إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / استحضار الأرواح









شُبُهات

المبحث الثاني

استحضار الأرواح: نشأته وتطّوره

ترددت، في مارس 1948، في قرية "هايد زفيل"، التابعة لإحدى الولايات المتحدة الأمريكية، في منزل السيد "فوكس" المزارع القروي، حكايات عن أفراد يسمعون، بين حين وآخر، ليلاً أو نهاراً، طرْقاً على الأثاث والجدران والأسقف، تارة في رفق ولين، وتارة أخرى في عنف وشدة.

وكان السيد "فوكس" يعيش مع زوجه وبنتَيه، اللتَين بلغتا سن المراهقة، وهما "مارجريت" و"كاترين" ـ سعيداً هانئاً، حتى كدرت صفوه تلك الحوادث المفاجئة، وسببت رعباً وقلقاً بين أفراد أسْرته.

وحار الرجل في معرفة مصدر هذه الأصوات، واستعان بأصدقائه ومعارفه، بل برجال الشرطة، من دون أن يهتدي أحد منهم إلى سر ذلك؛ ما دفع بالآلاف من الناس إلى زيارة منزله، وسماع هذه الأصوات العجيبة.

وبمرور الوقت، ألف أفراد الأسْرة هذا الطْرق. وفي أحد الأيام، تجاسرت إحدى الفتاتَين، فطلبت، مازحة، أن يحصي الطارق عدد التصفيقات التي تصفقها؛ وشد ما راعها أن سمعت طرقات بعدد تصفيقاتها. وتكرر طلبها، هي وأختها، لهذا النوع من الاختبار؛ ما دفع بالأم، التي كانت في دهشة وفزع، إلى طلب الدق مرتَين، فأجاب بدقتَين. فاستفسرت عما إذا كان قد أُسيء إليه؛ فأجاب، وزعم أنه روح تاجر خردة، قتله في هذا المنزل الساكن السابق، وأخفى جثته في قبو، وخلَّف القتيل وراءه أرملة وخمسة من الأطفال؛ ولم تلبث أن لحقت به الأرملة. ودل القتيل على قاتله، وأيدت خادمة القاتل القرائن، التي أثبتت عليه جريمة القتل.

وقد أدلت هذه الشخصية بمعلومات، اتضح صحتها كلها، عدا المكان الذي أُخفيت فيه الجثة؛ فقد استخرجت من مكان آخر، قريب من المكان المحدد، بعد أن كاد اليأس يتسرب في نفوس الباحثين.

وقد سبق ذلك بروز شخصَين أوروبيَّين، وضعا أُسُس استحضار الأرواح والاتصال بها؛ ودرج الناس على إطلاق لقب رائدَي الروحية الحديثة عليهما:

أولهما: "سويدنبرج" (استكهولم 1688)، الذي درس، في شبابه، الرياضيات والفلسفة وعلوم الفلك والهندسة. وحينما بلغ السابعة والخمسين من عمره، عزف عن ذلك كله، وانصرف إلى دراسة اللاهوت، ثم خرج على الناس برسائل، يدعوهم فيها إلى الإيمان بالله، والحياة الأخرى بعد الموت، التي يلقي فيها المحسن إحساناً، ويلقى المسيء عقاباً. وبشّر بالمحبة والألفة بين البشر، ودعا إلى حب الله، ممثلاً في مخلوقاته، من إنسان وحيوان ونبات وجماد.

وقد أخرج كتاباً، أسماه "الأسرار"، زعم فيه أنه قد أُنعِم عليه بلقاء الملائكة والتحدث إليهم، وأنهم أخذوه في رحلات لزيارة الجنة والنار؛ وأطلعوه على سكانهما، وأمروه أن يصف للناس ما يشاهده بنفسه في مناطق عالم الروح المختلفة؛ وذكر أن الجنة والنار حقيقتان. وظل يبشّر الناس بالحياة الأخرى، وإمكان الاتصال بالموتى، إلى أن لقي حتفه، عام 1772، بعد أن نَيَّف على الثمانين من عمره.

وثانيهما: "أندرو جاكسون"، الذي ولد في أمريكا الشمالية، عام 1826، لرجل مسكين، عربيد، وفي بيئة فقيرة، لم تتح له قسطاً كبيراً من العلم. التقى، في باكورة شبابه، طبيباً، يشتغل بالتنويم المغناطيسي، فتوسم فيه الصلاحية لأن يتخذه وسيطاً؛ وزعم أنه استخدمه، وأنه تمكن، بالفعل، في نومه، من قراءة الخطابات المغلقة، والتحدث في علوم لا يحْسنها، وليس له عهد بها، حديث الراسخين في ميادينها، سواء في التاريخ القديم أو العاديات أو الجيولوجيا أو الفلسفة. وكذلك، تمكن من تشخيص الأمراض، وهو نائم؛ كما زعم أنه يرى أرواح الموتى ويحدثهم.

وقد بدأ، في سن العشرين، يخرج كتباً فلسفية، كان أشهرها: "فلسفة التناسق"، و"فلسفة الاتصال الروحاني"، و"عناصر الطبيعة"، و"أسرار الطبيعة"، الذي زعم أن إحدى الأرواح أمْلته عليه، في غيبوبته؛ وقد تكهن فيه باختراع السيارة والطائرة والغواصة والآلة الكاتبة؛ وذكر أن الروح المهيمنة عليه، هي "سويدنبرج" نفسه. وقد بشر المؤمنين به بانتشار الحركة الروحانية انتشاراً يعم الناس، وأن الاتصال الروحاني مع الأموات، سيكون أمراً طبيعياً، كتنفس الهواء.

وقد وصف ظروف الحياة في عالم الروح، بما لا يخرج عن ظروف الحياة في هذه الدنيا، عدا الجانب المادي منها. ونَعَى على البشر حبهم لجمع المال، وإدمانهم الخمر، والتعصب.

