إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى









شُبُهات

المبحث الخامس

المحرمات من النساء

حرمت الشريعة الزواج من بعض النساء وهن نوعان: نوع حرم على سبيل التأبيد، لسبب غير قابل للزوال كالأمهات والبنات والأخوات، ونوع حرم على سبيل التأقيت، لسبب قابل للزوال، كأخت الزوجة والمعتدة…الخ، وذلك كالتالي:

أولاً: المحرمات على سبيل التأبيد

وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1. المحرمات على سبيل التأبيد

أ. المحرمات بسبب النسب

يحرم على التأبيد تزوج الرجل بامرأة من ذوات رحم محرم منه، وهن:

(1) الأم والجدات.

(2) البنات والحفيدات وإن نزلن.

(3) الأخوات وبناتهن وإن نزلن.

(4) العمات والخالات.

قال تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ[ (سورة النساء: الآية 23).

ويدخل في الأمهات النساء الوالدات وأمهاتهن، وإن علون كأم الأم وجداتها، وأم الأب، وقال العلماء في ضابط هذا النوع من المحرمات: كل امرأة لها عليك ولادة فهي أمك.

والأخوات محرمات سواء كن أخوات شقيقات، أو لأب، أو لأم.

ويحرم كذلك بنات إخوته وأخواته وإن نزلن، سواء أكان الإخوة والأخوات لأب وأم، أو لأب، أو لأم.

والعمات المحرمات أخوات الأب، سواء شقيقات، أو من أبيه، أو من أمه، ويدخل في العمات اللواتي يحرم الزواج منهن، عمات الأب وعمات الأم، وعمات الأجداد والجدات.

والخالات أخوات الأم محرمات سواء كن شقيقاتها، أو من أبيها أو من أمها، ويدخل في الخالات: خالات الأب، وخالات الأم، وخالات الأجداد والجدات.

ب. المحرمات بطريق المصاهرة وهن على أربعه أصناف

(1) زوجات أولاد الرجل وزوجات أحفاده، وإن نزلوا.

(2) أم زوجته وجداتها، وإن علونَ.

(3) زوجات الأب وزوجات أجداده، وإن علوا.

(4) ربائبه أي بنات زوجته وبنات أولاد زوجته، وإن نزلوا[1].

جاء تحريم النساء اللواتي تزوج منهن الآباء في قوله تعالى: ]وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً[ (سورة النساء: الآية 22).

يقول ابن كثير: (حرم الله تعالى زوجات الأب تكرمة لهم، وإعظاما واحتراما أن توطأ من بعده، حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها، وهذا أمر مجمع عليه) وهو يؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته؛ فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله.

وقال: (أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو ملك أو شبهة).

وقوله: إلا ما قد سلف، أي إلا ما سبق قبل أن تنزل هذه الآية، يقول ابن كثير: (كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين).

بنت الزوجة وهي الربيبة، وتشمل كذلك بنت بنتها وإن نزلت، وجمهور العلماء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها سواء أكانت في حجره أو لم تكن. وقوله: وقوله: واللاتي في حجوركم خرج مخرج الغالب، فالغالب أن تكون الربيبة في حجر زوج أمها.

وذهب علي بن أبي طالب إلى جواز تزوج الرجل ابنة الزوجة، التي لم تترب في حجره، إذا طلق أمها أو توفيت، وأخذ بهذا القول داود الظاهري، قال ابن كثير في أثر علي بن أبي طالب: هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم، وهو قول غريب، وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك، واختاره ابن حزم.

متى تحرم أم الزوجة وابنتها

النص القرآني صريح في أن الربيبة لا تحرم على زوج الأم إلا بعد دخوله بها، فإن لم يدخل بها بأن فارقها قبل الدخول أو توفيت قبله؛ جاز له أن ينكح ابنتها ]مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ[ (سورة النساء: الآية 23).

وهذا الحكم خاص بالربيبة وحدها، أما العقد على البنت فإنه يحرّم الأم دخل بها أو لم يدخل، وقد وضع العلماء ضابطا يقول: العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات. وقد ذكر ابن كثير أن بعض أهل العلم أرجع الضمير في قوله: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن إلى الأمهات والربائب وذكر أن هذا القول مروي عن علي وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس.

