إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الثورة البلشيفية









الفصل الثالث

الفصل الثالث

الثورة الروسية عام 1905

مقدمة لثورة نوفمبر 1917

أسباب الثورة

في 27 يناير عام 1904 هاجم الأسطول الياباني مرفأ بورت آرثر PORT ARTHUR دون إعلان الحرب، ودمر أسطولاً روسياً ضخماً في معركة استمرت 45 دقيقة، أظهر خلالها بحارة السفن الروسية بطولات رائعة، ولم يستسلموا لقوات العدو فأغرقوا سفنهم. ونزلت القوات اليابانية في كوريا ثم في منشوريا. وفي مايو عام 1904 حاصرت القوات اليابانية الحامية الروسية في قلعة بورت آرثر، ودارت معارك طاحنة استمرت سبعة أشهر، وأدت إلى سقوط القلعة في 20 ديسمبر 1904. وقد بلغت خسائر الروس 35 ألفاً بين قتيل وجريح، وهكذا سيطر الأسطول الياباني على بحر البلطيق.

وفي فبراير 1905 جرت معركة ضخمة، بالقرب من موكدن MUKDEN، هُزمت فيها القوات الروسية أمام اليابان هزيمة فادحة، وبلغت خسائرها 89 ألفاً، على حين خسر اليابانيون 71 ألفاً. وكانت خاتمة هذه المعارك معركة تسوشيما TSUSHIMA البحرية. وقد بلغت خسائر روسيا في الحرب الروسية ـ اليابانية نحو 270 ألف قتيل وجريح إضافة إلى تدمير أكبر أساطيلها.

في سبتمبر عام 1905 وقعت معاهدة صلح بين البلدين المتحاربين في قاعدة بورتسموث PORTSMOUTH البحرية بالولايات المتحدة، أنهت الحرب بين روسيا واليابان، وتعهدت فيها روسيا بالجلاء عن منشوريا، والتنازل عن القطاع الجنوبي لسكة حديد منشوريا، وحصلت اليابان على النصف الجنوبي من جزيرة سخالين SAKHALINE، وعلى ملكية الامتياز الروسي الخاص بإستئجار جزيرة لياوتونج LIAO - TUNG.

بدأ التذمر يستفحل، بين صفوف الشعب الروسي، نتيجة الهزائم التي ألحقها اليابانيون بالجيوش الروسية من جهة، ونتيجة استبداد الحكم القيصري من جهة أخرى. وكانت المسالة الزراعية من أهم الأسباب التي ساعدت على اندلاع الثورة. فبدأ التمرد بأن عمت البلاد موجة من المظاهرات والاضطرابات. وبدأ تحرك العمال وتبعهم الفلاحون. ثم الأحزاب والمنظمات الشعبية المعارضة، ومن هذه الأحـزاب: حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي، وهو أهمها، وحزب الحرس الأحمر الذي ضم عمال المصانع المسلحين، وحزب المناشفة الأممين، وهو مؤلف من عمال بتروجراد بقيادة تروتسكي.

وفي 3 يناير 1905 أضرب عمال مصنع بوتيلوف POTELOV في بتروجراد (وهو الاسم القديم لمدينة لينينجراد)، احتجاجاً على طرد بعض العمال، وعم الاضطراب بتروجراد، ابتداء من 8 يناير 1905. وبلغ عدد المضربين 150 ألف عامل. وتوقفت أكثر المؤسسات الكبرى عن العمل، كما توقفت الصحف عن الصدور.

