إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزواج في الإسلام، وفي الديانات الأخرى









شُبُهات

المبحث التاسع

انتهاء الزواج بطرق أخرى

أولاً: الخلع

الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن، والمودة، والرحمة، وحسن المعاشرة، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق. وقد يحدث أن يكره الرجل زوجته، أو تكره هي زوجها.

والإسلام في هذه الحال يوصي بالصبر والاحتمال، وينصح بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية، قال الله تعالى: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ (سورة النساء: الآية 19).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2672).

إلا أن البغض قد يتضاعف، ويشتد الشقاق، ويصعب العلاج، وينفد الصبر، ويذهب ما أسس عليه البيت من السكن والمودة، والرحمة، وأداء الحقوق، وتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للإصلاح، وحينئذ يرخص الإسلام بالعلاج.

فإن كانت الكراهية من جهة الرجل، فبيده الطلاق، وهو حق من حقوقه، وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله.

وإن كانت الكراهية من جهة المرأة، فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع، بأن تعطي الزوج ما كانت أخذت منه باسم الزوجية ليُنهي علاقته بها. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ]وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[ (سورة البقرة: الآية 229).

وفي أخذ الزوج الفدية عدل وإنصاف، إذ أنه هو الذي أعطاها المهر وبذل تكاليف الزواج، والزفاف، وأنفق عليها، وهي التي قابلت هذا كله بالجحود، وطلبت الفراق، فكان من الإنصاف أن ترد عليه ما أخذت.

وإن كانت الكراهية منهما معًا: فإن طلب الزوج التفريق فبيده الطلاق وعليه تبعاته، وان طلبت الزوجة الفرقة، فبيدها الخلع وعليها تبعاته كذلك.

1. تعريف الخُلع

الخلع الذي أباحه الإسلام مأخوذ من خلع الثوب إذا أزاله، لان المرأة لباس الرجل، والرجل لباس لها، قال الله تعالى: ]هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ[ (سورة البقرة: الآية 187). ويسمى الفداء، لان المرأة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها. وقد عرفه الفقهاء بأنه "فراق الرجل زوجته ببدل يحصل عليه". أي بمال أو ما في حكم المال.

والأصل فيه ما روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ]أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ r فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَهً[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4867).

2. ألفاظ الخلع

والفقهاء يرون أنه لابد في الخلع من أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ مشتق منه. أو لفظ يؤدي معناه. ولو كان طلاقاً من الزوج.

ومما يدل على هذا أن النبي r أمر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته في الخلع تطليقه، ومع هذا أمرها أن تعتد بحيضه وهذا صريح في أنه فسخ، وإن وقع بلفظ الطلاق.

3. العوض في الخلع

الخلع ـ كما سبق ـ إزالة ملك النكاح في مقابل مال؛ فالعوض جزء أساسي من مفهوم الخلع.

فإذا لم يتحقق العوض لا يتحقق الخلع. فإذا قال الزوج لزوجته: خالعتك وسكت لم يكن ذلك خلعاً، ثم إنه إن نوى الطلاق، كان طلاقاً رجعياً. وإن لم ينو شيئاً لم يقع به شيء، لأنه من ألفاظ الكناية التي تفتقر إلى النية .

4. حرمة الإساءة إلى الزوجة لتختلع

يحرم على الرجل أن يؤذي زوجته بمنع بعض حقوقها. حتى تضجر وتختلع نفسها. فإن فعل ذلك فالخلع باطل، والبدل مردود، ولو حكم به قضاء.

وإنما حرم ذلك حتى لا يجتمع على المرأة فراق الزوج والغرامة المالية، وقال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاَتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ[ (سورة النساء: الآية 19).

5. جواز الخلع في الطهر والحيض

يجوز الخلع في الطهر والحيض، ولا يتقيد وقوعه بوقت، لأن الله سبحانه أطلقه ولم يقيده بزمن دون زمن. قال الله تعالى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به.

ولأن الرسول r أطلق الحكم في الخلع لامرأة ثابت بن قيس، من غير بحث، ولا إستفصال عن حال الزوجة، وليس الحيض بأمر نادر الوجود بالنسبة للنساء.