والقول بتحريم أم الزوجة بعقد الزواج على بنتها وإن لم يدخل بها، وهو قول ابن مسعود وعمران بن حصين، ومسروق وطاوس، وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وابن سيرين وقتادة والزهري، وهو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وجمهور الفقهاء قديماً وحديثاً .

2. المحرمات بسبب الرضاع

نص الله في كتابه على حرمة الأمهات والأخوات من الرضاع في قوله تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ[ (سورة النساء: الآية 23).

وقد ذهب داود الظاهري إلى أن المحرم من الرضاع مقصور على الأمهات والأخوات؛ لأنه المنصوص عليه في الآية، وعلى هذا فيباح للرجل أن يتزوج من بنات الأم المرضعة وأخواتها وخالاتها…الخ

وذهب أهل العلم غير داود إلى أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، احتجاجاً بما روته عائشة رضي الله عنها، ]عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ قَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4838).

حَدَّثَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: ]قَالَ عَلِيٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَجْمَلِ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ قَالَ وَمَنْ هِيَ قُلْتُ ابْنَةُ حَمْزَةَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 1042)

وقد حكى ابن قدامة الإجماع على تحريم الأم من الرضاع[2]، وأمهاتها وبناتها وعماتها وخالاتها وفي ذلك يقول: الأمهات والأخوات- أي من الرضاع- منصوص عليهن،

والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات، ولا نعلم في هذا خلافاً.

وجمهور أهل العلم على أن زوج تلك المرأة التي ثار حليبها بسببه يعد أباً لذلك الطفل الذي رضع منها.

والدليل حديث عائشة السابق .

فالحديث في غاية الصراحة في الدلالة على أن شقيق زوج المرأة التي أرضعت عائشة عده الرسول r عماَ، ومسألة التحريم بسبب زوج المرأة المرضعة يطلق عليها كثير من الفقهاء: التحريم بسبب لبن الفحل.

وعلى هذا يصير الطفل ولداً للرجل من الرضاعة، وأولاد الرجل إخوته من الرضاعة، سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها، وأخوة الرجل وأخواته أعمام الرضيع وعماته، وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته.

المقدار المحرم من الرضاع:

ذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا حد للمقدار المحرم من الرضاع؛ فلو رضع الطفل مرة واحدة حرمت عليه تلك المرأة، ودليلهم عموم الآية وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم . وعزا ابن كثير، في تفسيره، هذا القول إلى ابن عمر وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري.

]قَال rَ: لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوْ الرَّضْعَتَانِ أَوْ الْمَصَّةُ أَوْ الْمَصَّتَان[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2631) وفي لفظ حَدَّثَنَا ]عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ r وَهُوَ فِي بَيْتِي فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ r لاَ تُحَرِّمُ الإِمْلاَجَةُ وَالإِمْلاجَتَان[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2629)، ودلالة هذه الأحاديث أنه إذا كانت الرضعة والرضعتان ليس فيها تحريم، فهذا يدل على أن الثلاث رضعات تحرم، وعزا ابن كثير هذا القول إلى علي وعائشة وسليمان بن يسار[3] وغيرهم.

وذهب الشافعي إلى أن العدد المحرم خمس رضعات لحديث عائشة ]عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ[ (صحيح مسلم: الحديث الرقم 2634).

والقول الثالث: هو المرجح، عند أكثر علماء المسلمين؛ فإلاطلاق في قوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم عندهم مقيد بحديث عائشة المصرح بأن المحرم خمس رضعات، ومفهوم المخالفة في الأحاديث التي أخبرت أنه لا يحرم المصة والمصتان والرضعة والرضعتان، لا يقوى على معارضة منطوق الحديث المصرح بأن المحرم خمس رضعات معلومات يحرمن، وهذا القول يتفق في النتيجة مع القول الثاني.

اتفق أهل العلم -كما يقول ابن رشد- على أن الرضاع يحرم في الحولين، واختلفوا في رضاع الكبير، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وكافة الفقهاء لا يحرم رضاع الكبير، وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه يحرم، وهو مذهب عائشة، وقال بقول الجمهور ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وابن عباس وسائر أزواج النبي r.

