إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الأولى (1157 ـ 1233هـ) (1744 ـ 1818م)






مناطق ضرما والوشم والسر
منطقة الوشم
منطقة الأفلاج والدواسر والسليل
منطقة الحوطة
منطقة الخرج
منطقتا سدير و(الغاط والزلفي)
وادي حنيفة وروافده
الرياض وفروع وادي حنيفة
الشعيب والمحمل
حملة إبراهيم باشا
عالية نجد



الفصل الأول

الفصل الأول

ميثاق الدرعية، وتأسيس الدولة السعودية الأولى

 

1. أصل أسرة آل سعود، ونشأة إمارة الدرعية

تنسب بعض المصادر آل سعود إلى قبيلة عنزة، المعروفة بهذا الاسم، في الوقت الحاضر. وهذا شائع، أيضاً، لدى الناس. وذكر بعض المؤرخين أن آل سعود، هم من بني حنيفة. ومن المعلوم أن عنزة، وبني حنيفة، هم من وائل. ومن ثَم، فآل سعود وائليون.

وكانت الأسرة السعودية، تدعى آل مقرن، نسبة إلى مقرن بن مرخان، جد محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى.

وكان أحد أجداد آل سعود، يسمى مانع بن ربيعة المريدي، يقيم بمكان، يقال له الدرعية، قرب بلدة القطيف، على ساحل الخليج العربي، وذلك في النصف الأول من القرن التاسع الهجري.

وكان لمانع المريدي هذا، قريب، يسمى ابن درع، يقيم بمنطقة حجر اليمامة، قريباً من موقع مدينة الرياض الحالية. وكان ابن درع صاحب نفوذ في تلك الجهة. فقدم إليه مانع المريدي، من القطيف، في عام 850هـ/1446م. ومنحه موضعَي غصيبة والمليبيد، في وادي حنيفة[1]. (انظر خريطة وادي حنيفة وروافده، وخريطة الرياض وفروع وادي حنيفة)

وأطلق مانع المريدي، وأتباعه، اسم "الدرعية" على موطنهم الجديد؛ إما إحياء لاسم بلدتهم القديمة، التي هاجروا منها، أو نسبة لقريبه ابن درع، الذي منحهم هذا الموطن، اعترافاً بفضله، وتخليداً لذكره.

وقد قويت هذه الأسرة، وازداد نفوذها في المنطقة، وتوسعت على حساب جيرانها، من آل يزيد، الحنفيين. وكان أمير الدرعية، محمد بن مقرن بن مرخان، جد آل سعود، قد توفي عام 1106هـ/ 1694م. وفي عام 1121هـ/ 1709م، أصبح موسى بن ربيعة بن وطبان، أميراً على البلدة. ثم خلع، فتوجه إلى العيينة. وتولى الإمارة سعود بن محمد بن مقرن، الذي توفي عام 1137هـ/ 1724م. ولم يتول، من بعده، ابنه، محمد بن سعود بن محمد أمارة الدرعية، بل تولاها زيد بن مرخان بن وطبان، لكن محمد بن سعود كان له تأثير قوي على سير الأحداث في البلدة.

وفي عام 1138هـ/1725م، حاول أمير الدرعية، زيد بن مرخان، الاستفادة من ظهور الوباء في العيينة، الذى مات فيه أمير العيينة المشهور، عبدالله بن معمر، وعدد كبير من رجالها. فبدأ يخطط، مع فريق من قبيلة سُبيع، لمهاجمة هذه البلدة المزدهرة. ولكن أمير العيينة الجديد، محمد بن حمد بن عبدالله بن معمر، المعروف بلقب خرفاش، اتخذ خطة، أنقذته مما يخطَّط ضده؛ إذ دعا أمير الدرعية، زيد بن مرخان إلى التفاوض واعداً إياه، أن يستجيب ما أراده منه. وحينما قدم زيد إليه مع أربعين من رجاله، ومنهم محمد بن سعود، غدر به محمد بن معمر وقتله. وقد تحصن محمد بن سعود، بمن معه، بموضع، ولم يخرجوا، إلا بأمان من الجوهرة بنت عبدالله بن معمر، وكان ذلك عام 1139هـ/1726م. وكان أمير الدرعية المخلوع، موسى بن ربيعة حاضراً تلك الواقعة، في منزل خرفاش، فأصيب برصاصة، توفي على أثرها.

