إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / استحضار الأرواح









شُبُهات

المبحث الثالث

خُدَع وألاعيب واضحة

يكتنف استحضار الأرواح كثير من الغش والخداع، يصعب على المشاهد اكتشافه، مهما اتخذ من حيطة. وقد لفت محمد محمد حسين إلى أربعة عوامل في علمية استحضار، تنمّ بالتضليل والتلبيس، وهي:

1. الظلام.

2. الخباء.

3. الوسيط.

4. شهود الجلسة.

لا تجري عملية الاستحضار إلاَّ في ضوء أحمر شاحب، يكاد يقرب من الظلام؛ إذ إن "ظواهر التجسد، والصوت المباشر، ونقل الأجسام وتحريكها، تجري في ظلام دامس، لا يستطيع معه المراقب تبيّن مواضع الجالسين، ولا مصدر الصوت. ولا يستطيع، كذلك، أن يميز شيئاً من تفاصيل المكان كجدرانه أو أبوابه أو نوافذه أو أثاثه".

أما الخباء، فالمقصود به حجرة جانبية، معزولة، تحُول دون رؤية الحاضرين لما يجري في داخلها؛ ولكنها متصلة بالحجرة المظلمة، المُعَدة لأن تكون مسرحاً لما يجري من مشاهد. ويستعاض عن الحجرة الجانبية، في بعض الأحيان، بخباء، أو بجانب من الحجرة المظلمة، يفصله عن الجالسين حجاب كثيف. "وهذا المكان المنعزل مُعَد لجلوس الوسيط، الذي تجري على يديه ظواهر التجسد المزعوم. ومن هذا المكان، المحجوب بستار، يضاف إلى حجاب الظلام السابق، تخرج الأرواح المزعومة متجسدة. والروحانيون يزعمون أن الظلام مُعِين على تكوين ما يسمونه "الإكتوبلازم"، المستمد من جسم الوسيط، والمُعِين على تجسد الأرواح".

وهذا الخباء، الذي لا بدّ أن يعَد إعداداً معَّيناً لعملية الاستحضار، أَلاَ يمكِن أن يجهَّز بما يلزم من آلات وأشياء، تخدع الحاضرين، في جو مظلم، لا يستطيع الإنسان فيه أن يميز ما يدور حوله؟

أما الوسيط، فهو العمود الفقري لعملية الاستحضار؛ إذ يُزعَم أن فيه استعداداً فطرياً، يؤهله لأن يكون أداة، يجري من طريقها التواصل بينه وبين الروح؛ وهذا الاستعداد ناجم عن وجود "الإكتوبلازم" في جسمه. ولا يشترط في الوسيط، أن يكون متديناً، أو مستقيم السيرة والخلُق، بل الشرط الوحيد هو وجود تلك المادة في جسمه، والتي تتيح له "رؤية غير المنظور، وسماع غير المسموع، والكتابة التلقائية، والتواصل عن بعد. وذلك كله يعتمد على الوسيط، ونتائجه كلها منوطة بصدقه وأمانته؛ ومن المسلَّم به، عند الروحانيين أنفسهم، أن بين الوسطاء كثيراً من الغشاشين والمخادعين".

وشهود الجلسة، يراوح عددهم بين عشرة وخمسة عشر شخصاً. ويشترط لنجاح الجلسة، أن يكون نصفهم، على الأقل، شهوداً دائمين، لا يتغيرون، من المواظبين على حضور الجلسات؛ ويعلل الروحانيون ذلك، بأن التوافق والتعارف شرط ضروري للجلسة الناجحة. ولكن حقيقة الأمر، هي أن اشتراط هذا الشرط، ليس إلاَّ وسيلة من وسائل التحكم في كل ما يجري في الجلسات؛ ما يضمن أن لا يخرج الأمر من أيدي المدبّرين. وما أسهل تعليل الفشل إذا تعذر الاستحضار، بسبب شدة الرقابة، بأن الوسيط غير ناجح! أو أنه مجهَد مكدود ! أو أن شهود الجلسة غير متوافقين، أو أن بينهم من هو مشكك، متحدٍّ؛ ويُزعَم أن تلك الريبة تفسر الظروف المهيأة لنجاح عملية الاستحضار. وإذا حدث ذلك، طلب من الحاضرين الاشتراك في الغناء، أو في سماع الموسيقى، من أجل تجميع القوة الروحانية، وتهيئة الظروف للعملية.

