوروبا، وأقام بها. وفي أواخر أيامه انتقل إلى تركيا، وأقام فيها إلى أن توفاه الله، في 6 مارس 1895، وعمره 65 عاماً، وتم نقل جثمانه إلى القاهرة حيث دُفن في مقابر العائلة بجامع الرفاعي.

كان عهد ولاية إسماعيل باشا، كعصر محمد علي، ينطوي على العظمة والبؤس من الوجهتين السياسية والعمرانية، حيث شهدت مصر مخايل العظمة والازدهار، ومحناً سياسية ومالية أفرزت محناً كبرى للدولة، مهدت لقيام الثورة العرابية لاحقاً، وكان عصر إسماعيل باشا يحمل إيجابيات عديدة، وسلبيات محدودة، إلا أنها يمكن وصفها بالإستراتيجية القاتلة:

1. الإيجابيات

أ. كانت أعمال إسماعيل باشا مترامية الأطراف، عكست ذكاءه وبعُد همته، وجدد بإصلاحاته معالم البلاد، وبسط نفوذ مصر من ساحل البحر المتوسط إلى خط الاستواء، وقطعت مصر، كما جاء في صحيفة التايمز البريطانية، عدد 6 يناير 1876، "من التقدم في سبعين عاماً مراحل قطعتها ممالك كثيرة في خمسمائة عام".

ب. اهتم إسماعيل بالإصلاحات الإدارية والقضائية والنهوض بالصناعة والزراعة والتجارة والتعليم، باعتبارها أساس نهضة الدولة، وكون إسماعيل جيشاً قوياً نظمه الضباط الأمريكان، وقام بتحصين الاستحكامات على ساحل البحر المتوسط.

ج. نشأ الرأي العام المصري في أواخر حكم إسماعيل في صورة معارضة منظمة ضد الحكومة القائمة نتيجة لانتشار الحركة الفكرية، وتغلغل التدخل الأجنبي في شؤون البلاد، ومرافقها الحيوية، وكثيراً ما أيد إسماعيل باشا المعارضة المصرية ضد الحكومة في قضايا التدخل الأجنبي، وفي هذا الإطار دعم إسماعيل ظهور الصحافة الحرة التي دفعت بالحركة الدستورية والفكر الدستوري إلى الانتشار.

د. أراد إسماعيل باشا أن يجعل مصر قطعة من أوروبا، وأن تكون القاهرة نسخة من باريس، فأعاد تخطيط المدن المصرية للتخلص من البرك وتوسيع الشوارع والمدن، وتكلف شراء الأراضي في القاهرة والإسكندرية لإنجاز هذه المشروعات مبلغ 139.195 جنيهاً، واهتم بالمعمار المدني والديني والاجتماعي، وكان يتابع ويشرف على مشروعاته شخصياً، حتى لو كان خارج البلاد.

هـ. افتتح إسماعيل باشا، عام 1869، ترعة (قناة) السويس، في احتفال دولي بهيج، بحضور ملوك أوروبا، ورافقها بناء الأوبرا الخديوية بالقاهرة. وكان إسماعيل باشا قد تعرض لرفض السلطان العثماني عبدالعزيز سياسة تشغيل المصريين في السخرة الجبرية لحفر قناة السويس، رغم إرادتهم باعتبارها مخالفة لحريتهم الشخصية، فاضطر إسماعيل إلى إنهاء نظام السخرة ودفعه غرامة للشركة مقدارها 1.5 مليون جنيه.

2. السلبيات

 أ. ديون مصر

(1) أزمة القطن: ازدادت ثروة مصر في أوائل حكم إسماعيل نتيجة اهتمامها بزراعة القطن وتصديره، وارتفعت أثمانه نتيجة الحرب الأهلية الأمريكية، وبلغ إيراد مصر من صادرات القطن 14 مليون جنيه، عام 1864، بعد أن كانت لا تتجاوز أربعة ملايين جنيه، وتوهم إسماعيل أن الحرب سوف تدوم طويلاً، وعقد قرضاً كبيراً لتنفيذ خططه التنموية، إلا أن الحرب توقفت عام 1865، فوقعت الحكومة المصرية في أزمة، إلا أن الأزمة لم توقف الحكومة عن الاستمرار في سياسة القروض، حتى عجزت عن سدادها أو تسديد فوائدها السنوية، التي بلغت ستة ملايين جنيه.

(2) مسؤولية تركيا: حيث أنفق إسماعيل باشا أموالاً طائلة لرشوة السلطان ورجال الدولة العثمانية، والتي قُدرت بعشرين مليون جنيه، مع زيادة الجزية السنوية على مصر لتصل إلى 400 ألف جنيه. وقد حصل إسماعيل مقابل هذه الأموال على ثلاثة فرمانات عثمانية (1866، و1867، و1873)، وكان من أهمها الفرمان الأخير لتخفيف قيود معاهدة لندن 1840، وتنظيم الوراثة لأبناء إسماعيل، والحصول على لقب خديوي، وزيادة عدد الجيش، وعقد القروض والمعاهدات مع الدول الخارجية من غير قيود عثمانية كانت مفروضة سابقاً، عام 1868.

