إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثانية (1240 ـ 1309هـ) (1824 ـ 1891م)






الدولة السعودية الثانية



الفصل الثالث

الفصل الثالث

العلاقات الخارجية للدولة، في عهد الإمام فيصل

 

1. علاقات الإمام فيصل بإمارات الخليج وعُمان

لم تسجل أية علاقات جديرة بالاهتمام، بين الدولة السعودية، في عهد الإمام فيصل بن تركي، والكويت، سوى ما مر ذكره من هروب المنهزمين من قبيلة العجمان، أمام عبدالله بن فيصل، سنة 1276هـ/1860م، إلى داخل الكويت. وتبادل عبدالله بن فيصل مع حاكم الكويت، رسائل الصداقة والمودة. ولم يحدث أن دفعت الكويت الزكاة إلى الدولة السعودية، إلا نادراً.

أما علاقة الإمام فيصل بن تركي بحكام البحرين، فكان يعتريها المد والجزر. لقد دب النزاع الداخلي بين آل خليفة حكام البحرين، فثار محمد بن سلمان آل خليفة، على عم أبيه، عبدالله بن أحمد آل خليفة، لانتزاع الحكم منه. ولكنه هزم في معركة الناصفة، فهرب إلى نجد، عند عبدالله بن ثنيان، الحاكم في نجد، آنذاك؛ وكان يعسكر بقواته في الرمحية، بين القطيف والرياض.

وقرر عبدالله بن ثنيان، أن يتدخل في شؤون البحرين الداخلية، مستفيداً من الصراع العائلي بين آل خليفة. لكن عودة فيصل بن تركي من منفاه في مصر، شغلته عن قراره ذاك.

ولما يئس محمد بن سلمان آل خليفة من الدعم السعودي له، رحل إلى القبائل البدوية، في قطر، لعلها تعينه في الهجوم على منافسه في حكم البحرين، عبدالله بن أحمد آل خليفة. ولقي تأييداً من تلك القبائل، وساعدته على هزيمة قوات عبدالله بن أحمد. وتمكن من السيطرة على الأمور في البحرين. واعترفت بريطانيا باستقلال البحرين، برئاسة محمد بن خليفة.

ولما استتب الأمر للإمام فيصل بن تركي، في فترة حكمه الثانية، إثر تغلبه على عبدالله بن ثنيان، تمكن، في عام 1259هـ/1843م، من استعادة قصر الدمام، الذي استولى عليه آل خليفة، منذ فترة، وطرد الحامية البحرينية منه.

وفي عام 1263هـ/1847م، طلب عبدالله آل خليفة العون من الإمام فيصل، بعد أن يئس من أي دعم إيراني له. فقرر الإمام فيصل بن تركي فتح جزيرة البحرين، مغتنماً فرصة الخلافات العائلية المستمرة، بين آل خليفة، أو أن يجبرها على إعلان تبعيتها له، بدفع الزكاة. وأدى هذا إلى إرباك الشيخ محمد بن خليفة، خصم عبدالله بن أحمد آل خليفة، فأخذ يبحث عن حليف قوي، فاتجه إلى الدولة العثمانية، يطلب دعمها. وهنا، بادرت بريطانيا إلى التفكير في وضع البحرين تحت حمايتها. ولم ينجح الإمام فيصل في تحقيق مشروعه، بضم البحرين أو إخضاعها له، بسبب حملة الشريف محمد بن عون على نجد، التي مر ذكرها، ثم موقف بريطانيا الحازم، ضد أي نفوذ سعودي في منطقة الخليج، حيث مصالحها الإستراتيجية.

وتفاوض شيخ البحرين، آنذاك، محمد بن سلمان آل خليفة مع الإمام فيصل، محاولاً إقناعه بعدم تقديم العون لغريمه عبدالله بن أحمد آل خليفة. وتوصل مبعوثه، بشير بن رامح، إلى اتفاق مكتوب، يدفع، بموجبه، حاكم البحرين مبلغاً، قدره أربعة آلاف ريال، مقدماً، إلى الإمام، وأن يدفع الزكاة السنوية في حدود هذا المبلغ. ويسمح للشيخ المعزول، عبدالله، بالإقامة بالأحساء وتكون نفقات معيشته على حساب الدولة السعودية.

وعاود الإمام فيصل نشاطه في الخليج، وقرر فتح البحرين، عام 1267هـ/1851م. وقد ساعده آل ثانٍ، وبعض القبائل القطَرية، عقب فتحه لقطر. وقدم القطريون للإمام 300 سفينة، لتساعده على نقل الجنود من قطر إلى البحرين. كما أن آل خليفة، بمن فيهم عبدالله بن أحمد آل خليفة، قدموا مساعدتهم للإمام فيصل، أملاً في انتزاع السلطة من محمد بن سلمان آل خليفة.

وعلى أثر ذلك، استعان محمد بن سلمان آل خليفة بحاكم أبو ظبي، سعيد بن طحنون، فأنجده بأسطول قوي، قاده بنفسه. ولكن الخلاف حل بالطرق السلمية، وقبل الإمام فيصل الصلح، بشرط أن يحضر سعيد بن طحنون بنفسه إلى معسكره. فوافق، بعد أن حصل على كتاب الأمان من أحمد السديري، حاكم الأحساء، موقعاً من فيصل، وبشرط أن تستمر البحرين في دفع الزكاة السنوية، وهي أربعة آلاف ريال، وأن تدفع ما كان متأخراً منها.

وكانت بريطانيا، تساند البحرين ضد النفوذ السعودي. ولكنها حينما علمت بأن دفع الزكاة، لا يعني التبعية السياسية للسعوديين، وافقت على الحل السلمي.

واستمرت عمليات التحرش السعودي بالبحرين. وكان الإمام فيصل يقدم الدعم للفارين من حكم شيوخ البحرين. وكانت العلاقات تتعقد بسبب النزاع الداخلي، بين آل خليفة، وبسبب التدخل، البريطاني والإيراني.

أما عن علاقة الإمام فيصل بقطر، التي تحكمها أسرة آل ثانٍ، وتحت سيادة آل خليفة في البحرين، فقد استولت عليها القوات السعودية، بقيادة عبدالله بن فيصل، بعد معارك دامية. وحاصرت قصر البدع، الذي حصنه آل خليفة، بزعامة علي بن خليفة. وأجبرتهم على مغادرته. وقدمت القبائل القطرية المساعدة لعبدالله بن فيصل على غزو البحرين.

أما علاقة الإمام فيصل بجهات عُمان، فإن النفوذ السعودي، امتد إليها، في عهده، وبسطت قواته سيطرتها على البريمي، بقيادة سعد بن مطلق المطيري، في صفر عام 1261هـ/فبراير 1845م. وكانت غاية سعد بن مطلق، أن يجبر سلطنة عُمان على دفع الزكاة. وطلب من ثويني بن سلطان، النائب في الحكم عن والده سعيد، مبلغ عشرين ألف ريال، ومن صاحب صحار، حمود بن عزان خمسة آلاف ريال. وطلب المعتمد البريطاني من ثويني التفاهم، بشكل ودي، مع الإمام فيصل بن تركي. وقام سعد بن مطلق المطيري بإجراء تهديدي، حيث استنفر قواته في البريمي، وسار بها إلى ساحل الباطنة، الذي تسوده الفوضى. ولم يكن في مقدور قوات حاكم مسقط الدفاع عنها.

ولكن بريطانيا، أنذرت الإمام فيصل بن تركي، وقائده، سعد بن مطلق المطيري، في 18 جمادى الآخرة عام 1261هـ / 25 يونيه 1845م. وانتهت الأمور بسلام، بعد أن وافق سعيد بن سلطان، حاكم عُمان، على دفع مبلغ خمسة آلاف ريال، سنوياً، وألفَي ريال إلى سعد بن مطلق شخصياً. واضطر صاحب صحار الساحلية، حمود بن عزّان، أيضاً، أن يدفع زكاة سنوية إلى الإمام فيصل، قدرها خمسة آلاف ريال.

وفي عام 1263هـ/ 1846م، تمردت قبائل شمال عُمان، ضد القائد السعودي، الذي تشدد في معاملته لهم، وشكوا أمره إلى الإمام فيصل. واستدعى الإمام فيصل قائده، سعد بن مطلق المطيري، إلى الرياض، للتفاهم معه في شأن الموقف المتدهور، في البريمي. وفي غياب سعد بن مطلق، حل محله محمد بن سيف العجاجي، بالوكالة، واستطاع هذا الأخير توثيق عرى الصداقة والمودة مع القبائل هناك. وظل يحكم عدة أشهر، حتى وصل حاكم جديد للبريمي، من قبل الإمام فيصل، هو عبدالرحمن بن إبراهيم، 1263هـ/1847م.

وفي عام 1264هـ/1848م، حاول محمد بن سيف العجاجي، أن يجبي الزكاة، بالقوة، من صاحـب صحـار، حمـود بن عزّان، وأرسل قوة تأديبية إليه. ولكنه وقع في مكمن، فاستغل حاكم أبو ظبي، سعيد بن طحنون، ضعف الحامية السعودية، وحاول التوسع في المنطقة، بحجة مساعدة الأهالي ضد السعوديين. فحاصر البريمي، التي كان فيها محمد بن سيف العجاجي، وعبدالرحمن بن إبراهيم. ووزع العجاجي قواته بين الحصون، التي تحيط بها قوات ابن طحنون. ولكنه استسلم لها، في عام 1264هـ / يونيه 1848م، بشرط أن يؤمنهم ابن طحنون على أرواحهم وسلاحهم، ويسمح لهم بمغادرة الحصون. وسقطت البريمي، ووضع فيها حاكم أبو ظبي حامية من قبله. ولما علم الإمام فيصل بذلك، أرسل قوة عسكرية كبيرة، بقيادة سعد بن مطلق، ليعيد البريمي إلى طاعته. وكمن ابن طحنون للقوة السعودية، بعد أن أخبره جواسيسه بقدومها، فوقعت القوات السعودية في المكمن، وهزمت في مكان يسمى العانكة. وبعد أن حكم ابن طحنون البريمي، ثمانية أشهر، وقع الصلح بين الطرفين، وأعيدت حصونها للسعوديين. وبعد عامين، قدم ابن طحنون إلى معسكر الإمام فيصل، الذي كان، وقتها، في قطر وقدم الاعتذار إليه عما وقع منه. وبشكل عام، لم يكن الحكم السعودي في البريمي مستقراً، بل كان التمرد يقع بين الفينة والأخرى.

وفي عام 1265هـ/ 1849م، دخلت مسقط في نزاع مع الرياض، بعد ما رأت ضعف القوة السعودية، إثر اعتداء ابن طحنون. فرفض ثويني، ابن حاكم مسقط، أن يدفع ما كان تعهد به من الزكاة، عام 1261هـ/1845م. وتحالف مع ابن طحنون، حاكم أبو ظبي، في السنة نفسها، واتفقا على مساعدة بعضهما بعضاً، ضد السعوديين. وفي عام 1266هـ/ 1850م، قرر ثويني، وابن طحنون، إقناع حمود بن عزان، صاحب صحار، بالدخول معهما في الحلف ضد السعوديين، واحتلال البريمي. ولكنه لم يوافق على الدخول معهم.

وكانت الرياض، في تلك السنوات، تواجه حملة الشريف محمد بن عون، التي غزت القصيم، مما أضعف موقف الإمام فيصل، في نواحي البريمي وعُمان. وبعد زوال خطر الشريف، استأنف الإمام فيصل نشاطه في منطقة الخليج، ففتح قطر، وأخذ الزكاة من حاكم البحرين. ثم توجه جيشه إلى البريمي، لتفقّد المنطقة، والنظر في أمورها، العامة والخاصة، وإصلاح بعض الثغور.

ولما غزا الإمام فيصل، وابنه، عبدالله، بعض القبائل، في المنطقة الشرقية، بعث ابنه، عبدالله، إلى البريمي، في حملة، لتثبيت السيادة السعودية عليها. وكان يرافقه أحمد السديري، حاكم الأحساء. ومما أدى إلى نجاح هذه الحملة، انشغال حاكم عُمان، سعيد بن سلطان، بتهدئة الأوضاع المضطربة في بلاده.

ولقد عامل عبدالله بن فيصل الناس بالرفق، ومنح الرؤساء العطايا والهبات، وأجرى عدة إصلاحات في المنطقة. وحل الخلافات بين القبائل، فأخذت تتنافس في تقديم الطاعة إليه.

ثم جرى الصلح بين ثويني وعبدالله بن فيصل. وكان من شروطه:

أ. أن تدفع مسقط إلى الرياض إتاوة، قدرها 12 ألف ريـال، إضافة إلى المبالغ المتأخرة، وقدرها 60 ألف ريـال.

ب. أن يتعهد فيصل بتقديم المساعدة لسلطان مسقط، في حالة الشدة.

ج. أن تبقى حدود الطرفَين كما كانت في السابق.

د. أن يتبادل الفريقان التزود بالمؤن والإمدادات، كالعادة.

وفي عام 1269هـ/1853م، توغلت قوات سعودية، أرسلها عبدالله بن فيصل، بقيادة أحمد السديري، في داخل عُمان، وتنقلت في مناطقها، عبر الجبل الأخضر، وأخذ السديري الإتاوة من زعماء المنطقة.

وبعد ذلك، ثارت القبائل في مسقط، ضد حاكمها ثويني، ورفضت دفع الزكاة إليه، فاستنجد بعبدالله بن فيصل. وبعد أن وقع عبدالله بن فيصل معاهدة تحالف مع ثويني، عام 1270هـ/1853م، غادر البريمي عائداً إلى الرياض، تاركاً أحمد السديري وكيلاً عليها من قبل السعوديين.

وظل السديري حاكماً للبريمي، حتى عينه الإمام فيصل حاكماً على الأحساء. وخلفه عليها ابنه تركي السديري، عام 1273هـ/1857م. واستمر حكمه 12 سنة، قارب فيها بين القبائل في المنطقة، ووفق في سياسة الناس، ونشر الأمن والطمأنينة بينهم، وقمع كل أعمال السلب والفوضى.

2. علاقات الإمام فيصل بن تركي بالدولة العثمانية

نظراً إلى ما رآه الإمام فيصل، من قوة الدولة العثمانية، فإنه أظهر استعداداً دائماً للتفاهم معها، وأعلن التبعية الاسمية لها، وطبق عليه نظام الالتزام العثماني، وهو أن يدفع إلى الدولة مقداراً من المال، دليلاً على التبعية. ولم يدفع الإمام فيصل المال إلى الدولة العثمانية بشكل مستمر، بل كان الدفع يعتمد على تحصيله الزكاة، في مناطق نجد والأحساء، ويعتمد على العلاقات السياسية بين الأشراف ونجد، من جهة، ونجد والأتراك، من جهة ثانية. فإذا تأزمت العلاقة، توقفت نجد عن إرسال الخراج المقرر عليها.

وكان في إعلان الإمام تبعيته للدولة العثمانية رادع لبريطانيا من أي محاولة للاعتداء على قواته.

وظلت صلات الدولة السعودية مرتبطة بالأشراف في مكة، فيرسلون الخراج من طريقهم إلى إستانبول. وكان الشريف يأخذ جزية من نجد، باسم الدولة العثمانية.

3. علاقة الإمام فيصل بن تركي بالأشراف، في الحجاز

ساءت العلاقة بين الإمام فيصل بن تركي وأشراف الحجاز، بسبب تشجيعهم المتمردين عليه، ولجوء المناوئين له إليهم، وصارت مكة مركزاً للفارين من سلطة الرياض. فقد لجأ إليها خالد بن سعود بعد فشله أمام ثورة عبدالله بن ثنيان. وصاحب خالد بن سعود حملة الشريف محمد بن عون على نجد، في ربيع الثاني 1263هـ/ مارس 1847م. كما فر إليها أمير بريدة، عبدالعزيز بن محمد آل عُليان، بعد ثورته في القصيم، مرتَين. وكان بعض أهالي القصيم، قد حرضوا الشريف محمد بن عون على غزو نجد، وزينوا له الأمر، وقالوا إن الإمام فيصلاً ضعيف، وعليه أن يعزله، ويعين خالد بن سعود مكانه. فقام بحملته، واحتل القصيم دون مقاومة. والتقت قوات الشريف وقوات فيصل بن تركي، بقيادة ابنه، عبدالله بن فيصل. لكن الأمر حل بشكل سلمي، في مكان يقال له الشمس، على حدود نجد الغربية، كما مر ذكره سابقاً. واتفق الطرفان على أن يدفع الإمام فيصل مبلغاً، قدره عشرون ألف ريـال، إلى شريف مكة، خراجاً سنوياً للسلطان العثماني، الذي اقتطع نجداً، على أن ينسحب بقواته من القصيم.

ولقد توسط شريف مكة، محمد بن عون، في الخلاف بين الإمام فيصل بن تركي وسعيد بن تركي، من آل بو سعيد، وسعيد بن طحنون، صاحب أبو ظبي، في شأن البريمي. وذلك حينما اعتدى سعيد بن طحنون على البريمي، واحتل حصونها من الوكيل السعودي فيها، محمد بن سيف العجاجي، فاتصل الإمام فيصل بالشريف، وأطلعه على الأمر، وطلب منه التدخل. وبناء على هذا، أرسل الشريف مبعوثه، الشريف علي، إلى بوشهر، في الخليج، ليجتمع إلى المعتمد البريطاني، ويعرج على أبو ظبي، ليقنع ابن طحنون بالانسحاب من الحصون التي احتلها.

4. علاقة فيصل بن تركي بالخديوية، في مصر

في السنوات الأخيرة من حكم الإمام فيصل بن تركي، كانت العلاقة بينه وبين خديوي مصر، حسنة بشكل عام. ولم يحدث ما يعكر صفوها، لأن الخديوية في مصر، صارت تبعيتها للدولة العثمانية، اسمية. وكانت تتم من طريق مصر، عمليات تبادل الرسائل والمحادثات، وإرسال الجنود لقمع حركات التمرد في شبه جزيرة العرب. ومما يؤكد صداقة نجد، والقاهرة، ما جاء في رسالة من الخديوي إسماعيل باشا، إلى فيصل بن تركي، عبّر فيها عن استمرار المودة والصداقة بينهما.

وكانت هذه الرسالة رداً على رسالة، بعث بها الإمام فيصل بن تركي إلى الخديوي، في 12 ذي الحجة عام 1279هـ/ مايو 1863م، تبين ثبات فيصل على صداقته ومودته للخديوية. كما تبودلت الهدايا بين الحاكمَين.

وقد أرادت الخديوية، والدولة العثمانية، الاستعانة بالإمام فيصل بن تركي، ضد ثورة عسير، عام 1280هـ/1863م. وأرسل الخديوي إلى فيصل كتاباً، ذكر فيه، "أنه لا يخفى على حضرتكم ما حل بجهة اليمن، من تمرد بعض الأشقياء … وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وتلك الجهة، وإن تكن تحت حكومة هذا الطرف (يعني الخديوية)، لكن بالنظر إلى صلة الارتباط بالدولة العلية، يجب الاجتهاد، من كل طرف، بقدر ما يمكن، في تأديب من تعدى … والمهم الضروري، سيرسل من هذا الطرف مأمور مخصوص، وعساكر تقمع الفتنة … ومن القديم، مؤكد ومثبوت انتساب حضرتكم لمحبة الجهة المصرية، والقيام بقضاء ما يلزم من الأشغال … وغاية المأمول، أن ما يلزم العساكر المرسلة من هذا الطرف، من المساعدات، من جهة جنابكم، سواء كان في تسهيل أمورهم، أو قضاء لوازمهم ـ يسير إجراؤه بوقته، وما يبرز من هممكم في هذا المقصد المستحسن ... ". ولكن الإمام اعتذر، لقلة إمكانياته، ولأنه كان على علاقة طيبة بزعماء منطقة عسير، من آل عايض.

5. علاقة الإمام فيصل ببريطانيا

وقفت بريطانيا ضد التوسع السعودي، في الخليج وجهات عُمان، نظراً إلى تهديد ذلك التوسع لمصالحها.

ولقد امتنعت بريطانيا عن مساعدة المعارضين للإمام فيصل، في البريمي وما حولها، في بداية عهده. وأرسل الإمام رسالة، عبّر فيها عن أمله في إقامة علاقات طيبة ببريطانيا، كما كان الحال في زمن أبيه، الإمام تركي بن عبدالله. وحينما توغلت القوات السعودية في جهات عُمان، وأصبحت تهدد مدينتي مسقط وصحار، نصحت بريطانيا حاكمَي المدينيتَين، أن يدفعا إلى القائد السعودي ما أراده من أموال. لكنها وقفت ضد أي محاولة سعودية للاستيلاء على المدينتَين.

وكان موقف بريطانيا، بالنسبة إلى الصراع بين الإمام فيصل وآل خليفة، مشابهاً لموقفها إزاء عُمان. فلم تشجع حاكم البحرين على عدم دفع الزكاة إلى الإمام، لكنها وقفت ضد أي محاولة غزو سعودي للبحرين، بل هاجمت أراضي الإمام فيصل، لعدم تخليه عن إيواء خصوم حاكم البحرين.