إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى









شُبُهات

المبحث الرابع

طبيعة عقد الزواج وشروطه

أولاً: أنواع عقود الزواج

1. العقد الصحيح

ويكون العقد صحيحاً في حال توافر أركانه وشروطه، فتترتب عليه أحكامه المقصودة كما تترتب عليه آثاره. والآثار المترتبة على الزواج الصحيح كثيرة، فيجب فيه للزوجة المهر والنفقة والسكنى، كما يثبت بين الزوجين حق التوارث.

ويستحق الزوج على زوجته الطاعة بالمعروف، ومتابعة المرأة لزوجها، ويثبت بالزواج الصحيح  نسب الأولاد، كما يثبت به حرمة المصاهرة.

2. العقد الباطل والفاسد

كل ما ليس بصحيح عند جمهور الفقهاء فهو باطل، ولا فرق بين الباطل والفاسد فكل باطل عندهم فاسد، وكل فاسد فهو باطل، أما الأحناف فجعلوا الفاسد قسماً متوسطاً بين الصحيح والباطل.

وإذا كان الصحيح من العقود ما ترتب عليه أثره من ملك المبيع واستباحة الوطء، فالباطل والفاسد ما لا يترتب عليه أثره، وعلى ذلك فإن الباطل والفاسد لا يعتد بهما عند الجمهور.

3. الاحتفاء بعقد الزواج

لا يحتفل المسلمون بعقد البيع، ولا بعقد الإجارة، ولا غيرهما من العقود احتفالهم بعقد الزواج، وعند بعض المسلمين يدعى الأقارب والجيران والأصدقاء لحضور العقد، وتخطب فيه خطبة تبدأ -عادة - بالتسمية، ويثنى فيها بحمد الله، والصلاة على رسول الله، وتبين فيها أحكام الزواج، والغاية منه، كما يشار فيها إلى الآداب والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، وحقوق كل منهما على الآخر، ثم يجري الإيجاب والقبول بحضور الشهود، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعلان النكاح والضرب عليه بالدف كما شرعت فيه الوليمة.

4. الدعاء عند العقد

ويستحب تهيئة العروسين والدعاء لهما، وقد وردت جملة من الأحاديث في هذا الأمر، منها ]عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r: "تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا قَالَ فَهَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْ قَالَ خَيْرًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4948).

وكان الرسول r كان إذا دعا للمسلم في زواجه: ]عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ إِذَا رَفَّأَ الإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1819).

وقالت نسوة من الأنصار لعائشة عند تزوجها بالرسول r (على الخير والبركة، وعلى خير طائر).

5. العقد مرهون بإرادة العاقدين

والزواج في الإسلام مرهون بإرادة العاقدين، وفق ما شرعه الله، كما يستطيعان الانفكاك منه بإرادتهما أما الزوج فيملك الطلاق، وأما الزوجة فتستطيع الفكاك بالخلع، كما يمكن للقاضي التفريق بين الزوجين إذا طلب أحدهما ذلك، وكان للتفريق مبرراته وأسبابه[1].

ثانياً: الشروط الشرعية لعقد الزواج

يعد بعض هذه الشروط ضرورياً لنشوء الانعقاد، يعد وبعضها شرطاً لصحة العقد، وفقدها يبطل العقد، وهذه الشروط أنواع: نوع يتعلق بصيغة العقد، ونوع يتعلق بالعاقدين، ونوع ثالث يتعلق بأمر خارج عن الصيغة والعاقدين.

1. أمّا الشروط المتعلقة بالصيغة فهي أربعة شروط:

أ. الإيجاب والقبول

بأن تكون بألفاظ معينة، وهذا متفق عليه بين أهل العلم، وإن اختلفوا في الألفاظ التي يتأدى بها عقد النكاح. وأشهرها: "زوجتك موليتي"، فيقول الزوج: "قبلت زواجها".

ب. الدوام والتنجيز

فإن كانت دالة على الاستقبال لم يصح العقد.

ومن هنا أبطل أهل العلم العقود المضافة إلى المستقبل والمعلقة على شرط غير متحقق؛ لأنها غير منجزة.

يقول النووي رحمه الله تعالى: (النكاح لا يقبل التعليق كقوله: إذا جاء رأس الشهر فقد زوجتك).

ومثال الزواج المضاف إلى المستقبل أن يقول الولي لرجل: زوجتك ابنتي عندما يأتي الربيع، أو في أول السنة القادمة، أو في رمضان القادم، أو عندما يقدم جدها من السفر، أو عندما تنجح في الامتحان، أو عندما ترضى أمها.

فإن كان الشرط متحققا فالنكاح صحيح، كأن يقول له: زوجتك ابنتي إذا نجحت في الامتحان، وكان قد نجح فيه فعلا، أو زوجتك إياها إذا قدم جدها من سفره، وكان قد قدم فعلا، والسبب في عدم جواز النكاح في حالة إضافته إلى المستقبل أو تعليقه على شرط غير متحقق أن عقد الزواج يجب أن يكون منجزا، بحيث تترتب عليه آثاره في الحال، ومن هذه الآثار حل الاستمتاع، وإذا كان مضافا للمستقبل أو معلقا على شرط غير متحقق فإنه لا يكون منجزا. ويكون الزواج منجزا إذا لم تتقيد صيغته بشيء، وكانت دالة على الوقوع الجازم بصيغة الماضي، أو المضارع الدال على الحال، ويصح أن يكون أحد لفظي النكاح بلفظ المضارع كأن يقول أزوجك على أن يقول الآخر قبلت، فإن قال زوجني بصيغة الأمر، وقال آخر: زوجتك، والذي عليه جمهور علماء المسلمين صحة هذا العقد، وإن خالف في صحته بعض أهل العلم.

ج. موافقة القبول والإيجاب من كل وجه

فإن اختلفا لم يصح النكاح، فإذا قال الولي: زوجتك ابنتي خديجة على مهر مقداره ألف دينار، فقال الخاطب: قبلت نكاح ابنتك فاطمة على مهر مقداره خمسمائة دينار لم يصح النكاح، لاختلاف الإيجاب والقبول.

د. الموالاة بين الإيجاب والقبول

بحيث لا يتراخى القبول عن الإيجاب، والذين يشترطون هذا الشرط من أهل العلم يقولون: إن تحقق العقد يتم باجتماع الإرادتين، فإذا توالى الإيجاب والقبول كامن معنى ذلك أن الإرادتين اتفقتا، فإذا وقع فصل بين الإيجاب والقبول فلا يُجزم باتفاق الإرادتين، لإمكان أن يكون الموجب قد تراجع عن إيجابه، في فترة الفصل بين الإيجاب والقبول.

