إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / تاريخ الأسَر الحاكمة في شبه الجزيرة العربية





وقفية محمد بن الإمام فيصل (1)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (2)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (3)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (4)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (5)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (6)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (7)
وقفية محمد بن الإمام فيصل (8)
وقفية نورة بنت الإمام فيصل (1)
وقفية نورة بنت الإمام فيصل (2)
وقفية نورة بنت الإمام فيصل (3)
وقفية الجوهرة بنت الإمام فيصل
أمراء آل رشيد
حكام لحج
ختم سلطنة لحج بعد ضم الصبيحة

النواحي التسع
الجنوب العربي
اتحاد إمارات الجنوب العربي
جنوب شبه الجزيرة العربية
سلطنة لحج
سلطنة لحج بعد ضم الصبيحة



بسم الله الرحمن الرحيم

 

9. فضل بن محسن فضل (1280 ـ 1291/ 1863 ـ 1874)

كان عهده عهد نزاع مع أخيه عبدالله بن محسن الذي استعان ببعض قبائل لحج غير الراغبة بتنازل السلطان فضل بن علي، وحدثت بين الأخوين فتن ومعارك عديدة. كما استعان عبدالله بسلطان الفضلي لعله ينجح في التوسط بينه وبين أخيه غير أن هذه الوساطة فشلت. وساند عبدالله في القضية شقيقه عبدالكريم، ويبدو أن الاثنين كان يبحثان عن كل ما يزعج أخاهما؛ فقد طلبا فرز حصتهما من تركة والدهما، فلبى السلطان فضل طلبهما وقام بفرز حصتهما مع والدتهما وشقيقاتهما.

وكان عبدالله بن محسن يبحث عن وسيلة أو عون يصل به إلى حكم السلطنة وقوي عنده الأمل بوصول العثمانيين إلى اليمن في عام 1289/ 1872، وكان العثمانيون يطمحون إلى مد سيطرتهم على سلطنات وإمارات جنوب شبه الجزيرة. لذلك سعى والي اليمن العثماني منذ 25 جمادى الآخرة 1289/29 أغسطس 1872 للحصول على ولاء السلطان العبدلي باعتباره أهم سلاطين الجنوب. وبدأ التدخل العثماني عندما استولى العثمانيون على أراضي زايدة من السلطان فضل بن محسن لصالح سلطان الحواشب، وحفز هذا الفعل عبدالله بن محسن وشقيقه عبدالكريم إلى طلب مساعدة العثمانيين، وأرسلا مندوبهما لحث العثمانيين للاستيلاء على دار عبدالله بن محسن في الحوطة والتي تعرف بـ "دار عبدالله"، وقد تم ذلك الأمر في 3 رمضان 1290/24 أكتوبر 1873 وطلب العثمانيون من السلطان فضل بن محسن أن يعلن ولاءه للباب العالي، فطلب السلطان فضل عون حكومة عدن، التي بعثت بقوة عسكرية تمكنت من احتلال الحوطة، ومع ذلك رفض العثمانيون الانسحاب خاصة مع وصول سفينتين عثمانيتين إلى ميناء عدن تحملان قوة عسكرية لمساندة القوة الموجودة في الحوطة، مما اضطر بريطانيا إلى إرسال سفينة حربية إلى عدن.

ومع تصاعد الأزمة انتقلت المسألة إلى استنانبول، وبعد محادثات عديدة بين الحكومتين البريطانية والعثمانية انسحب العثمانيون من لحج في 16 شوال 1290/ 6 ديسمبر 1873. وسلم عبدالله بن محسن وشقيقه أنفسهما للسلطات البريطانية التي طلبت منهما السفر إلى المخا كما أعاد البريطانيون منطقة زايدة إلى سلطان لحج.

وأدى هذا التدخل العثماني في شؤون قبائل جنوب شبه الجزيرة العربية إلى تهديد علاقة الصداقة التي ربطت قبائل المنطقة بالبريطانيين، ونتج عن ذلك تحويل بريطانيا سياستها تجاه المنطقة إلى سياسة الحماية، وظهور ما عرف بـ "النواحي التسع".

ومن جانب آخر وعلى مستوى علاقة لحج ببريطانيا تم في عام 1284/ 1867 اتفاق بين السلطان فضل وحكومة عدن على إنشاء قناة لجلب الماء إلى عدن من الشيخ عثمان.

ويعد السلطان فضل محسن من جملة سلاطين لحج الأقوياء على الرغم مما كابده من مشاكل داخلية، تمثلت في خروج أخويه عليه، ومشاكل خارجية تمثلت في توتر علاقته مع جيرانه الفضلي والحواشب والعقارب، ثم تدخل العثمانيين في شؤونه إلا أنه وفقاً لرأي العبدلي: "في مقدمة السلاطين المصلحين قبض على البلاد بيده الحديدية، وأنقذها من مكايد الأعداء العديدين وحول خوفها أمناً، وشحها رفاءً".

10. فضل بن علي محسن فضل "1291 ـ 1315/ 1874 ـ 1898"

عاد إلى حكم لحج للمرة الثانية بعد وفاة عمه السلطان عبدالله بن محسن، وفي عهده كان لعمه الآخر محمد بن محسن زمام الأمور في السلطنة ومطلق النفوذ، وامتحن بذلك السلطان فضل بن علي وقضى محمد بن محسن بقية عمره في منافسة ومعاندة لابن أخيه وقد عمدت- بريطانيا إلى ربط سلطان لحج بسياستها، وتوسيع نطاق الأمن حول عدن وذلك بشراء قرية الشيخ عثمان من السلطان فضل بن علي في عام 1295/ 1878، ومثل الوفد العبدلي في المفاوضات محمد بن محسن، ومثل الوفد البريطاني الميجر جنرال السير فرانسيس لاك Sir Francis Lack، المقيم السياسي في عدن "1295ـ 1298/ 1878 ـ 1881" ومساعده هنتر Hunter، غير أن السلطان فضل بن علي رفض الاعتراف بهذه المعاهدة عندما علم بشروطها؛ لأن عمه شرط في المعاهدة لنفسه ولأولاده وورثته من بعده خمس مئة ريال شهرياً من حكومة عدن، وبعد أن توفي محمد بن محسن بثلاثة أشهر (ذي الحجة 1298/ نوفمبر 1881) وجد السلطان فضل بأن امتناعه عن الاعتراف بالمعاهدة لا يجدي نفعاً، فقبل الأمر وتوجه إلى عدن ووقع المعاهدة في 18 ربيع الأول 1299/ 7 فبراير 1882. ومن المؤكد أن سلطنة لحج ببيعها قرية الشيخ عثمان قد فقدت مورداً اقتصادياً مهماً كانت تعتمد عليه في دخلها؛ إذ كانت تستخرج الملح منها، علاوة على ما كان يحققه دخل آبارها، أما بالنسبة للبريطانيين فبضم الشيخ عثمان ازدادت مساحة المنطقة البريطانية من خمسة وثلاثين ميلاً مربعاً إلى ما يزيد على سبعين ميلاً مربعاً، كما أن هذه المعاهدة أقرت مبدأ الحماية البريطانية على سلطنة العبادل من خلال بندها السابع الذي ينص على أن: "تكون حدود السلطان فضل بن علي محسن فضل المذكور وورثته وخلفائه من الآن فصاعداً محمية بحماية الدولة البريطانية كما هي الآن".

ويرى محمد علي الجفري إنه على الرغم من نص هذا البند فإنه لم يكبل لحج بتلك القيود التي فرضتها بريطانيا على زعماء المنطقة الآخرين، ومن هنا فقد كان لسلاطين لحج بعد ذلك موقفاً مضاداً من بريطانيا التي جعلت من لحج محمية من محمياتها. فقد كانوا ينكرون أنهم عقدوا معها معاهدة حماية. وقد احتجت الحكومة العثمانية على بيع قرية الشيخ عثمان لبريطانيا احتجاجاً شديداً معلنة رفضها المساومة حول هذا الأمر ولكن دون جدوى.

