إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى









شُبُهات

ملحق

أوس بن حارثة يستشير بناته

كان سادات العرب يخبرون بناتهم ويستشيرونهن في أزواجهن وذلك بعد أن يتخيروا لهن الأكفاء، حسباً ونسباً ومكانة اجتماعية، ومن ذلك:

أن الحارث بن عوف المري قال يوماً لخارجة بن سنان المري: أتراني أخطب إلى أحد فيردني؟ فقال: نعم قال: ومن ذاك؟ قال: أوس بن حارثة الطائي، فقال الحارثة لغلامه، ارحل بنا. ففعل، وركبا حتى أتيا أوس بن حارثة في بلاده فوجداه في فناء منزله، فلما رأى الحارث بن عوف قال: مرحباً بك يا حارث، قال: وبك، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت خاطباً، قال: لست هناك.

فانصرف ولم يكلمه، ودخل أوس على امرأته مغضباً ـ وكانت من عبس ـ فقالت: من رجل وقف عليك فلم يطل، ولم تكلمه؟ قال: ذاك سيد العرب الحارث بن عوف، قالت: فمالك لم تستنزله؟ قال: إنه استحمق، قالت: وكيف؟ قال: جائني خاطباً. قالت: أفتريد أن تزوج بناتك؟ قال: نعم. قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن؟ قال: قد كان ذلك. قالت: فتدارك ما كان منك. قال: بماذا؟ قالت: تلحقه فترده، قال: وكيف وقد فرط مني ما فرط إليه؟ قالت: تقول له لقيتني مغضباً بأمر لم تقدم فيه قولاً، فلم يكن عندي فيه من الجواب إلا ما سمعت، عد ولك عندي كل ما أحببت، فإنه سيفعل، فركب في أثرهما.

قال خارجة بن سنان: فوالله لأني أسير مع الحارث إذ حانت مني التفاتة فرأيت أوساً، فأقبلت على الحارث ـ وما يكلمني غماً ـ فقلت له: هذا أوس بن حارثة في أثرنا، قال: وما نصنع به؟ امض. فلما رآنا لا نقف عليه صاح: يا حارث ! اربع على ساعة، فوقفنا له، فكلمه بذلك الكلام، فرجع مسروراً.

ودخل أوس منزله، وقال لزوجته: ادع لي فلانة ـ لأكبر بناته ـ فأتته فقال: يا بنية هذا الحارث بن عوف سيد من سادات العرب، قد جائني طالباً خاطباً، وقد أردت أن أزوجك منه، فما تقولين؟ قالت: لا تفعل؟ قال: ولم؟ قالت: لأني امرأة في وجهي ردة، وفي خلقي بعض العهدة، ولست بابنة عمه فيرعى رحمي، وليس بجارك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني، فيكون عليّ في ذلك ما فيه.

قال: قومي، بارك الله عليك، ادعي لي فلانة ـ لابنته الوسطى ـ فدعتها، ثم قال لها مثل قوله لأختها، فأجابته مثل جوابها، وقالت: إني خرقاء، وليست بيدي صناعة، ولا آمن أن يرى مني ما يكره، فيطلقني، فيكون عليّ في ذلك ما تعلم، وليس بابن عمي فيرعى حقي، ولا جارك في بلدك فيستحييك، قال: قومي بارك الله عليك، ادعي لي بهيسة ـ صغرى بناته ـ فأتى بها، فقال لها كما قال لهما، فقالت: أنت وذاك، فقال لها: قد عرضت ذلك على أختيك فأبتاه، فقالت: ـ ولم يذكر لها مقالتيهما: لكني والله الجميلة وجهاً، الصناع يدا، الرفيعة خلقا، الحسيبة أبا، فإن طلقني فلا أخلف الله عليه وبخير ! فقال: بارك الله عليك.

ثم خرج إلى الحارث فقال: زوجتك يا حارث بهيسة بنت أوس، قال: قبلت، فأمر أمها أن تهيأها، وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له، وأنزله إياه، فلما هيئت بعث بها إليه.

قال خارجة بن سنان: فلما أدخلت إليه، لبثت هنيهة ثم خرج إليّ، فقلت: أفرغت من شأنك؟ قال: لا والله، قلت: وكيف ذلك؟ قال: لما دخلت إليها قالت: مه ! أعند أبي وأخوتي؟ هذا والله ما لا يكون. قال خارجة: ثم أمر بالرحلة، فارتحلنا ورحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء الله، ثم قال لي: تقدم، فتقدمت، وعدل بها عن الطريق، فما لبث أن لحق بي، فقلت: أفرغت؟ قال: لا والله، قلت: ولم؟ قال: قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة؟ لا والله، حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلي! قلت: والله أني لأرى همة وعقلاً، وأرجو أن تكون المرأة منجبة إن شاء الله.

قال خارجة: فرحلنا حتى جئنا بلادنا، فأحضر الإبل والغنم، ثم دخل عليها وخرج إليّ، فقلت: أفرغت؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: دخلت عليها وقلت لها: قد أحضرنا من المال ما قد ترين، فقالت: والله لقد ذكرت لي من الشرف ما لا أراه فيك، قلت: وكيف؟ قالت: أتفرغ للنساء والعرب تقتل بعضها بعضا! قلت: فيكون ماذا؟ قالت: اخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد، فقلت  والله إني لأرى همة وعقلا، ولقد قالت قولا ..

قال خارجة: ثم قال الحارث: اخرج بنا، فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا فيما بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى، فيؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحملنا عنهم الديات، فكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين، فانصرفنا بأجمل الذكر! فمدح بذلك وقال فيه زهير قصيدته:

ـ أمن أم أوفى دمنة لم تكلم.

هند بنت عتبة تختار زوجها:

ومن ذلك أن هند أم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد خطبها سيدان من قومها فجاء والدها يعرض ذلك لها ويسألها رأيها، فطلبت منه أن يصفهما لها فقال: (أما أحدهما ففي ثروة وسعة من العيش، ان تابعته تابعك، وان ملت عنه حط إليك، تحكمين عليه  في أهله وماله).

وأما الآخر (فموسع عليه، منظور إليه، في الحسب حسيب والرأي أريب، مدره أرومته، وعز عشيرته، شديد الغيرة لا ينام على ضعة ولا يرفع عصاه على أهله). فقالت: يا أبت الأول سيد مضياع للحرة، فما عست أن تلين بعد ابائها، وتضيع تحت جناحه، إذا تابعها بعلها فاشرت وخافها أهلها فأمنت؟ ساء عند ذلك خالها وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وان أنجبت فمن خطأ ما أنجبت، فاطو ذكر هذا عني ولا تسمعه على بعد، وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة الحرة العقيلة، وإني لأخلاق مثل هذا الرجل لموافقة، فزوجنيه وكان أبا سفيان فزوجها إياه.