فإذا كان الفصل يسيرا فلا يضر، وهذا هو المذهب عند الشافعية.

ولم يشترط الحنفية والحنابلة الفورية، وإنما اشترطوا أن يتم الإيجاب والقبول في مجلس واحد، فإن وقع التفرق بعد الإيجاب وقبل القبول لم يصح العقد، حتى لو صرح الطرف الآخر بالقبول بعد وقوع التفرق، ويشترط الحنابلة مع المجلس الواحد أن لا يتشاغل العاقدان عن العقد بغيره.

ولا يوجد في الشريعة ما يمنع من إجراء العقود مع اختلاف المجالس إذا تحققت الفورية وتحقق كل واحد من العاقدين من هوية الطرف الآخر، وأمن التزوير[2].

2. ألفاظ عقد الزواج

ينعقد عقد الزواج بلفظ الإنكاح والتزويج وبكل لفظ يدل عليهما، وذلك يتحقق بوجود عرف أو بوجود قرينة، فإذا لم يوجد شيء من ذلك لم يصح النكاح وذهب جمهور أهل العلم إلى أن النكاح لا يختص بلفظ الإنكاح والتزويج فحسب، بل ينعقد بكل لفظ يدل عليه، وممن قال بهذا القول الإمامان: أبو حنيفة ومالك، وهو قول في مذهب الإمام أحمد.

أ. أدلة الشافعية والحنابلة

استدل الذين قصروا التزويج على لفظي النكاح والتزويج بالأدلة التالية:

أن هذين اللفظين هما اللفظان اللذان ورد استعمالهما في الكتاب والسنة، دون غيرهما، قال تعالى: ]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا[ (سورة الأحزاب: الآية 37)، وقال: ]فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ[ (سورة النساء: الآية 3). وقال: ]وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ[ (سورة البقرة: الآية 221) [3].

قوله تعالى: ]وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة الأحزاب: الآية 50).

قالوا: إن الآية في غاية الوضوح في الدلالة على أن التزويج بطريق الهبة من خصوصيات الرسول r، وما كان من خصوصياته لم يصح أن تشاركه فيه أمته، وهذا هو معنى الخالص[4].

واحتجوا بأن التزويج بغير هذين اللفظين كناية، والكناية لا تقتضي الحكم إلا بالنية، والنية في القلب لا تعلم، ولما كان العقد لا يصح دون الإشهاد عليه لم يصح العقد بالكناية، لأن النية لا يمكن الإشهاد عليها، وإنما جاز الطلاق والعتق والبيع بالكناية، لأن الشهادة لا تشترط في صحة ذلك.

ب. أدلة الحنفية والمالكية

استدل الدين قالوا بجواز التزويج بكل لفظ يدل عليه بما يأتي:

أن العبرة في العقود بالمقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني؛ فألفاظ البيع والشراء وكذلك النكاح ليست ألفاظا تعبديه لا يجوز تجاوزها إلى غيرها، ولذا فإن الصحيح من أقوال أهل العلم انه يجوز لكل أمة من الأمم أن تعقد عقد النكاح بالألفاظ المستعملة في ذلك في لغتها[5].

واحتج من ذهب هذا المذهب بما ثبت في الحديث أن الرسول r زوج رجلا امرأة، فقال: ]اذْهَبْ فَقَدْ ‏مُلِّكْتَهَا‏ ‏بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ[ (صحيح مسلم، كتاب النكاح: الحديث الرقم 2554).

فإن قيل: ورد في الحديث أن الرسول r قال له: ]أنكحتكها بما معك من القرآن[، وهذا يدل على أن الراوي إنما نقل الحديث الأول بالمعنى. والجواب أن هناك ثلاثة احتمالات لروايات الحديث، وكلها تدل على صحة التزويج بلفظ ملكتكها:

الأول: أن r قال: (أنكحتكها) والراوي نقل لفظ الرسول r بالمعنى.

والثاني: أن الرسول r قالهما جميعا، فنقل الراوي هذا مرة، وهذا مرة.

وعلى كلا الاحتمالين فالحديث حجة واضحة لمن ذهب إلى عدم الاقتصار على لفظي الإنكاح والتزويج في عقد النكاح.

والثالث: أن الرسول r قال: (أنكحتكها)، والراوي نقل لفظه بالمعنى، وهذا يدل على أن هذين اللفظين: الإنكاح والتمليك كانا سواء في عقد الزواج لا فرق بينهما.

3. الشروط المشترطة في العاقدين

أ. العقل.

ب. رضاهما، فإن عقد العقد من غير رضاهما، أو رضى أحدهما، لم يصح.

ج. أن يكون للعاقد الحق في إنشاء العقد بنفسه إذا كان ذكراً بالغاً عاقلاً راشداً، أو ولياً أو وكيلاً كلفه غيره بالعقد له، أما الفضولي فعقده غير صحيح.

د. أن لا يوجد بين الزوجين سببٌ من أسباب التحريم التي تمنع الزواج، لا فرق في ذلك بين أن يكون التحريم مؤبداً أو مؤقتاً.

هـ. أن يكون كل واحد من الزوجين معروفاً معلوماً فإن قال الولي زوجتك واحدة من بناتي، ولم يُسَمِّها لم يصح.

و. أن يسمع كل واحد من العاقدين كلام الآخر ويفهم كلامه.

ثالثاً: أنواع الأنكحة الباطلة أو الفاسدة

1. تزوج المسلمين بالمشركين(من غير اليهود والنصارى)

لم يأذن الله للمسلم ولا للمسلمة الزواج من المشركين، قال تعالى مبيناً الحكم والحكمة في ذلك: ]وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ ءايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون[َ (سورة البقرة: الآية 221).

وقد أجمعت الأمة الإسلامية على حرمة الزواج من المشركين، غير أهل الكتاب، واتفق أهل العلم على جواز تزوج المسلم من المرأة الكتابية يهودية كانت أو نصرانية، ولم يخالف في جواز هذا إلا بعضهم كعبدالله بن عمر محتجاً بقوله تعالى: ]وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا[ (سورة البقرة: الآية 221)، فيرى أن اليهود والنصارى داخلين في عموم المشركين، ويرى جمهور الصحابة والتابعين وأكثر علماء المسلمين أن هذا النص عام، ويخصصه النص الذي أباح الزواج من نساء أهل الكتاب وهو قوله: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ[ (سورة المائدة: الآية 5). نص خاص، وقد تقرر عند أهل العلم أن العام والخاص إذا تعارضا قدم الخاص على العام.

