إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة السعودية الثانية (1240 ـ 1309هـ) (1824 ـ 1891م)






الدولة السعودية الثانية



الفصل الرابع

الفصل الرابع

النزاع في الحكم، بين أبناء الإمام فيصل

 

بلغ الإمام فيصل بن تركي السبعين من عمره، وفقد بصره، فوكل أمور الدولة إلى ابنه الأكبر، وليّ عهده، عبدالله. وبقيت له الإمامة. وتوفي في الرياض، في رجب عام 1282هـ / نوفمبر 1865م، مخلفاً أربعة من الأبناء، هم عبدالله وسعود ومحمد وعبدالرحمن.

بويع عبدالله بن فيصل بالإمامة، بعد وفاة أبيه. وبايعه أخوه، سعود، وكذلك كثير من علماء الدين، وأهل الحاضرة، لما كان له من خبرات، عسكرية وإدارية، اكتسبها في عهد والده، ومما كلفه به من مهام وحملات عسكرية. ولكن سرعان ما بدأ الصراع بين الإمام عبدالله بن فيصل وأخيه، سعود بن فيصل، لتبدأ حرب أهلية، استمرت عشر سنوات. فبعد عام من تولي عبدالله، خرج عليه سعود ونازعه الحكم. وهناك عدة روايات لخروج سعود:

منها ما روي عن اضطهاد عبدالله أخاه سعوداً، ومنعه الناس من الاتصال به، مما دفعه إلى النقمة.

وهناك من يرى أن فترة تولي سعود إمارة الخرج، التي كانت طويلة نسبياً، ونجاحه في إدارتها، جعلته يعتاد حياة معينة، تفرض عليه التزامات، ربما صعب على أخيه، عبدالله، توفيرها له.

ومنها ما يقول، إن سعوداً أضمر الحقد على أخيه، بعد عزله عن إمارة الخرج، في أواخر عهد أبيه. وكان سعود يظن أن أخاه، عبدالله، وراء قرار عزله.

وعلى العموم، فإن الطموح إلى السلطة، كان أهم عامل في خروج سعود على طاعة أخيه.

وأعلن سعود بن فيصل العصيان على أخيه، وتوجه إلى عسير، يطلب المساعدة من أميرها، محمد بن عايض بن مرعي، الذي كان من المؤيدين للدعوة الإصلاحية في نجد، ومن المتعاطفين مع الحكم السعودي. وأرسل الإمام عبدالله بن فيصل وفداً إلى أخيه، في أبها، لعله يرده عن تمرده، ويثنيه عن شق عصا الطاعة عليه. وطلب الوفد، وابن مرعي، من سعود، أن يعود إلى أخيه، ويترك الشقاق. ولكن كل محاولاتهم فشلت.

وإذ لم يجد سعود من أمير عسير العون والتأييد، توجه إلى نجران. فرحب به رئيسها، المسمى السيد. وكانت نجران، منذ عهد الدولة السعودية الأولى، تغذي الحركات المناوئة للنفوذ السعودي. ويرجع السبب الرئيسي لذلك إلى الاختلاف المذهبي، إذ تعتنق قبائل يام، وهم أهل نجران، المذهب الإسماعيلي. وكان في مصلحة رئيس نجران، أن يدب الشقاق والانقسام في البيت السعودي، فقدم النصرة والتأييد لسعود بن فيصل، فاجتمعت له حشود كبيرة من قبائل يام، وأمده رئيس نجران بالمال، وأرسل معه اثنين من أولاده.

ووفد على سعود، وهو هناك، زعماء من قبائل العجمان وآل مرة وآل شامر. وتجمعت قوة حمسته للمسير نحو نجد، لمحاربة الإمام عبدالله بن فيصل. وكتب إليه مبارك بن روية، رئيس السليل، يطلب منه القدوم إليه، واعداً إياه بالنصرة والعون. وسار بهذه القوة إلى وادي الدواسر، وقدموا على رئيس السليل، فانضمت إليه هناك جموع كثيرة، انطلق بها إلى الرياض.

وقام الإمام عبدالله، الذي كانت تصله الأخبار عن تحركات أخيه، وأعد جيشه، واستنفر قواته، ووضع على رأسها أخاه، محمد بن فيصل. وتقابل الجيشان في مكان، بالقرب من وادي الدواسر، يقال له المُعْتَلَى. ودار القتال بين الأخوَين، فلحقت الهزيمة بسعود وقواته، وجرح هو في المعركة، ولحق بيديه عطب شديد. وقتل فيها ابنا رئيس نجران، وكثير من أتباعه. وعاد محمد بن فيصل بجيشه إلى الرياض، وذلك عام 1283هـ/ 1866م.

وسار سعود، بعد معركة المُعْتَلَى، إلى آل مرة، في جهة الأحساء، وأقام عندهم، حتى برئت جراحه. ومن هناك، قصد جهات عُمان، آملاً أن يجد من يساعده ضد أخيه. وهناك، آواه أمير تلك المنطقة، تركي بن أحمد السديري.

