إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أحكام الشريعة الإسلامية









المبحث الثاني

المبحث الثامن

مبادئ الشريعة

إن الإنسان إذا تأمل في نفسه، علم أنه قد جاء إلى هذه الدنيا مودَعاً، في نفسه، كثير من القوى، التي تقتضي كل واحدة منها أن يستخدمها ولا يهمل شأنها؛ ففيه العقل والعزم والرغبة، والنظر والسمع والذوق، وقوة اليدين والرجلين، وعاطفة النفرة والغضب، والشوق والحب، والخوف والطمع، وليس شيء منها بعديم المنفعة، وما أوتيه الإنسان إلا لأنه في حاجة إليه. والذي يتوقف عليه نجاحه في هذه الدنيا هو أن يتحقق ما تتطلبه فطرته وطبيعة نفسه؛ ولكن لا يمكن ذلك إلا بأن يستخدم القوى، التي أوتيها في نفسه.

ثم لا يخفى عليك أنك أوتيت وسائل، يمكنك أن تستخدم بها هذه القوة المودعة في نفسك، فأول وسيلة من هذه الوسائل هي جسدك، الذي تجد فيه الأدوات الضرورية كلها، ثم حولك هذه الدنيا، التي انتشرت فيها وسائل مختلفة لا تقع تحت الإحصاء، ففيها الناس من جنسك لمساعدتك، والبهائم لخدمتك، والنباتات والجمادات والأرض والماء والهواء والحر والنور، وما إلى ذلك من الأشياء الكثيرة، التي لا يحصيها إلا الله. والله تعالى ما خلق هذه الأشياء في هذا الكون إلا لتستخدمها وتستمد منها ما يلزمك.

إن الدنيا يوجد فيها نوعان من البشر:

1. النوع الأول: من الذين يستخدمون بعض قواهم عمداً، في الوجوه، التي تفسد عليهم سائر قواهم، أو تجلب المضرة على غيرهم من البشر، أو هم يهملون أدواتهم، التي أودعوها في أنفسهم.

2. والنوع الثاني: من الذين يفعلون كل ذلك من غير قصد من أنفسهم. فرجال النوع الأول من الأشرار، وهم في حاجة إلى قانون شديد يأخذ على أيديهم، ورجال النوع الثاني من الجهال، الذين لا يعلمون شيئاً، وهم محتاجون إلى علم يعرَفهم بالصورة الصحيحة لاستخدامهم قواهم.

ولقد جاءت الشريعة الإسلامية تسد هذه الحاجة، وتحقق هذا الغرض فلا تريد أن تهمل قوة من قواك، أو تمحو رغبة من رغباتك، أو تنفي عاطفة من عواطف نفسك، فهي لا تقول لك اترك الدنيا واقض أيام حياتك في الجبال والغابات والكهوف والمغارات، واشدد على نفسك واكسر سورتها، وذللها بالمصائب والشدائد، وحرم عليها زينة الحياة الدنيا ولذاتها ونعمها كلا! فإنها شريعة وضعها الله، الذي خلق للإنسان هذه الدنيا، فكيف يرضى لكونه بالامحاء والخراب والفناء؟ إن الله تعالى ما أودع الإنسان في نفسه قوة لا تنفعه ولا يحتاج إليها. وكذلك ما خلق شيئا في السماوات ولا في الأرض عبثاً، بل يريد أن يبقى معمل الكون هذا يسير سيراً مستمراً على نظام مدبر ينتفع فيه الإنسان من كل شيء ويستخدم مختلف أسبابه ووسائله، ولكن على وجه لا يضر نفسه ولا أحداً غيره؛ ولهذا الغرض نفسه وضع الله تعالى ما وضع من قواعد الشريعة وضوابطها. وهكذا حرمت هذه الشريعة على الإنسان كل شيء يجلب إليه الضرر، وأحلت له كل شيء يعود عليه بالنفع ولا يضر غيره. إن المبدأ، الذي يقوم عليه بناء الشريعة الإسلامية هو أن الإنسان، من حقه أن يعمل لتحقيق رغبات نفسه وحاجاته، ويسعى في سبيل منفعته الذاتية كيفما يشاء، ولكن من الواجب عليه في الوقت نفسه أن لا يتمتع بهذا الحق إلا من حيث لا يضيع حقوق غيره من البشر بجهله أو شره، بل ينبغي أن يكون مساعداً لهم متعاوناً معهم على قدر وسعه، أما الأمور التي فيها ناحية للنفع وناحية للضرر فتقول فيها الشريعة: إن الإنسان عليه أن يتحمل الضرر الخفيف للنفع الكبير، ويترك النفع التافه، احترازاً من الضرر الشديد.

لا يمكن أن يعرف كل إنسان في كل زمان عن كل شيء أو عمل ما فيه النفع أو الضرر، ولذا وضع الله تعالى وهو العليم الخبير، الذي لا يخفى عليه سر من أسرار الكون ـ نظاماً صحيحاً كاملاً لحياة الإنسان، وما كان الناس ليفطنوا إلى كثير من مصالح هذا النظام في القرون القديمة، ولكن رقي العلم في هذا الزمان قد كشف عنها الغطاء، بل لا يزال الناس يجهلون كثيرا من مصالحه في هذا الزمان أيضاً، ولكنها لا تزال تنكشف وتنجلي لأعين الناس، على قدر ما يكتب للعلم من الرقي والنمو، والذين عولوا على علمهم الناقص وعقولهم الضعيفة، ما وجدوا لأنفسهم بدا في آخر الأمر أن يختاروا قاعدة من قواعد هذه الشريعة نفسها، بعد ما هاموا على وجوههم، وخبطوا في ظلمات الجهل والخطأ والضلال خبط عشواء إلى قرون. أما الذين اعتمدوا على شرع الله، واهتدوا بهديه، واستناروا بنوره، فقد أمنوا عواقب الجهل ومضراته، فهم يواظبون دائماً على قانون، وضع على قواعد العلم الصحيح الخالص سواء أعرفوا ما فيه من المصالح، وما في إتباعه من المنافع، أم لم يعرفوا.