أولاً: كيفية الاستحضار، حسبما يقول الروحانيون

يقول الروحانيون في تفسير ظاهرة الكلام مع الأرواح: إن لكل إنسان جسماً ظاهراً مرئياً، وجسماً آخر أثيرياً شفافاً، يطابق الجسم المادي، ولا يراه إلاَّ أناس مخصوصون. وإن الجسم الأثيري ينفصل عن المادي، عند النوم أو الغيبوبة، وهذا يسمى طرحاً مؤقتاً؛ ولكنه ينفصل تماماً عند الوفاة، وهذا يسمى طرحاً دائماً، فيعود الجسم المادي إلى الأرض، التي خلق منها، ويعود الأثيري إلى العالم الذي هبط منه، وهو عالم الروح أو البرزخ.

ويقولون إن الجسم الأثيري ليس هو الروح، بل الحامل لها، ويظل قائماً في عالم الروح، مادامت الروح في حاجة إليه، فإذا بطلت حاجتها إليه، طُرح، ليتحلل إلى عناصره الأولية، وتصبح الشخصية حزمة من النور.

ويقولون إن الجسم الأثيري، يتكون من ذرات متناهية الدقة، ومتباعدة بعضها عن بعض. وإنه أمكن وزنه بتجارب، أجراها الدكتور "دنكان مكدوجل"، الأمريكي؛ إذ وزن عدداً من مَرضى السل، في لحظات موتهم، بوضع المريض على سرير حاسب حساس جداً، فوجد أنه، عند اللحظة التي تحدث فيها الوفاة، يرتفع قبل الميزان طارقاً الدعامة العلوية؛ وبحسبان الوزن المفقود، وجد أنه يراوح بين أوقيتَين وأوقيتَين ونصف.

وإن الجسمَين، المادي والأثيري، ليس فيهما حياة، بطبيعة تكوينهما؛ ولكن سِر حياتهم هو الروح، وهو جوهر راقٍ، لا يدخل في نطاق البحث الروحاني. أما العقل، فهو العنصر المفكر في التكوين الإنساني، وهو يعمل من طريق وسط مادي هو المخ. وعلي ذلك، فالإنسان، في مجموعه، مكوَّن من أربعة عناصر مهمة، هي: الجسم المادي، والجسم الأثيري، والعقل، والروح.

وإننا، نحن البشر، بعد أن نجتاز مرحلة الموت، ونفيق من غيبوبته في العالم الآخر، نجد أنفسنا في عالم، تبدو لنا فيه الأحوال مشابهة جداً لتلك التي ألفناها على الأرض، قبل الموت؛ ولن يصحبنا إلا أخلاقنا وشخصياتنا؛ كما أن منازلنا، في عالم الروح، سوف يحددها نوع الحياة، التي عشناها على الأرض. فإذا كنا قد عبدنا الله، بخدمة عباده، فليس لنا أن نخشى الموت وما بعده؛ لأننا نكون قد هيأنا أنفسنا، بنقاء أفكارنا وقلوبنا على الأرض، لحياة أسعد وأفضل، تخوّلنا التمتع بصحبة أحبابنا وأقاربنا، الذين سبقونا إلى العالم الآخر. أما إذا أسأنا إلى العباد، وحمّلنا قلوبنا الغل والحقد والحسد، بدلاً من الرحمة و الحب، فلا بدّ من دفع الثمن؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

وإنه لا عبرة بالعقيدة، التي اعتنقها الإنسان في هذا العالم، أيَّا كان نوعها؛ وإنما المدار كله على ما بذله الإنسان في خدمة الغير، والإحسان إلى الناس؛ فليس للدين هناك كبير شأن!!!

ولقد حيّرت مسألة الاتصال بالأرواح كثيراً من علماء أوروبا، فوقف بعضهم حياته على دراستها؛ وسعوا إلى تهيئة أسبابها، وألّفوا لها جمعيات، وأقاموا من أجلها مؤتمرات، كان آخرها مؤتمر برشلونة، عام 1935. ومن أشهر الجمعيات، المهتمة بهذا الأمر، جمعية الأبحاث النفسية، التي ألَّفها أساتذة جامعة "كامبريدج"، في بريطانيا، عام 1882، ولا تزال موجودة. وقد جمعت من تجاربها وتجارب سواها في مسألة الروح، أكثر من خمسين مجلداً، ومنها مجامع الأبحاث النفسية، في باريس ونيويورك وبرلين وروما وغيرها.

ومن المعلوم أن ادعاء الاتصال بالعوالم الروحانية، لم يكن أمراً بدعاً (كما ظهر في حادثة منزل السيد "فوكس") فقد كان هذا واضحاً في ادعاءات الصوفية اتصالهم بالأولياء والأنبياء وغيرهم من الموتى. فالصوفية يزعمون أن لهم جلسة، ترأسها السيدة "زينب"، كل أسبوع، ويحكمون بقيادتها من في الأرض؛ لذلك، يلقبونها بـ"رئيسة الديوان"، أي ديوان الأولياء.

وقد قيل إن هناك فرقاً بين الروحانيين الحديثين والصوفيين؛ لأنهما يختلفان في طريقة الاتصال بالعوالم الروحانية، ولأن الروحانيين يهتمون بالناحية العملية والعلنية، ويفتحون أبوابهم لكل من يريد الاطلاع على أعمالهم؛ في حين أن الصوفيين يعتمدون على العمل الفردي، ويعُدون ما يهتمون به أسراراً، ويتخاطبون برموز لا يفهمها سواهم، ويقحمون أنفسهم في طرق الزهد، من الجوع والسهر وغير ذلك.

ومن الجدير ذكره، كذلك، أن الزعم بمناجاة الأرواح، كانت معروفة عند الأمم الوثنية، منذ ألوف السنين. فقد تبيّن أن المصريين والصينيين والهنود وغيرهم، كانوا يتصلون بأرواح الموتى، على نحو ما عليه الحال في أوروبا.

والصِّلة بين ما يسمَّى علم استحضار الأرواح الحديث، وبين الأديان الوثنية ـ واضحة جلية؛ فمبدأ "العودة إلى التجسّد"، كان محوَر الحركة "الثيوصوفية"، التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر، على يد الوسيطة الروسية "هيلين بتروفافاتسكي". وهي الحركة، التي سعت إلى التوفيق بين مقولات الفلسفة الهندية ونتائج البحوث الحديثة؛ وقد تمكنت، في النصف الأول من القرن العشرين، من اجتذاب عدد كبير من الباحثين. وتعتمد هذه الحركة، في تفسيرها لرجعة الروح وتجسّدها في الحياة مرة ثانية، على مبدأ "الكارما" الهندي، الذي يزعم عودة طبيعة الحركة الدورية بين الحياة والموت، إلى نوع من التوازن الكوني بين السبب والنتيجة.

