إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / عذاب القرى في القرآن الكريم وهلاكها




نتائج الزلازل التدميرية
نتائج السيول التدميرية
مرض الإيدز
تأثير الفيضانات المدمرة
تسونامي مدمر
عاصفة الهيريكين المدارية
عاصفة التورنيدو الرعدية

الطير الأبابيل
الفرق بين آيتي فانظروا – ثم أنظروا
اسلوب إهلاك أصحاب الفيل
حجارة من سجيل




مقدمة

المبحث الأول

أنواع الظُـلم في القرآن الكريم

حديث قدسي: عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ e فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُم، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ"، قَالَ سَعِيدٌ كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ (مسلم: 4674).

والظلم، كما قال رسول الله r، هو ظلمات يوم القيامة، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: "إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (مسلم: 4676). وفى بَاب الِانْتِصَارِ مِنْ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: )لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا( (النساء: الآية 148). ]وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ( (الشورى: الآية 39).

والظلم كما ورد في القرآن الكريم أربعة أنواع: ظٌلم النفس ـ ظلم الغير ـ الظلم الكبير ـ الظلم العظيم، وذلك على النحو التالي:

أولاً: ظُلم النفس

1. الظلم في اللغة

هو وَضْع الشيء في غير موضِعه، ومن أمثال العرب في الشَّبه: مَنْ أَشْبَهَ أَباه فما ظلم؛ قال الأصمعي: ما ظلم أي ما وضع الشَّبَه في غير مَوْضعه وفي المثل: من اسْترْعَى الذِّئْبَ فقد ظلم، وأصل الظلم الجَوْرُ ومُجاوَزَة الحدِّ، والظلم عكس العدل، وهو المَيْلُ عن القَصد، قال الفراء في قوله عز وجل: )وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (البقرة: من الآية 57)، قال: ما نَقَصُونا شَيْئاً بما فعلوا ولكن نَقَصُوا أنفسَهم.

2. النفس في اللغة

بمعنى الرُّوحُ والروع والذات، قال أَبو إِسحق: النفس في كلام العرب يجري على ضربين: أَحدهما قولك خَرَجَتْ نَفْس فلان أَي رُوحُه، وفي نفس فلان أَن يفعل كذا وكذا أَي في رُوعِه، والضَّرْب الآخر مَعْنى النفس فيه مَعْنى جُمْلَةِ الشيء وحقيقته، تقول: قتَل فلانٌ نَفْسَه وأَهلك نفسه، أَي أَوْقَعَ الإِهْلاك بذاته كلِّها وحقيقتِه، والجمع أَنْفُس ونُفُوس.

هذا هو النوع الأول من أنواع الظلم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وهو أيضاً أول درجاته، أي أقل أنواع الظلم شدة، ويعنى أن الإنسان قد يظلم نفسه، إلا أنه لا يظلم غيره، فخطورة هذا النوع أنه يصيب صاحبه وحده ولا يؤثر على الآخرين، ويجب على المؤمن أن يطلب من الله ويتضرع إليه بالدعاء والمغفرة من (ظلم النفس)، فقد فعل ذلك أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ t حين طلب من رسول الله e أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، ففي صحيح البخاري عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ t قَالَ لِلنَّبِيِّ e: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: ]قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمتُ نفسي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ (البخاري: 6839).

وفى هذا الحديث الصحيح، نجد أن الرسول e يُعَلَّم أبا بكر الصديق هذا الدعاء، ليدعو به دائما في صلاته، وليدعو به المسلمون في كل صلواتهم، ولنا في رسول الله e أسوة حسنة، فقد كان e يقول هذا الدعاء: ]اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمتُ نفسي ظُلْمًا كَثِيرًا[، وهذا يبين أن الإنسان قد يظلم نفسه ظلماً كثيراً وهو لا يدرى ذلك!!، وقد حث الله عباده على الاستغفار الدائم من ظلم النفس، قال تعالى: )وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (آل عمران: الآية 135).