ونكل الإمام عبدالله بن فيصل بمن تعاون مع أخيه سعود. فأرسل عمه، عبدالله بن تركي بن عبدالله، عام 1284هـ/ 1867م، في سرية من أهل الرياض والوشم وسدير، إلى الأحساء، وهاجم بادية العجمان، المتواطئين مع سعود، وأحرق بيوتهم في الرقيقة، وسجن من قبض عليه منهم. واستدعى أمير الأحساء، محمد بن أحمد السديري إلى الرياض، وعزله عن الإمارة، بسبب حماية أخيه تركي بن أحمد، أمير جهات عُمان، لسعود بن فيصل، وعين بدلاً منه ناصر بن جبر الخالدي. وكان محمد أحمد السديري هذا محبوباً لدى أهل المنطقة، مما أضعف مركز الإمام عبدالله، هناك.

وبقي الدور على وادي الدواسر، فسار إليهم الإمام عبدالله بن فيصل بنفسه، في محرم عام 1285هـ/أبريل 1868م. وأقام هناك شهرين، وأخذ من أهل وادي الدواسر أموالاً كثيرة، وقطع نخيلهم، وهدم بيوتهم، نكالاً بهم، لمساندتهم سعوداً.

وفي عام 1286هـ/1869م، سار الإمام عبدالله بن فيصل بقواته إلى الأحساء. ونزل على ماء دعيلج، المعروف هناك، وأقام أربعة أشهر. وفي ذي القعدة من العام نفسه، بعث سرية إلى قطر، مع مساعد الظفيري والعسوس، وأمرها بالبقاء هناك. وسرية أخرى إلى الأحساء، وأمرها بالبقاء فيها، إلى جانب أميرها ناصر بن جبر الخالدي. وهاجم الصهبة، من قبيلة مطير، وهم على الوفراء، فأخذهم[1].

ومكث سعود بجهات عُمان، حتى اغتيل أميرها، تركي بن أحمد السديري، عام 1285هـ/1868م، فلجأ إلى عزّان بن قيس، العدو اللدود للإمام عبدالله بن فيصل، في تلك الجهات.

وكانت بريطانيا، صاحبة النفوذ هناك، تكره الإمام عبدالله، وتتعاطف مع سعود. فرتبت مع أمير البحرين، أن يجعل من بلاده مركزاً لنشاط سعود. فتوجه إليها، ورحّب به أميرها، عيسى بن خليفة، عام 1287هـ/1870م. واتصل سعود بن فيصل بالقبائل، التي تبدي النصرة له، في شرقي شبه الجزيرة العربية، مثل العجمان وآل مرة. وانضم إليه، أيضاً، محمد بن عبدالله بن ثنيان آل سعود.

وهاجم سعود، منطلقاً من البحرين، مع أتباعه، المناطق التابعة لأخيه، عبدالله، في قطر. وكان عبدالله قد بعث سرية مساعد الظفيري والعسوس، فتمكنت من صد هجوم سعود، وقتل محمد بن عبدالله بن ثنيان. وعاد سعود بأنصاره من حيث جاءوا.

وعاود سعود استجماع قواه، وانطلق، أيضاً، من مركزه في البحرين، وهاجم العقير، في رجب 1287هـ/أكتوبر 1870م، واستولى عليها. ومنها توجه إلى الهفوف، وانضم إليه زعماء العجمان، بعد أن تخلوا عن أمير الهفوف، فانهزم أمام قوات سعود، التي ضربت عليها الحصار أربعين يوماً.

وإزاء هذا الموقف، أمر الإمام عبدالله جيشه بالتحرك من الرياض، وعلى رأسه محمد بن فيصل، ليقاوم سعود وأتباعه. وحينما علم هذا الأخير بتحرك الجيش نحوه، رفع الحصار عن الهفوف، وتحرك بجموعه، من العجمان وآل مرة وغيرهم، لملاقاة جيش أخيه، محمد. فالتقى الطرفان عند ماء جودة، في الأحساء، حيث دارت بينهما معركة، في 27 رمضان عام 1287هـ/ديسمبر 1870م. وفي أثناء المعركة، انقلبت فئات من قبيلة سبيع، على جيش محمد بن فيصل، وانضموا إلى جانب قوات سعود، بعد جهود بذلها زعيم العجمان، راكان بن حثلين، مع زعيم سبيع. فانقلب الوضع في مصلحة سعود. فانتصر على قوات أخيه، محمد بن فيصل، وتمكن من أسره، وأرسله إلى القطيف، حيث سجنه. وقدمت عليه، عند جودة، وفود أهل الأحساء، للمبايعة. ثم سار إلى الأحساء، واستولى عليها. وهنا، تكون المنطقة الشرقية خارج سيطرة الإمام عبدالله بن فيصل.

