إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثانية (1240 ـ 1309هـ) (1824 ـ 1891م)






الدولة السعودية الثانية



الفصل الأول

الفصل الأول

محاولات تكوين الدولة السعودية، من جديد

 

بعد أن سقطت الدولة السعودية الأولى، باستسلام عبدالله بن سعود لقوات إبراهيم باشا، عام 1233هـ / 1818م، عمدت هذه القوات إلى تصفية أية جيوب للمقاومة، وأرسلت فرقاً إلى مختلف مناطق نجد لتثبيت نفوذها، ولإظهار قوتها. ولهذا، توافدت جموع من زعماء بلدان نجد وشيوخ قبائلها، معلنة الولاء للحكم المصري ـ العثماني، وتعاونت بعض هذه الزعامات مع الحاكم الجديد.

واقتاد إبراهيم باشا بعض أمراء آل سعود، وأفراداً من أسرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أسرى وأرسلهم إلى مصر، ومن هناك أُرسل عبدالله بن سعود إلى إستانبول، حيث أعدم، في صفر 1234هـ/ديسمبر 1818م.

وقد واتت الفرصة بعضاً من آل سعود، فتمكنوا من الهرب من الدرعية، وتوجهوا إلى نواحي نجد الأخرى. ومن أولئك تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، وابن عمه عمر بن عبدالعزيز بن محمد وأولاده.

وفي هذه الأثناء، انطلق ماجد بن عريعر ـ أحد زعماء بني خالد ـ من عند إبراهيم باشا إلى الأحساء، بتأييد منه، ليتولى أمرها. فاستولى عليها واستعاد حكم أسرته على المنطقة. ثم لحقت به فرقة صغيرة من جيش إبراهيم باشا، بقيادة محمد كاشف، بطشت بالمتحمسين للدعوة الإصلاحية، واستولت على ما كان في المنطقة من سلاح وخيل لآل سعود، وصادرت ما في بيت المال.

ويبدو أن أعمال هذه الفرقة، بعثت الخوف في نفس ماجد بن عريعر وأخيه محمد، وخافا من بطش القائد محمد كاشف، فهربا إلى الحدود العراقية. ومكثا هناك حتى انسحب محمد كاشف ليلحق بإبراهيم باشا في نجد، وعادا إلى الأحساء، وتوليا حكمها.

ولما اطمأن إبراهيم باشا إلى القضاء على شوكة آل سعود، وعمل وسعه لتوطيد أركان حكمه في نجد، عاد إلى مصر، ووصلها في صفر 1235هـ / ديسمبر 1819م.

وبعد أن أبعد إبراهيم باشا رجال آل سعود إلى مصر، وغادرها هو عائداً إلى مصر، عمت الفوضى بقاع نجد، وعاثت القبائل فساداً فيها، واستعرت نيران الفتن، وكثر القتل والنهب وتصفية الحسابات بتذكر الضغائن القديمة.

وفي هذه الأثناء هبط محمد بن مشاري بن معمر ـ سليل الأسرة النجدية المعروفة، في العيينة، وابن أخت الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ـ إلى الدرعية، وكان قد تمكن من الهرب منها، عند استيلاء إبراهيم باشا عليها، واستقر في العيينة.

فقدم من العيينة إلى الدرعية، في أواخر عام 1234هـ / 1819م، وأخذ يعيد بناء البلدة، ويضبط الأمور فيها. ودعا قادة المناطق المجاورة إلى مبايعته، فاستجاب له فريق منهم، وعلى رأسهم زعماء بلدة منفوحة. إلا أن فريقاً آخر من زعماء المنطقة، خاف من عاقبة تولّي ابن معمر الحكم وإعادة بناء الدولة، فاتصلوا بزعيم بني خالد، ماجد بن عريعر، في الأحساء، وحثوه على التوجه إلى نجد للقضاء على تلك الحركة.

