إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى









شُبُهات

المبحث السادس

الحقوق الزوجية

إذا وقع العقد صحيحاً نافذاً ترتبت عليه آثاره، ووجبت بمقتضاه الحقوق الزوجية. وهذه الحقوق ثلاثة أقسام، حقوق مشتركة بينهما، وحقوق واجبة للزوجة على زوجها، وحقوق واجبة للزوج على زوجته.

وقيام كل من الزوجين بواجبه، والاضطلاع بمسؤولياته يوفر أسباب الاطمئنان والهدوء النفسي، تتم السعادة الزوجية.

أولاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين

1. حق العشرة الزوجية واستمتاع كل من الزوجين بالآخر

فيحل للزوج من زوجته ما يحل لها منه من الاستمتاع، ولا يحصل إلا بمشاركتهما معاً، لأنه لا يمكن أن ينفرد به أحدهما.

2. حرمة المصاهرة

تحرم الزوجة على آباء الزوج، وأجداده، وأبنائه، وفروع أبنائه وبناته. كما يحرم هو على أمهاتها، وبناتها، وفروع أبنائها وبناها.

3. ثبوت التوارث بينهما بمجرد إتمام العقد. فإذا مات أحدهما بعد إتمام العقد ورثه الآخر ولو لم يتم الدخول.

4. ثبوت نسب الولد من الزوج.

5. المعاشرة بالمعروف: قال الله تعالى: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[ (سورة النساء: الآية 19).

ثانياً: الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها

حقوق مالية، وحقوق غير مالية.

1. الحقوق المالية

أ. المهر

من حسن رعاية الإسلام للمرأة واحترامه لها، أن أعطاها حقها في التملك، وفرض لها المهر، وجعله حقاً على الرجل لها وليس لأبيها، ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئاً منه، إلا في حال الرضا والاختيار، قال الله تعالى: ]وَءاتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا[ (سورة النساء: الآية 4).

والمعنى: وآتوا النساء مهورهن عطاءً لا يقابله عوض. فإن أعْطين شيئاً من المهر بعدما ملكنه من غير إكراه ولا حياء ولا خديعة - فخذوه سائغاً، لا إثم معه.

فإذا أعطت الزوجة شيئاً من مالها حياءً، أو خوفاً، أو خديعةً. فلا يحل أخذه[1].

ب. النفقة

المقصود بالنفقة هنا: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن وخدمة، ودواء وإن كانت غنية. وهي واجبة بالكتاب، والسنة، والإجماع.

(1) أما وجوبها بالكتاب

فلقول الله تعالى: ]لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا[ (سورة الطلاق: الآية 7).وقوله تعالى: ]أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 6).

(2) وأما وجوبها بالسنة

فقد روي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قال في حجة الوداع: ]فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2137).

وروي عَنْ عَائِشَةَ ]أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4945).

حَدَّثَنَا عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ]قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلاَ تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَ فِي الْبَيْتِ[ قَالَ أَبُو دَاوُد وَلاَ تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1830).

وأما الإجماع: قال ابن قدامة: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الأزواج على زوجاتهم، إلا الناشز منهن. ذكره ابن المنذر وغيره: وعلة ذلك أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والإكتساب. فلا بد من أن ينفق عليها .

(1) سبب وجوب النفقة

أوجب الشارع النفقة على الزوج لزوجته، لأن الزوجة بمقتضى عقد الزواج الصحيح تصبح مقصورة على زوجها، ومحبوسه لحقه؛ لاستدامة الاستمتاع بها، ويجب عليها طاعته، والقرار في بيته، وتدبير منزله، وحضانة الأطفال وتربية الأولاد، وعليه نظير ذلك أن يقوم بكفايتها والإنفاق عليها، مادامت الزوجية بينهما قائمة، ولم يوجد نشوز، أو سبب يمنع من النفقة عملاً بالأصل العام: كل من احتبس لحق غيره ومنفعته، فنفقته على من احتبس لأجله.

(2) شروط استحقاق النفقة

ويشترط لاستحقاق النفقة الشروط الآتية:

(أ) أن يكون عقد الزواج صحيحاً.

(ب) أن تسلم نفسها إلى زوجها.

