إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أحكام الشريعة الإسلامية









المبحث الأول

المبحث السابع

وسائل معرفة أحكام الشريعة الإسلامية

هناك وسيلتان لمعرفة مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها: القرآن الكريم والسنة. أما القرآن الكريم فهو كلام الله، وكله لفظةً لفظةً من عنده تعالى، أما السنة. فالمراد بها الروايات التي جاءت عن رسول الله r فلقد كانت حياة الرسول r، من أولها إلى آخرها، شرحاً للقرآن الكريم، وما زال r، منذ بعث إلى الناس وجاءه الوحي، مشتغلاً بتعليم الناس وإرشادهم إلى الطريق المرضي عند الله لقضاء حياتهم، مدة 23 سنة متوالية. ففي هذه المدة غير اليسيرة استمر أصحابه من الرجال والنساء، وعشيرته الأقربون، وأزواجه المطهرات، يستمعون إلى كلامه بغاية من الاهتمام، ويتبعون أعماله، ويستفتونه في كل ما يعرض لهم في حياتهم من مختلف الشؤون والمعاملات، فتارة يأمرهم بشيء وأخرى ينهاهم عن شيء آخر، فيعي الشاهدون أوامره ونواهيه وأحكامه، ويبلغونها الغائبين، وكذلك إذا جاء النبي r بعمل خاص، وعاه عنه الشاهدون، وبلغوه الغائبين، وكذلك كان إذا أتى رجل في صحبته r بعمل، إما أن يسكت عليه أو ينهاه عنه، فكان الناس يحفظون عنه مثل هذه الأمور أيضاً. والذين جاؤوا من بعدهم واتبعوهم بإحسان، حفظوا عنهم كل ما سمعوهم يحدثونه عن رسول الله r ثم، دونوا الأحاديث كلها في الكتب، مع ذكر أسماء الذين رووها عن رسول الله r من أصحابه، وهكذا أصبحت في أيدي الناس مجموعة كبيرة من أحاديث الرسول الله r. وأشهر هذه الكتب، وأكثرها اعتمادا الكتب التي دونها الإمام البخارى، والإمام مسلم، والإمام مالك، والإمام الترمذي، والإمام أبو داود، والإمام النسائي، والإمام ابن ماجة.

أولاً: الفقه

وقد استعرض جماعة من كبار أئمة المسلمين أحكام القرآن الكريم والسنة، ورتبوا بناء عليها قوانين الإسلام المفصلة المنتشرة في الكتب، يريدون بذلك تهيئتها بسهولة لعامة المسلمين. وهذه القوانين المستنبطة من أحكام القرآن الكريم والسنة، هي، التي تعرف "بالفقه". لا يمكن لكل فرد من أفراد الأمة أن يستنبط الأحكام من القرآن الكريم، ما لم يكن عنده من العلم بالسنة ما يتمكن به من معرفة أحكام الشريعة بنفسه، فلا يمكن لمسلمي الدنيا جميعاً أن يتبرؤوا مما في أعناقهم من الجميل لهؤلاء الأئمة الكبار، الذين عانوا المشاق ورتبوا لهم كتب الفقه بعد تحقيق مستمر وجهود مضنية متوالية. ولا شك أنه من نتائج جهود هؤلاء الأئمة الكرام، ما يجد عامة المسلمين اليوم من السهولة في إتباع الشريعة الإسلامية ومعرفة أحكامها.

وقد رتب كتب الفقه رجال كثيرون على أساليبهم، في بدء الأمر، ولكن بقي في آخر الأمر أربعة مذاهب فقهية، وهي التي يتبعها اليوم معظم مسلمي الأرض.

1. الفقه الحنفي: رتبه الإمام أبو حنيفة t بمساعدة ومشاورة أصحابه كأبي يوسف ومحمد وزفر، وغيرهم من العلماء الكبار الآخرين.

2. والفقه المالكي: رتبه الإمام مالك بن أنسt .