ولكن محمد محمد حسين، يؤكد أن فشل العملية عائد إلى أن عملية الخداع، لم تكن محبوكة، فيقول: "أما أصحاب العقول السليمة، فهم لا يستطيعون تعليل ذلك، إلاَّ بإتاحة الفرصة للمتلاعبين؛ بإلهاء المراقبين عن الانتباه؛ فهو شبيه بالموسيقى أو الغناء، الذي يتخلل فصول المسرحية ومَشاهدها، يتسلى به الحاضرون، ريثما يتمكن الذين يعملون خلف الستار من رفع المناظر القديمة، وإعداد المناظر الجديدة. وهناك وسائل أخرى لتلهية الحاضرين وصرفهم عن الانتباه، منها، مثلاً، ما يزعمونه من أنه إذا وجد نساء، كان من المستحسن أن يجالسن الرجال، بقدر الإمكان؛ لأن هذا يساعد على توافر الظروف، من طريق اختلاط اهتزازات الجنسَين الكظة والرفيقة اختلاطاً ملائماً. ثم يتحدث المجتمعون، ويحمى وطيس الحديث؛ لأن الكلام يساعد على تهيئة الظروف. ومن المعروف أن الحاضرين يجلسون متلاصقين متشابكي الأيدي، فإذا كان ذلك كله في الظلام، وعلى أصوات الموسيقى الحالمة، أَلاَ يعِين ذلك على صرف انتباه الذكور والإناث على السواء؟".

ومن تأمل في كل ما سبق، يُلاحظ أن أدوات عملية استحضار الأرواح، من ظلام وخباء ووسيط وشهود الجلسة، لا تصلح أن تكون بينات على صدق العملية؛ فأدوات الخداع ووسائل الوهم متوافرة، كالظلام والخباء والآلات المثبتة في أنحاء حجرة الاستحضار.

ومن البينات، التي يُزعَم أنها تدل على وجود الأرواح وتجسُّدها، ما يسمى "الصور الروحانية"، أي تصوير أشباح الأرواح بآلات تصوير خاصة.

بيد أن الكثيرين، يرون أن تلك المزاعم باطلة من أساسها، وأن الهالات، التي تظهر في الصور، ما هي إلاَّ نتيجة طبيعية لعملية تحكّم كهربائية في فيلم التصوير. ويقولون إن هذه الهالة، جاءت نتيجة لوقوف رجل في مجال كهرومغناطيسي، يبلغ تردده مليون سيكل، أو فرق جهد، قدره نصف مليون فولت؛ وهو ما ينجم عن الكهرباء الاستاتيكية، ثم وقوع المادة تحت تأثير قوى كهرومغناطيسية، أو موجات من الإشعاع، تؤثر فيها، لتنطلق منها موجات تصطدم بفيلم حساس من نوع خاص، فتؤثر فيه، ويبدو الشيء وكأنما هو يشع بهالات نورانية. ويحتجون لذلك بأنه لو أتينا إلى إنسان نائم في ظلام حالك، ووجّهنا إليه آلة تصوير بالأشعة الحرارية، أو تحت الحمراء، فإنها ترصد الحرارة المنبعثة من جسمه، وتنقلها إلى الفيلم الحساس، فيتأثر بها؛ وعند تحميضه، تظهر حوله حالة غريبة، تتركز حول جسمه، ثم تخف شيئاً فشيئاً، كلما ابتعدت عن الجسم. والتقاط الصور الروحانية، مقصور على الوسطاء وحدهم؛ وليس مسموحاً به لغيرهم.

وبعد، فإن هذه البينة، وغيرها من البينات السابقة، لا شك أنها بينات خادعة، توهِم بعض الناس أموراً، لا صِلَة لها بالحقيقة والواقع.