ثانياً: المحرمات على سبيل التوقيت

1. النساء المتزوجات والمعتدات

ذكر الله هذا النوع من المحرمات في قوله: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[ (سورة النساء: الآية 24). قال ابن كثير: (وحرم عليكم الأجنبيات المحصنات، وهن المزوجات إلا ما ملكت أيمانكم، يعنى إلا ما ملكتموهن بالسبي، فإنه يحل لكم وطؤهن إذا ملكتموهن). وجاء تحريم العقد على المرأة المعتدة في قوله تعالى: ]وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ[ (سورة البقرة: الآية 235)، وبلوغ الكتاب أجله: انقضاء العدة، فلو طلقت المتزوجة وانتهت عدتها جاز التزوج بها.

2. الزوجة الخامسة

ويحرم على الرجل مؤقتاً التزوج إذا كان في عصمته أربع نساء، ولا يحل له تزوج أخرى ما لم يطلق واحدة من نسائه، وتخرج من عدتها، وقد اتفق المسلمون على جواز نكاح أربعة من النساء معا، لقوله تعالى: ]فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ[ (سورة النساء: الآية 3). ودلالة هذه الآية على عدم جواز الزيادة عن أربعة- كما يقول ابن كثير- أن المقام مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. والزيادة على الأربع أباحه الله لرسوله r خاصاً به، وقد تزوج الرسول r إحدى عشرة امرأة، اجتمع عنده في وقت واحد منهن تسع نساء[4].

وفي الحديث عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي[5] أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، ]وحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ[ (رواه مالك، الحديث الرقم 1071).

3. أرحام مطلقته المعتدة

لا يجوز للمطلق أن يخطب أخت مطلقته أو عمتها أو خالتها، حتى تخرج عن عدتها.

4. المطلقة ثلاثاً

حتى تنكح زوجاً آخر زواجاً صحيحاً، ثم يطلقها، لقوله تعالى: ]الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[ (سورة البقرة: الآية 229)، ثم قال في الآية التالية لهذه الآية: ]فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ[ (سورة البقرة: الآية 230).

فالمرأتان المذكورتان في الآية هما اللتان يجوز للمطلق أن يراجع فيها زوجته في عدتها من غير عقد ولا مهر، كما يجوز إعادتها بعد خروجها من العدة بعقد جديد، أما الطلقة المنصوص عليها في الآية الثانية فهي الطلقة الثالثة، وهي التي لا يجوز لزوجها إعادتها، لا في عدتها ولا بعد انقضائها، حتى تنكح زوجاً آخر نكاحاً صحيحاً ثم يطلقها بعد ذلك، فيجوز للأول إعادتها.

5. الجمع بين محرمين

من المحرمات مؤقتاً الجمع بين الأختين والجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد جاء تحريم الجمع بين الأختين في قوله تعالى: ]وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ[ (سورة النساء: الآية 23)، وقد كان أهل الجاهلية يجمعون بين الأختين، كما كان الرجل يتزوج امرأة أبيه بعد وفاته وكل ذلك جاء القرآن بتحريمه.

وقد وضع بعض الفقهاء لهذا النوع من المحرمات ضابطاً يقول: (يحرم الجمع بين امرأتين بينهما حرمة النسب أو الرضاع، بحيث لو أن واحدة منهما ذكراً لم يجز لها الزواج بالأخرى).

وهذا الضابط يمنع الجمع بين المرأة وعمات آبائها وخالاتهم، وعمات أمهاتها وخالاتهم، وان علت درجتهن من نسب أو رضاع وهذا مجمع عليه بين علماء المسلمين.

وقد حرم الله الجمع بين من حرم الجمع بينهن لأن ذلك يؤدي إلى قطعية الرحم القريبة، لما في الطباع من التنافس والغيرة بين الضرائر.

6. المشركة

إلا الكتابيات كما سبق.

7. الزانية

لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها، وقد جاء النص على حرمة التزوج من الزانية في قوله تعالى: ]الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة النور: الآية 3).

وتحريم نكاح الزاني أو الزانية إنما هو في حال تعاطيهما الزنا، فإن تابا وأنابا فإن الحرمة تزول، ولذلك فنكاح الزانية والزاني إثم وفعل محرم على سبيل التأقيت.

8. المحرم بالحج أو العمرة

يحرم على المحرم بالحج والعمرة التزوج في إحرامه، كما يحرم عليه أن يعاشر زوجته، وقال بهذا القول جمهور أهل العلم، وهو قول عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت.

وحجتهم ]أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَقَالَ أَبَانُ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2522).

ثالثاً: الإشهاد في الزواج

اتفق أهل العلم على بطلان النكاح الذي يتم بغير شهود ولا إعلان.