وعن علاقة السلطان فضل بن علي بجيرانه عقدت معاهدة بين لحج والحواشب في 7 جمادى الآخرة 1298/5 مايو 1881 لإنهاء النزاع حول أرض زايدة، قبل فيها سلطان الحواشب أن يمتلك قطعة أرض في زايدة، مع إعطائه مبلغاً من المال، وأن تكون ملكية زايدة للعبادل بشكل نهائي، وفي التاريخ نفسه عقد السلطان فضل بن علي معاهدة مع سلطات عدن وضعت بموجبها بلاد الصبيحة تحت حكم العبادل، وأصبحت الإعانات تدفع إلى السلطان العبدلي بدلاً من دفعها مباشرة لشيوخ الصبيحة كما كان معمولاً به سابقاً، كما أنه بموجب هذه المعاهدة وضعت بلاد الصبيحة تحت الحماية البريطانية.

وكان دافع البريطانيين لعقد هذه المعاهدة هو ضمان وصول المواد الغذائية من الداخل إلى عدن، وإقفال الساحل أمام الدول الأخرى المنافسة خاصة فرنسا، التي استثمرت تجارة الأسلحة عبر بلاد الصبيحة لزعزعة الأمن الاجتماعي في المنطقة، إضافة إلى أنه في تلك الفترة كان رجال الصبيحة يعملون وسطاء في جلب القات والبن من مرتفعات اليمن إلى لحج وعدن.

ووصف العبدلي السلطان فضل بن علي قائلاً: "أصلح الله به البلاد، وملأت هيبته قلوب العباد وكان سيف الله المسلول على أهل البغي والفساد، وسيرته مبرورة، وفضائله مشهورة، اتصف بالمكارم والتقوى، وله في عبادة الله النصيب الأقوى... وكان يحب العلم والعلماء ويكثر من مجالستهم ومؤانستهم ومواساتهم، ودعا أهل سلطنته لطلب العلم، وكان في بداية الأمر يحضر بنفسه في الجامع، ويقعد في حلقة الطلبة كطالب علم. ثم بنى مدرسة للعلامة الشيخ أحمد بن علي السالمي من الاسلوم بلحج وولاه أمر التدريس، وأجرى لطلبة العلم نفقة على حسابه".

والجدير بالذكر أن السلطان فضل بن علي منح لقب الجناب العالي من بريطانيا وزيدت عدد تحيته بضرب أحد عشر مدفعاً له عوضاً عن التسعة المقررة  لأسلافه سلاطين لحج. وتوفي السلطان فضل بن علي في 6 ذي الحجة 1315/ 27 أبريل 1898.

11. أحمد فضل بن محسن فضل "1315 ـ 1332/ 1898 ـ 1914"

ابن عم السلطان فضل بن علي، جاء إلى الحكم بمساعدة محمد صالح جعفر الذي كان يتولى وظيفة مترجم عدن حيث قدمت له رشوة كبيرة ليقنع مسؤولي عدن بأحقية أحمد فضل في الحكم.

كان السلطان أحمد فضل مثل والده السلطان فضل بن محسن يتمتع بطموح كبير، وبعد نظر وسياسة ثابتة مع ذكاء وفطنة ودهاء وتفهم لأساليب الإدارة البريطانية، لذلك عمد إلى استثمار علاقته مع عدن وجعل منها حجر الزاوية في سياسته في المنطقة، فجدد في عام 1316/ 1899 معاهدة سلفه مع الحكومة البريطانية،واستعان به البريطانيون في عدن لعدة أشهر ليوجههم في المسائل الخاصة بشؤون ظهير عدن وسياسته بعد أن تردى عمل الدائرة العربية في عدن، وتم اختيار السلطان أحمد فضل في عام 1320هـ/ 1902م لحضور الاحتفال بتتويج الملك إدوارد السابع Edward VII، في دلهي كما منح في العام نفسه وسام نجمة الهند من الدرجة الثانية، مع لقب سير sir، وهكذا ندرك أن البريطانيين كانوا يعاملون السلطان أحمد فضل منذ أن جاء إلى الحكم حتى وفاته كأبرز حاكم في ظهير عدن.

وكان من أبرز الثمار التي جناها السلطان أحمد فضل من تعاونه مع البريطانيين أنه كسب دعم عدن ومناصرتها في منطقة الصبيحة[2] عندما خطط للاستيلاء على ساحل الصبيحة وساعدته مقيمية عدن بالأسلحة والذخيرة والجنود مخالفة بذلك تعليمات حكومة بومبي الأمر الذي ترتب عليه عزل نائب المقيم السياسي في عدن من منصبه. أما السلطان أحمد فقد رحب بتلك المساعدة التي مكنته من السيطرة على معظم تجارة السلاح وتهريبه الذي كان يتم عبر بلاد الصبيحة. ونتيجة العلاقة الجيدة التي كانت تربط بين السلطان أحمد فضل والإمام المنصور محمد بن يحيى "1307 ـ 1322/ 1899 ـ 1904" أسهم الأول في مساعدة الأخير في ثورته ضد العثمانيين في عام 1315/ 1898 بالتأثير على القبائل الحربية من يافع والعوالق الذين عمل الكثير من أبنائها مرتزقة في القوات العثمانية في فترة الثورة. كما عمل السلطان أحمد فضل وسيطاً بين البريطانيين والإمام المنصور من خلال استيراد الأسلحة وتهريبها عبر الأراضي التي تسيطر عليها لحج لحساب الإمام.

ومن جانب آخر عمد العثمانيون لارتيابهم في دعم السلطان أحمد فضل للإمام المنصور بالإيعاز إلى الشيخ محمد ناصر مقبل شيخ ماوية في 1318/ 1900 بإنشاء برج مراقبة قرب الدريجة ليشرف على الطريق التجاري الرئيسي بين لحج والمنطقة الجبلية الأمر الذي مكن العثمانيين من سد باب تهريب البضائع إلى داخل اليمن من خلال لحج.

وكان من أبرز نتائج تلك الحادثة توتر العلاقات البريطانية العثمانية مما أدى إلى ظهور مشكلة الحدود وتحديد الفاصل بين نفوذ الدولتين في اليمن، ونتيجة لذلك عقدت لجنة الحدود العثمانية البريطانية التي تكونت في شعبان 1319/ نوفمبر 1901 أول اجتماعاتها وظلت اللجنة في حيز الوجود حتى 9 ربيع الأول 1322/ 23 مايو 1904، وخلال عمل اللجنة ولدعم موقفهم أرسل البريطانيون قوة عسكرية إلى الضالع. ومن هذه الأحداث أدركت بريطانيا ضرورة التعامل أكثر مع ظهير عدن، منتهجة سياسة التقدم نحو الداخل والتعامل مباشرة مع الأسر الكبيرة والوحدات القبلية الصغيرة، وأثمرت تلك السياسة إلى توسيع دائرة الازدهار الذي كانت تعيشه عدن ليشمل المنطقة المجاورة، واعتمدت عدن في الحصول على أخبار محمياتها على السلطان أحمد فضل الذي حرصت مقيمية عدن على تدعيم صداقته بإشراكه في سياسة عدن مع الظهير.