واتفق أهل العلم على حرمة تزوج المسلمة من كتابي، لعدم ورود نص يستثني أحدا من الكفار في حق المرأة المسلمة، فبقي قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ[ (سورة الممتحنة: الآية 10).

وإنما أجازت الشريعة التزوج من الكتابية دون المشركة؛ لأن أهل الكتاب وإن كانوا غير مسلمين إلا أن عندهم من الدين ما يعرفون به شيئاً عن الإيمان، وهم يفرقون بين شيء من الحلال والحرام، وأهل الشرك لا يوجد عندهم شيء من ذلك، وعلى ذلك فإن التنافر بين المسلم والبوذية وغيرها من الوثنيات شديد، لا يمكن أن تقوم حياة زوجية سوية بين زوجين بينهما مثل هذا التنافر[6].

ولا يجوز التزوج من امرأة مرتدة ولو كانت ردتها إلى النصرانية أو اليهودية؛ لأن المرتد لا يجوز إقراره على ردته.

فإذا ارتد أحد الزوجين المسلمين فسخ نكاحه من زوجته، وإذا أسلم أحد الزوجين الكتابيين، فإن كان المسلم هو الرجل صح له إمساك زوجته، وإن كانت المرأة فسخ زواجها، إذا لم يسلم زوجها في عدتها.

2. نكاح المتعة

وهو: نكاح المرأة لمدة مؤقتة على مهر معين.

وقد اتفق أئمة علماء الأمصار من أهل الرأي والآثار على تحريم نكاح المتعة.

وهو قول عامة الصحابة والفقهاء يقول ابن قدامة: وإذا كان النكاح باطلاً، فيجب فسخ هذا النوع من النكاح  قبل الدخول وبعده. وخالف زفر من الحنفية، فعد نكاح المتعة ثابتاً والشرط باطلاً، والمبطل في نكاح المتعة هو التصريح بالتأجيل في العقد، فإذا نواه في قلبه ولم يصرح به؛ فإنه لا يبطل النكاح، وخالف الأوزاعي فأبطل النكاح بالقصد، بدعوى أنه نكاح متعة.

وذهب الشيعة إلى القول بصحة نكاح المتعة.

واستدل القائلون ببطلان نكاح المتعة بقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُون َ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ[ (سورة المؤمنون: الآيات 3- 7).

ودلالة الآية على تحريم نكاح المتعة أن الله مدح المؤمنين بحفظهم فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وعد ابتغاء المؤمنين غير هذين السبيلين من العدوان الذي حرمه الله، والناكح في المتعة ملوم؛ فالمنكوحة فيه ليست بزوجة ولا مما ملكت يمينه.

3. النكاح بشرط الطلاق

يذهب الجمهور إلى أن الرجل إذا تزوج امرأة بشرط أن يطلقها في وقت معين، فإن هذا النكاح لا يصح، مثل أن يشترط عليه طلاقها إذا قدم أبوها أو أخوها، وعدوا هذا الشرط مانعاً من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة فالشرط يفيد التأقيت، والتأقيت مبطل للنكاح . وقال أبو حنيفة يصح النكاح ويبطل الشرط، وهو أظهر قولي الشافعي؛ لأن النكاح وقع مطلقا، والشرط لا يؤثر فيه، كما لو شرط عليه أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها.

4. نكاح المحلل

إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً يطأها فيه، قال تعالى: ]إِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230)، فإن عقد عليها، ثم توفي عنها قبل أن يطأها، أو طلقها قبل ذلك فلا تحل بذلك لزوجها الأول. وهذا النوع من النكاح حرام وباطل في قول عامة أهل العلم.

وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح ويبطل الشرط، وقد جاء النهي عن نكاح المحلل في حديث ]عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ وَعَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَعَنَ الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ[ (سنن أبي داود، الحديث الرقم 1778). وقد سمى الرسول r المحلل بالتيس المستعار، ففي الحديث عن عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَه[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1926).

5. نكاح الشغار

والشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو من يتولى أمرها على أن يزوجه الآخر كذلك، ليس بينهما صداق، كثير من العلماء يصحح هذا النكاح، ويوجب مهر المثل، فيفرضون لكل واحدة من الزوجتين مهر مثلها، وحجة الذين صححوا هذا النكاح أن النكاح يصح مع عدم فرض المهر، فإذا فرض مهر المثل في نكاح الشغار كان مثل النكاح الذي لم يفرض فيه مهر، لأن كل واحد من الناكحين فرض فيه المهر بعد العقد.

جاء عن محمد بن الحسن قوله: (إذا تزوج امرأة على أن يكون صداقها أن يزوجه ابنته، فالنكاح جائز، ولها صداق مثلها، لا وكس ولا شطط، وهو قول أبي حنيفة والشافعي).

والذي اختاره ابن تيمية أن النكاح لا يجوز مع نفي المهر، لأن الله فرض عليهم أن لا يتزوجوا إلا بمهر، وأباح لرسول الله r وحده أن يتزوج بلا مهر، ]قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ[ (سورة الأحزاب: الآية 50)، فلا بد في الزواج من مهر مفروض أو مسكوت عن فرضه، ثم إن تراضيا به، وإلا فلها مهر نسائها.

والمعتمد عند الحنابلة والإمام مالك أن علة النهي في نكاح الشغار هو اشتراط كل واحد من الرجلين على الآخر أن ينكحه موليته، لا اشتراطه خلو العقد عن المهر. وعلى ذلك فإن نكاح الشغار باطل، ولو فرض فيه المهر.

6. اشتراط الزوجة طلاق ضرتها

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: ]نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ التَّلَقِّي وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلأَعْرَابِيِّ وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2525)، والنهي يقتضي الفساد المنهي عنه، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده، وإبطال حقه وحق امرأته.

وفي رواية عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا[ (صحيح البخاري: الحديث الرقم 4755).

رابعاً: شروط الزواج

1. تعريف الشروط

الشرط في اللغة: (ما يوضع ليُلتَزم في البيع أو نحوه)، كاشتراط المرأة على زوجها أن لا ينقلها من بلدها، ولا يمنعها من عملها، ونحو ذلك.

والشرط عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم. ومثاله الوضوء، فإنه شرط في صحة الصلاة، فإذا لم يوجد الوضوء فإن الصلاة لا تصح بدونه.