وعاد محمد بن سعود وجماعته إلى الدرعية. واستقل بإدارتها. وأصبح أميراً لها. وبذلك، مضى أكثر من مائتَين وثمانين عاماً، على تأسيس مانع المريدي للدرعية، ولإمارة آل سعود فيها.

واستمرت إمارة محمد بن سعود قرابة أربعين عاماً، من عام 1139 هـ/1726م إلى وفاته، في عام 1179هـ/1765م.

وكانت إمارة الدرعية، قد اكتسبت موقعاً مهماً، بين إمارات العارض، بدليل أنها تعرضت لهجوم من حكام الأحساء، بني خالد، عام 1133هـ/ 1720م. وتمكنت من صده.

وشهدت استقراراً داخلياً، بعد تولي محمد بن سعود إمرتها. وفي العقود التالية، نمت أحياء البلدة، واتسعت في جنبات وادي حنيفة وصارت تمتد من المَلْقَى، شمالاً، إلى حدود بلدة عِرقة، جنوباً. وشملت حدودها مناطق من الوادي مثل: العلب، وسمحة، وغبيراء، وقليلقل، وكتلة، والرفايع، وخيس نصرالله، والسهل، والقرين.

وضمت البلدة أحياء عديدة مثل: الطريف، حيث مساكن آل سعود، والبجيري، والبليدة، والطوالع، والسهل، وملوي، وغيرها.

وأسست حصون وقلاع وأبراج على سورها، مثل: حصن الرفايع في قرى عمران، وحصن سمحة، وحصن شمالي الطريف، وحصن شُديّد اللوح في ظهرة ناظرة، وحصن المغترة.

وشيدت، في الدرعية، قصور لآل سعود، مثل قصر الطريف، وقصر البليدة، وقصر الشعراء. وقصر ابن طوق في السريحة.

وبعد قيام الدولة السعودية، وتوليها مهمة الدعوة الإصلاحية، التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ أطلق أمراء الدرعية على أنفسهم لقب إمام، وهو لقب الحاكم، السياسي والديني، للدولة.

وخلف الإمامَ محمد بن سعود، ابنُه، الأمير عبدالعزيز، الذي ولد عام 1133هـ/1720م. واغتيل في أواخر رجب من عام 1218هـ/نوفمبر1803م. بعد حكم دام 38 سنة، ما بين عامَي 1179هـ ـ 1218هـ/1765-1803م . وكان يقود الغزوات والحملات، في عهد والده. وفتح غير بلدة، بعد معارك فاصلة. وواصل سيرة والده، في التوسع وفتح البلدان، حتى العراق. وصد الغزوات، الموجهة ضد الدرعية. واغتاله، في مسجد الطريف، في الدرعية، رجل كردي، قدم لهذه الغاية، من العمادية، في الموصل. ولقد تزوج الإمام عبدالعزيز بن محمد من ابنة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

وبعد الإمام عبدالعزيز، جاء ابنه، الإمام سعود بن عبدالعزيز. ولقب، بعد وفاته، بسعود الكبير. وحكم قرابة 11 سنة، ما بين عامَي 1218 ـ 1229هـ/ 1803 ـ 1813م، إذ توفي ليلة الإثنين 11 من جمادى الأولى 1229هـ/مايو 1814م. وكان والده، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، قد أخذا البيعة له من أهل نجد، بولاية العهد، في عام 1202هـ/ 1787م. وكان هذا الأمير، أيضاً، يقود الحملات، في عهد والده. فسار في أول غزوة له، عام 1181هـ/ 1767م، فهاجم بلدة العودة، من أعمال منطقة سدير.

ثم خلفه ابنه، الأمير عبدالله بن سعود. وحكم 5 سنوات، بدأت عام 1229هـ/1814م. وفي عهده، سقطت الدولة السعودية الأولى، باستسلامه لقوات إبراهيم باشا، في 8 ذي القعدة عام 1233هـ/9 سبتمبر 1818م. وأعدم، في الآستانة، في صفر عام 1234هـ/ديسمبر 1818م.

2. ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبدء الدعوة الوهابية الإصلاحية

ينتمي الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى أسرة آل مُشرف، من فروع آل وُهَبَة، أحد بطون قبيلة تميم. فهو محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن بُريد بن محمد بن بُريد بن مشرف. كان جده، سليمان، عالماً من علماء نجد، في القرن الحادي عشر الهجري. وتولى القضاء في روضة سدير. كما كان والده، عبدالوهاب، قاضياً في بلدة العيينة، ثم عُزل عام 1139هـ، وعين قاضياً لبلدة حريملاء.

ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بيت علم، في بلدة العيينة، سنة 1115هـ /1703م. وتلقى تعليمه الأولي على يد والده، وحفظ القرآن الكريم، في صغره. كما درس الفقه والتفسير والحديث. ثم ذهب للحج. ومن مكة المكرمة، توجه إلى المدينة المنورة، ثم عاد إلى العيينة.

وتميز محمد بن عبدالوهاب بقوة الذاكرة، والتعلق بالعلم. فانطلق طالباً المزيد منه. فرحل إلى مكة المكرمة، ثانية، ومنها إلى المدينة المنورة، حيث حضر حلقات الدرس، في الحرم النبوي، للشيخ النجدي، عبدالله بن إبراهيم بن سيف، الذي شجعه على القراءة في الفقه الحنبلي. وتلقى العلم، أيضاً، من عالم الحديث، الشيخ محمد حياة السندي المدني (توفي عام 1165هـ)، الذي تأثر به محمد بن عبدالوهاب، في الدعوة إلى التجديد، ومحاربة البدع في الدين، وما يؤدي إلى الشرك من الأعمال.

وعاد محمد بن عبدالوهاب إلى بلدته، العيينة. ومكث بها عاماً. وتوجه إلى البصرة، ليرضي نهمه في العلم. وفيها درس الفقه، وعلوم الحديث، وقواعد اللغة العربية.

وفي البصرة، التي كانت، آنذاك، تعج بالمذاهب والفِرق، آنس في نفسه القدرة على معارضة الأمور، التي كانت تجري على خلاف الشرع؛ وأن ينكر ما يرتكب، هناك، من البدع التي تفضي إلى الشرك؛ وأن يشترك في النقاش، حول التوحيد والعقيدة، مما أثار عليه بعض الأهلين، وآذوه. ولهذا، أجبر على مغادرة البصرة، فتوجه إلى الزبير، ومنها إلى الأحساء، حيث مكث بعض الوقت، واستفاد من علمائها، مثل عبدالله بن فيروز، ومحمد بن عفالق، وعبدالله بن محمد بن عبداللطيف الشافعي الأحسائي.

وخلال طلبه العلم، عكف الشيخ محمد بن عبدالوهاب، على دراسة كتب شيخ الإسلام، تقي الدين أحمد ابن تيمية (المتوفي عام 728هـ/1327م ). ودرس آثار تلميذه، ابن قيم الجوزية (المتوفي 751هـ/1350م). وتأثر بهما كل التأثر، خاصة رأي ابن تيمية في ضرورة العودة، في أمور الدين، إلى الكتاب والسُّنة، وما صح عن الصحابة من آثار؛ وتصحيح العقيدة وتنقيتها من بدع المتصوفة والمتكلمة. وتأثر به في محاربته للبدع والمنكرات، التي تؤدي إلى الشرك، مثل الاستغاثة بغير الله، والتوسل بالأولياء والموتى، والاعتقاد أنهم يجلبون النفع، ويدفعون الضر. وكذلك، التبرك بالأضرحة والأشجار، وغير ذلك. وكان الشيخ محمد بن عبدالوهاب، دائم التمثل بآراء ابن تيمية، في كتبه ورسائله.

ورجع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى بلدة حريملاء، التي عُيّن أبوه قاضياً لها. وكان وصوله إلى نجد بين عامَي 1144هـ ـ 1149هـ/ 1731 ـ 1736م.