وإظهاراً لمتانة العلاقة بين السلطان أحمد فضل ومقيمية عدن، عمدت الأخيرة إلى دعم مشروع مشترك بين السلطان أحمد فضل وشركة كاوجي دنشو Cowgi Densho، لمد سكة حديد بين عدن إلى الضالع مروراً بلحج، كما قدمت له منحة مالية للإسهام في الإنماء الزراعي في لحج، وأسهمت في التخطيط لمشروع مائي يتم بمقتضاه إيصال المياه العذبة إلى عدن عن طريق الأنابيب من الآبار التي حفرت حديثاً في لحج. وقدمت له منحة مالية عندما وقعت المجاعة في سلطنته كما منحته قرضاً لزواج أولاده.

وفي 12 ربيع الأول 1332/ 10 مارس 1914 توفي السلطان أحمد الذي عد وفقاً لمن عاصره، الزعيم الأول في المنطقة في ذلك الوقت نظراً لحصافته السياسية وسخائه على الزعماء الآخرين، وقال فيه أمين الريحاني: "إن للسلطان أحمد مساعي مبرورة في تحسين الزراعة في لحج، فقد جلب الأغراس من مصر ومن الهند. وكان في اهتمامه بها مثالاً للفلاح عالياً. وقد كان شغفاً كذلك بالأوسمة، فصك منها باسمه وشرع يمنحه الناس من عرب وهنود وإنجليز ثم باشر تنظيم المالية والجمرك. لا مرية في القول إنه كان سلطاناً كبيراً ذا همة قعساء وذكاء ودهاء".

12 علي بن أحمد بن علي محسن "1332 ـ 1333/1914 ـ 1915"

ابن أخ السلطان فضل بن علي خرج عليه أبناء السلطان أحمد فضل بن محسن فضل وأحدثوا له نزاعاً وتصدعاً في الأسرة حتى تمكن من حل هذا النزاع بتدخل شيوخ القبائل. وكان السلطان علي بن أحمد قد تدرب على العمل السياسي منذ أيام عمه فضل بن علي والسلطان أحمد فضل محسن، غير أنه لم يكن ذا إرادة قوية في الحكم فوفقاً لرأي الريحاني فإنه: "لم يكن له إرادة تستقيم وتشتد في السياسة والرئاسة، ولكنه لم يهتم لإدارة الملك فاتكل في ذلك على ابن عمه محسن بن فضل".

وبعد تولي السلطان علي بن أحمد الحكم منحته الحكومة البريطانية في ذي القعدة 1332/سبتمبر 1914 تحية مدفعية تبلغ إحدى عشرة طلقة وكذلك وسام نجمة الهند K.C.S.I مع لقب سير Sir.

ومع بداية حكمه كانت الحرب العالمية الأولى، فأعلن السلطان علي بن أحمد ولاءه للبريطانيين، ودعم جهودهم في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية فعمل على نشر الدعاية لصالحهم وقام بدعوة شيوخ المنطقة وأمرائها وسلاطينها إلى تجاهل دعوة الجهاد الصادرة من الدولة العثمانية، وكتب إليهم بهذا الأمر معتمداً على نفوذ أسرته في المنطقة، كما كتب للإمام يحيى بن حميد الدين"1322 ـ 1367/ 1904 ـ 1948" إمام اليمن، غير أن جهود السلطان علي بن أحمد لم تثمر إلا مع محمد بن ناصر مقبل شيخ ماوية الذي وقع اتفاقية مع البريطانيين في 5 ربيع الآخر 1333/ 19 فبراير 1915، تعهد فيها بطرد العثمانيين وحلفائهم من لواء تغز، وفي المقابل اعترفت بريطانيا باستقلاله في منطقته ووعدت بحمايته وبتقديم منحة له تصله عن طريق السلطان العبدلي.

وفي 14 جمادى الآخرة 1333/ 28 أبريل 1915 وصل إلى جول مدرم من أرض الحواشب وفد عثماني يحمل كتاباً إلى السلطان علي بن أحمد من قبل محمود نديم والي اليمن واللواء علي سعيد باشا قومندان الحركات العسكرية في اليمن تضمن استئذانه في السماح بمرور القوات العثمانية عبر بلاده واستمالته إلى صف العثمانيين، والتعهد له بتسلمه عدن بعد فتحها وطرد البريطانيين منها، وقد قابل الوفد محسن فضل الذي حاول إقناعهم بأن قوتهم في اليمن لا تستطيع مهاجمة البريطانيين في عدن، وحاول الوفد من جهته إقناع السلطان بقوة العثمانيين بصفة عامة وحلفائهم الألمان إلا أن تلك المحاولات لم تغير من موقف السلطان علي بن أحمد، الذي رفض عرض العثمانيين معتمداً في ذلك على تحالفه مع البريطانيين الذين كانوا يعدون لحجاً خطاً دفاعياً متقدماً لعدن وحاجزاً  أمنياً يعرقل تقدم العثمانيين. وكان العثمانيون يعانون من الحصار الشديد الذي فرضه البريطانيون على سواحل البحر الأحمر، فاقترح علي سعيد باشا مهاجمة لحج والاستيلاء عليها للاستفادة من محصولها الزراعي في حالة تعطل الفيلق العثماني في اليمن، والذي لا تكفيه حاصلات اليمن المحاصرة في ذلك الوقت.

وفي رجب 1333/مايو 1915 اخترقت قوات العثمانيين حدود ماوية وأخضعت شيخها الذي أعلن ولاءه للعثمانيين بعد تردد عندما شعر بتخلي البريطانيين عنه والتحق قسم من متطوعته بالقوات العثمانية، وكانت السلطات البريطانية في عدن تنوي إرسال قوات إلى ماوية لدعم حليفها إلا أنها صرفت النظر عن هذه العملية، عندما رأت بأن مكانتها تتوقف على الانتصار في مسارح الحرب الأساسية وليس على الجبهات المحلية.

وفي 3 شعبان 1333هـ/ 15 يونيه 1915 تجمعت قوة عثمانية كبيرة في ماوية حيث أصبحت في موقف يمكنها من ضم مناطق واسعة من المحميات، وكان العثمانيون مصرون على انضمام سلطان لحج إلى المعسكر العثماني، وعدما شعر السلطان علي بن أحمد بقرب المواجهة مع العثمانيين أرسل قواته إلى الدكيم شمال سلطنة لحج قرب حدود الحواشب، واستنفر بعض القبائل المجاورة، كما سارعت مقيمية عدن بإرسال فرقة من عسكرها الخيالة (المجراد Aden Troop)، إلى الدكيم لنقل أخبار تحركات العثمانيين إلى عدن.

وشهدت جبهة لحج تأزماً حاداً عندما سحب البريطانيون حاميتهم الموجودة في الدكيم إلى الحوطة معللين ذلك بأسباب أمنية، وقد سهل ذلك الانسحاب تقدم القوات العثمانية المساندة القادمة من الحجرية وانضمامها إلى قوات علي سعيد باشا الرئيسة الموجودة في ماوية، ورغبة في حماية الحوطة قام السلطان علي بن أحمد بتجميع ألفي مقاتل من رجال القبائل المجاورة لحراستها، وشرع العبادل ومن معهم في بناء المتاريس وحفر الخنادق في الطريق الرئيسي للحوطة، ولإدراك السلطان بعدم قدرته على التصدي للعثمانيين بدون مساعدة البريطانيين. طلب النجدة من البريطانيين وقام بزيارة مستعجلة إلى هارولد جاكوب Harlod Jacob المساعد الأول للمقيم السياسي في عدن وحثه بوضوح بضرورة قيام بريطانيا باتخاذ موقف حازم لصد العثمانيين.

وفي يوم السبت 21 شعبان/ 3 يوليه هاجم العثمانيون العبادل في الدكيم بعدد ضخم من قبائل اليمن العثمانية ومن انضم إليهم من قبائل الحواشب والصبيحة بالإضافة إلى الجند النظامي العثماني، وسرعان ما دارت الدائرة على العبادل لضعف مقاومتهم.