المظاهرة السلمية

في الصباح الباكر من يوم الأحد، 22 يناير 1905 قدم العمال، عريضة حددوا فيها مطالبهم. وأهمها: إنشاء مجلس تأسيسي، وتوزيع الأرض على الفلاحين، وحرية التعبير والنشر والاجتماعات، وتحديد ساعات العمل اليومي بثمان ساعات بدلاً من 16 ساعة. وتوجه عمال بتروجراد بقيادة الأب جابون، مع زوجاتهم وأطفالهم بثياب العيد، نحو المقر الدائم للقيصر نيقولا الثاني، في قصره الشتوي في بتروجراد، يحملون صور القيصر والأيقونات ويرتلون الصلوات. وكانت الحكومة القيصرية على علم مسبق بهذه المظاهرة السلمية، فأعدت للقائها قواتها التي تضم الحرس القيصري والقوزاق وفرق الخيالة. وما أن اقترب المتظاهرون من البوابات، والجسور المؤدية إلى وسط المدينة، حتى نفذ الجنود أوامر القيصر فضربوا المتظاهرين بالمدافع والرشاشات. وأعملت فرق الخيالة سيوفها في رقابهم رجالاً ونساء وأطفالاً وأجهزت على الجرحى منهم. فقُتل في يوم واحد أكثر من ألف مواطن، وجُرح ما يقارب الخمسة آلاف. وعُرف هذا اليوم بيوم الأحد الدموي. وأثارت هذه المجزرة سخط الشعب والجيش معاً، فهب الملايين من العمال إلى السلاح، ودعوا إلى النضال والانتقام والثورة.

إضرابات الجماهير

وفي 23 يناير 1905 شبت في موسكو مظاهرات سياسية حاشدة، تأييداً للبروليتاريا. وجرت في عدد من المدن اشتباكات عنيفة مع الشرطة والقوات العسكرية. كما أضرب 440 ألف عامل من عمال المصانع، وامتدت موجة الاضطرابات إلى جميع أنحاء البلاد.

وفي يناير وفبراير 1905 انفجرت الانتفاضات الفلاحية في مختلف مناطق روسيا. وفي 12 مايو 1905 أضرب عمال الحياكة في مدينة إيفانوفو ـ فوزنسنسك IVANOVO – VOZINNSINSK، واستمر إضرابهم حتى أواخر يوليو، وكان إضراباً ضخماً اشترك فيه 30 ألف عامل. وفي هذه الأثناء أُنشئت أول منظمة للعمال في روسيا في بتروجراد، وضمت ممثلي العمال، وكانت مهمتها تنظيم الإضرابات المختلفة وقيادتها.

المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي ـ الديموقراطي الروسي وتطور الثورة

عُقد المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي ـ الديموقراطي الروسي في لندن في شهر أبريل 1905. وترأس لينين أعمال المؤتمر.

طرح المؤتمر أمام البروليتاريا مهمة رئيسية، هي ضرورة تحقيق الانتصار للثورة البرجوازية الديموقراطية، بالتعاون مع الفلاحين الفقراء، وقلب نظام الحكم المطلق.

وأكد المؤتمر أن البروليتاريا هي الطبقة الأكثر ثورية، والجديرة بقيادة جماهير الشعب. ومن ثم فإن ضمان زعامة البروليتاريا هو أعظم مهمات الحزب وبما أن القضية الأساسية للثورة الروسية هي تصفية ملكية الإقطاعيين للأرض وبقايا نظام الاستعباد، فقد كانت للفلاحين مصلحة حيوية في انتصار الثورة. وطرح المؤتمر العام أمام الحزب مهمة توطيد التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحيـن بكل الوسائل. واتخذ المؤتمر قراراً بتأييد مطالب الفلاحين الثورية بمصادرة أراضي الإقطاعيين مصادرة تامة، ودعم العمل التنظيمي والدعائي للبلاشفة في الريف من أجل رفع مستوى الحركة الفلاحية.

أشار المؤتمر إلى أن الليبيراليين البرجوازيين يسعون لإخضاع الجماهير لنفوذهم، لكي يستغلوا الثورة في تحقيق مصالحهم. فالبرجوازية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقيصرية ولا ترغب في تصفية النظام الملكي. إنها تريد فقط "تحسين" هذا النظام وتدعيمه. وفي خوفها من الشعب ستقبل المساومة مع القيصرية. ولذلك طرح المؤتمر مهمة عزل البرجوازية الليبيرالية وفضحها أمام الشعب.

أشار المؤتمر إلى دور الإضرابات السياسية الجماهيرية في تعبئة الطبقة العاملة ثورياً، وأكد أن القضاء على القيصرية لن يتم إلا بثورة مسلحة. ومن ثم على الحزب أن يوجه جهوده من أجل التحضير التنظيمي والتكتيكي للثورة وتسليح وتدريب البروليتاريا. ويجب أن يتكلل انتصار الثورة بتشكيل حكومة ثورية مؤقتة كهيئة ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الثورية ـ الديموقراطية. ولابد للحزب أن يشترك فيها لدعم مكاسب الشعب وضمان تحويل الثورة البرجوازية ـ الديموقراطية إلى ثورة اشتراكية. ووافق المؤتمر على صيغة النظام الداخلي المتعلقة بعضوية الحزب التي وضعها لينين. وانتخب المؤتمر اللجنة المركزية للحزب برئاسة لينين.