وقد استنكر الشيخ ما كان عليه الناس، في منطقته، من جهل بأمور عقيدتهم، وشيوع البدع والخرافات بينهم. فصح منه العزم على دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة، وإلى التوحيد الخالص لله، وتنقية معتقداتهم مما شابها، من أعمال الشرك. فألف كتابه، "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، الذي لاقى رواجاً كبيراً بين الناس، في نجد[2].

وأهم ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إحياء عقيدة التوحيد، وإخلاص العبادة لله، وإفراده ـ سبحانه ـ بها؛ ومحاربة الشرك، بأنواعه، وسد الذرائع المؤدية إليه، والتصدي للبدع، التي أحدثت في الدين، والقضاء عليها؛ وتطبيق الشريعة، في كل أمور الحياة. وفي الحقيقة أن هذا هو جوهر الإسلام، ولم يكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مبتدعاً في ما دعا قومه إليه. ولم يأت بمذهب جديد. ولا هو دعا إلى تشريع مختلف. إنما جدد ما اندرس من أمور الدين، ودعا للعودة إلى النبع الصافي للعقيدة الإسلامية[3].

وقد انقسم الناس، إزاء هذه الدعوة بين مؤيد ومعارض. فوجدت لها أنصاراً، ممن شرح الله صدورهم لمعرفة الحق. ولاقت معارضة الجهال، من العامة، الذين رفضوا أن يتركوا ما نشأوا عليه. وعارضتها فئة من العلماء، الذين كانت لهم مصالح دنيوية. وكان عبدالوهاب بن سليمان، والد الشيخ محمد، معارضاً لأسلوب ابنه في الدعوة، وليس للدعوة نفسها. وبعد وفاة والده، عام 1153هـ / 1740م، اشتد الشيخ في دعوته. وازداد إنكاره لما يراه باطلاً. وانتشرت الدعوة الإصلاحية في أرجاء المنطقة. وتوافد على الشيخ المؤيدون، ومنهم أمير بلدة العيينة، عثمان بن حمد بن عبدالله بن معمر.

خروج الشيخ محمد بن عبدالوهاب، من حريملاء إلى العيينة

انتقل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في عام 1154هـ/1741م، من بلدة حريملاء، إلى بلدة العيينة. وكان في حريملاء قبيلتان متنازعتان. ولإحداهما عبيد يقال لهم الحمّيان، كثر منهم الفسق والفساد. فأراد الشيخ محمد أن يمنعهم من ذلك، وينفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهمّ العبيد أن يفتكوا به ويقتلوه، في الليل، سراً. فلما تسوروا عليه الجدار، انكشف أمرهم، فهربوا. وانتقل الشيخ، بعدها، إلى العيينة.

وربما يكون السبب الأهم في انتقاله، هو قبول أمير العيينة، عثمان بن حمد بن عبدالله بن معمر، دعوته الإصلاحية. يضاف إلى ذلك، أن العيينة، هي مسقط رأس الشيخ، ومكان نشأته الأولى.

ووجد في العيينة، كل ترحيب وحفاوة من أميرها. وتزوج الشيخ محمد الجوهرة بنت عبدالله بن معمر، عمة الأمير عثمان، مما زاد من الأواصر بين الشيخ والأمير. وعرض الشيخ على الأمير عثمان، ما قام به، ودعا إليه. وقال له: "إني أرجو، إن قمت بنصر لا إله إلا الله، أن يظهرك الله ـ تعالى ـ وتملك نجداً وأعرابها". فساعده الأمير عثمان بن معمر على ذلك.

وسار الشيخ قدماً في التطبيق الفعلي لدعوته، بعد دعم الأمير له. فقام، مع أنصاره، بقطع الأشجار، التي كان العامة يتوسلون بها. وهدم القبة، التي كانت على قبر، يظن أنه لزيد بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في الجبيلة؛ وكان العامة يتبركون بها، ويقدمون إليها النذور.

كما قام الشيخ بمعاقبة من لا يؤدون الصلاة مع الجماعة، في المساجد. وأرسل الدعاة إلى البلدان المجاورة، في نجد، لنشر دعوته. ولكن أعظم الأعمال، التي قام بها، فهزت المجتمع، واشتهر بها أمره، في الآفاق، إقامة حد الرجم على امرأة، اعترفت بأنها ارتكبت جريمة الزنا، وهي محصنة. وكان يعلن، بذلك، دخول دعوته مرحلة جديدة مهمة.