وعلى أثر ذلك سارع الميجر جنرال شو D. G. L. Show المقيم البريطاني والقائد العسكري في عدن "1332ـ 1333/ 1914 ـ 1915" بإرسال فرقة فرسان عدن إلى الدكيم لمساعدة السلطان علي بن أحمد، ووصلت هذه الفرقة إلى الدكيم ولكنها لقيت مصير قوات السلطان، فأرسل قوة من طابور عدن المتحرك إلى الحوطة والتي لم يصل منها إلا مائتان وخمسون جندياً نظراً لنقص عدد أفرادها بسبب موت بعضهم، وعودة آخرين إلى الشيخ عثمان نتيجة لشدة الحر وقلة المياه وفرار الهجانة المأجورين وسير القوات على أقدامهم.

وفي 22 شعبان 1333/ 4 يوليه 1915 وصلت طلائع العثمانيين إلى الحوطة، وفي 23 شعبان 1333/ 5 يوليه 1915 دخلت هذه القوات الحوطة. وتقهقرت القوة البريطانية الموجودة فيها إلى الشيخ عثمان ومنها إلى عدن، فخرج السلطان علي بن أحمد وأسرته تحت الظلام هاربين إلى عدن، فظن الجند البريطانيون أنهم طلائع العثمانيين فقتلوا عدداً منهم وأصيب السلطان برصاصة في رجله فنقل إلى عدن وتوفي من أثر الجرح هنالك.

أما عن البريطانيين فقد تمكنوا من إخراج العثمانيين من الشيخ عثمان فقط، وبقيت القوات العثمانية في لحج حتى نهاية الحرب العالمية.

13. عبدالكريم فضل بن علي محسن (1333 ـ 1366هـ/1915 ـ 1947م)

خلف السلطان علي بن أحمد في الحكم ابن عمه السلطان عبدالكريم فضل بن علي محسن، وتعطينا المصادر معلومات عن مولده ونشأته تتلخص في أنه ولد في عام 1298/1881، في الحوطة، ووالدته من يافع، ونشأ السلطان عبدالكريم في كنف والده السلطان فضل بن علي محسن الذي اهتم بتعليمه على أيدي مشايخ قرأ عليهم اللغة العربية والفقه، وتعلم الفروسية ثم أجاد اللغة الإنجليزية، وكان قارئاً جيداً للأدب العربي والتاريخ وكانت أول زياراته الخارجية مرافقته لعمه السلطان أحمد فضل في زيارته للهند عام 1320/ 1902.

وكان من أول أعمال، السلطان عبدالكريم فضل بعد انتخابه سلطاناً على لحج أنه احتج احتجاجاً شديداً على بريطانيا لأنها لم تلتزم بشروط المعاهدة بينها وبين أجداده في حماية بلاده، وقد قبلت حكومة لندن الاحتجاج وقامت بعزل مقيمها السياسي والقائد العسكري في عدن الميجر جنرال شو، وسلمت القيادة إلى الجنرال ينج هزبند Yong Hsband في 5 رمضان 1333/ 16 يوليه 1915م.

واستضافت حكومة عدن السلطان عبدالكريم فضل واللاجئين العبادل في عدن طوال فترة الحرب وتحملت مصاريفهم، خاصة وإن السلطان أصبح ليس له عائدات من مناطقه التي غدت تحت يد العثمانيين.

وبنهاية الحرب وتبعاً لهدنة مودرس سلم علي سعيد باشا للبريطانيين في عدن، وأعقب خروجه من لحج دخول الجنود البريطانيين بقيادة الجنرال بيوتي Beatty، والذين شرعوا في تنظيم أمورها وإعادة الأمن والهدوء إليها، ودخل السلطان عبدالكريم عاصمته الحوطة في 11 ربيع الأول 1337هـ/14 ديسمبر 1918م. وأقيم له احتفال لإعادة تنصيبه في اليوم نفسه بحضور عدد من مسؤولي عدن، وتلقى السلطان عبدالكريم برقية تهنئة من الملك جورج الخامس George V "1282 ـ 1355/1865 ـ 1936" بمناسبة عودته إلى بلاده وتنصيبه سلطاناً.

ومؤشراً لصداقة بريطانيا للسلطان عبدالكريم فضل وتقديراً له زادت الحكومة البريطانية عدد طلقات تحيته المدفعية من تسع إلى إحدى عشرة طلقة ليتناسب ذلك مع لقب سمو الذي منح له، كما منحته الحكومة البريطانية منحة مالية تقدر بعشرة آلاف جنيه بمناسبة تنصيبه ولمساعدته في تأسيس الإدارة في بلاده.

ومن جانب آخر سعت سلطات عدن مكافأة للسلطان عبدالكريم علي موقفه مع بريطانيا خلال الحرب إلى إلغاء الديون التي كانت على السلطنة للحكومة البريطانية والتي كانت بالتحديد على السلطان علي بن أحمد مقابل بنادق وذخيرة لم يسددها مما كان يعني تحمل خلفه واجب دفعها، وقد أوصى المندوب السامي في القاهرة وزارة الخارجية البريطانية في 27 رمضان 1337/ 25 يونيه 1919 بالموافقة على طلب نائب المقيم السياسي في عدن والتصديق عليه.

ورغبةً في تثبيت وضع السلطان عبدالكريم، سعت السلطات البريطانية إلى تسوية الخلاف الناشب بين السلطان وآل فضل محسن الذين كانوا يرفضون تعيينه سلطاناً، وقد بدأ ظاهرياً أن العداء بين الطرفين قد انتهى إلا انه كان لا يزال باقياً وسوف يعود للظهور في وقت لاحق.

ومع أن سلطات عدن قامت بتجديد العلاقات التعاهدية مع شيوخ القبائل والإمارات والسلطنات دون مساءلتهم عن سلوكهم أثناء الحرب العالمية الأولى، إلا أنه جرى اعتماد الصداقة الوثيقة مع لحج متركزاً للسياسة البريطانية المحلية بصورة أكبر وأشد وضوحاً عما كان عليه الأمر  قبل الحرب، وعليه وضعت سلطات عدن في عام 1337/1919 منطقة الصبيحة تحت سيطرة سلطان لحج، نظراً لأن طرق القوافل التجارية بين عدن والبر الداخلي أصبحت غير آمنة بسبب اعتداءات قبائل الصبيحة. ووقعت بريطانيا مع السلطان عبدالكريم فضل معاهدة في 27 جمادى الأولى 1337/27 فبراير 1919 تقضي بأن يقوم السلطان بتثبيت الأمن على طرق القوافل في بلاد الصبيحة على أن يتولى مقيم عدن نيابة عن الحكومة البريطانية تنفيذ بنود المعاهدة التي منها أن الرواتب المقررة لشيوخ الصبيحة تسلم لهم عن طريق سلطان لحج، وأن رجال الصبيحة لا يدخلون عدن إلا بتوصية من سلطان لحج وكذلك لا تعطي لهم هدايا إلا وفق رغبته، وللسلطان بعد استشارة مقيم عدن عزل  وتعيين أي خليفة لأحد شيوخ الصبيحة أو حتى التوصية بوقف راتبه، وللسلطان ومقيم عدن ردع أي معتدي على القوافل التجارية.

كما عادت سلطنة لحج بعد الحرب تمارس إشرافها على سلطنة الحواشب، وقد أبلغت سلطات عدن سلطان الحواشب علي بن مانع الحوشبي أنه لن يتم استقباله في عدن ما لم يعقد سلام مع السلطان عبدالكريم فضل، وقد فعل ذلك، وفي 29 ذي الحجة 1340/22أغسطس 1922 توفي السلطان علي بن مانع، وبايع الحواشب ابنه محسن وجاؤوا إلى لحج لأخذ موافقة السلطان عبدالكريم فضل، وقد خرج على السلطان الجديد علي بن سلام الفجاري الذي طالب بحقه في حكم الحواشب، وأثار القلاقل في منطقته الأمر الذي دفع بالسلطان عبدالكريم فضل إلى تجريد حملة لإخضاع علي بن سلام، ثم عقد صلح بينه وبين السلطان الجديد.