والشرط قد يكون مشترطاً من الشرع، وقد يشترطه أحد العاقدين، والبحث هنا فيما يشترطه أحد العاقدين على العاقد الآخر، من الشروط المقترنة بالعقد، أو السابقة عليه المرتبطة به.

2. أنواع الشروط في النكاح

والشروط التي يتصور اشتراطها في العقد ثلاثة أنواع:

أ. الشروط الموافقة لمقصود عقد النكاح ومقصد الشرع.

ب. الشروط المنافية لمقصود العقد أو المخالفة لما نص عليه الشرع وألزم به.

ج. الشروط التي لم يأمر الشرع بها ولم ينه عنها، وفي اشتراطها مصلحة لأحد الطرفين (الشروط الجائزة).

وفيما يلي حكم كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة:

أ. الشروط الموافقة لمقصود العقد ولما أمر الشرع به

اتفق أهل العلم على صحة هذا النوع من الشروط، كاشتراط الزوجة العشرة بالمعروف، والإنفاق والكسوة والسكنى، وأن يعدل بينها وبين ضرائرها، أو أن يشترط عليها الزوج ألا تخرج إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، وألا تتصرف في ماله إلا برضاه، ونحو ذلك.

وفي ذلك يقول ابن حجر العسقلاني: (من الشروط ما يجب الوفاء بها اتفاقا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

ب. الشروط التي تنافي مقصد عقد النكاح أو التي تخالف ما شرعه الله

اتفق أهل العلم على عدم صحة الشروط التي تخالف ما أمر الله به أو نهى عنه، أو تخل بمقصود النكاح الأصلي.

مثل أن تشترط المرأة على زوجها ألا تطيعه، أو أن تخرج من غير إذنه، أو ألا يقسم لضرائرها، ولا ينفق عليهن، ونحو ذلك، أو يشترط عليها ألاّ مهر لها، ولا يقسم لها، ولا ينفق عليها.

أو أن تشترط عليه ما ينافي المقصود الأصلي للنكاح، (وهو المعاشرة الزوجية)، كأن تشترط عليه أن لا يطأها، أو يطأها في العمر أو في العام مرة واحدة، فإن هذه الشروط لا تجوز بحال.

يقول ابن تيمية: (من اشترط في الوقف أو العتق أو الهبة أو البيع أو النكاح أو الإجارة أو النذر أو غير ذلك شروطاً تخالف ما كتبه الله على عباده، بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى الله عنه، أو النهي عما أمر الله به، أو تحليل ما حرمه، أو تحريم ما حلله، فهذه الشروط باطلة باتفاق المسلمين في جميع العقود).

وقد وضع أهل العلم قاعدة فقهية تصلح للتعليل بها في هذا الموضع، فقالوا: (ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط).

ذهب الحنفية إلى أن الشروط الفاسدة لا تبطل النكاح إلا إذا اشترطت التأقيت في العقد، يقول الكاساني: (النكاح المؤبد الذي لا توقيت فيه لا تبطله الشروط الفاسدة) وعلى ذلك فإن الأنكحة المنهي عنها عند الحنفية صحيحة كنكاح الشغار ونكاح التحليل إذا أبطلت منها الشروط الفاسدة، بخلاف نكاح المتعة والنكاح المؤقت فإنهما باطلان عندهم، وحجتهم أن عدم تعيين المهر وتقديره والاتفاق عليه عند العقد لا يبطل العقد بإجماع أهل العلم، فاشتراط عدمه لا يبطل النكاح، ومثل ذلك غيره من الشروط، فإذا أبطلت هذه الشروط كان العقد صحيحاً.

وذهب جمع من أهل العلم، منهم الشافعية والحنابلة، إلى أن من شروط النكاح ما يبطل الشرط ويصح العقد، ومنها ما يبطل العقد من أصله. وضابط النوع المبطل- كما يقول النووي- أن يكون مخلا بمقصود النكاح، ومثل له باشتراطه في العقد طلاقها، أو عدم وطئها[7].

أما الشروط الباطلة، التي يصح معها عقد النكاح، فهي الشروط التي لا تخل بالمقصود الأصلي للنكاح كما يقول النووي، ومثل لها باشتراطها خروجها متى شاءت، أو أن تشترط طلاق ضرتها، أو يشترط عليها أن لا قسم لها ولا نفقه، وجعل النووي من هذه الشروط، الشروط الجائزة.

وعلل ابن قدامه بطلان هذه الشروط وصحة عقد النكاح معها بقوله: (هذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده…).

أدلة الذين أبطلوا عقد النكاح بكل شرط باطل:

ذهب ابن تيمية إلى أن الشروط الفاسدة مبطلة لعقد النكاح، لا فرق بين ما نهى عنه الشارع أو لم ينه عنه، واستدل بما يأتي:

الأنكحة التي نهت النصوص عنها كنكاح الشغار ونكاح التحليل، ونكاح المتعة، يكفي في إبطالها ذلك النهي الذي ورد فيها فالنهي يقتضي الفساد.

أبطل الصحابة هذه العقود، ففرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار، وجعلوا نكاح التحليل سفاحا، وتوعدوا المحلل بالرجم.

تصحيح العقود مع إبطال الشروط الفاسدة يؤدي إلى الإلزام بالعقود من غير رضى العاقدين أو أحدهما؛ لأن تصحيح العقد إما أن يكون مع الشرط المحرم الفاسد، أو مع إبطاله.

واستدل بقياس الأولى: فالبيع لا يجوز إلا بالتراضي لقوله تعالى: ]إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[ (سورة النساء: الآية 29). والنكاح أولى بعدم الجواز وأحرى إذا لم يكن بالتراضي.

ج. الشروط الجائزة

وهي الشروط التي لا تنافي مقصود النكاح، ولا تخالف ما قرره الشرع، مثل أن تشترط الزوجة على الزوج ألا يخرجها من دارها، أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، أو تستمر في عملها الذي تبيحه الشريعة ونحو ذلك.

والدليل على ذلك: قوله r فيما رواه عنه عقبة بن عامر الجهني[8] t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوج[ َ(صحيح البخاري، الحديث الرقم 2520). وهذا يدل على أن الوفاء بالشروط في النكاح أولى منها في البيع.

قال ابن حجر في شرحه: (أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح؛ لأنه أحوط وبابه أضيق).

ولكن الشروط قد تكون باطلة فاسدة لأحد أمرين:

الأول: منافاتها لحكم الله وشرعه.

