إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى









شُبُهات

مقدمة

أولاً: تعريف الزواج لغة

الزوج خلاف الفرد فيقال: هما زوجان، وهما زوج. والأصل في الزوج: الصنف والنوع من كل شيء، وكل شيء مقترن بغيره مماثلاً له كالخف والنعل، أو مضاداً له كالأسود والأبيض، والحلو والحامض؛ فهما زوجان، وكل واحد منهما زوج؛ فالمرأة صنف والرجل صنف.

وقد جاء الزوج بمعنى النوع أو الصنف، في كتاب الله، كثيراً، كقوله تعالى: ]وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[ (سورة الحج: الآية 5). وقوله: ]أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ[ (سورة الشعراء: الآية 7)، وقال: ]فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَان[ (سورة الرحمن: الآية 52)، وقال في خلقه أصناف الموجودات من جماد وغيره: ]سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُون[ (سورة يس: الآية 36).وفي التنزيل: ]كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ[ (سورة الدخان: الآية 54). أي قرناهم.

ويطلق على كل من الرجل والمرأة اسم الزوجين إذا ارتبطا بعقد الزواج، قال تعالى مخاطبا آدم: ]وَقُلْنَا يَا ءادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ[ (سورة البقرة: الآية 35) ، وقال: ]فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230).

ويطلق الزوج، في عالم الحيوان، على كل واحد من القرينين من الذكر والأنثى، قال تعالى: ]وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى[ (سورة النجم: الآية 45).وقال: ]ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ[ (سورة الأنعام: الآية 143).

كما يطلق الزوج على معانٍ أخرى كالنمط الذي يطرح على الهودج واللون من الديباج ونحوه، كما يطلق على الرجل والمرأة على حدٍ سواءً.

فزوج المرأة بعلها وزوج الرجل امرأته[1]، والزوج عند أهل الحساب خلاف الفرد، وهو العدد الذي ينقسم بمتساويين. وإطلاق لفظة "زوجة" جائز في اللغة، بلا خلاف، ودليل ذلك نطق الرسول r ـ وهو أفصح العرب ـ بها، كقوله r:

]إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاءُ فَقِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا كَانَ الْمَغْنَمُ دُوَلا وَالأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ وَارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاتُّخِذَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ أَوْ خَسْفًا وَمَسْخًا[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2136). وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَكَّافُ بْنُ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r: ]يَا عَكَّافُ هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ قَالَ لا قَالَ وَلا جَارِيَةٍ قَالَ وَلا جَارِيَةَ قَالَ وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ قَالَ وَأَنَا مُوسِرٌ بِخَيْرٍ قَالَ أَنْتَ إِذًا مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ وَلَوْ كُنْتَ فِي النَّصَارَى كُنْتَ مِنْ رُهْبَانِهِمْ إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ أَبِالشَّيْطَانِ تَمَرَّسُونَ مَا لِلشَّيْطَانِ مِنْ سِلاحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ النِّسَاءِ إِلا الْمُتَزَوِّجُونَ أُولَئِكَ الْمُطَهَّرُونَ الْمُبَرَّءُونَ مِنْ الْخَنَا وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ أَيُّوبَ وَدَاوُدَ وَيُوسُف[.(مسند أحمد، الحديث الرقم 20477) وقول عَبْدَاللَّهِ: ]دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ r حُجْرَتِي فَقَالَ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قَالَ بَلَى قَالَ فَلا تَفْعَلَنَّ نَمْ وَقُمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجَتِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِصَدِيقِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ وَإِنَّهُ حَسْبُكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثًا فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قَالَ صُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قَالَ صُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام قُلْتُ وَمَا كَانَ صَوْمُ دَاوُدَ قَالَ نِصْفُ الدَّهْرِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2350).

