إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الموت، ودفن الموتى









المصادر والمراجع

المبحث الرابع

الصلاة على الجنازة وما بعدها

أولاً: حكم صلاة الجنازة

فرض كفاية عند جمهور الفقهاء.

يسن أن يغطى نعش المرأة؛ لأنه أستر لها عن أعين الرجال، عند الصلاة عليها، وعند حملها.

تجوز صلاة الجنازة ليلاً، كما تصح في جميع أوقات النّهي؛ لأنها من ذوات الأسباب.

لا تجوز الصلاة على الميت، قبل تغسيله أو تيممه. وكذا قبل تكفينه، على الراجح.

الأَولى بالإمامة في الصلاة على الميت الأب وإن علا، ثم الابن وإن نزل، وهكذا على ترتيب الميراث، ثم الإمام الراتب (إمام الجماعة في الصلوات المفروضة) ثم الموصى له بالإمامة، أو من هو أعلم بالصلاة وكيفيتها، ولو قُدِّم غير الأحق بالإمامة على الأحق، فلا بأس إذا تراضيا على ذلك.

توضع الجنازة على الأرض أمام المصلين في اتجاه القبلة، ويقف الإمام عند رأس الميت، إن كان رجلاً، وعند وسط المرأة.

إذا اجتمعت الجنازات، صُلِّي على كل واحدة على حدة، أو تُصلّى عليها كلها صلاة واحدة، وجُعلت الذكور ولو كانوا صغاراً مما يلي الإمام، وجنائز الإناث أقرب إلى القبلة.

تستحب الجماعة في صلاة الجنازة، ويستحب الإكثار من الصفوف.

صلاة الجنازة كلها بتكبيراتها وتسليمها جهراً للإمام وسراً للمأمومين.

المسبوق يتبع الإمام في التكبيرات، ويستكمل ما فاته من التكبيرات، بعد سلام الإمام، كما يفعل في الصلاة المعتادة كالظُهر مثلا، وعند بعض العلماء إذا خاف المسبوق رفع الجنازة، قبل إتمام صلاته، أو رُفعت بالفعل يجوز له أن يوالي بين التكبيرات الفائتة، دون الأدعية؛ لأنها قد تطول صلاته بها فيفوته اللحاق بالجنازة.

ثانياً: صفة صلاة الجنازة الحاضرة

والصلاة على الجنازة لها ثمانية أركان وهي كالآتي:

1. النية: ومحلها القلب (نية الصلاة على الميت أو على من حضر من أموات المسلمين إن كان لا يعلم من الميت، رجلاً هو أو امرأة).

ويجوز الصلاة على الجنازة، مرة أخرى، لمن لم يصل عليها أولاً، إذا نقلت من مكان إلى آخر، قبل الدفن، ويكره لمن صلى مرة تكرار الصلاة على الجنازة نفسها.

2. القيام مع القدرة: فإن عجز عن القيام، في الصلاة كلها، قام في أولها، فإذا شق عليه القيام، أثناءها، أدى باقي صلاته قاعداً.

3. أربع تكبيرات: مع رفع اليدين فيها وكذلك للمأموم، أما باقي التكبيرات للمأموم فرفع اليد أثنائها، فيه خلاف بين العلماء بين مجيز ومانع. ثم يُستحب وضع اليد اليمنى على اليسرى بين التكبيرات.

وإذا زاد الإمام في التكبيرات على أربع، فلا يتابعه المأموم في الزيادة، بل ينتظره حتى يسلم معه، ويجوز للمأموم أن ينوى المفارقة بقلبه، ويسلم قبل الإمام، والأفضل انتظاره ليسلم معه، كما يفعل في الصلاة المعتادة.

أما إذا قلَّت التكبيرات عن أربع، وجب على المأموم أن يأتي بالتكبيرات الناقصة، في كل الأحوال: فإذا أسقط الإمام بعض التكبيرات عَمداً، بطلت صلاته، وصحت صلاة المأمومين؛ لأنهم قاموا باستكمال النقص، وإن كان ذلك سهواً نبهَهُ المأمومون وسَبَّحوا له، فإن أتى بالنقص تابعوه، وإن لم يأت بالنقص أتى به المأمومون وصحت صلاتهم، وبطلت صلاة الإمام، ولا سجود للسهو فيها؛ لأنه لم يرد.

4. قراءة الفاتحة: بعد التكبيرة الأولى، ولا يجوز قطعها، ولا تأخيرها لما بعدها، وإلا بطلت ما لم يكبر الإمام التكبيرة التالية، فإذا كبر الإمام للتالية فللمأموم قطع الفاتحة ومتابعة الإمام، ويتحمل عنه الإمام ما لم يقرأه منها.