وقد انتقلت ظاهرة مكالمة الأرواح إلى العالم الإسلامي، من طريق الجمعيات، التي أنشأها، في مصر، أشخاص سافروا إلى الغرب، حيث تأثروا بما رأوه؛ وسارعوا إلى تقليده، لدى عودتهم إلى مصر، فأنشأوا الجمعيات، التي تُناصر هذه الفكرة. ومن أهم هذه الجمعيات "جمعية الأهرام الروحية"، التي أصدرت مجلة "عالم الروح". ومن الذين رَوّجوا هذه الفكرة، الأستاذ محمد فريد وجدي، الذي زيّنها من خلال كتب كثيرة أصدرها، أثناء رئاسته لتحرير "مجلة الأزهر"؛ فضلاً عن الدكتور علي عبدالجليل راضي، والأستاذ أحمد فهمي أبو الخير، والدكتور رؤوف عبيد، والشيخ طنطاوي جوهري، والأستاذ حسن عبدالوهاب، وغيرهم.

ويقول الروحانيون إن الإنسان، حينما ينام، يفارق جسده الأثيري، الذي يقوده العقل، فيتجول في عالم الروح، حيث يقابل أحباءه هناك؛ ويضمحل الزمان والمكان؛ ولكنه يظل متصلاً، خلال ذلك، بالجسد المادي، بحبل أثيري؛ ما يمكنه من العودة إليه عند اليقظة، وقد يتذكر ما رأى في منامه، من أحبابه الموتى، وما دار بينهم من أحاديث.

وإن هذه الأحلام سياحات حقيقية للروح؛ ولكن صاحبها لا يذكرها، في الغالب، عند اليقظة، إلا مشوشة مضطربة. ودللوا على صحة مزاعمهم بأن كثيراً من الذين وقعوا في غيبوبة مرَضية، أو في إثر استنشاق الـ "كلوروفورم" ـ رأوا أنفسهم واقفين إلى جوار أجسادهم، وسمعوا وشاهدوا ما يدور حولهم؛ ما يقطع بوجود الجسم الأثيري واستقلاله عن الجسم المادي، وأنه صورة مطابقة له خلية بخلية.

ويقولون إن عملية النوم، أي "الطرح الروحاني المؤقت"، عملية ضرورية لإنعاش الروح، يومياً، تتيح لها التزود من مَعينها الأول بالقوة الروحانية، التي تساعدها على احتمال كثافة البدن وسجن الجسد، وتدرِّبها، عند انفصالها نهائياً، على الحياة في العالم الروحاني، الذي ستنتقل إليه يوماً ما؛ وإلا كان الانتقال الأخير، بالموت، صدمة عظمى للروح؛ إذ ستكون زائراً غريباً، في عالم مجهول، لم يسبق له أن زاره أو سمع عنه من قبل.

وإن عملية النوم صورة مطابقة تماماً لعملية الموت.

وإن من الناس من مُنح موهبة القدرة على ممارسة عملية الطرح الروحاني، الإرادي، المؤقت، وقتما شاء؛ فتتجول روحه حيث شاء، ثم تعود لتدلي بما شاهدته، وتقدِّم على ذلك الأدلة والبراهين.

وإن الروح تنطلق في الكون بسرعة، تفوق سرعة الضوء، أي "300 ألف كم في الثانية".

ثانيا: الطرح الدائم أو الموت

إذا انقطع الحبل الأثيري، الذي يربط الجسدَين، المادي والأثيري معاً، ويسمونه الحبل الفضي، حصل الموت، واستحال على الروح؛ بأي حال، العودة إلى الجسد. وفي هذه الحالة، على كل روح أن تمضي فترة من الوقت في شبه غيبوبة، ربما لا تستغرق لحظات، وقد تدوم دهوراً، بحسب درجة تقدُّم الروح ورقيّها الأخلاقي، ومدى معلوماتها عن الحياة في عالم الروح.

ثالثا: الاتصال بعالم الروح

تزعم الروحانية، أن لكل كائن بشري قسطاً من المواهب الروحانية، يمكِنه تنميتها بجلسات التدريب المنظمة. وأنه كثيراً ما يولد أفراد ذوو مواهب روحانية فطرية، تمكِّنهم من الاتصال بعالم الروح بحواسّهم الخمس؛ وهي مواهب تعتمد، إلى حدّ كبير، على غزارة مادة، تسمَّى "الإكتوبلازم"، في جسد الوسيط.

رابعاً: الإكتوبلازم

تستلزم كل الظواهر الروحانية، على تعدد أنواعها، ضرورة وجود مادة "الإكتوبلازم" في الإنسان، الذي تتم على يديه هذه الظواهر؛ وعلى قدر غزارتها، تتوقف مقدرة الوسيط.

وهذه المادة، كما يقول الروحانيون، شفافة، غير مرئية. وقد أخضعها الباحثون الروحانيون هذه المادة، وقت تجسّدها، لاختباراتهم العلمية. ويقال إن الدكتور "شرنك نوتزنج" قد حلل هذه المادة في عشر "عينات"، فوجد في التسع الأولى منها تراكيب حبيبية خلوية، في شكل كرات الدم البيضاء وأحجامها؛ وأجساماً تشبه البشرة المخاطية عديمة النويات، وبشرة مخاطية حقيقية. أما في العاشرة، فوجدت تجمعات نووية واضحة جداً، من كرات الدم البيضاء؛ وبشرة مخاطية واضحة. فبرهن بذلك على الطبيعة المادية لـ "الإكتوبلازم" والغاز البخوري، اللذين يفرزهما جسم الوسيط، خلال الجلسات. وقد وجد أنها بيضاء أو ذات لون مائل الى الشُّهْبَة، ومنها أنواع أخرى شهباء رصاصية، وأخرى سوداء.