وورد كذلك في الشعر العربي قول الشاعر:

يـا صـاح بلِّـغ ذوي الـزوجات                   كلَّهمُ أنْ ليس وصلٌ إذا انحلَّت عرى الذنبِ

وقال الفرزدق:

وإنَّ الـذي يسعى يحِّرشُ زوجتي                    كسـاعٍ إلـى أُسـْدِ الشـرى يَسْتَبِيـلُها

ثانياً: تعريف الزواج في الاصطلاح

يطلق الزواج على: عقد النكاح نفسه. وطرفا العقد هما الرجل والمرأة، وهو: عقد يتم بموجبه استمتاع الزوجين ببعضهما ويلزمهما به حقوق وواجبات. كما تبنى عليه آثار قانونية، كحل الاستمتاع بين الزوجين، والمهر، والنفقة.

وعرفه بعضهم بركنيه الأساسيين، وهما: الإيجاب والقبول. والإيجاب هو ما يصدر أولاً من أحد المتعاقدين للتعبير عن رغبته في إنشاء الصلة الزوجية. أما القبول فهو ما يصدر ثانياً، من المتعاقد الآخر، من العبارات الدالة على الرضا والموافقة.

وعرفه آخرون بأنه: "اتفاق يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، واستئناسه به طلباً للنسل على الوجه المشروع".

منذ أن هبط آدم الأرض، وكُتب عليه وعلى ذريته أن يعيشوا على ظهرها، والزواج شيء أساس وأمر ضروري لحياتهم، وقد بدأ أول زواج في الدنيا حين تزوج آدم، عليه السلام، حواء عندما وجد لديه شعوراً نفسياً ورغبة أكيدة في البحث عن شيء ينقصه، وهو المرأة؛ فتزوجها، وعاشا وحيدين في كوكب الأرض، ثم ولدت البنين والبنات، فكان يجري زواج الذكور بالإناث حتى كثرت العائلة فمنع زواج الأخت بأخيها إلى غيره، وتكاثر النسل واستمر الزواج.

والزواج أمر فطري مستقر في إحساس وشعور الرجل والمرأة؛ كل منهما يبحث عن الآخر. ومهما توفر للرجل والمرأة من المأكل والمشرب والراحة الجسدية، فإن ذلك لا يغني أحدهما عن البحث عن شريكه وبالزواج يكثر عدد أفراد الجنس البشري وتعمر الأرض وتخرج خيراتها، وتبنى ديارها، وتسير الحياة. ولقد راعى الإسلام ذلك وسما بالزواج عن الحيوانية ووضعه في مكانه اللائق؛ فشرع اتصالاً كريماً بين الرجل والمرأة، يعلي من قدرهما، ويناسب كرامة الإنسان، وأفضليته على المخلوقات، وعظّم الإسلام شأن الزواج، وبين أثره البالغ في أكثر من موضع في الكتاب والسنة:

1. الزواج، عند المسلمين، آية من آيات الله في خلقه، قال تعالى: ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً[ (سورة الروم: الآية 21).

2. الزواج ضرورة حياتية؛ فهو الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر؛ واستمرار الحياة: ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً[ (سورة النساء: الآية 1)، ]وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ[ (سورة النحل: الآية 72).

3. تلبية الرغبة الطبيعية المستقرة في الرجل والمرأة التي جعلها الله عز وجل لكمال الحياة البشرية وإيجاد نفس أخرى يسكن إليها الرجل، ويأوي إليها ويبثها شكواه وحزنه، ويطلعها على ما في نفسه لتخفف عنه، وتواسيه وتسليه، ويجد الراحة التامة بذلك، ومن أجل كمال هذا الارتباط جعل الله بين هاتين النفسين مودة ورحمة.

4. تمام الدين، وطهارة النفس والبدن وحفظ السمعة، حيث تعف الرجل زوجته، ويعفُّها، ويجد بها متنفساً لشهواته، فلا يفكر في مقاربة المعاصي. ويقول رسول الله r ]من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني[.

5. الزواج يربط بين الأسر، ويقوي أواصر المحبة في المجتمعات الإنسانية ]وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا[ (سورة الفرقان: الآية 54).