(ج) أن تمكنه من الاستمتاع بها.

(د) ألا تمتنع من الانتقال حيث يريد الزوج.

(هـ) أن يكون من أهل الاستمتاع. فإذا لم يتوفر شروط من هذه الشروط، فإن النفقة لا تجب.

لأن العقد إذا كان فاسداً، فإنه يجب على الزوجين المفارقة دفعاً للفساد.

قال ابن حزم: "وينفق الرجل على امرأته من حين يعقد نكاحها، ولو أنها في المهد، ناشزاً كانت أو غير ناشز. غنية كانت أو فقيرة. ذات أب كانت أو يتيمة. بكراً كانت أو ثيباً. حرة كانت أو أمة على قدر حاله".

ولا تجب النفقة إذا انتقلت الزوجة من منزل الزوجية إلى منزل آخر بغير إذن الزوج دون وجه شرعي، أو سافرت بغير إذنه، أو أحرمت بالحج بغير إذنه. فإن سافرت بإذنه، أو أحرمت بإذنه، أو خرج معها لم تسقط النفقة، لأنها لم تخرج عن طاعته وقبضته. وكذلك لا تجب لها النفقة إذا منعته من الدخول عليها في بيتها المقيم معها فيه.

ففي كل هذه الصور وأمثالها لا تستحق الزوجة النفقة، لأنها فوتت حق الزوج في الاستمتاع بها بغير وجه شرعي. فلو كان تفويتها حقه لوجه شرعي لم يسقط النفقة[2].

(3) تقدير النفقة وأساسه

إذا كانت الزوجة مقيمة مع زوجها، وكان هو قائماً بالنفقة عليها، ومتولياً إحضار ما فيه كفايتها، من طعام، وكسوة، وغيرها فليس للزوجة أن تطلب فرض نفقة، حيث أن الزوج قائم بالواجب عليه.

فإذا كان الزوج بخيلاً لا يقوم بكفاية زوجته، أو تركها بلا نفقة، بغير حق- فلها أن تطلب فرض  نفقة لها من الطعام، والكسوة، والمسكن، وللقاضي أن يقضي لها بالنفقة، ويلزم الزوج بها متى ثبت لديه صحة دعواها.

كما أن لها الحق أن تأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف، وإن لم يعلم الزوج، إذ أنه منع الواجب عليه وهي مستحقة له، وللمستحق أن يأخذ حقه بيده متى قدر عليه.

والدليل ما روي عن ]عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ[ (رواه البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه: الحديث الرقم 4945).

والكفاية بالنسبة للطعام مثلاً تعم جميع ما تحتاج إليه الزوجة، فيدخل فيه الفاكهة، وما هو معتاد من التوسعة في الأعياد، وسائر الأشياء التي كانت قد صارت بالاستمرار عليها مألوفة، بحيث يحصل التضرر بمفارقتها، أو التضجر، أو التكدر. ويدخل فيه الأدوية ونحوها[3]. ومما يجب لها من النفقة ما تحتاج إليه من المشط والصابون والدهن وسائر ما تنظف به.

(4) تقدير النفقة عيناً أو نقداً

يصح أن يكون ما يفرض من النفقة من الخبز، والإدام والكسوة، أصنافاً معينة، كما يصح أن تفرض قيمتها نقداً لتشتري به ما تحتاج إليه. ويصح أن تفرض النفقة سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب ما هو ميسور للزوج[4].

(5) الخطأ في تقدير النفقة

إذا ظهر، بعد تقدير النفقة، أن التقدير كان خطأً لا يكفي الزوجة، حسب حالة الزوج من العسر أو اليسر، كان من حق الزوجة المطالبة بإعادة النظر في التقدير، وعلى القاضي أن يقدر لها ما يكفيها لطعامها، وكسوتها، مع ملاحظة حالة الزوج.

(6) الإبراء من دين النفقة والمقاصة به

وإذا كانت النفقة التي تستحقها الزوجة على زوجها تعد ديناً في ذمته، من الوقت الذي امتنع فيه عن أدائها، بغير حق شرعي؛ فإنه يصح للزوجة أن تبرئه من هذا الدين، كله أو بعضه.

