إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الغناء والموسيقى في الإسلام









1

1. معنى الغناء والموسيقى

أ. الغناء لغة واصطلاحاً

يقول الفيروزآبادي[1]: الغناء من الصوت، "ما طُرّب به" وهذا هو معناه اللغوي. أما معناه الاصطلاحي، كما يقول ابن خلدون: فهو " تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة، يُوقّع كل صوت منها توقيعًا عند قطعه، فيكوّن نغمة، ثم تؤلف تلك النّغم إلى بعضها على نسب متعارفة فيلذ سمعها لأجل ذلك التناسب، وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات". ويمكن أن نُعرّف الغناء بأنه إنتاج الأنغام الموسيقية بصوت الإنسان بكلمات أو من دونها، وهو شكل من الأشكال الطبيعية في التعبير، وتعرفه كافة المجتمعات والثقافات ـ قديمها وحديثها ـ في كافة أنحاء العالم.

ب. الغناء والموسيقى: نبذة تاريخية

لم يكن الغناء في الأصل، إلاّ وسيلة من وسائل الترويح عن النفس. وكذلك الموسيقى، التي تترك تأثيراً مباشراً على النفوس. مثال ذلك ما يلاحظ من أن الأطفال يهدأون عند الإنشاد ذي الإيقاع، وينامون إذا طالت الهدهدة على آذانهم. بل إنّ للغناء والموسيقى تأثيراً على الحيوانات، فالراعي إذا رفع صوته، ونفخ في مزماره تلقته الأغنام بآذانها، وجدّت في رعيها، والدابة تعاف الماء، فإذا سمعت الصفير بالغت في الشرب. فكل الحيوانات تتجاوب بأصوات تشبه الغناء، وأصوات بعض الطيور تشبه الغناء، يقول الشاعر:

والطير قد يسوقه للموت                                  إصغاؤه إلى حنين الصوت

والإبل يزداد نشاطها وقوتها بالحداء[2]، فترتفع آذانها، وتلتفت يمنة ويسرة، وتتبختر في مشيتها. قال سلام الحادي، وكان يُضرب المثل بحدائه، قال مرة للخليفة العباسي أبي جعفر المنصور[3]: "مُرْ يا أمير المؤمنين بأن يظمئوا إبلاً، ثم يوردوها فإني آخذ في الحداء، فترتفع رءوسها وتترك الشرب".

وقد روي في نشأة الحداء عن النبي، r أنه قال: ]أتدرون متى كان الحداء؟ " قالوا: لا بأبينا أنت وأمّنا يا رسول الله، قال: "إن أباكم مضر[4] خرج في طلب مال له (أي إبل) فوجد غلامًا له قد تفرقت إبله، فضربه على يده بالعصا، فعدا الغلام في الوادي، وهو يصيح، وايداه فسمعت الإبل صوته فعطفت عليه (أي مالت)، فقال مضر: لو اشتق من الكلام مثل هذا، لكان كلامًا تجتمع عليه الإبل، فاشتق الحداء[.

لكل أمة من الأمم نوع خاص من الغناء. وقد عرف العرب قبل الإسلام الغناء، وعرفوا من الألحان ما يوافقهم. وكانوا يطربون بقول الشعر في بادىء الأمر، بلا ترنيم ولا غناء. ثم ظهر فيهم الحداء، وهو نوع من الغناء، يتغنون به في سوق إبلهم، وفي خلواتهم ، ثم عمدوا إلى الإنشاد مترنمين، وتفننوا في ترنيمه حتى أصبح على ثلاثة أوجه: النصب والسناد والهزج. أما النصب فغناء الركبان والقينات (أي الجواري). وأما السناد فاللحن الثقيل ذو الترجيح الكثير النغمات والنبرات. وأما الهزج فهو الخفيف الذي يرقص عليه، ويصحبه الدف والمزمار، فيثير الطرب والسرور. وكانت هذه الأوجه من الغناء منتشرة في أمهات المدن الإسلامية، كالمدينة والطائف وخيبر ووادي القرى.

أمّا آلات الموسيقى عند العرب، فأشهرها الدف والمزمار، والشبابة، والبوق، وغيرها مما تفرع عنها من آلات النفخ والقرع.