5. الصلاة على النبي r الصلاة الإبراهيمية: وهي التي تقال في نهاية الصلاة المعتادة قبل التسليم، ومحلها بعد التكبيرة الثانية، وقيل إنها سنة بعدها، وصيغتها هي: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

6. الدعاء للميت: بعد التكبيرة الثالثة، ويجوز عند بعض العلماء جعله بعد التكبيرة الرابعة، ولا يتقيد المصلى في الدعاء، أثناء صلاة الجنازة، بصيغة معينة، ولكن عليه أن يدعو بدعاء يشتمل على طلب الخير للميت الحاضر، وأن يكون المطلوب به أمرا أخرويا كطلب المغفرة والرحمة، وأقل الدعاء للميت الكبير أن يقول (اللهم اغفر له) ونحوه، وأقله بالنسبة للميت الصغير (اللهم اغفر لوالديه) ونحو ذلك. وإذا كان الميت رجلا، فيمكن الدعاء له بزوج خير من زوجه، وإذا كانت امرأة فيدعو لها أن تكون مع زوجها إن كان صالحاً، وأن يعوضها الله تعالى خيراً منه، إن كان غير ذلك.

7. التسليم: بعد التكبيرة الرابعة تسليمة واحدة، ويجوز عند بعض العلماء أن يسلم المصلى تسليمتين، بنية الخروج من الصلاة، وليس التسليم على الميت.

8. الترتيب بين الأركان السابقة.

ثالثاً: صفة صلاة الغائب (الجنازة غير الحاضرة)

يُصلى على الغائبين من الموتى بكيفية الصلاة على الجنازة الحاضرة نفسها، وتفعل هذه الصلاة غالباً على من تَمَّ دفنهم فعلاً، سواء صُلِّى عليهم أم لا، وتكون إما لغائب عن البلد أو بعد موته بمدة.

رابعاً: حمل الجنازة وتشييعها

أجمع الفقهاء على أن حمل الجنازة فرض كفاية، ويجوز الاستئجار على حملها.

وأما كيفية حمل الجنازة وعدد حامليها فيسن عند الحنفية أن يحملها أربعة رجال، فإذا حملوا الميت على سرير أخذوه بقوائمه الأربع، وبه وردت السنة، فعن ابن مسعود قال: "من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة، ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع"، ثم إن في حمل الجنازة شيئين: إصابة السنة، وكمالها، أما الكيفية فهي أن تأخذ بقوائمها الأربع، على طريق التعاقب، بأن يُحمل من كل جانب عشر خطوات. وأما كمال السنة، فهو أن يبدأ الحامل بحمل الجنازة من جانب يمين مقدم الميت وهو يسار الجنازة...فيحمله على عاتقه الأيمن، ثم المؤخر الأيمن للميت على عاتقه الأيمن، ثم المقدم الأيسر للميت على عاتقه الأيسر، ثم المؤخر الأيسر للميت على عاتقه الأيسر. ويكره حملها بين العمودين، بأن يحملها رجلان أحدهما يحمل مقدمها والآخر مؤخرها لأنه يشق على الحاملين، ولا يؤمن من سقوط الجنازة. إلا عند الضرورة، مثل ضيق المكان (أو قلة الحاملين).

ومن أحكام حمل الجنازة وآدابها

1. يستحب لمن يحمل الجنازة أن يكون على وضوء.

2. يحرم حمل النساء للجنازة؛ لأن الحمل خاص بالرجال، وكذا أعمال الدفن.

3. يحمل الكبير في نعش، والصغير كذلك، ويجوز حمل الصغير على اليدين، ويجوز أن يتبادل حمله عدة أشخاص.

4. الصمت مطلوب عند التشييع، ولا يصح رفع الصوت، ولو بالذكر أو قراءة القرآن، فالمطلوب هو السكوت والتفكير في حال الموت وما يصير إليه الإنسان والاعتبار بذلك.

5. يحرم الذبح تحت الجنازة، افتداء للميت من النار، كما يظنه ويفعله بعض المبتدعين من الناس، ويكره تتبعها بالمباخر والشموع والمجامر والموسيقى والنائحة، وما شابه، لحديث: ]لا تُتْبَعُ الْجَنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلا نَارٍ زَادَ هَارُونُ وَلا يُمْشَى بَيْنَ يَدَيْهَا[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2757).

6. لا تحمل الجنازة على عربة إلا إذا كانت المدافن يتعذر المشي إليها لبعد المسافة.

7. لا يصاحب الجنازة موسيقى، لا عسكرية ولا غيرها، لأي ميت، كما لا تحمل على عربة مدفع، ومثله مما يحدث في بعض البقاع.