2. حقوق غير مالية

أ. حسن معاشرتها

يجب على الزوج إكرام زوجته، وحسن معاشرتها، ومعاملتها بالمعروف، وتقديم ما يمكنه تقديمه إليها، مما يؤلف قلبها، فضلاً عن تحمل ما يصدر منها أو الصبر عليه. يقول الله سبحانه: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ (سورة النساء: الآية 19).

وإكرام المرأة دليل الشخصية الكريمة، وإهانتها علامة على الشخصية اللئيمة الخسيسة. ومن مظاهر اكتمال الخلق، ونمو الإيمان أن يكون المرء رقيقاً مع أهله، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1082).

ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها. واللين معها، والرفق بها، واحتمال الأذى منها،وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وهذا أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وقد كان الرسول r يتلطف مع نسائه، ومنهنَّ أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ ]قَالَتْ سَابَقَنِي النَّبِيُّ r فَسَبَقْتُهُ فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا رَهِقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِيكِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22989). عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَزْرَقِ قَالَ: ]كَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ يَخْرُجُ فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ وَكَانَ يَسْتَتْبِعُهُ فَكَأَنَّهُ كَادَ أَنْ يَمَلَّ فَقَالَ أَلا أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ بَلَى قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ صَاحِبَهُ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ ارْمُوا وَارْكَبُوا وَإِنْ تَرْمُوا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلا ثَلاثًا رَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلاعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَق[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 16699).

ومن إكرامها أن يتجنب أذاها، حتى ولو بالكلمة النابية. فعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ]قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلاَ تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَ فِي الْبَيْت[ِ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1830). والمرأة لا يتصور فيها الكمال، وعلى الإنسان أن يتقبلها على ما هي عليه. حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاء[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3084)[5].

ب. صيانتها

ويجب على الزوج أن يصون زوجته، ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها، ويعرض سمعتها لمقالة السوء، وهذا من الغيرة التي يحبها الله.

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4959).

وروي أيضاً أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسـيف غير مصفح. حَدَّثَنَا عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: ]لَوْ رَأَيْتُ رَجُلا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6866).

وكما يجب على الرجل أن يغار على زوجته، فإنه يطلب منه أن يعتدل في هذه الغيرة، فلا يبالغ في إساءة الظن بها، ولا يسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها ولا يحصى جميع عيوبها، فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل. عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ الْخُيَلاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ وَالاخْتِيَالُ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ وَالاخْتِيَالُ الَّذِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخُيَلاءُ فِي الْبَاطِل[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2511).

ج. تعليمها ما تحتاجه من أمور الدين لأنه راعٍ ومسؤول عن رعيته، فيعلمها الواجب من الطهارة، والوضوء وأحكام الحيض والنفاس وأمور الصلاة، والصيام، وواجباتها نحو جيرانها وأقاربها. إلى آخر ما يلزمها شرعاً. فإن لم يستطع فعليه أن يسأل العلماء ويبلغها. فإن لم يفعل وجب عليه أن يأذن لها لتخرج وتتعلم.

د. إتيان الرجل زوجته

مثلما يجب على المرأة أن تمكن زوجها من نفسها فإنه يفرض على الرجل أن يجامع امرأته، التي هي زوجته، وأدنى ذلك -كما يقول ابن حزم- مرة في كل طهر، إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاص لله تعالى. برهان ذلك قول الله عز وجل: ]فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ[ (سورة البقرة: الآية 222) وذهب جمهور العلماء إلى ما ذهب إليه ابن حزم من الوجوب على الرجل إذا لم يكن له عذر.

وإذا سافر عن امرأته، فإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع، فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر. وسئل: أيغيب الرجل عن زوجته؟ قال: ستة أشهر يكتب إليه، فإن أبي أن يرجع فرق الحاكم بينهما. وحجته ما رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال: بينما عمر بن الخطاب t يحرس المدينة، فمر بامرأة في بيتها وهي تقول:

تطاول هذا الليل وأسود جانبه                         وطال عليّ أن لا خليلٌ ألاعبه

والله لولا خشية الله وحــده                         لحرك من هذا السرير جوانبه

ولكن ربي والحيـاء يكفنـي                         وأُكـرم بعلي أن توطأ مراكبه

فسأل عنها عمر، فقيل له: هذه فلانة، وزوجها غائب في سبيل الله، فبعث إلى زوجها، فأقفله ثم دخل على حفصة، فقال: يا بنية. كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله. مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك.

