إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثانية (1240 ـ 1309هـ) (1824 ـ 1891م)






الدولة السعودية الثانية



ملحق

ملحق

رسائل للعلماء النجديين

في شأن الفتنة، التي وقعت بين الإمام عبدالله بن فيصل، وأخيه، سعود بن فيصل

 

أ. رسالة للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالرحمن بن حسن إلى من يصل إليه من الإخوان،

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     تفهمون أن الجماعة فرض على أهل الإسلام، وعلى من دان بالإسلام، كما قال تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا[ (سورة آل عمران، الآية 103)، ولا تحصل الجماعة إلا بالسمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، وفي الحديث الصحيح، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ r ـ صَلاةَ الْفَجْرِ، ثُمَّ وَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. فَقَالَ: ]أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا. فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، بَعْدِي، فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا. فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ[ (سنن الدرامي، الحديث الرقم 95).

     وقد جمع الله أوائل الأمة على نبيه r، وذلك بسبب الجهاد، وكذلك الخلفاء، رد الله بهم إلى الجماعة من خرج عنها، وأقاموا الجهاد في سبيل الله، فأظهر الله بهم دينه، وفتح الله لهم الفتوح، وجمع الله الناس عليهم.

     وتفهمون، أن الله سبحانه وتعالى جمعكم على إمامكم، عبدالله بن فيصل، بعد وفاة والده فيصل ـ رحمه الله ـ فالذي بايع بايع، وهم الأكثرون، والذين لم يبايعوا بايع لهم كبارهم، واجتمع عليه أهل نجد باديهم وحاضرهم، وسمعوا وأطاعوا، ولا اختلف عليه أحد منهم، حتى سعود بن فيصل، بايع أخاه، وهو ما صار له مدخال في أمر المسلمين، لا في حياة والده ولا بعده، ولا التفت له أحد من المسلمين.

     ونقض البيعة، وتبين لكم أمره أنه ساع في شق العصا، واختلاف المسلمين على إمامهم، وساع في نقض بيعة الإمام، وقد قال تعالى: ]وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ[ (سورة النحل، الآيتان 91 92).

     وسعى سعود في ثلاثة أمور، كلها منكرة، نقض البيعة بنفسه، وفارق الجماعة، ودعا الناس إلى نقض بيعة الإسلام؛ فعلى هذا: يجب قتاله، وقتال من أعانه. وفي الحديث ]مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3438). وفي الحديث الآخر ]فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2790). فإن كان أحد مشكل عليه[1] وجوب قتاله، لما في الحديث ]إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 30). فظاهر الحديث: أن المراد ما يجري بين القبائل من العصبية، إمّا عند ضربة عصا من قبيلتين أو فخذين، أو طعنة، فكل قبيلة أو فخذ يكون منهم حمية لمن كان منهم، من غير خروج على الإمام، ونقض لبيعة الإسلام، ولا شق عصا المسلمين.

     وأهل العلم من الفقهاء وغيرهم، ذكروا قتال العصبية، وحكمه؛ وقتال البغي وحكمه؛ فذكروا أنه يجب على الإمام في قتال العصبية، أو يحملهم على الشريعة؛ وأما البغاة فحكمهم: أنهم يقاتلون حتى يفيئوا ويرجعوا، ويدخلوا في جماعة المسلمين، فالفرق ظاهر بين ولله الحمد، فاستعينوا بالله على قتال من بغى وطغى، وسعى في البلاد بالفساد، وهذا أمر فساده ظاهر لا يخفى على من له عقل، واحتسبوا جهادكم وأجركم على الله، والسلام.

 

ب. رسالة من الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبداللطيف بن عبدالرحمن، إلى الابن محمد بن علي،

كشف الله عنه كل ريب وغمة، وسلك بنا وبه سبيل سلف الأمة،

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     فأحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، على ما اختصنا به من سوابغ إنعامه، وما ألبسناه من ملابس إكرامه. والخط وصل، وما ذكرت صار معلوماً فأمّا ما أجرى الله من الفتن والامتحان، فلله سبحانه فيه حكم يستحق عليها الحمد، منها تمييز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، وذي البصيرة من الأعمى، كما دل عليه صدر سورة العنكبوت، والآيات من سورة البقرة وآل عمران، وغير ذلك من آي القرآن.

     وتذكر: أن أباك يوم يركب ما ظن أن لعبدالله[2] ولاية، ولا أن عبدالله سيعود إليه عن قريب، والظن أكذب الحديث، وظن السوء أورد أهله الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة. والعجب من فقيه يحكي هذا محتجاً به، وقد تربى ـ بحمد الله ـ بين أيدي طلبة العلم وأهل الفتوى، أي حجة في هذا، لو كانوا يعلمون؟ ولو دعوت أباك إلى لزوم السنة والجماعة، والوفاء بالعهد الذي يسأل عنه يوم تنكشف السرائر، لكان هذا من أعظم البر، وأرجحه في ميزانك، لا سيما وقد جاءك من العلم ما لم يؤته.

     ثم لو فرض أن هذا الظن متحقق في نفس الأمر، فأي مسوغ للمسارعة إلى الذين تفرقوا، واختلفوا من بعدما جاءهم البينات، وسفكوا الدماء بغير بينة ولا سلطان، ينبغي أن يتنزه عن هذا سوقة الناس وعامتهم، وإنما خاطبتكم بلسان العلم لحسن ظني، والأكثر قد تحققت هلاكهم، وأنهم في ظلمة الجهل، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق؛ وبعض من ينتسب إلى الدين، قد عرف ما هناك، ولكنه آثر العاجلة، وأخلد إلى الأرض واتبع هواه، وأبدى من المعاذير مالا ينجي يوم العرض على الله.

     وأمّا يمينك على أنك تحقق من أبيك: أنه لا ينكث عهده، ولو يقال له الدنيا ومثلها معها، فعجب لا ينقضي، والله يغفر لك، وهل النكث حقيقة إلا تباين ما وقع، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، وقولك والله غالب على أمره، حق نؤمن به، ولا نحتج به على شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

     وأمّا الخط مني له: فخطي لك يكفي، ومثلك لا يخفى عليه وجوب الجهاد، وأنه ركن من أركان الإسلام وذروة سنامه، كما هو مقرر في محله؛ والآيات القرآنية لا يتسع هذا الموضع لسياقها، بقي أن يقال: هل الجهاد في هذه القضية جهاد في سبيل الله؟ وهذه المسألة لا يختص بها طالب العلم، بل كل من كان له نصيب من نور الفطرة ونور الإسلام، يعرف هذه المسألة ولا تلتبس عليه.

