إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / عذاب القرى في القرآن الكريم وهلاكها




نتائج الزلازل التدميرية
نتائج السيول التدميرية
مرض الإيدز
تأثير الفيضانات المدمرة
تسونامي مدمر
عاصفة الهيريكين المدارية
عاصفة التورنيدو الرعدية

الطير الأبابيل
الفرق بين آيتي فانظروا – ثم أنظروا
اسلوب إهلاك أصحاب الفيل
حجارة من سجيل




مقدمة

المبحث الرابع

أساليب العذاب ووسائله وأدواته في القرآن

في البداية عند الحديث عن العذاب أو الهلاك في القرآن الكريم، يجب معرفة (ثلاثة أشياء مهمة)، تلك الأشياء هى: (أساليب التعذيب ـ وسائل التعذيب ـ أدوات التعذيب)، فتلك الأشياء لوعلمنا عنها الشيء اليسير، لأدركنا أن العذاب أو الهلاك أمران محكما التدبير!!، يدبرهما الله العليم الخبير، فتلك الأشياء الثلاثة (الأسلوب ـ الوسيلة ـ الأداة) لا تحدث عشوائياً أو دون علم الله، بل إن كلها تحدث بعلم الله وبأمره وبحكمته وبتدبيره.

أولاً: الله يحدد الأسلوب

فعندما يُقدِر الله العذاب أو الهلاك على الظالمين، فإنه يحدد الأسلوب الذى يُعذَّب به المُعَذبون، أو يُهلك به الهالكون، (فالجوع والعطش، والإصابة والمرض... الخ)، هي أساليب قد حددها الله مسبقاً لمن كُتب عليهم (العذاب)، فهذا يعذبه الله بالجوع، وآخر يعذبه الله بالعطش، وثالث يعذبه الله بالإصابة، ورابع يعذبه الله بالمرض، وهكذا. (والخسف، والغرق، والرجم، والحرق... الخ)، كلها أساليب حددها الله مسبقاً لمن كتب عليهم (الهلاك). فهذا يهلكه الله بالخسف، وثاني يهلكه الله بالغرق، وثالث يهلكه الله بالرجم، ورابع يهلكه الله بالحرق!!، وهكذا. وملائكة العذاب أو الهلاك المنفذون للعقاب، يعلمون من الله تلك الأساليب قبل تنفيذها، ويتفهمون المهمة التى كلفهم الله بها فهماً عميقاً ودقيقاً، يطيعون أمر الله بكل دقة، فهم ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

ثانياً: الله يحدد الوسيلة

يحدد الله (الوسيلة) التى سوف تحمل أداة التعذيب أو الإهلاك، (كالأرض) في حالة الخسف، و(البحر أو الطوفان) في حالة الغرق، و(الطير الأبابيل) في حالة الرجم... الخ، وهذه الوسيلة التي حددها الله مسبقاً، لا يستطيع الملائكة الذين سينفذونها أن يبدلوها، أو يؤجلوها، أو يلغوها!!. تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا!، فهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليهم حفظة، حتى إذا جاء أحد وقت موته وهلاكه توفته رسل الله المنفذون دون تفريط، قال تعالى: )وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ( (الأنعام: الآية 61).

ثالثاً: الله يحدد الأداة

1. أداة التعذيب: هي ذلك الشيء الذي يتم به التعذيب، فحين يكون (الجلد) أسلوباً من أساليب التعذيب، فإن الشخص القائم بالجلد يكون هو (الوسيلة)، ويكون (السوط) الذي يمسك به الجلاد هو الأداة.

2. أداة الإهلاك: هي ذلك الشيء الذي يتم به الإهلاك، فحين يكون (الإعدام شنقاً) أسلوباً من أساليب الإهلاك، فإن منفذ الإعدام يكون هو (الوسيلة)، ويكون (حبل المشنقة) هو الأداة.