أولاً: تفسير بعض الأحداث

نشرت جريدة "المصري"، تحت عنوان: "تختفي وهي معه ـ ثم يجد صورتها واسمها على قبر" ـ حادثة خارقة للعادة، نقلتها جريدة "الرفورم" الأسبوعية الفرنسية حادثة لا يجوز أن تمر من غير أن يلتفت إليها الناس عامة، ومن غير أن تحظى، على الخصوص، بالتفاتة وعناية ودراسة وتفسير وبحث وتجربة وتعقيب، من الهيئات، التي يدخل مثل هذه الحادثة في دائرة اختصاصها. وهي تتلخص فيما يلي: نادٍ جديد، في الإسكندرية، يقيم حفلة افتتاحه، في ليلة من الليالي المقمرة. النادي تزدحم فيه جماعة من الشبان والفتيات، يشربون، ويرقصون، ويمرحون.

شاب من الشبان وحيد في هذا المجتمع المرح، يلمح فتاة، تجلس وحيدة، هي الأخرى، بعيداً عن الناس. تقدَّم منها، مُعرّفاً بنفسه، فعرَّفته بنفسها؛ فكانت بينهما صحبة، استغرقت السهرة كلها. ثم آن أن تنصرف الفتاة، فاستأذنت صاحبها، فعرض عليها أن يصحبها إلى مسكنها؛ إذا لم تر في ذلك مانعاً، فلم تمانع. فسألها عن مكان مسكنها، فقالت له: في الشاطبي. وسايرها إلى المنطقة، حيث مدافن الروم الأرثوذكس. وفي هذا الطريق الموحش الساكت الخالي، قالت الفتاة لصاحبها إنها تشعر بالبرد، فخلع سُتْرته ووضعها على كتفَيها، ليقيها البرد. وبينما ذراعاه ممدودتان إلى الأمام، تلبسانها السترة، اختفت الفتاة، واختفت السترة!

أمر عجيب جداً، حار الفتى في فهْمه! أخذ يجري هنا وهناك؛ لعله يرى لها أثراً، فأعياه الأمر، فانقلب إلى منزله، يائساً، وكتفاه ترتعدان من البرد. وقضى ليلته ساهراً، مذهولاً، أين الفتاة؟! وأين ذهبت؟! وكيف؟ وما إن أصبح الصباح، حتى كان الفتى في طريقه إلى المكان، الذي اختفت فيه صاحبته. وعند علامة، عرَّف بها المكان، رأى باب المقبرة مفتوحاً؛ لم يدر ما الذي دفعه إلى دخولها، حيث سار في طريق، لم يكن يقصد أن يسير فيه، حتى ألقى نفسه عند قبر من الرخام أنيق، وقد وُضعت عليه السترة. تقدم مدفوعاً إلى القبر، فرأى عليه اسم صاحبته وصورتها. عندئذ، فقد الشاب سلطانه على أعصابه، لينتهي به الأمد إلى مستشفى كبير، في الإسكندرية.

وقد تردد أنه تكرر مثل هذه الحادثة، في أماكن أخرى، في القاهرة وغيرها.

ثانياً: تفسير الحادثة، عند القائلين بالتجسد الروحاني

وقد نشرت الجريدة نفسها، في 5 سبتمبر 1948، تفسيراً للأستاذ أحمد فهمي أبو الخير، قال فيه: "الحادثة، في الواقع، تجسد لروح فتاه ميتة؛ وتجسد أرواح الموتى من الظواهر، التي أقرها العلم الحديث، واعترف بها العلماء. ثم ساق الكثير من الدلائل على حدوث التجسد، إلى أن قال: ولو كان الفتى تنبه، عند اختفاء الفتاة، لوجد الطعام الذي أكلته، والشراب الذي شربته، في البقعة التي اضمحل فيها التجسد، فاختفت عن عينيه، واكتفت الروح، عندئذٍ، بتجسد جزئي طفيف، مكّن يديها من تعليق السترة فوق القبر.