6. والزواج فيه تكثير الأمة، وحفظها من الزوال، ولذا قدم كثير من العلماء أحكام الزواج، في مؤلفاتهم، على أحكام الجهاد[2].

والزواج هو السبيل الأمثل لإعفاف كل واحد من الزوجين نفسه وإحصانها، حتى لا يقع في المحرم أو يسلك مسلكاً خاطئاً في قضاء الشهوة، واستمتاع كل واحد من الزوجين بالآخر، استمتاعاً أحله الله لعباده، وفي الحديث ]عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ[.(صحيح مسلم، الحديث الرقم 2668) وفي القرآن الكريم: ]فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[ (سورة النساء: الآية 24)[3].

في نظام الزواج يتحقق اختصاص الرجل بالمرأة، واختصاص المرأة بالرجل على نحو يليق بالإنسان وكرامته، وعلى نحو لا يوجد في عالم الحيوانات، ومن آثار هذا الاختصاص إيجاد النسل الثابت النسب منهما، وما يتبع ذلك من رعاية مادية ومعنوية لهذا النسل من قبل الزوجين، فينشأ هذا النسل سوياً خالياً من الشذوذ والانحراف، بخلاف أولاد الزنا الذين يرفضهم المجتمع ولا يعترف لهم بنسب، ولا يجدون حنان الوالدين ولا رعايتهما،وبهذا وضع الإسلام للغريزة سبيلها المأمونة، وحمي النسل من الضياع، وصان المرأة عن أن تكون كلأ مباحاً لكل أحد.

والزواج سبيل لاكتمال خصائص الرجولة والأنوثة عند الرجال والنساء، فكثير من الخصائص تكتمل وتتحقق في ظلال الحياة الزوجية، ومنها العواطف النبيلة، التي يشعر بها كل واحد من الزوجين تجاه الآخر، ومنها مشاعر الأبوة والأمومة، ومشاعر العطف والحنان، والشعور بالمسؤولية التكاملية مع الطرف الآخر وفهم طبيعة مشاكل الناس وكيفية إيجاد الحلول المناسبة.

ثالثا: مشروعية الزواج، والترغيب فيه

دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على مشروعية النكاح، وذلك في النقاط الآتية:

1. امتنان الله على عباده بأنه خلق لهم من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها، وأنه جعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة. ومن النصوص الدالة علي هذا المعنى قوله تعالى: ]جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا[ (سورة الشورى: الآية 11). وقوله: ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا[ (سورة النساء: الآية 1).

2. حث القرآن الكريم والسنة النبوية على الزواج كما في قوله تعالى: ]فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[ (سورة النساء: الآية 3). وحث القرآن الأولياء على تزويج من لا زوج لها في قوله: ]وَأَنكِحُوا الأَيَامَى[4] مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ[ (سورة النور: الآية 32).

وبين القرآن الكريم أن النكاح من سنن المرسلين في قوله: ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً[ (سورة الرعد: الآية 38).

وفي السُّنة قوله r قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاح[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 1000).

وفي القرآن الكريم الثناء على عباد الرحمن الذين وصفهم في آخر سورة الفرقان بأنهم يدعون ربهم قائلين: ]رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ[ (سورة الفرقان: الآية 74). وامتن الله على زكريا بـإصلاح زوجه، ورزقه الولد منها: ]فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ[ (سورة الأنبياء: الآية 90).

وأخبر الله في القرآن الكريم أن من نعيم الله، الذي يمن به على عباده في جنات النعيم، تزويجهم بالحور العين ]كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ[ (سورة الدخان: الآية 54). ]وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُون[ (سورة البقرة: الآية 25). ]هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ[ (سورة يس: الآية 56).

ويصحب المؤمنين في الجنة زوجاتهم المؤمنات من أهل الدنيا: ]جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ[ (سورة الرعد: الآية 23).

وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: ]تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ‏ ‏تَرِبَتْ يَدَاكَ[ (صحيح البخاري، كتاب النكاح: الحديث الرقم 4700).

وحث الرسول r الشباب على النكاح في قوله: ]‏يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ‏مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ[5] ‏فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ ‏ ‏أَغَضُّ ‏‏لِلْبَصَرِ ‏وَأَحْصَنُ ‏ ‏لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ ‏‏وِجَاءٌ[(صحيح البخاري، كتاب النكاح: الحديث الرقم 4678).

إنكار الرسول r على الذين أرادوا ترك الزواج، واعتزال النساء، والانقطـاع في العبادة، ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: ]جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r‏ ‏يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ r‏ ‏فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ ‏ ‏تَقَالُّوهَا‏ ‏فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ r‏ ‏قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‏r‏ ‏إِلَيْهِمْ فَقَالَ ‏ ‏أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي ‏ ‏لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي [ (صحيح البخاري، كتاب النكاح: الحديث الرقم 4675).

وعن سعد بن أبي وقاص قال: ]‏رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَلَى ‏ ‏عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ  ‏التَّبَتُّلَ[6] ‏‏وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا [ (صحيح البخاري، باب النكاح: الحديث الرقم 4685).

وأنكر الرسول r على عبدالله بن عمرو تركه لزوجته وإهماله لها واشتغاله بالعبادة من الصيام والقيام، وأرشده إلى التوازن والاعتدال.فعن أَبِي جُحَيْفَة قَالَ : ]آخَى رَسُولُ اللَّهِ r بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ مَا شَأْنُكِ مُتَبَذِّلَةً قَالَتْ إِنَّ أَخَاكَ أَبَا الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا قَالَ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيَقُومَ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ نَمْ فَنَامَ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ قَالَ لَهُ سَلْمَانُ قُمْ الآنَ فَقَامَا فَصَلَّيَا فَقَالَ إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَيَا النَّبِيَّ rَ فَذَكَرَا ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ صَدَقَ سَلْمَانُ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2337).

أجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، بل إن أهل العلم استفادوا من النصوص التي سبقت أن النكاح شرعة عامة للبشرية، فلذلك يقول البلقيني: (النكاح شرع من عهد آدم u، واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة).



[1] والأفصح في لغة العرب أن يطلق الزوج على كل من الذكر والأنثى بصيغة واحدة، وهذه لغة أهل الحجاز، فتقول المرأة في لغتهم: هذا زوجي، ويقول الزوج: هذه زوجي. وبنو تميم يقولون في المؤنث: زوجة، وأبى الأصمعي هذا الإطلاق، محتجاً بعدم وروده في القرآن.

[2] وقد قرر كثير من أهل العلم أن الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادات، لما يشتمل عليه النكاح من القيام بمصالحه، وإعفاف النفس عن الحرام، وتربية الولد،

[3] ويرى المسلمون أن الاستمتاع الذي يتحقق به قضاء الشهوة عند كل واحد من الزوجين فيه إشباع للغريزة، وتحقيق للفطرة، وتحصيل للسكون النفسي، وهو ضروري للإنسان؛ لأن الله خلق الذكر والأنثى، وجعل في كيان كل واحد منهما الميل إلى الآخر، والذي يعاند هذا الميل الفطري يخالف حقائق علمية، ويغالب الفطرة، والفطرة في النهاية تغلب من يعاندها، وفي كثير من الأحيان ينفجر الكبت المغالب للفطرة، فيدمر المجتمعات التي تغالبه، وقد يميل هذا النهج بصاحبه ويحرف مساره.

[4] الأيم من النساء: المرأة التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً. ومن الرجال: من لا امرأة له، وتزوج من قبل أو لم يتزوج.

[5] الباءة: الجماع، وقيل: مؤونة النكاح وتكاليفه.

[6] التبتل: يعني الانقطاع عن النساء، وترك النكاح، انقطاعاً إلى عبادة الله.