6. الخلع يجعل أمر المرأة بيدها

ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء المسلمين، إلى أن الرجل إذا خالع امرأته ملكت نفسها وكان أمرها إليها، ولا رجعة له عليها؛ لأنها بذلت المال لتتخلص من الزوجية، ولو كان يملك رجعتها لم يحصل للمرأة الافتداء من الزوج بما بذلته له. وحتى لو رد عليها ما أخذ منها، وقبلت ـ ليس له أن يرتجعها في العدة؛ لأنها قد بانت منه بالخلع نفسه.

7. جواز تزوجها برضاها في عدتها

ويجوز للزوج أن يتزوجها برضاها في عدتها، ويعقد عليها عقداً جديدا.

8. الشقاق بين الزوجين

إذا وقع الشقاق بين الزوجين واستحكم العداء وخيف من الفرقة وتعرضت الحياة الزوجية للإنهيار بعث الحاكم  حكمين لينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة من إبقاء الحياة الزوجية أو إنهائها. يقول الله سبحانه: ]وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا[ (سورة النساء: الآية 35)، ويشترط أن يكون الحكمان عاقلين بالغين عدلين مسلمين.

ولا يشترط أن يكونا من أهلهما، فإن كانا من غير أهلهما جاز، والأمر في الآية للندب، لأنها أرفق من جانب وأدري بما يحدث، وأعلم بالحال من جانب آخر.

وللحكمين أن يفعلا ما فيه المصلحة من الإبقاء أو الإنهاء دون الحاجة إلى رضا الزوجين أو توكيلهما[1].

ثانياً: الظهار

1. تعريفه

الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي.

قال في الفتح: (وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء، لأنه محل الركوب غالباً، ولذلك سمي المركوب ظهراً فشبهت المرأة بذلك. لأنها مركوب الرجل ".

والظهار كان طلاقاً في الجاهلية، فأبطل الإسلام هذا الحكم، وجعل الظهار محرماً للمرأة حتى يكفِّر زوجها.

فلو ظاهر الرجل يريد الطلاق، كان ظهاراً، ولو طلق يريد ظهاراً كان طلاقاً، فلو قال: "أنت علي كظهر أمي" وعنى به الطلاق لم يكن طلاقاً، وكان ظهاراً لا تطلق به المرأة.

2. حكم الظهار

اجمع العلماء على حرمته؛ فلا يجوز الإقدام عليه لقول الله تعالى: ]الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ[ (سورة المجادلة: الآية 2).

3. قصة تحريم الظهار

أصل ذلك ما ثبت في السنة ]أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة.. فذهبت تجادل فيه رسول الله r واشتكت إلى الله، وسمع الله شكواها. فقالت: "يا رسول الله؟ إن أوس بن الصامت تزوجني، وأنا شابة مرغوب فيَّ، فلما خلا سني ونثرت بطني، جعلني كأمه عنده، فقال لها رسول الله r: ما عندي في أمرك شيء" ! فقالت: "اللهم إني أشكو إليك"[ وروي أنها قالت: "إن لي صبية صغاراً، إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا". فنزل القرآن. وثَعْلَبَةَ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَشْكُو إِلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ r يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إِلَى الْفَرْضِ فَقَالَ يُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَتْ لاَ يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَتْ فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ قَالَ قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّك[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1893)[2].

4 هل الظهار مختص بالأم

ذهب الجهور إلى أن الظهار يختص بالأم، كما ورد في القرآن، والسنة. فلو قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي كان مظاهراً، ولو قال لها: أنت علي كظهر أختي لم يكن ذلك ظهاراً.

وذهب البعض، منهم الأحناف والأوزعي والثوري والشافعي في أحد قوليه، وزيد بن علي، إلى أنه يقاس على الأم جميع المحارم.

فالظهار عندهم هو تشبيه الرجل زوجته في التحريم بإحدى المحرمات عليه على وجه التأبيد بالنسب أو المصاهرة أو الرضاع، إذ العلة هي التحريم المؤبد.