وحينما بلغ الإمام عبدالله بن فيصل، ما وقع لجيشه، وأسر أخيه، محمد، قرر الخروج من الرياض. فجمع ثروته وخيله وحاشيته، وتوجه إلى جبل شمر، ومعه عبدالعزيز بن عبدالله أبا بطين. ولم يجد، وهو في طريقه أي دعم من أمير عنيزة، زامل السليم، الذي رأى أن من المصلحة عدم الانحياز إلى أي من الأخوَين.

وبدأ عبدالله بن فيصل يستنجد بوالي بغداد العثماني، مدحت باشا، الذي كان يسعى، بدوره، إلى بسط نفوذ الدولة العثمانية على الخليج، ومناوأة بريطانيا فيه.

فأرسل عبدالله بن فيصل مبعوثه، عبدالعزيز أبا بطين، إلى بغداد، بهدايا ورسائل. وكذلك إلى والي البصرة. وقابل مدحت باشا مبعوث الإمام عبدالله بن فيصل، وأبدى الاستعداد لنجدته ضد أخيه، سعود. وتريث المبعوث في العودة، لمرافقة العساكر العثمانية، التي ستنطلق إلى الأحساء.

وفي شوال 1287هـ/ يناير 1871م، قدم زعيم قبيلة قحطان، محمد بن هادي بن قرملة، ومعه رؤساء قحطان، على سعود بن فيصل، في الأحساء. ولكنه لم يظهر لهم الاهتمام والتكريم، الذي يليق بهم. فقرر ابن قرملة الانحياز إلى عبدالله بن فيصل. وقدم عليه في (البعيثة)، وعاهدوه على السمع والطاعة، وشجعوه على العودة إلى الرياض. فعاد معهم إليها، في ذي القعدة 1287هـ/1871م.

وفي محرم 1288هـ/ مارس 1871م، بدأ سعود بن فيصل بالزحف من الأحساء نحو الرياض. وحينما علم عبدالله بن فيصل باقترابه، غادر العاصمة، متوجهاً إلى بوادي أعوانه، من قحطان، طلباً للحماية. ودخل سعود بن فيصل الرياض، في عام 1288هـ/1871م، بعد تنكيل أتباعه بسكانها. وعاثوا فيها فساداً، وكثر الهرج والمرج في منطقة العارض. وكتب إلى رؤساء البلدان، فقدمت عليه وفود من مناطق نجد، تعلن له البيعة والطاعة. وأمرهم بالتجهز لمحاربة أخيه.

تحرك سعود من الرياض، في ربيع الأول 1288هـ/ مايو1871م، نحو قحطان، وعندهم عبدالله بن فيصل، في الأنجل، ثم انتقلوا إلى البرة، بالقرب من ضرما، حيث التقت قوات سعود وحلفائه عبدالله بن فيصل وأتباعه من قحطان، في قتال شديد، في السابع من جمادى الأولى من السنة عينها، ودارت الدائرة فيه على عبدالله ومن معه، فانصرف إلى بلدة الرويضة. وقفل سعود راجعاً إلى الرياض.

في الوقت الذي استعر فيه أوار الحرب الأهلية، بين ابنَي فيصل بن تركي، كان مدحت باشا، يرسل جيشاً تركياً، يقوده نافذ باشا، من بغداد، يزحف نحو الأحساء، في ربيع الأول عام 1288هـ/ مايو1871م. ورافقت هذا الجيش قوة من الكويت، يرأسها عبدالله بن صباح، وأخوه، مبارك، ومبعوث عبدالله بن فيصل عبدالعزيز أبا بطين. وهاجموا مراكز سعود بن فيصل، في الأحساء والقطيف. وأفرج نافذ باشا عن محمد بن فيصل من معتقله، وأعلن القائد التركي، أنه جاء لنصرة عبدالله بن فيصل، وطلب من عبدالله القدوم إليه، من محله في رويضة العرض، قرب القويعية. فأجابه إلى طلبه. وأقام عبدالله بن فيصل في كنف العثمانيين، مكرماً. وكانوا يظهرون له خلاف ما يبطنون.

أما في العاصمة، فقد ثار أهل الرياض، يتزعمهم عبدالله بن تركي بن عبدالله، ضد ابن أخيه، سعود بن فيصل، وحاصروه في القصر، واضطروه إلى الخروج منها، والتوجه إلى الدلم. وتولى عبدالله بن تركي الأمور في الرياض. وسار سعود، في آخر جمادى الأولى عام 1288هـ/ يوليه 1871م، من الدلم إلى الأحساء، حيث رغبه أتباعه، من العجمان وآل مرة، في الاستيلاء على الأحساء والقطيف، من يد عساكر الترك. فخرجت عليهم هذه العساكر، ومعهم عبدالله بن فيصل، فالتقى الفريقان في الخويرة واقتتلوا قتالاً شديداً، انتهى إلى هزيمة سعود بن فيصل وأتباعه.

ولجأ سعود إلى الطرق السلمية. فأرسل أخاه، عبدالرحمن بن فيصل، إلى بغداد، يطلب التفاوض مع واليها، مدحت باشا.ولكن سعوداً، لم يجد من الوالي رغبة في التفاوض، بل أبقى عبدالرحمن بن فيصل رهينة عنده.