وفي عام 1339/ 1921 زار لحج السلطان غالب بن عوض القعيطي سلطان القعيطي وعقد مع السلطان عبدالكريم معاهدة دفاعية.

وفي إطار العلاقات الإقليمية توترت العلاقات بين لحج وصنعاء من شهر شوال 1339/يونيه 1921 نتيجة للغارات المتكررة التي كان يقوم بها جند الإمام يحيى عبر الحدود، وما يصاحب هذه الغارات من أعمال السلب والنهب في القرى المجاورة لسلطنة لحج، وازدادت حدة هذه الغارات عندما تعرضت بلدة الدكيم إلى غارات متكررة عنيفة، ثم شدد جند الإمام هجماتهم على بقية حدود لحج، وقد وصلوا في بعض غاراتهم إلى مشارف الحوطة نفسها، كما نجح جنود الإمام في الاستيلاء على قلعة المقاطرة الأمر الذي جعل هذه القوات أقرب إلى منطقة الصبيحة ومن المركز البريطاني في الدكيم، وقد أرسلت مقيمية عدن في صفر 1340/ أكتوبر 1920 علوي بن حسن الجفري وزير السلطان عبدالكريم ومستشاره إلى الإمام يحيى حاملاً معه كتاباً حوى طلب المقيمية من الإمام توضيح موقفه من سلطنة لحج، ورد الإمام يحيى أن سلطنة لحج جزء من منطقته، وبرر ذلك بأن أية منطقة كانت قد استولت عليها الدولة العثمانية عند حكمها لليمن قد سلمها العثمانيون للإمام عند انسحابهم من اليمن. وطالب الإمام بأن تدفع لحج ضريبة شهرية له، ولكي يوافق السلطان على شروط الإمام يحيى وجه الأخير قواته للاستيلاء على وادي معادن والفرشة في بلاد الصبيحة، وتمثل موقف السلطان عبدالكريم في رفضه شروط الإمام وتهديده، ونتيجة للمناوشات التي حثت بين جند الإمام وقبائل الصبيحة جرت اتصالات بين المقيم البريطاني في عدن والإمام يحيى انتهت بانسحاب جند الإمام من الفرشة ثم من وادي معادن.

وخلال شهر جمادى الآخرة 1340/ يناير 1922 نشط الجند الأمامي في شن هجماتهم على كامل مناطق خط الحدود الممتد من الصبيحة إلى الضالع وأخذوا يهددون لحج بمهاجمتهم للحواشب والصبيحة حيث نشبت المعارك العنيفة في الدريجه من أرض الحواشب ونوجه المرجبي في الصبيحة. ولم تنسحب قوات الإمام يحيى داخل حدودها إلا بعد أن تعرضت لقصف الطائرات البريطانية، لتبدأ بعدها سلسلة من المفاوضات بين الإمام يحيى والبريطانيين في عدن للاعتراف بالحدود البريطانية ـ العثمانية في اليمن، ولتثبيت هذه الحدود فكرت بريطانيا في إقامة اتحاد كونفدرالي من النواحي التسع، ولما كانت سلطنة لحج تمثل محور علاقة بريطانيا بالمحميات فقد دعي للحضور إليها جميع سلاطين وشيوخ المحيمات، وعقد في آخر شوال 1347/ أبريل 1929، مؤتمر انتهى بتوقيع المؤتمرين على ميثاق تضامن بينهم، ومجلس تحكيم لحل المشاكل التي تنشب بينهم، وأعيد عقد هذا المؤتمر في نهاية عام 1348هـ/1930م.

وظلت عدن تنتهج سياسة منح الأفضلية في التعامل والتقدير للسلطان عبدالكريم بحيث كان الوحيد بين زعماء المحمية الذي يعمل مع كبير المندوبين، وضابط سلاح الجو، ومستشاريهم في لجنة شؤون المحمية التي تحدد وبشكل غير رسمي، ما تحتاج إليه المحمية من أعمال والأماكن المناسبة لها خاصة بعد توقف مؤتمرات لحج، واستمر السلطان العبدلي يتفاوض ويتوسط خارج منطقته بمباركة عدن ودعمها في بلاد الفضلي ويافع العليا وفي طريق الضالع، وقد قوى من مركزه جيشه ووضعه الاقتصادي الذي زاد بشرائه أراضي في منطقة أبين عامي 1353ـ 1354/1934 ـ 1935.

وقد سعى السلطان عبدالكريم فضل إلى تطوير سلطنته على كافة الأصعدة ففي المجال التعليمي ساند الكتاتيب مادياً وطور المدرسة المحسنية الابتدائية في الحوطة، وكذلك مدرسة الوهط، وكان لابنه علي عبدالكريم دور في تطوير التعليم في لحج فبتوليه إدارة المعارف فيها، أوفد بعثات تعليمية إلى مصر، الأمر الذي جعل لحج أول بلد في شبه الجزيرة توفد بعثات تعليمية خارج أراضيها.

وفي المجال الصحي أنشأ السلطان عبدالكريم مستوصفاً في الحوطة، وأبدى اهتماماً بالزراعة فأدخل الآلات البخارية  والمولدات الكهربائية لإنارة البلاد ورفع المياه من الآبار وشجع رعيته على الزراعة خاصة التبغ والسلع القابلة للتصدير. وفي مجال القضاء نظم السلطان عبدالكريم المحكمة الشرعية وقضى على الأحكام العشوائية.

ولعل أهم أعمال السلطان عبدالكريم فضل استحداثه لنظام ولاية العهد على خلاف ما كان يتبع في لحج، ودافعه إلى ذلك ضمان استقرار الوضع في السلطنة بعد تعرض مركزه لمؤامرة دبرت من قبل علي وفضل أبناء السلطان أحمد فضل من أجل خلعه وتنصيب أحد أفراد فرع فضل محسن، وقد دبرت المؤامرة عندما كان السلطان عبدالكريم في زيارة للهند عام 1348/1930 غير أن هذه المؤامرة لم تحقق مآربها لأنها أجهضت قبل تنفيذها، وما أن عاد السلطان عبدالكريم إلى لحج حتى قام باتخاذ إجراءات رادعة ضد زعماء المؤامرة لوضع نهاية لمعارضي حكمه، وشرع في التفكير في انتخاب ولي عهده في حياته، فسعى لأخذ البيعة لابنه فضل، ولم يؤيده في هذا المسلك من أسرته سوى بيت علي محسن، في حين قرر آل منصر محسن وآل عبدالله محسن وآل عبدالكريم محسن عدم الاعتراف ببيعة فضل ولياً للعهد، وتعبيراً عن هذا الرفض تعرض فضل عبدالكريم لمحاولة اغتيال أعقبها عملية اعتقال واسعة لكل المعارضين، وأفادت هذه الحادثة السلطان عبدالكريم الذي كسب إلى جانبه عدداً كبيراً من القبائل والأعيان الذين استنكروا جريمة الاغتيال.

ومن الأهمية التوضيح أن السلطان عبدالكريم لم يحظ بتأييد سلطات عدن لخطوته تلك، ورفضت الاعتراف بولاية العهد لابنه فضل إذ أوضحت للسلطان رسمياً: "إن الاعتراف بخلفه يجب أن يؤجل إلى حين تولي السلطان الذي تم اختياره لمهام الحكم".