5. من يكون منه الظهار

والظهار لا يكون إلا من الزوج العاقل البالغ المسلم، لزوجة قد انعقد زواجها انعقاداً صحيحاً نافذاً.

6 الظهار المؤقت

الظهار المؤقت هو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة. مثل أن يقول لها: "أنت علي كظهر أمي إلى الليل". قال الخطابي: واختلفوا فيه إذا بر فلم يحنث.

فقال مالك وابن أبي ليلى، إذ قال لامرأته: "أنت علي كظهر أمي إلى الليل" لزمته الكفارة وإن لم يقربها. وقال أكثر أهل العلم: لا شيء عليه إن لم يقربها.

7 أثر الظهار

إذا ظاهر الرجل من امرأته، وصح الظهار ترتب عليه أثران:

أ. الأثر الأول: حرمة إتيان الزوجة حتى يكفر كفارة الظهار، لقول الله سبحانه: ]مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا[ (سورة المجادلة: الآية 3)، كما يحرم المسيس، فإنه يحرم كذلك مقدماته، من التقبيل والمعانقة ونحو ذلك، وهذا عند جمهور العلماء. وذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم هو الوطء فقط، لأن المسيس كناية عن الجماع.

ب. الأثر الثاني: وجوب الكفارة بالعود. وهو إتيان ما ظاهر عليه.

8. المسيس قبل التكفير

إذا مس الرجل زوجته قبل التكفير فإن ذلك يحرم، كما تقدم بيانه، والكفارة لا تسقط ولا تتضاعف، بل تبقى كما هي كفارة واحدة.

قال الصلت بن دينار[3]: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر؟ فقالوا: كفارة واحدة.

9. مقدار الكفارة (كفارة الظهار)

والكفارة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكيناً. لقول الله سبحانه: ]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً[ (سورة المجادلة: الآيتان 3، 4).

وقد روعي في كفارة الظهار التشديد، محافظة على العلاقة الزوجية، ومنعا من ظلم المرأة؛ فإن الرجل إذا رأى أن الكفارة يثقل عليه الوفاء بها، احترم العلاقة الزوجية، وامتنع عن ظلم زوجته.

ثالثاً: الفسخ

1. تعريفه

فسخ العقد: نقضه، وحل الرابطة التي تربط بين الزوجين، وقد يكون الفسخ بسبب خلل وقع في العقد، أو بسبب طارئ عليه يمنع بقاءه.

2. مثال الفسخ بسبب الخلل الواقع في العقد:

إذا تم العقد وتبين أن الزوجة التي عقد عليها أخته من الرضاع، فسخ العقد.

3. مثال الفسخ الطارئ على العقد:

إذا أرتد أحد الزوجين عن الإسلام ولم يعد إليه، فُسخ العقد؛ بسبب الردة الطارئة.

والفسخ سواء أكان بسبب طارئ على العقد، أم بسبب خلل فيه، فإنه ينهي العلاقة الزوجية في الحال.

4. الفسخ بقضاء القاضي

من الحالات ما يكون سبب الفسخ فيها جلياً لا يحتاج إلى قضاء القاضي، كما إذ تبين للزوجين أنهما أخوان من الرضاع، وحينئذ يجب على الزوجين أن يفسخا العقد من تلقاء نفسيهما.

ومن الحالات ما يكون سبب الفسخ خفياً غير جلي؛ فيحتاج إلى قضاء القاضي، ويتوقف عليه، كالفسخ بإباء الزوجة المشركة الإسلام إذا أسلم زوجها، لأنها ربما لا تمتنع فلا يفسخ العقد.

رابعاً: اللعان

1. تعريفه

اللعان مأخوذ من اللعن، لأن الملاعن يقول في الخامسة: ]أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ[ (سورة النور: الآية 7). وقيل هو الإبعاد.

وسمي المتلاعنان بذلك، لما يعقب اللعان من الإثم والإبعاد، ولأن أحدها كاذب، فيكون ملعوناً. وقيل: لأن كل واحد منهما يبعد عن صاحبه بتأبيد التحريم .