واتفق أهل العلم على صحة النكاح الذي شهد عليه رجلان فصاعداً، وأُعلن عنه.

واختلف أهل العلم في النكاح الذي شهد عليه الشهود، ولكنهم لم يعلنوه للناس، وتواصوا بكتمانه، كما اختلفوا في النكاح الذي أُعلن، ولم يحضر العقد أحد من الشهود.

ذهب العلماء في هذه المسألة إلى ما يلي:

1. ذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى: إلى أن الإشهاد ليس بشرط، والشرط هو الإعلان عن النكاح.

ويرى أن النكاح الذي يشهد عليه شهود، ويستكتم الشهود، بقصد الستر وعدم الإعلان هو نكاح سر، ويرى أنه يجب التفريق بين الزوجين بتطليقة، ولا يجوز مثل هذا النكاح، بينما يرى صحة النكاح من غير إشهاد على العقد، إذا كان من غير استسرار.

وذهب متأخرو المالكية إلى أن الإشهاد ركن في عقد النكاح، لا يصح النكاح دونه.

ووافقهم أهل المدينة، والليث ابن سعد. ونصر ابن تيمية هذا القول وعزاه إلى مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

وقال ابن قدامة: (عند أحمد أنه يصح النكاح بغير شهود وفعله ابن عمر، والحسن بن علي، وابن الزبير، وسالم وحمزة ابنا عبدالله بن عمر، وبه قال عبدالله بن إدريس، وعبدالرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، والعنبري، وأبو ثور وابن المنذر، وهو قول الزهري ومالك إذا أعلنوه).

2. ذهب أبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه إلى أن الإشهاد شرط لصحة النكاح، وأن إشهاد شاهدين هو الحد الأدنى في الإعلان الواجب في النكاح، وبالإشهاد يظهر الفرق بين النكاح والسفاح[6].

تسجيل عقد الزواج

لم تشترط الشريعة الإسلامية أن يجري عقد الزواج على يد قاضٍ أو عالمٍ، ويستطيع العاقدان إجراء العقد بنفسيهما من غير احتياج إلى وسيط يقوم بإجرائه، ويكفي النطق بالإيجاب والقبول مشافهة بحضور الولي وشاهدين، ولم يكن يطالب المسلمون بتسجيل عقد الزواج، كل ما طلبته الشريعة الإشهاد عليه، واستحبت إعلانه وإشهاره.

ابتدأت كتابة العقود عندما بدأ المسلمون يؤخرون المهر أو شيئاً منه، وأصبحت هذه الوثائق التي يدون فيها مؤخر الصداق أحياناً وثيقة لإثبات الزواج، يقول ابن تيمية: (لم يكن الصحابة يكتبون الصداقات)؛ لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة تطول ويُنْسَى، صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له.

وقد نشأ عن عدم تسجيل عقود الزواج مشكلات كثيرة لا يخلو كتاب من كتب الفقه من الإشارة إليها والحديث عنها.

رابعاً: المهر

1. تعريف المهر

المهر اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء، وقد سماه الله في كتابه: صداقاً، وأجراً وفريضة.

2. حكم المهر

واجب بدلالة الأمر في قوله تعالى: ]فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[ (سورة النساء: الآية 24). ]وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً[ (سورة النساء: الآية 4)، والنحلة ما يوهب بطيب نفس من الواهب. فقد أمر الله بإيتاء الزوجات أجورهن، والأجور المهور، والأمر للوجوب ما لم يصرفه عنه صارف، ويدل على الوجوب قوله في النص السابق: (فريضة) وما جعله كذلك إلا للزومه، وعدم جواز إبطاله وإهداره[7].

3. الشروط التي يجب توافرها في المهر

يشترط العلماء في ما قاله ابن قدامة: كل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً من قليل وكثير.

ولا يجوز أن يكون ثمناً في البيع ما لا يصح في المبيع كالمحرم والمعدوم والمجهول، ولا منفعة فيه، وما لا يقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، وما لا يتمول عادة، أي ما ليس له قيمة كحبة حنطة، وقشرة جوزة.

ويجوز أن يكون المهر جهداً، أو عملاً، أو إجارة.

فقد زوج شعيب u إحدى ابنتيه من نبي الله موسى u، وجعل مهرها أن يعمل عنده ثماني سنوات ]قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ[ (سورة القصص: الآية 27).