وفي هذه الأثناء، وصلت إلى ميناء العقير قوات تركية غفيرة، يتقدمها الوالي مدحت باشا. وبلغ عبدالله بن فيصل، الموجود مع نافذ باشا، في الأحساء أن مدحت باشا، ينوي القبض عليه، وترحيله إلى بغداد. فدبر حيلة، هرب بها من المنطقة الشرقية، مع أخيه، محمد، وابنه تركي بن عبدالله. وهذه الحيلة تتلخص في أن عبدالله بن فيصل، حضر إلى نافذ باشا، وطلب منه أن يأذن له في الخروج، بعد العصر، إلى "عين نجم"، المعروفة هناك، للاغتسال، والتنزه. فأذن له في ذلك. فلما خرج من عند الباشا، أمر خادمه أن يجهز خمس ركائب، ويأخذ معه رفيقاً من العجمان وآخر من آل مرة، وواعده جبل أبو غنيمة. ففعل الخادم ما أمره به. ولما كان بعد العصر من ذلك اليوم، خرج عبدالله بن فيصل، وابنه، تركي، وأخوه، محمد بن فيصل، على خيلهم،وخرج معهم ثلاثة من عسكر الترك على خيلهم، للحراسة. وبوصولهم إلى الصفياء، أخذوا يتطاردون بالخيل ويلعبون. ولما قرب غروب الشمس، هرب عبدالله وابنه وأخوه، فتبعهم الحراس الثلاثة ولكنهم لم يلحقوا بهم، فعادوا إلى البلد. ووصل الفارون إلى جبل أبو غنيمة، فوجدوا الركائب معدة لرحيلهم، فركبوها قاصدين الرياض.

ووصل الإمام إلى الرياض، التي يسيطر عليها عمه، عبدالله بن تركي، فسلمه مقاليد الأمور، وكان ذلك في عام 1289هـ/1872م.

وعاد عبدالله بن فيصل إلى عاصمة البلاد. ولكن أخاه، سعوداً، لا يزال يتربص به. فقد انطلق مع حلفائه، من قبيلة العجمان ـ حيث أقام عندهم، بعد موقعة الخويرة ـ وقصدوا الأفلاج، في شوال عام 1289هـ/ ديسمبر 1872م. وانضمت إليه فئات، يقودها الهزاني وآل حسين، من أهل الحوطة، جنوبي نجد. فجهز عبدالله بن فيصل جيشاً من أهل الرياض وضرما، يقوده أخوه، محمد بن فيصل، وعمه، عبدالله بن تركي. وانطلقوا إلى الدلم. وهناك، تمكن سعود بن فيصل، ومعه العجمان والدواسر وأهل جنوب نجد، من محاصرة ذلك الجيش فيها، وخذل سكان الدلم محمد بن فيصل، وفتحوا أبواب البلدة لسعود. فهرب محمد بن فيصل إلى الرياض، وقبض سعود على عمه، عبدالله بن تركي، وسجنه حتى مات، بعد أيام قليلة.

وواصل سعود، وأعوانه، الزحف، من الدلم إلى ضرما، ثم حريملاء، واستولى عليهما، بعد معارك شديدة، في محرم 1290هـ/ مارس 1873م. ومن هناك، قصد الرياض، وتقابل مع أخيه، عبدالله، وأهل الرياض، في الجزعة، جنوبي منفوحة ـ ولحقت الهزيمة بعبدالله وجنوده، ودخل الرياض، للمرة الثانية، وبايعه أهلها، وقدمت عليه الوفود للمبايعة، بينما هرب عبدالله، مع أعوانه من قحطان، إلى الصبيحية، القريبة من الكويت.

وفي ربيع الثاني عام 1290هـ/ يونيه 1873م، خرج سعود بن فيصل بجيوشه من الرياض، قاصداً تأديب مسلط بن ربيعان، زعيم عتيبة. فصبحهم على ماء طلال، في عالية نجد، وجرى قتال شديد، دارت فيه الدائرة على سعود، وقتل كثير من أتباعه.

وفي رمضان عام 1291هـ/1874م، استطاع عبدالرحمن بن فيصل مغادرة العراق، ومعه فهد بن صنيتان آل سعود[2]، ووصلا إلى البحرين. ويشير بعض المصادر إلى أن خروجه من العراق، قد تم نتيجة لمساع بريطانية، لدى السلطات العثمانية.

واتجه عبدالرحمن بن فيصل إلى البحرين، ومنها إلى العقير. وجمع مؤيدين له، وزحف بهم إلى الهفوف، فدخلها بعد أن تعاون معه أهلها، وحاصروا الحامية التركية هناك. ووصلت تعزيزات عثمانية، من العراق، بقيادة ناصر بن راشد بن ثامر بن سعدون، رئيس قبيلة المنتفق، الذي وعد بإمارة الأحساء والقطيف. وهزمت هذه القوات عبدالرحمن بن فيصل، فترك الأحساء، وتوجه إلى الرياض، وكان ذلك في أواخر ذي القعدة 1291هـ/يناير 1875م.