ويقول الروحانيون إن بعضهم قص خصلة من شعر روح متجسدة من الإكتوبلازم، وحلّلها ميكروسوبياً، وهستولوجياً، فوجدها شعراً حقيقياً، من كل الوجوه، بعد أن عرض نتائج التحليل على أكثر من مائة عالم ألماني؛ كما وجد أنها لزجة الملمس، باردة. وقد أمكن تصوير هذه المادة، وهي تنبعث من أجسام الوسطاء، بالأشعة تحت الحمراء، فتبيّن أنها لا تحتمل الضوء الأبيض؛ إذ تتحلل وتذوب فجأة.

ويقول الوسيط " سويدنبرج"، واصفاً تلك المادة المنبثقة من جسمه، إنه كان يشاهدها تنضح من جسمه، في وضوح، كبخار الماء.

وعند حدوث أي ظاهرة روحانية، كتحريك الأشياء أو رفعها، تصنع الأرواح من تلك المادة قضباناً صلبة، لتكون هي الآلة المحركة. أما في حالة الصوت المباشر، فهي تستعملها في تجسيد أحبالها وحناجرها. وفي حالة تجسيد أي عضو آخر، تعمد الأرواح إلى كَسْو ذلك العضو الأثيري بتلك المادة، فتتجسد في أنظار الحاضرين؛ وفي هذه الحالة، يمكن فحصها ولمسها، بترتيب سابق من عالم الروح.

ويقولون إنّ الروح، وهي على حالها الأول، بعد خروجها من الجسد، يمكن مكالمتها بل رؤيتها مجسمة، بواساطة إنسان، يكون مستعداً لأن يقع في خَدَر عام، عند إرادته استحضار الروح، التي تستفيد من استعداده، فتكلم الناس، بفمه، بلغات يجهلها كل الجهل، وتنبئ الحاضرين من أقاربها وخاصتها بأمور، لا يدري الوسيط منها شيئاً. وقد تستولي على يده، فتكتب، وعينه مغمضة، صحفاً ورسائل. وقد تظهر بجسم مادي محسوس، بينما يكون الوسيط ملقى، أمام المجرّبين، مكتوفاً على كرسيه.

ويزعمون أن هذه الأرواح قادرة على تحريك الأجسام الصلبة، ويبادر بعضها إلى كتابة، بقلم يتحرك على الورق تلقائياً، قد تدل على مستويات عالية من الثقافة. وقد تعمد هذه الأرواح على علاج بعض الحالات المستعصية من الأمراض.

ومن الظواهر، التي قد تصاحب استحضار الأرواح، كما يزعم الأدعياء، أنّ الروح قد تتجسّد أمامهم، والوسيط مربوط، فتمتدّ أيدٍ تُسلم عليهم وتكتب، أو أذرع كاملة، أو رؤوس لا أجساد لها، تكلّمهم وتقبّلهم، أو أنصاف أجساد، أو أجساد كاملة.

وعندما تتجسد أمام أعين الجالسين، يزعم الأدعياء أنه ينشأ، أولاً، في جو الحجرة، بخار أبيض، لا شكل له، يأخذ، بعد ثوانٍ، شكلاً إنسانياً نورانياً، ثم يزداد كثافة حتى يكون جثماناً كامل الخلقة، ذكراً أو أنثى؛ وإذا أمسك أحد بيده، أحسّ بيد إنسانية، ذات عضل وعظام وحرارة، فإن تشبث بها، أفلتت منه، بالتحلل، وهي في قبضته. وإذا طُلِبَ من الروح أن تزول، ذابت، في ثوان، كما يذوب الثلج في ثوانٍ؛ فإذا استعادوها الظهور، استجابت، في ثوانٍ أخرى.

وزعم أدعياء استحضار الأرواح، أنهم استحضروا روح جبريل u لما روى الدكتور علي راضي، في مجلة "صباح الخير" المصرية؛ إذ قال: إن أكبر وسيط عالمي، قد حضر إلى القاهرة، منذ عدة أشهر. وهو أمريكي، لا يزيد عمره على 21 سنة. تسميه الجرائد الأمريكية "نبي القرن العشرين"، لكثرة ما أتى من المعجزات. ثم يقول الدكتور إنه كتب ورقة إلى أمه، أثناء جلسة لهذا النبي الكذّاب، يسألها عن حالها، وأحضر الوسيط الردّ، كتابة، باللغة العربية. ويمضي قائلاً: وأغرب ما حدث في هذه الجلسة، هو ما أعلنته، فجأة، الروح الكبرى "سوزان"، أن جبريل معنا. ولم يعرف أحد جبريل، فضحكت وقالت: ألا تعرفون جبريل الذي كان ينزل بالقرآن على محمد؟ إنه يبارك هذا الاجتماع.

وعلى الرغم من الهالة، التي حاول أدعياء استحضار الأرواح أن يزعموها للوسيط، إلاَّ أن بعض الغربيين اتهموا الوسطاء بالخداع والغش. وقد أورد الأستاذ محمد فريد وجدي بعض أقوالهم، فقال، نقلاً عن رجل إنجليزي، اسمه السيد "مكايب": إن هذا المذهب ولد في الخداع، ورَبِي في الخداع؛ وانتشر، الآن، في الدنيا، والخداع وسيلته.

ثم ذكر أن جميع الوسطاء مخادعون، واستشهد على ذلك بقول العلامة "كاميل فلافريون"، والبارون "شرنك"، فقال: أكتفي بالاستشهاد برجلَين من الذين بحثوا في هذه الأعمال أو المظاهر، وهم يعتقدون صحتها: الأول، "فلافريون"، الفلكي الفرنسي المشهور، الذي بحث في هذا الموضوع بحثاً دقيقاً، مدة خمس عشرة سنة، وانتهى إلى إن كل وسيط يستعمل وساطته للربح، هو غاشّ. والثاني، البارون "شرنك"، من أعيان الأطباء في فيينا، الذي أعلن أنه قلّما ظهر وسيط، إلاَّ وثَبَتَ أنه يغش؛ قال هذا القول، بعد أن بحَثَ في هذه الموضوع بحثاً دقيقاً جداً، مدة راوحت بين 30 و35 عاماً.