8. يُستحب الإسراع بالجنازة، إذا أمكن، بغير ضرر، ويجب الإسراع إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كخشية تغير الميت.

خامساً: تشييع الجنازة

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تشييع الرجال للجنازة سنة لحديث البراء بن عازب: ]أَمَرَنَا بِإتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1163) والأمر هنا للندب، لا للوجوب للإجماع، وقال المالكية: إن إتباع الجنازة من الواجبات على الكفاية. ‏‏وعند الحنابلة: إتباع الجنائز سنة، والأفضل لمشيع الجنازة المشي خلفها، وأما الركوب خلفها فلا بأس به، والمشي أفضل، والمشي عن يمينها أو يسارها خلاف الأولى، لأن فيه ترك المندوب وهو إتباعها. وقال المالكية والشافعية والحنابلة: المشي أمام الجنازة أفضل،لما روى ابن عمر أنه رأى: ]النَّبِيَّ rوَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ[‏ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2765). ورُوي عن الصحابة كلا الأمرين وقد قال علي: إن فضل الماشي خلفها على الذي يمشي أمامها، كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ. وقال الثوري: كل ذلك في الفضل سواء.

وأما النساء فيكره خروجهن تحريماً، لقوله r: ]فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1567). ولحديث أم عطية: ]نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1199). وأما عند الشافعية فقال النووي: مذهب أصحابنا أنه مكروه، وليس بحرام، وفسر قول أم عطية وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا أن النبي r نهى عنه نهي كراهية تنزيه، لا نهي عزيمة وتحريم. ‏‏وقال الحنابلة: كره أن تتبع الجنازة امرأة. وحكى الشوكاني عن القرطبي أنه قال: إذا أمن من تضييع حق الزوج والتبرج، وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك فلا مانع من الإذن لهن، ثم قال الشوكاني: هذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين الأحاديث المتعارضة. ‏‏قال الحنفية: وإذا كان مع الجنازة نائحة أوصائحة، زُجرت. ‏‏وقال الحنابلة: حرم أن يتبعها المشيع مع منكر، نحو صراخ، ونوح، وهو عاجز عن إزالته، ويلزم القادر إزالته.

سادساً: ‏القيام للجنازة

مذهب الحنفية وأحمد أنه لا يقوم للجنازة ‏(إذا مرت به)، إلا أن يريد أن يشهدها، وكذا إذا كان القوم في المصلى، وجيء بجنازة، قال بعضهم: لا يقومون، إذا رأوها قبل أن توضع الجنازة عن الأعناق، وهو الصحيح، وأما قوله r:  ]إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ[  (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1590) فمنسوخ بما رُوي من طرق عن علي t قال:  ]قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ قَعَدَ[  (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1597). ‏‏وحكى القاضي عياض عن أحمد، وإسحاق، وابن حبيب وابن الماجشون المالكيين أنهم قالوا: هو مخير بين القيام والقعود.

سابعاً: الدفن

1. ‏تعريف الدفن

الدفن في اللغة بمعنى المواراة والستر. يقال: دفن الميت أي واراه، ودفن سره: أي كتمه. وفي الاصطلاح: مواراة الميت في التراب ‏‏‏(الحكم الإجمالي).

2. حكمه

دفن المسلم فرض كفاية إجماعاً إن أمكن. والدليل على وجوبه: توارث الناس من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا مع النكير على تاركه. ‏‏وأول من قام بالدفن هو قابيل الذي أرشده الله إلى دفن أخيه هابيل، لما جاء في قوله تعالى: ]فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ[ (سورة المائدة، الآية 31). ‏‏وإذا لم يُمكن: كما لو مات في سفينة، غُسِّل وكفن وصلي عليه، ثم ألقي في البحر، إن لم يكن قريبا من البر. وتقدير القرب: بأن يكون بينه وبين البر مدة لا يتغير فيها الميت. ‏وصرح بعض الفقهاء أنه يثقل بشيء ليرسب.

3. أفضل مكان للدفن

المقبرة أفضل مكان للدفن، وذلك للاتباع، ولنيل دعاء الزائرين، وفي أفضل مقبرة بالبلد أولى. وإنما دفن النبي r في بيته؛ لأن من خواص الأنبياء أنهم يدفنون حيث يموتون.

ولا يجوز الدفن في المساجد، مطلقاً، بل هو من الكبائر؛ لأنه من فعل شرار الخلق، قال رسول الله r: ]أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1255)، والصلاة في المساجد، التي فيها قبور لا تصح مطلقاً.