توفي السلطان عبدالكريم فضل في 29 رجب 1366/ 18 يونيه 1947 بعد مرض ألم به أفقده ذاكرته، واحتجب في قصره في عدن المعروف بقصر الشكر، وتولي ابنه علي عبدالكريم تصريف أمور السلطنة حتى وفاته.

14. فضل عبدالكريم فضل بن علي محسن "1366 ـ 1371/ 1947 ـ 1952"

أكبر أبناء السلطان عبدالكريم فضل، ولد في عام 1325/ 1907، ووالدته مريم بنت أحمد بن علي شقيقة السلطان علي بن أحمد بن علي محسن، وقد تلقى عبدالكريم فضل تعليماً بسيطاً في لحج.

أثرت محاولة اغتياله في عام 1351/ 1933 على مجرى حياته إذ فقد بسبب تلك المحاولة عينه اليسرى وترك ذلك آثاراً نفسية سيئة عليه، فصار يتجنب الاختلاط بالناس، وإذا خرج من قصره لبس نظارة سوداء تحجب عينه الزجاجية، ويقضي معظم وقته في مجالس القات والطرب، كما أدمن شرب الكحول مما أدى إلى إحباط آمال والده فيه الذي حاول إصلاح حاله فبعث به في عام 1362/1943 إلى إحدى مستشفيات فلسطين حيث قضى هناك شهراً للعلاج من الإدمان، فلما شعر بأن جهوده، غير مجدية في إصلاحه أجبره على الإقامة معزولاً في لحج.

وعلى الرغم من أن فضلاً كان يعتقد نظراً لعدم شعبيته وسوء سمعته ومعارضة الأمراء لتوليه أمور السلطنة بأن ليس لديه إلا القليل من الأمل في خلافة والده، إلا أن أخاه علياً الذي كان بيده السيطرة الإدارية بفضل تعيينه وصياً خلال فترة مرض والده، قام بدور كبير في السيطرة على الموقف، وقام الأخوين في سبيل ذلك بإنفاق ما خلفه لهما والدهما من ثروة ونجحا في كسب التأييد لهما من قبيلة العزيبه وبعض الجماعات الأخرى والأعيان والمثقفين من أعضاء نادي الشعب اللحجي فوافق الأمراء على تنصيب فضل سلطاناً، وبذلك نقل علي الحكم إلى أخيه فضل بكل هدوء تحقيقاً لرغبة والده بأن يكون الحكم من بعده لابنه الأكبر.

وبعد مكاتبات عديدة تمت بين عدن ووزارة المستعمرات ووزارة الهند استمرت لمدة عام اتفقت الآراء على منح السلطان فضل عبدالكريم لقب سمو وتحيته بإحدى عشرة طلقة في 4 رمضان 1367/ 11 يوليه 1948.

وقامت حكومة عدن بإلحاق بلاد الصبيحة بسلطنة لحج، وصار فضل عبدالكريم سلطان لحج والصبيحة، وأرسل السلطان فضل نائباً عنه في الصبيحة. (انظر خريطة سلطنة لحج بعد ضم الصبيحة). والجدير بالذكر أن بعد ضم الصبيحة لسلطنة لحج أصبحت الأخيرة تعرف رسمياً بـ "سلطنة لحج" لا السلطنة العبدلية أو العبادل أو العبدلي كما كانت تعرف به سابقاً. وأصبحت التعاملات وختم السلطنة يحمل اسم سلطنة لحج. (أنظر شكل ختم سلطنة لحج بعد ضم الصبيحة).

ومن الأهمية الاشارة إلى أن إدارة أمور السلطنة فعلياً كانت بيد علي عبدالكريم أخي السلطان فضل، وكان: "حتى أواخر سنة 1950 الحاكم الفعلي للحج"، ومن هنا وبحكم هذه الإدارة نلحظ جهوداً دؤوبة في أمور السلطنة على كافة الأصعدة تهدف إلى تحسين الأوضاع فيها، فقد قام السلطان فضل عبدالكريم بمحاولة كسب شعبه عن طريق إلغاء ما تبقى من عهد والده من الضمانات أي الاحتكارات كاحتكار بيع التبغ ودهن السمسم والسمك وغيره، ثم ألف لجنة لتنظيم الري ليستفيد المزارعون من الشعب من مياه السيول الموسمية.

كما رفض السلطان فضل عبدالكريم معاهدة الاستشارة التي سعى البريطانيون إلى إقناعه بقبولها، وفي معرض تبريره لعدم قبوله مستشار بريطاني في سلطنته قال إن المعاهدات المعقودة بين أسلافه والحكومة البريطانية لا تجيز ذلك، وفي 8 ربيع الآخر 1367/ 18 فبراير 1948، تقدمت سلطنة لحج إلى جامعة الدول العربية بطلب قبولها عضواً فيها أو تمثيل لها في اللجنة الثقافية، إلا أن مندوب المملكة المتوكلية اليمنية عارض الطلب بحجة أن لحج محمية بريطانية وجزء مقتطع من بلاد اليمن. وبناءً على هذا الموقف وبعد أن اطلع مجلس الجامعة العربية على مدى النفوذ البريطاني في لحج وما يتمتع به زعماء المنطقة عامة من حرية ضئيلة في إدارة شؤون بلادهم رفض طلب سلطنة لحج.

وفي 20 جمادى الأولى 1370/ 26 فبراير 1951 أصدر السلطان فضلا عبدالكريم دستوراً للحج، اشتمل على خمسة وتسعين مادة في خمسة أبواب، اختص الباب الأول بتعريف السلطنة ونظام الحكم فيها، أما الباب الثاني الذي تكون من إحدى عشرة مادة فقد تضمن عدداً من البنود الخاصة بالحقوق الأساسية مثل المساواة أمام القانون والحرية الشخصية وحرية الصحافة ما دامت ضرورية لحماية الشريعة الإسلامية والنظام الاجتماعي، وتتناول بقية المواد حرية الإنسان من السجن، وحرمة المنازل، وحرية الملكية، وحرية التعليم، وحرية تكوين الجمعيات والأندية مع منعها إذا أخلت بالآداب والأمن العام. وتركز الباب الثالث على توزيع السلطات موضحاً بأن الشعب هو مصدر كل سلطة  وإن السلطة التشريعية بيد السلطان بالتعاون مع المجلس التشريعي، كما أن السلطة التنفيذية ممنوحة للسلطان وإن السلطة القضائية في المحاكم، ومن البنود المهمة الأخرى في الدستور ما جاء في الفصلين الثاني والثالث من الباب الثالث، منها احتفاظ السلطان بالمصادقة على أي مشروع قانون شريطة إجازته من قبل ثلاث أرباع أعضاء المجلس التشريعي وقيامه بوضع اللوائح للقوانين. (انظر ملحق النص الكامل للدستور اللحجي).

وفي 15 شعبان 1370/ 21 مايو 1951 افتتح المجلس التشريعي اللحجي، واحتفلت حكومة لحج وشعبها احتفالاً كبيراً بافتتاح أول مجلس تشريعي في جنوب شبه الجزيرة العربية خرج إلى الوجود بموجب الدستور.

وكان المجلس التشريعي اللحجي يتمتع بكثير من الصلاحيات والحقوق من أهمها أن قراراته ملزمة للحكومة، وإن الغالبية الكبرى من أعضائه غير حكوميين، وإن ميزانية السلطنة لا تكون نافذة المفعول إلا إذا أقرها ووافق عليها، وكذلك الحال بالنسبة لأي قانون تريد الحكومة سنه، كما أنه يراقب أعمال الحكومة.