وعقب الفتوحات الإسلامية، عرف العرب موسيقى الفرس وغناءهم، ويقال: إن دخول الغناء الفارسي إلى البلاد العربية كان عن طريق سعيد بن مسجح[5]، وهو من أبرز المغنين بمكة المكرمة، وكان قد سمع البنائين الفرس يغنون بالفارسية، وهم يعيدون بناء الكعبة عندما استقدمهم عبدالله بن الزبير لذلك. فاستطاع سعيد بن مسجح أن يقتبس غناءهم وطرقهم. كما كان عبدالله بن سُريح، هو أول من صنع عوداً على نمط عيدان الفرس، وقد رآه مع المغنين الفرس. ثم دخلت آلات الأوتار، كالعيدان والطنابير والمعازف، إلى المجتمع العربي من المجتمع الفارسي. ويقولون: إن أصل الغناء أربعة: مكيّان ومدنيان، فالمكيان ابن سريح[6] وابن محرز، والمدنيان معبد[7] ومالك، فكان هؤلاء أشهر المغنين في ذلك الزمن.

وكان الصدر الأول للإسلام، عصراً انشغل الناس فيه بهموم الدعوة ونشرها، ولم يكن لديهم وقت يتسع للغناء والموسيقى. فلمّا قامت الدولة الأموية، وانتقلت عاصمة الخلافة إلى دمشق، اتجه الجيل الجديد بالحجاز إلى الاهتمام بشؤون الأدب والفن، لعلّ فيهما السلوى لما فقده الحجاز، من جاه سياسي عريض، وسلطان ضخم. فظهر من المغنيين طويس[8] والغريض[9] وابن محرز وغيرهم. وانتقل الحجاز من حياة السياسة إلى حياة الأدب والفن، وفي الوقت نفسه اتجه كثير من خلفاء بني أمية، وكثير من عظماء الدولة إلى الاهتمام بالغناء والموسيقى، وحرص بعضهم على أن تكون له قينة مغنية، لا يفتأ يسمعها كلّما أراد السّماع.

وفي عهد الدولة العباسية، زادت العناية بالغناء. فقد كان للعباسيين مزيد اتصال بالفرس، فتهيأ بذلك السبيل لانتشار ثقافة الفرس وأفكارهم. وبذلك، أصبح للغناء والموسيقى دور مهم حتى في حياة بعض الخلفاء، كالواثق بالله[10]، والمنتصر بالله[11]، والمعتز بالله[12]، والمعتضد بالله[13]. وكانت الأميرة علية بنت المهدي[14] إحدى شهيرات عصرها في الموسيقى. وكان الخلفاء يشترطون في المغني أن يكون حافظًا للأشعار والنوادر، ويحسن النحو والإعراب، حتى كان بعض المغنين من أهل الأدب، كإبراهيم الموصلي، الذي كان يحسن الفقه أيضًا، ومنهم إبراهيم بن المهدي[15].

ومع هذا كلّه، كانت مجالس الغناء يهيمن عليها طابع الاحتشام والوقار، وعدم الخروج على ما يخدش الدين أو الحياء، على الرغم مما دونّه صاحب الأغاني من الأخبار المشكوك فيها عن مجالس الخلفاء، وما كانت تعج به من الغناء والقينات والشراب والجواري، وكذلك ما ذكره جورجي زيدان في " روايات تاريخ الإسلام "، وفي تاريخ التمدن الإسلامي، وما جاء في حكايات ألف ليلة وليلة.

ج. مجالات اللهو والترويح في الإسلام

هناك ألوان كثيرة من اللهو، وفنون من اللعب شرعها الإسلام، وأقرها النبي، r ترفيهاً للمسلمين، وترويحاً عنهم. كما أنها، في الوقت نفسه، تهيئ نفوسهم للإقبال على العبادات والواجبات الأخرى، وتجعلها أكثر نشاطًا وأشد عزيمة. وهي، مع ذلك، في كثير من جوانبها رياضات تدربهم على معاني القوة، وتعدهم لميادين الجهاد في سبيل الله.

فمن ذلك مسابقة العدو، وهي الجري على الأقدام، وقد كان الصحابة، رضي الله عنهم، يتسابقون على الأقدام، والنبي، r يقرهم على ذلك.

ومن ذلك المصارعة، فهي لَهْوٌ مشروع، لّما فيه من تدريب على أساليب القتال، وترويحاً للنفس بلون من المنافسة لإظهار القوة والمهارة؛ وكذلك اللهو بالسهام، وهو من فنون اللهو المشروعة. وكان النبي r يمر على أصحابه في حلقات الرمي، فيشجعهم: فعن سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ]مَرَّ النَّبِيُّ r عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ r ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ، قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ r ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2684).

فالرمي ـ مثل المصارعة ـ لم يكن هواية أو لهواً فحسب، بل هو نوع من إعداد القوة، التي أمر الله بها، ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[ (سورة الأنفال: الآية 60)، وقد قال عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3541).

ومن أشكال اللهو، الذي لم يرفضه الإسلام اللعب بالحراب، فقد أذن النبي، r للحبشة أن يلعبوا بها في مسجده الشريف، وأذن لزوجته عائشة أن تنظر إليهم. روى البخاري أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: ]لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، r يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ، r يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 435). وكذلك، ألعاب الفروسية الأخرى، فقد قال تعالى: ]وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[ (سورة النحل: الآية 8)، وعَنْ النَّبِيِّ r ]الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2638)، وعنه أيضاً: ]إِنَّ اللهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَالْمُمِدَّ بِهِ وَقَالَ ارْمُوا وَارْكَبُوا وَلأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1561).

وقد قال عمر، t "علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً".

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سَبَّقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 5095). وهذا يعني تشجيعاً على السباق، وإغراء به، لأنه لهو ورياضة وتدريب.

كما كان الصيد من اللهو النافع، الذي أقره الإسلام، وهو متعة ورياضة واكتساب، سواء كان عن طريق الآلة، كالنبال والرماح، أو عن طريق الجوارح، كالكلاب والصقور.

ولعل الغناء يُعد وسيلة، من وسائل الترويح، في أحيان خاصة، وبشروط خاصة.



[1] محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم (729ـ 817هـ/ 1329ـ 1414م)، الفيروزابادي (مجد الدين) لغوي ماهر في عدة علوم، وله تصانيف كثيرة من أشهرها القاموس المحيط مرتب حسب أواخر الحروف، وأعيد ترتيبه حسب أوائل الحروف له طبعات متعددة.

[2] الحداء: هو رفع الرجل صوته بغناء خاص، لحفز الإبل في السير الطويل.

[3] المنصور: عبد الله بن محمد، أبو جعفر، الخليفة العباسي الثاني، ولد (95هـ/ 714م)، بنى بغداد ودعاها دار السلام، نظم الشؤون الإدارية والمالية والبريد، توفي محرماً بالحج.

[4] مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الجد السابع عشر للرسول ، وهو الجد الأعلى لفريق من القبائل العربية العدنانية.

[5] سعيد بن مسجح: من أهل مكة، وقد اشتُهر بالغناء وكان عبداً أسود، وقد توفي عام 704م.

[6] ابن سُريح: اسمه عبدالله، توفي بعد عام 724م، من أهل مكة، واشتهر بالألحان والضرب على العود.

[7] معبد المُغني (ت 743م) من أعظم المغنيين في العصر الأموي، نشأ في المدينة ورحل إلى الشام حيث نال هناك شهرة واسعة.

[8] طويس: عيسى بن عبد الله (632ـ 711)، من أشهر المغنيين في صدر الإسلام، عاش في المدينة، وكان عارفا بتاريخها، وأنساب أهلها.

[9] الغريض (ت حوالي 716م): اسمه: عبدالملك المغني المكي، أحد الخمسة المغنيين العظام عند العرب، مات في اليمن.

[10] الواثق:  هارون بن محمد المعتصم، تاسع الخلفاء العباسيين، ولد في بغداد (200هــ 815)، شغل بالاختلافات الكلامية، ومات بسامرا.

[11] المنتصر بالله: محمد بن جعفر المتوكل، الخليفة العباسي الحادي عشر، ولد في سامراء (223هـ ـ 838م) وفيها توفي.

[12] المعتز بالله: محمد بن جعفر المتوكل، الخليفة العباسي الثالث عشر، ولد في سامراء (232هـ =  846م)، توصل إلى الخلافة بفضل القادة الأتراك.

[13] المعتضد بالله: أحمد بن طلحة، أبو العباس، الخليفة العباسي السادس عشر، ولد في بغداد (242هـ ـ 857م)، أقام العدل وأصلح أمور بيت المال، عقد صلحًا مع خماروية الطولوني واقترن بابنته، توفي ببغداد.

[14] علية بنت محمد بن عبدالله المنصور، الخليفة العباسي الثالث، وكانت ولادتها بعد تولي أبيها الخلافة سنة (160هـ)، من ملاح زمانها وأظرف بنات الخلفاء، حسنة الدين، وكانت لا تغني إلا إذا كانت معتزلة الصلاة (بعذر) فإذا طهرت أقبلت على الصلاة والقرآن وقراءة الكتب.

[15] إبراهيم بن المهدي (ت 224هـ ـ 839م): عمّ المأمون، وأخو هارون الرشيد، أديب وشاعر ولد ونشأ في بغداد، بويع بالخلافة في غياب المأمون بخراسان ثم عفا عنه المأمون، تعاطى الغناء والضرب والملاهي.