فقد أدت هذه الأنشطة إلى زيادة المعارضة للدعوة الإصلاحية، من قبل بعض العلماء، في نجد، الذين رأوا فيها زعزعة لمكانتهم الاجتماعية وبخاصة أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أنكر على بعضهم أخذ أجر من المتخاصمين، مقابل الفصل بينهم، وعدّ ذلك من الرشوة. فقام بعض هؤلاء العلماء بإرسال الرسائل، إلى علماء البصرة والأحساء، يستنهضونهم للرد على دعوة الشيخ.

كل ذلك، لم يمنع الدعوة الوهابية من الانتشار، وإقبال الناس عليها، مما أثار حفيظة الأمراء، خاصة زعماء بني خالد، في الأحساء، التي كانت مصدراً للتجارة، في نجد.

ولهذا، كتب زعيم بني خالد، وحاكم الأحساء والقطيف، سليمان بن محمد بن غرير آل حميد، رسالة إلى صديقه، أمير العيينة، عثمان بن معمر، يطلب منه، أن يتخلص من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بالقتل. وهدد، في رسالته، بأنه سوف يقطع الخراج أو المعونة الاقتصادية، وهي كثيرة، عن ابن معمر، ويمنعه من استلام دخل مزرعته، في الأحساء؛ وأنه لن يسمح لتجار بلدته، بدخول الأحساء واستخدام موانئها.

انتقال الشيخ محمد، من العيينة إلى الدرعية

ما كان في وسع أمير العيينة مخالفة حاكم الأحساء، فطلب من الشيخ محمد، أن يغادر العيينة، بعد أن أخبره بأمر رسالة زعيم الأحساء، وطلبه أن يقتله. ولم تفلح محاولات الشيخ في إقناع الأمير بالصمود، أمام تهديدات حاكم الأحساء، ورفض أوامره.

واختار الشيخ محمد بن عبدالوهاب بلدة الدرعية، التي كان يحكمها محمد بن سعود. ووصلها، عصر اليوم، الذي غادر فيه العيينة، في عام 1157هـ/1744م. وحل ضيفاً على رجل من تلاميذه، يدعى محمد بن سويلم العريني، في أعلى الواحة. وخشي المضيف من سطوة الأمير محمد، خاصة بعد أن أقبل الناس، من مريدي الشيخ، ليأخذوا عنه أمور دينهم، ومن بينهم ثنيان بن سعود، ومشاري بن سعود، شقيقا الأمير محمد بن سعود. وقد بذل الأخوان، ثنيان ومشاري، جهدهما في إقناع الأمير بمقابلة الشيخ. وتروى قصة، مفادها، أن موضي بنت أبي وطبان، زوجة الأمير محمد بن سعود، كانت ذات عقل ومعرفة، سعت لدى زوجها، ليقف إلى جانب الشيخ ويعاضده، بعد ما علمت من أخباره، وما يأمر به وينهى عنه، قائلة: "إن هذا الرجل، أتى إليك، وهو غنيمة ساقها الله لك. فأكرمْه، وعظمْه، واغتنم نصرته". فاقتنع الأمير بقولها، ودعا أخاه، مشاري، وطلب منه أن يدعو الشيخ لمقابلته. ولكن مشاري، استعطف أخاه الأمير، أن يسير بنفسه لمقابلة الشيخ، وقال له: "سرْ إليه برِجلك، وأظهر تعظيمه وتوقيره، ليسلم من أذى الناس".

3. ميثاق الدرعية، وقيام الدولة السعودية الأولى

سار الأمير محمد بن سعود، إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في بيت ابن سويلم. ورحب به قائلاً: "أبشر ببلاد خير من بلادك. وأبشر بالعز والمنعة". فقال الشيخ: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين. وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد. وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم".

ولا تذكر المصادر تاريخاً لهذه المقابلة المهمة. ولكنها كانت بعد قدوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية، بفترة قصيرة.