وبدأت أمور لحج تتدهور مع استفحال الخلاف الذي نشب بين السلطان فضل وأخيه علي عبدالكريم فقد نجح السلطان في السيطرة على العسكر والمالية واستمال أهم عناصر الجيش إليه، وكان السلطان غير راض عن صداقة أخيه عبدالكريم لأولاد أحمد مهدي، كما زاد الأمور سوءاً خلاف السلطان فضل مع عدد كبير من أمراء الأسرة، وبدأت الشرارة عندما قطع السلطان فضل احتفال أخيه بزواجه من ابنة الأمير أحمد مهدي في ليلة 24 ربيع الأول 1370/2 يناير 1951 عندما شهر السلطان فضل سلاحه وسط الاحتفال وبدأ بإطلاق النار بين الضيوف، وكان يصرخ بأن الجميع من أفراد أسرته وأصدقائه كانوا متآمرين ضده، وأمر أخاه علياً وأبناء عمومته وأسرهم بمغادرة الحوطة واستخدم القوة لطرد أمراء البلاد عن بكرة أبيهم وأسرهم، وتوجه الجميع إلى عدن هاربين بصورة مأساوية.

ونتيجة لجهود المصالحة التي بذلتها حكومة عدن وبعض زعامات المحمية وعدد من أعيان لحج عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي بعد ذلك، وتؤكد المصادر المعايشة لفترة السلطان فضل أنه كان يعاني اضطراباً في عقله وحقداً على أخيه علي، وقد بلغت حدة الاضطراب العقلي عند السلطان ذروته عندما أقدم في 20 رجب 1371/14 أبريل 1952، على قتل إثنين من أبناء عمومته هما أحمد مهدي وحسن بن علي اعتقاداً منه بأنهما كانا يخططان لقتله.

وأدت هذه الأحداث إلى قرار الهيئة الانتخابية اللحجية بخلع السلطان فضل عبدالكريم وانتخاب أخيه علي عبدالكريم سلطاناً على لحج.

وكانت حكومة عدن قد قررت استدعاء السلطان إلى عدن ليخضع للملاحظة الطبية والقيام بتحقيق شامل حتى يتحدد مصيره، وعندما نقلت هذا التعليمات إلى السلطان فضل بادر على الفور بالهرب إلى تعز في 27 رجب 1371/ 21أبريل 1951، فأصدر حاكم عدن أوامره لجيش محمية عدن باحتلال الحوطة.

وقد فشلت كل مساعي السلطان فضل في استعادة وضعه السابق وختمت قضيته بتلقيه كتاب من الحكومة البريطانية في 1 رمضان 1371هـ/ 24 مايو 1952 يفيد بقرار خلعه من الهيئة الانتخابية في لحج ومصادقة الحكومة البريطانية على هذا القرار، فما كان من السلطان فضل سوى الخروج من اليمن والإقامة في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية حتى وفاته عام 1397/ 1977.

15. علي عبدالكريم فضل بن علي محسن (1371 ـ 1377هـ/ 1952 ـ 1958م).

ولد في عام 1340هـ/ 1922م في الحوطة، وهو النجل الأصغر للسلطان عبدالكريم فضل. شهد له معاصروه بالكفاءة، فقال عنه أحدهم: " عرفت الأمير الشاب ـ أي السلطان علي عبدالكريم ـ وهو في حوالي العاشرة من عمره، وقد كان شعلة ذكاء وقرة عين والده الذي وافق على إرساله إلى كلية فكتوريا وهي مدرسة إنجليزية عالية في الإسكندرية، حيث بقي حتى اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية حين طلب والده منه الإسراع في العودة إلى لحج، لأن القوات النازية كانت قد اقتربت من الحدود المصرية، فخشي والده أن يصيبه أذى".

وقال آخر: "كان علي وهو الأخ غير الشقيق لفضل ـ أي السلطان فضل عبدالكريم ـ على درجة من الاستقامة والصلاح جعلت منه الابن المفضل للسلطان عبدالكريم ". وأيضاً قال آخر: " الأمير علي شاب بهي الطلعة كريم الخلق، فيه جاذبية الإمارة، خارق الذكاء، ذو أفكار تقدمية حماسية بالنسبة لبلاده وما يلزم عمله فيها، أنه كان الاختيار المثالي".

وقال آخر: "يعتبر السلطان علي عبدالكريم الوحيد من بين سلاطين ما كانت تسمى بمحمية عدن الغربية، الذي حصل على حظ لابأس به من الثقافة الحديثة، وكان أوفرهم مالاً، وهو أول سلطان طبق الحكم النيابي في اليمن... وخلال فترة حكمه لم تعرف عنه مظلمة، كما شهدت لحج خلالها تطوراً في مجال التعليم، والزراعة، والحياة المعيشية، والثقافة بصورة عامة. ورغم علاقته الطيبة مع كبار المسؤولين البريطانيين في عدن، وصداقته لبعضهم فقد كان الوحيد من بين السلاطين الذي عارض سياسة بريطانيا في عدن ومحمياتها، ومد يد العون لأول حزب قومي نشأ في عدن ولحج، ودعا إلى توحيد عدن ومحمياتها في دولة واحدة مستقلة، ذلك هو حزب رابطة الجنوب العربي... فعلي عبدالكريم ـ كما قال أحد ضباط الإنجليز: "ذا نزعة وطنية شديدة".

افتتح السلطان علي عبدالكريم عهده بقبول التوقيع على معاهدة الاستشارة مع حكومة عدن البريطانية حيث تم التوقيع عليها في 2 ربيع الأول 1372هـ/19 نوفمبر 1952م، وكان قبوله لهذه المعاهدة بناءً على شرط الهيئة الانتخابية في لحج التي أصرت على عدم القبول بأي سلطان ما لم يقبل التوقيع على معاهدة الاستشارة. وبتوقيع معاهدة الاستشارة شهد الوضع تغيراً ملموساً في علاقات بريطانية السياسية مع سلطنة لحج كان من أبرز ملامحه تعيين مستشار بريطاني في لحج، وأزال هذا التغير واحداً من أهم أسباب الاعتراض الرئيسية لتبادل الكتب الخاصة بدمج بلاد الصبيحة في سلطنة لحج رسمياً.

وبموجب هذه المعاهدة أيضاً تحققت السيادة البريطانية على لحج؛ لأن هذه المعاهدة تعد معاهدة حماية واستشارة حيث توافرت فيها شروط الحماية فأصبحت لحج دولة محمية Protected State  وتوافرت فيها شروط المحمية فأصبحت محمية Protectorate.

وتركزت جهود السلطان علي عبدالكريم على إعادة الهدوء إلى لحج بعد الأحداث التي عصفت بالأسرة الحاكمة نتيجة لموقف أخيه السلطان فضل، فصرف جهوده لاسترجاع ما كان للحج من مزايا في الجنوب. فعمل على تنظيم سلطنته فتم تأسيس الإدارات الحكومية، وتولت رئاسة الحكومة الإشراف والتوجيه، كما ضبطت المصروفات والواردات بواسطة الميزانية، وتحسنت الإيرادات نتيجة لذلك، ووضع نظام دقيق لدرجات الموظفين ورواتبهم فكانت هذه أول ميزانية توضع للسلطنة، وقد صادق عليها المجلس التشريعي في دورته الثانية عام 1372هـ /1952م.

واستمر المجلس التشريعي يؤدي عمله كما وضع له في عهد السلطان فضل عبدالكريم، أما السلطة التنفيذية الممثلة للحكومة اللحجية فقد تمثلت في مجلس المديرين، الذي يتكون من ستة مديرين بما فيهم رئيس الحكومة، وهم: رئيس الحكومة وتولى في الوقت نفسه إدارة الخارجية، وإدارة المواصلات، ومدير الدولة وعمله خاص بالمناطق، ومدير العدل، ومدير المعارف، ومدير الزراعة، ومدير الداخلية، وهو يجمع إدارة الأمن وإدارة البلدية وإدارة الصحة وإدارة التموين.