     ومن المقرر في عقائد أهل السنة: أن الجهاد ماض مع كل إمام بر أو فاجر، وأبوك وغيره يعلمون أن المسلمين بايعوا عبدالله. وسعود من جملة من بايع، وأن البيعة صدرت عن مشورة من المسلمين، على يد شيخهم وإمامهم في الدين والدنيا، قدس الله روحه ونور ضريحه، فأي شيء نسخ هذا؟ وأنت وأبوك تعرفون حال عبدالله معنا فيما سلف. والمؤمن يعامل ربه ولا يتشفى بما يفسد دينه، نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه الذي ارتضاه لنفسه، ونعوذ بالله من اتباع خطوات الشيطان، والرغبة عن سبيل أهل السنة والقرآن.

     وذكر أباك حديث ابن عباس، في استفتاحه r صلاته إذا قام من الليل، وذكراه بما ظهر لك فيه من حقائق العلم والإيمان، واعرف جلالة هذا المطلوب وعظيم قدره، وقدر ما توسل به السائل إلى مطلوبه، والمقام يقتضي البسط لحاجة السائل وغيره، ولعل الله أن يمن بذلك، وصلى الله على محمد.

 

ج. رسالة ثانية من الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبداللطيف بن عبدالرحمن،

إلى الأخ المكرم، الشيخ: إبراهيم، ورشيد بن عوين، وعيسى بن إبراهيم، ومحمد بن علي، وإبراهيم بن راشد، وعثمان بن رقيب، وإخوانهم،

سلك الله بنا وبهم سبل الاستقامة، وأعاذنا وإياهم من أسباب الخزي والندامة،

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     تفهمون أن لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، وقد حصل من التفرق والاختلاف، والخوض في الأهواء المضلة، ما هدم من الدين أصله وفرعه، وطمس من الدين أعلامه الظاهرة وشرعه؛ وهذه الفتنة يحتاج الرجل فيها إلى بصر ناقد عند ورود الشبهات، وعقل راجح عند حلول الشهوات؛ والقول على الله بغير علم، والخوض في دينه من غير دراية ولا فهم، فوق الشرك، واتخاذ الأنداد معه.

     وقد صار لديكم وشاع بينكم، ما يعز حصره واستقصاؤه، فينبغي للمؤمن الوقوف عند كل همة وكلام، فإن كان لله، مضى فيه، وإلا فحسبه السكوت، وقد عرفتم حالنا في أول هذه الفتنة، وما صدر إليكم من المكاتبات والنصائح، وفيها الجزم بإمامة عبدالله، ولزوم بيعته، والتصريح بأن راية أخيه راية جاهلية عمية؛ وأوصيناكم بما ظهر لنا من حكم الله وحكم رسوله، ووجوب السمع والطاعة.

     فلمّا صدر من عبدالله ما صدر، من جلب الدولة[3] إلى البلاد الإسلامية، والجزيرة العربية، وإعطائهم الأحساء والقطيف، والخط؛ تبرأنا مما تبرأ الله منه ورسوله، واشتد النكير عليه شفاهاً، ومراسلةً لمن يقبل مني ويأخذ عني، وذكرت لكم أن بعض الناس جعله ترساً، تدفع به النصوص والأحاديث والآثار، وما جاء من وجوب جهادهم، والبراءة منهم، وتحريم موادتهم ومواخاتهم، من النصوص القرآنية، والأحاديث الصحيحة الصريحة النبوية.

     والقول: بأنهم جاءوا لنصر إمام أو دين، قول يدل على ضعف دين قائله، وعدم بصيرته وضعف عقله، وانقياده لداعي الهوى، وعدم معرفته بالدول والناس، وذلك لا يروج إلا على سواسية الأعراب، ومن نكب عن طريق الحق والصواب؛ وأعجب من هذا: نسبة جوازه إلى أهل العلم، والجزم بإباحة ذلك؛ والصورة المختلف فيها مع ضعف القول بجوازها وإباحتها، والدفع في صدرها كما هو مبسوط في حديث ]إِنَّا لا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ[ (رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، والدارمي)، هي صورة غير هذه، ومسألة أخرى.

     وهذه الصورة، حقيقتها: تولية وتخلية، وخيانة ظاهرة، كما يعرفه من له أدنى ذوق ونهمة في العلم، لكن بعد أن قدم عبدالله من الأحساء، ادعى التوبة والندم، وأكثر من التأسف والتوجع فيما صدر منه، وبايعه البعض، وكتبت إلى ابن عتيق أن الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تهدم ما قبلها، فالواجب السعي فيما يصلح الإسلام والمسلمين؛ ويأبى الله إلا ما أراد، ]وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[ (سورة يوسف، الآية 21).

     والمقصود: كشف حقيقة الحال في أول الأمر وآخره، وقد تغلب سعود على جميع البلاد النجدية، وبايعه الجمهور، وسموه باسم الإمامة، وقد عرفتم: أن أمر المسلمين لا يصلح إلا بإمام، وأنه لا إسلام إلا بذلك، ولا تتم المقاصد الدينية، ولا تحصل الأركان الإسلامية، وتظهر الأحكام القرآنية إلا مع الجماعة والإمامة، والفرقة عذاب وذهاب في الدين والدنيا، ولا تأتي شريعة بذلك قط.

     ومن عرف القواعد الشرعية، عرف ضرورة الناس وحاجتهم، في أمر دينهم ودنياهم إلى الإمامة والجماعة، وقد تغلب من تغلب في آخر عهد أصحاب رسول الله r وأعطوه حكم الإمامة، ولم ينازعوه كما فعل ابن عمر وغيره، مع أنها أخذت بالقهر والغلبة، وكذلك بعدهم في عصر الطبقة الثالثة، تغلب من تغلب، وجرت أحكام الإمامة والجماعة، ولم يختلف أحد في ذلك، وغالب الأئمة بعدهم على هذا القبيل وهذا النمط.