والثاني: منافاة الشرط لمقاصد العقد كمن زوجه واشترط عليه الطلاق، فهذا الشرط يناقض مقصود العقد، ويصبح العقد به لغوا.

فإذا لم يشتمل الشرط على واحد من هذين الأمرين، فلا وجه لتحريمه؛ لأن الشروط عمل مقصود للناس، يحتاجون إليه، إذ لولا حاجتهم لذلك لم يفعلوه.

خامساً: الكفاءة في الزواج

1. تعريف الكفاءة

الكفء في اللغة: النظير والمثيل والمساوي، وكل شيء ساوى شيئاً فهو مكافئ له، ومنه قوله تعالى: ]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد[ (سورة الإخلاص: الآية 4) ، ومنه حَدَّثَنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2371) أي في القصاص والدية.

والكفاءة في النكاح، في اصطلاح أهل العلم، أن يكون الرجل مساوياً للمرأة، و نظيراً لها. في خصال محددة، كالدين، والنسب، والحرية، واليسار، والصنعة، ونحو ذلك. ويختلف المشترطون للكفاءة في هذه الخصال بين متوسع ومقتصد.

أ. الجانب الذي تعتبر الكفاءة له

لا يشترط أهل العلم مكافأة المرأة بالرجل، بمعنى أن للرجل حرية اختيار الزوجة الأدنى منه مكانة في الدين أو النسب أو غير ذلك من جوانب الكفاءة، ، فالرسول صلى الله عليه وسلم  تزوج من قبائل العرب، وهو لا مكافئ له، بل تزوج صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي.

ب. حكم الكفاءة في النكاح

اختلف العلماء في حكم الكفاءة على قولين:

الأول: أنها ليست بشرط لصحة النكاح، إلا كفاءة الدين فقط الذي هو بمعنى الإسلام نفسه، وهو قول أكثر أهل العلم، وعليه العمل بين المسلمين من أوائل العصور؛ فكم من امرأة ذات نسب رفيع تزوجت من رجل ذي نسب أقل شأناً وكذا الصنعة وغير ذلك.

الثاني: أنها شرط لصحة النكاح، ونُسب هذا القول لسفيان، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهذا مذهب بعض الزيدية المتأخرين إذ لا يرون غير الفاطمي كفؤاً للفاطمية.

والقائلون بالقول الثاني قسمان:

القسم الأول: قسم يرى أنها شرط لزوم النكاح، فإن عقد النكاح مع وجودها  لزم النكاح، وإن عقد مع عدم وجودها برضى المرأة والأولياء صح، ومن لم يرض منهم فله فسخ النكاح، وهذا قول عامة العلماء.

والقسم الثاني: لا يرى أن الكفاءة مشترطة أصلاً ولا معتبرة، وكل مسلم يعتبر كفؤاً للمسلمة إلا إذا كان فاجراً، وهذا مذهب مالك وابن حزم والشوكاني وصديق حسن خان.

ج. اعتبارات الكفاءة في النكاح

الأول: أنها غير معتبرة إلا في الدين والصلاح.

الثاني: أنها شرط لزوم النكاح.

2. القائلون بعدم اشتراط الكفاءة إلا في الدين وأدلتهم:

وقد ركزوا على ميزان الإسلام، وقالوا إنه الأصل الذي يحكم المسألة ويحسم القول فيها.

واستدلوا بالنصوص الدالة على أن البشر ـ عند الله ـ جنس واحد، لا يفضل بعضهم بعضا إلا بالتقوى ]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[ (سورة الحجرات: الآية 13)، وإنما جاء الإسلام ليصحح الخلل الذي وقع فيه البشر قديماً وحديثاً، من عداوات وأحقاد بسبب تعصبهم لأعراقهم وأجناسهم وقبائلهم.

جاء الإسلام فعلّم الناس أنهم من أصل واحد هو التراب، وأن أباهم واحد هو آدم، وأمهم حواء، وربهم وخالقهم واحد، وأخبرهم أن اختلافهم إلى قبائل وشعوب لا يستدعي فضلاً لقبيلة على قبيلة، ولا لشعب على شعب، إذ أن حكمة الاختلاف إنما هي التعارف، أما ميزان التفاضل فهو التقوى.

وقال تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ (سورة الحجرات: الآية 10). وقال: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء[ُ (سورة التوبة: الآية 71). وقال تعالى: ]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض[ (سورة آل عمران: الآية 195).

عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r: ]جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 316).

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1005).

حَدَّثَنَا عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ ]لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ r: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 29).

]عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5966).

وتحقيقاً لهذا الميزان زوج الرسول r ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية ـ وأمها أميمة بنت عبدالمطلب- إلى مولاه زيد بن حارثه الكلبي، وفي زيد وزينب أنزل الله: ]فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا[ (سورة الأحزاب: الآية 37).

وأمر الرسول r فاطمة بنت قيس أن تنكح مولاه أسامة بن زيد، وكان قد خطبها معاوية ابن أبي سفيان وأبو الجهم. وزوج الرسول r ابنتيه رقية وأم كلثوم من عثمان بن عفان t واحدة بعد الأخرى، وزوج ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع الأموي. وعثمان وأبو العاص من بني أمية لا من بني هاشم، وهم أقل كفاءة من بني هاشم فكيف بأسرة النبي r نفسه، وهي أعلى بني هاشم مكانة وشرفاً.

وزوج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، وهو من بني عدي لا من بني هاشم. وزوج الصديق أخته أم فروة  من الأشعث بن قيس الكندي[9]، وتزوج المقداد بن الأسود الكندي[10] ضباعه بنت الزبير بن عبد المطلب[11] ابنة عمة رسول الله r.

وزوج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس[12] ـ وكان ممن شهد بدراً ـ بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن رييعة إلى سالم مولاه، وكان أبو حذيفة تبنى سالماً قبل أن يحرم الإسلام التبني.

وروى الدار قطني[13] أن عبدالرحمن بن عوف t زوج بلالاً الحبشي[14] t أخته.

ومن تأمل في هذه الآثار أن الكفاءة إنما هي في الدين والتقي والصلاح، بغض النظر عن المستوى الاجتماعي، لا فرق في ذلك بين بني هاشم وغيرهم من قريش، ولا فرق بين قرشي وغيره من العرب، ولا فرق بين عربي وغير عربي.