(3) بيع أسهم قناة السويس: باعت مصر أسهمها في قناة السويس إلى إنجلترا بقيمة أربعة ملايين جنيه، ثم تورط إسماعيل في السخاء، فاقترض مليون جنيه من شركة كبرى مقابل رهن حصة مصر في أرباح القناة، أي نسبة 15%، ثم تنازلت مصر عن الرهن للشركة الأجنبية، والتي قامت ببيع الرهن إلى شركة فرنسية. وكانت مصر قد باعت أرباح أسهم قناة السويس سابقاً لعشرين سنة قادمة، ولما اشترت إنجلترا أسهم مصر، سُويت المسألة على قيام الحكومة المصرية بدفع أقساط سنوية بقيمة 200 ألف جنيه، حتى عام 1896.

(4) سياسة أوروبا: استهدفت الدول الأوروبية إغراق مصر في الديون لتحقيق أهداف سياسية، حيث كانت الديون المصرية عام 1868، بقيمة 20 مليون جنيه، وتراكمت الديون نتيجة القروض المتعددة بفوائدها، لتصل إلى 91 مليون جنيه، في أواخر عهد إسماعيل، حتى إنه رهن أملاكه مقابل القروض.

(5) كان من أخطائه المالية إجبار الأهالي على دفع الضرائب لستة أعوام قادمة، مقابل إعفائهم من نصف الضريبة بصفة دائمة، وقد تمكنت الحكومة من الحصول على ثمانية ملايين جنيه، في حين أن حساب الضرائب عن الفترة كان مبلغ 27 مليون جنيه.

(6) كان من نتيجة تزايد الديون، فرض الوصاية على الحكومة المصرية، وإلحاق موظفين أجانب لمراقبة أداء الحكومة، بلغ عددهم في نهاية حكم إسماعيل، عام 1879، 208 موظفين، وارتفع ليصل إلى 1300 موظف أجنبي عام 1882، وكانوا يتقاضون 305 آلاف جنيه في العام.

ب. كان من الممكن حل مسألة ديون مصر، عام 1876، بدفع إدارتها تحت الرقابة المالية الأوروبية وليست البريطانية أو الفرنسية، والعمل على ترقية موارد البلاد، إلا أن المسألة كانت تستهدف توريط مصر في الديون، ودون وعي من إسماعيل باشا تحولت المسألة المالية إلى مسألة سياسية، دون انفراج للأزمة، والتي واجهتها فرنسا وإنجلترا للتعاطي مع الجانب المالي، بقانون التصفية عام 1880، والجانب السياسي بالاحتلال البريطاني عام 1882.

ج. كان من نتيجة عدم وجود أموال لدفع المرتبات، قيام مجلس النظار بالاستغناء عن خدمات 2500 ضابط وجندي، لتوفير نفقات الجند، وقام 400 منهم بالثورة على الحكومة أمام نظارة المالية، والتي كانت الأولى في عهد إسماعيل، حيث جاء إسماعيل باشا إليهم شخصياً، وخاطبهم وهدأهم فانصرفوا.


توفيق باشا

وُلد سنة 1852، وتولى سنة 1879، وتوفي سنة 1892.

هو محمد توفيق باشا بن إسماعيل باشا بن محمد علي باشا الكبير. وهو أكبر أولاد إسماعيل باشا، والذي أدخله مدرسة المنيل وسنه تسع سنوات، ودرس فيها الجغرافيا والتاريخ والطبيعة والرياضيات واللغات العربية والتركية والفرنسية والإنجليزية، وكان ميالاً للعلم من صغره.

تولى المجلس الخصوصي في حياة والده إبراهيم باشا، في سن 19 سنة، ثم تقلد نظارة الداخلية ونظارة الأشغال العمومية، ومجلس النظار.

عندما بلغ الحادية والعشرين من عمره، تزوج بكريمة إلهامي باشا، وهي مشهورة بالجمال والتعقل والكمال. وفي السنة التالية (1874) رُزق بابنه الأول عباس حلمي. وفي سنة 1876 رُزق بالبرنس محمد علي، ثم البرنسيسة خديجة هانم سنة 1877.

بعد عزل أبيه إسماعيل باشا، تلقى توفيق باشا تلغرافاً من الوالي العثماني يحمل موافقة الوالي على تولي توفيق باشا ولاية مصر. كانت أمورها غير مستقرة على جميع المسارات، فالطبقتان: الوسطى والدنيا تعانيان وطأة الضرائب، وطبقة الأغنياء تخشى من خطر على أموالهم، والدول الأوروبية لا تثق في الحكومة المصرية لتأخرها عن دفع الديون المستحقة، ولا يوجد نظام لحفظ حقوقهم، وازداد كره المصريين للأتراك، وخوف الأتراك من الأوروبيين في ظروف أزمة مالية شديدة تمر بها البلاد.

وكانت من أولويات توفيق باشا حل الأزمة المالية، وتعثرت جهوده، وواجه عدداً من الأزمات الداخلية، مثل ثورة عرابي، والثورة المهدية في السودان، ودخول الجيش الإنجليزي واحتلاله لمصر سنة 1882، ووجود معتمد بريطاني في مصر سنة 1883، والذي تحول إلى المندوب السامي البريطاني بعد إعلان الحماية على مصر عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى، سنة 1914، إضافة إلى الانسحاب المصري من السودان والعودة إليها.

إلا أن عصر توفيق باشا حمل الكثير من الإصلاحات الداخلية، وتصاعد الحركة الوطنية المصرية.