ولقد خشي الأمير محمد بن سعود أمرَين، إن قام بنصرة دعوة الشيخ:

أولهما: أن يهجره الشيخ إلى مكان آخر، ويستبدل به غيره.

ثانيهما: أن يقف الشيخ في وجه ما يأخذه من مال، من أهل الدرعية.

لذلك، أراد الأمير، أن يكون بينه وبين صاحب الدعوة، عهد وميثاق، فقال له:

"يا شيخ، إن هذا دين الله ورسوله، الذي لا شك فيه. وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد. ولكن أريد أن أشرط عليك شرطَين اثنَين:

الأول: نحن إذا قمنا بنصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.

الثاني: إن لي على الدرعية قانوناً (أي ما يدفعه الضعيف إلى القوي، ليحميه ويدافع عنه) آخذه منهم، في وقت الثمار، وأخاف أن تقول، لا تأخذ منهم شيئاً".

فأجاب الشيخ: "أيها الأمير، أما الأول، فابسط يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم.

وأما الثاني، فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات، فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها".

ثم بسط محمد بن سعود يده، وبايع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على نصرة دين الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يقول المؤرخ حسين بن غنام: "وقد بقي الشيخ، بيده الحلّ والعقد، والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير. ولايركب جيش، ولا يصدر رأي من محمد بن سعود، ولا من ابنه، عبدالعزيز، إلا عن قوله ورأيه. فلما فتح الله الرياض، واتسعت ناحية الإسلام، وأمنت السبل، وانقاد كل صعب، من باد وحاضر، جعل الشيخ الأمر بيد عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وفوض أمور المسلمين وبيت المال إليه...".

وصارت الدرعية مركزاً لنشر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية، تقاطر إليها طلاب العلم في الدين، الذين صاروا، فيما بعد، أنصاراً للدعوة، وللدولة. وبدأ الشيخ يبعث برسائله إلى أمراء البلاد المجاورة، وزعماء القبائل، يبلغهم ما يدعو إليه، من إحياء للدين، ومحاربة للبدع. ولقد تكاثر مؤيدو الدعوة، وتوافدوا على الدرعية، حتى ضاقت بهم. ولكن الله، فتح لها، من أبواب الخير والرزق، الكثير من الزكاة والغنائم، مما أدى إلى تحسن أوضاع الناس المعيشية.

توفي الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يوم الإثنين، آخر شوال سنة 1206هـ/ يونيه 1792م. وله من العمر نحو اثنَين وتسعين عاماً. وترك أربعة من الأبناء، كلهم أخذ العلم عنه، وهم حسين وعبدالله وعلي وإبراهيم. وكانت لهم مجالس ومحافل للتدريس، في الدرعية. وقد تولى ابنه، الشيخ حسين مكانه، كما كان قاضياً في الدرعية. وتوفي في ربيع الثاني عام 1224هـ/ مايو 1809م.

 



[1] وادي حنيفة يمتد بشكل متعرج من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي تحفه الجبال من جانبيه. وينبسط ويضيق حسب تكويناته الطبيعية وأرضه. وتغذيه في مواسم الأمطار روافد تنحدر من الجبال، وتكثر فيه المياه الجوفية التي تغذي بساتين النخيل والعنب والأشجار المتنوعة ممتدة من العمارية والملقى في شمال الدرعية حتى الحائر (حائر سبيع) في الجنوب منها.

[2] من مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب الأخرى: مختصر السيرة النبوية، وكشف الشبهات، وأصول الإيمان، وفضائل الإسلام، وأحاديث الفتن، ومختصر زاد المعاد، ومسائل الجاهلية، مختصر صحيح البخاري، ومجموعة الحديث، فيه كتاب للشيخ بعنوان نصيحة المسلمين، وكتاب الكبائر، واستنباط القرآن، ورسائل عدة ذكرها ونقل بعضها حسين بن غنام في تاريخه.

[3] أطلق عليها علماء الدولة العثمانية لقب الوهابية وعدوها مذهباً جديداً، ووصفوا أتباع الشيخ بالروافض والخوارج، ليُنِّفروا الناس منها، وهذا غير صحيح، إنما كان ذلك نوعاً من الكيد السياسي.