ولا يزال بعض العلماء، من المجربين، يتردد في أن الكائنات الروحانية صادقة فيما تدّعي. وقالوا إنها روح الوسيط نفسه، تتجرد وتظهر لهم بصورة واحد من أهاليهم.

ومال غيرهم إلى القول بأنها أرواح مجردة موجودة في العالم، غير أرواح الآدميين. وبعضهم لا يستبعد أن تكون أرواحاً خبيثة، تتشكل، زوراً، بأشكال ذويهم. وأخيراً، يخشى بعضهم أن يكون ما يرونه صور ما استكن في ضمائرهم.

والغالب أن الذين يتولون هذه العملية، ويصدقون مناجاة الأرواح ويمارسونها، تضعف قواهم العصبية، رويداً رويداً، وينتهي أمرهم إلى الجنون، حسبما ذكر أشهر طبيب للأمراض العقلية في بريطانيا، الدكتور "مرسير"، الذي يرى أن مناجاة الأرواح، والاشتغال بها يؤدي اختلال العقل، ويعرِّض أصحابه للجنون.

خامساً: شُبُهات الروحانيين

قال أحد المؤمنين إيماناً قوياً باستحضار الأرواح:

"اشتركت في جلسة روحانية، استحضرت فيها روح الدكتور حندوسة. فألقي عليها سؤال طبي عن حالة أحد الحاضرين، فطلبت الانتظار دقيقة واحدة، ريثما تجري كشفها عليه، ثم قدمت تشخيصاً فنياً دقيقاً للمرض، وأحالت العلاج إلى طبيب معروف في القاهرة، له شهرته الخاصة فيما يتصل بذلك المرض.

واستدعيت يوماً روح صديق جليل، وتلوت عليه قصيدة رثاء رائعة، قيلت فيه بعد وفاته. وسألته رأيه فيها، فقال: لو أن الشاعر كان قد قرأ لي ما تيسر من القرآن، ووهب ثوابه لروحي، لكان هذا أجدى عليَّ من شِعْرِه. وما من روح سألناها نصحاً، إلاَّ كان نصحها الأول الإكثار من تلاوة القرآن؛ لأنها أفضل العبادات. وفي إحدى الجلسات، نصحتني روح بالانضمام إلى الطريقة الشاذلية!

وبعض أرواح الصالحين تتجسد تجسداً كاملاً، أو تجسداً جزئياً، وتخاطب مُريديها خطاباً كله هدى ونور. أشياطين هؤلاء أم جن؟

وفي إحدى الجلسات، استحضرت روح صالحة، كانت تعيش في إحدى قرى "الصعيد"، وأرشدت إلى بقايا أسْرتها المنقرضة، وأعطت بيانات دقيقة، تبينت صحتها فيما بعد. ثم أشارت إلى جماعة من المشتركين في الجلسة، يعينون رجلاً قاتلاً، دبَّر، مع شركاء له، قتْل أبيه؛ ليستولي على ثروته، واستطاع أن يفلت من القانون الوضعي؛ ولكنه لن يفلت من قانون العقوبات السماوي. ثم سجن أخته، لكي لا تزاحمه في الميراث. وطلبت إلى تلك الجماعة أن تبتعد عن أموال ذلك الرجل، ولا تنتفع منها بشيء، قلّ أو كثر؛ لأنه مال حرام. وانصرفت، بعد أن كررت التحذير.

وفي الجلسة التالية، عادت مذكرة ومحذرة. فلمّا لم يُستجَب تحذيرها، أنذرت أنها لن تحضر جلسة يحضرها هؤلاء الذين لا يريدون أن ينتصحوا. وكانت الروح تقدم الأدلة على ما فعلوا، وما كسبوا من ذلك المال الحرام. وبعد أن كررت إنذارها بعدم الحضور، إلاَّ إذا أقلعوا، وأعادوا ما أخذوه إلى مكانه، واستغفروا الله، وتابوا توبة نصوحاً، واستمسكوا، بعد ذلك، بالاستقامة والعفة، واعتصموا بحبل الله.

وفي جلسة أخرى، استحضرت روح والد أحد المشتركين في الجلسة. وبعد أن قدمت الدليل على ذلك، دار حديث طويل بينها وبين المشاركين؛ وأخيراً، سُئلت عما إذا كانت راضية عن ابنها. فقالت: كلا. ولما سُئلت عن السبب، قالت: لأنه يقع في معصية، أشارت إليها. وكان هذا صحيحاً، كما اعترف الابن، الذي وعد بالإقلاع عن معصيته، طلباً لرضاها، فقالت له الروح: لا، إن الوعد لا يكفيني؛ وإنما الوفاء بهذا الوعد هو الذي يرضيني، ويرضي الله؛ وإني لمنتظرة.

وفي إحدى الجلسات، استحضرت روح محمد فريد وجدي، في "أسوان". ونَدَّدَت بالجلسات الروحانية العابثة، التي كانت قد انتشرت أيام "جلسات السِّلال"[1]، وأنذرت الحاضرين عواقبها؛ وطلبت إليهم أن يكفوا عنها، وعن مهازل الحياة، ويلتفتوا إلى الجد من العمل.

وقالت روح طنطاوي جوهري، أثناء حديث روحاني، إن صلب المسيح محض افتراء، وإنه لم يُصلب؛ وإنما الذي صُلب هو أحد أعوانه، شبه لهم، فصلبوه، ظناً منهم أنه هو.

وسُئلت أرواح عديدة عن أحسن ما يمكن أن يهديه الأحياء إليها، فقالت: اقرأوا لنا الفاتحة. فسُئلت: كيف تصلكم هذه الفواتح؟ فقالت: إنها تلفحنا لفح النسيم. وسُئلت عن خير كتاب، تنصح بقراءته، فقالت: اقرأوا القرآن.

ولقد أصغيت، في إحدى الجلسات الروحانية، في القاهرة، إلى حديث عن إحدى الأرواح، ألقته في مناسبة المولد النبوي الشريف؛ وكانت جلسة، اشترك فيها بعض أساتذة الجامعة، وكبار رجال التربية والتعليم، في دار أحدهم، في لجيزة".