ولما وصل عبدالرحمن إلى الرياض، كان أخوه، سعود بن فيصل، غازياً. وأصابه المرض، وهو في حريملاء، في ذي القعدة 1291هـ/ ديسمبر1874م. وتوفي في مرضه ذاك، في 18 من ذي الحجة 1291هـ/ 27 يناير 1875م. فحل عبدالرحمن بن فيصل محله في الحكم.

وهنا، تشجع عبدالله بن فيصل ـ الذي يقيم مع أخيه، محمد، في بادية عتيبة ـ على العودة إلى الرياض، والاستيلاء على الحكم. فبعث أخاه، محمداً، ومعه جموع من قبيلة عتيبة، ليستولي على شقراء، في الوشم. وتقدم أخوه عبدالرحمن من الرياض إلى ثرمداء، بقواته من أهل الرياض والخرج، وجنوبي نجد والعجمان ومطير، وسبيع، وأبناء أخيه سعود بن فيصل. وتمكن من هزيمة أخيه، محمد. وانطلق، بعدها، عبدالرحمن إلى الدوادمي، حيث واجهه مسلط بن ربيعان ومحمد بن هندي بن حميد وهذال بن فهيد الشيباني، رؤساء عتيبة ـ حلفاء عبدالله بن فيصل ـ فوقع قتال شديد بين الفريقَين، هزم فيه عبدالرحمن بن فيصل، وعاد إلى الرياض، وكان ذلك في عام 1292هـ/ 1875م.

وفي العام التالي، نشب نزاع، في الرياض، بين عبدالرحمن بن فيصل وأبناء أخيه سعود بن فيصل، بسبب مقتل أحد أفراد الأسرة المقربين لعبدالرحمن، ألا وهو فهد بن صنيتان آل سعود، الذي رافقه في رحلته إلى بغداد، والذي قتله محمد بن سعود بن فيصل، في أواخر عام 1292هـ/ ديسمبر1875م. وصح عزم عبدالله بن فيصل، المقيم في بادية عتيبة، فاتجه إلى الرياض، بحشود من تلك القبيلة الحليفة له. كان لتضعضع الوضع الداخلي في العاصمة، وللجهود التي بذلها الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ، أثر كبير في إقناع عبدالرحمن بالتنازل عن الإمامة، لأخيه، عبدالله. وبذلك، استعاد عبدالله بن فيصل الحكم، وخرج أبناء سعود بن فيصل، منها وقصدوا الدلم. وكان نفوذ الإمام عبدالله محدوداً، في منطقة العارض وما جاورها، بعد أن فقد السيطرة على الأحساء وبعض مناطق نجد.

منافسة آل رشيد الحكم السعودي

كانت إمارة جبل شمر تحت حكم آل رشيد، منذ أن عين الإمام فيصل بن تركي صديقه، ومعاونه، عبدالله بن علي بن رشيد. وقد تمكن عبدالله بن رشيد من ترسيخ قواعد نفوذه في المنطقة، حتى توفي عام 1263هـ/1847م.

وقد تولى، من بعده، ابنه، طلال بن عبدالله، الذي وسع حدود إمارة الجبل كثيراً. وكانت علاقته بالإمام فيصل بن تركي، علاقة جيدة جداً. ولم يطل به العمر، فقد انتحر في عام 1282هـ/ 1865م.

وجاء أخوه، متعب بن عبدالله بن علي بن رشيد، ليمسك الأمور، من بعده. وحدث خلاف داخلي بينه وبين ابنيَ أخيه، بندر بن طلال وبدر بن طلال، اللذَين تخلصا منه، بموافقة من عمه، عبيد بن علي بن رشيد. وتولى الإمارة بندر بن طلال الرشيد.

وهنا، استشاط غضباً الابن الثالث لعبدالله بن رشيد، وهو محمد، الذي كان وافداً على الإمام عبدالله بن فيصل، في الرياض. وكانت أخته زوجة للإمام عبدالله بن فيصل، ووالدة ابنه الوحيد، تركي. وأراد التحرك إلى حائل، لانتزاع الإمارة من ابن أخيه. ولكن قبل انطلاقه إليها، وفد بندر بن طلال على الإمام عبدالله، الذي أصلح بينهما، وبقيت الإمارة بيد بندر بن طلال.

ولكن محمد بن عبدالله بن رشيد، كان يضمر التخلص من ابن أخيه، فقتله عام 1289هـ/1872م. وتخلص، في تلك الواقعة، من أبناء أخيه، إلا واحداً، يدعى نايفاً، كان صغيراً.

كان تولي محمد بن عبدالله بن رشيد موافقاً لاشتداد الحرب الأهلية، بين أبناء الإمام فيصل بن تركي. ولهذا، رأى أن الوقت مناسب ليحقق طموحه إلى الاستيلاء على حكم نجد.