ثالثا: اجتهاد في تفسير الحادثة

ما الذي يُجبر الروح أن تأتي من العالم الآخر، من بين يدي الله، لتسرق وتتسول وتهرب وتحضر حفلات الرقص والطبل والزمر؛ وتتسكع في الشوارع، بلا عمل أو مأوى، في انتظار من يلهو معها؟ وهل تعود الأرواح من عالم البرزخ، لتمارس هذه الجرائم، هكذا، دون قيد يحكمها، أو قانون ينظمها، وكأنها لها مطلق الحرية لتهرب من النار أو من الجنة، وتمارس تلك النشاطات المزعومة؟ ('قال الشيخ محمد الغزالي، في كتابه "ركائز الإيمان": يقول معتنقو الروحانية الحديثة، إن بعض الأرواح، تستأنف سلوكها الأول. وإن بعضها يشتغل بالوعظ والإرشاد؛ وبعضها يشتغل بالطب وعلاج المرضى؛ وبعضها يشتغل بالنصح الفردي، وحل المشكلات الأرضية؛ وبعضها يتسكع دون عمل، أو يمد يده بالأذى للأحياء؛ وبعضها يدور مذهولاً، لا يدري أنه مات. هكذا يكتب الروحانيون. بل إن بعض طلب الأرواح، عندما استُحضر، سيجاراً، يدخنه. فكيف يزعم قوم أن الأرواح تعمل بعد الموت، وأنها تشتغل بالطب والتعليم حيناً، والتسول والاعتداء حيناً!').

وتفسير الحادثة أن هذه المزعومة ليست روحاً لمتوفاة، كما يزعمون؛ وإنما هي جنِّيّ، تجسد في شكل آدمية؛ ليفتن بها هؤلاء المغرَمين بالروحانية الحديثة؛ ولعله قرين الفتاة.

رابعاً: تجسد الجن في صور آدمية

أتى الشيطان لقريش، في صورة شيخ نجدي، حينما اجتمعت قريش، في دار الندوة، لتمكر برسول الله r، كما قال تعالى: ]وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[ (سورة الأنفال: الآية 30).

وإذ أجمعت قريش الخروج إلى بدر، ذكروا ما بينهم وبين بني كنانة، من الحرب؛ فكاد ذلك يثنيهم. فتبدى لهم إبليس، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال لهم: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه؛ فخرجوا، والشيطان جارٌ لهم، لا يفارقهم. فلما دار القتال، ورأى أن جنده هم المهزومون، نكص على عقبَيه. فقالوا: إلى أين، يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: "إني أرى ما لا ترون. إني أخاف الله؛ والله شديد العقاب".

قال شيخ الإسلام، أحمد ابن عبدالحليم بن تيمية ـ رحمه الله:

كثيراً ما يتصور الشيطان بصورة المدعو، المنادَى، المستغاث به، إذا كان ميتاً؛ وكذلك، قد يكون حياً، ولا يشعر بالذي ناداه. بل يتصور الشيطان بصورته، فيظن المشرك الضال، المستغيث بذلك الشخص، أن الشخص نفسه أجابه؛ وإنما هو الشيطان. وهذا يقع للكفار المستغيثين بجرجس وغيره من قِدِّيسِيهم. ويقع لأهل الشرك والضلال، من المنتسبين إلى الإسلام، الذين يستغيثون بالموتى والغائبين، يتصور لهم الشيطان في صورة ذلك المستغاث به، وهو لا يشعر.

وأعرف كثيراً، وقع لهم في عدة أشخاص، يقول لي كلٌّ من الأشخاص: إني لم أعرف أن هذا استغاث بي. والمستغيث قد رأى الذي هو على صورة من استغاث به، وظنه هو. وذكر لي غير واحد، أنهم استغاثوا بي، كلٌّ يذكر قصة غير قصة صاحبه[1]. فأخبرت كلاً منهم، أني لم أجب أحداً منهم، ولا علمت باستغاثته. فقيل: هذا يكون مَلَكَاً؟ فقلت: الملك لا يغيث المشرك؛ إنما هو الشيطان أراد أن يضله.