إن ظلم النفس هو العامل المشترك في أنواع الظلم الأربعة المشار إليها، فمن ظلم غيره ظلم نفسه، وكل من ظلم ظلماً كبيراً فقد ظلم نفسه أيضاً، ومن ظلم ظلماً عظيماً (وهو النوع الرابع من الظلم) فهو أيضا قد ظلم نفسه. لذلك فإن حديث رسول الله e الذي رواه البخاري، يؤكد أن الإنسان ظالم لنفسه في كل أحوال الظلم (ظلم النفس ـ ظلم الغير ـ الظلم الكبير ـ الظلم العظيم)، لاشتراك (ظلم النفس) في جميع أنواع الظلم الأخرى التي وردت في القرآن الكريم.

3. بعض الأمثلة عن ظلم النفس طبقاً لما ورد في القرآن الكريم

أ. قوم موسى u يظلمون أنفسهم بعبادتهم العجل

من المعلوم أن ظلم النفس لا يضُر إلا صاحبه، وهذا ما فعله قوم موسى u حين اتخذوا العجل إلها من دون الله في الوقت الذي كان موسى u يتلقى التوراة من الله، قال تعالى: )وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ( (البقرة: الآية 51)، بمعنى ظلم النفس فهم لم يظلموا غيرهم بل ظلموا انفسهم باتخاذهم العجل، فقد عبر القرآن الكريم عن الظلم في هذه الآية في قوله تعالى: )وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ(، أي وأنتم ظالمون لأنفسكم.

فهم الذين ارتكبوا هذا الخطأ وحدهم في غيبة موسى u، وهذا ما أكده موسى u حين عاد من الميقات، مؤكداً أن ما فعلوه هو ظلم للنفس في قوله تعالى على لسان موسى u: )يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ( (البقرة: من الآية 54)، مشيراً أنهم (ظلموا أنفسهم) باتخاذهم هذا العجل معبودا لهم من دون الله، وهو ذلك العجل الذي صنعه السامري لهم ليعبدوه، قال تعالى: )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( (البقرة: الآية 54).

لقد أضلهم السامري، فصنع لهم تمثالاً من الذهب والحلي على هيئة عجل مجسداً، عجلاً له خوار، فعبدوه في غيبة موسى u، وهذا ما أغضب موسى u من قومه حين أخبره الله I بذلك في قوله تعالى: )فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ( (طه: الآيات 85 - 87)، عاتبهم موسي u على ظلمهم لأنفسهم مشفقاً عليهم ومحذراً من غضب الله I عليهم.

وقال تعالى: )وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ( (الأعراف: الآية 148). وبهذا يكونون قد ظلموا أنفسهم، ولم يظلموا أحداً غيرهم. وهذا النوع من أنواع الظلم، يضر صاحبه وحده ولا يضر غيره كماً بينا، وقد بينه القرآن الكريم في أكثر من موضع وهذا مثال ثانٍ على ظلم النفس.

ب. قوم موسى u يظلمون أنفسهم باستبدال طعامهم

فى قوله تعالى: )وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (البقرة: الآية 57)، تدبر قوله تعالي: )وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (البقرة: من الآية 57)، حيث يبين الله أن بنى إسرائيل هم قوم ظالمون لأنفسهم، فكيف بعد أن ظلل الله عليهم الغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى طعاماً طيباً لهم، يستبدلونه بالذي هو أدنى، فيطلبون من موسى u أن يدعو الله ليخرج لهم مما كانوا يأكلون منه من نبات الأرض في مصر، لقد ظلموا أنفسهم باستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، كما جاء في قوله تعالى: )وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ( (البقرة: من الآية 61).