     ومع ذلك، فأهل العلم والدين، يأتمرون بما أُمروا به من المعروف، وينتهون عما نُهوا عنه من المنكر، ويجاهدون مع كل إمام، كما هو منصوص عليه في عقائد أهل السنة، ولم يقل أحد منهم بجواز قتال المتغلب والخروج عليه، وترك الأمة تموج في دمائها، وتستبيح الأموال والحرمات، ويجوس العدو الحربي خلال ديارهم، وينزل بحماهم، هذا لا يقول بجوازه وإباحته إلا مصاب في عقله، موتور في دينه وفهمه، وقد قيل:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم    ولا سراة إذا جهالهم سادوا

     بل هذا الحكم الديني، يؤخذ من قوله تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا[ (سورة آل عمران، الآية 103). لأنه لا يحصل القيام بهذا الواجب إلا بما ذكرنا، وتركه مفسدة محضة ومخالفة صريحة، قال الله تعالى: ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[ (سورة المائدة، الآية 2). وفي الحديث: ]فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَمْرٍ فَاجْتَنِبُوهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 9646). لا سيما وقد نزل العدو بأطرافكم، واستخف الشيطان أكثر الناس، وزين لهم الموالاة واللحاق بالمشركين، وإسناد أمر الرياسة إليهم، وأنهم ولاة أمر، يعزلون ويولون، وينصرون وينصبون، وأنهم جاءوا لنصرة فلان، كما ألقاه الشيطان على ألسن الفتونين، وصاروا بعد الترسم بالدين من جملة أعوان المشركين، المبيحين لترك جهاد أعداء رب العلمين. فما أعظمها من مكيدة، وما أكبرها من خطيئة، وما أبعدها عن دين الله ورسوله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

     وما صدر من بعض الإخوان من الرسائل، المشعرة بجواز الاستنصار بهم، وتهوين فتنتهم، والاعتذار عن بعض أكابرهم، زلة لا يرقى سليمها، وورطة قد هلك وضل زعيمها، وما أحسن قوله تعالى: ]قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا[ (سورة سبأ، الآية 46). فاقبلوا وامتثلوا موعظة ربكم، وجاهدوا في الله حق جهاده.

     وقد أجمع المسلمون على جهاد عدوهم، مع الإمام سعود، وفقه الله؛ وقد قرر أهل السنة في عقائدهم: أن الجهاد ماض مع كل إمام، وهو فرض على المشهور، أو ركن من أركان الإسلام، لا يبطله جور جائر.

وقد قال بعض السلف ـ لمّا لامه بعض الناس على الصلاة خلف المبتدعة ـ إن دعونا إلى الله أجبنا، وإن دعونا إلى الشيطان أبينا، وفي الحديث: ]جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 11798).

     وفقنا الله، وإياكم، للجهاد في سبيله، والإيمان بوعده وقيله. واحذروا المراء والخوض في دين الله ،بغير علم، فإنه من أسباب الهلاك، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله  ـ r.

والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل،

وصلي الله على محمد.

 

د. رسالة ثالثة للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبداللطيف بن عبدالرحمن، إلى الأخوان من بني تميم، سلمهم الله تعالى،

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على نعمه، وعلى أقداره وحكمه، ونسأل الله أن يحسن عزانا وعزاكم، في الأخ الشيخ عبدالملك بن حسين، غفر الله ذنبه ورحمه، ورفع في المقربين درجته.

     وما ذكرتم من جهة حالكم، مع عبدالله (بن فيصل)، وصدقكم معه، صار معلوماً، نسأل الله لنا ولكم التوفيق؛ وقد بذلنا الاستطاعة في نصرته، حتى نزل بالناس ما لا نقبل لهم به، وخشينا على كافة المسلمين من أهل البلد، من السبي وهتك الأستار، وخراب الدين والدنيا والدمار. ونزلنا وسعينا بالصلح، بإذن من عبدالله في الصلح، وألجأتنا إليه الضرورة، ودفعنا عن الإسلام والمسلمين ما لا قبل لهم به. فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأ فمنا ومن الشيطان، وفي السير ما يؤيد ما فعلنا، وينصر ما انتحلناه، وقد صالح أهل الدرعية وآل الشيخ، وعلماؤهم وفقهاؤهم على الدرعية، لما خيف السبي والاستئصال.

     وعبدالله ظهر بمرحلة عن البلد، ونزل الحائر، ولم يحصل منه نصر ولا دفاع، ]وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[ (سورة يوسف، الآية 21). ثم بلغنا أن الدولة[4]، ومن والاهم من النصارى وأشباههم، نزلوا على القطيف، يزعمون نصرة عبدالله، وهم يريدون الإسلام وأهله، وحضينا[5] سعوداً على جهادهم ورغبناه في قتالهم، وكتبنا لبلدان المسلمين بذلك، قال الله تعالى: ]وإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ[ (سورة الأنفال، الآية 72)، والعاقل يدور مع الحق أينما دار، وقتال الدولة والأتراك، والإفرنج وسائر الكفار، من أعظم الذخائر المنجية من النار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والسلام، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

 

هـ. رسالة رابعة من الشيخ عبدالطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبداللطيف بن عبدالرحمن، إلى الإخوان المكرمين من أهل الحوطة،

سلمهم الله تعالى وهداهم،

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     فأوصيكم بتقوى الله وطاعته، والاعتصام بحبله، وترك التفرق والاختلاف، ولزوم جماعة المسلمين، فقد قامت الحجة بكتاب الله وسنة رسوله r؛ وعرفتم أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، وقد أناخ بساحتكم من الفتن والمحن، ما لا نشكوه إلا إلى الله.

     فمن ذلك الفتنة الكبرى، والمصيبة العظمى: الفتنة بعساكر المشركين أعداء الملة والدين، وقد اتسعت وأضرت، ولا ينجو المؤمن منها إلا بالاعتصام بحبل الله، وتجريد التوحيد، والتحيز إلى أولياء الله وعباده المؤمنين، والبراءة كل البراءة ممن أشرك بالله، وعدل به غيره، ولم ينزهه عما انتحله المشركون، وافتراه المكذبون؛ وأفضل القرب إلى الله: مقت أعدائه المشركين، وبغضهم وعداواتهم وجهادهم، وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين، وإن لم يفعل ذلك، فله من ولايتهم بحسب ما أخل به وتركه من ذلك.