وهكذا، ظل صاحب هذا الكلام يعدِّد خيرات تلك الأرواح وطيبتها وطهارتها، ويستنكر القول إنها من الجن والشياطين.

في ما يلي، واستكمالاً لشبهات المقتنعين باستحضار الأرواح، تسجيل لأربع جلسات، تكشف مدى الزيف والخداع في هذه القضية. وهي مسجلة بنصها، باللهجة المحلية، نقلاً عن الشيخ ياسين العجرمي.

الجلسة الأولى

قال الشيخ: في يوم، جاءني صديق حميم، وطلب مني استحضار أي روح من أرواح الموتى! قلت له: وهل تصدق ذلك؟ قال: نعم. فقرأت بعضاً من الآيات القرآنية، وطلبت روحاً من الأرواح، فحضرت، وقالت: سلام عليكم. فقلنا: وعليكم السلام ورحمة الله، إن كنتِ مؤمنة. ودار الحوار التالي:

س: روح مين اللي مشرفانا؟

ج: روح ولي من أولياء الله الصالحين، الذين كانوا يصومون النهار، ويقومون الليل.

س: ما اسمك؟ لكي ننادي عليك به.

ج: لا تسأل عن اسمي؟

س: لماذا؟

ج: أنا من العلماء المسلمين.

س: أيمكن أن أسألك سؤالاً في الدين؟

ج: اتفضل، ولا تطل الكلام.

س: القرآن كم سورة؟

ج: 114 سورة.

س: أتحفظه كله؟

ج: نعم، وتفسيره وكل آية في أي مكان نزلت، وسبب نزولها.

س: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واقرأ آية الكرسي.

ج: لا، لا، كفى، كفى، اصرفني؛ أنا لا استعيذ.

س: لماذا؟

ج: أنا ها أستعيذ من نفسي!

س: ليه؟ هو أنت الشيطان؟

ج: نعم.

س: ما اسمك؟

ج. نخنوخ، من أولاد إبليس.

س: هل أنت مسلم؟

ج: لقد أسمعتني ما أكره، لا أحب أن أسمع كلمة مسلم أبداً أبداً؛ وإني أكره المسلمين.

س: إيه اللي في جيبي، وجيب زميلي؟ وما أسماؤنا كاملة؟

(ذكر ما في جيوبنا وأسماءنا؛ وكانت الإجابة صحيحة).

س: وإيه اللي جابك في هذه الجلسة؟

ج: كل ما ألاقي ناس قاعدين يحضّروا؛ أحضر علشان أضحك شوية.

س: لكن إزاي أنت حافظ القرآن؟

ج: حافظ منه آيات كثيرة، أستدرج بها أمثالكم.

س: طيب، اسمع مني هذه الآية (وقرأت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم  اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ  إلى آخر آية الكرسي؛ فلم أجد للروح أثراً).

وبناء على ذلك، اقتنع صديقي أن أرواح الموتى لا تحضر؛ لأنه لا يعلم مستقرها إلاَّ الله رب العالمين.

وقال الشيخ ياسين: "ولقد قمت باستحضار الأرواح بنفسي، ما يزيد على أكثر من 800 (ثمانمائة) جلسة؛ ولم تحضر أي روح لمتوفى. في مرة، حضرت روح، وقالت: أنا روح أحمد بدوي. وأخرى تقول: أنا روح الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ. وفي مرة، حضرت روح، وقالت: أنا جبريل، صاحب الوحي. وما هي إلاَّ أرواح شياطين الجن.

الجلسة الثانية

في يوم، كنت جالساً، ومعي بعض الأصدقاء، في غرفة مظلمة. وقال لي أحدهم، وهو مهندس: إن فيه أحد الأصدقاء بيحضر لنا روح سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب، ونتكلم معها بما نشاء؛ فما قولك؟ فقلت له: إنه يكذب عليكم ويخدعكم. فقال: من الذي يكذب علينا الروح أم الشخص؟ فقلت كلاهما. فقال: إنه موجود معنا، الآن. فقلت له: نحن، الآن، في غرفة مظلمة، خلِّيه يحَضِّر لنا روح سيدنا الحسين ـ رضي الله عنه ـ.

فقام الشاب، وهو مسيحي الديانة، واستوثق من غلق الأبواب والنوافذ، ثم جلس بجواري أنا شخصياً، وقرأ كلاماً غير مفهوم. وبعد نحو نصف ساعة، إذا بالمكان يهتز، وصوت شديد يصرخ في سقف الغرفة، ثم نزل إلى الأرض وألقى علينا السلام، ثم سَلَّم، علينا كلّ إنسان باسمه واسم أمه؛ وهذا عجيب! ثم قال: أنتم طلبتوني ليه؟ فقال الرجل الذي قام بتحضيره: الشيخ غير مصدق أنك روح سيدنا الحسين، وبيقول إني كذاب، والروح التي بتحضر كذابة. فقالت الروح: طيب. أعطني إذْن أتكلم مع الشيخ ياسين، كي أقنعه، قبل أن تصرف الجلسة.

فقال الرجل: اتفضل، يا شيخ ياسين، تكلم مع مولانا الحسين ـ رضي الله عنه ـ. ياسين هو الذي يسأل:

س: روح مين اللي حضرت؟

ج: روح الحسين بن علي بن أبي طالب.

س: من أمك؟

ج: فاطمة الزهراء.

س: السيدة فاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ هي التي توفيت قبل أبيها أم أبوها ـ صلى الله عليه وسلم ـ توفي قبْلها؟

ج: توفيت قبل أبيها بسنة ونصف وثمانية أيام!

س: هذا كذب؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ توفي قبل السيدة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بحوالي ستة أشهر.

ج: أنتم بتحضروني علشان تسألوني أسئلة لا تفيد!

س: أهذه أسئلة لا تفيد؟ هل أنت روح الحسين فعلاً؟

ج: نعم، نعم أنا روح الحسين فعلاً.

س: ما هو التاريخ الهجري والتاريخ الميلادي لوفاتك؟

ج: لما توفيت، كان لا يوجد تاريخ معروف عند المسلمين (وهذا غير صحيح)[2].

س: إنت كنت فين، لما الرجل حضَّرك؟

ج: كنت في السماء السادسة، وجاءني ملك، وقال لي: الشيخ فلان طلبك، فنزلت أسرع من طرفة عين!