4. ‏نقل الميت من مكان إلى آخر

ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز نقل الميت من مكان إلى آخر، بعد الدفن مطلقا ‏، وأما قبل دفنه فيرى الحنفية، وهو رواية عن أحمد، أنه لا بأس بنقله مطلقا، وقيل إلى ما دون مدة السفر. ‏وذهب جمهور الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز نقل الميت قبل الدفن من بلد إلى آخر إلا‏ لغرض صحيح؛ ولأن ذلك أخف لمؤونته، وأسلم له من التغيير، وأما إن كان فيه غرض صحيح جاز، كأن مات في دار الكفر ونحوه.

واتفق الأئمة على أن الشهيد يستحب دفنه حيث قُتل. لما روي: ]أَنَّ النَّبِيَّ r أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا قَدْ نُقِلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 1977). وأنه ينزع عنه الحديد والسلاح، ويترك عليه خفاه، وقلنسوته لما روي عن ابن عباس: ‏أن رسول الله r ]أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2727).

5. ‏دفن الأقارب في مقبرة واحدة

صرح جمهور الفقهاء بأنه يجوز جمع الأقارب في الدفن، في مقبرة واحدة؛ لقول النبي r لما دفن عثمان بن مظعون: ]أَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2791). ولأن ذلك أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم، ويسن تقديم الأب، ثم من يليه في السن والفضيلة إن أمكن.

6. ‏الأحق بالدفن

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأولى بدفن المرأة، محارمها الرجال الأقرب فالأقرب، وهم الذين كان يحل لهم النظر إليها في حياتها، ولها السفر معهم؛ لأن امرأة عمر رضي الله تعالى عنهما لما توفيت قال لأهلها: أنتم أحق بها. ‏ولأنهم أولى الناس بولايتها حال الحياة، فكذا بعد الموت، ثم زوجها؛ لأنه أشبه بمحرمها من النسب من الأجانب، ولو لم يكن فيهم ذو رحم فلا بأس للأجانب وضعها في قبرها، ولا يحتاج إلى إحضار النساء للدفن. ‏وقال الشافعية والحنابلة: إن الأولى بدفن الرجال أولاهم بغسله والصلاة عليه، فلا ينزل القبر إلا الرجال متى وجدوا؛ لأن النبي r لحده العباس وعلي وأسامة رضي الله عنهم، وهم الذين كانوا تولوا غسله.

7. ‏كيفية الدفن

أ. يُجهز القبر ويُعد ويُوسع ويُعمق ويُعمل به اللحد[1] في الأرض نفسها، إذا كانت صلبة، أو الشق[2]، إذا كانت الأرض رخوة.

ب. تُجمع عظام الموتى السابقين الموجودة داخل القبر(إذا كان القبر كالحجرة) وتوضع في إحدى جوانب القبر مع عدم خلط العظام بعضها ببعض.

ج. يُحمل الميت ويوضع في القبر برأسه إن تيسر، وإلا فبرجليه، ثم يوضع الميت في القبر على جنبه الأيمن مستقبلا القبله بصدره ووجهه استحبابا.

ذهب الحنفية إلى أنه يستحب أن يدخل الميت من قبل القبلة، بأن يوضع من جهتها، ثم يُحمل فيلحد، فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الأخذ. وروي ذلك عن علي t. وقال النخعي: حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الأول أنهم يدخلون موتاهم من قِبل القبلة، وأن السَّل شيء أحدثه أهل المدينة. ‏‏وقال المالكية: إنه لا بأس أن يدخل الميت في قبره من أي ناحية كان، والقبلة أولى. ‏‏ويرى الشافعية والحنابلة أنه يستحب السل، بأن يوضع الميت عند آخر القبر، ثم يُسل من قبل رأسه منحدرا. وروي ذلك عن ابن عمر وأنس، وعبد الله بن يزيد الأنصاري، والشعبي. ‏‏واستدلوا بما روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي r وسلم سُل من قبل رأسه سلا. ‏‏والخلاف بين الفقهاء هنا خلاف في الأولى، وعلى هذا فإن كان الأسهل عليهم أخذه من القبلة، أو من رأس القبر، فلا حرج؛ لأن استحباب أخذه من أسفل القبر إنما كان طلبا للسهولة عليهم والرفق بهم، فإن كان الأسهل غيره كان مستحباً. قال أحمد رحمه الله: كلٌ لا بأس به. ‏‏ثم يوضع على شقه الأيمن متوجها إلى القبلة، ويقول واضعه: بسم الله وعلى ملة رسول الله لما ورد عن عبدالله بن عمر: ]أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ، وإِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ قَالَ مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ [r (سنن الترمذي، الحديث الرقم 967)،‏ ‏‏ومعنى بسم الله، وعلى ملة رسول الله: بسم الله وضعناك، وعلى ملة رسول الله سلمناك. ‏‏وقال العلماء: هذا ليس دعاء للميت لأنه إن مات على ملة رسول الله r، لم يجز أن يبدل حاله، وإن مات على غير ذلك لم يبدل أيضا، ولكن المؤمنين شهداء الله في أرضه، فيشهدون بوفاة الميت على الملة، وعلى هذا جرت السنة.