خامساً: روح العذراء مريم ـ عليها السلام ـ

قال الشيخ محمد الغزالي: "سرت إشاعة عن ظهور العذراء مريم للناس، في كنيسة بالزيتون (حي في القاهرة). وبين عشية وضحاها، أصبحت كعبة الآلاف، فقد شاع وملأ البقاع، أن العذراء تجلت شبحاً نورانياً فوق برج الكنيسة، ورآها القسيس وغيره في جنح الليل البهيم. وكأنما الصحف المصرية كانت على موعد مع هذه الإشاعة، فقد ظهرت كلها، بغتة، وهي تذكر النبأ الغامض، وتنشر صورة البرج المحظوظ، وتلح إلى حد الإسفاف في توكيد القصة؛ وبلغت من الجرأة، أنها ذكرت تكرار التجلي المقدس في كل ليلة. وذهبت أنا والشيخ محمد أبو زهرة وآخرون، ومكثنا ليلاً طويلاً، نرقب الأفق، ونبحث في الجو، ونفتش عن شيء، فلا نجد شيئاً. وعدنا وكتبنا ما شاهدنا، وفوجئنا بالرقابة تمنع النشر. وقال لنا بعض الخبراء: إن الحكومة محتاجة إلى جعل هذه المنطقة سياحية، لحاجتها إلى المال، ويهمها أن يبقى الخبر، ولو كان مكذوباً".

وقد كتب الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين الفندي، الأستاذ بكلية العلوم، في القاهرة، تفسيراً علمياً لهذه الظاهرة، مبيّناً أنها تُعرف، في كتب العلم، باسم "نيران سانت إلمو"؛ وقد أوردتها دائرة المعارف البريطانية، في المجلد الرابع والعشرين، في الصفحة الأولى، تحت اسم: St. Elmo’s Fires، فقالت حرفياً: "نيران سانت إلمو: هي الوهج، الذي يلازم التفريغ الكهربائي البطيء، من الجو إلى الأرض. وهذا التفريغ المطابق لتفريغ "الفرشاة"، المعروف في تجارب معامل الطبيعة، يظهر، عادة، في صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة، التي على غرار برج الكنيسة، وصاري السفينة، وحتى نتوءات في الأراضي المنبسطة؛ وتصحبها، عادة، ضوضاء، طقطقة، وأزيز. وتشاهد نيران سانت إلمو، أكثر ما تُشاهد، في المستويات المنخفضة، خلال موسم الشتاء، أثناء عواصف الثلج وفي أعقابها؛ فإن القسم البارز على سطح الأرض، كصواري السفن، إذا تعرّض لمجالات شديدة، من حالات شحن الكهرباء الجوية، يُحدِث تفريغاً وهجياً واضحاً".

وهذا الكلام يطابق تماماً ما أوردته جريدة "الأهرام"، في وصفها لتجلي العذراء "هيئة جسم كامل، من نور، يظهر فوق القباب الأربع الصغيرة لكنيسة الزيتون، أو فوق الصليب الأعلى للقبة الكبرى، أو فوق الأشجار المحيطة بالكنيسة".

وبالعودة إلى الحالة الجوية، التي سبقت رؤية تلك الظاهرة ولازمتها، يتبين أن البلاد كانت تجتاحها موجة من الهواء شديد البرودة، فاق برد أوروبا؛ ما وفَّر الظرف الملائم لتولد موجات كهربائية، بسبب عدم الاستقرار.

وكثيراً ما تظهر تلك الظاهرة على قمم الأشجار والجبال، فتتوهج، وتبدو كأنها تحترق؛ وكثيراً ما خدعت بعض الطيارين، فأبلغوا حرائق وهمية، تكاد تمسك بهامات الأشجار، في الغابات؛ بل أعلنوا أنهم شاهدوا هالات عجيبة، تحيط بطائراتهم، أثناء تحليقها في الجو، فتُحدِث تداخلاً في أجهزة الاتصال. كما أنها قد تصبح هدفاً مباشراً لعملية تفريغ مفاجئ من شحنة مضادة، ما يؤدي احتراق الطائرة. فبادر العلماء إلى تجارب عديدة على هذه الظاهرة؛ إذ وضعوا نموذجاً صغيراً لطائرة مشحونة بالكهرباء الساكنة؛ فظهرت حولها تلك الهالات، في ظروف ملائمة. ثم تبين أن ما ظنه الطيارون ناراً أو حريقاً، لم يكن، في الحقيقة، إلاَّ ظاهرة طبيعية بحت.