2. حقيقة اللعان

أن يحلف الرجل، إذا رمى امرأته بالزنا، أربع مرات إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وأن تحلف المرأة عند تكذيبه أربع مرات، إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن عليها غضب الله إن كان من الصادقين.

3. مشروعيته

إذا رمى الرجل امرأته بالزنا، ولم تقر هي بذلك، ولم يرجع عن رميه. فقد شرع الله لهما اللعان.

روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ]أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ r بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ r الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ الْبَيِّنَةَ وَإِلا حَدٌّ فِي ظَهْرِك فقال: والذي بعثك بالحق نبياً إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ r فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَ هِلالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ r يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجِبَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ r أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ r لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4378).

4. صورتا اللعان

ويكون اللعان في صورتين:

أ. الصورة الأولى: أن يرمى الرجل امرأته بالزنى، ولم يكن له أربعة شهود يشهدون عليها بما رماها به.

ب. الصورة الثانية: أن ينفي حملها منه.

وإنما يجوز في الصورة الأولى إذا تحقق من زناها، كأن رآها تزني، أو أقرت هي، ووقع في نفسه صدقها. والأولى في هذه الحال أن يطلقها ولا يلاعنها.

فإذا لم يتحقق من زناها، فإنه لا يجوز له أن يرميها به. ويكون نفي الحمل في حالة ما إذا أدعى أنه لم يطأها أصلاً من حين العقد عليها، أو ادعى أنها أتت به لأقل من ستة أشهر بعد الوطء، أو لأكثر من سنة من وقت الوطء.

5. شروطه

أ. حضور الحاكم، وينبغي له أن يذكر المتنازعين ويخوفهما بالله ويطلب منهما التوبة.

ب. العقل.

ج. البلوغ.

6. التفريق بين المتلاعنين

إذا تلاعن الزوجان وقعت الفرقة بينهما على سبيل التأكيد ولا يرتفع التحريم بينهما بحال: فعن ابن عباس ]أن النبي r قال: ]المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا[ (سنن البيهقي الكبرى).

وعن علي وابن مسعود قالا: "مضت السنة ألاّ يجتمع المتلاعنان".

ولأنه قد وقع بينهما من التباغض والتقاطع ما أوجب القطيعة بينهما بصفة دائمة، لأن أساس الحياة الزوجية السكن والمودة، والرحمة، وهما قد فقدا هذا الأساس وكانت عقوبتهما الفرقة المؤبدة.

7. متى تقع الفرقة

تقع الفرقة إذا فرغ المتلاعنان من اللعان، وهذا عند مالك، وقال الشافعي: تقع الفرقة بعد أن يكمل الزوج لعانه. وقال أبو حنيفة، وأحمد والثوري: لا تقع إلا بحكم الحاكم.

8. هل الفرقة طلاق أم فسخ؟

يرى جمهور العلماء أن الفرقة الحاصلة باللعان فسخ. ويرى أبو حنيفة أنها طلاق بائن، لأن سببها من جانب الرجل، ولا يتصور أن تكون من جانب المرأة، وكل فرقة كانت كذلك تكون طلاقاً، لا فسخاً.

وأما الذين ذهبوا إلى الرأي الأول فدليلهم تأبيد التحريم. ويرون أن الفسخ باللعان يمنع المرأة من استحقاقها النفقة في مدة العدة، وكذلك السكني، لأن النفقة والسكني إنما يستحقان في عدة الطلاق لا في عدة الفسخ.

خامساً: العدة

ومما يلحق حالات انتهاء الزواج أن تلبث المرأة مدة من الزمن لا تتزوج فيها ولا تُخطب، وتسمى هذه المدة (عدة):

1. تعريفها

العدة: مأخوذة من العدد والإحصاء: أي ما تحصيه المرأة وتعده من الأيام والأقراء. وهي إسم للمدة التي تنتظر فيها المرأة وتمتنع عن الزواج بعد وفاة زوجها، أو فراقه لها.

وكانت العدة معروفة في الجاهلية. وكانوا لا يكادون يتركونها. فلما جاء الإسلام أقرها لما فيها من مصالح.