قالت: خمسة أشهر. ستة أشهر. فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر.. يسيرون شهراً ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون راجعين شهراً.

وقال الغزالي من الشافعية: وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، فهو أعدل، لأن عدد النساء أربعة، فجاز التأخير إلى هذا الحد.. نعم ينبغي أن يزيد، أو ينقص حسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب عليه. وعن محمد بن معن الغفاري قال: "أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب t فقالت: يا أمير المؤمنين: إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله عز وجل فقال لها: نعم الزوج زوجك، فجعلت تكرر هذا القول ويكرر عليها الجواب.. فقال له كعب الأسدي: يا أمير المؤمنين هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه، فقال عمر: كما فهمت كلامها فاقض بينهما. فقال كعب: علي بزوجها فأتي به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك. قال: أفي طعام، أو شراب؟ قال: لا، فقالت المرأة:

يا أيها القاضي الحكيم رشده                          ألهي خليلي عن فراشي مسجده

زهده في مضجعي تعبــده                          فاقض القضاء، كعب، ولا تـرده

نهاره وليله ما يـرقـــده                          فلست في أمر النساء أحمــده

فقال زوجها:

زهدنى في النساء وفي الحجــل                    أني امرؤ أذهلني ما نزل

في سورة النحل وفي السبع الطول                    وفي كتاب الله تخويف جلل

فقال كعب :

إن لها عليك حقاً يا رجل                             نصيبها في أربع لمن عقل

    فأعطها ذاك ودع عنك العلل

ثم قال: إن الله عز وجل قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فلك ثلاث أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك، فقال عمر: والله ما ادري من أي أمريك أعجب. أمن فهمك أمرها، أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة.

وقد ثبت في السنة أن جماع الرجل وزوجته من الصدقات التي يثيب الله عليها. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ r وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ r: ]يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1674).

وتستحب المداعبة، والملاعبة، والملاطفة، والتقبيل قبل الجماع، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ]غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ فَتَلاحَقَ بِيَ النَّبِيُّ r وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلا يَكَادُ يَسِيرُ فَقَالَ لِي مَا لِبَعِيرِكَ قَالَ قُلْتُ عَيِيَ قَالَ فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ r فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيْ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ فَقَالَ لِي كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ قَالَ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ قَالَ أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَبِعْنِيهِ فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنْ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلامَنِي قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا فَقَالَ هَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2745).

هـ. تزين الرجل لزوجته

من المستحب أن يتزين الرجل لزوجته، قال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي: أتيت محمد بن الحنفية فخرج إليّ في ملحفة حمراء، ولحيته تقطر من الطيب، فقلت: ما هذا؟ قال: إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امرأتي ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا مانشتهيه منهن وقال ابن عباس رضي الله عنهما إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها علي لأن الله تعالى قال: ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ[ (سورة البقرة: الآية 228).

ومن ثم قال العلماء: يستحب للرجل أن يهتم بزينة نفسه مع زوجته كما عليها أن تكون كذلك معه، فينظف نفسه، ويزيل عرقه، ويغير الرائحة الكريهة من جسمه وفمه، وتحت إبطيه، ويتطيب، ويدهن شعره ويرجله حتى لا يكون على هيئة منفرة، وليكون في زينة تسر امرأته، ويعفها عن الرجال.

ثالثا: حق الزوج على زوجته

1. الطاعة

من حق الزوج على زوجته أن تطيعه في غير معصية، وأن تحفظه في نفسها وماله، وأن تمتنع عن مقارفة أي شيء يضيق به الرجل، فلا تعبس في وجهه، ولا تبدو في صورة يكرهها.. وهذا من أعظم الحقوق.

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأِحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1079).