نهاية الدولة السعودية الثانية

كانت بداية النزاع بين الإمام عبدالله بن فيصل وأمير جبل شمر، محمد بن عبدالله بن رشيد، عام 1293هـ/1876م، حينما زين أمير عُنيزة، زامل بن سُلَيْم، للإمام عبدالله، الوقوف مع آل عُليان، الحكام السابقين لبريدة، ضد خصومهم، آل مهنا، من أبي الخيل، أمراء البلدة، آنذاك.

فسار الإمام عبدالله إلى عنيزة، محاولاً الهجوم على بريدة، ومعه آل عليان، وزامل بن سليم، وقبيلة عتيبة. ولكن القسم الأكبر من هذه القبيلة، تأخر في المجيء إليه.

وكان حسن بن مهنا، أمير بريدة، قد اتصل بأمير الجبل، محمد بن رشيد، لينجده. وكانت تلك فرصة مواتية لابن رشيد، لتحقيق طموحه إلى حكم نجد. فلبى طلب ابن مهنا، وساق حشوده، من قبائل حرب، وشمر، وهتيم، وبني عبدالله، وتوجه بهم إلى بريدة، ونزل بها. ولكن الإمام عبدالله بن فيصل، تراجع عن فكرة الهجوم على بريدة، بسبب تأخر زعيم عتيبة، تركي بن حميد، وقومه، ولعلم الإمام بتحرك محمد بن رشيد نحوه، لنجدة ابن مهنا.

وبعد بذل الجهود، انسحب الإمام عبدالله بن فيصل، من عنيزة. وانسحب محمد بن رشيد، من بريدة، وعاد كل منهما إلى عاصمته.

وتوثق الحلف بين أمير جبل شمر، محمد بن عبدالله بن رشيد، وأمير بريدة، حسن بن مهنا أبا الخيل، وأخذا يهاجمان المناطق النجدية، التابعة، رسمياً، للإمام عبدالله، في الوشم وغيرها، ويشنان الغارات على القبائل الموالية له.

وحقق محمد بن رشيد نجاحاً، جعل أهل المجمعة يتحالفون معه. وفي عام 1299هـ/1882م، جهز الإمام عبدالله بن فيصل جيشاً، لمحاربة أهل المجمعة، لخروجهم عن طاعته. وسار ومعه أهل العارض والمحمل وسدير والوشم وقبيلة عتيبة، متوجهاً إلى المجمعة، فحاصرها. فكتب أهلها إلى ابن رشيد، يستحثونه لنجدتهم. واستنفر أمير الجبل، محمد بن رشيد، قواته، ومعه بادية شمر وحرب وبنو عبدالله، وفي الطريق، انضم إليه أهل القصيم، بقيادة أمير بريدة، حسن بن مهنا. وعند وصول ابن رشيد إلى الزلفي، اضطر الإمام عبدالله إلى فك الحصار، عن المجمعة، الذي دام أربعين يوماً، وانهزم عنه بعض أتباعه من عتيبة، وعاد أدراجه إلى الرياض. وارتحل ابن رشيد من الزلفي، ونزل المجمعة، وعين سليمان بن سامي، من أهل حائل، أميراً عليها.

وفي عام 1301هـ/ 1884م، جرت وقعة مشهورة بين قبيلة عتيبة، ومعها محمد بن سعود بن فيصل وبين أمير الجبل، محمد بن عبدالله بن رشيد، ومعه حليفه أمير بريدة، حسن بن مهنا، على ماء عروي، ولحقت الهزيمة بعتيبة.

وتكرر الموقف ذاك، في ربيع الأول عام 1301هـ/ يناير1884م، حينما خرج الإمام عبدالله، ومعه أهل بلدان نجد وبوادي عتيبة، وتوجه إلى المجمعة، ليقاتل أهلها. ولما وصلها، ضرب عليها الحصار، فكتب أهلها إلى ابن رشيد، يستحثونه لنجدتهم. واستنفر أمير الجبل، محمد بن رشيد قواته، من بادية وحاضرة. وفي الطريق، انضم إليه أمير بريدة، حسن بن مهنا، بمن معه من الجنود. والتقى الطرفان في الروضة المسماة "أم العصافير"، بالقرب من المجمعة، حيث دارت معركة، انتهت بانتصار ابن رشيد وأتباعه انتصاراً عظيماً. وقتل فيها كثيرٌ من أتباع الإمام عبدالله بن فيصل، ومنهم تركي بن عبدالله بن تركي بن محمد بن سعود.

وأدى هذا الانتصار إلى زيادة أطماع ابن رشيد في الاستيلاء على نجد. وصار مركزه قوياً، في إقليمَي سدير والوشم، فقدم إليه زعماء البلدان، وأمّر على كل بلد أميراً من قبله.