كما يجوز أن يكون المهر تعليم شيء من القرآن لما روي في الحديث المتفق عليه أن الرسول r زوج رجلا من الواهبة نفسها بما معه من القرآن.

4. أكثر المهر وأقله

دل قوله تعالى: ]وآتيتم إحداهن قنطارا[ (سورة النساء: الآية 20)، على أنه لا حد لأكثر المهر، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، لا خلاف بينهم فيه.

أما أقل المهر فإنه موضع خلاف بين الفقهاء، فمنهم من قال إنه غير مقدر بمقدار معلوم[8].

وقد استدلوا بالحديث المتفق عليه ]أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَأَجَازَه[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1031).

واستدلوا بدخول الكثير والقليل في المال المنصوص عليه في قوله تعالى: ]وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ[ (سورة النساء: الآية 24)، وذكر ابن قدامة آثاراً عن الصحابة فمن بعدهم أنهم كانوا يزوجون في القليل والكثير، فقد كانوا ينكحون على القبضة من الطعام، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين.

ذهب جمع من أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والنخعي وابن شبرمة وسعيد بن جبير إلى وجوب تحديد حد لأقل المهر لا يجوز أن يقل عنه إلا أنهم اختلفوا في تحديد أقل المهر، فالحنفية قالوا: هو عشرة دراهم، أو ما قيمته عشر دراهم، وقال مالك: ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وقال آخرون غير ذلك.

والمنهج الوسط الذي أرشد إليه الرسول r هو عدم التقليل من المهر، وترك المغالاة فيه، فلا إفراط ولا تفريط، ويخطىء بعض المسلمين إذ يظن أن من السنة ترك المهر أو تقليله بحيث يكون خاتما من حديد، ويخطىء الذين يغالون في المهور بحيث يرهق كاهل الزوج، ويحمله الأعباء، وقد قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ]لاَ تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ r مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلاَ أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَةِ وَكُنْتُ رَجُلًا عَرَبِيًّا مَوْلِدًا مَا أَدْرِي مَا عَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقُ الْقِرْبَةِ[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 1877).

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: ]سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَتْ كَانَ صَدَاقُهُ لأزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ قَالَ قُلْتُ لاَ قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ r لأَزْوَاجِه[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 2555).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ]لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنها، قال رسول الله r: أعطها شيئاً، قال: ما عندي شيء قال: فأين درعك الخطيمة[ (سنن أبي دواد، الحديث الرقم 1815) وعن سهل بن سعد الساعدي: ]أَتَتْ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏امْرَأَةٌ ‏ ‏فَقَالَتْ إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا قَالَ أَعْطِهَا ثَوْبًا قَالَ لَا أَجِدُ قَالَ أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَاعْتَلَّ لَهُ فَقَالَ مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4641).

وقال أبو حدرد: ]تزوجت امرأة من قومي فأصدقتها مائتي درهم قال: فأتيت رسول الله r استعينه على نكاحي فقال: كم أصدقت؟ قلت: مائتي درهم، فقال: سبحان الله! والله لو كنتم تأخذونها من واد ما زدتم! والله ما عندي ما أعينك به، فلبثت أياما .. وبلغ رسول الله r أن قوما في (الغابة) من جشم يعدون العدة لغزو المسلمين، فجهزني رسول الله r فتوجهت إلى الغابة وغنمنا خيراً كثيراً، ولما عدت أعطاني رسول الله ثلاثة عشر بعيراً، قال: فعدت إلى أهلي فجمعتهم إليّ[. والتغالي في المهور يعد مشكلة مادية تواجه كل من تحدثه نفسه بالإقدام على الزواج.

يحدثنا التاريخ أن المهر الذي جعل وسيلة لهدف سام شريف كان في أطواره يتسم بالبساطة واليسر ويكون من نوع الموجود في كل زمان وبيئة.

فالأعرابي يمهر زوجته جملاً أو بعض شويهات، والفلاح يمهرها نخلاً أو أرضاً، والتاجر يمهرها بعض النقود أو بعض الأطعمة والملابس، والصانع يمهرها شيئاً من إنتاجه، والعالم والمتعلم يمهرها من علمه إذا لم يجد غيره. وهكذا. لم يحتم الله علينا أمراً معيناً، ولم يعقد الحياة على خلقه، ولكنهم هم أنفسهم يسعون لتعقيد حياتهم وربطها بتقاليد تبعد كثيراً عن أهداف الزواج ومراميه السامية.

