إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثانية (1240 ـ 1309هـ) (1824 ـ 1891م)






الدولة السعودية الثانية



ملحق

ملحق

نصيحة الإمام فيصل بن تركي إلى عامة المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

     من فيصل بن تركي إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين وفقهم الله تعالى للتمسك بالدين، الذي بعث الله به جميع المرسلين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فإن أجمع الوصايا وأنفعها، الوصية بتقوى الله. قال تعالى: ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[ (سورة النساء، الآية 131)، وتقوى الله، أن يعمل العبد بطاعة الله، على نور من الله، يرجو ثواب الله، وأن يترك معصية الله، على نور من الله، يخاف عقاب الله. ومعظم التقوى، والمصحح لأعمالها، توحيد الله بالعبادة، وهو دين الرسل، الذي بُعثوا به إلى العالمين، وهو مبدأ دعوتهم لأممهم، وهو معنى كلمة الإخلاص: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن مدلولها نفي الشرك في العبادة، والبراءة منه، وإخلاص العبادة لله وحده، كما قال تعالى: ]فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ[ (سورة الزمر، الآيتان 2 – 3). وقد تبين معنى هذه الكلمة في كثير من الآيات المحكمات. قال تعالى: ]وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ[ (سورة الزخرف، الآية 26)، فهذا معنى لا إله، وقوله: ]إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي[ (سورة الزخرف، الآية 27)، فهو معنى إلاّ الله، وقد عبر بمعناها من النفي والإثبات. قال تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[ (سورة البينة، الآية 5).

     والآيات في بيان توحيد العبادة أكثر من أن تحصر، وهذا التوحيد هو الذي جحدته الأمم المكذبة للرسل، كما قال تعالى عن قوم هود: ]أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا[ (سورة الأعراف، الآية 70)، وجحده مشركو العرب ومن ضاهاهم من مشركي هذه الأمة، قال تعالى: ]أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ[ (سورة إبراهيم، الآية 9)، وأمّا مشركو العرب فأخبرهم الله عنهم أنهم قالوا ]أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ[ (سورة ص، الآيتان 5 ـ 6)، واحتج عليهم تعالى بما أقروا به من توحيد الإلهية، كما قال تعالى: ]قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ[ (سورة يونس، الآية 31)، وأكثر الناس في هذه الأزمنة وقبلها وقع منهم ما وقع من أولئك المشركين، وهم يقرأون القرآن، فعموا وصمَّوا عن هذا التوحيد وأدلته، التي هي أبين في قلب المؤمن من الشمس في وقت الظهيرة، فيا من يدعي معرفة هذا التوحيد، اعرف هذه النعمة وقدرها فإنها أعظم نعمة أنعم الله بها على من عرفها، وأحبها، وقبلها، وعمل بها، ولزمها، فقابلوها بالشكر ولا تكفروها بالإعراض عنها، واحذروا أن يصدّكم الشيطان عن ذلك، واعلموا أنه قد غلط في هذا طوائف، لهم علوم، وزهد، وورع، وعبادة، فما حصل لهم من العلم إلاّ القشور، وقد حُرِموا لُبَّهُ وذوقه وقلدوا أسلافاً قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل، فيالها من مصيبة ما أعظمها وخسارة ما أكبرها، فلا حول ولا قوة إلا بالله، واحذروا النفوس الأمّارة بالسوء وفتنة الدنيا والهوى، فإن الأكثر قد افتتن بذلك وظنوا أنهم قد سلموا، وما سلموا وتمنوا التجارة، والتمني رأس مال المفلس، نعوذ بالله من سخطه وعقابه، وأنت ترى أكثر الناس معبوده دنيا لها يوالي، وعليها يعادي، ولها يحب ويبغض ويقرب ويبعد، قد اشتغل بها عما خلق لأجله، يبتهج بها ويفرح، وقد ذم الله تعالى ذلك كما قال تعالى عند ذكره قارون: ]إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا[ (سورة القصص، الآيتان 76 ـ 77)، والصحيح أنه الإيمان والعمل الصالح والإسلام والقرآن هما النعمتان العظيمتان، والفرح بهما محمود ومحبوب إلى الله تعالى قد أوجبه على عباده المؤمنين، كما قال تعالى: ]قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[ (سورة يونس، الآية 58). فسر الأول بالإسلام، والثاني بالقرآن، وقال بعض الصحابة فضل الله الإسلام ورحمته، أن جعلكم من أهله، فلا غنى لكم عن تعلم هذا التوحيد، وحقوقه من فرائض الله وواجباته، وأن يكون ذلك أكبر همكم ومحصل عملكم، ومن أهم ذلك المحافظة على الصلوات الخمس حيث ينادي لها، كما كان عليه رسول الله r وأصحابه والتابعون بعدهم، ولذلك عمرت المساجد، وشرع الأذان فيها، كما قال تعالى: ]حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[ (سورة البقرة، الآية 238)، فلا بد في المحافظة من استكمال شروطها وأركانها وواجباتها، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع، والزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله كما سبق في الآية ونحوها، جعله الله طهرة للأنفس والأموال، وزيادة وبركة وحجاباً من النار، فالتزموا ما شرعه الله وفرضه، فإن فيه صلاح قلوبكم ودينكم وأُخراكم نسأل الله التوفيق. واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فرائض الدين وأركانه.

     قال بعض السلف: أركان الإسلام عشرة، الشهادتان، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والجماعة، والسمع والطاعة. وهذه العشرة لا يقوم الإسلام حق القيام إلا بجميعها، والقرآن يرشد إلى ذلك، جملة وتفصيلاً، كما قال تعالى: ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[ (سورة آل عمران، الآية 110)، وقال تعالى: ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[ (سورة آل عمران، الآية 104)، فالله الله ـ عباد الله ـ في مراجعة دينكم، الذي نلتم به ما نلتم من النعم، وسلمتم به من النقم، وقهرتم به من قهرتم، فقوموا به حق القيام، وجاهدوا في الله حق جهاده، وأعظموا أمره ونهيه، واعملوا بما شرعه وتعطفوا على الفقراء والمساكين وآتوهم من مال الله الذي آتاكم كما قال تعالى: ]وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ[ (سورة الحديد، الآية 7). وقال تعالى: ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة النور، الآية 31). وقال تعالى: ]وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[ (سورة الحشر، الآيات 19 – 21).

     فاقرأوا هذه النصيحة، في جميع مساجد البلدان وانسخوها، وأعيدوا قراءتها، في كل شهرين. واعلموا أنكم مستقبلين عاماً جديداً، فتوبوا إلى الله. نسأل الله أن يوفقنا، وإياكم، للخير أجمعين.