وقد وصف الله سبحانه الزوجات الصالحات فقال: ]فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ[ (سورة النساء: الآية 34). والقانتات هن الطائعات. والحافظات للغيب: أي اللائي يحفظن غيبة أزواجهن، فلا يخنه في نفس أو مال. وهذا أسمى ما تكون عليه المرأة، وبه تسعد الحياة الزوجية.

وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّذِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلاَ تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 7114).

ومن عظم هذا الحق أن قرر الإسلام طاعة الزوج بإقامة الفرائض الدينية وطاعة الله، حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْت[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 1573).

حَدَّثَنَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ[ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1081).

وأكثر ما يدخل المرأة النار عصيانها لزوجها، وكفرانُها إحسانه إليها، حَدَّثَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ r: ]أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَط[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 28).

حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِح[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2998).

وحق الطاعة هذا مقيد بالمعروف. فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلو أمرها بمعصية وجب عليها أن تخالفه.

ومن طاعتها لزوجها ألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، وألا تحج تطوعاً إلا بإذنه، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه.

2. عدم الإذن لأحد يكره الزوج دخوله

حَدَّثَنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ قَالَ: ]حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1083).

3. خدمة المرأة زوجها

أساس العلاقة بين الزوج وزوجته هو المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. وأصل ذلك قول الله تعالى: ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[ (سورة البقرة: الآية 228). فالآية تعطي المرأة من الحقوق مثل ما للرجل عليها، فكلما طولبت المرأة بشيء طولب الرجل بمثله.

الأساس الذي وضعه الإسلام للتعامل بين الزوجين وتنظيم الحياة بينهما- هو أساس فطري وطبيعي. فالرجل أقدر على العمل والكد والكسب خارج المنزل، والمرأة أقدر على تدبير المنزل، وتربية الأولاد، وتيسير أسباب الراحة البيتية، والطمأنينة المنزلية، فيكلف الرجل بما هو مناسب وتكلف المرأة بما هو من طبيعتها.

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: ]تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنْ الأَنْصَارِ وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخ[ (صحيح البخاري، باب النكاح: الحديث الرقم 4823).

ففي هذا الحديث ما يفيد أن على المرأة أن تقوم بخدمة بيتها كما أن على الرجل أن يقوم بالإنفاق عليها.

عن عَلِيٌّ t ]أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا فَأَتَى النَّبِيَّ r سَبْيٌ فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ r أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ فَجَاءَ النَّبِيُّ r إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْتُ لأَقُومَ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ وَتُسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتَحْمَدَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ[ (صحيح البخاري، كتاب المناقب: الحديث الرقم 3429).

وكذلك لما رأى خدمة أسماء لزوجها ولم يقل لا خدمة عليها. بل أقره على استخدامها. وأقر سائر الصحابة على خدمة أزواجهن. مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية.

قال ابن القيم: هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة ودميمة، وفقيرة وغنية.

وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى عدم وجوب خدمة المرأة لزوجها، وقالوا: إن عقد الزواج إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع.. والأحاديث السابقة المذكورة أجابوا عليها بأنها تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، ولا تدل على الوجوب.

4. إمساك الزوجة بمنزل الزوجية

من حق الزوج أن يمسك زوجته بمنزل الزوجية، ويمنعها من الخروج منه إلا بإذنه، ويُشترط في المسكن أن يكون لائقاً بها، ومحققاً لاستقرار المعيشة الزوجية، وهذا المسكن يسمى بالمسكن الشرعي، فإذا لم يكن لائقاً بها ولا يمكنها من استيفاء الحقوق الزوجية المقصودة من الزوج- فأنه لا يلزمها القرار فيه. لأن المسكن غير شرعي.

5. الانتقال بالزوجة

من حق الزوج أن ينتقل وزوجته حيث يشاء لقول الله تعالى: ]أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 6).

والنهي عن المضارة يقتضي ألا يكون القصد من الانتقال بالزوجة المضارة بها، بل يجب أن يكون القصد هو المعايشة، وما يقصد بالزواج، فإن كان يقصد المضارة والتضييق عليها في طلبه نقلها كأن تهبه شيئاً من المهر أو تترك له شيئاً من النفقة الواجبة عليه لها، أو لا يكون مأمونا عليها، فلها الحق في الامتناع، وللقاضي أن يحكم لها بعدم استجابتها له[6].