عندما تولى توفيق باشا عرش مصر، فوض أمره إلى إنجلترا وفرنسا صاغراً، باعتبارهما أصحاب الامتياز على مصر، ولأنه كان يعلم أنهما هما اللتان حافظتا على عرشه، وكان مثال الضعف والاستسلام لهما، خاصة بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، وإذا كانت هناك بعض الإيجابيات في عهد توفيق، إلا أن سلبياته كان أساسها في الاستسلام للوجود والاحتلال البريطاني.

1. الإيجابيات

أ. شهد عصر توفيق تصاعداً في الرأي العام والحركة الوطنية المصرية، وظهور الأطراف السياسية المعارضة والأحزاب السياسية، وخروج المظاهرات أمام الخديوي مباشرة، والتي تصاعدت لتكون حركة ثورية (ثورة عرابي) تطالب بحياة دستورية حرة وجلاء الأجانب عن مصر.

ب. قام توفيق ببعض الإصلاحات الإدارية والدستورية، وتطوير الزراعة والصناعة والقضاء والتعليم، كما قام بإلغاء الضرائب.

ج. كانت أولى اهتمامات توفيق تصفية الديون، وشكل لها لجنة، في أبريل 1880، وضعت قانوناً ملزماً لتصفية الديون من موارد الدولة، ونجحت خطته جزئياً في التخلص من الديون، مع استمراره في سياسة القروض الخارجية، إلا أنها بفوائد منخفضة، وصلت إلى 5%، و3%.

2. السلبيات

أ. كان النفوذ الأول في القصر الخديوي للأجانب والأتراك والشركس، وإن غلب عليها النفوذ البريطاني والفرنسي، ثم انفرد النفوذ البريطاني بعد عام 1882، بالسيطرة على القرار المصري. وكان ميل توفيق باشا للحكم المطلق بإيعاز من النفوذ الأجنبي لتسهيل سيطرته على البلد، وكانت الحكومة المصرية واقعة تحت يد القنصل البريطاني والفرنسي.

ب. تعرضت الأحزاب السياسية والمعارضة لعمليات قمع وتصفية من أعوان توفيق باشا، ومن النفوذ الأجنبي، والتي أدت إلى ثورة عرابي، عام 1881/1882.

ج. تواطؤ توفيق باشا مع البريطانيين لإخماد ثورة عرابي، وسماحه للجيش البريطاني بدخول القاهرة، ومكافأته للقادة البريطانيين أثارت الشعب المصري، وازدادت معارضته لسياسة توفيق باشا.

د. السماح بتغلغل الجيش البريطاني في النظام السياسي، وقيامه بتغييرات متعددة تتمشى مع العصر الجديد للاحتلال البريطاني، بعد إعادة تشكل مجالس المديريات ومجالس الشورى، والجمعية العمومية، والمجالس المحلية، وإعادة تنظيم الجيش بعد إلغاء الجيش القديم، واستبعاد كل من شارك في ثورة عرابي إضافة إلى تعيين معتمد بريطاني لإدارة البلاد، عام 1883.

هـ. مشاركة مصر في الحملة البريطانية على السودان، لإخضاع الثورة المهدية، عام 1896، لم تكن بهدف تحقيق مصلحة مصرية حينها، بل كانت شكلاً من أشكال الخضوع للجانب البريطاني لتحقيق مصلحة بريطانيا لتوسيع نفوذها في عمق إفريقيا، ولذلك فإن القتلى والكلفة المالية التي تحملها الجيش المصري ذهبت هباءً لتحقيق مصلحة بريطانية.


عباس باشا حلمي

ُولد سنة 1874م، وتولى العرش الخديوي سنة 1892، وعُزل سنة 1914.

هو عباس حلمي بن توفيق باشا، وُلد بالقاهرة، وتثقف في مدرسة عابدين التي شيدها والده، وبعد إتمامه الدراسة بها أرسله والده مع أخيه البرنس محمد علي، إلى مدرسة جنيف في سويسرا، واستمر فيها فترة، ثم انتقل إلى فيينا لاستكمال دراسته في المدرسة الملكية العليا.

أثناء دراسة عباس باشا وأخيه في فيينا، قام بجولة أوروبية زار فيها معظم دول أوروبا، وأثناء دراسته في فيينا تلقى نبأ وفاة والده الخديوي توفيق باشا، في 8 يناير 1892.

عاد عباس باشا من فيينا إلى القاهرة، في 16 يناير 1892، ثم جاءته رسالة الوالي العثماني تحمل فرمان الولاية للخديوي عباس.

اشتهر عباس باشا بتعاطفه الزائد مع المصريين، واهتمامه بنهضة الأقلام الفكرية، واتساع نطاق الصحافة، وإطلاق حرية المطبوعات، وتعدد المطابع والمجلات والصحف، وسائر عوامل النهضة.

تم عزل عباس حلمي في منتصف سنة 1914، بواسطة الاحتلال البريطاني، وتولية السلطان حسين مكانه.

عندما تولى عباس باشا الولاية، كانت البلاد تحت الاحتلال البريطاني، وحينها كان يُقال إن الخديوي يدير البلاد بمشورة الإنجليز.

1. الإيجابيات

أ. إلغاء السخرة بأشكالها المختلفة، وتخفيض الضرائب على الفلاحين.

ب. اهتم عباس بالمجال الزراعي، حيث وسع مساحة الأطيان من خمسة ملايين فدان، لتصل إلى سبعة ملايين فدان، وضاعف مساحة زراعة القطن، وضاعف مساحة ملكية الأطيان، لتصل إلى 1.5 مليون فرد، وأنشأ مدرسة زراعية، وبنك ونقابات وشركات زراعية، وأنشأ قناطر في أسيوط، وخزان أسوان.