فإنكارهم نعمة الله عليهم بتظليلهم بالغمام، وإنزال المنَّ والسلوى، واستبدالهم الذي هو أدنى من أنواع الطعام بالذي هو خير، هو أكبر دليل على أنهم قد أضروا بأنفسهم وحدهم ولم يظلموا غيرهم. تدبر قول الله I: )وَمَا ظَلَمُونَا(، إنما ظلموا أنفسهم هم، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: )وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (البقرة: من الآية 57).

ج. من يمسك بامرأته بعد طلاقها للإضرار بها فقد ظلم نفسه

وهذا مثال ثالث واضح يبينه القرآن الكريم، محذراً للأزواج من ظلم الزوجات، فحين يمسك الرجل بزوجته بعد طلاقها، وبعد اكتمال عدتها بغرض الإضرار بها وإذلالها، فيكون في هذه الحالة ظالم لنفسه، وهذه العبارة المتعلقة بظلم النفس، يؤكدها الله تعالى في قوله: )وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ( (البقرة: من الآية 231).

د. الذين ينفقون أموالهم بلا فائدة دون أن ينالوا أجراً أو ثواباً

ويضرب القرآن الكريم مثلاً رابعاً عن الظالمين لأنفسهم، هؤلاء الذين ينفقون أموالهم هباءً، دون أن ينالوا من الله أجراً ولا ثواباً، فهم ينفقون أموالهم باليد اليمنى، ثم يبطلونها بالمن والأذى.

قال تعالى: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ( (البقرة: الآية 264).

وقال تعالى: )مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (آل عمران: الآية 117).

نعود مرة أخرى إلى تلك العبارة القرآنية التي تتكرر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم: )وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(، فهي تبين ما يؤول إليه جهد الظالمين من خسارة، حيث يصبح ماينفقون في الحياة الدنيا كالريح الضارة التي تصيب حرث قوم فتهلكه، تدبر هذا المثال الذي يضربه الله I عن ظلم النفس، وهو مثال لمن ينفقون أموالهم في الحياة الدنيا ثم يبطلونها بالمن والأذى، حيث تصبح أموالهم التي أنفقوها بلا فائدة، وضاع أجرها، فأعمالهم تصبح كالريح التي بها صر أصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فأهلكته، قال تعالى: )كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْه(، لقد ظلموا أنفسهم فالأموال التي أنفقوها، أبطلوا ثوابها بأفعالهم، فأصبحت هباءً بلا آجر ولا ثواب، فكان ذلك عقابهم.

هـ. آيات أخرى تتحدث عن ظلم النفس

قال تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا( (النساء: الآية 64).

وقال تعالى على لسان آدم u وزوجه: )قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ( (الأعراف: الآية 23).

وقال تعالى: )وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنْ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (الأعراف: من الآية 160).

وقوله تعالى: )وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ( (هود: الآية 101).

وقال تعالى: )وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الْأَمْثَالَ( (إبراهيم: الآية 45).

وقال تعالى: )هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( (النحل: الآية 33).

وقال تعالى: )وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَاُنظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ( (النمل: الآية 14).

وقال تعالى على لسان سليمان u موجها الخطاب إلى بلقيس ملكة سبأ: )قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( (النمل: الآية 44).

وقول موسى u: )رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( (القصص: من الآية 16).

لقد استغاث رجل من بنى إسرائيل، موسى u، لينصره على عدو له، فوكز موسى u الرجل فقضى عليه، فندم على ذلك، وحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه. قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر، ثم لم يزل u يعدد ذلك على نفسه، مع علمه بأن الله قد غفر له، حتى أنه يوم القيامة يقول: قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها.

لقد عد موسى u على نفسه ذنباً وقال: )ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي(، من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر، وأن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم، وقال النقاش: لم يقتله عن عمد مريداً للقتل، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلم، قال كعب: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، وكان قتله خطأ، فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل، ومع ذلك عبر القرآن عن ذلك على لسان موسى u بظلم النفس، قال تعالى على لسان موسى u: )قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( (القصص: الآية 16).