هكذا كتب الله على المُعَذب بأسلوب (الجلد) أن يُعذب بهذا الأسلوب وبهذه الوسيلة وبتلك الأداة!!، وكذلك كتب الله على من حُكِمَ عليه بالإعدام شنقاً، أن ينفذ عليه الحكم بهذا الأسلوب وبهذه الوسيلة وبتلك الأداة... وهكذا، كما أن الله يحدد أداة التعذيب أو الإهلاك حتى لو كانت بفعل البشر، فالأمر كله بيد الله وبأمره وبعلمه I كما ذكرنا، فعند الله وحده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو، فكل شيء في كتاب مبين عند رب العالمين.. قال تعالى: )وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( (الأنعام: الآية 59)، فلنتدبر قدرة الله تعالى لعلنا نقدره حق قدره !!، وحين يحكم الله بشيء فلا يشاركه في حكمه أحد، وإذا حكم الله على شيء فلا معقب لحكمه.

رابعاً: هلاك أصحاب الفيل كمثال لتوضيح الفرق بين الأسلوب والوسيلة والأداة في تنفيذ التعذيب أو الإهلاك

لكي تبقى تلك الفروق في الذاكرة، نضرب مثلاً بكيفية إهلاك الله لأصحاب الفيل، في قوله تعالى: )أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ( (الفيل: الآيات 1-5).

من تلك السورة يمكن أن نتبين (الأسلوب ـ الوسيلة ـ الأداة) بيسر ووضوح، فتلك السورة القصيرة تبين وتوضح بصورة مبسطة (الأساليب والوسائل والأدوات) التي يعذب الله بها المعذبين أو يهلك بها الهالكين، ويمكن بواسطتها (القياس) على ذلك كل ما ورد في القرآن الكريم من قصص تعذيب أو إهلاك للقرى الظالمة، أو قصص التعذيب والإهلاك التي تحدث من حولنا في زماننا، واستخلاص (الأساليب والوسائل والأدوات) التي عذب الله بها وأهلك الظالمين في الماضي، والتي يعذب الله بها ويهلك الظالمين في الحاضر والمستقبل، فهي سورة لا يقف الكثيرون عندها لمعرفة (كيفية) إهلاك أصحاب الفيل، لقوله تعالى: )أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(، فهو سؤال من الله في بداية السورة، يدعونا إلى التفكير في (الكيفية) التي أهلك الله بها أصحاب الفيل!!، والبحث عن الأسلوب والوسيلة والأداة التي تم بها إهلاكهم، فمن تلك السورة يمكننا دائما أن نتذكر الآتي:

1. أسلوب التعذيب أو الإهلاك

هو نوع العقاب الذي يقع على المعاقبين، ويعد الأسلوب الذي عاقب الله به أصحاب الفيل، هو (الرجم)، لأن الرجم هو الرمي بالحجارة (اُنظر شكل أسلوب إهلاك أصحاب الفيل)، إن (الرجم) هو الأسلوب الذي حدده الله لإهلاك أصحاب الفيل، فأرسل عليهم طيراً أبابيل لترميهم بحجارة من سجيل، فهو الأسلوب المناسب الذي أراده الله لإهلاكهم، فإذا أُلقيت عليهم حجارة من سجيل، فإنها ستجعلهم كالعصف المأكول، وهو شكل الخاتمة التى يريدها الله I لهم أيضا، ولتكون عبرة لغيرهم من بعدهم، وليقول لنا الله I أيها الناس (ألم تروا كيف فعلت لكم بأصحاب الفيل؟!، لقد أرسلت عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فهل خطر على بالكم هذا الأسلوب؟)، ولو حدد الله I أسلوباً آخر لإهلاكهم كالغرق مثلاً، لسلطه عليهم فوجدوا المياه تغمرهم من كل مكان، وتأتيهم من فوقهم ومن تحت أقدامهم كما فعل الله I بقوم نوح u من قبل.

2. الوسيلة

الوسيلة هي (الطير الأبابيل)، فهي الشيء الذي يحمل أداة التعذيب أو الإهلاك (اُنظر شكل الطير الأبابيل).

3. الآداة

الأداة هي (الحجارة التي من سجيل)، وهي التي تم بها تنفيذ الإهلاك المباشر لأصحاب الفيل ُنظر شكل حجارة من سجيل).

4.   أمثلة لبعض (أساليب ووسائل وأدوات) التعذيب أو الإهلاك التى تستخدم ضد البشر

هناك أساليب كثيرة تستخدم لتعذيب أو إهلاك البشر، وهناك وسائل وأدوات أكثر!!، وتتطور أساليب التعذيب أو الإهلاك ووسائلهما، كلما تطورت أدواتهما على مر العصور، فعلى سبيل المثال:

كان الناس قديماً لا يعرفون سوى (السهم والسيف والخنجر) من أنواع أدوات تعذيب الأخرين أو إهلاكهم، أما في العصر الحديث فقد أصبحت تلك الأدوات أكثر تطوراً وضراوة، وتسابقت الدول نحو إنتاج أو امتلاك الطائرات والدبابات والمدافع والرشاشات، وكذلك إنتاج أو امتلاك الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية وغيرها، وكلها أدوات أصبحت الآن شائعة ومستخدمة بدلاً من (السيف والسهم والخنجر)، تلك الأدوات القديمة التى لا تكاد تراها أو تسمع عنها في الحروب الحديثة، ولا نراها إلا في بعض الأفلام القديمة وكتب التاريخ، فقد أصبح الإنسان الآن في غنى عن تلك الأدوات التى عَفَا عليها الزمن، والتى لم يعد لها مكان بعد هذا التطور المذهل في إنتاج أدوات التعذيب وآلات الحرب والدمار.

وقد أدى هذا التطور في (الأدوات) إلى تطور في الوسائل والأساليب بطبيعة الحال، ولا يمكننا حصر الوسائل أو الأساليب المستخدمة للتعذيب أو الإهلاك في هذا العصر، يرجع ذلك إلى الكم الهائل من الإنتاج المتنوع لأدوات التعذيب أو الإهلاك، والتى يتفنن ويتسابق البشر في إبتكار كل جديد فيها، خاصة في ظل التقدم التكنولوجى الهائل الذى يشهده العالم الآن.

ولا نستطيع أن نغوص في هذا المجال، كما يغوص فيه العلماء المتخصصون، الذين يمارسون تلك الأساليب والوسائل مع الآخرين، (كالعاملين بأجهزة المخابرات والأمن في البلدان المختلفة والدول المتقدمة)، والذين تتطلب طبيعة عملهم استخدام كل فنون التنكيل والتعذيب، لانتزاع الاعترافات من المجرمين أو الأسرى، هذا بخلاف الممارسين لتلك الفنون بطرق غير مشروعة وغير أخلاقية، كعصابات المافيا والمجرمين، وقوات الاحتلال في الدول المحتلة على كل مَن هم تحت سيطرتهم وقبضتهم.

وسنضرب بعض الأمثلة لتلك الأساليب والوسائل للتقريب، ونترك للقارىء بعد ذلك متابعة الجديد في أساليب ووسائل التعذيب وأدواته، من خلال الصحف اليوميه، والمجلات الأسبوعية، وعبر شاشات التلفزيون والأقمار الصناعية، وجميع وسائل الإعلام الأخرى في كل مكان في العالم، فموضوع التعذيب والإهلاك هو موضوع دائم وأبدى لا ينتهي.

عرَّف الله ملائكته قبل خلق آدم u بأن البشر سفاكون للدماء، ومفسدون في الأرض، قال تعالى: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ( (البقرة: الآية 30)، أي واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة، وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين.

وقد وصفهم الله I بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه، وهاهنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقاً. قال قتادة وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها، فقالوا: )أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ(، فهذا ليس على وجه الاعتراض وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء؟، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي نصلي لك.

قال ابن جريج إنما تكلموا بما أعلمهم الله أنه كائن من خلق آدم u، فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، وقال ابن جرير وقال بعضهم، إنما قالت الملائكة ما قالت: )أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ(، لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم، فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها، وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم!؟، فأجابهم ربهم إني أعلم ما لا تعلمون، وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموه عن ذلك، فكأنهم قالوا يا رب خبرنا، مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار.

ومنذ أن هبط آدم u علي الأرض والبشر يقاتل بعضهم بعضاً، منهم من يفسد في الأرض ومنهم من يسفك الدماء، وسيبقى هذا الأمر دائما إلى يوم الدين!!.. وقد حدد الله العقاب اللازم لكل ظالم يفسد في الأرض ويسفك الدماء، حدد لكل عقاب أساليبه ووسائله وأدواته!!، فلا وجه للتعجب مما يحدث الآن على هذا الكوكب من فساد وسفك للدماء!!، ويستطيع المرء ببساطة شديدة، وبعد الأمثلة التى ضربت عن أصحاب الفيل، وبعد رؤية مشاهد التعذيب والإهلاك التي يقوم بها البشر على الأرض، أن يحدد بنفسه الأتي:

·      الأسلوب الذي تم به التعذيب أو الإهـــــــلاك.

·      الوسيلة التى تحمل آداة التعذيب أو الإهــــلاك.

·      الأداة التى ينفذ بهاالتعذيب أو الإهــــــلاك.

وسوف نعرض بشيء من التفصيل، أمثلة لبعض تلك الأدوات التي يسلطها الله على الناس، مثل (الريح ـ الجفاف ـ الجراد ـ جنون البقر ـ حمم البراكين، وغير ذلك من أدوات العذاب الإلهية)، وأمثلة أخرى من أدوات التعذيب التي يسلطها الناس على الناس أو الكائنات، والتي بعضها مادي (كالحبال والعصي وغيرها)، وبعضها معنوي كالحبس والإذلال وغير ذلك).

وقد تتشابه أدوات التعذيب مع أدوات الإهلاك وقد تختلف، بحيث ما يصلح لهذا لا يصلح لذاك، فمثلاً (السكين) هي أداة يمكن استخدامها في تعذيب الأشخاص، ويمكن استخدامها أيضاً في إهلاكهم، بينما (القيد الحديدى) وهو أداة من أدوات التعذيب، لا يصلح استخدامه أداة للإهلاك.

وقد تتناسب أدوات التعذيب مع نوع المنطقة من الأرض، فعلى سبيل المثال قاطنو مناطق (البراكين) يذوقون عذاب حممها الملتهبة الناتجة عن ثورة براكينها، وهذا النوع من العذاب قد لا يعرفه من لا يسكن تلك المناطق أو يزورها، وكذلك سكان (المناطق الجليدية) فإنهم يذوقون نوعاً آخر من العذاب، ذلك العذاب الناتج عن الانهيارات الجليدية وأثارها المفزعة، وهذا النوع أيضاً لايعرفه إلا سكان تلك المناطق، وهكذا قد ترتبط أدوات العذاب بطبيعة المنطقة من الأرض.

وهناك صنفان من أدوات العذاب

أ. أدوات العذاب التي يسلطها الله على الناس

من المعروف ومن البديهي أن الإنسان لا يستطيع أن يرسل بالرياح، أو يوقف المطر، أويأتى بالجفاف، كما لا يستطيع الإنسان أيضاً أن يسلط الجراد على البلاد، أو يفجر البراكين ويهيل جبال الجليد، أو يخلق الأمراض كالإيدز وجنون البقر والحمي القلاعية والجمرة الخبيثة... الخ، فكل تلك الأمور لا يقدر عليها إلا الله وحده خالق كل شيء، وإن كان I قد سخر الريح من قبل لنبيه سليمان u، فإنه لم يسخرها له لتعذيب أو إهلاك أو الإضرار بالآخرين، بل سخرها له لتجرى بأمره رخاء حيث أصاب، قال تعالى: )فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ( (ص: الآية 36).

(1) أمثلة لبعض أدوات العذاب التى يسلطها الله على الناس

(أ) الرياح

نضرب مثلا برياح الخماسين ورياح السموم، من أدوات العذاب التى يسلطها الله على الناس، ونشاهد ونتلمس تأثيرهما على من تهب عليهم من البشر، وهما من الرياح التى يُدخلها العلماء تحت مسميات الأخطار والكوارث الطبيعية.

·      رياح الخماسين

تهب على القسم الشمالي من مصر، وتصل حرارتها إلى 45 درجة مئوية أثناء الربيع، وهي رياح محملة بالرمال والتراب وتستمر من يومين إلى ثلاثة أيام، وتؤدي إلى تلف النباتات، وحجب الرؤية، واختناق الحيوانات، وتلوث البيئة، وانتشار الأمراض.

·      رياح السموم

تماثل رياح الخماسين التى تهب على مصر، وهي تهب على الجزيرة العربية، وتؤدى إلى إصابة عدد كبير من السكان بأمراض الجهاز التنفسي، وإلى تلوث الجو، وتعطل حركة النقل.

والرياح أداة خطيرة للغاية إذا أرسلها الله على قوم، سواء كانت لتعذيبهم أو لإهلاكهم، فقد تأخذ تلك الرياح خصائص أخرى غير التى نعرفها، فالله قادر على أن يجعل خصائصها أشد وأعتى مما هو معروف لدينا. ألم تر كيف فعل الله بعاد، إرم ذات العماد، التى لم يُخلق مثلها في البلاد ؟!.

قال تعالى: )وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ( (الحاقة: الآيات 6-8). لقد سلط الله عليهم ريحاً صرصراً عاتية، سخرها عليهم سبع ليالى وثمانية أيام حسوماً، رياح فيها عذاب وفيها الهلاك في آن واحد، لا شك أنهم خلال تلك الليالي السبع عُذبوا عذاباً رهيباً، ثم في النهاية أهلكهم الله جميعاً!!.

وقال تعالى: )فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ( (الأحقاف: الآيتان 24، 25)، ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بإذن ربها.

فإذا هبت الريح من حولنا، يجب أن نتذكر أحوالنا، وأحوال من عذبهم الله بها من قبلنا، ولا تمر الرياح علينا هكذا دون تدبر، فإنما يذكرنا الله بها وبعذابها، فرياح قوم عاد كانت تدمر كل شيء، ولا تترك من شيء أتت عليه إلا أفسدته وجعلته كالرميم!، قال تعالى: )وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ( (الذاريات: الآيتان 41 و42)، فلا تأمنوا لها حين ترونها!!، ففيها رحمة الله وفيها عذابه.

(ب) الجفاف

هو حدوث انخفاض في فاعلية المطر، وليس في كميته وهذا النوع من الجفاف يُحدِث أزمات اقتصاديه في الدول، ويدفع الكثير من سكانها إلى الهجرة، بل قد يضطر السكان في بعض القرى لأكل الحيوانات البرية وأوراق الشجر وغيرها، وقد يسبب الجفاف خسائر هائلة في الثروة الحيوانية.

(ج) الجراد من أشد أنواع الحشرات فتكاً بالمحاصيل الزراعية التي يهاجمها، والجراد سلطه الله على قوم فرعون من قبل، يطير في أسراب على شكل سحابة، تصل مساحتها إلى حوالي20 كم2، ويقطع مسافات كبيرة تصل إلى 2200 كم دون توقف، ويأتي الجراد على مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء، قد يصل بها إلى حد أكل الجراد للحاء الشجر بما فيها النخل[1]، ولعل ضخامة الفقد في المحاصيل الزراعية نتيجة الهجمات الشرسة من الجراد، هي التي جعلت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تقف أمام الأرقام مندهشة[2]!!0

(د) جنون البقر والحمى القلاعية

انتشر هذا الوباء في أواخر القرن العشرين، وأوائل القرن الحادي والعشرين، عذب الله به بريطانيا على وجه الخصوص، وكثيراً من دول العالم على وجه العموم، هذا الوباء الذي يصيب الماشية وخاصة الأبقار، ويؤدى إلى جنونها أو وفاتها، وما يسببه ذلك من أضرار بالغة على الحيوانات الأخرى وعلى صحة الإنسان، هذا النوع من العذاب الذى سلطه الله على بريطانيا، جعل إنتاجها الوفير من الثروة الحيوانية، والذي يشكل ركناً مهماً في اقتصادها القومي، قد أجبر بريطانيا على القيام بتبديده طواعية خشية انتشاره، بل كانت تسابق الزمن للتخلص منه، حيث قامت بإعدام ملايين الأبقار بيدها لتزداد حسرتها حسرة، ويزداد عذابها عذاباً، فهذا الخير الذي كان لديهم من الماشية والأبقار، انقلب إلى عذاب من العزيز الجبار!!. فقد ذهب جهدهم هباء!!، بعد أن أنفقوا على تربية الأبقار والماشية مبالغ طائلة، عملوا على إعدامها بأنفسهم طواعية (ياله من عذاب!!!).

(هـ) حمم البراكين

هذا النوع من (أدوات العذاب)، يعد أيضاً من (أدوات الهلاك)، وذلك نتيجة أن البراكين لها علامات ومؤشرات تسبق انفجارها[3]، وتؤدي تلك العلامات والمؤشرات، إلى إمكانية تحذير السكان بالابتعاد عن مناطق البراكين الثائرة، قبل حدوثها بوقت كاف، ففي حالة إمكانية تحذير سكان المنطقة عن بداية علامات ثورة البراكين، يكون هناك وقتاً متاحاً للسكان لترك المنطقة، فيُعذب سكانها ولا يهلكون!!، يرجع ذلك نتيجة هذا التحذير المبكر، يُعَذَّبُون بتركهم منازلهم ومتاعهم، والبحث عن مكان جديد لإيوائهم، ويعذبون أيضاً نتيجة هجرتهم لمواطنهم لفترة من الزمن، بعد حياة استقرار كانوا ينعمون بها.

أما في حالة ثوران البراكين مفاجِئة، فإن حمم البراكين في هذه الحالة قد تكون أداة من أدوات الإهلاك المؤكدة، حيث يكثر عدد القتلى، ويعم الخراب والدمار، إضافة إلى الخسائر المادية الرهيبة التى تلحق بهم!!، ونظراً لندرة حدوث انفجارات بركانية وعدم تكرارها على فترات قصيرة، فقد تسبب ذلك في إيجاد حالة استرخاء بين السكان، وجعلهم يأمنون الحياة هناك وينخدعون بحالة الهدوء البركاني، ويتمادون في إقامة مساكنهم بجوار البراكين أو فوق سفوحها يوما بعد يوم، ويتعايشون هناك آمنين مطمئنين طالما ظلت تلك البراكين خامدة!!.

(و) الأموال والأولاد

الأموال والأولاد نوع من أدوات العذاب أيضاً، يسلطها الله على الناس، فمن الأموال والأولاد ما يعذب الله بها الناس في الحياة الدنيا، لقوله تعالى: )فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ( (التوبة: الآية 55)، راقب الناس وهم يُعَذبون في الدنيا بأموالهم وأولادهم من حولك!!، إذهب إلى البورصة وشاهد عذاب الخاسرين لأموالهم، وأذهب إلى دور المسنين واستمع إلى حكاياتهم مع أبنائهم!!.

تلك بعض أنواع الأدوات التى يعذب الله بها الناس، وعند الله المزيد!، وقد أخبرنا القرآن الكريم عن بعض هذه الأدوات، مثل طوفان والقمل والضفادع والدم... الخ، والله قادر على أن يبعث على الإنسان العاصي عذاباً عجيباً وغريباً وغير مألوف، فعندما طلب الحواريون من عيسى u أن يدعو الله لينزل عليهم مائدة من السماء، أجاب الله مطلبهم، ثم هددهم بعذاب لا يذوقه أحد من العالمين: )قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ( (المائدة: الآية 15). تدبر قوله تعالى: )فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ(، أي عذاباً غير مألوف.

والله I لا تنتهي أدوات عذابه، فهي أدوات كثيرة لاحصر لها ومتنوعة ولا تخطر على قلب بشر، وإذا أردت أن تعلم قدرة الله في عقاب البشر بأدوات مختلفة وغير مألوفة، فتدبر قوله تعالى: )قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ اُنظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ( (الأنعام: الآية 65)، تأمل قوله تعالى: )قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ(.

إن عذاب الله للناس في الحياة الدنيا ليس بالموضوع الهين، بل هو موضوع مهم وخطر يحتاج منا إلى وقفة وتدبر وتأمل!!، فلعل التأمل يشفي صدور المظلومين، ويجعل الظالمين محاصرين بصنوف من عذاب الله التي لا تعد ولا تحصى وهم لايدرون!!، ويجب أخذ التحذيرات الواردة في كتاب الله عن عذابه I مأخذ الجد، فقول الله I فصل وما هو بالهزل!!.

(2) أمثلة لبعض أدوات العذاب التى يسلطها الناس على الناس وعلى الكائنات الأخرى

إن عذاب الناس للناس والكائنات الأخرى، أمر نسمعه ونراه في كل مكان وفي كل وقت، وأدوات العذاب قد يدخل فيها (الإنسان نفسه وشهواته)، فإن ما نقرؤه في الصحف المحلية والإقليمية والعالمية من حوادث الاغتصاب، والاختطاف والحبس والاعتقال، والسرقة والنهب، وإيذاء بعض الكائنات الأخرى، كالحيوانات والطيور والنباتات، إنما هي صور لبعض أشكال التعذيب التي يكون أداتها هو الإنسان نفسه.

أما إذا استخدم الإنسان بعض أدوات التعذيب، فيتحول (الإنسان) في هذه الحالة من أداة للتعذيب، إلى وسيلة من وسائله، وهذا التحول هو فن من فنون التعذيب، يبرع في استخدامها المجرمون المحترفون !!، وهذان مثالان لأدوات التعذيب البدني والنفسي التي قد يستخدمها الإنسان في تعذيب الأخرين:

(أ) أداة تعذيب بدني (ماء النار)

يعد ماء النار أداة من أدوات التعذيب القبيحة، فهي تسبب عذاباً قاسياً للمُعذَب، وقد يأخذ عذابه صفة الدوام لعظم الإصابة به، ذلك لأن المصاب في هذه الحالة يعانى من عذاب مزدوج (عذاب نفسي) نتيجة التشوه بماء النار وتقبيح شكله، و(عذاب جسدى) مؤلم ناتج عن الإصابة بالحروق الناتجة، تصور بشاعة أداة التعذيب هذه!!، وبشاعة أسلوبها ووسيلة تنفيذها!!، فإن تأثير ماء النار على أماكن مهمة كالعين مثلاً، تجعل المصاب فاقداً فقداً دائماً للبصر، فلا يستطيع الرؤية كما كان من قبل، وقد يصاب أيضاً بحالة من الانطواء والاكتئاب والبعد عن الآخرين، فيكون بذلك قد عُذب عذاباً مضاعفاً (عذاب بدني، وعذاب نفسي) في آن واحد.

(ب) أداة تعذيب نفسي (اللسان)

يعد اللسان أداة من أدوات التعذيب النفسي المؤلمة، فاللسان له مفعول السحر مع الآخرين، فبقدر ما يصدر عنه أحلى الكلام، وتنطلق من خلاله روائع الأنغام، فإنه في نفس الوقت قد يكون أداة بشعه للتعذيب النفسي للإنسان، فعندما يتعرض عامل من العمال للسب والإهانة وبذاءة اللسان من صاحب العمل، وعندما تخرج من اللسان بعض كلمات التوبيخ والتحقير من إنسان إلى إنسان، فإن ما يخرج من هذا اللسان يترك أثراً سيئاً في نفس الإنسان الآخر، وهذا يؤدى إلى الدخول في مرحلة تعذيب نفسي طويلة، وهذا النوع من العذاب قد يستغرق بعضاً من الوقت حتى تزول أثاره.

والأمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها جميعاً، لكننا نسمعها ونقرؤها ونشاهدها يومياً في وسائل الإعلام المختلفة، نسمع عن المُعَذبين نتيجة تعاطى المخدرات والإدمان، ونسمع عن المعذبين بسبب البطالة والحرمان، ونسمع في نفس الوقت عن المعذبين بتكسير العظام وقطع الأطراف، كما يحدث الآن في مناطق الصراعات، وكلها أمثلة تبين أدوات لتعذيب الإنسان للإنسان.

لقد ذُكرت كلمات العذاب بمشتقاتها في القرآن الكريم 373 مرة، وقد آن الأوان أن ينتبه الإنسان إلى موضوع العذاب الوارد في القرآن الكريم، ولا يظن البعض أن الزلازل والبراكين هي كلمات الطبيعة كما يتصورها الدهريون، وأنها ظواهر تظهر عشوائياً بفعل الطبيعة كما يعتقدون، فالحقيقة أنها إنذارات من الله وفرص للتائبين، قبل أن يلاقوا عــذاب الآخرة وبئس المصير، قال تعالى: )وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا( (الطلاق: الآيتان 8 و9).

 



[1] حدث ذلك في الأراضي المصرية خلال فترات من عامي 1914، 1915.

[2] السودان: 90 ألف هكتار فقد في المحاصيل عام 1992.

  إثيوبيا: 54 ألف هكتار فقد المحاصيل عام 1992.

  الصومال: 32 ألف هكتار فقد في المحاصيل عام 1992.

[3] من المؤشرات التي تسبق الانفجار البركاني: ارتفاع درجة الحرارة لمياه الغدران، مع زيادة في نسبة الكبريت، حدوث هزات أرضية خفيفة تزداد تدريجياً، انصهار الثلوج والجليد على السفوح العليا للبركان، سلوك غير مألوف لبعض الحيوانات والطيور بمنطقة النشاط البركاني.