س: سأقرأ بعض آيات القرآن.

ج: (صمت).

ثم قرأت بعضاً من آيات القرآن، مثل آية الكرسي وآيات أخرى، فسمعت استغاثة من الروح، وهو يستأذن في الانصراف. فقلت: لا يمكن تنصرفي حتى أعرف حقيقتك. فقالت: أنا جن من أتباع الجن الأبيض.

س: وليه تقول إنك روح سيدنا الحسين؟

ج: أنا لقيت الشاب بيحضَّر، فحضرت لمداعبته، فقال: أنا عايز أعرف روح مين اللي حضرت، فقلت له: أنا سيدنا الحسين.

س: طيب. لماذا لم تقل له إنك روح أي واحد من النصارى، طالما أنه هو مسيحي؟

ج: أنا جن من سكان المزابل، تبع الجن الأبيض.

س: انصرف ـ عليك لعنة الله ـ. فانصرف وله عواء مثل الكلب.

فقال صديقي: الآن جاء الحق، وزهق الباطل. فقلت له: إن الباطل كان زهوقاً. وانتهت الجلسة.

الجلسة الثالثة

قال الشيخ: "حضر إليّ رجل محترم، وله وظيفة مرموقة بالدولة. وقال لي: عندي سر، أريد أن أبوح به لك. فقلت: اتفضل، يا صديقي؛ فأنا أخ لك. فقال: والدي ـ رحمه الله ـ توفي منذ ثمانية أشهر، وأريد أن تحضر لي روحه؛ علشان فيه سر، أريد أن أعرفه.

فقلت له: يا صديقي، ما كنت أنتظر منك أنك تؤمن بهذه الخزعبلات! وهل تؤمن بأن أرواح الموتى تحضر، بعد أن صارت إلى مكان لا يعلمه إلاَّ الله؟

قال: إن الناس يشكرون فيك، ويقولون: عليك بالشيخ ياسين، فهو يخلص لك كل شيء.

فقلت له: سبحان الله! اللهم لا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم، رب إني بريء مما يقولون. وعلى كل حال، يا صديقي، أنا سأقوم بتحضير الروح، وبعد انتهاء الجلسة، لي معك كلام.

ودخلنا غرفة في منزله، وتلوت آيات من القرآن، وطلبت روح والد صديقي، فحضرت الروح بالغرفة، وألقت علينا السلام.

الروح: السلام عليك، يا بني، وأنت يا شيخ ياسين.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إن كنت مؤمنة.

الروح: صلوا على النبي كثيراً، سمعوني صلاة النبي كثير كثير كثير.

الشيخ: إنت روح مين؟

الروح: أنا روح الأستاذ (...)، والد (...) اللي جالس معاك.

الشيخ: نجلك يستأذن في الكلام معك.

الروح: يتفضل.

الشيخ: اتفضل، يا أخ (...)، تكلم مع روح والدك.

الابن: أنت روح والدي فعلاً؟

الروح: طبعاً، لا شك.

الابن: أريد أن أعرف تاريخ وفاة والدي.

الروح: (ذكرت له تاريخ الوفاة).

الابن: صح.

الابن: عايز أعرف والدي كان له عند من فلوس؟ ومن له عند والدي فلوس؟('قال شيخ الإسلام، ابن تيمية، في كتاب ` الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان`، ما نصه: ` وقد جرى لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار، بأرض المشرق والمغرب، أن يموت لهم الميت؛ فيأتي الشيطان، بعد موته، على صورته، وهم يعتقدون أنه ذلك الميت، ويقضي الديون، ويرد الودائع، ويفعل أشياء تتعلق بالميت، ويدخل إلى زوجته ويذهب، وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار، كما تصنع كفار الهند`.').

الروح: أنا لي عند جارنا محسن مبلغ 11 جنيه، وعند فلان كذا، وفلان كذا. والساعاتي فلان، لي عنده ساعة، كان بيمسحها، وأخذ مبلغ 45 قرشاً لمسحها.

الابن: عقد المنزل، لم نعرف مكانه؛ أين هو؟

الروح: العقد عند الشيخ شاهين جاد الحق.

الابن: لماذا أعطيته له؟

الروح: لكي يقوم بتسجيل المنزل.

الابن: الشيخ شاهين توفي من شهرين.

الروح: روح لابنه الكبير، واطلب منه العقد.

الابن: ما فيش أمارة نعطيها له؟

الروح: قل له: هات العقد اللي في الصندوق الصغير في الصندلة، وعليه قطعة حصير قديمة.

الابن: شكراً شكراً، يا روح والدي، إنتي عايزة حاجة؟

الروح: المقبرة اللي أنا فيها، انقلني منها، واعمل لي ضريحاً في أي مكان، بعيداً عن المقابر؛ كي تزورني ويقرأوا عندي قرآن كثير، لأني أحب القرآن؛ وأنا النهاردة حاجيلك في المنام، وأعرفك المكان اللي إنت حتعمل لي فيه المقبرة.

الابن: أي حاجة ثانية؟

الروح: لا. لا. (وانتهت الجلسة).

بعد ذلك توجه الابن إلى جميع الإخوة، الذين ذكرت له الروح أن له أموالاً عندهم. وقد وجد هذا صحيحاً، ووجد عند الساعاتي ساعة، فعلاً، قد تركها والده. وسأل الابن الأكبر للشيخ شاهين عن عقد المنزل، فبحثوا عنه، ولم يجدوه. ومن العجيب، أنه في الليلة نفسها، جاءه، في المنام، وقال له: ادفني في أي مسجد، ليس فيه ضريح؛ وإن لم تجد مسجداً، فابن لي مسجداً، فوراً، ولو استدنت، ولو بعت المنزل.

ثم قابلني هذا الصديق، بعد أسبوعين، وأخبرني أن كل ما قالته الروح صحيح؛ ولكن لم يعثر على عقد المنزل، وأنه يريد جلسة أخرى. فقلت له: يا صديقي، الروح التي حضرت، ليست روح والدك؛ إنما هي قرين من الشياطين.