وقوله تعالى: )فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ( (سبأ: الآية 19).

تبين الآية كيف ظلم قوم سبأ أنفسهم، بطلبهم المباعدة بين أسفارهم، إن قوم سبأ أمرهم عجيب!!، لقد جعل الله بينهم وبين القرى التي بارك الله فيها قرى ظاهرة تيسيراً عليهم في أسفارهم ولراحتهم، لكنهم طلبوا المشقة وسئموا الراحة، لقد تمنوا طول الأسفار والكدح والمعاناة، بعد ما وهبهم الله من الرخاء والنعمة، فلما كفروا بالنعمة وظلموا أنفسهم، جعل الله أحاديثهم وأخبارهم على كل لسان، وباعد الله بين أسفارهم ومزقهم كل ممزق.

وقوله تعالى: )وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ( (الزخرف: الآية 76).

وقوله تعالى: )وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ( (الطلاق: من الآية 1). يبين الله أن من يتعد حدود الله, فإنه بهذا التعدي يكون قد ظلم نفسه.

ثانياً: ظلم الغير

كل من ظلم غيره فقد ظلم نفسه، ويستثنى من ذلك القضاة العدول، فلا يحاسب القاضي على أنه ظلم غيره حين يخطئ في حكمه، فقد حكم بما لديه من أدلة وشهود، حتى وإن كانوا شهود زور، فقد أقسموا اليمين أمامه على صحة ما يقولون، ففي تلك الحالة لم يتعمد القاضي ظلم البريء بالحكم عليه، وكذلك الذين ينفذون حدود الله، مثل الجلادين الذين يجلدون المذنبين في الحدود التي تقتضي الجلد، فهم ينفذون أحكام الجلد، بل والمنفذون أيضا لأحكام الإعدام بأمر القضاة لم يظلموا غيرهم أيضاً، فتلك هي وظيفتهم التي يثابون عليها إذا أدوها بأمانة.

عن أَنَسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: ]انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ e: تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ[ (البخاري: 6438)، أي تمنعه من ظلم الغير.

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: ]مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ[ (مسلم: 3020).

وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: ]اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ[ (مسلم: 4675).

وهناك العديد من الأمثلة على ظلم الغير، نراها في حياتنا اليومية، وبين الأصدقاء والجيران والأقارب، بل وبين الأخوة والأخوات، وبين الآباء والأبناء، وقد أشارت الأحاديث السابقة إلى بعضها، فمن اقتطع شبراً من أرض جاره ظلماً واستولى عليها، فقد ظلم غيره وجزاؤه أن الله سيطوقه يوم القيامة من سبع أرضين، والشح أسلوب من أساليب ظلم الغير، هذا الشح حمل السابقون على سفك دمائهم واستحلال محارمهم.

ثالثاً: الظلم الكبير

هو الظلم الذي ليس بعده ظلم، بمعنى أنه لا يوجد ظلم أكبر من هذا!!، لذا سمى بالظلم الكبير، وهو النوع الثالث من أنواع الظلم، وكل ما ورد في القرآن الكريم وفى أحاديث رسول الله e يحمل عبارة )وَمَنْ أَظْلَمُ(؛ فإن ما بعدها في الآية هو نوع من أنوع الظلم الكبير، وسوف نجد الكثير من الأمثلة التي تحمل تلك العبارة المشار إليها، سواء في القرآن الكريم، أو في أحاديث رسول الله e، وهذه بعض الأمثلة:

1. في القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحمل عبارة )وَمَنْ أَظْلَمُ(، وهي عبارة قرآنية تعبر عن النوع الثالث، من أنواع الظلم، وهو (الظلم الكبير)، ويعني أنه لا يوجد ظلم أكبر من هذا الظلم، وهو نوع يعلو درجتين على ظلم النفس وظلم الغير في المرتبة، ولنضرب بعض الأمثلة، التي توضح هذا النوع من أنواع الظلم الوارد في القرآن الكريم:

 أ. منع المساجد أن يذكر فيها اسم الله والسعي في تخريبها

قال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسمهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ( (البقرة: الآية 114). فمن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، فقد ارتكب النوع الثالث من أنواع الظلم، أي ارتكب ظلماً كبيراً ما بعده ظلم سوى الشرك بالله.