ثم تُحلُّ عُقد الكفن للاستغناء عنها، ويُسوى الَّلبن على اللحد، وتُسدُّ الفُرج، كي لا ينزل التراب منها على الميت، ويُكره وضع الآجر المطبوخ إلا إذا كانت الأرض رخوة لأنها تستعمل للزينة، ولا حاجة للميت إليها، ولأنه مما مسته النار. ‏‏ويستحب حثيه من قبل رأسه ثلاثا: لما روي عن أبي هريرة: ]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلاثًا[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1554).

‏ويحرم أن يوضع تحت الميت عند الدفن مخدة أو حصير أو نحو ذلك لأنه إتلاف مال بلا ضرورة.

‏ولا تعيين في عدد من يدخل القبر عند جمهور الفقهاء، فعلى هذا يكون عددهم على حسب حال الميت، وحاجته، وما هو أسهل في أمره.

8. أقل ما يجزئ في الدفن

صرح جمهور الفقهاء بأن أقل ما يجزئ في الدفن حفرة تكتم رائحة الميت، وتحرسه عن السباع لعسر نبش مثلها غالبا، وقُدر الأقل بنصف القامة، والأكثر بالقامة، ويندب عدم تعميقه أكثر من ذلك. ‏‏ويستحب الدفن في اللحد، وليس الشق؛ لقوله r: ]اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 966)، فاللحد: أن يُحفر حائط القبر مائلا عن استوائه من أسفله قدر ما يوضع فيه الميت من جهة القبلة. والشق: أن يحفر وسطه كالنهر، ويسقف.

9. ‏تغطية القبر حين الدفن

لا خلاف بين الفقهاء في أنه يستحب تغطية قبر المرأة، حين الدفن؛ لأنها عورة؛ ولأنه لا يؤمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون، والخنثى في ذلك كالأنثى احتياطا. ‏‏واختلفوا في تغطية قبر الرجل. ‏ويرى الشافعية أنه يستحب ذلك، سواء كان رجلا أو امرأة، والمرأة آكد. لأنه ربما ينكشف عند الاضطجاع وحل الشداد، فيظهر ما يستحب إخفاؤه.

10. اتخاذ التابوت

لا خلاف بين الفقهاء في أنه يكره الدفن في التابوت إلا عند الحاجة كرخاوة الأرض، وذلك لأنه لم ينقل عن النبي r، ولا عن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، وفيه تشبه بأهل الكفر. ولأن فيه إضاعة المال.‏

11. ‏الدفن ليلا وفي الأوقات المكروهة

ذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو المذهب لدى الحنابلة، إلى أنه لا يكره الدفن ليلاً؛ لأن الرسول r دُفن ليلاً، ولأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه دُفن ليلاً، ودفن علي t فاطمة رضي الله تعالى عنهما ليلاً. وممن دفن ليلاً عثمان بن عفان، وعائشة، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم. ويستحب أن يكون نهاراً، إن أمكن؛ لأنه أسهل على متبعي الجنازة، وأكثر للمصلين عليها، وأمكن لإتباع السنة في دفنه.

‏أما الدفن في الأوقات المكروهة فصرح المالكية والحنابلة بأنه يكره الدفن عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها لقول عقبة بن عامر الجهني: ]ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1373). ‏‏ويرى الحنفية والشافعية أنه لا يكره الدفن في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وإن كان الدفن في غيرها أفضل.

12. ‏الدفن قبل الصلاة عليه ومن غير غسل وبلا كفن

ذهب جمهور الفقهاء ‏(المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أنه، إن دفن الميت من غير غسل، ينبش ويغسل، إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ، فيُترك، وبه قال أبو ثور. ‏‏وقال الحنفية وهو قول لدى الشافعية: إنه لا ينبش؛ لأن النبش مثلة وقد نهي عنها.