ولجأ الإمام عبدالله بن فيصل، بعد هزيمته في أم العصافير، إلى أسلوب التفاوض مع القوة الجديدة، المنافسة له في نجد. فأرسل أخاه، محمد بن فيصل، إلى محمد بن رشيد، ليفاوضه، في شوال عام 1301هـ، فأحسن وفادته، واتفقا على أن يترك ابن رشيد ما في يده من بلدان سدير والوشم، عدا المجمعة. وكان في هذا التنازل من ابن رشيد إرضاء للإمام عبدالله بن فيصل. وقد عزل الإمام عبدالله بعض أمراء تلك البلدان، وأبقى بعضهم، مما أثار الخلاف والشقاق.

وكان أبناء سعود بن فيصل يقومون، من جانبهم، بعمليات غزو، ضد بعض القبائل، منطلقين من مركزهم في الدلم. وحققوا في بعض هذه الغزوات نجاحاً، شجعهم على دخول الرياض، والقبض على عمهم، الإمام عبدالله، والاستيلاء على مقاليد الأمور، في أواخر محرم 1304هـ/ أكتوبر 1886م.

وهنا، تذرع محمد بن رشيد بالدفاع عن الإمام الشرعي، الذي هو، في الوقت نفسه، زوج شقيقته. ولما اقترب من الرياض، خرج إليه رهط من زعمائها، ليتفاوضوا معه، حقناً للدماء. وتصالحوا مع ابن رشيد على أن يخرج أبناء سعود بن فيصل منها، ويقصدوا مركزهم السابق، في الخرج. وبذلك، دخل الرياض دونما قتال. وأفرج عن الإمام عبدالله، وعين على الرياض أميراً من قبله، هو سالم بن سبهان. وعاد ابن رشيد إلى حائل، ومعه الإمام عبدالله بن فيصل، وأخوه، عبدالرحمن بن فيصل.

وبهذا، صارت العاصمة السعودية تحت سيطرة أمير الجبل، محمد بن عبدالله بن رشيد.

ولكن سالم بن سبهان حاكم الرياض الجديد، كان يتوجس خيفة من أنشطة أبناء سعود، في الخرج. فخرج إليهم، في ذي الحجة عام 1304هـ/ أغسطس 1887م، وفاجأهم، في الدلم، وقتل ثلاثة منهم، هم محمد وسعد وعبدالله. وأما رابعهم، عبدالعزيز، فقد سافر إلى حائل، قبل أيام من هذه الوقعة، فاستبقاه محمد بن رشيد عنده.

وقد أثار عمل سالم بن سبهان هذا الأسرة السعودية ضده، كما غضب منه محمد بن رشيد، وعزله عن إمارة الرياض، وعين بدلاً منه فهّاد بن رخيّص.

ولقد حقق قتل ابن سبهان أبناء سعود بن فيصل، الاطمئنان لابن رشيد، وأزال عنه خطر منازعتهم.

وساءت العلاقة بين أمير بريدة، حسن بن مهنا، وأمير حائل، ابن رشيد، على الرغم من صلة المصاهرة التي بينهما؛ لأن ابن رشيد أصبح في غنى عن دعم منه، في السيطرة على نجد، ولأن بريدة وقوتها، تشكل عائقاً أمام استكمال سيطرته على الأقاليم النجدية.

ولما حاول محمد بن رشيد، عام 1306هـ/ 1888م، أخذ الزكاة من منطقة تابعة لأمير بريدة، تفجر الخلاف بينهما، واتجه ابن مهنا إلى التحالف مع أمير عنيزة، زامل بن سليم.

وسمح ابن رشيد لعبدالله بن فيصل بالعودة إلى الرياض، نظراً إلى تدهور صحته وشيخوخته، وصحبه أخوه، عبدالرحمن بن فيصل. وبعد يومين من وصوله إليها، توفي في الثامن من ربيع الثاني عام 1307هـ/ ديسمبر 1889م.

وعادت إلى ابن رشيد مخاوفه من استعادة آل سعود للحكم، على يد عبدالرحمن بن فيصل. فأرسل سالم بن سبهان، ثانية، ليرأس الحامية في الرياض. وأحس عبدالرحمن أن في عودة ابن سبهان مؤامرة عليه، فأراد أن يتخلص منه. وكان حسن بن مهنا، قد كتب عبدالرحمن، يحرضه على ذلك.

وأعد عبدالرحمن بن فيصل حيلة، يوم عيد الفطر، حينما جاء ابن سبهان، مع أتباعه، إلى قصر ابن سعود، للزيارة في مناسبة العيد، وجلس إلى يمين الإمام عبدالرحمن. وبعد انتهاء المجاملات أشار الإمام، من طرف خفي، إلى أعوانه بتنفيذ الخطة، التي رسمها للقضاء على ابن سبهان. فأقبلوا بسيوفهم طعناً في أتباع ابن سبهان، وقتلوا عدداً منهم وفر الباقي. وقد أصيب ابن سبهان بجراح، وقبض عليه، وأودع السجن. وسرت البشرى في أنحاء الرياض، بأن الإمام عبدالرحمن استعاد الحكم فيها.