6. اشتراط عدم خروج الزوجة من دارها

من تزوج امرأة، وشرط لها ألا يخرجها من دارها، أو لا يخرج بها إلى بلد غير بلدها، فعليه الوفاء بهذا الشرط، لقول الرسول r: ]‏أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2520)[7].

7. حكم منع الزوجة من العمل

فرق العلماء بين عمل الزوجة الذي يؤدي إلى تنقيص حق الزوج، أو ضرره، أو خروجها من بيته، وبين العمل الذي لا ضرر فيه- فمنعوا الأول، وأجازوا الثاني.  فيكون منعها من كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه، أو ضرره، أو يؤدي إلى حرام، أما العمل الذي لا ضرر فيه فلا وجه لمنعها منه.

8. تأديب الزوجة عند النشوز

من حق الزوج تأديب زوجته عند عصيانها كما قال الله تعالى: ]وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً[ (سورة النساء: الآية 34).

نشوز الزوجة: هو عصيان الزوج وعدم طاعته أو امتناعها عن فراشه، أو خروجها من بيته بغير إذنه.

وعظتها تذكيرها بالله، وتخويفها به، وتنبيهها للواجب عليها من الطاعة وما لزوجها عليها من حق، ولفت نظرها إلى ما يلحقها من الإثم بالمخالفة والعصيان، وما يفوت من حقوقها من النفقة والكسوة.

والهجر في المضجع: أي في الفراش. وأما الهجر في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، لما رواه عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّام[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5605)[8].

وأمّا الضرب، فيكون إذا لم تفلح الوسائل السابقة، وبشرط أن يكون غير مبرح، ولا يشين جارحة، ولا يكون على الوجه.

9. تزين المرأة لزوجها

من حق الزوج على زوجته أن تتزين له بالكحل والخضاب، والطيب، ونحو ذلك من أنواع الزينة.

وأخيراً:

فهذه الحقوق ليست في درجة واحدة من الأهمية، وأكثرها يدخل في الحق الأول (الطاعة) ولكن الفقهاء أخروا بعض أنواع هذه (الطاعة) عند أهميتها، وإلا فالطاعة اسم جامع لحقوق الزوج على زوجته. كما أن الرعاية اسم جامع لحقوق الزوجة على زوجها.

ويجمع حقوق الزوج على زوجته تلك الوصية التي أوصت بها أم ابنتها عند زفافها:

خطب عمرو بن حجْر ملك كندة، أم إياس بنت عوف بن محلِّم الشيباني، ولما حان زفافها إليه خلت بها أمها بنت الحارث، فأوصتها وصية، تبين فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة، وما يجب عليها لزوجها فقالت:

أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل.

ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغني أبويها، وشدة حاجتهما إليها ـ كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.

أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً.

واحفظي له خصالاً عشراً، يكن لك ذخراً.

أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.

أما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضيع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.

وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

أما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء[9] على حشمه، وعياله وملاك[10]  الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره أغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.



[1] قال تعالى: ]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً[ (سورة النساء: الآيتان 20، 21). وهذا المهر يطيب نفس المرأة ويرضيها بقوامة الرجل عليها. قال تعالى: ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ[ (سورة النساء: الآية 34). مع ما يضاف إلى ذلك من توثيق الصلات، وإيجاد أسباب المودة والرحمة.

[2] وإذا كان الزوجان كافرين، وأسلمت المرأة بعد الدخول ولم يسلم الزوج لم تسقط النفقة، لأنه تعذر الاستمتاع بها من جهته وهو قادر على إزالته بأن يسلم، فلم تسقط نفقتها، كالمسلم إذ غاب عن زوجته. وإذا ارتد الزوج بعد الدخول لم تسقط نفقتها، لأن امتناع الوطء بسبب من جهته وهو قادر على إزالته بالعودة إلى الإسلام بخلاف ما إذا ارتدت الزوجة، فإن نفقتها تسقط، لأنها منعت الاستمتاع بمعصية من قبلها: فتكون كالناشز.