‏أما إن دفن قبل الصلاة عليه، فذهب الحنفية والشافعية، وهو رواية عن الحنابلة أنه يصلى على القبر ولا ينبش؛ لأن النبي r صلى على قبر المسكينة، ولم ينبشها ويرى المالكية، وهو رواية عن أحمد أنه يُنبش ويُصلى عليه؛ لأنه دُفن قبل واجب فينبش، كما لو دُفن من غير غسل، وهذا إذا لم يتغير، أما إن تغير فلا ينبش بحال ‏وإن دُفن بغير كفن، فالأصح عند الشافعية وهو وجه عند الحنابلة، أنه يترك اكتفاء بستر القبر، وحفظا لحرمته، ولأن القصد بالكفن الستر وقد حصل. والأصح عند الشافعية، وهو وجه آخر عند الحنابلة، أنه ينبش، ثم يكفن، ثم يدفن؛ لأن التكفين واجب فأشبه الغسل.

13. ‏دفن أكثر من واحد في قبر واحد

لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يدفن أكثر من واحد في قبر واحد، إلا لضرورة، كضيق مكان، أو تعذر حافر، أو تربة أخرى؛ لأن النبي r كان يدفن كل ميت في قبر واحد.‏ وعلى هذا فعل الصحابة ومن بعدهم. فإذا دفن جماعة في قبر واحد: قدم الأفضل منهم إلى القبلة، ثم الذي يليه في الفضيلة على حسب تقديمهم إلى الإمامة في الصلاة لما روى هشام بن عامر قال: ]شُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r الْجِرَاحَاتُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1635). ‏‏ثم إن شاء سوى بين رؤوسهم، إن شاء حفر قبراً طويلاً، وجعل رأس كل واحد من الموتى عند رِجل الآخر. ‏‏ويُجعل بين ميت وآخر حاجز من تراب، ويُقدَّم الأب على الابن، إن كان أفضل منه لحرمة الأبوة، وكذا تُقدَّم الأم على البنت. ‏‏ولا يُجمع بين النساء والرجال، إلا عند تأكد الضرورة، ويُقدم الرجل، وإن كان ابنا.

14. ‏دفن المسلم في مقابر المشركين

اتفق الفقهاء على حُرمة دفن مسلم في مقبرة الكفار، وعكسه إلا لضرورة. ‏أمَّا المرتد فإنه لا يدفن في مقابر المسلمين؛ لخروجه بالردة عنهم، ولا في مقابر المشركين. ‏وأما من قُتل حدَّا فيدفن في مقابر المسلمين، وكذلك تارك الصلاة عند من قال بقتله حداً لا كفراً.

15. ‏الجلوس بعد الدفن

صرح جمهور الفقهاء بأنه يستحب أن يجلس المشيعون للميت، بعد دفنه، للدعاء له بقدر ما يُنحر الجزور، ويُفرَّق لحمه؛ لما روي: ]كَانَ النَّبِيُّ r إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ[ (رواه أبو داود، الحديث الرقم 2804).

16. الأجرة على الدفن

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز أخذ الأجرة على الدفن، ولكن الأفضل أن يكون مجانا، وتدفع من مجموع التركة.

ثامناً: السقط

السقط (الجنين): الذي أسقطته أمه، وله أقل من أربعة أشهر في بطنها، لا يُغسل، ويلف في قطعة من القماش تناسبه، ولا يُصلى عليه ويُدفن، ويستحب تسميته عند بعض الفقهاء والراجح خلافه.

أما إذا أسقطته أمه، وله أكثر من أربعة أشهر في بطنها، أو ولد كامل الخلقة فهو إنسان يغسل، ويلف، ويصلى عليه، ويدفن ولاسيما إذا نزل من بطن أمه حياً أو سُمع له صوت أو ظهرت منه حركة، أو شيء، يدل على نزوله حياً، ويسميه أبوه.

تاسعاً: الشهيد

1. تعريف الشهيد

الشهيد هو: من مات، في قتال مع المشركين، في سبيل إعلاء كلمة الله. وسمي شهيداً؛ لأن الملائكة تشهد له بالجنة.

والشهيد إذا مات في القتال فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، وهو قول أكثر أهل العلم.

الخلاف في الصلاة على الشهيد يقول ابن قدامة: فأما الصلاة عليه، فالصحيح أن لا يُصلى عليه، وهو قول مالك، والشافعي، وإسحاق، وعن أحمد رواية أخرى أنه يصلى عليه، وكلامه يشير إلى أن الصلاة مستحبة غير واجبة، قال في موضع آخر: إن صُلِّي عليه، فلا بأس به. وصرح بذلك في رواية المروزي فقال: الصلاة عليه أجود، وإن لم يصلوا أجزأ فكأن الروايتين في استحباب الصلاة لا في وجوبها.

2. الشهيد يدفن بثيابه

وهو ثابت بقول النبي r ]ادْفِنُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1260)، وعن ابن عباس أن رسول الله r: ]أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ أُحُدٍ بِالشُّهَدَاءِ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 2107)، وليس هذا بحتم لكنه الأَوْلى.