ولما وصل خبر هذه الواقعة إلى محمد بن رشيد، هب بجيشه، من حائل، متوجهاً إلى الرياض، في بداية عام 1308هـ/ أغسطس1890م. وجرت مناوشات بينه وبين أهلها، ثم خرج وفد منهم للتفاوض، برئاسة محمد بن فيصل، ومعه ابن أخيه، عبدالعزيز بن عبدالرحمن، الملك عبدالعزيز، فيما بعد.

وجرى الاتفاق على أن يكون عبدالرحمن بن فيصل إماماً على العارض والخرج، وأن يطلق سالم بن سبهان. وفي مقابل ذلك، يفرج محمد بن رشيد عن آل سعود، الذين وفدوا عليه، في حائل، في العام السابق.

وكان ابن رشيد يريد بهذا الاتفاق، أن يأمن جانب آل سعود، ويتفرغ للقضاء على قوة أهل القصيم. وبعد جمادى الأولى 1308هـ/ ديسمبر 1890م، غادر ابن رشيد الرياض، وتوجه إلى القصيم، التي استعد أهلها لقتاله، يتزعمهم حسن بن مهنا أبا الخيل، أمير بريدة، وزامل بن عبدالله بن سليم، أمير عنيزة.

ووقعت بين الطرفَين مناوشات، في القرعاء، في الثالث من جمادى الآخرة 1308هـ/ يناير 1891م. أحزر فيها أهل القصيم بعض النصر، فاستدرجهم محمد بن رشيد إلى أرض المليداء. وفي 13 جمادى الآخرة 1308هـ/25 يناير 1891م، دارت فيها معركة حامية، انتصر فيها ابن رشيد انتصاراً ساحقاً، وقتل من أهل القصيم خلق كثير، ومنهم أمير عنيزة، زامل بن سليم. وأما أمير بريدة، حسن بن مهنا أبا الخيل، فقد فر إلى عنيزة. وبعد مدة، قبض عليه، وأخذه ابن رشيد إلى حائل، سجيناً.

وتُعَدّ معركة المليداء من المعارك الفاصلة، إذ نتج منها بسط ابن رشيد سيطرته التامة على إقليم نجد، ووضع تحت يده موارد، زراعية واقتصادية، مهمة.

وكان الإمام عبدالرحمن بن فيصل، قد جهز حملة من أتباعه، لنجدة أهل القصيم. وبدأ مسيره إليهم، ولكنه تأخر. ولما وصلته الأخبار بهزيمة أهل القصيم، وكان في الخفس، عاد أدراجه إلى الرياض، وتفرق عنه أتباعه. وأدرك أن موقفه أصبح حرجاً، وأن محمد بن رشيد، لا بدّ أن يقضي عليه. فغادر الرياض، عام 1308هـ/ 1890م، وذهب إلى قبيلة العجمان. وتولى أخوه، محمد بن فيصل، الأمور في الرياض، نائباً عن محمد بن رشيد. ولكن الإمام عبدالرحمن بن فيصل، لم يستكن، إذ وصل إليه إبراهيم بن مهنا أبا الخيل، شقيق حسن بن مهنا، أمير بريدة السابق، ومعه عدد من أهل بريدة، عام 1309هـ/1891م، وشجعوه على مقاومة ابن رشيد. فانطلق معهم، وفعلاً، هاجم بأتباعه بلدة الدلم، وانتزعها من رجال محمد بن رشيد، ثم سار إلى الرياض، وكان أميرها محمد بن فيصل، ودخلوها بغير قتال. ولكنه لم يمكث بها طويلاً، فخرج إلى إقليم المحمل. وما أن علم ابن رشيد بهذه التحركات، حتى أعد جيشاً لمقاتلة عبدالرحمن بن فيصل ومن معه. والتقى الطرفان عند بلدة حريملاء. فانهزم عبدالرحمن وأتباعه، وقُتل إبراهيم بن مهنا. وتوجه عبدالرحمن بن فيصل للإقامة عند قبيلة العجمان.

وسار ابن رشيد إلى الرياض، وأمر بهدم سورها، وهدم القصر الجديد، والقصر العتيق. وجعل في الرياض محمد بن فيصل أميراً. وظل فيها حتى توفي، عام 1311هـ/1893م.

وكانت معركة حريملاء آخر معركة، قادها أئمة الدولة السعودية الثانية. وكانت إيذاناً بنهاية تلك الدولة.

توفي محمد بن عبدالله بن رشيد، في 3 رجب 1315هـ/ 29 نوفمبر 1897م، في حائل. وتولى، بعده، ابن أخيه، عبدالعزيز بن متعب بن عبدالله بن رشيد.

 



[1] فأخذهم أي قاتلهم فتشتتوا.

[2] صنيتان لقب على عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله بن محمد بن سعود، قتله محمد بن سعود بن فيصل في عام 1292هـ/1875م.