ولما توجه زعيم بني خالد إلى نجد مع أتباعه، ووصل إلى العارض، انضمت إليه زعامات أهل الخرج والرياض وحريملاء، ونازلوا أهل منفوحة، في قتال مرير، ثم صالحوهم، وارتحلوا إلى الدرعية. ووجد محمد بن مشاري بن معمر، أنه لا قبل له بالصمود أمام ابن عريعر، فلجأ للحيلة، وأظهر اللين للزعيم الخالدي، ولاطفه بإرسال الهدايا إليه، وأعلن أنه تابع للسلطان العثماني، فلم يترك لابن عريعر سبباً للقتال. وبذلك، تخلص من خطر بني خالد، وعاد ماجد بن عريعر إلى بلاده. وتعاظم أمر محمد بن مشاري بن معمر، واستقطب حوله أهالي نجد، وكسب تأييدهم، وعزز مركزه في البلاد، عندما عمل على فك الضائقة في المؤن والطعام في البلدة. وشعر الذين تركوا الدرعية، خوفاً من بطش إبراهيم باشا، بالطمأنينة، فرجع قسم كبير منهم إلى الدرعية. ومن أولئك تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود وأخوه زيد بن عبدالله، ولم يكن هناك بد من أن يقدما الدعم والتأييد للأمير الجديد، ومساعدته على إدارة البلاد. وتمكن محمد بن معمر من ضم حريملاء والعارض والوشم وسدير لطاعته، وبدت الأمور له، كأنها تسير في طريق تحقيق مجد لنفسه، وإنشاء دولة جديدة.

ولكن في هذه الأثناء، ظهر على مسرح الأحداث الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز ـ شقيق الإمام عبدالله بن سعود ـ فغير ظهوره هذا مجرى الأمور. فقد تمكن مشاري بن سعود بن عبدالعزيز من الهرب من الحراس، الذين يخفرون قافلة الأسرى السعوديين، وهم في الطريق ما بين المدينة المنورة وينبع، متوجهين إلى مصر. فوصل إلى الدرعية مع أعوان له، انضموا إليه من منطقة الوشم والزلفي والقصيم وغيرها، في جمادى الآخرة عام 1235هـ، ونزل في بيوت إخوانه. فانزعج ابن معمر، ولم يجد بداً من أن يتنازل عن الحكم لمشاري بن سعود ويبايعه، وكان تنازله هذا إلى حين، فقد أضمر في نفسه شراً.

وبعد مبايعة مشاري بن سعود في الدرعية، توافدت إليه بقية آل سعود، الذين هربوا من الدرعية. ومنهم عمه عمر بن عبدالعزيز بن محمد وأولاده، ومشاري بن ناصر، وحسن بن محمد بن مشاري. وقدمت عليه وفود من مناطق سدير والوشم والمحمل، معلنة ولاءها له، ودانت له بلدان الإقليم. وسانده على ذلك عمه تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود وأيده.

وشرع الأمير مشاري بن سعود يوسع نطاق نفوذه، ويعين أمراءه على البلدان، ويستعيد ما كان لآل سعود من سيطرة. فدانت له منطقة العارض والخرج، بعد معارك خاضها ضد أهلها.

ولكن محمد بن مشاري بن معمر ـ الذي غادر الدرعية، وتوجه إلى بلدة سدوس، مدعياً المرض ـ استطاع أن يجمع أنصاراً له، ليعود إلى الحكم، تساندهم جموع من قبيلة مطير، بزعامة فيصل الدويش، وأعلن العصيان في حريملاء. وسار محمد بن معمر بهم، من سدوس إلى الدرعية، ودخلها بغتة، واعتقل مشاري بن سعود، وأرسله مخفوراً إلى بلدة سدوس. وبعد ذلك، توجه ابن معمر إلى الرياض، حيث يقيم فيها تركي بن عبدالله وابن عمه عمر بن عبدالعزيز، واستولى عليها، ونصب ابنه مشاري بن محمد بن معمر أميراً عليها. واضطر تركي بن عبدالله إلى الفرار من الرياض إلى بلدة الحائر.

وإزاء هذه التطورات في نجد، أرسل محمد علي باشا، والي مصر، فرقة عسكرية إلى عنيزة، بقيادة أبوش أغا. ولما كان ابن معمر قد سبق أن أعلن لزعيم بني خالد، ماجد بن عريعر، أنه تابع للسلطان العثماني، كرر هذا الإعلان في رسالة بعث بها إلى أبوش أغا، وأكد له أنه يعمل في مصلحة محمد علي باشا والدولة العثمانية. فأقره أبوش أغا على إمارته.

