إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / فتوحات طارق بن زياد






الفتوحات في أيبيريا
فتح الأندلس
فتح المسلمين للأندلس
فتح العرب للمغرب (أ)
فتح العرب للمغرب (ب)



ثانياً: حقيقة خطبة طارق بن زياد وإحراق السفن

ثانياً: حقيقة خطبة طارق بن زياد وإحراق السفن

أ. إحراق السفن

ذكر بعض المؤرخين أن طارق بن زياد، أحرق السفن التي عبر بها المضيق، كي يقطع على الجيش الإسلامي كل أمل في العودة أو النجاة، فيستميت في القتال .

ولكن السؤال هل أحرق طارق السفن حقيقة؟

إن العقل والمنطق السليمين، يستبعدان هذا التصرف من طارق بن زياد وأمثاله من القادة، الذين عرفهم التاريخ. كما تستبعدها طبيعة القيادة العسكرية الرشيدة، وتقاليدها في التاريخ الإسلامي قاطبة، وفي تاريخ فتح المسلمين للأندلس، على وجه الخصوص.

وكل القرائن تميل إلى نفيها، فمن ذلك:

1. المصادر التاريخية الباكرة، لم تشر ـ قط ـ إلى حادثة الإحراق، ونقصد بذلك المصادر الأصلية مثل:

·    فتوح مصر والمغرب والأندلس، لابن عبدالحكم المصري.

·    مبتدأ خلق الدنيا، والمعروف اختصارا بتاريخ عبدالملك بن حبيب، ومؤلفه عبدالملك بن حبيب المتوفى عام 238هـ.

·    تاريخ فتح الأندلس لابن القوطية.

·    أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها، لمؤلف مجهول.

·    تاريخ علماء الأندلس، لابن الفرضي.

·    قضاة قرطبة، للخشني.

·    المقتبس لابن حيان، للقرطبي.

·    المتين، للقرطبي أيضاً.

·    نقط العروس، لابن حزم الأندلسي.

·    سراج الملوك، للطرطوشي.

هذه المصادر هي الأقدم، ويتراوح تأليفها ما بين القرنين الثالث والخامس الهجريين، ولو أن حادثة الإحراق كانت واقعة صحيحة، لأثبتتها تلك المصادر، ولنقلت عنها ذلك، المصادر التاريخية المتأخرة.

2. أما المصادر التاريخية التي أوردت حادثة إحراق السفن، فهي:

·    تاريخ الأندلس، لابن الكردبوس، وهو أول المصادر إثباتا لتلك الواقعة.

·    نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، للإدريسي.

·    الروض المعطار، للحميري.

وهؤلاء المؤلفون الثلاثة هم أول من تحدث عن واقعة إحراق السفن، (وعنهم نقلت المصادر المتأخرة)، وقد عاش ثلاثتهم في القرن السادس، أي في حقبة متأخرة عن حقبة المؤرخين السابقين. واللافت للنظر أن الإدريسي ـ وهو على ما يبدو أول من أثبت تلك الحادثة ـ لم يذكر لنا المصدر الذي نقل عنه.

وعن الإدريسي نقل كل من الحميري وابن الكردبوس .

3. أما المؤرخون المحدثون، وهم كثر، فيرفضون هذه الواقعة.

وقد علل رفضها كل من الدكتور محمود على مكي، والأستاذ محمد عبدالله عنان وكلاهما عالم واسع الباع، ومحقق في الدراسات الأندلسية.

ولو تجاوزنا آراء المؤرخين ـ قدماء ومحدثين ـ واعتمدنا على قرائن أخرى تدل على الرفض، لكان في مقدمة تلك القرائن، أن جند طارق لم يكونوا يفتقرون إلى الحماسة، وصدق الرغبة في القتال، حتى يضطرهم طارق بحرق السفن إلى تغيير مواقفهم.

كما أنه من غير المقبول عسكرياً أن يرتكب قائد، مثل طارق بن زياد، عملاً يضعف قوة جيشه، ويحرمه من المدد الذي يوافيه من القيادة، أو على الأقل يبطئ به.

ويبقى السؤال قائماً:

ما الذي جعل بعض المؤرخين يشيعون حادثة إحراق السفن؟!

والجواب أن ثمة سببين:

الأول: عبارة وردت في الخطبة المنسوبة إلى طارق، تقول: "البحر من ورائكم، والعدو أمامكم … ". ففُهم منها أن لا سبيل للعودة إذ أُقفل بابها، ويبقى الخيار الآخر، قتال العدو، هو الخيار الوحيد أمام الجُند.