عاشراً: جزء الميت

1. يُلف الجزء المنفصل عن الجسد، إن كان لا يزال صاحبه على قيد الحياة (كمن تُجرى له عملية بتر لأحد أعضائه) ويُدفن.

2. إن كان الجزء لميت تحقق موته، ولا يوجد سوى هذا الجزء، فله حكمان:

أ. إن كان هذا الجزء به الرأس، أو غالب الجسد، ولو دون الرأس، فيأخذ حكم الميت الكامل.

ب. إذا لم يوجد به الرأس، أو كان أقل من نصف الجسد، لا يُغسل ولا يُصلى عليه ويُكفن ويُدفن.

حادي عشر: الإحداد على الميت

1. الإحداد على الميت خاص بالنساء دون الرجال، ويعني: ترك المرأة الزينة في اللباس والطيب والحلي والكحل وغيرها، مما يُتزيَّن به.

2. يكون الحداد على الزوج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوباً، لقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[ (سورة البقرة، الآية 234)، إلا إذا كانت حاملا فعدتها حين تضع حملها أو أربعة أشهر وعشرة.

3. يجب على المرأة في فترة الإحداد ألا تخرج من البيت قدر الإمكان، ولا فرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة، والأفضل أن يكون خروجها ليلاً، وتحري خلو الطريق ما أمكن، حتى لا تتعرض للفتن.

4. الحداد على غير الزوج جائز، لمدة ثلاثة أيام بحد أقصى، وبإذن الزوج، إن كان لها زوج، ومن حسن العشرة ألا يمنع الزوج زوجته من الحداد على أقاربها مدة ثلاثة أيام فقط.

5. ليس في الإسلام لبس ملابس وألوان محددة للحداد، وإنما يعدُّ ذلك من العادات والتقاليد، ولا مانع منه طالما أنه لا يكون مصبوغا أو مزينا أو للتجميل.

6. تظل المرأة في بيت الزوجية فترة العدة، إن كان مدخولاً بها، أو مطلقة طلاقاً رجعياً وتعتد في بيت أهلها، إن لم يكن قد دخل بها.

ثاني عشر: التعزية

1. التعزية هي حث أهل الميت على الرضاء بقضاء الله تعالى وقدره.

2. التعزية مستحبة، وفضلها عظيم، ويجوز تعزية غير المسلم.

3. تكون ألفاظ التعزية بأى صيغة يراها المعزي، وعلى أن تكون باعثة على الصبر والتحمل وليس لتجديد الأحزان ويمكن أن يقول المعزى(البقاء لله) أو (عَظَّم الله أجرك وأَحسن عزاءك وغفر لميتك) أو لقوله r: ]إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1204). ولا يقال الكلام الذي يخرج عن المعاني والمقاصد الشرعية مثل (البقية في حياتك) وغير ذلك.

4. تكره تعزية أهل الميت أكثر من مرة.

5. الأَوْلى أن يعزى الناس أهل الميت، بعد الدفن، وأن يتفرقوا بعده، ولا يجلسوا للعزاء بعد ذلك في مجلس خاص بالعزاء لمن قام بالتعزية عند القبر، ولا بأس بتقبل العزاء ممن لم يعز عند القبر، من حين العلم بالوفاة إن كان غائبا وقت الوفاة.

6. ينبغي ألا تُجدد الأحزان بالتذكير بالميت بعد ثلاثة أيام، حتى يتمكن المصاب من نسيان مصيبته ويتفرغ لشؤون حياته وذلك لمن قام بواجب العزاء.

7. لا بأس بالتعزية عن طريق الهاتف أو الفاكس أو التلغراف أو أي وسيلة أخرى.

8. يحرم إضاعة أموال الورثة في إقامة سرادقات، أو استئجار مقرئين، أو تقديم مشروبات وأطعمة، وكل ذلك من البدع المحدثة.

9. من السنة أن يقدم الجيران والأقارب الطعام لأهل الميت ولضيوف أهل الميت لحديث: ]اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2725).

10. يحرم إحياء ذكرى الميت في خميس أو أربعين أو سنوية أو ذكرى ثانية وخلافه؛ فهي بدع منكرة بأي شكل من الأشكال ولو بقراءة القرآن.

ثالث عشر: زيارة القبور

1. زيارة القبور مستحبة للرجال إذا كانت للاتعاظ وتذكر الآخرة، وذلك طوال العام.

2. زيارة النساء للمقابر فيها خلاف بين العلماء، فإذا صدر منهن ما يخالف شرع الله أو يخشى منهن الفتنه، فهي حرام بالاتفاق.

3. يقول الزائر عند رؤية القبور(السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).

4. على الزائر أن يشتغل بالدعاء والاعتبار بالموت.

5. يحرم الطواف حول القبور، أو تقبيل حجر، أو عتبة، أو خشب القبر. كما يحرم أن يتمسح به، وإن اعتقد الضرر والنفع من صاحب القبر بذاته فهو شرك أكبر مخرج من الملة.

6. يحرم إهانة القبور بالمشي عليها، والجلوس عليها، وجعلها مجمعا للقمامة، أو تعظيمها أو جعلها مساكن للإعاشة، واستعمال أدوات اللهو والتسلية فيها.

7. يحرم إضاءة القبور أو الأضرحة، بما يشجع على الإقامة حولها، أو الصلاة عندها؛ للنهى عن ذلك.

رابع عشر: ما يلحق الميت من الثواب

قال رسول الله r: ]إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3591).

1. الدعاء من مسلم بصفة عامة فهو دعاء بظهر الغيب، وخاصة من ولد صالح.

2. الصدقة وأعمال البر وخاصة ما كان من عمله قبل موته؛ مثل تعليم القرآن، أو حفر بئر، أو غرس، أو زرع، أو إصلاح ما ينفع به المسلمين، وغير ذلك أي نوع من أنواع الوقف لله تعالى، وكذلك لو كان هبة له من غيره بعد وفاته بنية جعل ثوابه للميت.

3. إذا حصلت قراءة القرآن فيصل ثواب القراءة للميت، إذا دعا القارئ بأن يهب الله تعالى مثل ثواب قراءته للميت، على الراجح من أقوال أهل العلم؛ لقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ ءامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ (سورة الحشر، الآية 10).

خامس عشر: ما يجوز الوصية به

يستحب للمسلم أن يوصى بجزء من ماله لا يتجاوز الثلث، لقوله r: ]الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2538) إن كان له مال كثير يقبل الوصية بحيث يتبقى منه ما يغنى الورثة عن سؤال الناس وعن الاستدانة، وإلا فلينفق بالقدر الذي يستطيعه في حياته، تقرباً إلى الله تعالى، على أن يصرف المال الموصى به على الأقرباء غير الورثة والفقراء أو أي جهة أخرى، مثل تعمير المساجد أو بناء المدارس لتحفيظ القرآن الكريم كالكتاتيب.

ويجوز أن يوصى بكتبه ومنقولاته، كالأجهزة الكهربائية، وأثاث المنـزل، وأدوات الكتابة إلى من يريد من أهل العلم، أو الجهات الخيرية التي هي في حاجة إليها، إن لم يكن في ورثته من يحتاج إليها.

على أن هذه الوصايا لا تنفذ إلا بعد قضاء دين الميت، إن كان عليه دين للناس، أو لله (من زكاة أو حج أو نذر أو كفارة)، فإن اتسعت أمواله لقضاء الدين والوصية قضى دينه، ثم نُفذت وصيته، والباقي للورثة الشرعيين، وإن لم يترك إلا ما يقضى دينه فقط، فلا وصية ولا تركة، ويُقدم أداء الدين عليها.

 



[1] اللحد عبارة عن حفرة في أسفل القبر من جهة القبلة تسع الميت الواحد، ينصب عليه اللبن بعد وضعه فيها.

[2] الشق هو حفرة مستطيلة في وسط أسفل القبر، تكون كالنهر، تُبنى جانباها باللبن، ثم تُسقف بعد وضع الميت، على أن تكون بقدر جسد الميت الواحد، بحيث لا يدفن معه غيره. وفى بعض البلدان يكون الشق على شكل حجرة في بطن الأرض لدفن أكثر من ميت في قبر واحد، والواجب اجتنابه قدر الإمكان إلا إذا دعت الضرورة لذلك، ويوضع على أرضيه هذه الحجرة كمية من الرمل أو التراب لوضع الميت عليه، ولا تُفتح هذه الحجرة لدفن ميت آخر إلا بعد مدة تكفى لأن يبلى جسد الميت الأول، ولا يبقى منه سوى العظم ولا تظهر رائحة، والأولى أن تكفي المدة لأن لا يتبقى من الميت الأول شيء مطلقا. وإن كان لابد من وضع الميت الجديد، فيستحب أن يتدارك الناس ذلك بعد وضع الميت الأول، بعمل فاصل ترابي أو مبنى ليفصل بين كل ميتين، ويجب أن تكون الحجرة بكاملها تحت مستوى الأرض، ويعلوها التراب، وُيرفع التراب فوق مستوى الأرض بقدر شبر تقريبا.