إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / فتوحات طارق بن زياد






الفتوحات في أيبيريا
فتح الأندلس
فتح المسلمين للأندلس
فتح العرب للمغرب (أ)
فتح العرب للمغرب (ب)



أولاً: فكرة الفتح وبداياته

أولاً: فكرة الفتح وبداياته

أ. فكرة الفتح

يَرْجُح من الأخبار التي وردت عن فتح الأندلس، أن فكرة فتح شبه جزيرة أيبيريا، فكرة إسلامية، بل يروى أنها فكرة قديمة، تمتد إلى عهد الخليفة الراشد، عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث كان القائد عقبة بن نافع الفهري ( توفي عام 63هـ)، عقب فتحه لشمال أفريقيا، يفكر في اجتياز المضيق إلى شبه جزيرة أيبيريا، لو استطاع.

ويروى أن أساطيل المسلمين عرفت نشاطاً على شواطئ أسبانيا الشرقية، وبعض جُزر (الجزائر الشرقية)Islas Baleares, Balearic Islands، القريبة منها وهي مَيُورْقَة  Mallorca ـ كبراها ـ ومنورقة  Menorca واليابسة Ibeza. ويذكر الذهبي في كتابه "العبر في خبر من غبر" (748هـ) أنه في سنة 89 هـ  جهز موسى بن نصير ولده عبدالله، فافتتح جزيرتي ميورقة ومنورقة.

ب. بدايات الفتح

ما كان للمسلمين أن يتجهوا إلى أرض القوط[1] Goths، قبل أن يذعن المغرب لسلطانهم. وقد أمضى المسلمون في فتحه، أكثر من سبعين عاماً، بسبب شدة مراس البربر، وقوة شكيمتهم في المقاومة والحروب (انظر خريطة فتح الأندلس، وخريطة فتح العرب للمغرب "أ"، وخريطة فتح العرب للمغرب "ب").

قاد حملات المسلمين، على قبائل البربر في المغرب، قادة عظام، مثل: عبدالله بن الزبير[2]، وعقبة بن نافع[3] الذي استشهد على أرض المغرب وقد أسس مدينة القيروان، التي اتخذها المسلمون، قاعدة للجهاد ـ فيما بعد ـ وكانت منطلق جنود المسلمين إلى أسبانيا.

بعد استقرار الأمر في بلاد المغرب، استشار موسى بن نصير، الخليفة في دمشق (الوليد بن عبدالملك 86 ـ 96هـ)[4] في فتح شبه الجزيرة الأيبيرية. وقد تردد الوليد بادئ الأمر في القيام بهذا العمل الكبير، خوفا على المسلمين من المخاطرة في مفاوز، أو إيقاعهم في مهالك. لكن موسى بن نصير، أقنع الخليفة بالأمر، ثم اتفقا على أن يسبق الفتح اختبار المكان بالسرايا أو الحملات الاستطلاعية .

وتنفيذاً للاتفاق، أرسل موسى بن نصير، في رمضان (91 هـ /710م) سرية استكشافية، إلى جنوب شبة الجزيرة، عددها خمسمائة جندي، منهم مائة فارس على رأسهم طريف بن مالك الملقب بأبي زرعة، وهو مسلم من البربر. وقد اجتازت هذه السرية المضيق من سبتة Ceuta، ونزلت قرب جزيرة بالوما أو فيها، في الجانب الأسباني. وقد عرفت هذه الجزيرة بعد ذلك باسم هذا القائد جزيرة طريف Tarifa.

عادت حملة طريف، بالأخبار المطمئنة والمشجعة على الاستمرار في عملية الفتح. فبعد أن درس القائد طريف أحوال المنطقة، وتعرف على مواقعها، أرسل رجاله إلى عدة أماكن، منها جبل طارق، وجاءت العيون بمعلومات كانت عوناً في وضع خطة الفتح، ونزول طارق بن زياد  ـ فيما بعد ـ بجيشه على الجبل.