     فالحذر الحذر، مما يهدم الإسلام ويقلع أساسه، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (سورة المائدة، الآية 57)، وانتفاء الشرط يدل على انتفاء الإيمان بحصول الموالاة، ونظائر هذه الآية في القرآن كثير.

     وكذلك الفتنة بالبغاة والمحاربين، توجب من الاختلاف والتفرق والبغضاء، وسفك الدماء ونهب الأموال، وترك أوامر الله ورسوله، والإفساد في الأرض، ما لا يحصيه إلا الله، وذلك مما لا يستقيم معه إسلام، ولا يحصل بملابسته من الإيمان، ما ينجي العبد من غضب الله وسخطه، وهذه الحالة وتلك الطريقة، بها ذهاب الإسلام وأهله، وتسلط أعداء الله، وتمكنهم من بلاد الإسلام، وهدم بنيانه والأعلام؛ فكيف يسعى فيها من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويؤمن بالجنة والنار، ويخاف سوء الحساب؟!

فاتقوا الله عباد الله: ولا تذهب بكم الدنيا والأهواء، وشياطين الإنس والجن، إلى ما يوجب الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي، والطرد عن الله وعن بابه، والخروج عن جملة أوليائه وأحبابه، قال تعالى: ]قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ[ (سورة الزمر، الآيتان 15 16).

     فتدبروا هذه الآيات الكريمات، وسارعوا إلى ما يحبه الرب ويرضاه، من الجماعة والطاعات، وائتموا بالقرآن، وقفوا عند عجائبه، وما فيه من الحجة والبرهان، فإن الله تكفل لمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه، أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، فيه نبأ من كان قبلكم، وفصل مابينكم، لا يضل متبعه، ولا يطفأ نوره، فما هذه المشاقة، وما هذا الاختلاف والتفرق؟

     وقد جاءتكم النصائح وتكررت إليكم المواعظ، قال تعالى: ]وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[ (سورة النساء، الآية 115). وقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[ (سورة النساء، الآية 59).

     وقد خرج الإمام أحمد، من حديث الحارث الأشعري، بعد أن ذكر ما أمر به يحيى بن زكريا، قال رسول الله r: ]وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ بِالْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى. قَالَ: وَإِنْ صَامَ، وَإِنْ صَلَّى، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ، بِمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 16542).

     وهذه الخمس المذكورة في الحديث، ألحقها بعضهم بالأركان الإسلامية، التي لا يستقيم بناؤه ولا يستقر إلا بها، خلافاً لما كانت عليه الجاهلية، من ترك الجماعة والسمع والطاعة؛ نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه، والاعتصام بحبله، والامتثال لأمره واتقاء غضبه، وسخطه؛ فاحذروا الاختلاف: ]وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (سورة الأنفال، الآية 1)، ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة النور، الآية 31) ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[ (سورة النحل، الآية 91).

وصلى الله على محمد.

 

و. رسالة خامسة من الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبداللطيف بن عبدالرحمن، إلى الأخوين المكرمين: علي بن محمد، وابنه محمد بن علي، سلمهما الله تعالى من الأسوى، وحماهما من طوارق المحن والبلوى،

 سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     فأحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، والخط وصل،وصلكما الله مايرضيه، وجعلكما ممن يحبه ويتقيه، وما ذكرتما صار معلوماً، وهذه الحوادث والفتن أكبر مما وصفتم، وأعظم مما إليه أشرتم، كيف لا وقد تلاعب الشيطان بأكثر المنتسبين، وصار سلماً لولاية المشركين، وسبباً لارتداد المرتدين، وموجباً لخفض أعلام الملة والدين، وذريعة إلى تعطيل توحيد رب العالمين، وإلى استباحة دماء المسلمين، وهتك أعراض عباده المؤمنين.

     فتنة لا يصل إليها حديث ولا قرآن، ولا يرعوي أبناؤها عما يهدم الإسلام والإيمان، يعرف ذلك من منّ الله عليه بالعلم والبصيرة، وصار على حظ من أنوار الشريعة المطهرة المنيرة، وعلى نصيب من مراقبة عالم السر والسريرة؛ وقد عرفتم مبدأ هذه الفتنة وأولها، والحكم في أهلها وجندها، ثم صار لهم دولة بالغلبة والسيف، واستولوا على أكثر بلاد المسلمين وديارهم، وصارت الإمامة لهم بهذا الوجه ومن هذا الطريق، كما عليه العمل عند كافة أهل العلم من أهل الأمصار في أعصار متطاولة.

     وأول ذلك: ولاية آل مروان، لم تصدر لا عن بيعة ولا عن رأي، ولا عن رضا من أهل العلم والدين، بل بالغلبة حتى صار على ابن الزبير ما صار، وانقاد لهم سائر أهل القرى والأمصار، وكذلك مبدأ الدولة العباسية، ومخرجها من خراسان، وزعيمها رجل فارسي، يدعى أبا مسلم، صال على من يليه، ودعا إلى الدولة العباسية، وشهر السيف وقتل من امتنع عن ذلك، وقاتل عليه، وقتل ابن هبيرة أمير العراق، وقتل خلقاً كثيراً لا يحصيهم إلا الله.

     وظهرت الرايات السود العباسية، وجاسوا خلال الديار قتلاً ونهباً في أواخر القرن الأول، وشاهد ذلك أهل القرن الثاني والثالث، من أهل العلم والدين، وأئمة الإسلام، كما لا يخفى على من شم رائحة العلم، وصار على نصيب من معرفة التاريخ وأيام الناس.

     وأهل العلم مع هذه الحوادث متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف، يرون نفوذ أحكامه وصحة إمامته، لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف، وتفريق الأمة، وإن كان الأئمة ظلمة فسقة، ما لم يروا كفراً بواحاً، ونصوصهم في ذلك موجودة في الأئمة الأربعة وغيرهم، وأمثالهم ونظرائهم.

     إذا عرفت هذا، فالحاصل في هذا العصر بين أهل نجد، له حكم أمثاله من الحوادث السابقة، في زمن أكابر الأئمة كما قدمنا، وصارت ولاية المتغلب ثابتة كما إليه أشرنا، ووقع اتفاق من ينتسب إلى العلم لديكم على هذا، كالشيخ إبراهيم، والشثري في الحوطة، وحسين وزيد في الحريق، وخطوطهم عندنا محفوظة معروفة، فيها تقرير إمامة سعود، ووجوب طاعته ودفع الزكاة إليه، والجهاد معه، وترك الاختلاف عليه، كل هذا موجود بخطوطهم، فلا جرم قد صار العمل على هذا والاتفاق.