وأجمع العلماء على وجوبها، لقول الله تعالى: ]وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ[ (سورة البقرة: الآية 228) . حَدَّثَنَا عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: ] أَنَّ ‏ ‏أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ ‏ ‏طَلَّقَهَا ‏ ‏الْبَتَّةَ ‏ ‏وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ‏ ‏لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ‏ ‏أُمِّ شَرِيكٍ ‏ ‏ثُمَّ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي فَاعْتَدِّي عِنْدَ ‏ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏ ‏فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا ‏ ‏حَلَلْتِ ‏ ‏فَآذِنِينِي ‏ ‏قَالَتْ فَلَمَّا ‏ ‏حَلَلْتُ ‏ ‏ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ ‏ ‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏ ‏وَأَبَا جَهْمٍ ‏ ‏خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَمَّا ‏ ‏أَبُو جَهْمٍ ‏ ‏فَلا ‏ ‏يَضَعُ ‏ ‏عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا ‏ ‏مُعَاوِيَةُ ‏ ‏فَصُعْلُوكٌ ‏ ‏لا مَالَ لَهُ وَلَكِنْ انْكِحِي ‏ ‏أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ‏ ‏فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي ‏ ‏أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ‏ ‏ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ خَيْرًا ‏ ‏ وَاغْتَبَطْتُ ‏ ‏بِهِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3193).

2. حكمة مشروعيتها

أ. للتأكد من براءة الرحم من الحمل حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.

ب. تهيئة فرصة للزوجين لإعادة الحياة الزوجية إن رأيا أن الخير في ذلك.

ج. التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع الرجال، ولا ينفك إلا بانتظار طويل.

3. أنواع العدة

العدة أنواع:

أ. عدة المرأة التي تحيض، وهي ثلاث حيض، لقوله تعالى: ]وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ[ (سورة البقرة: الآية 228).

ب. عدة المرأة التي يئست من الحيض وهي ثلاثة أشهر، لقوله تعالى: ]وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ[ (سورة الطلاق: الآية 4)

ج. عدة المرأة التي مات زوجها، وهي أربعة أشهر وعشراً، ما لم تكن حاملاً.

د. عدة الحامل حتى تضع حملها.

هـ. غير المدخول بها، لا عدة لها، لقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا[ (سورة الأحزاب: الآية 49).

4. حكم المرأة الحائض إذا لم تر الحيض

إذا طلقت المرأة وهي من ذوات الأقراء. ثم إنها لم تر الحيض في عادتها، ولم تدر ما سببه، فإنها تعتد سنة. أي تتربص مدة تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها، لأن هذه المدة هي غالب مدة الحمل، فإذا لم يبين الحمل فيها، فتكون براءة الرحم ظاهرة، ثم تعتد بعد ذلك عدة الآيسات ثلاثة أشهر، وهذا ما قضي به عمر رضي الله عنه.

قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه.

5. سن اليأس

اختلف العلماء في سن اليأس. فقال بعضهم: إنها خمسون، وقال آخرون: إنها ستون، والحق أن ذلك يختلف باختلاف النساء.

قال ابن تيمية: "اليأس يختلف باختلاف النساء، وليس له حد يتفق عليه النساء، والمراد بالآية أن إياس كل امرأة من نفسها، لأن اليأس ضد الرجاء. فإذا كانت المرأة قد يئست من المحيض ولم ترجه، فهي آيسة وإن كان لها أربعون أو نحوها، وغيرها لا تيأس منه وإن كان لها خمسون.

6. عدة الحامل

وعدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، سواء أكانت مطلقة أو متوفي عنها زوجها؛ لقول الله تعالى: ]وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 4).

7. عدة المتوفي عنها زوجها

والمتوفي عنها زوجها عدتها أربعة أشهر وعشرا، ما لم تكن حاملاً، لقول الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا[ (سورة البقرة: الآية 234)[4]. وهذه العدة تلزم كذلك من كانت غير مدخول بها.

8. عدة المستحاضة

المستحاضة تعتد بالحيض. ثم إن كانت لها عدة فعليها أن ترعي عادتها في الحيض والطهر، فإذا مضت ثلاث حيض انتهت العدة، وإن كانت آيسة انتهت عدتها بثلاثة أشهر.

9. لزوم المعتدة بيت الزوجية

يجب على المعتدة أن تلزم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها، ولا يحل لها أن تخرج منه، ولا يحل لزوجها أن يخرجها عنه. ولو وقع الطلاق أو حصلت الفرقة، وهي غير موجودة في بيت الزوجية، وجب عليها أن تعود إليه بمجرد علمها.

يقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ[ (سورة الطلاق: الآية 1).

وعن الفُريعة بنت مالك بن سنان. وهي أخت أبي سعيد الخدري: ] أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏r ‏تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي ‏ ‏بَنِي خُدْرَةَ ‏ ‏فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ ‏ ‏أَبَقُوا ‏ ‏حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ ‏ ‏الْقَدُومِ ‏ ‏لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏r‏ ‏أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنِّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏r‏ ‏نَعَمْ قَالَتْ فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ ‏أَوْ فِي الْمَسْجِدِ‏ دَعَانِي ‏أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ ‏ ‏لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي قَالَتْ فَقَالَ ‏ ‏امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. ‏قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ ‏عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ‏أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِه[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1957). وكان عمر يرد المتوفي عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج.

ويستثنى من ذلك المرأة البدوية إذا توفي عنها زوجها فإنها ترتحل مع أهلها إذا كان أهلها من أهل الارتحال. وخالف في ذلك عائشة وابن عباس وجابر بن زيد والحسن وعطاء، وروى عن علي وجابر.

فقد كانت عائشة تفتي المتوفي عنها زوجها بالخروج في عدتها وخرجت بأختها أم كلثوم، حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله إلى مكة في عمرة.

10. اختلاف الفقهاء في خروج المرأة في العدة

فذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز للمطلقة الرجعية ولا للبائن الخروج من بيتها ليلاً ولا نهاراً.

وأما المتوفي عنها زوجها فتخرج نهاراً وبعض الليل.. ولكن لا تبيت إلا في منزلها. قالوا: والفرق بينهما أن المطلقة نفقتها من مال زوجها، فلا يجوز لها الخروج  كالزوجة، بخلاف المتوفي عنها زوجها فإنها لا نفقة لها، فلا بد أن تخرج بالنهار لإصلاح حالها .

11. نفقة المعتدة

اتفق الفقهاء على أن المطلقة طلاقاً رجعياً تستحق النفقة والسكنى واختلفوا في المبتوتة (أي البائن): فقال أبو حنيفة: لها النفقة والسكنى مثل المطلقة الرجعية.

وقال أحمد: لا نفقة لها ولا سكنى.

وقال الشافعي ومالك: لها السكنى بكل حال ولا نفقة لها



[1] وهذا رأي علي، وابن عباس، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، والشعبي، والنخعي، وسعيد بن جبير ومالك، والأوزاعي، وإسحاق، وابن المنذر.

[2] وفي السنن أن سلمة بن صخر البياضي، ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، ثم واقعها ليلة قبل انسلاخه. فقال له النبي r أنت بذاك يا سلمه. قال: قلت: أنا بذلك يا رسول الله؟ مرتين ـ وأنا صابر لأمر الله، فأحكم فيَّ بما أراك الله. قال: حرر رقبة. قلت: والذي بعثك بالحق نبياً ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصم شهرين متتابعين. قال: فهل أصبت الذي أصبت إلا في الصيام؟ قال: فأطعم وسقاً من تمر ستين مسكيناً. قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام. قال: فانطلق إلى صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها. قال: فرحت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله السعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم.

[3] الصلت بن دينار الأزدي، البصري، أبو شعيب المجنون، مشهور بكنيته، متروك ناصبي، من السادسة.

[4] وإن طلق امرأته طلاقاً رجعياً، ثم مات عنها وهي في العدة اعتدت بعد الوفاة، لأنه توفي عنها وهي زوجته.