ويذكر المقري التلمساني حملة طريف في قوله: "فكتب موسى بن نصير إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك يخبره بالذي دعاه إليه الكونت جوليان[5]  Count Julian   من أمر الأندلس، ويستأذنه في اقتحامها، فكتب إليه الوليد، أن خضها بالسرايا، حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال. فراجعه أنه ليس بحراً زَخَّاراً، إنما هو خليج منه يبين للناظر ما خلفه، فكتب إليه: وإن كان، فلا بد من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه، فبعث موسى عند ذلك رجلاً من مواليه من البرابرة اسمه طريف، يُكنى بأبي زرعة، في أربعمائة رجل، معه مائة فرس سار بهم في أربعة مراكب، فنزل بجزيرة تقابل جزيرة الأندلس المعروفة بالخضراء، التي هي اليوم معبر سفائنهم ودار صناعتهم، ويقال لها اليوم جزيرة طريف لنزوله بها".

ج. حملة طارق بن زياد

بعد رسم خطة البدء بعمليات الفتح، جهز موسى بن نصير، جيشاً من سبعة آلاف جندي من المسلمين البربر، ليس فيهم من المسلمين العرب إلا العدد القليل، واختار طارق بن زياد ـ والي طنجة ـ قائداً لهذه الحملة.

وفي العام التالي لحملة طريف، عبر طارق بجيشه، من سبتة إلى الطرف الأسباني، في الخامس من شهر رجب 92 هـ (أبريل 711م) .  

وقد رَدَّدَ بعض المؤرخين، أن السفن التي عبر عليها طارق بن زياد، كانت سفن جوليان، حاكم سبتة.

لكن الباحث المحقق، يُرجّح أن المسلمين كانت لهم سفنهم، التي عبروا عليها لفتح الأندلس، منذ حملة طريف الاستطلاعية (91هـ / 710م). ويستند هذا الترجيح على الأدلة الآتية:

أ.  كان المسلمون مهتمين بصناعة السفن مبكراً، لإدراكهم شدة حاجتهم إليها، حيث أقاموا عدة دور لصناعة السفن، مثل دار الصناعة في تونس، التي أقامها الحسان بن النعمان الغساني والي الشمال الأفريقي (76 ـ 86هـ).

ب.  استخدم المسلمون السفن في الحروب التي خاضوها قبل ذلك، مثل تلك التي على شواطئ تونس عام 34هـ، وهي المعركة التي تسمى "ذات الصواري"، وكان عدد سفن المسلمين فيها يبلغ مائتي سفينة.

ج.  سبق للمسلمين نشاط حربي في الشمال الأفريقي، ففي سنة 46 هـ، وجه معاوية بن حُدَيْج[6] ـ والي شمال أفريقيا ـ أسطولاً إسلامياً، عدته مائتا سفينة، لفتح صقلية . وفي سنة 86 هـ، ولى موسى بن نصير، عياتس بن أخيل، قيادة مراكب صنعت في تونس إلى صقلية.

د.  عبر طريف بن مالك المضيق بأربع سفن مع سريته إلى الأندلس. وكانت هذه السفن الأربع، هي التي عبر عليها طارق بن زياد وجنوده المضيق أيضاً .

كل ذلك، يؤكد أن المسلمين كانت لهم دُورهم التي أقاموها لصناعة السفن، وينفي مقولة أن السفن كانت لجوليان، حاكم سبتة.

وكانت نقطة تجمع الجيش الإسلامي في الطرف الأسباني، بعد أن عبر طارق بجنوده على جبل صخري، عرف فيما بعد بجبل طارق Gibraltar، كما عُرف به المضيق. وقد سُمِّي هذا الجبل ـ بعد الفتح الإسلامي ـ أسماء أخرى، مثل: الصخرة، وجبل الفتح، لكن الشائع: جبل طارق.