3. القائلون بالكفاءة وأدلتهم:

والفريق الثاني الذي اعتبر الكفاءة في النكاح شرط لزوم نظر إلى رضى كل من المرأة وأوليائها بالخاطب، يدرسون أحواله وصفاته وقدراته، ولا ضير عليهم في أن يختاروا الأفضل في نظرهم إذا كان من الدائرة التي يجوز الاختيار منها، وهي دائرة المسلمين الأتقياء.

إن الذي يرفضه الإسلام اختيار الرجل الذي فقد التقى والصلاح، واختير لجماله أو ماله أو حسبه فحسب، أما إذا كانت هذه الصفات أو بعضها مقرونة بالتقى والصلاح فإن هذا كمال فوق كمال، وفضل فوق فضل.

4. الخصال المعتبرة في الكفاءة

جملة الخصال التي عدها أهل العلم في الكفاءة ست، هي النسب، والدين، والصنعة، والحرية، والسلامة من العيوب، والغنى. ويضيف بعضهم إليها العلم، والجمال[15].

ومعرفة ما يعتبر وما لا يعتبر من خصال الكفاءة هو ثمرة البحث في المسألة، إذ قد يقع الخلاف بين المرأة وأوليائها في خصلة من هذه الخصال، فيمنعونها من الزواج بحجة أن الخاطب غير كفء لفقره مثلاً، بينما لا تعده هي مانعاً من الكفاءة، وقد يقع النزاع بين الأولياء، فما يراه أحدهم من الكفاءة لا يعده آخر منها.

أ. الكفاءة في الدين

أجمع أهل العلم على أن الرجل الكافر ليس بكفء للمرأة المسلمة.

وجاءت النصوص قطعية في ثبوتها، ودلالتها على تحريم تزويج المرأة المسلمة من كافر، كتابياً كان أو وثنياً، ومن هذه النصوص قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ[ (سورة الممتحنة: الآية 10 )، وقال تعالى: ]وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِن[ (سورة البقرة: الآية 221).

فالآية الأولى نصت نصاً صريحاً على أن الكافر لا يحل للمؤمنة، والمؤمنة لا تحل للكافر، والآية الثانية نهت المؤمنين نهياً ليس فيه غموض عن أن يزوجوا المشركين، وحددت لذلك غاية وهي إيمانهم، فدل ذلك على حرمة تزويجهم قبل إيمانهم، فالإسلام يقرر أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والزوج له حق القوامة على الزوجة ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ[ (سورة النساء: الآية 34)، وهذه القوامة تعطيه علواً ورفعة عليها، وهي الدرجة المنصوص عليها في قوله: ]وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[ (سورة البقرة: الآية 228). فإذا تزوجت المسلمة كافراً كانت له القوامة عليها، وهذا ممنوع في شرع الله وحكمه ]وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[ (سورة النساء: الآية 141).

يقول ابن رشد الفقيه المالكي: لم يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم فيفرق بينهما، وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام. والمرأة من بنات الصالحين إذا زوجت نفسها من فاسق كان للأولياء حق الاعتراض؛ لأن التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب والحرية والمال، والتعيير بالفسق أشد وجوه التعيير وكذلك رأي الشافعي وأحمد.

ومن النصوص التي أوردوها في هذا الباب قوله تعالى: ]الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة النور: الآية 3)، فالنص حرم تزويج العفيفة من زان حرمة تزويجها من مشرك.

وقوله تعالى: ]أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ[ (سورة السجدة: الآية 18)، فقد نفت الآية المساواة بين المؤمن والفاسق.

وقال الشوكاني وأبو إسحاق الشيرازي إن المجاهر بالفسق ليس بمرضي الدين.

السر في عدم تزويج الفاسق

علل أهل العلم لمذهبهم في عدم تزويج أهل الفسق بتعليلات متقاربة، يقول السبكي: (الفاسق لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يجني على المرأة).

وقال عبدالقادر بن عمر الشيباني: (الفاسق مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته، فلا يكون كفأ للعدل).

وقال الصاوي: مخالطة الفاسق ممنوعة، وهجره واجب شرعاً، فكيف النكاح.

وقال ابن قدامة: (الفاسق مردود الشهادة والرواية، غير مأمون على النفس والمال، مسلوب الولاية، ناقص عند الله وعند خلقه، قليل الحظ في الدنيا والآخرة، فلا يجوز أن يكون كفأً للعفيفة ولا مساوياً لها، لكن يكون كفأً لمثله).

ب. الكفاءة في الحسب والنسب

الحسب، في الأصل الشرف بالآباء والأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر قومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره.

واعتبر الكفاءة بالحسب بعض العلماء، وذهب النووي إلى فسخ نكاح المولى إذا تزوج عربية.

والأنساب، عند الحنفية، ثلاث مراتب: الأولى: قريش، والثانية: العرب، والثالثة: الموالي. ولا اعتبار عندهم بالتفاوت الواقع في كل رتبة من الرتب، فبطون قريش وإن تفاوتوا في الفضل رتبة واحدة، فالمخزومي كفء للهاشمية، وكذلك الأموي والعدوي. وبعض أهل العلم جعل لبني هاشم وبني المطلب رتبة متقدمة على بقية بطون قريش، فلا يكافئهم غيرهم، أما ما سواهم من بطون قريش، فبعضهم أكفاء لبعض.

والعرب متساوون فيما بينهم على اختلاف قبائلهم وبلدانهم فالتميمي كفؤُ للحنفية والعكس، والموالي متساوون فيما بينهم، وان اختلفت شعوبهم.

والأصل، عند الشافعية، اعتبار النسب في العجم كالعرب، فالفرس أفضل من القبط، وبنو إسرائيل أفضل من القبط. أمّا عند الشافعية أن بطون قريش فهم رتبة واحدة.

والمشهور عن الإمام مالك رحمه الله أن النسب غير داخل في الكفاءة، فيجوز نكاح الموالي من العرب. وعن الإمام أحمد أن المسلمين في النسب رتبتان: عرب وعجم، وعلى ذلك فالعرب بما فيهم قريش بعضهم لبعض أكفاء، وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء.

وعن الإمام أحمد رواية ثانية ذهب فيها إلى أن القرشية لا تزوج لغير قرشي، والهاشمية لا تزوج لغير هاشمي.

ج. الكفاءة في المال

ذهب إلى اعتبار المال في الكفاءة الحنفية، فقد عده الكاساني من خصال الكفاءة المشترطة فيها، وقال: (فلا يكون الفقير كفأ للغنية؛ لأن التفاخر بالمال أكثر من التفاخر بغيره عادة، ولأن للنكاح تعلقاً بالمهر والنفقة تعلقاً لازماً، فإنه لا يجوز دون المهر).