5. نتائج التغالي في المهور

إن كلامنا يعلم علم اليقين ما يترتب على التمادي في المغالاة في المهور، واستمرار زيادة النفقات، وتجدد الطلبات، وترك الحبل على الغارب للعابثين ومن لا يهمهم أمر المسلمين.

ولعل أهم نتائج التغالي في المهور ما يلي:

أ. بقاء الرجال أيامى، وبقاء البنات عوانس، وهذا معناه تعطيل الزواج، وإيقاف سنة الله في الحياة.

ب. حصول الفساد الأخلاقي في الجنسين عندما ييأسون من الزواج إذ يبحثون عن بديل لذلك.

ج. كثرة المشكلات الاجتماعية بسبب عدم جريان الأمور بطبيعتها، ووضع الشيء في غير موضعه.

د. حدوث الأمراض النفسية في صدور الشباب من الجنسين بسبب الكبت وارتطام أفكارهم بخيبة الأمل.

هـ. خروج الأولاد عن طاعة آبائهم وأمهاتهم، وتمردهم على العادات والتقاليد الكريمة الموروثة.

وبعد هذا، فإن التغالي في المهور ليس من صالح أحد مطلقاً ولقد ضاق الناس به ذرعاً وبرموا من هذه العادة السيئة، سواء منهم أولياء الذكور أو أولياء الإناث. بل إن البنات أنفسهن يكرهن التغالي في المهور لما يعلمنه من وقوفه حجر عثرة دون زواجهن، وتحقق أملهن، وهن اللاتي يصطلين بنار الوحدة والحرمان، ولكنهن لا يفصحن عما في أنفسهن بل يمنعهن الحياء.

ويقسم المهر إلى أنواع باعتبارات مختلفة، فيكون أحياناً محدداً في حال الاتفاق على مقداره، فيجب فيه ـ في هذه الحالة ـ المقدار المتفق عليه، وقد لا يكون محدداً فيجب فيه مهر المثل، ويقسم باعتبار آخر إلى معجل ومؤجل، ويقسم باعتبار ثالث إلى ما يجب أداؤه كله أو نصفه أو مقدار غير محدد يزيد وينقص بحسب حال الزوج، وهو الذي يسمى بالمتعة.

6. المهر المسمى ومهر المثل

يجب إمضاء المهر الذي اتفق العاقدان عند العقد على تسميته كثيراً كان أو قليلاً، والعلماء يستحبون تسميته، اقتداء برسول الله r، ودفعاً للخصومة[9].

7. تعجيل المهر وتأجيله

يجوز تعجيل المهر وتأجيله، كما يصح تعجيل بعضه وتأجيل بعضه، ويصح كذلك أن يكون منجماً على أقساط، كيف اتفق الزوجان فلا حرج عليهما، فإن حددا المهر، ولم يذكرا آجلاً فهو معجل. والسر في التعجيل والتأجيل أنه حق مالي كالدين.

وممن أجاز التأجيل ابن تيمية، ولكنه فضل التعجيل أتباعا لهدي السلف في ذلك.  فإن نص في المهر على التأجيل ولم يحدد له أجل، فذهب الإمام أحمد والشعبي والنخعي إلى أن الزوجة تستحقه بالفرقة أو الموت، وذهب الحسن وأبو حنيفة والثوري إلى أن الأجل يبطل، وذهب الشافعي إلى أن المهر يفسد في مثل هذه الحال؛ لأنه عوض مجهول المحل، ففسد كالثمن في البيع.

8. استحقاق الزوجة كامل المهر

تستحق الزوجة كامل المهر في حالتين:

الأولى: إذا طلقها زوجها بعد دخوله وخلوته بها، لقوله تعالى: ]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وإثماً مبيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا[ (سورة النساء: الآيتان 20، 21).

فقد نهت الآية الزوج عن أخذ شيء مما أعطاه لزوجته إذا طلقها مهما كان الذي أعطاها إياه عظيماً، وأخذ شيء منه يعتبر من البهتان، والبهتان أعظم الكذب والإثم المبين[10].

الثانية: إذا توفى أحد الزوجين قبل الدخول: ففي هذه الحالة تستحق الزوجة كامل المهر إذا كان المهر قد سمي، ولها مهر مثلها إن لم يكن قد سمي.