ونزلت الحملة على الساحل الأسباني عام 92 للهجرة / 711م، وظلّت السفن توالي نقل الجند والعتاد، من الشاطئ المغربي، إلى الشاطئ الأسباني. على أن نزول طارق وجنوده عند سفح الجبل، لم يكن نزهة بحرية، فقد لقي مقاومة عنيفة، من جند القوط، الذين كانوا يحصنون السواحل الجنوبية، بحاميات عسكرية، تحسباً لأي هجوم متوقع. وهذا أمر طبيعي، خاصة بعد ما شقَّ جوليان، الطريق بحملته، ثم أتبعه طريف بن مالك، بسريّته الاستطلاعية.

يقول ابن الكرْدبوس التوّزي، وهو من مؤرخي القرن السادس الهجري، واصفاً عمليات إنزال جيش طارق:

"فمضى طارق لسبتة وجاز في مراكبه إلى جبل طارق، الذي سُمي باسمه إلى الآن، وذلك سنة 92 للهجرة. ووجد بعض الروم وقوفاً في موضع وطئ كان عزم على النزول فيه إلى البر فمنعوه منه، فعدل عنه ليلاً إلى موضع وعرٍ، فوطّأه بالمجاذف وبراذع الدواب، ونزل منه في البرّ وهم لا يعلمون، فشنَّ غارةَ عليهم وأوقع بهم وغنمهم" .

 



[1] القوط شعب جرماني قديم أسكندينافي الأصل، استقر شمال البحر الأسود، وكان في صراع دائم مع الإمبراطورية الرومانية. احتلوا روما عام 410م، ثم جلوا عنها واستقروا في جنوب غرب فرنسا عام 418، ثم غزوا أسبانيا عام 476.

[2] عبدالله بن الزبير بن العوام، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، اشترك في الفتوحات الإسلامية، ثار على الخلفاء الأمويين في الحجاز وأعلن نفسه خليفة للمسلمين بعد موت يزيد بن معاوية، وجعل المدينة عاصمة لخلافته. دام حكمه تسع سنوات، إلى أن قضى عليه الحجاج بن يوسف الثقفي في مكة عام 73هـ.

[3] من كبار قادة المسلمين في فتوحات شمال أفريقيا، قتل عام 63هـ.

[4] الوليد بن عبدالملك (48ـ 96هـ) = (668 ـ 715م)، من خلفاء الدولة الأموية في الشام. ولي بعد وفاة أبيه (عام 86هـ) وامتدت في زمنه حدود الدولة الإسلامية إلى الهند فتركستان، فأطراف الصين شرقاً. كان ولوعاً بالبناء والعمران. وهو أول من أحدث المستشفيات في الإسلام. هدم مسجد المدينة ثم بناه مجدداً. وصفّح الكعبة والميزاب في مكة. وبنى المسجد الأقصى في القدس. وبنى مسجد دمشق الكبير المعروف بالجامع الأموي. كان نقش خاتمه (يا وليد إنك ميت) توفى ودفن في دمشق.

[5] جوليان، حاكم سبتة في ذلك الوقت، كان يدين بالولاء للروم، كما كان يستمد العون من القوط في أسبانيا، وكان حانقاً على لذريق، الذي قاد انقلاباً ضد ملك القوط، لذلك توجه إلى موسى بن نصير يخطب وده.

[6] معاوية بن حُدَيْج (000 ـ 52 هـ) / (000 ـ 672 م): معاوية بن حُدَيْج بن جفنة بن قنبر، أبو نعيم الكندي: الأمير الصحابي. كان ممن شهد حرب (صفين) في جيش معاوية بن أبي سفيان. وولاه معاوية إمرة جيش جهّزه إلى مصر، وكان الوالي عليها محمد بن أبي بكر الصديق، من قبل علي بن أبي طالب، فقتل محمداً، وأخذ بيعة أهل مصر لمعاوية. ثم ولى إمرة مصر ليزيد. وولي ابن حُديج غزو شمال أفريقيا مراراً. واستولى على صقلية، وأعيد إلى ولاية مصر وعزل عنها سنة 51هـ وتُوفي بها. له في أفريقيا (تونس) آثار منها: آبار في القيروان تعرف بآبار حديج.