وعلى افتراض صحة هذه العبارة، وصدق النص الذي وردت في تضاعيفه، فإنها لا تستلزم قط اقترانها بحرق السفن، فالعبارة ـ على كل حال ـ تصور الواقع والموقع. فقد كان موقف المهاجمين المسلمين حرجاً للغاية، إذ كان البحر ـ بالفعل ـ وراءهم، والعدو أمامهم. والمقصود ـ غالباً ـ هو إشعار الجند بحرج الموقف حتى يستبسلوا في القتال.

والسبب الثاني الذي يكمن وراء هذه الشائعة التاريخية، شخصية طارق بن زياد الفذة، وهي شخصية بحكم بسالتها وعبقريتها القتالية، وبحكم الإنجاز العسكري الكبير الذي حققته أغرت المؤرخين بأن ينسجوا حولها ما نسجوا من أحداث، على نحو أسطوري .

ب. خطبة طارق

لما بلغ طارقاً نبأ اقتراب لذريق Rodrigo، بجيشه القوطي الكثير العدد، قام في أصحابه فحمد الله سبحانه وتعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد، ورغّبهم في الشهادة، قائلاً: "أيها الناس: أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة، أضيع من الأيتام، على مأدبة اللئام وقد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأسلحته وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم، إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام، على افتقاركم، ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم، الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم، خذلان هذه العاقبة من أمركم، بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة. وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن، إن سمحتم  لأنفسكم بالموت. وإني لم أحَذِّركم أمراً، أنا عنكم فيه بنجوة، ولا حملتكم على خطة، أرخص متاع فيها النفوس، إلا وأنا أبدأ بنفسي.

واعلموا أنكم إن صبرتم، على الأشق قليلاً، استمتعتم بالأرفه والأَلَذِّ طويلاً. فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي، وقد بلغكم ما أَنْشَأَتْ هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعِقْيَان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان.

وقد انتخبكم الوليد بن عبدالملك، أمير المؤمنين من الأبطال عربانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً، ثقة منه بارتياحكم للطِّعَان، واستماحكم بِمُجَالَدَةِ الأبطال الفُرْسَان، ليكون حظه منكم ثواب الله، على إعلاء حكمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مَغْنَمُها خالصا لكم من دونه، ومن دون المؤمنين سواكم. والله ـ تعالى ـ وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين. واعلموا أني أول مجيب لما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين، حامل بنفسي على طاغية القوم: لذريق، فقاتله إن شاء الله تعالى. فاحملوا معي، فإن هلكت بعده، فقد كفيتكم أمره، ولم يُعْوِزْكُم بطل عاقل تسندون إليه أموركم. وإن هلكت قبل وصولي إليه، فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا إليهم من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم ـ بعده ـ يخذلون".

والباحثون مختلفون حول نسبة هذا النص الأدبي البليغ إلى طارق بن زياد. فهناك من يستبعد نسبته إليه، ولهم في ذلك جملة من القرائن، نوجزها فيما يلي:

1. أن طارق بن زياد ـ على ما قدمناه ـ كان فتى بربرياً، حديث العهد باللغة العربية، كما أن مجتمعه البربري ـ أيضاً ـ كان كذلك. فلم تكن العربية قد تغلغلت إلى ألسنة القوم بعد. ولم يكن مجتمع البربر، قد تعرب في تلك الفترة الوجيزة، فضلاً عن هذه الصياغة البيانية الرفيعة، التي عليها تلك الخطبة، وذلك ما يؤكد استبعاد نسبتها إلى طارق.

2. بعض الإشارات الواردة في ثنايا الخطبة توحي بأنها منحولة، ولم يقلها طارق، مثل:

أ.  "وقد انتخبكم الوليد.. من الأبطال عرباناً" فالجنود المخاطبون في جيش طارق من العرب، قلة قليلة، فأكثرهم ـ كما قدمنا ـ من البربر.

ب.  "وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة.. من بنات اليونان" وكان معروفاً، أن بنات أسبانيا لم يكن يونانيات. وهو أمر لا يجهله طارق ولا جنوده.

3. لو صح أن طارقاً صاحب هذه الخطبة البليغة، لما كان من المعقول، أن يلقيها إلى جند هم من البربر، في الأعم الأغلب، وليس بوسعهم، أن يفهموا هذا الكلام العربي البليغ.  

4. المصادر العربية الأولى ـ مغربية وشرقية ـ لم تورد هذه الخطبة، مع أن تلك المصادر، حفلت بالكثير من أخبار فتح الأندلس. ومن هذه المصادر، على سبيل المثال: تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية ، وأخبار مجموعة لمؤلف مجهول .

5. لم يرد نص هذه الخطبة المنسوب إلى طارق، إلا في بعض المصادر الأندلسية المتأخرة، مثل كتابي: المُسْهب، والمُغرب في حُلي المغرب.

وقد لا يستبعد، أن يكون طارق قد خطب في جنوده بلغته الأصلية، ثم ترجمت إلى العربية بهذا الأسلوب البليغ.