لم يفهم المناشفة خواص الثورة الروسية ولا طابعها والقوى المحركة لها وآفاق تطورها. ومن ثم أنكروا ضرورة التحضير العسكري التكتيكي للثورة وتحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين. وعارضوا مساهمة الاشتراكيين ـ الديموقراطيين في الحكومة الثورية المؤقتة، ورأوا أن على البروليتاريا أن تؤيد البرجوازية وتتخلى عن الفلاحين، وعارض المناشفة كذلك تحول الثورة البرجوازية الديموقراطية إلى ثورة اشتراكية. وهكذا ألحقت قرارات مجلس المناشفة العام ضرراً بالثورة وبالقضية العمالية.

الحركة العمالية

في ربيع 1905 تأججت حركة الإضراب من جديد. وقبيل يوم أول مايو، وزع بين عمال روسيا منشور كتبه لينين. أهاب فيه قائد البروليتاريا بالعمال للاحتفال بعيد أول مايو، بتشديدهم النضال ضد القيصرية. وقامت المنظمات البلشفية المسلحة بنشاط تحريضي وتنظيمي واسع. وتحول الاحتفال بيوم أول مايو إلى مظاهرة ضخمة لتضامن البروليتاريا؛ فشمل عمالاً من مختلف القوميات في الإمبراطورية الروسية. واتسمت الإضرابات والمظاهرات في الغالب بطابع سياسي. ولكن وقعت في وارشو وأوديسا وريغا وباكو اشتباكات دموية مع قوات الشرطة والجيش.

وكان إضراب حائكي مدينة إيفانوفو ـ فوزنيسينسك، الذي استمر اعتباراً من 12 مايو حتى أواخر يوليو، ضخماً بوجه خاص، اشترك فيه ثلاثون ألف عامل. وقاد البلاشفة الإضراب مما أكسبه طابعاً منظماً.

حاولت السلطات المحلية أن تفرق العمال، فاقترحت إجراء مفاوضات مع الموالين لهم فقط في كل مؤسسة على حده. غير أن العمال لم تنطل عليهم الخدعة فوضعوا مطالب اقتصادية وسياسية موحدة. بتحديد ساعات العمل بـ 8 ساعات، وزيادة الأجور وعقد المجلس التأسيسي وحرية التعبير والنشر وحرية إنشاء النقابات وإزالة السجون والزنزانات التابعة للمعامل.

أسس العمال مجلس المفوضين. وكانت هيئة منتخبة من ممثلي كافة المصانع والمعامل المضربة. وكان عدد نوابه (151) عضواً. وكان البلاشفة يشكلون ثلثي العدد. وهكذا نشأ أحد أول سوفييتات (مجالس) نواب العمال في روسيا. وقد قاد هذا السوفييت الاجتماعات الخطابية العمالية، وأجرى المفاوضات مع السلطات، وأنشأ الميليشيات للمحافظة على الأمن والتصدي للشرطة والجيش، ونظم الإضراب. وكان سوفييت إيفانوفو ـ فوزنيسينسك يتمتع بنفوذ كبير بين سكان المدينة والقرى المجاورة.

وقد حشدت الحكومة لمكافحة الإضراب قوات الشرطة والجيش، التي كانت تفرق الجماعات وتقوم بحملة من الاعتقالات والقتل. وقد أنهك الإضراب الطويل قوى المضربين. فكان لابد من إيقاف الإضرابات لإعادة تجميع القوى واستئناف النضال. وبقرار من مجلس المفوضين تم وقف الإضراب. وقد أظهر هذا الإضراب نضوج العمال السياسي نضوجاً عالياً.