9. سقوط المهر كله

يسقط المهر كله إذا جاءت الفرقة من قبل الزوجة، يقول ابن قدامة: "كل فُرقة جاءت من قبلها، قبل الدخول، كإسلامها وردتها وإرضاعها ينفسخ به نكاحها، وفسخها لعيبه أو إعساره، أو فسخه لعيبها يسقط به مهرها ومتعتها".

الحالات التي يلزم فيها مهر المثل:

أ. حالة عدم تسمية المهر

تسمية المهر في العقد مجمع عليه بين أهل العلم، يقول ابن تيمية: (أجمع العلماء على جواز عقد النكاح دون مهر، وتستحق المثل إذا دخل بها بإجماعهم، وتستحقه كذلك إذا توفي عنها، وهذا ما ذهب إليه فقهاء الحديث وأهل الكوفة، وهو أحد قولي الشافعي)[11].

ب. إذا كان المهر المسمى فاسداً

ويجب مهر المثل في ما إذا كان المهر المسمى فاسداً، كأن يكون خمراً أو خنزيراً أو غير مملوك، كالسمك في الماء والطير في الهواء؛ لأن هذا المهر وجوده كعدمه شرعاً.

وهذا مذهب جمهور العلماء، ومنهم الحنفية والحنابلة والشافعية، وذهب مالك في رواية إلى فساد العقد ووجوب فسخه مطلقا، سواء أكان قبل الدخول أو بعده.

ج. إذا كان العقد فاسداً

إذا وقعت الفرقة قبل الدخول في العقد الفاسد فلا يلزم المهر أبداً. أما إذا وقعت بعد الدخول فله حالتان:

الأولى: أن يكون المهر قد سمي، فهنا يجب على الزوج الأقل من المهر المسمى ومهر المثل، وهذا ما ذهب إليه الحنفية، والذي نص عليه عبد الله بن مسعود أن الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل فحسب.

الثانية: أن لا يكون المهر قد سمي، أو كان قد سمي، ولكن التسمية فاسدة فإن الواجب في هذه الحالة مهر المثل. وهو مذهب الشافعية والحنابلة وزفر من الحنفية.

10. اختلاف الزوجين في تسمية المهر ومقداره

إذا اختلف الزوجان في تسمية المهر؛ فإما أن يختلفا في أصل التسمية بأن يدعي أحدهما أن المهر قد سمي وينكر الأخر، واما أن يختلفا في مقدار التسمية. فإن اختلفا في أصل التسمية ووجدت بينة، فيجب العمل بمقتضاها.

أما إذا اختلفا في قدر الصداق، فقال أحدهما: ألف، وقال الآخر ألفان، فمذهب أبي حنيفة ومحمد أنه يحكم لها بمهر المثل، وهذا هو المذهب عند الشافعية، بعد أن يتحالفا، لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه. ويرى الحنابلة أن القول قول من يدعي مهر المثل، فإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله، وإن ادعت الزوجة مهر المثل، أو أقل فالقول قولها. وذهب أبو يوسف وابن أبي ليلى أن القول قول الزوج بيمينه إلا أن يأتي بشيء مستنكر جداً، وهو قول لأحمد أخذ به كثير من الحنابلة.

11. حكم الحباء في الزواج

الحباء أن يشترط أحد أقارب الزوجة على الزوج مبلغاً من المال لنفسه، وهذا محل خلاف بين أهل العلم، فالمذهب عند الشافعية أن المهر يفسد، فتستحق مهر المثل، لا فرق في ذلك بين أن يكون اشتراط الحباء للأب أو غيره، ومن الشافعية من أجاز الحباء للأب دون غيره من الأقارب، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

12. الزيادة في المهر والحط منه

تجوز الزيادة في المهر إذا تراضيا به، والحط عنه إذا رضيت الزوجة به، لقوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ؛ لأن الرجل من حقه أن يهب غيره ما شاء من ماله، كما أن للمرأة أن تبرئ زوجها أو غيره مما لها عليه من دين، كل ما يشترطه أهل العلم أن يكون الواهب أو المبرئ بالغاً عاقلاً راشداً، أي له أهلية التصرف في لحوق الزيادة أو النقصان بأصل العقد.

13. الذي له الحق في قبض المهر

مذهب الحنفية أن الزوج تبرأ ذمته بتسليم المهر للمرأة، أو وليها إذا كان أباً أو جداً. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الزوج لا يجوز له دفع المهر لغير الزوجة أو وكيلها أو من أذنت له بدفعه إليهم، لا فرق في ذلك بين أبيها وغيره؛ لأنه خالص حقها، فإن دفعه إلى أحد أوليائها، فإن لها مطالبة الزوج بالمهر.