     ثم توفى الله سعوداً واضطرب أمر الناس، وخشينا الفتنة واستباحة المحرمات من باد وحاضر، وتوقعنا حصول ذلك، وانسلاخ أمر المسلمين، فاستصحبنا ما ذكر، وبنينا عليه، واختار أهل الحل والعقد من حمولة[6] آل سعود، ومن عندهم ومن يليهم، نصب عبدالرحمن بن فيصل، وذلك صريح في عدم الالتفات منهم إلى ولاية غير آل سعود. ولهذا كتبنا من الرسائل التي فيها الإخبار بالبيعة، والنهي عن سلوك طريق الفتن والاختلاف، وأن يكون المسلمون يداً واحدة، ذكرناهم قوله تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا[ (سورة آل عمران، الآية 103)، ونحو ذلك من الآيات، وبعضها مما ورد من الأحاديث الصحيحات.

     وترك بعض من لديكم هذا المنهج، وسلكوا طريقاً وعرة، تفضي إلى سفك الدماء، واختلاف الكلمة، وتضليل من خالفهم، ودعا بعضهم إلى ذلك واستحسنه، من غير مشورة ولا بينة، ولم ينصحوا إخوانهم ويوضحوا لهم وجه الإصابة فيما اختاروه وما ارتضوه، وكان الواجب على من عنده علم، أن ينصح الأمة، بل وينصح أولاً لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويكرر الحجة، وينظر في الدليل، ويرشد الجاهل، ويهدي الضال، بحسن البيان وتقرير صواب المقال، لكنهم أحجموا عن ذلك كله، ولم يلتفتوا إلى المحاقة، والله هو ولي الهداية، الحافظ الواقي من موجبات الجهل والغواية.

وقد أوجب الله البيان وترك الكتمان، وأخذ الميثاق على ذلك على من عنده علم وبرهان. هذه صورة الأمر وحقيقة الحال، وقد عرفتموه أولاً وآخراً في المكاتبات الواردة عليكم، فلا يلتبس عليك الحال، ولا يشتبه سبيل الهدى بالجهل والضلال، واذكر قوله: ]الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا[ (سورة الأحزاب، الآية 39).

إذا رضي الحبيب فلا أبالي     أقام الحي أم جد الرحيل

     وأمّا الصلح بين المسلمين، فهو من واجبات الإيمان والدين، ولكن يحتاج إلى قوة وبصيرة، يحصل بها نفوذ ذلك والإجبار عليه، فإن وجدت إلى ذلك سبيلاً فاذكره لي أولاً، ولا نألوا جهداً إن شاء الله فيما يكف الله به الفتن، ويصلح بين المسلمين.

وأسأل الله، أن يمن بذلك، ويوفق لما هنالك،

وصلى الله على محمد.

 

ز. رسالة سادسة للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبداللطيف بن عبدالرحمن، إلى الأخوين المكرمين، زيد بن محمد، وصالح بن محمد الشثري، سلمهم الله تعالى،

 سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو على نعمه، والخط وصل، أوصلكم الله إلى ما يرضيه، وما ذكرتموه كان معلوماً، وموجب تحرير هذا ما بلغني بعد قدوم عبدالله وغزوه، من أهل الفرع، وما جرى لديكم من تفاصيل الخوض في أمرنا والمراء والغيبة، وإن كان قد بلغني أولاً كثير من ذلك، لكن بلغني مع من ذكر تفاصيل ما ظننتها، فأما ما صدر في حقي من الغيبة والقدح والاعتراض، ونسبتي إلى الهوى والعصبية، فتلك أعراض انتهكت وهتكت في ذات الله، أعدها لديه جل وعلا ليوم فقري وفاقتي، وليس الكلام فيها.

     والقصد، بيان ما أشكل على الخواص، والمنتسبين من طريقتي في هذه الفتنة العمياء الصماء، فأول ذلك مفارقة سعود لجماعة المسلمين، وخروجه على أخيه. وقد صدر منا الرد عليه وتسفيه رأيه، ونصيحة ولد عائض وأمثاله من الرؤساء، عن متابعته والإصغاء إليه ونصرته، وذكرناه بما ورد من الآثار النبوية، والآيات القرآنية بتحريم ما فعل، والتغليظ على من نصره، ولم نزل على ذلك إلى أن وقعت وقعة "جودة" فثل عرش الولاية، وانتثر نظامها، وحبس محمد بن فيصل، وخرج الإمام عبدالله شارداً، وفارقه أقاربه وأنصاره، وعند وداعه: وصيته بالاعتصام بالله، وطلب النصر منه وحده، وعدم الركون إلى الدولة الخاسرة.

     ثم قدم علينا سعود بمن معه من العجمان والدواسر، وأهل الفرع، وأهل الحريق وأهل الأفلاج، وأهل الوادي، ونحن في قلة وضعف، وليس في بلدنا من يبلغ الأربعين مقاتلاً، فخرجتُ إليه، وبذلتُ جهدي، ودافعتُ عن المسلمين ما استطعت، خشية استباحة البلدة، ومعه من الأشرار وفجار القرى من يحثه على ذلك، ويتفوه بتكفير بعض رؤساء أهل بلدتنا، وبعض الأعراض يطلقه بانتسابهم إلى عبدالله بن فيصل، فوقي الله شر تلك الفتنة ولطف بنا، ودخلها بعد صلح وعقد.

     وما جرى من المظالم والنكث دون ما كنا نتوقع، وليس الكلام بصدده، وإنما الكلام في بيان ما نراه ونعتقده، وصارت له ولاية بالغلبة والقهر، تنفذ بها أحكامه، وتجب طاعته في المعروف، كما عليه كافة أهل العلم على تقادم الأعصار ومر الدهور، وما قيل من تكفيره لم يثبت لدي، فسرت على آثار أهل العلم، واقتديت بهم في الطاعة في المعروف، وترك الفتنة، وما توجب من الفساد على الدين والدنيا، والله يعلم أني بار راشد في ذلك.

     ومن أشكل عليه شيء من ذلك، فليراجع كتب الإجماع، كمصنف ابن حزم، ومصنف ابن هبيرة، وما ذكره الحنابلة وغيرهم، وما ظننت أن هذا يخفى على من له أدنى تحصيل وممارسة، وقد قيل: سلطان ظلوم خير من فتنة تدوم.