[3] وإذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة جاز الإذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه، إذا كان من أهل الرشد، لا إذا كان من أهل السرف، والتبذير، فإنه لا يجوز تمكينه من مال من عليه النفقة؛ لأن الله تعالى يقول: ]وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ[ (سورة النساء: الآية 5).

[4] وإذا تغيرت الأسعار عن وقت الفرض، أو تغيرت حالة الزوج، فإما أن يكون هذا التغير في الأسعار إلى زيادة، أو إلى نقص، أو يكون تغير حالة الزوج المالية إلى ما هو أحسن أو أسوأ. ولابد من رعاية كل حالة من هذه الحالات: فإن تغيرت الأسعار عن وقت الفرض إلى زيادة، كان للزوجة أن تطالب بزيادة نفقتها. وإن تغيرت إلى نقص كان للزوج أن يطلب تخفيض النفقة. وإن تحسنت حالة الزوج المالية عما كان عليه حين تقدير النفقة، كان للزوجة أن تطلب زيادة نفقتها. وإن تغيرت حالة الزوج المالية إلى أسوأ، كان للزوج الحق في طلب تخفيض النفقة.

[5] وفي هذا إشارة إلى أن في خلق المرأة عوجاً طبيعياً، وأن محاولة إصلاحه غير ممكنة وأنه كالضلع المعوج المتقوس الذي لا يقبل التقويم. ومع ذلك فلا بد من مصاحبتها على ما هي عليه، ومعاملتها كأحسن ما تكون المعاملة، وذلك لا يمنع من تأديبها وإرشادها إلى الصواب إذا اعوجت في أي أمر من الأمور وقد يغضي الرجل عن مزايا الزوجة وفضائلها، ويتجسد في نظره بعض ما يكره من خصالها، فينصح الإسلام بوجوب الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، وأنه إذا رأى منها ما يكره- فانه يرى منها ما يحب. يقول الرسول r: ]لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ[ (مسند أحمد: الحديث الرقم 8013). والله خلق المرأة من عضو معوج؛ فهي بطبيعتها وفطرتها مستعدة لأن تقع في الخطأ، أكثر من استعداد الزوج، فإذا أراد الرجل أن يحيا مع زوجته حياة طيبة سعيدة فليدرك أن خطأ زوجته أمر طبيعي، فلا يكثر من اللوم والتأنيب والمؤاخذة، بل عليه أن يتساهل ويتسامح حتى يعيش في متعة واستقرار، أمّا إذا أراد أن يحاسبها على كل صغيرة وكبيرة محاولاً أن يجهدها يوماً بلا أخطاء فإنه لن يجدها كذلك أبداً.  ومن حسن العشرة الصبر على جدالها معه ومراجعتها إياه، فقد روى أن عمر بن الخطاب t راجعته امرأته في الكلام، فقال لها: أتراجعيني؟ قالت: إن أزواج رسول الله r يراجعنه وهو خير منك. كما ورد أن إحداهن كانت تهجره r إلى الليل.

[6] وقيد الفقهاء استعماله هذا الحق كذلك بألا يكون في الانتقال بها خوف الضرر عليها. كأن يكون الطريق غير آمن، أو يشق عليها مشقة شديدة لا تحتمل في العادة، أو يخاف فيه من عدو، فإذا خافت الزوجة شيئاً من ذلك فلها أن تمتنع عن السفر.

[7] وهذا مذهب أحمد، وإسحاق بن راهوية، والأوزاعي. وذهب غيرهم إلى أنه لا يلزمه الوفاء بهذا الشرط. وله نقلها عن دارها. وقالوا في الحديث: إن الشرط الواجب الوفاء به هو ما كان خاصاً في المهر، والحقوق الزوجية التي هي من مقتضى العقد دون غيرهما مما لا يقتضيه.

[8] ولا تضرب الزوجة لأول نشوزها.. والآية فيها إضمار وتقدير أي: ]وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ[. فإن نشزن، فاهجروهن في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن .. أي إذا لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها.. يقول الرسول r: ]إن عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه.. فان فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح[، أي غير شديد، متجنباً الوجه والمواضع الخطرة.

[9] الإرعاء: الرعاية.

[10] ملاك: عماد.