سادساً: أرواح تعالج المرضى، وتجري عمليات جراحية

تزعم الجمعيات المشتغلة باستحضار الأرواح أنه يمكن استخدام أرواح الموتى، أو أرواح بعض الأحياء، في علاج المرضى من البشر، بل وعلاج الأمراض المستعصية، التي أعيت الأطباء. ففي مجلة "عالم الروح"، عدد يونيه 1948، مقال للدكتور صابر جبرة، يقول فيه: "وهناك مرضى كثيرون، في البلاد الأوروبية، وفي مصر نفسها، عولجوا بهذه الطريقة الروحانية، وكشف الله عن بصيرتهم، فرأوا الأرواح وهي تعالجهم رأي العين. ووصفوا أشكالها، وطريقة علاجها، وما معها من الأجهزة الروحانية، التي تستعملها. وهناك كثير من الحضور في الدوائر الروحانية، رأوا بأعينهم أضواء غريبة، لها أشكال مختلفة؛ منها ما يشبه الشرر الكهربائي، ومنها ما يشبه الشموع. ومن المرضى من يحس بحرارة العلاج، وقوة التدليك، أو الحقن أثناء علاجه الروحاني".

وقال الدكتور مصطفى الحديدي الطير، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأستاذ التفسير في الأزهر: "أما العلاج الروحاني، فإنه أمر واقعي، ومفيد، في كثير من الأحيان، للأمراض المستعصية وسواها. وقد عرفنا ذلك عن يقين، ولكننا لا نستطيع القول بأن تلك الأرواح المُعَالِجة، هي أرواح الإنس الذين ماتوا؛ فقد تكون أرواح جن، حضرت متبرعة بالعلاج، وكانت بصورة من أُريد استحضار أرواحهم للعلاج.

ومن الأمور المسلَّمة، أن من الجن من هو ماهر في العلاج وغيره، مهارة قد تفوق مهارة الإنسان؛ فإن لهم قدرات عجيبة، في نواح شتى، وقد سخرهم الله لنبيّه سليمان u في ما لا يقدر عليه البشر، ]يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[ (سورة سبأ: الآية 13). وعرض عليه أحدهم أن يأتيه بعرش بلقيس، ملكة سبأ، في اليمن، ويحضره إلى الشام، قبل أن يقوم من مقامه: ]قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ[ (سورة النمل: الآية 39).

ولسنا من أولئك الذين يصدون الناس عن العلم، ويمنعون النفع به؛ ولكننا نرجو أن يكون تعلمه وتطبيقه واعتقاده، فيه وفقاً لقواعد الدين. ومع أننا نسلم بفوائد العلاج الروحاني، نقول: إنه ربما لا ينجح، إذا لم يصادف مشيئة الله ـ تعالى ـ كما هو شأن العلاج بطريق أطباء البشر الأحياء؛ وكل شيء في هذا الكون، يخضع لإرادة الله العلي الكبير".

ويقول الشيخ الدكتور الحسيني أبو فرحة، عميد كلية الدعوة الإسلامية، في جامعة الأزهر، سابقاً: "الجن لهم قدرات وخبرات ببعض أنواع الطب، يدركونها عن طريق الإنس أحياناً؛ لأنهم يسمعون كلامنا من حيث لا نراهم، وعن طريق خبرتهم من جهة أخرى".