الحركة الفلاحية

ساند الفلاحون حركات إضراب الطبقة العاملة. واشتدت الحركة الفلاحية في المناطق الوسطى من روسيا وفي أطرافها القومية. وشملت الإضرابات خُمس أقضية البلاد. وهاجم الفلاحون ضياع الإقطاعيين وأحرقوا دورهم، وامتنعوا عن دفع الضرائب. وأصبح نضال الفلاحين أكثر تنظيماً وعناداً. كما أصبح الاستيلاء على المروج والمراعي وحرث أراضي الإقطاعيين وإتلاف عقود الاستئجار المجحفة ظاهرة منتشرة. ففي موسم جمع المحاصيل أضرب العمال الزراعييون في كل مكان عن العمل، مطالبين بتحسين معيشتهم وزيادة أجورهم. وكانت حركة العمال الزراعيين في لاتفيا قوية بوجه خاص. وأرسلت الحكومة القوات العسكرية لقمع هذه الحركة.

وتجلى نمو وعي الفلاحين السياسي بوضوح في تشكيل منظمة جماهيرية للفلاحين هي اتحاد الفلاحين، الذي يعد أول اتحاد سياسي للفلاحين وكان لينين يرى أن أول مهمة للبلاشفة هي جذب هذه المنظمة إلى جانبهم وتحريرها من نفوذ الاشتراكيين الثوريين والليبيراليين البرجوازيين. إذ أن ذلك سيسهم في إقامة صلات أوثق بين حركة الفلاحين وحركة العمال ودعم تحالفهما.

ثورة المدمرة بوتيومكين

كان لنهوض الحركة الثورية تأثير على الجيش والأسطول، اللذين كان الحكم المطلق يعدهما السند المخلص له. وقد أثارت الهزائم، في الحرب الروسية ـ اليابانية، المشاعر المعادية للحكومة بين جماهير الجنود. كما كانت ظروف الخدمة العسكرية الشاقة، من التدريب الطويل، والاحتقار من جانب الضباط ـ سبباً في سخط الجنود. وكان الجيش من حيث تكوينه مؤلفاً من الفلاحين، ولذلك كانت مشاعر الفلاحين قريبة من الجنود. نجح البلاشفة في نشر الأفكار الثورية وسط الجنود كذلك. وبشكل خاص بين البحارة الذين كان الكثيرون منهم من العمال.

كانت انتفاضة المدمرة "بوتيومكين" حدثاً ثورياً ضخماً. ففي 14 يونيه 1905 ثار بحارة المدمرة "الأمير بوتيومكين تافريتشيسكي". بسبب أمر أصدره كبير الضباط بإعدام 30 بحاراً رمياً بالرصاص، ممن رفضوا تناول حساء "البورش" المطبوخ باللحم الفاسد، وقتلوا الكثيرين من الضباط واستولوا على المدمرة. واقتربت المدمرة "بوتيومكين"، تحت راية حمراء، من أوديسا حيث كان هناك إضراب عام. ولكن البحارة لم يجرؤوا على النزول إلى البر للاستيلاء على المدينة، وقبعوا ينتظرون وقوع التمرد في السفن الأخرى. وما أن تلقى لينين نبأ هذه الانتفاضة حتى أدرك أهميتها، فأرسل أحد رجاله فوراً إلى أوديسا، بالتعليمات التالية: "حاول مهما كلف الأمر الوصول إلى المدمرة، وأقنع البحارة أن ينزلوا إلى المدينة على الفور. ولا يخيفنكم قصف القوات الحكومية. يجب أن نستولي على المدينة". ولكن هذا الرجل لم يتمكن من تنفيذ المهمة فعندما وصل إلى أوديسا كانت المدمرة قد غادرت المرفأ. وفي 18 يونيه 1905 أرسلت الحكومة القيصرية أسطولاً بحرياً، مؤلفاً من 12 سفينة، لقصف المدمرة المتمردة في البحر الأسود. فاتجهت المدمرة إلى الشواطئ الرومانية للتزود بالوقود والمؤن، إلا أن الحكومة الرومانية رفضت السماح لها بذلك، فبقيت أكثر من أسبوع في البحر الأسود تحت الراية الحمراء، تطاردها السلطات القيصرية، وتقصفها بمدفعية السواحل، حتى اضطرتها في النهاية للتوجه إلى رومانيا من جديد، والاستسلام للسلطات الرومانية. وعاد قسم من البحارة باختيارهم إلى روسيا، حيث تعرضوا لعقاب شديد، وبقي قسم آخر في المهجر. أما ماتيوشينكو قائد البحارة الذي عاد سراً إلى وطنه فقد اُعْدَمْ في عام 1907.