ج. أجرى نهضة مالية غير مسبوقة، حيث أنشأ العديد من الشركات العقارية والمالية، وضاعف ميزانية الدولة لتصل إلى 16 مليون جنيه، وأنشأ البنوك المتعددة، مثل البنك الأهلي والبنك الزراعي، والبنك الاقتصادي، ومصلحة البوستة.

د. كانت له نهضة علمية وحركة فكرية، حيث توسع في إنشاء المدارس وظهور حركة فكرية واسعة، عبرت عنها الصحافة الحرة، وأسس الجمعيات العلمية والأدبية، والأندية الاجتماعية.

هـ. حدد عباس تخوم مصر بفرمان عثماني، في مارس 1892، لإظهار حدود مصر الشرقية، عند شبه جزيرة سيناء، وألحقه بتلغراف عثماني، للسماح بوضع الجنود في المويلح والوجه وطابا والعقبة الواقعة على شواطئ الحجاز.

    إلا أن بريطانيا أثارت خلافاً على الحدود الفاصلة بين مصر والشام، وتم توقيع اتفاق عام 1906، لتبدأ الحدود من رأس طابا إلى المفرق لخدمة أغراض صهيونية تالية.

2. السلبيات

أ. لجأ عباس إلى بيع بعض ممتلكات الأسرة الخديوية لتوفير النفقات، وكان منها البواخر واليخوت الخديوية.

ب. أصدر بعض القوانين الجديدة، مثل قانون النفي الإداري كعقوبة في المحاكم، وقانون جديد للمطبوعات عام 1910، لتقييد حرية الصحافة، خاصة ما يتعلق بمعارضة الخديوي والاحتلال البريطاني.

ج. أسرف عباس باشا وحكومته في اضطهاد المعارضة المصرية الرافضة للاحتلال البريطاني، وحتى المعتدلين منهم، مثل سعد زغلول وقاسم أمين وغيرهما، مما أدى إلى نشاط الحركة السرية وانتشار عمليات الاغتيال السياسي.

د. ساهمت سياسة عباس باشا الداخلية والخارجية الخاطئة، والتي جاءت في ظروف الحرب العالمية الأولى، عام 1914، في إعلان بريطانيا الحماية على مصر في ديسمبر 1914، وتحويلها إلى قاعدة عمليات عسكرية بريطانية في الشرق الأوسط، مما أدى إلى تكريس الاحتلال البريطاني لمصر وليس إنهاءه.


السلطان حسين كامل

وُلد سنة 1853، وتولى الولاية في 18 ديسمبر 1914، وتوفي في 4 أكتوبر 1917.

هو حسين كامل بن إسماعيل باشا بن محمد علي باشا الكبير. صاحب والده إسماعيل باشا في منفاه، وعاد إلى مصر في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني.

في 18 ديسمبر 1914، وبعد يوم واحد من إعلان الاحتلال البريطاني الحماية على مصر، أصدرت بريطانيا قراراً بعزل الخديوي عباس حلمي الثاني، والذي كان في رحلة بالآستانة، ومنعه من العودة إلى مصر.

ألغت بريطانيا لقب الخديوي من ولاة مصر، لدلالته العثمانية، ليكون سلطاناً، وعندها حصل حسين كامل باشا على لقب سلطان.

قبل تولي حسين كامل الولاية، كان يُطلق عليه صديق الفلاح، لما له من جهود نحو الفلاحين.

سيطرت على فترة حكمه، رغم قصرها التي لم تتعد ثلاث سنوات، حالات عدم الاستقرار والاضطرابات والاغتيالات، حتى هو نفسه تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة.

خلال حكمه سادت سيطرة بريطانية كاملة على مصر، وأصبحت لبريطانيا أكبر قاعدة عسكرية رئيسية بالمنطقة.

عانى المرض خلال الأشهر الأخيرة من حكمه، وتوفي في أكتوبر 1917، ودُفن في مسجد الرفاعي بالقاهرة.

رغم توجهات السلطان حسين كامل الوطنية لمصر، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق طموحاته الوطنية، نتيجة وجود الاحتلال البريطاني، وقصر فترة ولايته لمدة ثلاث سنوات نتيجة لوفاته ومشاركة مصر في الحرب العالمية الأولى لدعم القوات البريطانية.

1. الإيجابيات

كان للسلطان حسين برنامجه الإصلاحي للزراعة والارتقاء بالصناعة وتحسين الحالة المعيشية للفقراء، خاصة الفلاحين، إلا أن المعتمد البريطاني اختزل البرنامج بما يخدم القوات البريطانية، مثل إنشاء خط السكك الحديدية الزقازيق ـ القاهرة، كان لخدمة نقل القوات البريطانية إلى الجبهة الشرقية، أما الاهتمام بالزراعة والصناعة فكان مرتبطاً بتوفير المؤن والإمدادات للقوات البريطانية، ولذلك فكلها مصالح مشتركة.

2. السلبيات

أ. تحول دور السلطان حسين في حكم البلاد إلى وضع تشريفي بعد انتقال جميع سلطاته إلى المندوب السامي البريطاني، نتيجة حالة الحرب.

ب. التجنيد القسري للعمال والفلاحين لخدمة القوات البريطانية، وانعكاس ذلك على تراجع الأيدي العاملة في الزراعة والصناعة، خاصة الحرف التقليدية، مما أثر في التطور الزراعي والصناعي بشكل عام.

ج. تورط مصر في حروب بريطانيا بالقوات والإمداد اللوجستي، بكلفة مادية وبشرية بعيدة عن المصلحة الوطنية المصرية.

د. انتشار ظاهرة العمل السياسي السري وأعمال العنف وظاهرة الاغتيال السياسي للزعماء والوزراء والمسؤولين.


السلطان/ الملك أحمد فؤاد

وُلد في أبريل 1868، وتولى الولاية في 10 أكتوبر 1917، وتوفي في 28 أبريل 1936.

هو أحمد فؤاد، الابن السادس للخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا الكبير، ووالدته الأميرة فريال كانت أمة لدى الخديوي إسماعيل، وتزوجها بعد إنجاب الأمير أحمد فؤاد بأمر عثماني.

تلقى تعليمه بالقاهرة حتى سن الثامنة، ثم في كلية تورين الدولية بفرنسا، الفترة 1874 – 1880، واستكمل تعليمه في المدرسة العسكرية في نفس المدينة.

رافق والده الخديوي إسماعيل في منفاه خارج البلاد، ولم يعد إلى مصر إلا في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، سنة 1892، عندما عرض عليه قيادة قسم من الجيش برتبة لواء، ثم عمل ياوراً لابن أخيه الخديوي عباس حلمي لمدة ثلاث سنوات.

كان له نشاط اجتماعي واسع، حيث كرس حياته للخدمة الاجتماعية، حيث ترأس مجلس إدارة الجامعة الأهلية وافتتحها في 20 ديسمبر 1908، وكان لشقيقته فاطمة الفضل الأكبر في التبرع لإنشائها، واستمر مديراً للجامعة حتى عام 1913، وأنشأ معهد الأحياء المائية بالإسكندرية، كما كان رئيساً لجمعية الإسعاف الأهلية، وأقام مشروع ترقية مصر لجذب السياح الأجانب للبلاد.

كان من المفروض تولي الأمير كمال الدين بن السلطان حسين كامل ولاية مصر، باعتباره الوارث الحقيقي للعرش، إلا أن بريطانيا أوعزت إلى الأمير كمال الدين بالتنازل عن أحقيته في العرش، وخاطب المندوب السامي البريطاني في مصر الأمير أحمد فؤاد بكتاب رسمي، لتبوؤ العرش المصري، له ولورثته من بعده، حيث تولى العرش في 10 أكتوبر 1917، وعندها ظهرت شخصيته الحاسمة لتشكيل الوزارة ووضع سياسة جديدة للدولة.

كان من أبرز صفاته شغفه بالسلطة وسعيه إلى المحافظة عليها، وكانت له حنكة واسعة في توقع الأمور والأحداث.

تزوج الملك أحمد فؤاد مرتين، الأولى شويكار، وطلقها؛ والثانية الأميرة نازلي الفاتنة، ابنة عبدالرحيم باشا صبري وزير الري، وصديق سعد زغلول، وجدها محمد شريف باشا، المتزوج من ابنة سليمان باشا الفرنساوي، وأنجبت نازلي ولي العهد القادم، الأمير فاروق.

في 14 مارس 1922، صدر أمر سلطاني من السلطان أحمد فؤاد إلى الشعب المصري لتعديل لقبه إلى ملك، وبذلك أُعلنت الملكية في مصر، وأصبح أحمد فؤاد أول ملوك مصر. وجاء القرار السلطاني هنا استناداً إلى تصريح بريطاني، في 28 فبراير 1922، بإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وإنهاء الحماية البريطانية على مصر.

خلال الفترة من 1934 – 1936، عانى الملك أحمد فؤاد المرض، واشتد عليه في أواخر أيامه، وتوفي في 28 أبريل 1936، ودُفن في جامع الرفاعي بالقاهرة.

كان الملك أحمد فؤاد محباً لمصريته وعروبته، إلا أن شغفه بالسلطة والمحافظة عليها خلق العديد من السلبيات خلال حكمه لمصر.

1. الإيجابيات

أ. تمكن أحمد فؤاد من استعادة بعض سلطاته من المندوب السامي البريطاني، مما مكنه من إصدار أول دستور مصري، عام 1923، وتعديله عام 1930، ودعمه لتشكيل أحزاب سياسية جديدة لإنعاش الحركة الوطنية الديموقراطية، وإعادة وزارة الخارجية المصرية للقيام بمهامها، كما أجرى العديد من الإصلاحات السياسية، خاصة تولي المصريين المناصب الكبرى، والحريات الدينية، والحرية الصحافية ومجانية التعليم، واستقلال القضاء، ووضع أسس للحياة النيابية.

ب. اهتم أحمد فؤاد بالإصلاحات الاقتصادية والزراعية والثقافية، وتطويرها على النظام الغربي الحديث، والتي انعكست على حالة الدولة، وما زالت بعض إنجازاته قائمة حتى الآن، كما حققت إنجازاته دوراً مصرياً ريادياً على المستوى القومي العربي.

ج. تصاعد الحركة الوطنية المصرية وظهور شخصيات تاريخية، مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وغيرهما، وكانت الحركة المصرية إلهاماً لتصاعد الحركة القومية العربية.

د. استعاد الجيش المصري مكانته في عهد أحمد فؤاد، حيث تضاعف عدده عام 1927 إلى خمسة أضعاف ما كان عليه عام 1914، وتم تحديث تسليحه بأسلحة بريطانية، كما تم إنشاء سلاح طيران مصري عام 1932 لأول مرة، إضافة إلى تخفيض مدة التجنيد لتكون ثلاث سنوات بدلاً من خمس سنوات.

2. السلبيات

أ. تأثرت الحالة المصرية بطموحات أحمد فؤاد وشغفه بالسلطة والمحافظة عليها لتبنيه فكرة حكم الفرد، والقرار الوحيد المستبد. فرغم سياسته لتنشيط الحركة الدستورية وإصدار دستور مصري لأول مرة، إلا أنه سعى في نفس الوقت إلى تعطيله وحل البرلمان واعتبار سلطة الملك تفوق سلطة الدستور، وتبنيه سياسة تعيين حكومة أقلية لضمان ولائها للقصر الملكي، أي بما يعني تفريغ الشيء من مضمونه، وعلى ذلك يمكن وصف  جهود الإصلاح السياسي بأنها جهود شكلية ليكون محورها الملك أحمد فؤاد.

ب. كان للسياسة الداخلية الخاطئة للملك أحمد فؤاد، أثرها في صدامات متعددة مع الحركة الوطنية المصرية، والتي مثلت في حينها الأغلبية الشعبية، خاصة حزب الوفد، إضافة إلى تحالفاته مع أحزاب الأقلية لتجنب الصدام مع الاحتلال البريطاني، والتي أدت إلى كراهية الشعب له ووصفه هو وحكوماته بالمتآمر والمتحالف مع الاستعمار الأجنبي.

ج. دور أحمد فؤاد في إشعال الفتنة بين طلبة جامعة الأزهر والجامعة الأميرية عام 1925، ودعوته لتنصيب نفسه خليفة للمسلمين، بعد إلغاء نظام الخلافة في تركيا، واضطهاده لأدباء مصر، خاصة الدكتور طه حسين، وتدخلاته في شؤون الجامعة الأميرية.

د. الدور السلبي لأحمد فؤاد في ثورة 1919، وأزمة عام 1924، التي جاءت بعد اغتيال سردار الجيش المصري في السودان، وطلب بريطانيا سحب الجيش المصري من السودان، وأساس الأزمة كان بين القصر وسعد زغلول رئيس الوزراء، حيث استقال على أثرها نتيجة للدور السلبي لأحمد فؤاد في الأزمة.

هـ. الدور السلبي لأحمد فؤاد في مواجهة أزمة الجيش المصري، عام 1927، والذي طالب بالارتقاء بأحوال الجيش وتسليحه وتدريبه، وإلغاء سيطرة الاحتلال البريطاني على الجيش المصري في المناصب الرئيسية، وتبعية مصلحة حرس الحدود للقوات البريطانية، ورغم تحويل الأزمة لتحصل على تأييد الحكومة والبرلمان المصري، إلا أن أحمد فؤاد حول الأزمة إلى الجانب البريطاني ليرفضها خشية الرفض أو الموافقة من جانبه.


الملك فاروق

وُلد في 11 فبراير 1920، وتولى المُلك في 6 مايو 1936.

كان مولد فاروق عيداً ملكياً عند والديه، وحوله والده الملك فؤاد إلى عيد شعبي للدولة، لضمان وراثة العرش.

حرص والده الملك فؤاد على تنشئته بأسلوب قاسٍ، لإعداده للحكم وتولي السلطة، إلى جانب تنشئته بأسلوب أوروبي صارم، أدى إلى عزلته عن المجتمع، وعدم شعوره بعطف والديه، الأمر الذي قاده إلى التعامل مع خدم القصر كأصدقاء له.

كان أول ظهور للأمير فاروق، عندما صاحب والده في 7 أبريل 1932، لحضور الاحتفال الرسمي الخاص بالمرشدات، الذي أُقيم بالنادي الأهلي، ثم نًُصب كشافاً أعظم في 27 أبريل، ولُقب بأمير الصعيد في 12 ديسمبر 1932.

ناب عن والده بسبب مرضه، عام 1934، لحضور الاحتفال الرسمي لسلاح الطيران البريطاني بمصر الجديدة، في 23 فبراير 1934، وافتتح مؤتمراً للبريد في العام نفسه.

رغم معارضة والديه سفره للتعلم بالخارج، إلا أنه سافر بإصرار من المندوب السامي البريطاني في مصر والحكومة البريطانية، والتحق فاروق بأكاديمية وولتش الحربية البريطانية، حيث رافقه في سفره أحمد حسنين باشا المرتبط ببريطانيا، والفريق عزيز المصري كمرشد للمعلمين الذين سيتولون مسؤولية التدريس لفاروق.

تلقى فاروق نبأ وفاة والده وهو في الخارج، حيث عاد إلى القاهرة، وتولى العرش رسمياً في 6 مايو 1936.

عندما تولى فاروق العرش، لم يبلغ سن الرشد لتولي العرش، وهو 18 عاماً، وذلك طبقاً للقانون 25 لسنة 1922، حيث تم تشكيل مجلس وصاية برئاسة الأمير محمد علي، وعضوية علي عزت وشريف صبري خال الملك فاروق، وذلك بعد موافقة البرلمان.

خلال مجلس الوصاية، تم استكمال تعليم الملك فاروق بمنهج ثقافي مركز، وتولى العرش كاملاً في 29 يوليه 1937، بعد استكماله 18 عاماً هلالياً.

ثار جدل واسع حول شخصية الملك فاروق بين الإيجابيات والسلبيات، إلا أن خلاصة الأمر أنه لا يختلف كثيراً عن والده وأجداده من أسرة محمد علي.

كان لصغر سن الملك فاروق عند توليه عرش مصر وحاشيته المحيطة به والاحتلال البريطاني، أثرها البالغ في تحديد ملامح سياسته، بما تحمله من إيجابيات وسلبيات.

1. الإيجابيات

أ. كان الملك فاروق محباً لوطنيته المصرية، وقوميته العربية، ودينه الإسلامي، مع وجود تعاطف شعبي مصري نحوه.

ب. سار على نهج والده أحمد فؤاد لإنهاء الاحتلال البريطاني بالعمل الدبلوماسي وتجنب الصدام معه، وسعى لتنظيم العلاقة بين القصر والأحزاب السياسية والاحتلال البريطاني لاستقرار الحكم.

ج. نجاح الملك فاروق فيما فشل فيه والده أحمد فؤاد لعقد معاهدة 1936، لإنهاء الاحتلال البريطاني، ورغم أن أحمد فؤاد هو الذي بدأ المفاوضات لعقد المعاهدة، إلا أنها تُحسب للملك فاروق، الذي وقعها وهو تحت الوصاية.

د. تبنى فاروق سياسة حكومة الأقلية الحليفة للملك، لضمان الولاء. وتوجه للاستعانة بالقيادات الشابة لتجديد الحياة السياسية، والتخلص من كبار السياسيين القدامى.

هـ. تبنى فاروق سياسة داخلية خاصة (دبلوماسية شعبية) لدعم شعبيته والتقرب من الشعب المصري، وانتهز جميع الفرص لتحقيق ذلك، مثل زياراته الميدانية، وتبرعاته السخية على الفقراء، ورحلاته المتكررة في أرجاء مصر، واهتمامه بالمشروعات القومية، ودوره في مواجهة مرض الملاريا في صعيد مصر عام 1944، وغيرها، إضافة إلى دوره لإبراز بعده عن الارتباط القوي بالاحتلال البريطاني، ودوره غير المباشر لدعم ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

و. دور الملك فاروق في قيام جامعة الدول العربية، عامي 1944، 1945، وفي حرب فلسطين، عام 1948، رغم ما لحقها من انتقادات.

2. السلبيات

أ. نتيجة اعتماد فاروق على حكومات الأقلية، كان دائم الصراع مع حزب الوفد ذي الأغلبية، وتعددت في عهده الأزمات الدستورية.

ب. تورط مصر بالمشاركة في الحرب العالمية الثانية، إلى جانب القوات البريطانية بشكل كبير، على مستوى المشاركة بالقوات أو الإمداد بالاحتياجات اللوجستية للقوات البريطاني، أو حتى بالأموال المصرية، وكلفة الحرب المادية والبشرية، لتحقيق مصلحة بريطانية، مما أدى إلى تراجع الاقتصاد المصري بسبب الحرب.

ج. التوجه الأيديولوجي لفاروق للزعامة الإسلامية، وتحالفه مع الإخوان المسلمين وجماعة مصر الفتاة، لتولي الخلافة الإسلامية، وتداعيات ذلك إلى خلق مشاكل وأزمات على مستوى الأحزاب السياسية.

د. دعم الملك فاروق لزيادة الاحتكار الرأسمالي وتحكم قلة من الرأسماليين في ثروات مصر الزراعية والصناعية، مما أدى إلى غياب العدالة الاجتماعية في ظروف عدم اهتمام الدولة بالأغلبية الفقيرة من الشعب المصري.

هـ. رغم توقيع فاروق لمعاهد 1936 لإنهاء الاحتلال البريطاني، إلا أنه فشل في تنفيذها لجلاء القوات البريطانية عن مصر. ورغم قيام الحكومة المصرية بإلغائها عام 1951، إلا أنها كانت من طرف واحد ولم يتحقق منها إلا حفظ المعاهدة واستمرار الجدل حولها، مما أدى إلى تصاعد الكفاح الشعبي ضد الاحتلال البريطاني.

و. الدور السلبي لفاروق والقصر نحو أعمال المقاومة المصرية ضد الاحتلال البريطاني في منطقة قناة السويس، عام 1951، الأمر الذي أدى إلى صدام بين فاروق والحكومة المصرية والرأي العام الشعبي، مما زاد الهوة بين الملك وحاشيته والجماهير المصرية.

ز. تصاعد حالة القلق السياسي والاجتماعي في أواخر عهد فاروق، وتصاعد الاضطرابات، والإضرابات، والتظاهرات الشعبية، والاغتيالات السياسية، ومصادرة الصحف، وتزايد معها استخدام الإجراءات البوليسية الأمنية ضد العناصر الداعية إلى التغيير في المجتمع.


علي بك الكبير

تولى مشيخة البلد في القاهرة، الفترة من سنة 1177هـ/ 1763م، إلى سنة 1187هـ/ 1774م.

كان علي بك الكبير مملوكاً عند إبراهيم كخيا شيخ بلد مصر، سنة 1156هـ، والذي كان في حوزته وجاق من ألفي مملوك إنكشاري. وترقى علي بك مع إبراهيم كخيا من سلحدار إلى كاشف إلى بك، لمهارته وذكائه وشجاعته.

بعد وفاة إبراهيم كخيا، سنة 1168هـ، تعرض علي بك إلى مؤامرات داخلية، وأخرى من الباب العالي في الآستانة، واستطاع بفطنته التغلب عليها، وتولى مشيخة البلد في مصر سنة 1177هـ، وأعلن استقلال مصر عن الدولة العثمانية سنة 1183هـ/ 1770، في ظروف ضعف الدولة العثمانية في حربها مع روسيا.

أجرى إصلاحات متعددة في الهيكل الإداري للدولة، وقام بتخفيض العثمانيين في الوظائف الرئيسية والجيش، وطرد الوالي العثماني من مصر.

بعد تشكيل علي بك لجيش مصري قوي، سنة 1775، بدأ في حملاته الخارجية، ووصل إلى اليمن وشبه الجزيرة العربية، ومنها مكة المشرفة، خلال ستة أشهر، ونصب ابن عمه الأمير عبدالله شريفاً على مكة، وحصل علي بك على لقب سلطان مصر وخاقان البحرين.

امتدت فتوحات علي بك إلى الشام باعتبارها أرضاً مصرية، واستولى على الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية بنهاية عام 1775، خلال ستة أشهر.

إلا أن قادته خانوه وانقلبوا عليه وقتلوه، سنة 1187هـ/ 1774م، حيث عادت بعدها مصر تحت وصاية الدولة العثمانية.

كان من مناقبه الفراسة والذكاء والاطلاع، ومن مآثره بناء جامع السيد البدوي بطنطا، وتجديد جامع وقبة الإمام الشافعي، ووكالات بولاق. ولا يزال هذا الرجل مميزاً عند المؤرخين.


علي باشا مبارك

مؤسس الحركة التعليمية في مصر، في عهد إسماعيل باشا (1863 – 1879).

عمل ناظراً للقسم الهندسي لديوان الأشغال، سنة 1281هـ/ 1864م، ثم مديراً للمدارس الملكية، إضافة إلى عمله السابق، سنة 1284هـ/ 1868م، ثم مأموراً لمصلحة المرور، إلى جانب وظائفه السابقة، سنة 1285هـ/ 1868م.

في عام 1285هـ/ 1869، أُضيفت إليه نظارة الأوقاف، ثم أُرجعت إليه نظارة الأشغال عام 1286هـ/ 1869م، وفُصلت عنه إدارة السكك الحديدية، وأُعيدت إليه سنة 1286هـ/ 1869م.

انفصل عن إدارة الأشغال والمدارس، سنة 1288هـ/ 1870م، وعن إدارة السكك الحديدية، سنة 1287هـ/ 1870م، وعن نظارة الأوقاف، سنة 1287هـ/ 1871م.

تعين مديراً للمكاتب (المدارس) الأهلية، سنة 1287هـ/ 1871م، ثم نظارة الأشغال والمدارس، سنة 1288هـ/ 1871م، وأُرجع إليه ديوان الأوقاف، سنة 1288هـ/ 1871م. ثم عُين ناظراً للأوقاف والمدارس، سنة 1289هـ/ 1872م، ثم عُين مستشاراً للأمير حسين كامل ناظر المدارس والأوقاف والأشغال والمكاتب العمومية، سنة 1289هـ/ 1872م.

عُين علي مبارك وكيلاً للأشغال العمومية، وعضواً في المجلس الخصوصي، سنة 1290هـ/ 1873، ثم مستشاراً لنظارة الأشغال، سنة 1292هـ/ 1875م، ثم عُين ناظراً للمعارف، سنة 1295هـ/ 1878م، وضُمت إليه نظارة الأشغال والأوقاف، ثم أخذت منه نظارة الأشغال، سنة 1296هـ/ 1879م.


سليمان باشا الفرنساوي

وُلد في ليون بفرنسا، سنة 1787، وكان اسمه يوسف سيف.

خدم بالبحرية الفرنسية، سنة 1799، وكان في الثالثة عشرة من عمره، وشارك في حروب الطرف الأغر (ترافلجار)، سنة 1805، مع الأسطول الفرنسي ضد الأسطول البريطاني، الذي قاده الأميرال نيلسون.

شارك في الحرب الفرنسية النمساوية وأُسر فيها لمدة عامين حتى جاءت حملة بونابارت على روسيا، سنة 1802، فشارك فيها وأظهر بسالة عالية، وكان برتبة كولونيل قائمقام (عقيد)، بعد عودة الحملة.

بعد خروج نابليون بالأسر والنفي من فرنسا، قضى بتطهير الجيش الفرنسي، وخرج سيف من الجندية، وحاول الاتجاه إلى التجارة ولم يفلح فيها.

بتوصية من أحد أصدقاء سيف، توجه إلى محمد علي باشا في مصر، سنة 1819، وكلفه بداية بالبحث عن الفحم الحجري في السودان، ولم يعثر على شيء، وعاد إلى القاهرة، وبدأ انخراطه مع الجيش المصري، وكان له الفضل في إعداد وتجهيز وتدريب الجيش المصري وأسطوله البحري في عهد محمد علي، وحارب تحت علم الحكومة المصرية في المورة وسورية وغيرها.

بعد فترة من وجوده في مصر، أسلم، وأطلق على نفسه سليمان الفرنساوي، ثم حصل على الباشوية، وسُمي "سليمان باشا الفرنساوي"، وتوفي بالقاهرة، سنة 1860.



[1] تعني رئيس بلوك، والبلوك قسم من أقسام الأوجاق العسكري، والأوجاق طائفة من الجند.