إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الموت، ودفن الموتى









المصادر والمراجع

المبحث الثالث

الموت والتكفين

أولاً: الموت في التصور الإسلامي

كان قضاء الله وقدره أن يعيش الإنسان عمراً زائلاً في الدنيا، ثم يعيش عمراً خالداً في الآخرة: ]وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ[ (سورة الحجر: الآية 23)، ]وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 145). واليوم الآخر ركن أساسي من الأركان الستة للإيمان، لذا اهتم به القرآن الكريم والسنة النبوية، واستفاضا في الحديث عنه، بدءاً بالموت، وانتهاءاً بالمآل الذي ينتهي إليه كل إنسان، إما إلى الجنة ونعيمها، أو إلى النار وعذابها، وكما أن للحياة حكمة، فإن للموت حكمة وغاية كذلك، وتكتمل الحكمتان في اختبار الإنسان، وامتحانه، ثم خلوده في حياة أخرى باقية، لذلك نزع الإسلام الخوف والوهن من الموت من صدور المسلمين، وأنزل السكينة بدلاً منها، بل إن الإسلام حبب الموت في سبيل الله إلى الناس، ورغبهم فيه. عن أنس بن مالك عن النبي r قوله: ]مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2606)، كما يعتبر الموت بالنسبة إلى المؤمن ولادة جديدة. يقول تعالى: ]الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[ (سورة الملك: الآية 2).

ويؤمن المسلمون إيماناً جازماً أن ساعة الموت لكل حي، لا يعلمها إلا الله، وأن يوم القيامة استأثر الله وحده بعلمه، ضمن مفاتيح الغيب؛ قال تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[ (سورة لقمان: الآية 34).

1. فضل ذكر الموت والاستعداد له

الموت عند المسلمين جسر بين حياتين: حياة الدنيا الفانية، وحياة الآخرة الباقية، والدنيا مزرعة للآخرة، فمن عمل صالحاً في دنياه، نجا من سوء الحساب والعذاب في الآخرة، وكان من الخالدين في جنان الله. ومن عمل سوءاً ـ غير الشرك بالله، والموت على ذلك ـ كان من المعذبين في نار جهنم، إلا أن يعفو الله عنه. والموت انتقال من عالم لآخر، وليس فناء، وإنما هو مفارقة الروح للبدن.

ويستحب لكل مؤمن ذكر الموت والاستعداد له لقوله r: ]أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2229)، والهاذم: القاطع، وبالمهملة (الدال) معناه المزيل للشيء من أصله، فَإِنَّهُ مَا كَانَ فِي كَثِيرٍ إِلّا قَلَّلَهُ, وَلا قَلِيلٍ إِلا جَزَلَهُ.

ويجب الاستعداد للموت: بالخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، والإقبال على الطاعات، لقوله تعالى: ]فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[ (سورة الكهف: الآية 110)

وكذلك كتابة وصيته، عملاً بقول الرسول r: ]مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2533).

فعلى المسلم أن يُعرِّف أهله بما له وبما عليه من ديون الناس، أو حقوق الله تعالى كالزكاة والحج والنذر وكفارة اليمين وفدية الصوم ونحوها، وأن يبادر بسدادها قبل موته. وإلا فعلى أهله الإسراع بسدادها، وخاصة ديون العباد.

وإذا شعر الإنسان بدنو أجله يستحب أن يدعو ربه بأن يتوفاه مع الأبرار: ]رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ ءامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ[ (سورة آل عمران: الآية 193).

2. التداوي

قال العز بن عبدالسلام: "الطب كالشرع وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام".

وقد عُلم من الشرع بالضرورة مشروعية التداوي، وأن حكمه في الأصل الجواز لمقاصد الشرع في حفظ النوع الإنساني، ولكن قيل: بل إن أحكام التكليف الخمسة تنسحب عليه. فمنه ما هو واجب، وهو ما يعلم حصول بقاء النفس به لا بغيره، ولذلك يختلف حكم التداوي باختلاف الغاية منه:

أ. حفظ الصحة الموجودة.

ب. إعادة الصحة المفقودة بقدر الإمكان.

ج. إزالة العلة أو تقليلها بقدر الإمكان.

د. تحمل أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما.

هـ. تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما.

ولقد أمر رسول الله r بالتداوي في قوله: ]إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3376).

وقال كذلك: ]إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 4015).

والتداوي لا ينافي التوكل على الله؛ لأن التداوي من قدر الله، مثلما أن الداء من قدر الله، فهو رد القدر بالقدر.

ومن التداوي الرُقية الشرعية: قال ثابت لأنس بن مالك: يا أبا حمزة اشتكيت، قال أنس: أفلا أرقيك برقية رسول الله r؟ قال: بلى، قال أنس: ]أَذْهِبْ الْبَأسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5302).

وقول النبي r: ]مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2700).

3. كراهية تمني الموت

يكره تمني الموت لضر نزل بالمرء في بدنه، أو ضيق في دنياه، أو نحو ذلك. قال رسول الله r: ]لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5239).

ولا يكره تمني الموت لضرر في الدين أو خوف فتنة، لقوله r: ]وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 3157).

وتمني الشهادة في سبيل الله ليس من تمني الموت المنهي عنه. لأنه تمني لنصرة دين الله ورفع كلمته، ودفع النفس في سبيل الله.

4. الشكوى والصبر وحسن الظن بالله تعالى

ويجوز أن يخبر المريض بما أصابه من الوجع، ولو لغير طبيب، بلا شكوى، بعد أن يحمد الله؛ لما روي عن ابن مسعود: "إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك". ويستحب أن يصبر المريض وكل مبتلى، للأمر به في قوله تعالى: ]وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ[ (سورة النحل: الآية 127)، وقوله: ]إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[ (سورة الزمر: الآية 10)، وقوله r: ]والصَبْرُ ضياء[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 328).

كما ينبغي أن يكون المريض حسن الظن بالله؛ لما ثبت عن رسول الله r قوله: ]لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّن[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 5124). ومعناه أن يظن أن الله تعالى يرحمه، ويرجو ذلك كرماً ورحمة ومسامحة؛ لأنه سبحانه أكرم الأكرمين يعفو عن السيئات، ويقبل العثرات، فعلى المريض أن يقدم الرجاء على الخوف لما جاء في الحديث القدسي: ]إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2310). وفي رواية: ]أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8715).

5. توبة اليأس، وإيمان اليأس

وإذا كان الإنسان في إدبار من الدنيا، وإقبال على الآخرة، وبدأ الموت يسري في عروقه، وكانت الغرغرة، ويأس من الحياة، فتاب إن كان فاسقاً، أو آمن إن كان كافراً، فما حكم هذه التوبة؟ وهل يصبح مؤمناً بإيمانه في هذه الحالة؟

قال بعض العلماء على أن إيمان اليأس من الحياة لا يُقبل، وذلك لقوله تعالى: ]فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ[ (سورة غافر: الآية 85)، واليأس معاينة أسباب الموت، بحيث يعلم قطعاً أن الموت يدركه لا محالة. كإيمان فرعون. وقال البعض الآخر، وهو القول الراجح، يُقبل الإيمان لحديث: ]أَنَّ غُلامًا مِنْ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ r يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ فَقَامَ النَّبِيُّ r وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2691).

أما توبة اليأس. فقال جمهور العلماء: إن توبة اليأس لا تقبل كإيمان اليأس لعدم الاختيار، وعدم توافر ركن التوبة، وهو العزم بطريق التصميم على ألا يعود، في المستقبل، إلى ما ارتكب من المعاصي.

والمختار عند الحنفية: إن توبة اليأس مقبولة، لا إيمان اليأس؛ لأن الكافر غير عارف بالله، ويبدأ إيماناً وعرفاناً جديداً، والفاسق عارف، والأصل بقاء الحال، ولقوله r: ]إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 3460)، والغرغرة تكون قرب كون الروح في الحلقوم، وحينئذ فلا يمكن النطق.

والذي يوافق روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها هو ما ذهب إليه الأحناف لأن في ذلك إحسان الظن بالله تبارك وتعالى.

ثانياً: أحكام الموتى في الشريعة الإسلامية

1. أحكام المحتضر

أ. تعريف المحتضر

هو من حضره الموت وملائكته. والمراد من قرب موته، ظهور علامات الاحتضار، كما أوردها الفقهاء، أن تسترخي قدماه فلا تنتصبان ويعوج أنفه، وينخسف صدغاه، ويمتد جلد خصيتيه لانشمار الخصيتين، وتمتد جلدة وجهه فلا يرى فيها تعطف.

ب. توجيهه نحو القبلة

يضجع المحتضر على جنبه الأيمن إلى القبلة، إتباعاً للسنة؛ لقوله r عن البيت الحرام: ]قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا[ (رواه أبو داود، الحديث الرقم 2490).

ولقول حذيفة، t: "وجهوني" يقصد إلى القبلة، وقول السيدة فاطمة الزهراء، رضي الله عنها، لأم رافع: ]يَا أُمَّهْ اسْكُبِي لِي غُسْلًا فَسَكَبْتُ لَهَا غُسْلاً فَاغْتَسَلَتْ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُهَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ قَالَتْ يَا أُمَّهْ أَعْطِينِي ثِيَابِيَ الْجُدُدَ فَأَعْطَيْتُهَا فَلَبِسَتْهَا ثُمَّ قَالَتْ يَا أُمَّهْ قَدِّمِي لِي فِرَاشِي وَسَطَ الْبَيْتِ فَفَعَلْتُ وَاضْطَجَعَتْ وَاسْتَقْبَلَتْ الْقِبْلَةَ وَجَعَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا ثُمَّ قَالَتْ يَا أُمَّهْ إِنِّي مَقْبُوضَةٌ الآنَ إِنِّي مَقْبُوضَةٌ الآنَ وَقَدْ تَطَهَّرْتُ فَلا يَكْشِفُنِي أَحَدٌ[ (رواه الإمام أحمد، الحديث الرقم 26333).

فإن تعذر ذلك لضيق المكان ونحو ذلك، يوضع مستلقياً على قفاه، ووجهه وقدماه نحو القبلة؛ لأنه أيسر لخروج روحه. وإن شق عليه تُرك على حاله. ويسن تجريع المحتضر بماء بارد بملعقة، أو قطنة مثلاً.

ج. تلقين الميت الشهادة

وهي أن يقول القريب من الميت "لا إله إلا الله"، لحديث: ]لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1523). وينبغي أن لا يلح عليه في ذلك، وأن لا يقول له قل لا إله إلا الله؛ خشية أن يضجر فيقول: لا أقول، أو يتكلم بغير هذا من الكلام القبيح، ولكن يقولها للميت يسمعه إياها، معرضاً له ليفطن فيقولها، وإذا أتى بالشهادة مرة لا يعاود ما لم يتكلم بعدها بكلام آخر. والأمر بهذا أمر ندب، وأجمع العلماء على هذا التلقين، وكرهوا الإكثار على المحتضر؛ لئلا يضجر لضيق حاله وشدة كربه.

ويأخذ من الحديث استحباب الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه وإغماض عينه والقيام بحقوقه.

د. قراءة يس

ويستحب أن يقرأ عند المحتضر سورة يس لقول رسول الله r: ]اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2714). وإن كان بعض العلماء يُضعِّف هذا الحديث، ويرى أن العمل به بدعة.

2. ما ينبغي فعله بعد الموت

أ. ما ينبغي فعله بجسم الميت

اتفق الفقهاء على أنه إذا مات الميت شُد لحياه، وغمضت عيناه، فإن النبي r دخل على أبي سلمة، وقد شق بصره[1] فأغمضه وقال: ]إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ وَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّهُ يُؤَمَّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَيِّتِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 16513)، ويتولى أرفق أهله به إغماضه، بأسهل ما يقدر عليه، ويشد لحياه بعصابة عريضة يشدها في لحيه الأسفل ويربطها فوق رأسه. ويقول مغمضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله. اللهم يسر عليه أمره، وسهل عليه ما بعده. وأسعده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيراً مما خرج منه. ويلين مفاصله، ويرد ذراعيه إلى عضديه، ويرد أصابع كفيه، ثم يمدها، ويرد فخذيه إلى بطنه، وساقيه إلى فخذيه، ثم يمدها، وهو أيضاً مما اتفق عليه. ويستحب أن ينزع عنه ثيابه التي مات فيها، ويسجى جميع بدنه بثوب، ]فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5367)، ويترك على شيء مرتفع من لوح أو سرير، لئلا تصيبه نداوة الأرض فيتغير ريحه. ويجعل على بطنه حديد أو طين يابس، لئلا ينتفخ، وهذا متفق عليه في الجملة.

ب. الإعلام بالموت

يستحب أن يعلم جيران الميت وأصدقاؤه حتى يؤدوا حقه بالصلاة عليه والدعاء له، روى سعيد بن منصور عن النخعي:لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه، إنما يكره أن يقال في المجلس: أنعي (فلاناً)؛ لأن ذلك من فعل أهل الجاهلية، وروي نحوه باختصار عن ابن سيرين، وإليه ذهب الحنفية والشافعية. وكره بعض الحنفية النداء في الأسواق، قال في النهاية: إن كان عالماً، أو زاهداً، فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق لجنازته، وهو الأصح، ولكن لا يكون على هيئة التفخيم، وينبغي أن يكون بنحو، مات الفقير إلى الله تعالى فلان بن فلان فاسعوا في جنازته، ويشهد له أن أبا هريرة كان يؤذن بالجنازة فيمر بالمسجد فيقول: عبدالله دعي فأجاب، أو أمة الله دعيت فأجابت. وعند الحنابلة لا بأس بإعلام أقاربه وإخوانه من غير نداء. وقال ابن العربي من المالكية: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة. والثانية: الدعوة للمفاخرة بالكثرة فهذا مكروه. والثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا محرم. فالنعي منهي عنه اتفاقاً، وهو أن يركب رجل دابة يصيح في الناس أنعي فلاناً، أو أن ينادى بموته، ويشاد بمفاخره. وبه يقول الحنفية والشافعية.

ج. قضاء الدين

يستحب أن يسارع إلى قضاء دينه أو إبرائه منه، وبه قال أحمد لحديث أبي هريرة t مرفوعاً: ]نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 998)، وفي الحديث الحث للورثة على قضاء دين الميت، سواء كان الدين للعباد، أو لله تعالى من نحو زكاة، أو حج، أو نذر، أو كفارة، أو غيرها. وقال الحنابلة: إن تعذر الوفاء استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل عنه، والكفالة بدين الميت قال بصحتها أكثر الأئمة، خلافاً لأبي حنيفة، فإنه لا تصح عنده الكفالة بدين على ميت، مفلس، وإن وعد أحد بأداء دين الميت صح عنده. وهذا الحديث مقيد بمن له مال يقضي منه دينه، وأما من لا مال له ومات عازماً على القضاء؛ فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه، قال رسول الله r: ]من دان بدين في نفسه وفاؤه تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء[ (أخرجه الطبراني).

د. تجهيز الميت

اتفق الفقهاء على أنه إن تيقن الموت يبادر إلى التجهيز ولا يؤخر؛ لقوله r: ]لا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2747)، وتشهد له أحاديث الإسراع بالجنازة، وينتظر من مات فجأة بنحو صعقة، أو من شك في موته، حتى يعلم بانخساف صدغيه... إلخ. وبه يقول المالكية ففي مقدمات ابن رشد: يستحب أن يؤخر دفن الغريق مخافة أن يكون الماء غمره وهو لا يزال حياً.

هـ. ما لا ينبغي فعله بعد الموت

تكره عند الحنفية قراءة القرآن عند الميت حتى يغسل، وأما حديث معقل بن يسار مرفوعاً: ]اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2714)، فقال ابن حبان: المراد به من حضره الموت. كما يحرم فعل من أفعال الجاهلية، كلطم الخدود، وشق الثياب، والدعاء بدعوى الجاهلية. ويكره وضع المصحف عند رأسه.

و. تغسيل الميت

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تغسيل الميت فرض كفاية؛ بحيث إذا قام به البعض سقط عن الباقين، والدليل حديث أم عطية عند موت زينب، بنت رسول الله r، قال رسول الله r: ]اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ تَعْنِي إِزَارَهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1175), وفي رواية: ]ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 162).

وفيما يلي ذكر تفصيل الغسل وذكر أدواته.

(1) أقل الغسل تعميم جسد الميت بالماء.

(2) يجب تعجيل التجهيز من الغسل والتكفين والصلاة عليه والدفن؛ فلا يؤخر لانتظار غائب، ولا يؤخر إلا لعذر (ولأقل فترة زمنية ممكنة)، كانتظار أهل الصلاح والخير ليحضروا الصلاة عليه ودفنه والدعاء له.

(3) يشترط فيمن يتولى الغسل أن يكون مسلماً مشهوداً له بالتقوى والصلاح، ويستحب أن يقصد المغسل بغسله الميت وجه الله تعالى، وأن يكون ثقة أميناً يستر على الميت، ولا يحدث بما قد يرى عليه من مكروه.

(4) يتولى الغسل من هو أعلم بأحكام الغسل، ومعه معاون له، ويكره لغيرهما الحضور بلا داع. ويجوز أن يوصي المسلم بأن يحضر غسله مسلم معين أو مسلمة، إذا كانت الميت امرأة، إن كان في حضوره مصلحة كالدعاء للميت.

(5) ولا بأس من أن يحضر الغسل رجل صالح للمعاونة، وليتعلم أحكام الغسل، إن لم يكن يعلمها، وكذلك امرأة بالنسبة للنساء.

(6) ولا شيء إذا حضر أحد المحارم المؤبدين.

(7) والأولى بتغسيل الميت الموصي له بالغسل، ثم الأب وإن علا، إن كان يحسن الغسل، ثم الابن وإن نزل، وهكذا على ترتيب الميراث، ولو قُدِّم واحد منهم على الآخر فلا بأس، إن كان برضى من الأحق.

(8) يَغسل الرجلُ الرجلَ، وتَغسل المرأةُ المرأةَ، ويجوز للزوج أن يغسل زوجته، ويجوز للزوجة أن تغسل زوجها، ولا فرق بين كيفية تغسيل الرجل أو المرأة فهما سواء. وإن كان الميت صغيراً دون السابعة، فلكل من الرجل والمرأة تغسيله، والأولى مراعاة الجنس، بأن يغسل الصبي رجل، وتغسل الصغيرة امرأة.

(9) يحرم قلب الميت على وجهه.

(10) لا يوجد ذِكر مخصوص أثناء الغسل، ويفضل الصمت، فالموقف موقف عظة واعتبار.

(11) لو تعذر استخدام الماء للتغسيل، كالميت المحترق والمجذوم، يُيمم ولا يغسل، والأولى أن يكون ذلك بحائل مراعاة للخلاف في ذلك.

(12) ويتم التيمم بأن يضرب الغاسل الأرض، أو الحائط، بكفيه ضربتين، أحدهما يمسح بها وجه الميت، والأخرى يمسح بها كفي الميت: يبدأ بالكف الأيمن للميت من ظهره مارا بالمسح إلى بطن الكف ثم الكف الأيسر كذلك، وإن زاد إلى المرفقين في كل منهما وبالكيفية نفسها جاز؛ مراعاة لخلاف من أوجبه من الأئمة. وإن تعذر، غسل بعض الميت، غُسِّل ما أمكن منه، ويُيَمَّم عن الباقي بالكيفية السابقة نفسها.

(13) لو مات رجل بين النساء، تيممه إحداهن ولا تغسله، وكذلك لو ماتت امرأة بين الرجال ييممها أحدهم، ولا يغسلها، ويكون ذلك من وراء ساتر، وبحائل على يد الغاسل أو الغاسلة، أو يسكب ماء يعمم به جسد الميت أو الميتة من وراء ساتر.

(14) إذا لم يتم تغميض الميت، وتليين مفاصله، بعد الوفاة مباشرة، يُفعل ذلك قبل الشروع في الغسل.

(15) يفضل أن ينتبه الغاسل دائما لحال الثوب الذي يستر عورة الميت أثناء أعمال الغسل، فلا يجعله يلتصق بجسد الميت، حتى لا تميز عورته، بل يجب تهويته دائما من فوق جسد الميت.

وفيما يلي أعمال الغسل مرتبة:

(1) تجهز الأدوات المطلوب استخدامها في الغسل وبيانها كالآتي: الماء السدر (أو الصابون)، والكافور، والمسك، وقطعة من الليف ونحوها؛ لتنظيف الجسد بها مع الصابون، وقفازان جلد سميك (أو أربع خرقات نظيفة غليظة)، وواق من المشمع للملابس كالمريلة ونحوها، وواق للأرجل، والملاءة لستر الميت، وسرير الغسل، والأفضل أن يكون به ثقوب، وأن يكون منحدراً جهة رجل الميت، والمنشفة (الفوطة) القطن، وخرقة مشقوقة الطرفين على هيئة حفاظ عصابة، تكفي أن تلف وتشد حول إليته، دلو أو أكثر لإحضار الماء فيه، ودلو أو أكثر لجمع الفضلات فيه.

(2) يتوضأ الغاسل ومعاونه قبل غسل الميت "كما يستحب للغاسل أن يغتسل بعد القيام بالتغسيل وليس ذلك بواجب" خلافاً لبعض العلماء.

(3) يجهز ماء بارد للغسل "ويمكن تدفئته لحاجة كشدة برد أو إزالة وسخ".

(4) يوضع الميت وكل جسده مغطى على شيء مرتفع عن الأرض استحبابا، كسرير الغسل، ويكون منحدراً نحو رجليه، لينصب الماء عنه وما يخرج منه، وأن يتم الغسل في مكان مستور عن الأنظار، وتحت سقف، وليس في العراء، وألا يكون الغسل في مكان نجس، وأن يُطلق البخور دائما حال التغسيل.

(5) يجرد من ثيابه، عدا ما يستر العورة "وهى للرجل من السرة إلى الركبة، وللمرأة كل جسدها إلا الوجه والكفين"، والأولى إلباسه قميصا واسعا فضفاضا، بحيث يمكن تغسيله من أكمامه. وإن تعذر، يشق من الجانبين، ويتم التغسيل من تحته.

(6) يلف الغاسل على يديه خرقة غليظة (أو يرتدى قفازا من جلد سميك)، ويُفَضَّل أن يلبس واقياً على ملابسه (من المشمع مثلا)؛ لمنع وصول الماء المتسخ وغيره إلى ملابسه، أثناء الغسل، وكذلك واقياً للقدمين إن أمكن.

(7) يتم رفع رأس الميت قليلاً قليلاً، لإجلاسه قدر الإمكان، مع عصر البطن باليد اليسرى، والأولى أن يكون ذلك بأن يجلسه الغاسل برفق، ويجعل يمينه على كتف الميت، وإبهامه على نقرة قفاه، ويسند ظهره بركبته اليمنى، ويمسح بطنه، مع تحامل خفيف بيده اليسرى؛ ليخرج ما في بطنه من الفضلات مع قيام مساعده بصب الماء بكثرة، كي لا تظهر رائحة كريهة.

(8) يزيل الغاسل أي فضلات، من على دبر الميت، مع صب الماء لإزالة أي أثر، ويمكن تكرار العصر، إذا احتاج لذلك للتأكد من طهارته تماما مما قد يوجد في بطنه.

(9) يستبدل الغاسل الخرقة الأولى، بعد استعمالها، بأخرى غليظة (أو يغسل القفازين)، ويلفها على يده اليسرى أيضاً، ليغسل قُبل الميت لإزالة ما قد يخرج منه، أثناء صب الماء.

(10) يستبدل الغاسل الخرقة الثانية، بعد استعمالها، بثالثة على يده اليسرى (أو يغسل القفازين).

(11) يُضجع الميت على ظهره، ويبدأ الغاسل في عملية الاستنجاء للميت من القُبل والدبر كلاً، بالمسح بالخرفة الثالثة، وبصب الماء.

(12) ينزع الغاسل الخرقة الثالثة، بعد استعمالها، ويغسل يده بالماء والصابون لتنظيف يديه (أو بغسل القفازين).

(13) تُفك العصابة المربوطة على اللحية والفك، ويُترك الوجه مكشوفا.

(14) يلف الغاسل خرقة رابعة، على سبابته اليسرى (أو يستخدم القفاز الأيسر)، وينظف بها أسنان الميت ومنخريه ولا يفتح أسنانه لتطهيرها، إذا كانت منجسه بدم أو قيء ونحوه.

(15) ينزع الغاسل الخرقة الرابعة (أو القفازين)، ويغسل يده بالماء والصابون.

(16) يوضئه كوضوء الحي للصلاة، ويستحب أن يكون بمضمضة واستنشاق وتكون المضمضة والاستنشاق، بقطنة مبللة بالماء.

(17) يغسل رأسه ولحيته، سواء عليهما شعر أو لا بمنظف، كالصابون، ويسرِّح شعره ولحيته، إن احتاجت برفق، وبمشط واسع، فإن سقط منها شئ وضع مع الميت في كفنه "وإذا كان الميت امرأة يتم عمل ثلاثة ضفائر لها، ثم تُجمع على صدرها" وإن كان شعرها قصيراً يُلف، ويوضع أمامها قدر الإمكان.

(18) يبدأ الغاسل مستعملا قطعة الليف، بغسل الميت وهو مستلق على ظهره، ومن فوق ساتر العورة بالماء والصابون ونحوه كماء السدر، بدءاً بشقه الأيمن، أي جنبه الأيمن، من عنقه إلى قدمه، من جهة وَجْهه (من الأمام)، ثم شقه الأيسر كذلك، ثم يقلبه على جنبه الأيسر فيغسل شقه الأيمن، بدءاً من قفاه، ثم ظهره ثم ينزل إلى قدمه، ثم يقلبه على جنبه الأيمن فيغسل جنبه الأيسر كذلك، بدءاً من قفاه ثم ظهره ثم ينزل إلى قدمه.

(19) يصب الماء القراح (الأبيض الصافي) عليه، من رأسه إلى قدمه؛ للتنظيف ولإزالة ما به من صابون ونحوه بكيفية الغسل نفسها في الفقرة السابقة بأكملها.

(20) ينوى الغاسل نية غسل الميت، ثم يصب عليه ماء مختلطا بقليل من الكافور، أو ماء الزهر أو نحوهما، "بشرط ألا يغير صفة الماء، أي لا يتغير لونه، وألا تكون رائحة الطيب غالبة على الماء "وبالطريقة السابقة في الفقرة السابقة بأكملها.

(21) تعد الفقرات الثلاث السابقة غسلة واحدة، ويسن تكرارها ثانية وثالثة، بالكيفية نفسها، ما عدا غسل الوجه واللحية فلا يغسلان الثانية والثالثة، إلا بالماء القراح فقط.

(22) ويمكن زيادة الغسلات وتراً عند الحاجة أي خمس أو سبع مرات هكذا.

(23) وإذا خرج شيء من الميت بعد ذلك، ُتزال النجاسة فقط ويُستحب إعادة الغسل، طالما لم يبدأ التكفين، بشرط ألا يكون هناك مشقة كبيرة بسبب تكرار الغسل، وبشرط ألا يترتب على ذلك تأخير تجهيز الميت.

(24) يُجفف الميت، ويغيَّر الثوب الذي تبلل بالغسل، ويُفرد ثوب (ملاءة) جافة تبقى عليه لحين تكفينه، على أن تكون العورة مستورة دائماً، كما يستحب تجفيف سرير الغسل إذا كان سيستخدم لتكفين الميت فوقه.

(25) ويستحب جعل قطن في منافذه، في حالة ظن خروج أي نجاسة منها (كالفم والأنف والأذنين)، خصوصا في حالات الوفاة بعد الحوادث أو الجراحات، وكذلك لو وجدت جروح في باقي جسده.

(26) يتم تطييبه، خاصة في مواضع سجوده، والمحال الغائرة كإبطه.

3. كراهية النوح والصياح على الميت

يكره النوح، والصياح، وشق الجيوب، في منزل الميت، وفي الجنائز، أو في محل آخر للنهي عنه، ولا بأس بالبكاء بدمع قال الحنفية: والصبر أفضل. فقد روى من حديث أبي موسى الأشعري: ]إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 149)، وعن ابن مسعود: ]لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1214). وأما البكاء بغير صوت فيدل على جوازه: ]أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ r إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1204). وقول عمر: في حق نساء خالد بن الوليد، دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة (ذكره البخاري تعليقا). وفي الصبر روى البخاري: ]مَرَّ النَّبِيُّ r بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1174)، وقد أجمعت الأمة على تحريم النوح، والدعوى بدعوى الجاهلية، والمراد بالبكاء في حديث: ]إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1206)، الندب، والنياحة، وإنما يعذب الميت إذا أوصى بذلك. وفي غاية المنتهى من كتب الحنابلة: لا يكره بكاء على ميت قبل موت ولا بعده، وحرم الندب: وهو البكاء مع تعديد محاسنه، والنوح وهو: رفع صوت بذلك، وشق ثوب، وحرم لطم خد، وخمشه، وصراخ، ونتف شعر ونشره وحلقه، ومن المحرمات إظهار الجزع لأنه يشبه التظلم من الظالم، وهو عدل من الله سبحانه. ومثله إلقاء تراب على الرأس، ودعاء بويل وثبور.

4. شق بطن الميتة لإخراج الجنين

ذهب الحنفية وهو قول بعض الشافعية، إلى أنه إن ماتت امرأة والولد يضطرب في بطنها، يشق بطنها ويخرج الولد، ومذهب الشافعية وهو المتجه عند الحنابلة، أنه يشق للولد إن كان ترجى حياته. فإن كان لا ترجى حياته فالأصح أنه لا يشق. وعند أحمد حرم شق بطنها. ويجوز للنساء أن يخرجن الولد من مخرجه، إن كانت ترجى حياته، فإن تعذر لم تدفن حتى يموت، فإن لم يوجد نساء، لم يسط عليه الرجال لما فيه من هتك حرمة الميتة، ويترك حتى يتيقن موته. واتفقوا على أنه إن أمكن إخراجه بحيلة غير الشق وجبت.

ثالثاً: التكفين

1. حكمه

فرض كفاية ويستحب إحسان الكفن لقوله r: ]إِذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 916). أقل الكفن ثوب يستر بدن الميت، فإن لم يكن، فثوب يستر عورته.

يُجهَّز الكفن بشرائه من تركة الميت، وإن لم يكن له تركة؛ فكفنه على القادر ممن تلزمه نفقته في حياته، وإلا فعلى جماعة المسلمين القادرين. ومثل الكفن في هذا التفصيل مؤن التجهيز كالحمل إلى المقبرة والدفن ونحوه.

الأفضل أن يكون الكفن أبيض اللون طاهراً سميكاً مغسولاً إن كان قديماً. ويحرم كتابة أي قرآن أو غيره على الكفن، ويحرم أن يكون الكفن من الحرير للرجال، والأولى بصفة عامة ألا يكون من المصبوغ أو المزين أو المجمل، دون إسراف ولا تبذير.

2. صفة كفن الرجل

والكفن للرجل ثلاثة أثواب، ويمكن زيادتها وترا، وصفتها كالآتي:

أ. أولها يغطي من العنق إلى أسفل القدم "ويسمى قميصا"

ب. وثانيها لفافة من أعلى الرأس إلى أسفل القدم "وتسمى إزاراً"

ج. والثالثة لفافة تزيد عن الجسد بحوالي 60 سم ليسهل جمعها وربطها.

د. ثلاثة أربطة أو خمسة.

ويجوز أن تكون جميع اللفافات بالطول الكبير، وفي كل الأحوال إذا كان عرض أي لفافة لا يستوعب جسد الميت، فيمكن وصل قماش الكفن بقماش آخر، عن طريق الخياطة للوصول إلى العرض المطلوب.

وأعمال تكفين الرجل كالتالي

أ. يستحب إطلاق البخور عند التكفين.

ب. يعد ويجهز سرير التكفين (سرير أو كنبة ونحوهما) كما يمكن استخدام سرير الغسل نفسه للتكفين عليه، ويجفف قبل بدء أعمال التكفين، بتقليب الميت عليه، والتجفيف من تحته.

ج. يجهز الحنوط[2] اللازم للكفن.

د. توضع الأربطة أولا فوق المكان المعد للتكفين، وأقلها ثلاثة أربطة، عند مكان الرأس والوسط والقدم.

هـ. تبسط اللفافة الكبيرة"، التي مقاسها أكبر من الجسد "فوق الأربطة، ويوضع الحنوط عليها.

و. تبسط اللفافة الثانية"، التي مقاسها من أعلى الرأس إلى أسفل القدم"، وتوضع فوق اللفافة الكبيرة، ويوضع عليها الحنوط.

ز. تبسط اللفافة الثالثة"، التي مقاسهما من العنق إلى أسفل القدم" فوق اللفافة الثانية ويوضع عليها الحنوط.

ح. يوضع الميت الرجل، وهو مستور العورة، مستلقياً على ظهره فوق (اللفافة العليا).

ط. يحسن تطييب جسد الميت كله.

ي. تجعل يداه على صدره، يمناه على يسراه، كهيئة الوقوف في الصلاة، أو ترسلان إلى جنبه.

ك. يرد طرف اللفافة العليا الأيمن على شق (جنب) الميت الأيسر وطرفها الأيسر، على شقة (جنبه) الأيمن، أو بالعكس أي يرد الطرف الأيسر أولاً، ثم الطرف الأيمن، وليس في ذلك سنة متبعة.

ل. ثم يُفعل باللفافة الثانية والثالثة مثلما فُعل بالأولى.

م. يُجمع الباقي من الكفن، أي الزائد من ناحية الرأس، ومن ناحية الرجلين، فيغطى بالجزء الأول رأسه، ويغطى بالجزء الثاني قدماه.

ن. تجمع الأربطة بعد ذلك، وتربط على اللفائف على النحو الآتي: الرباط الأول عند رأسه، والرباط الثاني عند وسطه، والرباط الثالث عند قدميه، وذلك خشية تفكك اللفائف، عند حمله، على أن يكون ربطها سهلا غير مشدود بقوة، ليسهل حلها إذا وضع في القبر. وإذا زادت الأربطة عن ثلاثة، وجعلت خمسة، فيقسم الباقي بالتساوي على طول الجسد.

3. صفة كفن المرأة

والكفن للمرأة خمسة أثواب، وصفتها كالآتي:

أ. الأول خرقة تغطى منطقة الصدر.

ب. الثاني الخمار يغطي الرأس والعنق والصدر.

ج. والثالث القميص من العنق إلى أسفل القدم. (أو إزار يغطى من الوسط إلى أسفل القدم إن لم يوجد القميص).

د. والرابع لفافة من أعلى الرأس إلى أسفل القدم.

هـ. والخامس لفافة تزيد عن الجسد بحوالي 60 سم ليسهل جمعها وربطها.

و. ثلاثة أربطة أو خمسة.

ويجوز أن تكون جميع اللفافات بالطول الكبير نفسه، وفي كل الأحوال إذا كان عرض أي لفافة لا يستوعب جسد الميتة، فيمكن وصل قماش الكفن بقماش آخر، عن طريق الخياطة، للوصول إلى العرض المطلوب.

أعمال تكفين المرأة كالتالي: ويقوم بهذه الأعمال النساء أو الزوج.

أ. يستحب إطلاق البخور عند التكفين.

ب. يجهز سرير التكفين (سرير أو كنبة ونحوهما) كما يمكن استخدام سرير الغسل نفسه للتكفين عليه ويجفف قبل بدء أعمال التكفين، بتقليب الميتة عليه، والتجفيف من تحتها.

ج. يجهز الحنوط اللازم للكفن.

د. توضع الأربطة أولاً فوق المكان المعد للتكفين (كالسرير ونحوه) وأقلها ثلاثة أربطة وإلا فخمسة، عند مكان الرأس والوسط والقدم. (وفي حالة خمسة أربطة يزاد واحد عند الصدر وآخر عند العورة المغلظة).

هـ. تبسط اللفافة الكبيرة"التي مقاسها أكبر من الجسد" فوق الأربطة، ويوضع الحنوط عليها.

و. تبسط اللفافة الثانية" التي مقاسها من أعلى الرأس إلى أسفل القدم" فوق اللفافة الأولى، ويوضع عليها الحنوط.

ز. يبسط القميص" الذي يغطي من العنق إلى أسفل القدم"، (أو الإزار "الذي يغطي النصف الأسفل من المرأة") فوق اللفافة الثانية، ويوضع عليه الحنوط.

ح. يوضع الخمار ثم الخرقة فوق القميص (أو الإزار).

ط. توضع الميتة مستلقية على ظهرها، فوق أثواب الكفن، الذي أعد لها في الفقرات السابقة، وهى مستورة العورة.

ي. يحسن تطييب جسد الميتة كله.

ك. يُجعل شعرها ثلاث ضفائر، أو ضفيرتين، وتوضع على صدرها فوق الخرقة.

ل. تُجعل يداها على صدرها، يمناها على يسراها كهيئة الوقوف في الصلاة، أو ترسلان إلى جنبها.

م. تُلف في الخمار"الذي يغطي الرأس والعنق والصدر".

ن. يرد طرف الإزار(أو القميص) الأيمن على شق(جنب) الميتة الأيسر وطرفه الأيسر على شقها الأيمن، أو بالعكس، أي يرد الطرف الأيسر أولا ثم الطرف الأيمن وليس في ذلك سنة متبعة. ثم يُفعل باللفافتين كما فُعل بالقميص (أو الإزار).

س. يُجمع الباقي من الكفن، أي الزائد من ناحية الرأس، ومن ناحية الرجلين، فيُغطى بالجزء الأول رأسها، ويُغطى بالجزء الثاني قدماها.

ع. تجمع الأربطة بعد ذلك وتربط على اللفائف على النحو الآتي: الرباط الأول عند رأسها، والرباط الثاني عند وسطها، والرباط الثالث عند قدميها. وإذا زادت الأربطة عن ثلاثة وجعلت خمسة أربطة، يزاد واحد عند الصدر، وآخر عند العورة المغلظة؛ وذلك خشية تفكك اللفائف عند حملها، على أن يكون ربطها سهلاً، غير مشدود بقوة، ليسهل حلها إذا وضعت في القبر.

4. تكفين المحرم

عن ابن عباس في الصحابي الذي مات وهو محرم بعرفة، قال رسول الله r: ]اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1186)، وفي رواية: ]اغْسِلُوا الْمُحْرِمَ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ فِيهِمَا وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا[ (رواه النسائي، الحديث الرقم 1878).



[1] شُق بصَره: أي شَخُص بصره.

[2] الحنوط هو مسحوق مكوناته من الكافور والمسك واللافندر والورد والألف زهرة والعود والقرنفل والقرفة العطرية. وقد يضاف عليه أشياء أخرى، أو يقتصر على الكافور والمسك، أو أحدهما.