     وأمّا الإمام عبدالله، فقد نصحت له كما تقدم أشد النصح، وبعد مجيئه لما أخرج شيعة عبدالله سعوداً، وقدم من الأحساء، ذاكرته في النصيحة، وتذكيره بآيات الله وحقه، وإيثار مرضاته، والتباعد عن أعدائه، وأعداء دينه أهل التعطيل والشرك، والكفر البوح؛ وأظهر التوبة والندم، واضمحل أمر سعود، وصار مع شرذمة من البادية حول المرة والعجمان، وصار لعبدالله غلبة ثبتت بها ولايته، على ما قرره الحنابلة وغيرهم، كما تقدم: أن عليه عمل الناس من أعصار متطاولة.

     ثم ابتلينا بسعود، وقدم إلينا مرة ثانية، وجرى ما بلغكم من الهزيمة على عبدالله وجنوده، ومرّ بالبلدة منهزماً لا يلوي على أحد، وخشيت من البادية؛ وعجلت إلى سعود كتاباً في طلب الأمان لأهل البلدة، وكف البادية عنهم، وباشرت بنفسي مدافعة الأعراب، مع شرذمة قليلة من أهل البلدة، ابتغاء ثواب الله ومرضاته، فدخل البلدة، وتوجه عبدالله إلى الشمال، وصارت الغلبة لسعود، والحكم يدور مع علته.

     وأمّا بعد وفاة سعود، فقدم الغزاة ومن معهم من الأعراب العتاة، والحضر الطغاة، فخشينا الاختلاف وسفك الدماء، وقطيعة الأرحام بين حمولة آل مقرن، مع غيبة عبدالله، وتعذر مبايعته، بل ومكاتبته، ومن ذكره يخشى على نفسه وماله. أفيحسن أن يترك المسلمون وضعفاؤهم، نهباً وسبياً للأعراب والفجار؟، وقد تحدثوا بنهب الرياض قبل البيعة، وقد رامها من هو أشر من عبدالرحمن وأطغى، ولا يمكن ممانعتهم ومراجعتهم.

     ومن توهم أني وأمثالي أستطيع دفع ذلك، مع ضعفي وعدم سلطاني وناصري، فهو من أسفه الناس وأضعفهم عقلاً وتصوراً، ومن عرف قواعد الدين وأصول الفقه، وما يطلب من تحصيل المصالح ودفع المفاسد، لم يشكل عليه شيء من هذا، وليس الخطاب مع الجهلة والغوغاء، إنما الخطاب معكم معاشر القضاة والمفاتي، والمتصدرين لإفادة الناس وحماية الشريعة المحمدية، وبهذا ثبتت بيعته، وانعقدت، وصار من ينتظر غائباً لا تحصل به المصالح، فيه شبه ممن يقول بوجوب طاعة المنتظر، وأنه لا إمامة إلا به.

     ثم إن حمولة[7] آل سعود، صارت بينهم شحناء وعداوة، والكل يرى له الأولوية بالولاية، وصرنا نتوقع كل يوم فتنة وكل ساعة محنة، فلطف الله بنا، وخرج ابن جلوى من البلدة، وقتل ابن صنيتان، وصار لي إقدام على محاولة عبدالرحمن في الصلح، وترك الولاية لأخيه عبدالله، فلم آل[8] جهدي في تحصيل ذلك والمشورة عليه، مع أني قد أكترث في ذلك حين ولايته، ولكن رأيته ضعيف العزم، لا يستبد برأيه.

     فيسر الله قبل قدوم عبدالله بنحو أربعة أيام، أنه وافق على تقديم عبدالله وعزل نفسه، بشروط اشترطتها، بعضها غير سائغ شرعاً، فلما نزل الإمام عبدالله ساحتنا، اجتهدت إلى أن محمد بن فيصل يظهر إلى أخيه، ويأتي بأمان لعبدالرحمن وذويه، وأهل البلد، وسعيت في فتح الباب، واجتهدت في ذلك، ومع ذلك كله فلما خرجت للسلام عليه، وإذا أهل الفرع، وجهلة البوادي، ومن معهم من المنافقين، يستأذنونه في نهب نخيلنا وأموالنا، ورأيت معه بعض التغير والعبوس، ومن عامل الله ما فقد شيئاً، ومن ضيع الله ما وجد شيئاً.

     ولكنه، بعد ذلك، أظهر الكرامة ولين الجانب، وزعم أن الناس قالوا ونقلوا، وبئس مطية الرجل زعموا، وتحقق عندي دعواه التوبة، وأظهر لدي الاستغفار والتوبة والندم، وبايعته على كتاب الله وسنة رسوله.

     هذا مختصر القضية، ولولا أنكم من طلبة العلم، والممارسين الذين يكتفون بالإشارة وأصول المسائل، لكتبت رسالة مبسوطة، ونقلت من نصوص أهل العلم وإجماعهم، ما يكشف الغمة ويزيل اللبس.

     ومن بقي عليه إشكال فليرشدنا رحمه الله، ولو أنكم أرسلتم بما عندكم، مما يقرر هذا أو يخالفه، وصارت المذاكرة، لا نكشف الأمر من أول وهلة، ولكنكم صممتم على رأيكم، وترك النصيحة من كان عنده علم، واغتر الجاهل، ولم يعرف ما يدين الله به في هذه القضية، وتكلم بغير علم، ووقع اللبس والخلط والمراء، والاعتداء في دماء المسلمين وأعراضهم، وهذا بسبب سكوت الفقيه، وعدم البحث، واستغناء الجاهل بجهله، واستقلاله بنفسه.

     وبالجملة: فهذا الذي نعتقد وندين الله به، والمسترشد يذاكر ويبحث، والظالم المعتدي حسابنا وحسابه إلى الله، الذي تنكشف عنده السرائر، وتظهر مخبآت الصدور والضمائر، يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور.

     وأمّا ما ذكرتم من التنصل، والبراءة مما نسب في حقي إليكم، فالأمر سهل والجروح جبار، ولا حرج ولا عار؛ وأوصيكم بالصدق مع الله، واستدراك ما فرطتم فيه، من الغلظة على المنافقين، الذين فتحوا للشرك كل باب، وركن إليهم كل منافق كذاب؛ وتأمل قوله بعد نهيه عن موالاة الكافرين ]يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[ (سورة آل عمران، الآية 30).