[1] ويُشترط في هذا الصنف الدخول بالزوجات.

[2] والأم من الرضاعة: المرأة التي أرضعتك وأمها وجداتها وان علت درجتها، والأخت من الرضاعة: كل امرأة أرضعتك أمها، أو أرضعتها أمك، أو أرضعتك إياها امرأة واحدة، أو أرضعتك وإياها من لبن رجل واحد.

[3] سُلَيْمان بن يَسَار (34 ـ 107هـ = 654 ـ 725م)، أبو أيوب: مولى ميمونة أم المؤمنين: أحد الفقهاء السبع بالمدينة (انظر ترجمة أبي بكر بن عبد الرحمن)، كان سعيد بن المسيب إذا أتاه مستفت يقول له: اذهب إلى سليمان فإنه أعلم من بقي اليوم. ولد في خلافة عثمان. وكان أبوه فارسياً. قال ابن سعد في ترجمته: ثقة عالم فقيه كثير الحديث.

[4] يقول ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أنه ليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات، ولا نعلم أحدا خالفه إلا شيئاً حكي عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعاً).

[5] غَيلان بن سَلَمة (000 ـ 23 هـ = 000 ـ 644 م)، حكيم شاعر جاهلي. أدرك الإسلام وأسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة، فأمره النبيّ r فاختار أربعاً، فصارت سنة. وكان أحد وجوه ثقيف. وهو ممن وفد على كسرى وأعجب كسرى بكلامه.

[6] قال الكاساني: (قال عامة العلماء إن الشهادة شرط جواز النكاح). وقال النووي حاكياً مذهب الشافعية: (لركن الثالث: الشهادة، فلا ينعقد النكاح إلا بحضرة رجلين). وقال ابن قدامة: (لا ينعقد النكاح إلا بشاهدين، هذا هو المشهور عن أحمد، وروي ذلك عن عمر وعلي، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، والحسن والنخعي وقتادة والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي).

[7] وقد قرر الفقهاء في مدوناتهم وجوب المهر على اختلاف مذاهبهم؛ لأن النصوص الآمرة به قطعية الثبوت قطعية الدلالة. ونقل ابن عبد البر إجماع أهل العلم على وجوبه، وفي ذلك يقول: (أجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق مسمى ديناً أو نقداً). وما يذكر من خلاف بين الحنفية الشافعية في من تزوج بغير مهر لا يخرم الإجماع، فالحنفية يوجبون مهر المثل بالعقد نفسه في حال عدم تسميته عند العقد، والشافعية يوجبونه بالدخول أو فرض الحاكم له، فالكل متفق على وجوبه وعدم سقوطه.

[8] وهذا مذهب الشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث بن سعد.

[9] واذا تم العقد من غير تسمية المهر، وجب مهر المثل، والمراد بمهر المثل كما يقول النووي: (القدر الذي يرغب به في أمثالها)، والمرأة التي يعتبر فيها المماثلة ما كانت من جهة أبيها، كأخواتها وعماتها، ومعنى ذلك أنه لا ينظر إلى مثيلاتها من قبل أمها، فإن الأم قد تكون من أسرة أخرى لها أعراف تخالف أعراف أسرة أبيها. فإذا لم يوجد لها أمثال من قبل أبيها، فمن مثيلاتها وأقرانها من أهل بلدتها.

[10] اختلف أهل العلم في الخلوة التي يقع فيها وطء، فذهب جمع من أهل العلم منهم الحنفية والحنابلة إلى ثبوت كامل المهر بالخلوة، وقال مالك والشافعي، في الجديد، وداود لا يستقر المهر بالخلوة فحسب، بل لا بد من الوطء. واشترط الحنفية في الخلوة التي تستحق بها الزوجة جميع المهر أن تكون خلوة حقيقية أو صحيحة، لا يمنع فيها مانع من الوطء طبعا أو شرعاً.

[11] ووجب مهر المثل في حالة اشتراط سقوط المهر هو مذهب أبي حنيفة فعي ورواية عن أحمد، فهم يرون بطلان هذا الشرط ووجوب مهر المثل. وذهب الإمام مالك وأحمد في رواية أخرى إلى أن هذا الشرط يبطل العقد.