أما السلطة القضائية فقد شملت القضاة الذين وزعوا على المناصب القضائية في السلطنة، وقسمت المحاكم إلى محاكم ابتدائية، ثم محاكم استئناف، ثم محاكم استئناف عليا.

وعلى المستوى الاقتصادي نجحت لحج في عهد السلطان علي عبدالكريم في إدخال زراعة القطن في أراضيها والتوسع في زراعته بوصفه مشروعاً نقدياً زراعياً اقتصادياً، ونجح المشروع إلى حد كبير. كما أنشئ محلج للقطن في صبر إحدى قرى لحج.

وقد أصبحت لحج تصدر قطنها من ضمن قطن أبين الذي تصدره إضافة إلى لحج كل من يافع السفلى والسلطنة الفضلية، وأدى نجاح زراعة القطن إلى انتعاش الوضع الاقتصادي في لحج.

وفي مجال التعليم توسع السلطان علي عبدالكريم بفتح المدارس في لحج والصبيحة مع استمرار مجانية التعليم، وكذا صرف الكتب والأدوات للطلبة مجاناً، وحققت السلطنة استقلالية التعليم فيها بعدم تبعيتها لإدارة المعارف في عدن، وكانت لحج السلطنة الوحيدة التي أولت اهتماماً بالبعثات التعليمية إلى مصر والعراق والكويت، كما كان يوجد فيها بعثة تعليمية مصرية وكانت تتبع في منهاجها الدراسي المنهج المصري.

وكان المجال الصحي من المجالات التي حظيت باهتمام الحكومة اللحجية في عهد السلطان علي عبدالكريم حيث استكمل في عهده بناء أول مستشفى في العاصمة كان قد بدئ في بنائه في عهد السلطان فضل.

كما افتتحت مراكز صحية في قرى لحج من لحج والصبيحة، واتفقت للعمل في مستشفى الحوطة مع أطباء وطبيبات من باكستان.

ومن جانب آخر كانت العلاقة بين السلطان علي عبدالكريم والبريطانيين في عدن ظاهرياً علاقة جيدة، غير أن بعض مسؤولي عدن كانوا يشعرون بطموح السلطان علي ورغبته في تقوية نفوذه، وأنه لن يقنع بالحكم في حدود سلطنته الضيقة، وكانت تصرفاته والعبارات التي كان يستخدمها تعطي انطباعاً بأنه يحاول أن يتعامل مع بريطانيا معاملة الند للند، إضافة إلى أنه كان يشير إلى نفسه بصفة مستمرة على أنه قومي عربي، ثم هناك ما لوحظ من التفاف مؤسسي رابطة أبناء الجنوب حوله لأنهم كانوا يشاركونه في أفكاره، وعلى رأسهم رئيس الرابطة محمد علي الجفري، وكانت الرابطة تدعو إلى الوحدة واستقلال الجنوب.

ولذلك عارض السلطان علي عبدالكريم وبشدة مشروع اتحاد الجنوب العربي الذي طرحته بريطانيا مؤيداً مشروع وحدة الجنوب العربي الذي طرحته الرابطة، بل والدعوة إليه. وقام بتأييد نشاط الرابطة في المحميات للدعاية ضد مشروع الفيدرالية الذي طرحته بريطانيا، واستطاعت الرابطة بتحركها أن تثير مشاعر الجماهير في عدن والمحميات ضد المشروع، ولم يكن السلطان علي يخفي إعجابه الشديد بالرئيس جمال عبدالناصر وبقوته حتى أصبحت لحج مركزاً للدعاية المؤيدة لعبد الناصر والمعادية لبريطانيا. ونتج عن ذلك سحب بريطانيا اعترافها بالسلطان علي عبدالكريم سلطاناً على لحج في 23 ذو الحجة 1377هـ/10 يوليو 1958م، وكان السلطان وقتئذ في روما في إيطاليا، وترتب على هذا القرار منعه أيضاً من العودة إلى لحج، أو إلى مستعمرة عدن أو إلى أي جزء من المحمية.

ويقيم السلطان علي عبدالكريم حالياً بين جدة في المملكة العربية السعودية، والقاهرة في جمهورية مصر العربية

16. فضل بن علي بن أحمد بن علي محسن (1378-1387هـ/1958-1967م).

آخر سلاطين لحج، والده السلطان علي بن أحمد (1332-1333هـ/1914-1915م)، ولد في الحوطة عام 1326هـ/1908م، وتلقى تعليماً بسيطاً في قصر والده، ثم في المدرسة المحسنية في الحوطة، تمرس على العمل الإداري إذ تولى إدارة المالية في عهد السلطان فضل عبدالكريم، ثم رئيساً لمجلس المديرين في عهد السلطان علي عبدالكريم وأصبح نائباً له أيضاً، وكان يعد خبيراً متضلعاً في الشؤون القبلية والتاريخ اللحجي.

وقع اختيار حكومة عدن عليه بعد سحب الاعتراف بالسلطان علي عبدالكريم، وكان وليم لوس حاكم عدن يرى أنه وإن لم يكن يمثل الخيار المثالي فإنه انسب المرشحين من بين المجموعة الضعيفة، لأنه يملك رغبة قوية في أن يصبح سلطاناً، وله معرفة مقبولة بالإدارة، كما أنه يبدو صديقاً للبريطانيين بشكل معقول، إضافة إلى أن لوس كان متوقع منه الامتثال للاستشارة البريطانية.

وفي 25 جماد الأول 1378هـ /6 ديسمبر 1958م عقدت الهيئة الانتخابية التقليدية في لحج اجتماعاً قررت فيه أنه بعد سحب الحكومة البريطانية الاعتراف بالسلطان علي عبدالكريم وخلعه بالإجماع اختيار فضل بن علي سلطاناً مكانه، وفي 22 جمادى الآخرة 1378هـ/ 2 يناير 1959م تم التوقيع على اعتراف الحكومة البريطانية بالسلطان الجديد والموافقة على مخاطبتة بلقب "سمو" ومنحه التحية من إحدى عشرة طلقة.

وقد أرغمت حكومة عدن لحجاً في ربيع الآخر 1379هـ/أكتوبر 1959م على الدخول في اتحاد إمارات الجنوب العربي لتصبح العضو السابع في الاتحاد، (انظر خريطة اتحاد إمارات الجنوب العربي)، وفي عام 1382هـ/1962م نجحت بريطانيا في دمج عدن في الاتحاد، وغيرت اسم اتحاد إمارات الجنوب العربي إلى اتحاد الجنوب العربي، وأصبح السلطان فضل بن علي وزيراً للدفاع في حكومة الاتحاد وانتهت بذلك لحج سلطنة قائمة بذاتها، وعند إعداد بريطانيا ترتيباتها لاستقلال الجنوب العربي، خرج فضل بن علي إلى جدة في المملكة العربية السعودية، وبقي فيها حتى وفاته عام 1405 هـ /1985م.


 



[1]  ينقسم وادي تبن إلى قسمين شرقي وغربي، الشرقي يسمى الوادي الصغير (وكان يسمى بوادي الزان ـ ورزان) والغربي يسمى بالوادي الكبير، وكلا الواديين يبتدأن من قرية زايدة ويصبان في خليج عدن بدلتا كبيرة.

[2] كان السلطان فضل بن علي قد اشتد ضيقة من المشكلات التي سببتها شروط معاهدة عام 1289/1881، التي وضعت بموجبها بلاد الصبيحة تحت حكم العبادل إذ عانت لحج من مشكلات الصبيحة وعرض السلطان فضل بن علي شكواه على مقيمية عدن ورغبته في التنازل عن معاهدة 1298/1881، ولم يقبل طلبه إلا بعد أن قام الصبيحة بالثورة على جند السلطان في عام 1303/1886، وأصبحت شروط معاهدة 1298/1881، لاغية.