وروى الإمام الحافظ ابن أبي الدنيا، في كتاب "الهواتف"، بإسناد حسن، عن زيد بن وهب، قال: غزونا فنزلنا في جزيرة، فإذا حجرة كبيرة. فقال رجل من القوم: إني أرى حجرة كبيرة، فلعلكم تؤذون من فيها (أي ساكنيها من الجن)، فحَوَّلوا نيرانهم. فَأُتي من الليل، (لعله أراد أن الجن أتته ليلاً، في اليقظة أو في المنام)، فقيل له: إنك دفعت عن ديارنا، فسنعلمك طِبّاً، تصيب به خيراً، إذا ذكر لك مريض وجعه، فما وقع في نفسك أنه دواؤه فهو دواؤه. قال: فكان يُؤْتَى في مسجد الكوفة. قال: فأتاني رجل عظيم البطن، فقال: انعت لي دواءً، فإني كما ترى، إن أكلت، وإن لم آكل. فقال: ألا تعجبون لهذا! يسألني، وهو ميت، في هذا اليوم من قائل (أراد وقت القيلولة: أي منتصف النهار، في الظهيرة). قال: فرجع. ثم أتاه عند وفاء ذلك الوقت، وأناس عنده. فقال: إن هذا كذاب. فقال: سلوه ما فعل وجعه؟ قال: ذهب. قال: أنا خوفته بذلك.

وادعى نفر من الناس (أكثرهم، إن لم يكن كلهم، من الفيلبينيين)، أن له طاقات روحانية عجيبة، تتمثل في أنه يمرر يده على بطن مريض، مثلاً، فيشقّها، من دون آلات جراحة، ولا تخدير، ولا ألم. ثم يستأصل الأجزاء التالفة والمعطوبة من أجزاء البطن، ويُخرجها للناس أمام أعينهم، ثم يمرر يده في مكان الجرح، فترجع البطن إلى وضعها الأول، لا أثر للجراحة، لا نزف للدم، ولا داعي لاستخدام خيوط الجراحة‍.

وهذه العجيبة، لا تستغرق إلاَّ دقائق قليلة، ولا تستنزف إلاَّ قليلاً من الدم. ولا يقتصر إجراؤها على البطن فقط، إنما تشمل جراحات في المخ والقلب والرأس والعين، وكل أجزاء الجسم البشري؛ بل يمكن إجراء غير عملية، في وقت واحد، وبنفقة زهيدة. وفي دقائق معدودات، فما حقيقة الجراحة الروحانية؟

منذ عدة سنوات، هللت الجرائد المصرية للفيليبيني "أليكس"، ولا سيما جريدة "أخبار اليوم"، التي أطنبت في ذِكر هذا الرجل وبركاته وطاقاته وكراماته. ثم لم يلبث الأمر أن انكشف عن خدعة كبرى؛ إذ سافر عدد من المرضى المصريين، وقابلوا "أليكس"، الذي أجرى عملية لكل منهم؛ فاستأصل طحالاً، ورح غيناً وأنفاً، واستخرج حصيات من المرارة … إلخ. ولما عاد هؤلاء المرضى إلى القاهرة، عُرِضوا على جماعة من أساتذة الطب المصريين، الذين كشفت لهم الأشعة، أن الطحال لا يزال موجوداً ومتضخماً، وحصيات المرارة، لا تزال في مكانها.

يقول عبدالمحسن صالح: من بين عشرة جراحين روحانيين، في الفيليبين، يبرز اسم "ديفيد"، الذي مارس المهنة أكثر من 17 عاماً، وورث أصولها عن والده، عندما بلغ من العمر 24 عاماً. وهو يجري، في الأيام العادية، عدداً من العمليات الجراحية الروحانية، يراوح بين 17 و18 عملية، يومياً؛ وقد يقفز العدد في أيام الآحاد إلى 50، و ربما 100 عملية. وتستغرق تلك العمليات أوقاتاً قياسية.