ب. كتم الشهادة

قال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( (البقرة: من الآية 140)، لاحظ ماجاء بعد عبارة )وَمَنْ أَظْلَمُ( والتي تدل على أنه لايوجد ظلم أكبر ممن كتم الشهادة، فكتم الشهادة هي الدرجة الثالثة من درجات الظلم الأربعة، التي تسبق الظلم العظيم.

ج. افتراء الكذب على الله والتكذيب بآياته

قال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ( (الأنعام: الآية 21).

وقال تعالى: )فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ( (الأعراف: الآية 37).

وقال تعالى: )فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُون( (يونس: الآية 17).

وقال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ( (العنكبوت: الآية 68).

وقال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين( (هود: الآية 18).

وقال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( (الصف: الآية 7).

وقال تعالى على لسان أهل الكهف: )هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا( (الكهف: الآية 15).

د. من أدعى بالوحي وإنزال القرآن، ومن يُضل الناس بغير علم

قال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ( (الأنعام: من الآية 93).

وقال تعالى: )فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( (الأنعام: من الآية 144).

هـ. من كذب بآيات الله وأعرض عنها

قال تعالى: )فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ( (الأنعام: من الآية 157).

وقال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا( (الكهف: الآية 57).

وقال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ( (السجدة: الآية 22).

وقال تعالى: )فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ( (الزمر: الآية 32).

2. في أحاديث رسول الله e

من أحاديث رسول الله e الصحيحة، والتي تحمل معنى الظلم الكبير، وتحمل عبارة (ومن أظلم)، التي أشرنا إليها في القرآن الكريم، حديث أبى زُرْعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلَاهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً( ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ e قَالَ مُنْتَهي الْحِلْيَةِ. (البخاري: 5497).

رابعاً: الظلم العظيم

الظلم العظيم هو أعلى درجات الظلم وهو الشرك بالله، هذا النوع من الظلم الذي يبغضه الله، ولا يغفر لصاحبه حتى لو فعل ما فعل من الاستغفار، قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا( (النساء: الآية 48)، هذا النوع من الظلم ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

1. في القرآن الكريم

الشرك هو الظلم العظيم، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في سورة لقمان، حيث يأمر لقمان إبنه بعدم الشرك بالله، في أول موعظة يعظه إياها، مؤكداً أن الشرك بالله هو أعلى درجات الظلم على الإطلاق، وقد سمى في القرآن الكريم، بالظلم العظيم,

قال تعالى: )وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( (لقمان: الآية 13).

2. في السنة المطهرة

عن عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآية )الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ(، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ e وَقَالُوا أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: ]إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ (البخاري: 3246).

ولقد بينا أن أنواع الظلم الأربعة، وعلمنا أن أدناها هو ظلم النفس، وأعلاها هو الظلم العظيم، والله I (قد) يغفر لمن ظلم ظلماً دون الشرك، أي دون الظلم العظيم. وبمعنى أخر فإن الله لا يغفر أن يُشرك به أى لايغفر لمن فعل الظلم العظيم، لكنه I يغفر ما دون ذلك من أنواع الظلم الأخرى، وهى: (ظلم النفس ـ ظلم الغير ـ الظلم الكبير)، شريطة أن يستغفر المذنب ربه ويتوب إليه وينيب، ويعيد الحق لأصحابه، ويرد المظالم إلى أهلها، لعل الله أن يغفر له ويقبل استغفاره وتوبته، أما الشرك فلن يغفر الله لمن أشرك به I، لقوله تعالى: )إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا( (النساء: الآية 48).