والأصح عدم اعتبار الكفاءة في المال عند المالكية والشافعية.

واستدل القائلون بعدم اعتباره بأن النبي r لم يكن من أهل اليسار، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام أهله، ولأن الفقر ليس بنقص في الكفاءة في العادة.

والقول باعتبار الكفاءة في المال رواية عن الإمام أحمد اختارها بعض من الحنابلة[16].

والذين اعتبروا اليسار في الكفاءة اختلفوا في المقدار المعتبر من ذلك، فجمهور أهل العلم أنه يكفي في اليسار أن يكون الزوج قادراً على المهر والنفقة، فإذا أيسر بذلك فإنه كفء للمرأة مهما بلغ غناها.

هذا هو مذهب الحنفية، والحنابلة، وبعض الشافعية. وذكر ابن أبي يعلى الحنبلي أن المعتبر في المال عند ابن عقيل هو حصول المقدار الذي لا تتغير به عادة المرأة في بيت أبيها.

الذين لا يجعلون المال من خصال الكفاءة لا يقولون بوجوب التزويج مع الإعسار بالمهر والنفقة، بل إن منهم من يوجب الفسخ بالإعسار بذلك، وليس هذا مبنياً على اعتبار الزوج غير كفء، بل لأنه بخسها حقها، فهو كالغني المماطل.

د. الكفاءة في الحرية

جمهور أهل العلم على اعتبار الكفاءة في الحرية؛ فلا يكون العبد كفأً للحرة.

وقد غلا بعض أهل في اشتراط الحرية، إذا لم يجعل الحر، الذي مسه الرق يوماً أو مس أحد آبائه، كفأ للحرة التي لم يمسها ولا آباءها رق أبداً.

هـ. الكفاءة في الصناعة والحرفة

ذهب الشافعية إلى أن أصحاب الحرف الدنيئة ليسوا أكفاءً لغيرهم، فالكناس والحجام وقيِّم الحمام والحارس والراعي ونحوهم، لا يكافئون بنت الخياط، والخياط لا يكافئ بنت تاجر أو بزاز، ولا المحترف يكافئ بنت القاضي والعالم. واعتبار الحرفة في الكفاءة رواية عن الإمام أحمد، أخذ بها جمع من فقهاء الحنابلة.

واعتبر الكفاءة في الحرف والصناعات أبو يوسف والطحاوي من الحنفية، ولم يعتبرها أبو حنيفة رحمه الله[17]، كما أن مذهب المالكية والراجح في مذهب الحنابلة أن الحرفة لا تعتبر من الخصال المعتبرة في الكفاءة.

و. الكفاءة في السلامة من العيوب

تكاد تكون بحوث الفقهاء مقصورة على العيوب التي لا يكتشفها الزوج في زوجته إلا بعد إبرام العقد، أو تلك التي تحدث بعد العقد. أما العيوب التي يعلم بها كل واحد من الزوجين قبل العقد، أو العيوب الظاهرة التي لا تخفى فإن الفقهاء لا يعرضون لها، فإن مردها إلى رضى الطرف السليم بالطرف المريض، ومادام قد رضي فلا إشكال بعد ذلك.

والمعنى الذي يذكره الفقهاء في إجازتهم للفسخ بسبب العيب يرجع لواحد من أمرين:

الأول: منع تلك العيوب الزوج السليم من الاستمتاع بالزوج المريض، وهذا يكون في العيوب الجنسية.

الثاني: تنفير تلك العيوب الزوج السليم من الزوج المريض، كأن يكون المرض برصاً أو جذاماً أو جنوناً.

ويجعلون الحق في فسخ النكاح لكل واحد من الزوجين إذا وجد بزوجه عيباً.

أما الظاهرية وفقهاء الشافعية والحنابلة فلا يردون النكاح بعيب من العيوب مطلقا، وأبو حنيفة وأبو يوسف يجيزان للزوجة فسخ النكاح إذا وجدت في الزوج مرضا يمنعه من الوطء، أما العيوب المنفرة فلا يجيزان لها فسخ النكاح به.

ز. المرجع فيما يعتبر وما لا يعتبر من خصال الكفاءة

الأصل عند الاختلاف هو رد الأمر إلى الله ورسوله r، وعند النظر في اختلاف العلماء في اعتبار الكفاءة الذي تقدم، يتبين أن الدين، بمعنى التقى والصلاح، هو الخصلة الوحيدة التي جاءت النصوص الشرعية آمرة بها، أما ما عداها من الخصال فلا يوجد فيها نص واضح وصريح يلزم باعتبارها .وفي هذا يقول ابن القيم: (الذي يقتضيه حكم الرسول r اعتبار الكفاءة في الدين أصلا وكمالا، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسبا ولا صناعة، ولا غنى، ولا حرفة).

إن التأمل في كلام أهل العلم يدل على أن المرجع هو عرف الناس وعادتهم؛ فكل ما عده الناس واعتبروه من الأنساب والأحساب والحرف ونحوها فإنه معتبر، ومالا عبرة به فإنه غير معتبر. وعلى ذلك فإن خصال الكفاءة في غير التقوى والصلاح تختلف من عصر إلى عصر، ومن بلد إلى بلد.

 



[1] أما ما جرى عليه العمل في البلاد الإسلامية من وجوب توثيق عقود النكاح، وعقده على يد القاضي أو المأذون فهو عائد إلى أحكام إدارية تنظيمية، ألزمت بها الدول قطعا لما يحدث بين الناس من تنازع واختلاف، ولو تم الزواج من دونها فلا يكون عند الله باطلاً، ولكن العاقدين ومن عقد لهما قد تنالهم العقوبة من الدولة.

[2] وقد بلغ الأمر بفقهاء الحنفية أن أبطلوا العقود التي يعقدها العاقدان إذا كانا يسيران على أقدامها أو دوابهما إذا كان هناك فاصل ولو يسيرا بين الإيجاب والقبول، وعللوا البطلان بعدم اتحاد المجلس. وردَّ المجيزون بأنه قد صح أن الرسول r ;اشترى جمل جابر بن عبدالله وكانا على جمليهما عائدين إلى المدينة في إحدى الغزوات، وكان الصحابة يتبايعون وهم يسيرون على أقدامهم أو يركبون دوابهم. واستجد في هذه الأيام الاتصال بطريق الهاتف والإذاعة والتلكس والفاكس والتلفاز. والقول باشتراط اتحاد المجلس، يبطل العقد بها.