وأمام الدكتور الأمريكي "نولين"، أجرى "ديفيد" عملية جراحية في البطن لسيدة، تشكو مرضاً في بطنها. بدأت مراسم الجراحة بصلاة ودعاء. ثم أحضرت مساعدته مطهراً، ومس به بطن المريضة؛ ووضعت المساعدة ثلاث قطع صغيرة من القطن على البطن. وبدا "ديفيد"، بيدَيه العاريتَين، وكأنما يعجن بطن المريضة، وبعد ثوانٍ قليلة، اختفت القطع القطنية، التي كان يعجنها، كذلك، في بطن المريضة. وفجأة، وبعد لحظات من اختفاء القطن، بدأ سائل أحمر أدكن ينز من بين أصابعه. وعند هذه اللحظة، لم يكن تظهر من أصابعه إلاَّ السُلاميات أو العُقَل المجاورة لراحة اليد، أما أصابع اليد الأخرى، فكانت تحيط بها وتخفيها، ثم تظهرها في وضع، يوحي بأنها تغوص، بالفعل، داخل بطن المريضة، وأن السائل الأحمر ليس إلاَّ دماً، ينزف من البطن.

وبعد نحو دقيقة، أخرج "ديفيد"، بيده اليسرى، من بطن المريضة، قطعة حمراء، ملتوية، يبلغ طولها خمسة سنتيمترات؛ بينما كانت يده اليمنى غائصة في البطن. وأعلن أن ما أخرجه جلطة دموية. وعاد يعبث بأصابعه في بطن المريضة، الذي وضعت عليه المساعدة مزيداً من قطع القطن، التي سرعان ما اختفت بين يدَي "ديفيد". وبعد لحظات، أخرج كتلة أطول وأكبر من سابقتها؛ وأحاط الحاضرين علماً، أن ما أخرجه ليس إلاَّ نسيجاً فاسداً في المعدة. ولم تستغرق هذه العملية سوى ثلاث دقائق. بادر الدكتور "نولين" إلى فحص بطن المريضة، ولم يجد فيه أثراً لجرح أو خدش، أو أي علامة، تدل على شَقِّ البطن، ونزف الدم، واستئصال هذه الأنسجة. أما قطع القطن، المبللة بالسائل الأحمر، فقد اختفت بسرعة، كما اختفت الأنسجة الفاسدة؛ إذ إن هؤلاء لا يمكّنون أحداً من فحصها، لأمر لا يخفى على لبيب؛ فالجراح الروحاني المزعوم، يُخرج كان الأنسجة المزعومة، ويلقيها في وعاء، لتضرم مساعدته النار فيها. وفي إحدى المرات، كان رجل أعمال كندي، قد أجريت له عملية جراحية روحانية. على يد الجراح الروحاني "توني أجباوا"، الذي زعم أنه استخرج حصاة من كلية رجل الأعمال، أمسكها بيده، ليريه إياها، فخطفها الكندي منه بسرعة، قبل أن يتخلص منها، في وعاء تضرم فيه النار، وأحضرها إلى أحد المستشفيات. والحقيقة أنه لا الدماء قد نزفت، ولا الأنسجة الفاسدة قد استؤصلت، ولا البطن قد شُقَّ؛ بل إن ما حدث كان حركات بارعة، لا تزيد على حركات الحواة؛ فالأنسجة الفاسدة، مثلاً، لم تكن إلاَّ قطع القطن التي عجنها في السائل الأحمر، وأخرجها مفتولة، تشبه أنسجة الجسم الداخلية؛ وما الحصاة إلاَّ قطعة من السكر، لا أكثر ولا أقل.



[1] في مجموع الفتاوى، ج 35/112، قال شيخ الإسلام: إن أحد أصحابه كان خائفاً من التتار، والآخر كان خائفاً من الأرمن. فذكر كل منهما أنه لما استغاث به، رآه وقد طار في الهواء، ودفع عنه عدوه، فأخبرهما (ابن تيمية) أنه لم يشعر بهذا، ولم يدفع عنهما شيئاً، وأن هذا شيطان، تمثل لأحدهما فأغواه، لما أشرك بالله ـ تعالى ـ وفي كتاب "الفرق بين الحق والباطل"، قال شيخ الإسلام: "وقد جرى لي، في مصر وقلعتها، مثل ذلك. وقد ذهب الشيطان، في صورتي، إلى ملك "ماردين"، وأرسل ملك "ماردين" كتاباً بذلك إلى ملك مصر، وكنت في الحبس؛ واستعظموا ذلك، وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنياً".