إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الأولى (1157 ـ 1233هـ) (1744 ـ 1818م)






مناطق ضرما والوشم والسر
منطقة الوشم
منطقة الأفلاج والدواسر والسليل
منطقة الحوطة
منطقة الخرج
منطقتا سدير و(الغاط والزلفي)
وادي حنيفة وروافده
الرياض وفروع وادي حنيفة
الشعيب والمحمل
حملة إبراهيم باشا
عالية نجد



1

و. من رسائل الإمام سعود بن عبدالعزيز الوعظية

ـ 1 ـ

من سعود بن عبدالعزيز إلى عامة المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعود إلى من يراه من المسلمين، سلمهم الله من الآفات، ووفقنا وإياهم لفعل الطاعات، وجنبنا وإياهم فعل المحظورات.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد موجب الخط النصيحة لكم والشفقة عليكم، والعذر من الله مما يتعلق بنا من حقوقكم، وعلينا الجهد، والتوفيق بيد الله، ]وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[ (سورة هود، الآية: 88).

والنصائح كثرت، ولا أراها تثمر في كثير من الناس. وأعظم النصائح، وأبلغ النصائح، نصائح الرب ومواعظه لعبيده، وتبيينه لهم، سبحانه، ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، وتحذيره لهم ما يضرهم في دنياهم وآخرتهم، ومن سمع القرآن، وقرأه فالذي قلبه حي كُفي بالقرآن واعظاً.

والله سبحانه وتعالى منَّ علينا بدين الإسلام، وكل نعمة دون نعمة دين الإسلام، وهو أعظم نعمة أنعم الله بها على العبيد، وجمع الله لكم فيه بين خير الدنيا ورجاء ثواب الآخرة، وأعطاكم به فوق ما تؤملون، وصرف به عنكم جميع ما تكرهون، وهو المحمود على جميع الأحوال فكونوا ممن يحدث عند النعمة شكراً، وعند المصيبة صبراً، وينفق مما أتاه الله في السراء والضراء، والشكر أعمال، كما قال: ]اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[ (سورة سبأ، الآية: 13).

وأكثر ما نخاف علينا وعليكم، عدم العمل بما نعرف، وهو المصيبة الكبرى، فلو يحصل العمل بالشيء الذي يشهد الناس أن الله أوجبه، ولا يبقى تقصير إلا في الذين يجهلونه؛ ثم الأمر، وهو مثل ما ذكر من عمل، بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم، والذي أوصي به نفسي، وأوصيكم به، تقوى الله في السر والعلانية، وإخلاص جميع الأعمال لله وحده لا شريك له، ومتابعة الرسول r. وهذان الأصلان هما جماع الدين، ولا يستقيم دين إلا عليهما كما قال تعالى: ]فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[ (سورة الكهف، الآية: 110). وأنتم تعلمون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة، مع كونه فريضة، حقق عليكم في العهد كما قال تعالى: ]فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[ (سورة الفتح، الآية: 10).

ولو علمت أن هذا الفتور يجري منكم، ما أكدته عليكم في العهد، مع أن هذا شيء أوجبه الله، والعهد زيادة تأكيد، ولا لأحد عذر ليتعذر به من الله، إلا والعياذ بالله إن كان عدم ديانة، أو تغافلاً من الذي فيه ديانة، والدين مثل ما قال الله جل جلاله: ]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[ (سورة الحجر، الآية: 99)، لا بد من العمل به ما دام الروح في الجسد، وهذا ظاهر ولا أحد تغير عن حاله بقيام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وانتم تعلمون أنه ليس هذا بأحسن من وقت النبي r، ولا بلداننا خير من مدينة رسول الله r، وتفهمون ما يقع فيها من العدد والأدب، فالنبي r همّ بإحراق البيوت على المتخلفين عن الصلاة مع الجماعة، وذكر رسول الله r: ما منعه إلا من في البيوت من النساء والذرية، وأنتم هؤلاء ترون ما وقع من الناس من الخلل في الصلاة، من التخلف عن صلاة الجماعة، وتضييع أهل الأطراف، والنخيل، الصلاة، وتركهم كلاً يصلي على هواه، وتأخيرهم أكثرهم الصلاة عن وقتها، والإساءة في الصلاة، من مسابقة الإمام فيها، ونقر الصلاة، وذكر المحسن في صلاته، شريك للمسيء إذا لم ينهه، وما وقع من خلل الناس في زكاتهم، ومن الناس من يخرج زكاة لا تجزي عنه، ومنهم من يمنعها، ومنهم من يبخل ببعضها.

وكذلك يذكر لنا في بعض البلدان بخس المكاييل والموازين، وأيضاً اجتماع الرديين (الرديئين) في مقاهي ومعاشر ولا يمنعون، وكذلك الربا في المبايعات، وأنتم تفهمون تغليظ الرب تعالى في الربا، قال تعالى: ]يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ[ (سورة البقرة، الآية: 276). وقال: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ  (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُـمْ تَعْلَمُـونَ (280) وَاتَّقُــوا يَوْمًـا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[ (سورة البقرة، الآيات: 278 ـ 281).

وقال تعالى: ]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ (سورة البقرة، الآية: 275). واستحل كثير من الناس الربا بشبه، وهو مثل ما ذكر: لا تستحلوا محارم الله بأدنى الحيل، ومثل ما ذكر: من استحل محرماً فقد كفر، فالمستحل لهذا مخادع لله، والله أعلى وأجل، ]وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[ (سورة البقرة، الآية: 9)، وصور البيع ومداخله، تشرفون عليها، إن شاء الله، بخط آل الشيخ، نحن ما نعين الناس على المبايعة بها.

وأنا ملزم كل أمير، وكل مطوع، وكل صاحب دين، يخاف الله ويرجوه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يقوم على الناس في جميع ما ذكرنا من المسائل التي ذكر، وغيرها، من جميع المنكرات، ويقومون على الناس في تعلم دينهم، وأداء ما فرض الله عليهم، وطلب العلم، وإلزام كل من يتخرج في طلب العلم، وتنشئة الصغار على تعلم القرآن، وكل أهل بلد يجعلون عندهم نسخة، فإذا جرى مبايعة فيشرفون عليها مطوع البلاد، ويكتب المطوع على المبايعة.

وأنا آمر هؤلاء الذين معهم الورقة، يختارون من كل أهل بلد ثلاثة أهل دين، وأنا ملزمهم بتتبع التجار والفلاح في مسألة المبايعة، ومن فعل شيئاً مما بيننا في هذه الورقة، فيبينون للأمير، فإن كان الأمير ما قام وأدب، وأدبت الفاعل، وهذه أمور وخيمة، وخطرها كبير في الدنيا والآخرة، ولا والله ما حملني على هذا إلا المشحة بكم، والخوف من الله عليكم وعليّ، والله جل جلاله قال: ]ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[ (سورة الأنفال، الآية: 53)، ونعوذ بالله من التغير ونسأل الله لنا ولكم العافية.

وأحاذر علينا وعليكم من هذه الآية التي ذكر الله سبحانه، وحذر عنها أصحاب رسول الله r، وذكر أنها نزلت بعد الهجرة بأربع سنين قوله تعالى: ]وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ[ (سورة الحديد، الآية: 16)، وقسوة القلب كفى بها من عقوبة، أعاذنا الله وإياكم من ذلك. وذكر أن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي، وأنتم ترون مثل ما قال جل جلاله: ]وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ[ (سورة البقرة، الآيات: 155 ـ 157). وقال تعالى: ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[ (سورة الشورى، الآية: 30). وقال تعالى: ]أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ[ (سورة التوبة، الآية: 126). وقال تعالى: ]وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[ (سورة الأنبياء، الآية: 35).

وقال تعالى: ]فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ (سورة الأنعام، الآيات: 43 ـ 45). فلا جعلنا الله وإياكم أمثالهم وأشباههم أعاذنا الله وإياكم من ذلك، ومثل ما ذكر: ]ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة[. قال الله تبارك وتعالى إخباراً عن نوح u قال: ]يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[ (سورة نوح، الآيتان: 11 ـ 12).

والتوبة لها شروط ثلاثة: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزيمة على ألا يعود، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

ـ 2 ـ

ز. رسالة من الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى عامة المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعود بن عبدالعزيز إلى من يصل إليه من المسلمين، سلمهم الله تعالى من الآفات واستعملنا وإياهم بالباقيات الصالحات، وجنبنا وإياهم فعل المحظورات، ووقانا وإياهم السيئات آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، موجب الخط النصيحة لكم والشفقة عليكم والعذر من الله، حيث استرعانا عليكم، أني أبذل لكم جهدي، في كل ما أقدر عليه، خفاء وبياناً، فيما يصلح به أمر دينكم ودنياكم، والله تعالى، وجل ذكره، وتقدس اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره، منَّ علينا وعليكم بالحنيفية، ملة إبراهيم، ودين محمد عليهما أفضل الصلاة والسلام، وأعطاكم به من جميع المنح الربانية، والنعم الإلهية، ما لم تظنوا، والله تبارك وتعالى قال ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ونعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات، من غضبه وعذابه، وأليم عقابه، ونسأله أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم ]مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا[ (سورة النساء، الآيتان: 69 ـ 70). وقد جاءكم نصائح كثيرة وأمر وإلزام، وأرى العمل قليلاً، والمصالح عائدة لكم في الدنيا والآخرة، والمضار عائدة لكم في الدنيا والآخرة.

وأعظم ما نوصيكم به ونرغبكم فيه، وصية الله في الأولين والآخرين، وهي معرفة هذه النعمة العظيمة، والمنحة الجسيمة، دين الإسلام الذي ليس لله دين سواه، ولا يقبل من أحد ديناً غيره، كما قال تعالى: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[ (سورة المائدة، الآية: 3). وقال تعالى: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ (سورة آل عمران، الآية: 85). وكما ذكر عن عمر t، حيث قال: إن للإسلام فرائض وشرائع وحدوداً، فمن استكملها، استكمل الإيمان. وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً[ (سورة البقرة، الآية: 208). والدين عمل كما ذكرنا: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، ولا بد من العمل بالدين، والصبر على الأمر، والنهي، إلى الممات إن شاء الله.. ومواعظ القرآن كثيرة كافية.

ومن لا يتعظ بكلام الله لم يتعظ بغيره، ولكن أخوف ما أخاف علينا وعليكم، من عدم العمل بما نعلم، ومن قسوة القلوب، ومن طول الأمل، ومثل ما ذكر عمر: أنها تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وكثرت عليكم المراسلات والأمر والإلزام، وأنا أخاف عليَّ وعليكم خوفاً شديداً من عدم العمل، ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك بعض الأمر، خوفاً من أمر يجب عليكم، فتقع به مضرة، وأنتم خابرون، أني ملزم الأمير يقوم على الناس في أمور دينهم، من حيث الجملة من تعلم وتعليم، ويقوم على الناس في قمع من جرى منه شيء يستوجب إن كان الأدب فيه حكم شرعي، أو حد، لزمه الإمضاء، وإن كان أدباً غير أدب يعهده على قدر ما يردع أرباب المعاصي، والقومة على الناس في تفريق الرديين (الرديئين) وفي جمع الذي يدعي الدين، والقومة على الناس في أنواع التهم، والقومة على أهل مواقف التهم، والقومة عليهم في بخس المكاييل والموازين ومن مداخلة الربا في البيوع، وبخس الزكاة، أو إعطائها من أرذل المال، وما جرى مجرى هذا، والقومة في الجهاد، من إتمام السلع والسلاح الطيب، والرجال الطيبين، والقومة على الخيل وتمام آلاتها.

وكذلك الجهاد الداخلي من رهن الزهبة، والبناء على البلدان وغير ذلك، وانتم خابرون أني ملزم كل من يخاف اللّه ويرجوه، القومة مع الأمير بهذا كله: فان تردى الأمير، فالذي له دين يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينصح أميره بالقيام، فاذا ما قام الأمير، فيرفع لنا الخبر، وأنتم تفهمون أنه ما يجيء بني آدم نقص، ولا قحط، ولا تسلط عدو، ولا غير ذلك من أنواع العقوبات، والمصائب، الا بسبب أفعالهم، وعفو اللّه أكبر. وأنتم في شهر مبارك تقبل فيه التوبة، وتقال فيه العثرات، وتجاب فيه الدعوات، ومستقبله عند انقضائه إن شاء اللّه حج وجهاد في سبيل اللّه، فأنتم استعينوا باللّه على أنفسكم الظالمة لكم، وقلوبكم القاسية، فإن اللّه نعم المولى ونعم النصير، وأنا كنا لبئس العبيد، وتوبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنين لعلكم تفلحون.   

وقوموا بما أوجب عليكم إيماناً واحتساباً، واحذروا مخالفته، فان مخالفته دمار الدين، ونزول دار البوار، أعاذنا اللّه وإياكم من ذلك، وهذه الأمور، اختبار من اللّه تبارك وتعالى، كما قال تعالى: ]وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[ (سورة الأنبياء، الآية: 35). ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ونسأله لنا ولكم الهداية، وبه التوفيق والحماية عما يغضبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  وأنتم خابرون أني قد لزّمت على كل أمير ناحية، يخص على خمسة عشر، أو أكثر أو أقل، من أهل بلدانه، ويلزمهم طلب العلم، لأنه أمر ضروري، ومثل ما ذكر: أن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس، رؤساء جهالأ فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلُوا وأضلُوا.

ولا أعذر كل أمير ناحية، إلا عنده ناس "مخصوصين"، يلزمهم طلب العلم، ويكتب لنا أسماءهم في ورقة، ونوصلهم لهم إن شاء الله ما يعاونهم على معيشتهم، ويحتسبون الثواب عند الله، كما ذكر ]لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النَّعَم[، وأيضاً للمساكين في كل بلاد معزول لهم حقهم الذي فرض الله لهم، ربع الزكاة، وألزمنا نظراءهم يشرفون على ربع الزكاة في كل بلاد، ويفرق على الفقراء والمساكين، ويذكر لنا أن بعض النظراء يحط الربع، أو شيئاً منه وفاء، أو رفداً لأهل الأموال، وهذا أمر لا يحل، ولا نرضى به، ولا نأذن به، لا أحد يأخذ منه شيئاً، جديدة[8] فيما دونها، ولا بد منه، يوحد للفقراء وللمساكين، ولا يعط منه إلا الأحوج ما يكون له، والسلام، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

ـ 3 ـ

ح. من سعود بن عبدالعزيز إلى عامة المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأرضانا به ديناً عن سائر الأديان، ورزقنا متابعة نبيه من خلفه وخيرته من خلقه، محمد بن عبدالله سيد ولد عدنان، وجعلنا نجاهد في سبيله على بصيرة، حتى يكون الدين كله لله، ونطمس الأوثان، وله الحمد على ذلك حمداً كثيراً لا يحصي عده إنسان. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وصفاته، التي لا يشبهها شيء من صفات الإنس والجان. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينة على وحيه، وخيرته من خلقه، الذي اصطفاه واختاره على جميع كائن من كان. والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق، صلوات الله وسلامه عليهم، في كل وقت وزمان، وسبحان الله وبحمده، عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته، وملء سماواته، والله أكبر كبيراً، وأعلى قدراً وشأناً، ولا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره المشركون، من أهل الشرك والأوثان، وأستغفر الله، وأتوب إليه من جميع الذنوب والخطأ والنسيان.

من سعود بن عبدالعزيز إلى من يراه من المسلمين سلمهم الله من الآفات، ووقاهم جميع المهمات، وهداهم لفعل الطاعات، وجنبنا وإياهم فعل جميع المحظورات، ووسع علينا وعليهم من جميع الطيبات، وحمانا وإياهم عن الأهواء والضلالات، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد موجب الخط المحبة لكم، والشفقة عليكم، والنصح لكم، والمعذرة إلى الله، ووالله إني أحب لكم من الخير ما أحب لنفسي، وأكره لكم من الشر ما أكره لنفسي، وإن أعظم ما أحبه لكم، طاعة الله ورسوله، وأعظم ما أكره لكم معصية الله ورسوله، لأن طاعة الله ورسوله بها حصول خير الدنيا والآخرة، ومعصية الله ورسوله، بها زوال الدنيا والآخرة، ولله، جل جلاله، وتقدست أسماؤه، أعظم النعم علينا وعليكم، كما قال جل من قال: ]وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً[ (سورة لقمان، الآية: 20) ولا نقدر نعد ما أنعم به من جلب كل خير، ودفع كل شر، ]وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا[ (سورة إبراهيم، الآية: 34). وكل نعمة يجب فيها شكر، وكل شكر يحصل به المزيد، وعدم الشكر يوجب ضده وكفر للنعم. ويحصل بكفر النعمة، العذاب الشديد، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

ولا ننصحكم وننصح أنفسنا بأعظم من نصائح رب السموات والأرض، التي ذكر في كتابه حيث قال جل من قال: ]وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[ (سورة إبراهيم، الآية: 7). وقال حاكياً عن عبده موسى u ]إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ[ (سورة إبراهيم، الآية: 8). وقال: ]وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة الذاريات، الآية: 55) وقال: ]سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى(10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى[ (سورة الأعلى، الآيات: 10 ـ 12). فنذكركم ما ذكر الله به خير خلقه، بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ]وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَاف ُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ (سورة الأنفال، الآية: 26). وقال: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ (سورة آل عمران، الآية: 102) فذكر الآيات إلى قوله: ]وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[ (سورة آل عمران، الآية: 105).

واعلموا أن أوثق عرى الإيمان، الحب في الله، والبغض في الله، كما ورد في الحديث: ]من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يذوق عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك[. وقال تعالى: ]قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[ (سورة الممتحنة، الآية: 4). وقال تعالى: ]لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ (سورة المجادلة، الآية: 22). وقال تعالى: ]وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ[ (سورة هود، الآية: 113). وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[ (سورة المائدة، الآية: 51).

واعلموا أن أعظم الخير أداء الفرائض وترك المحرمات، قال تعالى: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ (سورة النور، الآية: 55) إلى قوله: ]وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون[ (سورة النور، الآية: 56). وفي الحديث ]ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضه عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه[.

وأعظم الفرائض بعد التوحيد الصلوات الخمس على مواقيتها، ولا يحصي ما في القرآن من الأمر بالصلاة والمحافظة عليها وإقامتها، فإن إقامة الصلاة غير كيفية الصلاة قال تعالى: ]وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ[ (سورة المزمل، الآية: 20). في غير موضع من القرآن وقال في الذين لم يقيموا الصلاة: ]فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ[ (سورة الماعون، الآيتان: 4 ـ 5). وقال تعالى : ]فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا[ (سورة مريم، الآيتان: 59 ـ 60). وللصلاة شروط وأركان وواجبات وسنن لا تتم الصلاة على الوجه المشرع إلا بها، وترون فعل كثير من الناس في الصلاة وعدم المحافظة عليها، وتضييع الجماعة أمر عظيم، نسأل الله لنا ولكم العافية.

ثم بعد الصلاة أختها ولقرينتها في القرآن: الزكاة، واستحوذ الشيطان على كثير من الناس، وصار أناس كثير، أهل أموال، لا يزكون، ويدّعون أنه ما عندهم شيء، وهم كاذبون، وقد يكون أن الله ينزعه عنهم، ويقال وجبت ويحرمونه في الدنيا، ويعذبونه في الآخرة، كما قال تعالى: ]وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[ (سورة التوبة، الآية: 34). وفي الحديث أن المال الذي لا تؤدى زكاته يصفّح صفائح من نار لصاحبه، وتمثل له شجاعاً أقرع يأخذ بلهزمتيه، أو كما قال ...

ومن الناس من يؤدي القليل من الكثير، ومنهم من يجعل زكاته وقاية لماله في النوائب وغيرها. وأكبر من هذا وأطم، الذين يحلون ما حرم الله بالتأويل الفاسد، الذي درجهم عليه الشيطان، حتى يقعوا فيما ذكر: من استحل محرما فقد كفر، واستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل، والشيطان عدو بني آدم، ولا يسأم بما حصل به ورودهم النار من باب كان، ومما أدرك الشيطان بخس المكيال والميزان، والله جل جلاله قال في كتابه: ]وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[ (سورة المطففين، الآيات: 1 ـ 6). وقال تعالى عن نبيه شعيب u ]وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مفْسِديِن[ (سورة هود، الآية: 85). وبخس المكيال أو الميزان من فعل الأمم المعذبين.  

ومن ذلك التجسس[9] على كثير من أنواع الربا في المعاملات، وترديد الدين في الذمم، على الذين ليس عندهم وفاء، ويردد الدين بنفسه زاداً بزاد، وغير ذلك من أنواع الربا، ولو في المصارفة وشراء الفضة بالفضة وغير ذلك، والله تعالى قال: ]يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ[ (سورة البقرة، الآية: 268)، وقال: ]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس[ (سورة البقرة، الآية: 275) يبعثون من قبورهم مثل المجانين. وقال: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[ (سورة البقرة، الآيتان: 278 ـ 279).

ومن ذلك طلب المعسر وعدم إنظاره، والله تعالى يقول: ]وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ (سورة البقرة، الآية: 280). ومن ذلك مطل الغني، الحقَّ الذي عليه، لغني كان أو لفقير أو لأجير وغير ذلك، كما قيل: في إنظار المعسر أجر عظيم ومطل الغني ظلم عظيم.

ومن ذلك حق المرأة واليتيم: فاليتيم، قال الله تعالى: ]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا[ (سورة النساء، الآية: 10). وكثير من الناس والعياذ بالله ما يتورب عن مال اليتيم، وأكثر ما يأكل أموال اليتامى الضعفاء، جمعوا بين الخيانة في الأمانة، وأكل أموال اليتامى ظلماً. وحق المرأة ما كان لها من حقوق واجبة من صداق ونفقة، وأخطر ما يكون فعل كثير من الناس، إذا أقفى عن المرأة، منع حقوقها وقد يتحيل عليها، بما يضيق عليها، لعلها تخلى له، وهذا أمر منكر، ولا يبرأ من حقوقها على هذه الحال، إذا عضلها، قال الله تعالى: ]وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ[ (سورة النساء، الآية: 19) وكذلك إخراجها من البيت، إذا كانت مطلقة، قبل انقضاء عدتها، فإنه لا يحلٌ له ولا يحل لها، قال تعالى: ]لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ[ (سورة الطلاق، الآية: 1). ومن أكبر البلوى وأعظم الدواهي: الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله، وعدم التعاون على البر والتقوى، وعدم إنكار المنكر، قال الله تعالى: ]كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[ (سورة المائدة، الآية: 79). وقال تعالى: ]لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[ (سورة المائدة، الآية: 69). والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فريضة، وهو سبب النجاة، قال الله تعالى في الذين احتالوا على الصيد: ]فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ[ (سورة الأعراف، الآية: 165). وأنتم تعرفون مع كونه فريضة، أنه مؤكد على رقابكم، بعد، لا بد أن يسألكم الله عنه، فالحذر الحذر من سخط الله وسطوته.

واعلموا أن الله تبارك وتعالى يمتحن عباده ويبلوهم بالخير والشر كما قال تعالى: ]وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[ (سورة الأنبياء، الآية: 35). فالنعم غربال يختبر عباده فيها بالشكر، والمصائب غربال ويختبرنا فيها بالصبر كما قال تعالى: ]إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[ (سورة إبراهيم، الآية: 5) ]وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ[ (سورة المؤمنون، الآية: 30). فمن رزق الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، فهو عنوان سعادته، ومن صار بالضد، يبغي ويبطر مع الرخاء والنعيم، ويسخط ويجزع مع الامتحان والنقم فهذا عنوان شقاوته، أعاذنا الله وإياكم من غضبه وموجبات غضبه. والله أنعم علينا وعليكم بالنعمة والسعة والنصر والظهور والمدافعة، كما قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ (سورة المائدة، الآية: 11). ولا نقدر نعدّ ولا نحصي كم كفً الله عنا أيدي أعدائنا قديماً وحديثاً، وكل عدو ينوبنا بسوء ركسه الله على أم رأسه، ولا يبني له بناء كيد إلا هدم ه الله من أسه.

وكل جريرة تجر على الإسلام وأهله، تصير عاقبتها للإسلام وأهله عزاً وظهوراً، وكسراً وخذلاناً على من سعى فيها، كما أخبر الله بذلك في قوله تعالى: ]الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[ (سورة الأنفال، الآيتان: 36 ـ 37).

فإذا جرت هذه الأمور صار الناس فيها درجات في الخير، ودرجات في الشر، فالمؤمنون، يقولون كما أخبر الله عن إخوانهم: ]وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا[ (سورة الأحزاب، الآية: 22). والمنافقون قالوا: ]مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا[ (سورة الأحزاب، الآية: 12) وظنوا بالله ظن السوء، قال تعالى: ]وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا[ (سورة الأحزاب، الآية: 10) ]الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[ (سورة الفتح، الآية: 6). والمصائب ما تقع إلا بالذنوب وما يعفو الله أكثر، كما قال تعالى: ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[ (سورة الشورى، الآية: 30). وأعظم ما تقع المصائب، والقحط، ومنع الغيث، وتسليط العدو، إذا وقع الخلل بما في هذه الورقة من ترك الطاعات وارتكاب المحرمات.  

ومن أكبر الكبائر بعد الشرك بالله عقوق الوالدين، وصار هذا المنكر العظيم اليوم ما ينكر ولا يعرف أنه منكر، ولا يعاب فاعله، وهذا مما عمًت به البلوى، كون المعروف يصير منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، وهذا من علامة لبس الحق بالباطل، كما في الدعاء: اللهم أرنا الحق حقاً ووفقنا لاتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضلً، واجعلنا للمتقين إماماً. وفي الحديث عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله r فأقبل علينا بوجهه وقال: ]يا معشر المهاجرين: خمس خصال،وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها، إلا ابتلوا بالطواعين، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان، إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة، وجور السلطان. ولا منع قوم زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد، إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم[.

ومن أكبر الأمور أن كثيراً من الناس برعم عليه الشيطان، وثقل عليه النفقة في طاعة الله، وصدق الشيطان في وعده، والله تعالى يقول: ]الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ (سورة البقرة، الآية: 268). وقال تعالى: ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[ (سورة سبأ، الآية: 39). وقال تعالى: ]مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ (سورة البقرة، الآية: 261). وقال تعالى في صفة المنافقين: ]وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ[ (سورة التوبة، الآية: 54). ]فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ و َلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ[ (سورة التوبة، الآيات: 55 ـ 57). ووصل الحد إلى أن كثيراً من الناس ما يكفيه البخل بل يأمر الناس به كما قال تعالى: ]الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا[ (سورة النساء، الآيتان: 37 ـ 38). "وصار كثير من الناس يقول "البلدان أضعفتها نفقات الجهاد"، وهذا القائل يخاف عليه من الكفر، فإنه رد قول الله تعالى: ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ[ (سورة سبأ الآية: 39) ولقوله: ]مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ (سورة البقرة، الآية: 261). ولقول النبي r: ]ما نقص مال من صدقة[ ولا والله وبالله وتالله ما نقص أحد بطاعة الله، ولا نقص إلا بطاعة الشيطان، ومخالفة أمر الله ورسوله. ومن ذلك كبار الناس أكثرهم ما يمشون في الجهاد في سبيل الله، وفي الجهاد فضل، ما يحصى، ذكر الله فيه، وذكر رسول الله r، وأكثر الناس يخاف عليه من قول الله تعالى: ]وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ[ (سورة التوبة، الآية: 46). وأيضاً أن المصيبة اليوم ما تعد ذنباً ولا تستنكر، قال تعالى: ]وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة آل عمران، الآية: 152).

وكثير من الناس يجعل في نب من نبوب الإسلام، مع غزو في نحر عدو، أو ثغر من ثغور الإسلام، ويلقى في البلدان ولا يلقى من ينكر عليه، لا أمير ولا مأمور، وهذا من أعظم الجنايات، وأكبر المعاصي، قال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ (سورة الأنفال، الآية: 27) وهذا من أكبر الخيانة في الوديعة وغيرها. ومرادي بذكر هذا تبيين لكم، وتحذيركم من عقوبة الله، ومعذرة من الله، واستجلاب للتوبة والاستغفار، وفي الحديث: ]ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة[. وأيضاً تجددون شكر ما أنعم الله به عليكم من النصر والتأييد، فإن الشكر يحصل به ثبوت النعم والمزيد، ودفع النقم. وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. ومن الشكر التشمير عن الساعد في جهاد أعداء الإسلام، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وأنتم إن شاء الله ماشون على بركة الله، واسمه على هلال ربيع الأول إن شاء الله، والممشى ممشى احتمال ومستنفر المسلمين، و"ماشين" إن شاء الله.

وترى الممشى[10] يبغي من يعتد له بكل آلة، وأعظمها وأهمها الزهبة[11]  وما يحتاج إليه صاحب الحرب من الاستعداد الذي أمر الله به حيث قال: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ[ (سورة الأنفال، الآية:60). والبواردية يحتسبون الزهبة والفتيل، واحتسبوا الصملان[12]  والركاب الطيبة. وترى[13]  وعد "الثويرة" عندكم، سريع إن شاء الله، وارهوا بالعوامل، الفواريع والفوؤس والمساحي والمحافر، تراني أرجو أننا نهدم بها الأوثان، ونبني الثغور بأوطانهم، بحول الله وقوته، والخيل قوموا عليها، ولا يقعد منها شيْ، ولا يقول أحد ما درينا، أو ما لب لنا هذه العجلة، أو ركابنا رديّة، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم لنا ولكم من خير ما عنده، ونعوذ به من شر ما عندنا، ونسأله المعونة والتوفيق، لما يحب ويرضى والسلام.

 

ـ 4 ـ

ط . من الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى عامة المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعود بن عبدالعزيز إلى من يراه من المسلمين، سلّمهم الله من الآفات، وجنّبهم فعل المحظورات، ورزقنا وإياهم فعل الطاعات، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، موجب الخط المشحة[14]  بكم والشفقة عليكم، والله تعالى أنعم علينا وعليكم بدين الإسلام، وكل نعمة تقصر دونه، وأعطاكم في ضمنه ما لا يعدّ ولا يثمن، وغمركم بالنعم الجسيمة كما قال تعالى: ]وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً[ (سورة لقمان، الآية: 20)، وصرف عنكم من المحن ما تعلمون وما لا تعلمون، فكونوا ممن يحدث عند النعمة شكراً، وعند المصيبة صبراً، وينفق مما آتاه الله في السّراء والضّراء، وقيد النعم الشكر، كما قال تعالى: ]وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ[ (سورة إبراهيم، الآية: 7)، وقال تعالى: ]اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[ (سورة سبأ، الآية: 13). والشكر سبب لثبات الموجود، وجلب للمفقود، قال تعالى: ]وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا[ (سورة النساء، الآيات: 66 ـ 68). وفي الحديث: ]إذا رأيت الله يتابع نعمه على عبد وهو مقيم على المعاصي فإن ذلك استدراج، ونعوذ بالله من مكر الله، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون[، وقال: ]إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[ (سورة الرعد، الآية: 11)، وفي الحديث: ]ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة[، والله تبارك وتعالى يُري عبيده قدرته عليهم وعفوه عنهم لعلهم يرجعون.

والموجب لهذا: هذه الفتنة التي عمّت الناس، ليريكم الله قدرته على الناس ودفعه، كما قال تعالى: ]أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ[ (سورة التوبة، الآية: 126). والتوبة إلى الله والاستغفار شعار الصالحين، كما قال عن نوح u ]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[ (سورة نوح، الآيات: 10 ـ 12). وقسوة القلب سبب العطب والهلاك في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ]فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ[ (سورة الأنعام، الآيات: 43 ـ 47). فلا جعلنا الله وإياكم منهم ولا أمثالهم.

والذي أوصيكم به تقوى الله في السر والعلانية، واستحضروا فناء الدنيا، وبقاء الآخرة، واللجوء إلى الله والفرار إليه، والاستغفار والتوبة، والإقلاع عن الذنوب التي تغضب الله باطناً وظاهراً، كما قال تعالى: ]فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ[ (سورة الذاريات، الآية: 50)، وقدموا بين يدي توبتكم، والاستغفار صدقة لفقرائكم، يخص بها أهل المسكنة، واعلموا  أن الله الغني وأنتم الفقراء: ]وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ (سورة البقرة، الآية: 110) وافطنوا لقوله تعالى: ]الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ (سورة البقرة، الآية: 268)، وقال تعالى: ]وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[ (سورة سبأ، الآية: 39)، وفي الحديث عن النبي r أنه قال: ]انفق بلالاً ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً[، وفي الحديث الثاني أنه ]يطلع مع الشمس كل يوم ملكان، أحدهما يقول: اللهم أعطِ كل منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً، وتجزّلوا فإن الله أكرم من خلقه[، ]فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[ (سورة الزلزلة، الآيتان: 7 ـ 8)، وقولوا: ]رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ (سورة الأعراف، الآية: 23) وقولوا كما قال ذو النون u ]لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[ (سورة الأنبياء، الآية: 87).

اللهم إننا نستغفرك ونتوب إليك. اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنا. اللهم يا سميع الدعاء، ويا ذا الأيادي العلا، عالم السر والنجوى، إنا نلتجئ إليك، ونستغفرك، ونتوب إليك، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. وكل إمام مسجد يقرأ الكتاب على جماعته ويكتب صدقتهم وورقة المسجد يعطاها إمام المسجد ... والسلام.

 

ي . رسالة من الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى أهل الدرعية

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعود بن عبدالعزيز إلى الأخوان من أهل الدرعية، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد خصنا الله وإياكم بدين الإسلام، فصار غيركم تبعاً لكم، ويقتدي بكم في أصول الدين وفروعه والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من فرائض الدين، ولا يستقيم دين ويعبد الله على مراده إلا بالجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبلادكم صارت مجمعاً للناس وامتلأت من سائر البلدان، وحدث فيها أمور يكرهها الله ورسوله ويغضب منها الذي فيه رائحة للدين ويخاف من اليوم الآخر.

وأنتم اليوم أسقطتم عن أنفسكم هذه الفريضة، بسبب المداهنة، وطلب رضا وجوه الخلق، وعدم الإيمان بالجزاء، والذي له دين ويؤمن بالله واليوم الآخر، ولو هو تحت يدي حاكم ظالم، يمنعه عن القول بالحق، وجب عليه الانتقال من بلاده إلى بلد يقول فيها الحق، ويأمر به، وينكر فيها المنكر، وينهى فاعله، والعاصي إذا بان لنا أمره، أقمنا عليه الحق، بحول الله وقوته،ولا نناظر وجه شريف ولا وضيع، ما دام الله مبقينا إن شاء الله تعالى.

والذي أحاذر عليكم اليوم، معصيتكم الله في عدم إنكار المنكر، وعدم الغضب لله، وعلى طول هذه المدة ما بلغني من خاص أو عام، قام لله أو أنكر منكراً، أو رفع لي خبر بخلاف أحد، ولا دريتم أنكم خنتم العهد الذي أخذ منكم، وعصيتم ربكم في عدم إنكاركم المنكر،والعاصي عصى الله بارتكاب المعصية، والساكت عصى الله في عدم الإنكار عليه، ويخطر أن العاصي يعترف بالذنب ويتوب منه، والساكت ما يلب له (أي: ما يخطر بباله) إنّ هذا ذنب، وتتراكم عليه الذنوب من حيث لا يشعر، (وعلقتونا هالفريضة وأسقطتوها عن أنفسكم ) ... ونحن نسأل الله أن يعيننا ويتحمل عنا.. فيكون عندكم معلوماً أن الله موجب على كل مؤمن بالله واليوم الآخر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يناظر وجه خاص ولا عام، والأمر الذي تحبون رفعه إلي، وأدبه يصدر مني، ارفعوه إليً، وقوموا بهذه الفريضة، وأدوها على الوجه المرضي، وأنا أبغى أتتبع كل من يتهم بالدين والذين ما يتبين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في دقائق الأمور وجلائلها، أنا أؤدبه على الخيانة بالعهد، وإسقاط هذه الفريضة.

وأنتم تعوّذوا بالله من الشيطان الرجيم، وتسببوا بالأسباب التي ترضي الله عنكم، وتصير سبباً لدفع العقوبات عنكم في الدنيا والآخرة، وأنا خاص على الناس ومُعيّن عليهم، وأنا ملزم على كل من له دين العمل بما ذكرت، والذي يقول ما هو من حسبة أهل الدين، ولا له نصيب من الخير، نعرف ممشاه[15]  بسكوته، وعدم الإنكار، ولنا فيه رأي، يدبرنا الله عليه إن شاء الله تعالى.

وأيضاً بلادكم يأتيها أفقية[16]  من كل مكان وجهة، ويروح أكثرهم ما نعرف أن أحداً واجههم، يدعوهم للإسلام ويبين لهم التوحيد من الشرك، ويبين لهم الكفر من الإسلام، هذا والعياذ بالله من الحرمان، وعدم الإيمان بقوله r: ]لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم[.

والدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم، قال تعالى: ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ (سورة يوسف، الآية: 108). وكل من ادعى اتباع الرسول r وجب عليه أن يدعو إلى ما دعا إليه r، والخلل في هذه المسألة خلل واضح ولا عليه صبر، وأنا ملزم عليكم، تبدلون الممشى، والكل منكم يتوب إلى الله فيما بينكم وبينه ... والسلام.

 

ك . من الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى أهل نجران

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعود إلى جناب الأشراف: حسين بن ناصر، وحسن دهشا، وحمزة ومحمد بن حسن، وحسين أحمد، ومقبل بن محمد، وصالح بن عبدالله، وأحمد معوض، وأحمد علي ابن شما، وصالح حسين، مسلى، سلمهم الله من الآفات واستعملهم بالباقيات الصالحات.

وبعد ألفى علينا[17]  مقبل بن عبدالله، وأشرف على ما نحن عليه وما ندعو إليه، وما نأمر به، وما ننهى عنه، ويصف لكم من الرأس أكثر من القرطاس إن شاء الله.

ونخبركم أننا متبعون لا مبتدعون ونعبد الله وحده لا شريك له، ونتبع رسوله r فيما يأمر به وينهى عنه، ونقيم الفرائض، ونجبر من تحت يدنا على العمل بها، وننهى عن الشرك بالله، وننهى عن البدع والمحرمات، ونقيم الحدود، ونأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونأمر بالعدل والوفاء بالعهود والمكاييل والموازين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام.

هذا صفة ما نحن عليه وما ندعو الناس إليه، فمن أجاب وعمل بما ذكرناه، فهو أخونا المسلم، حرام الدم والمال، ومن أبى، قاتلناه، حتى يدين بما ذكرناه.

وأنتم أخص الناس باتباع محمد r، والحق عليكم أكبر منه على غيركم، والإسلام هو عزكم وشرفكم، كما قال تعالى: ]لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ[ (سورة الأنبياء، الآية: 10)، وقال تعالى: ]وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ[ (سورة الزخرف، الآية: 44).

فالمأمول فيكم القيام بالدعوة إلى الله، لأن الدعوة سبيل من اتبعه r كما قال تعالى: ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ (سورة يوسف، الآية: 108)، وقال تعالى: ]وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ (سورة فصلت، الآية: 33).

ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الداعين إليه المجاهدين في سبيله، لتكون كلمته العليا ودينه الظاهر، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

ل . من أهل المدينة المنورة إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز

ـ 1 ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الستار،

والسلام على نبينا المختار،

وعلى آله وصحبه الأبرار،

نهدي أشرف السلام، وأسنى التحيات الكرام، على صاحب الدعوة النجدية، أمير الدرعية، المشمول بالفخر والعز، الأمير الشيخ سعود بن عبدالعزيز.

أما بعد، فقد أمرتنا بتوحيد الله واتباع سنة رسول الله والقيام بفعل الطاعات والاجتناب عن فعل المحرمات، فهذا أمر منك مقبول، حيث إن فيه اتباع الرسول، وأمرتنا بهدم القباب التي فوق القبور، فهدمناها، مراعاة للحديث المشهور. وكلما صدر منك الأمر فيمضي حكمه على رغم أنف زيد وعمرو، والمأمول منك صرف النظر عن من أتى إليك بخبر، ولا تسمع لناقل عنا خبراً ولا مقالاً، إلاّ إذا كان عن صحة واستدلال، فإن من نمَّ لك نمّ عليك، وهذا جوابنا المرسول إليك، فاعتمد عليه غاية الاعتماد، ونسأل لك سبل الرشاد.

واعلم.. أن بداي بن مضيان استولى على مياه السيل بطريق العدوان، وادعى أنك قد أمرت بهذا، وهو مأمور، وأنت لا ترضى بهذه الأمور، والحال قد صار علينا (موقوف)، بداعي حجزه لأموالنا بالخيوف، وليس بخاف على علمك الصحيح الفاخر، ما هو لنا من البضائع والمتاجر، ونحن جيران رسول الله الكريم، المبادرون للأمر والتسليم، وقد أرسلنا لك من هذا الطرف ... وحسن شاكر ومحمد شعاب، فبعد الوصول إليك (نبغي) الإفادة، عما به سيكون الاستغناء عن الإعادة ...

 

م . من أهل المدينة المنورة إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز

ـ 2 ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على الرسول الأعظم،

نهدي شريف السلام ورحمة الله وبركاته إلى جناب الشيخ سعود، وفقه الله لما يرضيه، وسلك بنا وبه سبل مراضيه، وبعد..

لا يخفاك أنه لما وصل أمير الحاج، إبراهيم باشا قطر آغاسي، ورأى الشيخ بداي محاصراً المدينة وقطع عنه السبيل، فخاطبه في ذلك، فأخبر أنه مأمور منك بذلك! إنك ما تريد لجوار النبي r إلا خيراً، فاستحسنا أن تعرف جنابك، فاجتمع حكام البلدة وأعيانها، واختاروا من أهل العقل والأمانة، أربعة أشخاص توجهت إليكم، وهم: محمد الطيار، والجاوش حسن القلعي، وعبدالقادر الياس وعلي الصديغ.

ونرجو الله أنهم لا يرجعون إلا بما يسرنا من جوابك إن شاء الله.

 

ن . من الإمام سعود بن عبدالعزيز إلى أهالي المدينة المنورة

ـ 3 ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى جناب أهل المدينة كافة، الكواخي والعلماء والأغوات والتجار والعامة، سلام على من اتبع الهدى.

أما بعد، فإني أدعوكم بدعوة الإسلام، كما قال تعالى: ]إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ[ (سورة آل عمران، الآية: 19)، ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ (سورة آل عمران، الآية: 85).

وأنتم خابرون من أحوالكم عندنا أننا نودكم، لأجل مجاورتكم الرسول r، ولا نريد بأمر يضركم، ويضيق عليكم، وهؤلاء أهالي بيت الله وحرمه، يوم انقادوا إلينا ما (شافوا) منا إلاّ الإكرام، ونحن قادمون عليكم، لزيارة حرم الرسول، فإن أجبتم إلى الإسلام، فإنكم بأمان الله، ووجهي وذمتي على جميع التعدي لا على دم ومال.

(ورد لنا الجواب، ورجالي صالح بن صالح، والجواب على لسانه والسلام).

 


 



[1] عكاظ وذو المجاز ومجنّة أسواق معروفة للعرب في الجاهلية يبتاعون فيها ويشترون وتلتقي فيها شعراؤهم ووفودهم.

[2] مشيتم أي غزوتم.

[3] أي: انتظرناك.

[4] الأريسون مفردها آلأريس، على وزن "فَعيل" أو "فِعيل" هو الأكّار وهو الحراث اُنظر الفيروز أبادي، القاموس المحيط، مادتي "أرس" و "أكر".

[5] نشيّم، يعني نربأ بأنفسنا.

[6] الأنواط "المعاليق" و"ذات أنواط" اسم شجرة بعينها، اُنظر الفيروز آبادي "القاموس المحيط" "الرازي" "مختار الصحاح" مادة "نوط".

[7] اخلولق، أي: بَلِيَ.

[8] جديدة، عملة نقدية.

[9] التجسس، أي "المراقبة أو التدقيق".

[10] المشي، أي "الغزو".

[11] الزهبة، أي "كل ما يحتاجه المحارب من زاد وعدة حرب".

[12] الصملان، جمع مفردها "الصميل" وتعني "القربة، أو سقاء الماء".

[13] "وترى" أي "في معلومكم".

[14] المشحة، "الحرص والشفقة".

[15] الممشى، هنا معناها "السيرة والسلوك".

[16] أفقية، أي "أناس يضربون في الآفاق".

[17] أي: "وفد علينا".