والسلام.

 

ح. رسالة من الشيخ حمد بن عتيق إلى الإمام سعود بن فيصل

بسم الله الرحمن الرحيم

من حمد بن عتيق، إلى الإمام سعود،

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

     وصل إليّ خطابك، وتأملته، وكثرت الظنون فيه، حتى إني ظننت أن الذي أملاه غيرك، لأن فيه أموراً ما تصدر من عاقل، وفيه أكاذيب ما تليق بمثلك، وتذكر أنك أشرفت على خط لمبارك بن محمد، وتحققته، فنقول: ذلك ما كنا نبغ، فإنك المقصود به، وتحققنا أن مباركاً يوصله إليك، وأردت أنه يكون لي حجة عليك عند الله.

     وقد جاءنا خط من مبارك، يقول فيه، ويشهد: إن هذا الكلام الذي فيه، هو الحق الذي ليس بعده حق، وقد رآه كثير من الإخوان، فما أنكروا منه شيئاً، فلا يضر الحق جحدك له، فإن كان لك حيلة في الجواب عما فيه، من الآيات والأحاديث، فأجب عنها، وإلا فاتق الله، ولا تغتر بدعاية ليس لها أصل.

     وأمّا قولك: إنه غيرني طمع الدنيا، فأنا لا أزكي نفسي، وابن آدم على خطر ما دامت روحه في جسده؛ وأمّا في هذا الأمر، فأنا جازم أني على الحق ـ ولله الحمد ـ فإن رجعت إلى ما تعلمه مني، مما كنت أقول لك وأجاهرك به، عرفت أن طمع الدنيا ما يغيرني، ولا قوة إلا بالله.

     وأمّا إنكارك موالاة أهل نجران، فهو مكابرة، لأنها أمر قد اشتهر، واحتجاجك: بأن عبدالله يوالي الشريف، نقول: نبرأ إلى الله من موالاة الشريف، وأهل نجران جميعاً. ونقول لك أيضاً: لا شك أن عبدالله، وقبله والده، وقبله جدك تركي، رحمهما الله، يكاتبون الشريف، وينهون، ويعتقدون بأنهم يفعلون ذلك مكافأة دون المسلمين، واستدفاعاً لشرِّ الدول، ولا نحملهم إلا على الصدق.

     وأنتم تكاتبون أهل نجران، وتستصرخون بهم على أهل الإسلام، لتفريق جماعتهم، والإفساد في الأرض، وأنتم تعلمون عداوتهم لهذا الدين وأهله، وما جرى بينهم وبين أهل الإسلام، أفلا يستحي العاقل؟

     وأمّا قول: إنكم ما أنكرتم على عبدالله، فنقول لك أولاً: إنّا لا نقول إن مجرد المكاتبة تستلزم الموالاة الموجبة للإنكار؛ وأيضاً، نفيك لإنكارنا رجم بالغيب، فإنه ليس من شرط الإنكار إطلاعك عليه، وأيضاً، من الذي قال إن تركنا للإنكار أو غيرنا، يكون حجة لك، في فعل ما هو أكبر وأنكر؟!

     وأمّا قولك: إن جنودك آل عرجا والمرة، فنقول: كلهم أعداء، قاتلهم الله، واستعانتك بهم على أهل الإسلام، من أكبر الحجج عليك، ومما يوجب نفرة كل مؤمن عنك.

     وأمّا قولك: إن حكمك ماض عليهم، قبل أن يموت الوالد باثنتي عشرة سنة، فنقول: ما علمنا أن لك حكماً تختص به، إلا أنك أمير للإمام من جنس غيرك من الأمراء، ويدل عليه: أن والدك ـ رحمه الله ـ عزلك في حياته، ومات وأنت معزول.

     وأمّا قولك: إن معك ختمه، فنقول: حاشا الإمام فيصل ـ رحمه الله ـ مع ما أعطاه الله من العقل، والتمييز بين المصالح والمفاسد، ومعرفة أسباب الفتن، والتحرز مما يقتضيها، حاشاه أن يكتب أن الرعية تكون فرقتين، إلاّ أن صح ما ذكرته في خطك، من أن عقله اختل في آخر عمره، فيكون هذا صدر في تلك الحال، فيكون وجوده كعدمه.

     ولو نقدر أن ما تدعيه صدر في صحة علقه، لكان هذا مردوداً عليه، فإنه أمر مستحيل وجوده في مثل نجد وما يتبعها.

     وأمّا قولك: إني منكر عليك تحيزك إلى محمد بن عايض، أنكرنا عليك السعي في الفتنة وسفك الدماء، وطلب ما ليس لك؛ ومحمد بن عايض ما نقول فيه إلاّ الخير؛ والظن فيه: أنه ما يساعدك على ما تحاول، معه من العقل والديانة ما يحجزه عن الخروج عن مقتضى الشرع، ومقابلة إحسان آل الشيخ، وآل مقرن بالإساءة، حاشاه من ذلك. مع أنه قد علم وتحقق بالعادة الجارية، والأدلة القاطعة: أنه ما من طائفة قامت في عداوة أهل هذا الدين، ونصبت لهم الحرب، إلا أوقع الله بها بأسه، ونوع عليها العقوبات، هذا أمر ثابت يعرفه من نظر واعتبر، ويدل عليه قوله تعالى: ]وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً[ (سورة الإسراء، الآيتان 76 77).

     فكيف يظن بمحمد، أنه يعرض نفسه وإخوته، وما أعطاه الله من العز، إلى حلول هذه السنّة به؟ أعاذه الله من ذلك؟ والحمد لله الذي أوصل خطي إليه حتى عرفه وتحققه، لأن الله قد جعل له نصيباً من العلم، وعنده الكتب: التفسير، والحديث، والتواريخ التي فيها أيام الناس.

     وأمّا قولك: إنك بايعت عبدالله قهرية؛ فنقول: ثبتت إمامة عبدالله، بايعت أم أبيت، فلو أنك امتنعت من بيعة عبدالله، ولم يطلبها منك، هل يثبت لك ما ذكرت؟ أم هل يحل لك أن تفعل ما فعلت؟ سبحان الله وبحمده؟ مع أنك بايعت اختياراً، فإنك حضرت مع المشائخ ومن حضر معهم، وبايعت أخاك طوعاً واختياراً، لا قهراً واضطراراً.