3. والفقه الشافعي: رتبه الإمام محمد بن إدريس الشافعي t.

4. والفقه الحنبلي: رتبه الإمام أحمد بن حنبل t.

وقد تم ترتيب هذه المذاهب الفقهية الأربعة، في القرنين الأولين بعد قرن رسول الله r، وإن الاختلافات، التي توجد فيما بينها اختلافات فطرية، فإن كل أمر إذا تعرض له عدة رجال وحاولوا أن يعرفوا حقيقته، فلابد أن تأتي آراؤهم فيه مختلفة، فيما بينها ولو على قدر يسير، ولكن لما كان الجميع أئمة بررة صادقين ورعين، يتبعون الحق ولا يرضون عنه بديلا، فالمسلمون جميعاً يعتقدون صدق مذاهبهم وكونها على الحق.

ولكن من الظاهر أنه لا يمكن أن يتبع الإنسان في أمر من أموره إلا مذهباً واحداً من هذه المذاهب الأربعة، فالذي عليه أكثر علماء المسلمين أن المسلمين ينبغي لهم أن يتبعوا أحد هذه المذاهب؛ وذلك عند طلب العلم الشرعي أما العامي، الذي ليس من طلاب العلم فإنه يستفتي. غير أن هناك جماعة من العلماء يقولون: لا حاجة إلى إتباع مذهب فقهي بعينه. بل يجب على من أوتى العلم أن يستنبط الأحكام من القرآن الكريم والسنة مباشرة، وأما الذين لا علم عندهم ولا يقدرون أن يستنبطوا الأحكام من القرآن الكريم والسنة بأنفسهم، فعليهم أن يتبعوا كل من يرونه على الحق، ويطمئنون إلى علمه وصدقه وتقواه من علماء المسلمين، ويعرف هؤلاء الجماعة بأهل الحديث، وهم على الحق مثل الطوائف الأربعة المذكورة.

ثانياً: علم الأخلاق وأمراض القلوب

إن الفقه يتعلق بظاهر عمل الإنسان فقط، ولا ينظر إلا هل قمت بما أمرت به على الوجه المطلوب أم لا؟ فإن قمت، فلا تهمه حال قلبك وكيفيته. أما الشيء، الذي يتعلق بالقلب ويبحث عن كيفيته، فهو مباحث علم الأخلاق. إن الفقه لا ينظر في صلاتك إلا من حيث توفر الشروط واستكمال الأركان، مثلاً هل أتممت وضوءك على الوجه الصحيح أم لا؟ وهل قرأت في صلاتك ما يجب أن تقرأ فيها أم لا؟ وهل صليت مولياً وجهك شطر المسجد الحرام أم لا؟ وهل أديت أركان الصلاة كلها أم لا؟ فإن قمت بكل ذلك، فقد صحت صلاتك بحكم الفقه. إلا أن الذي يهم علم الأخلاق هو ما يكون عليه قلبك حين أدائك هذه الصلاة من الحالة: هل أنبت فيها إلى ربك أم لا؟ وهل تجرد قلبك فيها عن هموم الدنيا وشؤونها أم لا؟ وهل أنشأت فيك هذه الصلاة خشية الله واليقين بكونه خبيراً بصيراً، وعاطفة ابتغاء وجهه الأعلى وحده أم لا؟ وإلى أي حد نزهت هذه الصلاة روحك؟ وإلى أي حد أصلحت أخلاقك؟ وإلى أي حد جعلتك مؤمناً صادقاً عاملاً بمقتضيات إيمانك؟ فعلى قدر ما تحصل لك هذه الأمور، وهي من غايات الصلاة وأغراضها الحقيقية، في صلاتك، تكون صلاتك كاملة ، وعلى قدر ما ينقصها الكمال من هذه الوجهة، تكون ناقصة.

فهكذا، لا يهم الفقه في سائر الأحكام الشرعية إلا هل أدى المرء الأعمال على الوجه، الذي أُمر به لأدائها أم لا؟ أما علم الأخلاق فيبحث عما كان في قلبه من الإخلاص وصفاء النية وصدق الطاعة عند قيامه بهذه الأعمال.

ويمكنك أن تدرك هذا الفرق بين الفقه والأخلاق، فالفقه يهتم بظاهر العبادة، ويهتم علم الأخلاق بثمرة العبادة وآثارها. مثال ذلك: إذا أتاك رجل، نظرت فيه من وجهتين: إحداهما هل هو صحيح البدن كامل الأعضاء أم في بدنه شيء من العرج أو العمى؟ وهل هو جميل الوجه أو دميمه؟ وهل هو لابس زياً فاخراً أو ثياباً بالية؟

والوجهة الأخرى أنك تريد أن تعرف أخلاقه وعاداته وخصاله ومبلغه من العلم والعقل والصلاح. فالوجهة الأولى وجهة الفقه، والوجهة الثانية وجهة علم الأخلاق. وكذلك إذا أردت أن تتخذ أحداً صديقاً لك، فإنك تتأمل في شخصه من كلا الوجهتين، وتحب أن يكون جميل المنظر وجميل المخبر معاً. كذلك لا تجمل في عين الإسلام إلا الحياة، التي فيها إتباع كامل صحيح لأحكام الشريعة من الوجهتين الظاهرة والباطنة. ومثل الذي طاعته صحيحة في الظاهر، ولكن يعوزه روح الطاعة الحقيقية في الباطن، كمثل جسد جميل الوجه قد فارقه روحه. ومثل الذي في عمله الكماليات الباطنة كلها وليست طاعته صحيحة على حسب الوجه المراد في الظاهر، كمثل رجل صالح دميم الوجه مطموس العينين أعرج القدمين.

وبهذا المثال تعرف العلاقة بين الفقه والأخلاق، ولكن مما يدمي القلب ويبكى العين، أنه لما أصيبت العلوم والأخلاق بالزوال والانحطاط في الأزمان الأخيرة، وحدث بزوالها ما حدث من المفاسد والسيئات، كدّرت الفلسفات من حقيقة الأخلاق الصافية، وتعلم المسلمون كثيراً من الفلسفات غير الإسلامية من الأمم الضالة، وأدخلوها في الإسلام باسم التصوف، وأطلقوا اسم التصوف على كثير من العقائد والطرق الدخيلة، التي لا أصل لها بمبادئ الإسلام. ثم تدرج هؤلاء الناس في شهوات أنفسهم وخرجوا من أحكام الإسلام، وقالوا إنه لا علاقة للأخلاق بالشريعة، فإن هذا في واد، وذلك في واد، وما على المسلم أن يقيد نفسه بأحكام الشريعة. إنك كثيراً ما تسمع بمثل هذه الأوهام والترهات من كثير من الجاهلين، ولكن ليست كلها في حقيقة الأمر، إلا من قبيل الخرافات والأكاذيب. لا يحل لمسلم أن يتحلل من قيود الصلاة والحج والزكاة، ولا يحق لمسلم أن يخالف حكماً من الأحكام، التي بينها الله ورسوله الكريم r عن الاقتصاد والاجتماع والمعاشرة والأخلاق والمعاملات والحقوق والواجبات وحدود الحلال والحرام، ولا يستحق من لا يتبع الرسول r إتباعاً صحيحاً ولا يتقيد بما أرشد إليه من صراط الحق، أن يسمي نفسه مسلمًا، فإن مثل هذا ليس من الإسلام في شيء أبداً.

إن حقيقة الإسلام وجوهره يتمثل في الحب الصادق لله ولرسوله r، الصادق، وإتباع كتاب الله وسنة رسوله، وألا ينحرف المسلم قيد شعرة عن أتباع أحكام الله ورسوله، r فليس علم الأخلاق بشيء مستقل عن الشريعة، وإنما هو القيام بأحكامها بغاية من الإخلاص وصفاء النية وطهارة القلب.