قال: مستحيل؛ لأن كل الكلام صحيح. وإيه اللي عرّف الشيطان بهذه الأسرار، التي كان لا يعرفها إلاَّ والدي؟

فقلت له: في الجلسة التالية، سترى عجباً.

الجلسة الرابعة

قال الشيخ ياسين: قمت بتحضير، الروح للمرة الثانية، ودار هذا الحوار.

الشيخ: روح من؟

الروح: أنا روح الأستاذ (…)، والد الأستاذ (…) اللي معاك. وأنا تقابلت معه في المنام، وعرّفته إن لم يجد مسجداً، فليبن مسجداً، فوراً، وإنت ساعده في بناء المسجد، لكي أدعو لك.

الشيخ (بعد أن هدد تلك الروح): روح مين اللي حضرت قبل ذلك، وأخبرتنا بكذا وكذا وأيضاً روح مين اللي معنا الآن؟

الروح: أنا الروح اللي حضرت قبل ذلك، وأنا الموجودة الآن.

الشيخ: روح مين؟ اصدقيني، ولا تكذبي.

الروح: أنا قرين والد الأستاذ (...) اللي جالس معاك.

الشيخ: وكيف عرفت أن والده الأستاذ فلان له كذا وكذا؟ (وذكرت كل اللي حصل في الجلسة السابقة).

الروح (القرين): لأني كنت ملازمه في حياته.

الشيخ: ولماذا طلبت أن نعمل له ضريحاً في مسجد، وننقل فيه الجثة؟

القرين: أقول لك الصراحة، وتصرفني؟

الشيخ: نعم.

القرين: لأن عندكم في الكتب حديث عن رسول الله r يقول: ]لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ؛ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ؛ فَقَالَ، وَهُوَ كَذَلِكَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ؛ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 417).

الشيخ: وأنت، لماذا تقول ذلك؟ وماذا تقصد؟ وما هو العائد عليك؟

القرين: لأني مش مسلم. وإحنا عايزين المسلمين دائماً يكونوا مثل عُبَّاد الأوثان. أعطيته شوية كلام صحيح؛ علشان يصدق إني روح والده.

الشيخ: انصرف، يا قرين السوء. اللهم لعنة الله عليك، وعلى أمثالك.

وانصرف الشيطان، الذي كان يدّعي أنه روح الأستاذ (...). واقتنع صديقي بأن الذي كان يحضر ما هو إلاَّ قرين، وخرج من الجلسة، وهو يحمد الله، الذي أظهر له الحق من الباطل.

سادساً: خطر استحضار الأرواح

تستند الروحانية الحديثة إلى أفكار، تهدف إلى هدم الدين؛ إذ تنادي بوحدة الوجود، أي أن الله والعالم شيء واحد؛ فضلاً عن استنادها إلى تناسخ الأرواح، وخلود الدنيا وعدم فنائها، والتكذيب بوجود بعث أو قيامة أو حساب. وذلك يتضح من قول "سلفر برش"، الملقب بنبي الروحانية الحديثة، ورائد جمعية، تسمى "الجمعية الإسلامية الروحانية"، : "إني صوت منبعث من السماء، ينادي أهل الأرض، أن آمنوا بالله ـ إني أحمل رسالة هداية من السماء، أعد خطواتها بدقة، عباد مخلصون لله تجمعوا في ملكوته الأعلى. إن دوري هو دور رسول، يبلغ الرسالة، ولقد جاهدت لأكون أميناً في إيصال ما حملته".

ثم يقول: "تذكروا دائماً أنكم في الله، وأن الله فيكم ... إن اليوم الذي تنتشر فيه التعاليم الروحانية في عالمكم، سيكون فجراً ليوم سعيد، تزول فيه الفوارق بين الشعوب، وتهدم الحواجز بين الأجناس، وتذوب الفوارق بين الطبقات، وتتلاقى الأديان حول حقيقة واحدة".

ثم يدعو دعوة صريحة إلى ترك العبادات جميعها، من صلاة أو صوم أو حج، فيقول: "إذا كان التعصب للأديان، يتمثل في أوهام إقامة المناسك، ويعطل البشر عن التلاقي والتعاون والتآلف؛ وبالفعل، فإن إقامة المناسك جميعها، تؤدي هذا ـ فلنعلم أن الدين ليس في المناسك، وعلى البشرية أن تنحيها جانباً، ولنتحد جميعاً في هذا الأمر الجديد من الاتصال الروحي. إن الشعائر والعبادات، لا نفع لها؛ وإنما المطلوب أن يتدرب الناس على تركيز القوة الروحانية".

ومن العجيب أن "سلفر برش" هذا، هو المرشد العام لكثير من الجمعيات، المنتشرة في بعض البلاد العربية، خاصة مصر. وهو يعلن صراحة إنكار نبوّة محمد، فيقول: "المسيح هو أعظم من نعرف. ولم يحدث، قبْله، ولا بعده، أن نزل وحي إلهي إلى الأرض. لقد كان عيسى هو آخر الأنبياء والمعلمين، بعد أن وُلد من أبوَين يهوديَّين. ولقد صُلب، بعد أن بشَّر بتعاليم، تخالف كنيسة عهده". ويسترسل في ضلاله، فيقول: "لا توجد جنة، ولا جهنم. إنهما تصورات عند محدودي البصر. لا تتقيدوا بكتاب واحد، ولا معلم واحد، ولا مرشد واحد؛ بل التزموا بتعاليم الروح الأعظم وحده، الذي يتصل بنا".

 



[1] السِّلال: جمع سلة. وهي طريقة لاستحضار القرناء "أو الأرواح المزعومة، كما يقولون" بالسلة. وهذه الطريقة، أدخلها إلى مصر، في الخمسينيات، كاتب صحفي معروف، ونشرها على الناس، في غيبة الدين. وقد لاقت رواجاً بين الشباب خاصة، فأصيب أكثرهم بالأمراض، العضوية والعصبية والنفسية، واقترنت بهم الجن.

[2] استشهد الحسين بن علي ـ رضي الله عنه ـ في 10/1/61 هـ، الموافق يوم الثلاثاء 10/10/680 م. علماً أن بداية التاريخ الهجري، يوم 16 يوليه 622 م.