[3] والفريق الآخر لا يسلم لهم هذا الاستدلال.

[4] والجواب: أن الذي اختص به الرسول r; في النص الكريم هو الزواج من غير ولي ولا شهود ولا مهر، لا انعقاد النكاح بلفظ الهبة مع وجود الولي والشهود والمهر.

[5] وقد رد ابن تيمية على من ذهب من الشافعية والحنابلة إلى عدم جواز عقد النكاح إلا بالعربية فقال: (تعيين اللفظ العربي في عقد النكاح في غاية البعد عن أصول الأدلة الشرعية، إذ النكاح يصح من الكافر والمسلم، ومعلوم أن العقد لا يتعين له لفظ، لا عربي ولا عجمي، وكذلك الصدقة والوقف والهبة لا يتعين لها لفظ عربي بالإجماع، ثم العجمي إذا تعلم العربية في الحال قد لا يفهم المقصود من ذلك اللفظ كما يفهمه من اللغة التي اعتادها أما إذا قيل: تكره العقود بغير العربية لغير حاجة كما يكره سائر أنواع الخطاب بغير العربية لغير حاجة لكان متوجها)، كما قد روي عن مالك وأحمد والشافعي ما يدل على كراهية اعتياد المخاطبة بغير العربية لغير حاجة.

[6] وأجاز الشرع تزوج المسلم من الكتابية، ولم يجز تزوج المسلمة من كتابي؛ لأن المسلم يؤمن بجميع الرسل الذين أرسلهم الله، وجميع الكتب التي أنزلها، أما أهل الكتاب فلا يؤمنون برسول الإسلام ولا بالقرآن الكريم، وبذلك فإن دين الكتابية الأصلي قبل تحريفه محترم، وكتابها ورسولها محل احترام المسلم، أما الكتابي فإنه لا يحترم شيئاً من ذلك في حال تزوجه من مسلمة، أضف إلى هذا أن الإسلام يأبى أن يعلو أهل الكفر على أهل الإسلام، والحياة الزوجية تقضي أن يكون للزوج القوامة على زوجته مما يعني أن يعلو الكافر على المسلمة.

[7] ومثل له ابن قدامه بنكاح المتعة، ونكاح الشغار، أو أن يطلقها في وقت بعينه، أو يعلق النكاح على شرط، أو يشترط الخيار في النكاح لهما أو لأحدهما.

[8] عُقْبَة بن عَامر (000 ـ 58هـ = 000 ـ 678م); بن عبس بن مالك الجهني: أمير من الصحابة. وشهد صفين مع معاوية، وحضر فتح مصر مع عمرو بن العاص.

[9] الاَشْعَث (23ق.هـ ـ 40هـ = 600 ـ 661م) الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أبو محمد: أمير كندة في الجاهلية والإسلام. كانت إقامته في حضرموت، ووفد على النبي r بعد ظهور الإسلام، في جمع من قومه فأسلم، وشهد اليرموك فأصيبت عينه.

[10] المِقْداد بن الاَسْوَد (37 ق.هـ ـ 33هـ = 587 ـ 653 م)، ويعرف بـ ابن الأسود، الكندي البهراني الحضرمي، أبو معبد، أو أبو عمرو صحابي، من الأبطال. هو أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الإسلام. وهو أول من قاتل على فرس في سبيل الله. شهد بدراً وغيرها. وسكن المدينة. وتوفي على مقربة منها، فحمل إليها ودفن فيها.

[11] ضُباعَة بنت عامِر (000 ـ نحو 10هـ = 000 ـ نحو 631م) بن قرط بن سلمة الخير،من بني قشير: شاعرة صحابية. كانت زوجة هشام بن المغيرة، في الجاهلية، ولها قصيدة في رثائه. وأسلمت بمكة، في أوائل ظهور الدعوة. وكانت في صباها من الشهيرات في الجمال.

[12] اَبُو حُذَيْفَة بن عُتْبة (42ق.هـ ـ 12هـ = 578 ـ 633م) بن ربيعة بن عبد شمس، صحابي. هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها. وقتل يوم اليمامة.

[13] الدّار َقُطْني (306 ـ 385هـ = 919 ـ 995م) علي بن عمر بن أحمد بن مهدي،أبو الحسن الدارقطني الشافعي: إمام عصره في الحديث، وأول من صنف القراآت وعقد لها أبواباً. ولد بدار القطن (من أحياء بغداد) ورحل إلى مصر، فساعد ابن حنزابة (وزير كافور الإخشيدي) على تأليف مسنده. وعاد إلى بغداد فتوفي بها. من تصانيفه كتاب السنن والعلل الواردة في الأحاديث النبوية وغير ذلك.

[14] بلاَل الحَبَشي (000 ـ 20هـ = 000 ـ 641م) بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله: مؤذن رسول الله r وخازنه على بيت ماله. من مولدي السراة، وأحد السابقين للإسلام. وفي الحديث: بلال سابق الحبشة. وشهد المشاهد كلها مع رسول الله r ولما توفي رسول الله أذن بلال، ولم يؤذن بعد ذلك. وأقام حتى خرجت البعوث إلى الشام، فسار معهم. وتوفي في دمشق.

[15] وقد صاغ بعض الفقهاء ما يعده أهل مذهبه من خصال الكفاءة وما اختلفوا فيه شعراً فقال: نسب دين صنعة حرية فقد العيوب وفي اليسار تردد.

[16] واستدل من ذهب إلى اعتبار المال في الكفاءة بقول الرسول r لفاطمة بنت قيس عندما أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها ]وَأَمَّا ‏مُعَاوِيَةُ ‏ ‏فَصُعْلُوكٌ ‏‏لَا مَالَ لَهُ[. (صحيح مسلم، كتاب الطلاق: الحديث الرقم 2709). ولكن الآخرين لم يروا في الدليل شرطاً وإنما فيه اختيار من النبي r بما يراه أنه أصلح لتلك المرأة التي استشارته.

[17] وعلى قولهما تثبت الكفاءة بين الحرفتين من جنس واحد كالبزاز مع البزاز والحائك مع الحائك، وتثبت عند اختلاف جنس الحرف إذا كان يقارب بعضها بعضاً، كالبزاز مع الصائغ، والصائغ مع العطار، والحائك مع الحجام، ولا تثبث فيما لا مقاربة لأنهما، كالعطار مع البيطار.