تركي بن عبدالله وقيام الدولة السعودية الثانية

لما رأى تركي بن عبدالله غدر محمد بن مشاري بن معمر، بالحاكم الشرعي ـ بعد ما تنازل له ـ واستعاد الحكم في الدرعية، صمم تركي بن عبدالله على إعادة الأمر إلى نصابه. فانطلق من مخبئه في بلدة الحائر إلى بلدة ضرما، وجمع حوله أنصاره ومؤيديه، وسار بهم إلى الدرعية، وباغت محمد بن مشاري بن معمر وقبض عليه. ومن هناك أسرع نحو الرياض، فاستولى عليها، وقبض على أميرها مشاري بن محمد بن معمر. وهدد ابن معمر، بأنه لن يطلقه وابنه مشارياً حتى يطلق أتباع ابن معمر سراح الأمير مشاري بن سعود، المعتقل في بلدة سدوس. ولكن أنصار ابن معمر، سلموا مشاري بن سعود إلى القائد التركي، أبوش أغا، خوفاً من بطش الترك. فأرسله إلى عنيزة وسجن بها، حتى وافته المنية فيها. ولما علم تركي بن عبدالله بذلك، نفذ تهديده فقتل محمد بن معمر وابنه مشارياً، وكان ذلك في عام 1236هـ / 1821م. واتخذ تركي بن عبدالله من الرياض مركزاً لنشاطه، لقوة تحصينها.

ولم تستقر الأمور لتركي بن عبدالله في الرياض، فقد هاجمها فيصل الدويش وأتباعه وحاصروها، ومعهم رجال من القوة العسكرية الموجودة في عنيزة. وصمد تركي بن عبدالله وأهل الرياض، حتى انسحبت القوات إلى الوشم. وهذا عجل بإرسال محمد علي باشا تعزيزات عسكرية، بقيادة حسين بك، وانضم إليها القائد أبوش أغا بقواته، فتقدم إلى الرياض مع عدد من أفراد الجيش، ومن انضم إليه من أهل نجد، فدخلها وحاصر تركي بن عبدالله، في قصر الإمارة.

ولما اشتد الحصار، تسلل تركي بن عبدالله ليلاً إلى خارج المدينة، ولجأ إلى جنوب نجد، بينما طلب من كانوا معه الأمان من قائد الفرقة العسكرية، ووعدوا بذلك، فاستسلموا، ثم غُدِر بهم، فقتلوا أو أكثرهم، وأُرسِل عمر بن عبدالعزير وأبناؤه، إلى مصر[1].

وبعد أن قامت قوات حسين بك بأعمال التنكيل والقتل في أهالي نجد، وبثت الرعب في نفوسهم، وصادرت الأموال، غادرت نجداً تاركة حاميات صغيرة في الرياض ومنفوحة وثرمدا وعنيزة.

وأعقبتها حملة أخرى، بقيادة حسين أبي ظاهر، بعد تجدد الاضطرابات بين الزعماء المحليين. وقد تكبدت تلك الحملة خسائر فادحة، بمقتل 300 رجل منها، على يد قبيلة سبيع، قرب الحائر، في أواخر عام 1237هـ / 1822م. وقاومها أهل عنيزة، مما اضطره للانسحاب نحو المدينة المنورة، بعد أن ترك حامية من 600 جندي، في قصر الصفا خارج عنيزة. ثم غادرها هؤلاء الجنود، أيضاً، في رجب عام 1238هـ / 1823م.

وفي رمضان عام 1238هـ / 1823م، بدأ تركي بن عبدالله تحركه، من مخبئه في بلدة الحلوة - جنوبي نجد - لإخراج بقية القوات الغازية، الموجودة في الحاميات بالرياض ومنفوحة. فانطلق منها وجمع أتباعه عند بلدة عرقة، قرب الرياض. وتوافدت إليه جموع المؤيدين من نواحي سدير والوشم. وبعد قتال استمر عاماً ضد الحاميتَين في الرياض ومنفوحة، أجبر من كان فيهما من الجنود، بقيادة علي المغربي، على المغادرة إلى الحجاز، في أواخر عام 1239هـ/1824م، وأمر مشاري بن ناصر آل سعود بدخول الرياض، وتوجه هو إلى الوشم، حيث أقام في شقراء، مدة شهر. وفيها قدم عليه أمير عنيزة، يحيى بن سليم، مبايعاً إياه على السمع والطاعة، وذلك في مستهل عام 1240هـ / 1824م.

ويُعَدّ هذا التاريخ، الذي رحلت فيه القوات المصرية عن نجد، بداية لقيام الدولة السعودية الثانية، وعاصمتها الرياض. وانتقل الحكم في أسرة آل سعود، من أبناء عبدالعزيز بن محمد بن سعود، إلى أبناء عبدالله بن محمد بن سعود.

وفي خلال عامين، شملت هذه الدولة معظم بلاد نجد، ودان أهلها بالولاء لتركي بن عبدالله، الذي تحلّى بصفات قيادية عظيمة، جمعت حوله قلوب الزعماء والأهالي.

وفي عام 1241هـ / 1825م، عاد الشيخ عبدالرحمن بن حسن ـ حفيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ من مصر إلى الرياض، وتولى الشؤون الدينية في الدولة، وأبدى المشورة في تسيير أمورها.

وفي عام 1243هـ / 1827م، هرب فيصل بن تركي ـ نجل الإمام تركي بن عبدالله ـ من مصر، ولحق بأبيه في الرياض، وساعده على توطيد أركان دولته.

ضم الأحساء

تطلع الإمام تركي بن عبدالله إلى ضم الأحساء، التي استعادها بنو خالد، وأراد التخلص من تهديدهم لدولته. ففي عام 1245هـ / 1829م، غزا عمر بن محمد بن عفيصان الأحساء، بأمر من الإمام تركي بن عبدالله، فغزا أحد زعماء بني خالد بلدة حَرْمة في نجد، رداً على ذلك.

وقام محمد بن عريعر وأخوه ماجد، وأتباعهما من بني خالد، ومن انضم إليهما من القبائل الأخرى، بالمسير نحو نجد، فأمر الإمام تركي بن عبدالله ابنه فيصلاً بالتصدي لهما. ودارت بينهما اشتباكات استمرت أياماً، قتل فيها ماجد بن عريعر، ولحق الإمام تركي بن عبدالله بابنه، حيث دارت الدائرة على محمد بن عريعر وأتباعه في معركة (السبيّة)، فولوا مدبرين. وأخذ الإمام تركي بن عبدالله طريقه نحو الأحساء، ودخلها دون قتال، بعد أن هرب منها بنو خالد. وتحصن محمد بن عريعر في قصر الكوت، ثم استسلم للإمام تركي بن عبدالله، الذي عامله بلطف وتقدير. ووفد زعماء القطيف على الإمام، وبايعوه على السمع والطاعة، ثم قدم إليه زعماء رأس الخيمة وجددوا ولاءهم له. وبهذا، خرجت الأحساء من يد بني خالد، لتصبح ثانية جزءاً من الدولة السعودية. وغادر الإمام تركي بن عبدالله الأحساء، عائداً إلى الرياض، بعد أن ترك عمر بن عفيصان أميراً عليها، وعبدالله الوهيبي قاضياً لها.

الإمام تركي بن عبدالله، وجهات عُمان

كانت رأس الخيمة قد أعلنت ولاءها للدولة السعودية الأولى، ولجأ إليها عدد من الذين فروا من الدرعية، بعد استسلام الإمام عبدالله بن سعود. وجدد أهل رأس الخيمة ولاءهم لتركي بن عبدالله، عام 1244هـ / 1828م، عندما قدم إليه وفد منهم، وأرسل معهم قاضياً وسرية، بقيادة عمر بن عفيصان، لحمايتهم من خصومهم، وأصبحت بذلك واحة البريمي مركزاً للقوة السعودية في تلك الجهات. ثم جدد زعماء رأس الخيمة ولاءهم للإمام تركي، وهو بالأحساء، عام 1245هـ / 1829م.

وفي عام 1248هـ / 1832م، أرسل الإمام تركي أميره على الأحساء، عمر بن عفيصان، على رأس حملة قوية إلى عُمان، واضطر السلطان سعيد ـ صاحب مسقط ـ إلى إظهار المودة للإمام تركي، وإلى دفع مبلغ مالي سنوي إليه. وبذلك استعادت الدولة السعودية الثانية النفوذ، الذي كان للدولة الأولى، في تلك الجهات.

الإمام تركي، وآل خليفة، في البحرين

كان لدخول الأحساء تحت حكم الإمام تركي بن عبدالله، أثره في علاقته بآل خليفة، حكام البحرين، وقد كان لهم سيطرة على جزء من قطر، آنذاك. واعترف عبدالله بن خليفة بتبعيته للإمام تركي، بعد مفاوضات جرت بينهما، وقبل دفع الزكاة إلى الدولة السعودية، نظير مساعدتها له ضد أي عدوان، تتعرض له البحرين. ولكن هذا الاتفاق لم يعمر طويلاً. فقد حدث خلاف بين العماير وأميرالقطيف. وذهب فيصل بن تركي إلى هناك، لمعالجة المشكلة. فلما أغار على العماير، لجأ من انهزم منهم إلى قصر الدمام، الذي كان فيه أبناء آل خليفة، فهاجمهم فيصل هناك، ثم رحل إلى سيهات، التي كان رئيسها متفقاً مع ابن خليفة على محاربة آل سعود. وحقق فيصل كثيراً من النجاح في المنطقة، لكن أخبار اغتيال أبيه، في الرياض، جعلته ينسحب، بسرعة، من المنطقة، عائداً إلى الرياض.

الإمام تركي بن عبدالله، والعثمانيون

كان العثمانيون لا يرغبون في عودة الدولة السعودية، من جديد. وبذل والي مصر، محمد علي باشا، جهوداً مكثفة للقضاء على حركة الإمام تركي بن عبدالله، الذي أرغم بقية قوات محمد علي على الرحيل من نجد.

وعلى الرغم من ذلك، حاول تركي بن عبدالله، ألا يتحدى الدولة العثمانية، أو والي مصر، فلم يقترب من مناطق نفوذها، في الحجاز، واعترف بالسيادة الاسمية للأتراك. وبذل جهده ليتقرب إليها، وللحصول على اعتراف منها. فكتب إلى والي بغداد وكتب إلى والي مصر، الذي أبى الاعتراف به، لأنه ينظر إلى تلك المناطق، على أنها ضمن نفوذه. وحال انشغال قوات محمد علي باشا بإخماد ثورة عسير، وحروبه في الشام، وغيرها، دون إرساله قوات، لضرب تركي بن عبدالله.

نهاية حكم الإمام تركي بن عبدالله

كان مشاري بن عبدالرحمن آل سعود[2]، أحد أفراد الأسرة السعودية، التي نفيت إلى مصر، بعد سقوط الدرعية. وكانت أمه أخت الإمام تركي بن عبدالله. وكان الإمام يقدره غاية التقدير، ويراسله وهو في منفاه، وحثه على القدوم إلى نجد. واستطاع أن يهرب ويعود إلى الرياض، عام 1242هـ/1826م، فأكرمه خاله الإمام تركي، وولاه إمارة منفوحة. وفي عام 1245هـ/1829م، عزله الإمام تركي عن إمارة منفوحة، على إثر وشاية، تفيد أنه يدبّر مع آخرين مؤامرة للإطاحة بالإمام. وأضمر مشاري في نفسه الحقد على خاله. وبعد مضي عام، وبينما كان الإمام تركي غازياً في الشمال، ظهر مشاري في الرياض، معلناً خروجه عليه، ولكنه فشل في مسعاه، لعدم وجود مؤيدين له من السكان، الذين أحبوا الإمام تركياً. فهرب مشاري إلى مكة، محاولاً الحصول على تأييد الشريف محمد بن عون له، لكن الشريف قبله لاجئاً عنده، وامتنع عن مساعدته عسكرياً.

ومكث مشاري في الحجاز حتى بداية عام 1248هـ/ 1832م، فانتقل إلى نجد، ووصل بلدة المذنب في القصيم، وطلب من أهلها أن يشفعوا له عند خاله، فركبوا معه إلى الرياض. وقدرهم الإمام تركي، وقبل شفاعتهم فيه، فعفا عنه، وأنزله في بيت من البيوت الخاصة به.

على أن نفس مشاري النزاعة إلى التمرد، لم تهدأ، وظل يحلم بالحكم. واستغل فرصة وجود فيصل بن تركي على رأس قوات والده، في شرق الجزيرة العربية، للقضاء على التمرد، الذي قام في العماير، فحاك مؤامرة لاغتيال خاله الإمام تركي، وتمكن أحد عبيد مشاري، ويدعى إبراهيم بن حمزة، من قتل الإمام تركي بعد خروجه من المسجد، عقب صلاة الجمعة. وخرج مشاري من المسجد، وشهر سيفه، وتهدد الناس وتوعدهم، ودخل القصر وجلس للناس، يدعوهم للبيعة في الرياض، وذلك في آخر ذي الحجة عام 1249هـ/ مايو 1834م. ومات الإمام تركي بن عبدالله، بعد عشر سنين، قضاها في إعادة بناء الدولة السعودية.

 



[1] ذكر الجبرتي في تاريخه المسمى: "عجائب الآثار في التراجم والأخبار 3/628 ـ 629"، أن أشخاصاً من كبار الوهابية وصلوا مقيدين على الجمال، وهم عمر بن عبدالعزيز وأولاده وابن عمه، في الثالث من شوال 1236هـ، وأنهم مقيمون بمصر، بخطة الحنفي قريباً من بيت جماعتهم، الذين أتوا قبل ذلك الوقت.

[2] ذكر المؤرخ عثمان بن عبدالله بن بشر النجدي في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج 2 ص 22، أنه: "مشاري بن عبدالرحمن بن حسن بن مشاري بن سعود بن محمد بن مقرن"، وفي موضع آخر حذف من نسبه اسم حسن ج2، ص 97.