كانت لانتفاضة المدمرة "بوتيومكين" أهمية تاريخية كبرى. فلأول مرة تساند مدمرة حربية كبيرة ثورة الشعب، وبقيت، على حد تعبير لينين، "أرض الثورة التي لم تقهر". وقد أظهرت تجربة هذه الانتفاضة أن العمل المشترك فقط بين العمال والجنود والفلاحين يمكن أن يؤدى إلى النجاح وأن العمل الثوري داخل الجيش هو أهم قضية للحزب، لأنه يؤمَّن الثورة بالقوة المسلحة مما زرع الرعب في الأوساط الحاكمة لا في روسيا فقط بل وفي البلدان الرأسمالية الأخرى كذلك.

إضراب جماهيري شامل

في سبتمبر من العام نفسه جرى بقيادة البلاشفة اضراب شامل قام به عمال موسكو، واشترك فيه عمال المطابع والخبازون وعمال التبغ وعمال السكك الحديدية. وقاد مجلس السوفييت هذا الإضطراب، فكان كما وصفه لينين بالبرق الأول للعاصفة الذي أضاء ساحة المعركة. وفي أكتوبر، بدأ إضراب عمال سكة الحديد في موسكو، وامتد إلى بتروجراد، ثم تحول إلى اضراب سياسي في جميع أنحاء روسيا. وشل حركة المواصلات في الإمبراطورية. وتوقف عن العمل أكثر من مليون شخص، فكان اضراباً ضخماً لم يشهده أي بلد حتى ذلك الحين، واشترك فيه العمال والمثقفون والأطباء والمهندسون والصحفيون، وتوقفت الجامعات والمعاهد والمخازن عن العمل.

مجالس سوفييت نواب العمال

في أثناء الإضراب العام أخذت تتكون في كل مكان مجالس سوفييت نواب العمال. وقد نشأت المجالس أولاً في بطرسبورج ثم في موسكو، وفيما بعد في المدن الكبرى الأخرى. وانتخب أفضل ممثليهم في مجالس السوفييت ممن يعرفون كيف يدافعون عن مصالح البروليتاريا. فكان العمال يعتبرون مجالس السوفييت سلطتهم وكانوا يقولون: "لدينا حكومتنا. كل ما يطلبه مجلس السوفييت ننفذه".

نشأت مجالس السوفييت كهيئات لقيادة حركات الإضراب، ولكنها تحولت إلى هيئات سلطة ثورية جديدة. فكانت تراقب عمل الإدارة في المصانع، وطبقت يوم عمل من ثمان ساعات وحققت حريات ديموقراطية. وكانت مجالس السوفييت قوية ونشيطة فقد كان مجلس سوفييت موسكو يراقب التجارة ويحارب المضاربة وافتتح بضعة مطاعم للعاطلين عن العمل، ومنع صدور الجرائد المعادية للثورة. وأصبحت المجالس التي يقودها البلاشفة تجسيداً لديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديموقراطية الثورية. وبعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى أصبحت مجالس السوفييت المحلية أساساً لتشكيل الدولة السوفييتية كهيئة لديكتاتورية البروليتاريا.

بيان 17 أكتوبر

في 17 أكتوبر وقع نيقولاي الثاني على بيان وعد فيه مجلس دوما الدولة (أي الهيئة العليا للسلطة التشريعية المنتخبة من قبل الشعب)، بمنح الحريات الديموقراطية، حرية التعبير والنشر والاجتماعات والمنظمات وحرية العقيدة وتوسيع الحقوق الانتخابية للشعب. وقد عد لينين هذا التراجع من جانب القيصرية أول انتصار كبير تحققه الثورة. وزاد على ذلك بأن دعا البلاشفة الجماهير لتشديد الضغط على الحكم المطلق الآخذ في التزعزع، من أجل الإطاحة به نهائياً.

تأسيس أحزاب برجوازية

قوبل البيان القيصري بالارتياح من جانب البرجوازية الليبيرالية. فقد كان الليبيراليون يرون أن الثورة قد انتهت وأنها قد حققت هدفها. وأن بيان 17 أكتوبر قد استجاب لمصالحهم بشكل تام. ومنذ تلك اللحظة انتقلت البرجوازية إلى مواقع الثورة المضادة، وأصبح شعارها: "كفى ثورة وعاش النظام". وبدأت البرجوازية توحد قواها وتشكل أحزابها لكي تجابه قوى الثورة بشكل منظم. وعقدت تحالفاً علنياً مع الحكم المطلق خوفاً من تعاظم الحركة الثورية التي كانت تهدد بالتحول إلى ثورة علنية. ومن ثم نشأ حزبان برجوازيان معارضان للثورة هما حزب الأكتوبريين (OCTOBRISTS): وهو حزب يميني يمثل البرجوازية من كبار الصناعيين والتجار. وكانت مهمته الإبقاء على نظام الحكم. وحزب الكاديت (KADET): وهو حزب الديمقراطيين ـ الدستوريين، أو حزب الإصلاح السياسي، وكان مكونا من الليبراليين المنتمين إلى الطبقات المالكة والمثقفين البورجوازيين، وكان يرمي إلى تقاسم السلطة مع القيصر.

تمرد البحارة

في نهاية نوفمبر 1905 اندلعت ثورة البحارة في سيباستوبول SIBASTOPOLE وفلاديفوستوك VLADIVOSTOCK، ولكن المدفعية القيصرية قصفت السفن الثائرة فحطمتها، واستسلم بحارتها فأعدموا.

إضراب عام واندلاع الثورة

وفي 7 ديسمبر من العام نفسه، بدأ إضراب سياسي عام تلبية لنداء مجلس السوفييت، وتوقف عن العمل أكثر من مائة ألف شخص، لكن القوات العسكرية وقوات الشرطة فرقت المتظاهرين، وتحول الاضطراب إلى انتفاضة مسلحة، فأقيمت المتاريس، وبدأت حرب الشوارع. وكانت المقاومة عنيفة، وسقط المئات من الضحايا، واستمرت المعارك الدموية عشرة أيام وصفها لينين "بقمة الثورة وذروتها".

أسباب فشل ثورة 1905

فشلت ثورة 1905، ولم تتمكن البروليتاريا والفلاحون من قلب نظام الحكم المطلق وتصفية ملكية الملاك العقاريين للأرض. وتتلخص أسباب فشل الثورة فيما يلي:

1.     لم يصل تحالف الطبقة العاملة والفلاحين إلى مستوى التوحيد الكامل. فكان الفلاحون لا يزالون يعلقون الآمال على القيصر والدوما، ظناً منهم أنهم سيحصلون بمساعدتهما على أراضى الإقطاعيين. وظلت ثورات الفلاحين عفوية غير منظمة وغير ناضجة من الوجهة السياسية.

2.     انعكست مشاعر الفلاحين في سلوك الجيش. تذمر الجنود وتمردت بعض الحاميات والوحدات، إلاّ أن الجيش بقي سنداً للحكم المطلق ينفذ أوامره في قمع الحركة الثورية.

3.     لم تكن الطبقة العاملة منظمة بصورة كافية.

4.     لم تكن هناك وحدة في صفوف حزب الطبقة العاملة. فقد كان الحزب منقسماً إلى جماعتين: "البلاشفة والمناشفة". فكان المناشفة يقفون موقفاً انتهازياً ويعرقلون امتداد الثورة، من وجهة نظر البلاشفة.

5.     قدمت الدول الرأسمالية الأجنبية للقيصرية مساعدات كبيرة. فقد منحت الحكم المطلق قرضاً استخدمته القيصرية لقمع الثورة.

لقد كانت الثورة الروسية الأولى 1905، رغم فشلها وعدم وصول القوى الثورية المشتركة فيها إلى السلطة، وتعرض هذه القوى لعملية قمع رهيبة، مقدمة لتفجير ثورة 1917، كما كان لها أثرها ونتائجها في الحركات العمالية خارج روسيا. فبتأثيرها اندلعت الثورات في كل من الصين وإيران وتركيا، كما اتسعت الحركات العمالية وتطورت في بلدان أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وأثارت شعور التحرر الوطني في الهند وإندونيسيا ومصر وبلدان الشرق الأوسط. وسماها لينين بـ"التجربة العامة" لثورة نوفمبر عام 1917.