     وأمّا قولك: إن أهل نجد بايعوا عبدالله ذلاً وقهراً، فهذا قول معلوم عدم صحته، فإن أهل نجد بايعوا عبدالله، ودخلوا في طاعته طوعاً واختياراً، وثبتت الولاية باتفاق الرعية، ولا نعلم أحداً خالف في ذلك ولا نازع فيه، فكان أمراً معلوماً عند الخاص والعام، وقد اختاره والده وقدمه في حياته، ورضيه المسلمون بعد وفاة أبيه، فصار من نازع في ذلك باغياً، يجب على المسلمين دفعه وجهاده باليد واللسان والمال، وهذا الذي ندين الله به ونلقى به ربنا، رضيت يا سعود أم غضبت.

     وأمّا جراءتك في حق أخيك، مثل قولك: إن عبدالله أفسد أديان الناس، فهذا كلام مستبشع، لا يحل التلفظ بمثله، وحرص عبدالله على صلاح دين الناس ودنياهم أمر معلوم.

     وأمّا الذين هلكوا في "المعتلى"، فنرجو أن من صلحت نيته منهم شهيد، ولم يموتوا إلاّ بآجالهم، ونرجو لهم عند الله، لأنهم قتلوا تحت سيف ابن سريعة، ونحوه من الطواغيت.

     وأمّا دعواك على أخيك: فعل كذا وكذا، فلو كان صدقاً لم يوجب خروجك عليه، وشق عصا المسلمين، لما ثبت عن رسول الله r من الأحاديث، أنه يجب على المسلم السمع والطاعة، وإن ضرب ظهره وأخذ ماله؛ وأنت لم يضرب لك ظهر، ولا أخذ لك مال، فإن كان الذي حملك على ما فعلت: الطمع في بيت مال المسلمين، واستقلالك ما تأخذ منه، فهذا من العدوان الظاهر. فإن بيت المال مشترك بين المسلمين، عامهم وخاصهم، مع أن أخاك ما قصر في عطائك، يعطيك أشياء لا تستحقها، فإن الواحد منكم كأنه واحد من المسلمين، وما يفعله كثير من الملوك، من تفضيل أقاربهم، قد أنكره السلف، وعمل أئمة العدل يخالفه، وقد بلغك: أن عمر بن الخطاب نقص ابنه عبدالله عن عطاء المهاجرين خمسمائة درهم.

     فلو أن أخاك عاملك بما تقتضيه السنة، وما ذكره مثل شيخ الإسلام في السياسة الشرعية، لم يكن لك عليه حجة، ولكان أحرى بإعانة الله له عليك وعلى من خرج، فكيف وهو يحثو عليك وعلى أشباهك ولا تستحقونه، والظاهر أن هذا ما يخفى عليك.

     وأمّا قولك: إنك تطلب حكم الله ورسوله، فأخوك ما يمنع حكم الله ورسوله، فما الذي منعك من طلب ذلك، حين كنت بين المشائخ أهل العدل والإنصاف؟ فإن زعمت أنك خائف، فكيف لم تطلب ذلك بعد ما ألفيت على محمد بن عايض؟ ولو أنك كاتبت أخاك أو المشائخ تطلب المحاكمة لم تمنع، فلما لم تفعل فأخوك لم يمنعك إلى اليوم، وأنت الطالب، فإن طلبت من أخيك يعطيك المواثيق، وتقدم عليه وتجالسه عند آل الشيخ، حصل لك ذلك.

     وأمّا قولك: إن عبدالله يوكلني أخاصمك، فأنا لا أطلب ذلك، وإذا أراد خصومتك فإن قربت منه خاصمك بنفسه، فإن بعدت عنه وجد لها غيري، فإن عين ذلك علي وألزمني به، قلت سمعاً وطاعة.

     وأمّا قولك: إن عبدالله حال بينك وبين ما تملك في الأحساء والقطيف، فلا نعلم أن عبدالله حال بينك وبين شيء تملكه، وأما خراج الأحساء والقطيف، فهو مشترك بين المسلمين، وحكمه وتدبيره عند من ولاه الله أمرهم.

     وأمّا ما ذكرت: من المزاعيل والتخويفات، فجوابه ]إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ (سورة هود، الآية 56)، ونصدع بالحق، إن شاء الله ولا قوة إلا به، ولا يمنعنا من ذلك تخويف أحد.

     وفي خطك أمور تحتاج إلى جواب طويل، واقتصرنا على القليل منه، ليتبين لك ولمن عندك خطؤك، لعل الله أن يردك للحق، وتترك ما هو شر في العاجل والآجل، وفي الكتاب والسنة ما يبين المحق من المبطل، والضلال من الصراط المستقيم؛ كقوله تعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا[ (سورة آل عمران، الآية 103)  وقوله تعالى: ]وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا[ (سورة آل عمران، الآية 105)، وقوله: ]إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ[ (سورة الأنعام، الآية 159).

     وفي الأحاديث مثل ذلك، كقوله r: ]مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لا يَتَحَاشَى لِمُؤْمِنِهَا وَلا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 7603). وقوله: ]مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3443). وقوله r: ]إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3444). وقوله: ]اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6609). أحاديث كثيرة في هذا المعنى، قد قرأتها، وقرئت عليك.

     فاتق الله، فإني أخاف عليك من قوله: ]فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ[ (سورة الصف، الآية 5)، ومن قوله: ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (سورة النور، الآية 63). قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.

     ونحن لا نكره أن يهديك الله إلى صراطه المستقيم، وتكون على ما كان عليه آباؤك الصالحون، وسلفك المهتدون، وفيمن ذكرت ممن مات من إخوانك عبرة للمعتبر، رحمهم الله وعفا عنهم.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه،

وصلى الله على محمد وآله وسلم.

 



[1]  أي إن أشكل على أحد وجوب قتاله.

[2]  يقصد الإمام عبدالله بن فيصل.

[3]  يقصد الدولة العثمانية.

[4]  الدولة العثمانية.

[5]  أصلها "حضضنا" من الفعل "حضّ" أي: حثثنا.

[6]  حمولة: أي أسرة.

[7]  حمولة، أي "أسرة".

[8]  آل: أي "أُدّخٍر.